كل يوم اية واحدة وتامل .. asmicheal

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وفيما يسوع مجتاز من هناك، رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متّى، فقال له: اتبعني، فقام وتبعه" [ متى 9 : 9].



كان متّى (لاوي) جالسًا عند مكان الجباية وكان قلبه وكل أحاسيسه وأفكاره قد اِمتُصِّت بالكامل في أمور هذه الحياة وغناها. وكان الأمر يحتاج إلى كلمة من السيّد المسيح: "اتبعني"، قادرة أن تفك رباطاته وتسحب قلبه إلى السماويات، دون تردّد، وبغير حاجة إلى مشورة عائلته أو أصدقائه.



=



 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"صنع له ضيافة كبيرة في بيته، والذين كانوا متكئين معهم كانوا جمعًا كثيرًا من عشّارين وآخرين" (لو 5: 29).



حقًا إذ يتقبّل الإنسان نعمة الله الغنيّة يتبرّر القلب من مكان الجباية حيث دفاتر الحسابات والخزائن المكدّسة بالمال، لا ليعيش في عوزٍ، وإنما ليتقبّل السيّد المسيح نفسه سرّ شبعه وغناه. يقول الرسول بولس: "إنكم في كل شيء استغنيتم فيه" (1 كو 1: 5). يتحوّل القلب الذي كان مسرحًا للهم والقلق إلى ضيافة عظيمة ووليمة يقيمها السيّد المسيح نفسه، ليكون على رأس المتّكئين، يهبهم ذاته سرّ غناهم. وعِوض البرّيّة التي كانت سِمة القلب الخاطئ، يصير فينا فردوس الله المملوء من ثمر الروح القدس. يفرح السيّد نفسه بهذه الوليمة


في الظاهر صنع متّى الوليمة، لكن بالحق هي وليمة السيّد الذي يفرح بجنّته المثمرة في قلوب طالبيه، فيدعوا الخطاة والعشّارين ليذوقوا هذا الثمر المفرح، ويقتدوا بمن نال هذه النعم!

لقد أعلن السيّد أننا لا نصوم مادام العريس حال في وسطنا، وكأنه يسألنا إذ نحمله فينا أن نفتح قلوبنا بالحب ليأكل من ثمره المقدّس فينا وندعو الآخرين يأكلون معه، قائلين: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب!"... إننا ندعوهم لينعموا بالوليمة الداخليّة التي أقامها الرب بروحه القدّوس فينا، هذه التي تسبّب تذمُّرًا بين الكتبة والفريسيين، قائلين: لماذا يأكل معلّمكم مع العشّارين والخطاة؟ فيجيبهم: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى. فاذهبوا وتعلّموا ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلى التوبة" [12].

يُعلّق القديس أمبروسيوس على صنع الوليمة، قائلًا:

[عندما ترك مكان الجباية تبع المسيح بقلبٍ ملتهبٍ، ثم صنع له وليمة عظيمة. فمن يقبل المسيح في قلبه يمتلئ بالأطاييب الكثيرة والسعادة الفائقة، ويود الرب نفسه أن يدخل في قلب المؤمن ويستريح...!

كل من يقبل جمال الفضيلة، ويقبل المسيح في بيته، يصنع له وليمة عظيمة أي وليمة سماويّة من الأعمال الصالحة، هذه التي يحرم منها جماعة الأغنياء ويشبع منها الفقير

هذه الوليمة يدخلها الخطاة والعشّارون الذين يشعرون بالحاجة إلى المخلّص لكي يبرّرهم، بينما يقف الفرّيسيّون خارجًا ينتقدون السيّد على محبّته المتّسعة لهم، لذلك أكّد لهم السيّد: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى... لأني لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة".

يُعلّق القديس أغسطينوس على هذا القول الإلهي، قائلًا: [لو لم يحب الله الخطاة ما كان قد نزل من السماء إلى الأرض

ويقول القديس أمبروسيوس: [إنه لا يدعو من يدعون أنفسهم أبرارًا، فإنهم إذ يجهلون برّ الله ويطلبون أن يُثبتوا برّ أنفسهم لم يخضعوا لبرّ الله (رو 10: 3). من يدعون أنفسهم أبرارًا لا تقترب إليهم النعمة. فإن كانت التوبة هي بداية النعمة فمن الواضح أن احتقار التوبة هو تخلي عن النعمة

نختم حديثنا عن دعوة متّى الإنجيلي بالمناجاة التي ينطق بها القديس أمبروسيوس على لسانه بعد تركه موضع الجباية وتبعيّته للسيّد المسيح:

[لست بعد عشّارًا، فقد تبررت من أن أكون لاويًا!

لقد خلعت عنّي لاوي، ولبست المسيح!

كرهت أسْري، وهربت من حياتي الأولى!

إني لا أتبع آخر سواك أيها الرب يسوع! يا من تشفي جراحاتي!

من سيفصلني عن محبّة الله التي فيك؟ أشدة أم ضيق أم جوع؟‍ (رو 8: 35).

تُسمّرني فيك بمسامير الإيمان، وتربطني بك قيود الحب الصالحة!

وصاياك هي أداة الكيّ التي سأحتفظ بها على جرحي، إنها الوصيّة التي تحرق الموت الذي في الجسد، حتى لا تنتقل العدوى إلى الأعضاء الحيّة، إنه دواء مؤلم يحمي من عفونة الجرح!

أيها الرب يسوع، اقطع بسيفك القوي عفونة خطاياي، وقيّدني برباطات الحب، نازعًا كل فساد فيّ!

أسرع وتعال لتفضح الشهوات الخفيّة والمتنوّعة!

اكشف الجرح فلا تزداد عفونته!

طهّر كل فساد بحميم الميلاد الجديد

















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين:

لماذا نصوم نحن والفرّيسيّون كثيرًا،

وأما تلاميذك فلا يصومون؟" [14].




جاءت إجابة السيّد تكشف عن مفهوم الصوم بمنظار جديد، إذ قال:



أولًا: "هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم؟ ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون" [15].

كأن الصوم ليس مجرّد واجب يلتزم به المؤمنون، إنّما هو عمل خاص ببني العرس الذين يصومون كمعين لهم في حياة الندامة (النوح) والتوبة، أي ليس كغاية في ذاته، وإنما من أجل الدخول إلى العريس والتمتّع بالعرس خلال التوبة. فإن كان العريس نفسه حاضرًا في وسطهم فما الحاجة إلى الصوم؟ إنه سيرتفع عنهم جسديًا فتمارس، الكنيسة صومها لتتهيّأ لمجيئه الأخير فتلتقي معه في العرس الأبدي. مادام العريس مرفوعًا لا نراه حسب الجسد، وجهًا لوجه، فيلزمنا أن نصوم لا عن الطعام فحسب، وإنما عن كل لذّة وترف من أجل طعام أفضل سماوي ولذّة روحيّة أبديّة وأمجاد علويّة هي في جوهرها تمتّع بالعريس نفسه.



ثانيًا: "ليس أحد يجعل رقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق، لأن الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق أردأ. ولا يجعلون خمرًا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تنشق الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف، بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعًا" [16-17].

ماذا يعني السيّد بهذا القول؟ وما هو ارتباطه بالصوم؟

إنه يؤكّد أنه بحلوله وسط البشريّة إنّما أراد تقديم حياة جديدة يعيشها المؤمنون به، لها سماتها الجديدة وطبيعتها الجديدة وإمكانيّاتها الجديدة، فلا تُمارس العبادة بالمفهوم القديم الذي ارتبط بذهن الكثيرين. فالسيّد لا يقبل فكرة الإصلاح عن طريق "الترقيع" بين ما هو قديم وما هو جديد، وإنما بهدم الحرفيّة القاتلة القديمة لبناء الفكر الروحي الجديد. بهذا يصير الصوم سرّ انطلاق للنفس بالروح القدس لتمارس الحياة العرسيّة المفرحة.

ما أحوجنا أن نلبس الثوب الجديد عِوض وضع رقعة جديدة في ثوب قديم، وأن يكون لنا الزقاق الجديد إنّما هو ثوب المعموديّة الأبيض، الطبيعة الجديدة التي توهب لنا خلال تمتّعنا بالقيامة مع مسيحنا بروحه القدّوس، والزقاق الجديد هو إنساننا الجديد الذي يتقبّل خمر الروح القدس المجدّد لحياتنا على الدوام.

* لنحتفظ بالثوب (الجديد) الذي ألبسنا إيّاه الرب في المعموديّة. ولكن ما أسهل تمزيق هذا الثوب إن كانت أعمالنا لا تتّفق مع نقاوته، سرعان ما يفسده سوس الجسد وينجّسه ضلال الإنسان العتيق. لهذا يمنعنا الرب من الخلط بين الجديد والقديم، يحرم الرسول ارتداء الثوب الجديد فوق العتيق، إنّما نخلع العتيق ونلبس الجديد فلا نوجد عراة (كو 5: 2-4)؛ فإنّنا نكون هكذا عراة إن سلب مكر إبليس رداءنا

القديس أمبروسيوس











=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


إقامة الصبيّة


جاءت قصة إقامة ابنة يايرس مرتبطة بشفاء نازفة الدم بأكثر تفصيل في إنجيل معلّمنا لوقا البشير (8: 41-56). لقد تقدّم يايرس رئيس المجمع إلى السيّد، ووقع عند قدميه، يسأله أن يدخل بيته، لأن ابنته كانت في حالة موت.

حقًا لقد أظهر يايرس رئيس المجمع اليهودي إيمانا بالسيّد، لكن قائد المائة الأممي غلبة في إيمانه (مت 8: 5-13)، إذ لم يسأله أن يحضر إلى بيته ولا أن يمد يده على غلامه ليشفيه، وإنما قال: "قل كلمة"، أمّا رئيس المجمع اليهودي فقال: "تعال وضع يدك عليها، فتحيا". حقًا إن كثيرين يأتون من المشارق والمغارب بإيمان أعظم ممّا لبني الملكوت!

في الطريق قبل أن يسمع أن ابنته ماتت (لو 8: 49). سمح الرب بشفاء نازفة الدم ليرى بعينيّه ويلمس عمله الإلهي فلا يشك.

إن عُدنا إلى الكتاب المقدّس نجده يروي لنا ثلاث معجزات خاصة بإقامة السيّد المسيح للموتى، تمثل عمله الإلهي في إقامتنا من موت الخطيّة... هذه المعجزات هي:



أولًا: إقامة ابنة يايرس وهي بعد صبيّة صغيرة، لم تُرفع بعد عن سرير الموت في بيت أبيها، تُشير إلى النفس التي ماتت بالخطيّة خلال الفكر الخفي في الداخل، وهي تحتاج أن يدخل السيّد إلى بيتها "قلبها"، ويلمس يدها فتقوم.



ثانيًا: إقامة الشاب ابن الأرملة، وكان قد حُمل في النعش إلى الطريق، يمثّل النفس التي عاشت في الخطيّة ليس خلال الفكر فقط، وإنما ظهرت أيضًا خلال العمل، فخرجت من البيت إلى الطريق كما في نعش، تحتاج إلى أن يوقِف الله حاملي النعش، ويأمر الشاب أن يقوم ثم يدفعه إلى أمه. إنها تحتاج إلى تدخّل الله للتوقّف عن التحرّك نحو قبر الخطايا، فلا يكمّل الشرّير طريق شرّه، حتى لا تتحوّل الخطيّة فيه إلى عادة، إنّما يسمع الصوت الإلهي يناديه ليهبه روح القيامة ويدفعه إلى الكنيسة أمه.



ثالثًا: إقامة لعازر بعدما دفن في القبر أربعة أيام وحدث تعفُّن للجسد، إشارة إلى من تحوّلت الخطيّة في حياته إلى عادة، ارتبطت به وهو ارتبط بها، فصار كأنه والخطيّة أمر واحد. لقد انزعج السيّد وبكى وأمر برفع الحجر، ثم نادى لعازر أن يخرج، وطلب ممّن حوله أن يحلّوه من الرباطات! مثل هذه النفوس يبكيها السيّد نفسه، ويذهب إلى قبرها، ويأمر برفع حجر القسوة، وبكلمة فمه يقيمها ويخرجها من قبر الخطيّة، طالبًا من الكهنة أن يحلّوها من رباطاتها.

إن عدنا إلى إقامة الصبيّة نجد السيّد يقول: "تنحّوا، فإن الصبيّة لم تمت لكنها نائمة" [24]، وكأنه كان يشجّع تلاميذه على قبول الموت بلا انزعاج كمن يدخل إلى النوم ليستريح.

* حقًا عندما جاء المسيح صار الموت نومًا!

* إن كنت تحب الراحل يلزمك أن تفرح وتسر أنه قد خلُص من الموت الحاضر.

القديس يوحنا الذهبي الفم

أما بخصوص شفاء نازفة الدم بلمسها هدب ثوب السيّد خفية، فقد أعلن السيّد أمرها، ويقدّم القديس يوحنا الذهبي الفم التعليلات التالية لتصرُّف السيّد:



أولًا: ليضع نهاية لمخاوف المرأة، لئلا تتألّم إذ ينخسها ضميرها أنها نالت العطيّة خلسة.



ثانيًا: أنه حسبها على حق أن تخفي فكرها.



ثالثًا: أعلن إيمانها للكل، ليحثّ البقيّة على الاقتداء بها، فإن وقفِه لينبوع دمها ليس بعلامة أعظم ممّا أظهره أنه يعرف كل الأمور (يعرف فكرها وإيمانها وتلامسها الخفي معه).

علاوة على هذا كان رئيس المجمع في طريقه إلى الدخول إلى عدم الإيمان وهلاكه تمامًا، فجاءت هذه المرأة لتصلح من شأنه. لقد جاءوا إليه قائلين: "قد ماتت ابنتك، لا تُتعب المعلّم" (لو 8: 49)، والذين كانوا في البيت ضحكوا عليه ساخرين به عندما قال أنها نائمة، وكان يمكن أن يكون للأب نفس هذه المشاعر، لهذا قدّم له هذه المرأة البسيطة ليُصحّح من ضعفه مقدّمًا[443].




* يُفهِّم هذا الرئيس بكونه الناموس الذي يسأل الرب أن يهب حياة للشعب الميّت، هذا الناموس الذي بشَّر بالتطلّع إلى مجيء الرب

* يذهب الرب إلى بيت الرئيس كما إلى المجمع، الذي منه تخرج الأصوات كما من نحيب من ترنيمات الناموس.

الأب هيلاري أسقف بواتييه

* نقول بأن المرأة (نازفة الدم) تمثل الكنيسة الخارجة من الأمم. إذ كان الرب في طريقه لإقامة ابنة رئيس المجمع، هذه التي تمثل الشعب اليهودي، إذ جاء الرب من أجل اليهود وحدهم، قائلًا: "لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 15: 24). إذن كما جاء إلى ابنة رئيس المجمع، فجأة لا أعرف من أين جاءت هذه المرأة ولمست بإيمان الرب، قائلة: "إن مسست هُدب ثوبه فقط شُفيت"، وقد لمست وشفيت.

إذن عانت هذه المرأة من نزف الدم... وأنفقت كل معيشتها على الأطباء (لو 8: 43). إنها تشبه كنيسة (جماعة) الأمم البائسة التي طلبت السعادة، وسألت عن مصدر القوّة، بكل وسائل الشفاء. أي شيء عندها لم تنفقه على الأطباء الباطلين من الفلكيّين والمنجّمين ومفسدي الهياكل؟! لقد وعدها هؤلاء جميعًا بالشفاء لكنهم لم يقدروا، إذ لا يملكونه. لقد أنفقت كل ما عندها ولم تشفى. لذلك قالت: "إن مسست هدب ثوبه فقط شفيت". لقد لمست وشفيت.

لنسأل ما هو هدب ثوبه...؟ لنفهم أن الرسل هم ثوب الرب الملاصقون له. اسأل من هو الرسول الذي أُرسل للأمم؛ تجده بولس الرسول، إذ كانت أعظم أعماله الرسوليّة بين الأمم... إنه هدب ثوب الرب، إذ كان آخر الرسل. هل يوجد أحد يُحسب كآخر هذا الثوب والأقل؟ يقول الرسول أنه كان هكذا: "آخر الكل، لأني أصغر الرسل" (1 كو 15: 8-9).

لنلمسه نحن أيضًا، أي لنؤمن فنشفَى!

* أي شيء تمثله هذه المرأة؟ كنيسة الأمم التي نالت الشفاء التي لم تشاهد المسيح بالجسد، والتي أشار إليها المزمور: "شعب لم أعرفه يتعبّد لي، من سماع الأذن يسمعون لي" (مز 18: 43-44). لقد سمع العالم كلّه عنه وآمن به، أمّا اليهوديّة فرأته وصلبته أولًا، وبعد ذلك سيأتون إليه. سيؤمن اليهود به في نهاية العالم.

القديس أغسطينوس





=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وفيما يسوع مجتاز من هناك تبعه أعميان يصرخان ويقولان:

ارحمنا يا ابن داود.

ولما جاء إلى البيت تقدّم إليه الأعميان،

فقال لهما يسوع: أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا؟

قالا له: نعم يا سيّد.

حينئذ لمس أعينهما، قائلًا: بحسب إيمانكم ليكن لكما.

فانفتحت أعينهما" [متى 9 : 27-30].






كان العالم في ذلك الحين وقد انقسم إلى يهود وأمم قد أُصيب كلّه بالعمى الروحي، فقدَ اليهود بصيرتهم الداخليّة بسبب كبرياء قلبهم وحرفيّة إدراكهم للناموس وانجذابهم إلى الرجاسات الوثنيّة، وفقد الأمم أيضًا بصيرتهم بسبب العبادة الوثنيّة. وكأن هذين الأعميين اللذين كانا يصرخان: ارحمنا يا ابن داود يمثّلان العالم كله، يهودًا وأممًا، يُعلن عوزه إلى المسيّا المخلّص ابن داود لكي يعيد إليه بصيرته الروحيّة. وقد جاء السيّد إلى "البيت"، أي إلى مسكننا؛ جاء إلينا في الجسد حتى نستطيع أن نتقدّم إليه، ويمكننا أن نتقبّل لمسات يده الإلهيّة على أعيننا الداخليّة. فالبيت هنا إنّما يُشير إلى التجسّد الذي بدونه ما كان يمكننا التلامس مع ابن الله، والتمتّع بإمكانيّاته الإلهيّة، ليهب لأعيننا نوره، فتعاين النور.

جاءنا ابن الله متجسّدًا، معلنًا مبادرته بالحب. لكنّه يسأل: أتؤمنان إني أقدر أن أفعل هذا؟ بالإيمان يحلّ في قلوبنا (أف 3: 17)، فتنفتح بصيرتنا من يوم إلى يوم لمعاينة الأسرار خلال تمتّعنا بها فيه.

إن كنّا بسبب الخطيّة انطمست أعيننا من معاينة النور، فانحرفنا عن الطريق، وصرنا نتخبّط في الظلمة، فقد صرخت البشريّة على لسان المرتّل: "أرسل نورك وحقّك، هما يهديانني ويأتيان بي إلى جبل قدسك وإلى مساكنك" (مز 43: 3). وقد جاءنا من هو "نور العالم" (يو 8: 12) معلنًا: "أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة"، "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). جاءنا الملتحف بالنور كثوب (مز 104: 2)، الذي ليس فيه ظلمة البتة (1 يو 1: 5)، يشرق في الظلمة بنوره (إش 58: 10)، نلبسه فنصير أبناء نور وأبناء نهار (1 تس 5:5)، بل نصير به نورًا للعالم (مت 5: 14).

يصرخ القديس أغسطينوس في مناجاة نفسه مع الله قائلًا:

[إلهي... أنت نوري. افتح عينيّ فتعاينا بهاءك الإلهي، لأستطيع أن أسير في طريقي بغير تعثّر في فخاخ العدوّ!

حقًا، كيف يمكنني أن أتجنّب فخاخه ما لم أراها؟

وكيف أقدر أن أراها إن لم أستنر بنورك؟

ففي وسط الظلمة يخفي "أب كل ظلمة" هذه الفخاخ، حتى يصطاد كل من يعيش في الظلمة. هذا العدوّ الذي يودّ أن يكون أبناؤه محرومين من نورك ومن سلامك الكامل...

ما هو النور إلا أنت يا إلهي!

أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يضيء لأولادك حتى لا يتعثّروا...

يا نور نفسي، لا تتوقّف قط عن إنارة خطواتي!

القديس أغسطينوس





* أيها النور الحقيقي الذي تمتّع به طوبيا عند تعليمه ابنه، مع أنه كان أعمى! أيها النور الذي جعل اسحق -فاقد البصر- يُعلن بالروح لابنه عن مستقبله...!

أنت هو النور الذي أنار عقل يعقوب، فكشف لأولاده عن الأمور المختلفة...!

أنت هو الكلمة القائل: "ليكن نور، فكان نور". قل هذه العبارة الآن أيضًا، حتى تستنير عيناي بالنور الحقيقي، وأميّزه عن غيره من النور. فبدونك كيف أقدر أن أميّز النور عن الظلمة، والظلمة عن النور؟!

نعم... خارج ضيائك، تهرب الحقيقة منّي، ويقترب الخطأ إليّ، ويملأني الزهو... ويصير فيَّ الارتباك عِوض التمييز، يصير لي الجهل عِوض المعرفة، والعَمى عِوض البصيرة

القديس أغسطينوس





وفي دراستنا للمعموديّة رأيناها "سرّ الاستنارة"، حيث نخلع الإنسان القديم بظلمته لنلبس الإنسان الجديد الذي على صورة خالقنا، فنحمل فينا مسيحنا سرّ استنارتنا، ويكون روحه القدّوس واهبًا لنا إمكانيّة التقديس التي بدونها لا نقدر أن نُعاين الله




يقول القديس مار يعقوب السروجي: [المعموديّة هي ابنة النهار، فتحت أبوابها فهرب الليل الذي دخلت إليه الخليقة كلها














=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"انتهرهما يسوع قائلًا: انظرا لا يُعلما أحد، ولكنّهما خرجا وأشاعاه في تلك الأرض كلها" [31].






لقد قدّم لنا السيّد درسًا في التواضع، فمن أجل محبّته لهما شفاهما حتى يبعث فينا روح الحب الخفي وعدم طلب المجد الباطل.

لم يخالف الأعميان أمرًا إلهيًّا حين أشاعا الخبر، فإن قوله: "أنظرا لا يُعلما أحد" لم يكن وصيّة يلزمهما بها، وإنما هو حديث حبّي فيه يُعلن عدم طَلبه مجد العالم مقابل محبّته، أمّا هما فردّا الحب بالحب خلال الشهادة له. لقد استنارت أعينهما فاشتهيا أن يتمجّد الطبيب السماوي بتفتيح أعين الكل، ليعاينوا ما يعايناه هما!

من يرى النور لا يقدر أن ينظر إخوته سالكين في الظلمة بل يدعوهم إلى النور الذي ينعم به، كما فعلت المرأة السامريّة حيث تركت جرّتها وخرجت إلى مدينتها تقول للناس: "هلمّوا، انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت، ألعل هذا هو المسيح؟" (يو4: 29). وفي حديث للقدّيس يوحنا الذهبي الفم مع المواظبين على اجتماعات الكنيسة والمشتركين فيها يقول: [علِّموا الذين هم من خارج أنكم في صحبة طغمة السيرافيم، محسوبين مع السمائيّين، معدِّين في صفوف الملائكة، حيث تتحدّثون مع الرب، وتكونون في صحبة السيّد المسيح












=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"فلما أخرج الشيطان تكلّم الأخرس، فتعجّب الجموع قائلين: لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل. أمّا الفرّيسيّون فقالوا برئيس الشيّاطين يخرج الشيّاطين"
[ متى 9 : 33-34]





لا يمكن للبشريّة الصامتة زمانًا هذا مقداره أن تتحدّث مع خاِلقها، ولا أن تسبّحه داخليًا وتشكره، حتى وإن سبَّحته بالفم واللسان، فقد صمت اللسان الداخلي عن الحديث السرّي الخفي مع الخالق، بسبب العداوة التي نشأت كثمرة طبيعيّة للخطيّة، فصارت كمن يسكنها شيطان أخرس. لهذا جاء السيّد المسيح طاردًا روح الشرّ والخطيّة، فينطق لسانها الداخلي بالحمد والتسبيح، وتصير طبيعتها شاكرة عِوض الجحود القديم.




لقد أدركت الجموع البسيطة عمل السيّد المسيح كمخلّص بينما تعثّر أصحاب المعرفة النظريّة، الفرّيسيّون، بسبب كبرياء قلبهم وتعبُّدهم لذواتهم فرأوا فيه كرئيس للشيّاطين لا كمخلّص من الشيّاطين!

بينما جاء السيّد المسيح يفتح أعين العميان لكي تبصر بالإيمان ملكوت السماوات في القلب انفضح عمى القيادات الدينيّة المتعجرفة، انكشف الفرّيسيّون العارفون بالكتب المقدّسة كجهلاء يرفضون المخلّص ويتّهمونه برئيس الشيّاطين. أمّا سرّ عَمى بصيرتهم فهو تركهم للعمل الرعوي الحق ليرعوا كرامتهم وبطونهم وخزائنهم عِوض رعايتّهم لشعب الله، فحلّت "الأنا" عِوض "الله نفسه"، هؤلاء يقول عنهم الرسول: "يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح" (في 2: 21)، ويعاتبهم الله في مرارة، قائلًا: "ألا يرعى الرعاة الغنم؟ تأكلون الشحم وتلبسون الصوف، وتذبحون السمين، ولا ترعون الغنم! المريض لم تقووه، والمجروح لم تعصبوه، والمكسور لا تجبروه، والمطرود لم تستردوه، والضال لم تطلبوه، بل بشدة وعنف تسلّطتم عليه... أيها الرعاة غنمي صار غنيمة!" (حز 34: 2-8).

مثل هؤلاء الرعاة العميان يقودون العميان فيسقط الكل في حفرة (مت 15: 14)، وبدلًا من أن يصير قلبهم سماءً مقدّسة، ومسكنًا لله، يرتفعون بالشعب من مجدٍ إلى مجدٍ، إذ بقلبهم يلتصق بالتراب وينحدرون بالشعب من هوانٍ إلى هوانٍ حتى يبلغون بهم إلى أعماق الهاوية.


إذ فسد الرعاة الروحيّون يلتزم الله نفسه من أجل محبّته للنفس البشريّة أن يفتقد شعبه، يقول الإنجيلي:


"ولما رأى الجموع تحنّن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها" [36].



وفي سفر حزقيال يقول الرب: "هاأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها" (حز 34: 11)، فإنه ليس شيء أثمن لدى الله من النفس البشريّة التي أوجدها على صورته ومثاله. جاء إلينا بنفسه بكونه الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو 10: 11).





=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ثم دعا تلاميذه الاثني عشر،

وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها،

ويشفوا كل مرض وكل ضعف" [ متى 10 : 1].



دعا السيّد هؤلاء الاثني عشر ليتتلمذوا على يديه، يسمعوه ويرافقوه في أعماله المعجزيّة وصلواته وحتى أثناء طعامه، لكي يتفهّموا بالروح القدس أسراره ويعيشوا بفكره. هذا الفكر هو ما نسميه بالفكر الإنجيلي أو الفكر الرسولي، عاشه الرسل إنجيلًا حيًا وتلمذوا آخرين عليه. وهكذا صار التقليد الكنسي في جوهره هو استلام هذا الفكر بطريقة حيّة عمليّة وتسليمه من جيلٍ إلى جيلٍ


وقد ذكر الإنجيلي أسماء الاثني عشر رسولًا بعد أن أعلن السلطان الذي وُهب لهم من قبل الرب على الأرواح النجسة لإخراجها وعلى المرض وكل ضعفٍ، ويلاحظ في هذا الاختيار أمران:

أولًا: أن التلاميذ ليسوا أصحاب مواهب خارقة، أو من الشخصيّات البارزة في المجتمع، وإنما هم أناس عاديّون، بل وغالبيتّهم من طبقات فقيرة ليؤكّد أن فضل القوّة لله لا منهم.

ثانيًا: جاء الاختيار خليطًا عجيبًا من الشخصيّات، فمنهم متّى العشّار الذي يعتبره الكثيرون قد باع نفسه للرومان من أجل الربح المادي، وعلى نقيضه سمعان الغيور أو القانوني. فالغيورون هم جماعة من اليهود متعصّبون لقوميّتهم إلى أبعد الحدود يطالبون بالتحرّر من نير الحكم الروماني مهما كلّفهم الثمن. يرفضون قيام أي "ملك" غير الله نفسه، مستعدون للأسف أن يقوموا بأعمال تخريبيّة لأجل تحرير وطنهم من الرومان. ومن بينهم أيضًا سمعان بطرس المقدام، وأخوه أندراوس الذي يميل إلى الصمت، ويوحنا بن زبدي المملوء بعاطفة الحب، وتوما الكثير الشك. ففي المسيح يسوع اجتمع هؤلاء جميعًا ليتقدّسوا معًا كأعضاء بعضهم لبعض يعملون بروحٍ واحدٍ للكرازة بالإنجيل الواحد.

أما رقم 12 فكما سبق فأشرنا في أكثر من موضع يرمز إلى مملكة الله على الأرض، حيث يملك الثالوث (3) في كل جهات المسكونة الشرّق الغرب والشمال والجنوب (4).









=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"هؤلاء الاثنا عشر أرسله يسوع وأوصاهم قائلًا:

إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريّين لا تدخلوا.

بل اذهبوا بالأحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة"

[متى 10 5-6].



القديس كبريانوس أن هذه الوصيّة لا تزال حيّة وتلتزم بها الكنيسة، فمدينة السامريّين تعني جماعة المنشقّين، وطريق الأمم يعني طريق الهراطقة
فالكنيسة مع اتّساع قلبها للعالم كلّه المؤمن وغير المؤمن لتغسل أقدام الجميع، لا تقبل في شركتها جماعة المنشقّين أو تعاليم الهراطقة، بل تحذر أولادها وتحفظهم منهم.































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين:

أنه قد اقترب ملكوت السماوات" [ متى 10 : 7].





لقد حدّد موضوع الكرازة ألا وهو "التوبة"، بكونها طريق الملكوت السماوي. وقد سبق فعرّفنا التوبة أنها ليست جانبًا سلبيًا، أي مجرد تخلِّي عن الشرّ ورفض كل خطيّة، وإنما هي عمل إيجابي فعّالًا في حياة المؤمن، وهو قبول عمل الروح القدس فينا الذي يهب ويعطي ويشبع! التوبة هي تغيير لاِتّجاه القلب الداخلي والفكر وكل طاقات الإنسان، فبعدما كانت متّجهة نحو الأرضيّات تصير في المسيح يسوع ربّنا بالروح القدس متّجهة نحو ملكوت السماوات. بمعنى آخر فيما يرفض الإنسان الخطيّة وكل ما هو غريب عن الله إذ به ينعم بالله السماوي نفسه وكل ما له من نعمٍ وهباتٍ مشبعةٍ. وكأن التوبة هي تفريغ وامتلاء بغير انقطاع، ترك وأخذ، جوع وشبع في نفس الوقت.

لا يريدنا الله أن نسلك في حالة حرمان وكبت، وإنما بالعكس خلال التوبة يريدنا أن نعيش في حالة شبع وفرح وتهليل وتمتّع بالأمور الفائقة، فيسلك الإنسان على الأرض بفكر سماوي!

بهذا نستطيع أن نميّز بين التوبة العاملة فينا بالروح القدس والتوبة التي هي من صنع أنفسنا.


الأولى تدخل بنا إلى ملكوت السماوات، فنعيش مع الآب في ابنه بالروح القدس، أمّا الثانية فهي حرمان ممّا هو أرضي، دون تمتّعٍ بما هو سماوي،

الأولى توَلِّد فرح الروح ومحبّته وسلامه إلخ. والثانية توََلِّد حزنًا قاتلًا وضيقًا في القلب وقلقًا ومرارة.

الأولى تنطلق بالنفس من مجدٍ إلى مجدٍ لتبلغ إلى ذروة السماويّات، والثانية تنحدر بالإنسان من هوانٍ إلى هوانٍ، فيعيش في قنوطٍ مستمرٍ يدفع به إلى الهاوية!










=

 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"اشفوا مرضى، طهِّروا بُرصًا، أقيموا موتى، اخرجوا شيّاطين،

مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا.

لا تقتنوا ذهبًا ولا فضّة ولا نحاسًا في مناطقكم.

ولا مذودًا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا،

لأن الفاعل مستحق طعامه" [ متى 10 : 8-10].


قبل أن يسألهم عدم اقتناء ذهب أو فضّة أو نحاس، قدّم لهم إمكانيّات جبّارة تسندهم في الخدمة من شفاء للمرضى وتطهير للبرص وإقامة الموتى وإخراج الشيّاطين. وكأن السيّد لم يحرمهم من الأمور الزمنيّة إلا بعد أن قدّم لهم كنوز محبّته العميقة.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إذ أراد أن يدرّبهم على كل الكمال طلب منهم ألا يفكّروا فيما يخص الغد... فإن كان يرسلهم كمعلّمين للعالم كله، هذا جعلهم وهم بشر ملائكة، مبرّرا إيّاهم من كل اهتمام أرضي حتى لا ينشغلوا إلا باهتمام واحد وهو التعليم، بل بالأحرى أراد أن يحرّرهم حتى من هذا الأمر بقوله: "لا تهتمّوا كيف أو بما تتكلّمون" [19 )
يلتزم التلميذ ألا يقتني شيئًا، فإن السيّد المسيح هو ذهبه وفضّته ونحاسه وطعامه وثوبه وطريقه وعصاه.

السيّد المسيح هو ذهبنا، فإن كان الذهب في الكتاب المقدّس يُشير إلى الحياة السماويّة، فإن المسيح هو سرّ الدخول بنا إلى الحياة السماويّة، أو هو كنزنا السماوي الذي يسحب قلبنا إليه. السيّد المسيح هو فضّتنا، فإن كانت الفضّة ترمز لكلمة الله (مز 12: 6)، فإنه بالحق حكمة الله الحيّ الذي يعمل فينا وبنا لكي يدخلنا إلى حضن أبيه. وهو نحاسنا، نلبسه فنصير به أقوياء ندك الطريق فلا تقدر العثرات أن تعوقنا عن الملكوت. وهو الطعام الذي به نقتات فنعيش في حالة شبع دائم، فلا نشتهي الزمنيّات ولا نطلب ملذّاتها. وهو الثوب الذي به نلتحف فيسترنا في عينيّ الآب، ونُحسب كأبرار في دمه الطاهر. إنه طريقنا الذي به ننطلق إلى أبيه لنحيا معه في أحضانه، شركاء في المجد الأبدي. إنه العصا التي حطّمت الشيطان خلال الصليب، فصار لنا الغلبة والنصرة. إذن لم يحرم السيّد المسيح تلاميذه من شيء، مقدّمًا نفسه سرّ شبع لكل احتياجاتهم.

أما بخصوص الأحذية، فإنها إذ تُصنع من جلد الحيوانات الميّتة ترمز إلى الأعمال الشرّيرة المهلكة[452]، لهذا يقول القديس جيروم: [لأنه عندما ألقى الجند القرعة على ثياب السيّد لم يكن معها أحذية ينزعونها عنه[453]. لأنه وإن مات السيّد بالجسد لكن لم يوجد فيه أعمال ميّتة.]

يمكننا أن نقول بأن الإمكانيّات التي قدّمها السيّد لتلاميذه هي إمكانيّات التوبة في أعلى صورها، فإنهم إذ يقتنون السيّد المسيح نفسه عِوض الذهب والفضّة والنحاس والمذود والثياب والعصا، فيكون هو كل شيء بالنسبة لهم، يستطيعون أن يطالبوا العالم بالتوبة، أي قبول المخلّص كمصدر شبع لهم عِوض الخطيّة التي قدّمت لهم الضيّق والعوز والمرارة.

لا يستطيع الكارز بالسيّد المسيح أن يقدّم للآخرين السيّد المسيح كسِر غِنى النفس وشفائها، بينما يرتبط هو بأمور العالم ويستعبد نفسه لها!

يُعلّق القديس أمبروسيوس على هذه الوصيّة الإلهيّة للتلاميذ الكارزين بقوله: [إنه يَقطع كما بمنجل محبّة المال التي تنمو دائمًا في القلوب البشريّة
لكنّه وهو يقطع وهبهم البديل الذي به يستطيع الرسول بطرس أن يقول: "ليس لي فضّة ولا ذهب، ولكن الذي لي فإيّاه أعطيك؛ باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش" (أع 3: 6). لم يعطه مالًا لكنّه أعطاه باسم السيّد صحّة التي هي أفضل من المال.

كما يُعلّق أيضًا ذات القدّيس بقوله: [للكنيسة ذهب لا لكي تخزنه، وإنما لتوزِّعه وتنفقه على المحتاجين






























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وأيّة مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق،

وأقيموا هناك حتى تخرجوا.

وحين تدخلون البيت سلّموا عليه.

فإن كان البيت مستحقًا فليأتِ سلامكم عليه،

ولكن إن لم يكن مستحقًا فليرجع سلامكم إليكم"

[متى 10 : 11-13].






عندما يدخلون مدينة أو قرية يبحثوا عن بيت له سمعته الطيّبة ويقيموا فيه، ولا ينتقلوا من بيت إلى آخر حتى لا تتحوّل خدمة الكلمة إلى خدمة المجاملات، وإنما يركِّزون فكرهم وجهدهم في العمل الكرازي وحده.

هذا ومن جانب آخر أراد السيّد لهم أن يعيشوا بلا همّ، ليس فقط لا يقتنون ذهبًا أو فضّة أو نحاسًا، وإنما أيضًا لا يضطربون من جهة الخدمة نفسها؛ عليهم أن يقدّموا الكلمة كما هي ولا يضطربوا إن رفضها أحد! إنهم كارزون فحسب لكن الله هو الذي يعمل بهم وفيهم.


























=
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" [ متى 10 : 16]




يُعلّق القديس أغسطينوس على هذا القول الإلهي هكذا: [تأمّلوا يا إخوتي ما يفعله ربّنا يسوع! تصوّروا لو أن ذئبًا واحدًا ذهب وسط غنم كثير مهما بلغ عددهم بالآلاف... أفلا يرتعب جميع الغنم بالرغم من عدم قدرة هذا الذئب على افتراسهم جميعًا؟ فكم تكون مشورة ربّنا يسوع المسيح، التي يشجّعنا بها، إذ لا يلقي بذئب وسط غنم، بل يُلقي بالغنم وسط الذئاب...؟! إنه لم يطلب منهم أن يقتربوا من الذئاب، بل يكونوا في وسطهم. حقًا لقد كان هناك قطيع صغير من الغنم، لكن إذ افترستها الذئاب الكثيرة تحوّلت الذئاب إلى غنم



القديس يوحنا الذهبي الفم أيضًا فيقول: [لنخجل إذ نفعل نحن العكس فنقف كذئاب ضدّ أعدائنا! مادمنا نحن غنم، فإنّنا سنغلب بالرغم من وجود ربْوة من الذئاب تجول حولنا لافتراسنا، أمّا إذا صرنا ذئابًا فسنهزم إذ يفارقنا عون راعينا، الذي لا يعول الذئاب بل الغنم، بهذا يتركك وينسحب حيث لا تسمح لقدرته أن تظهر فيك.]


لماذا يرسلنا الله هكذا كغنم وسط ذئاب؟
أولًا: إذ يسلك المؤمن بروح سيّده "الحمل الحقيقي" يُحسب حملًا باتّحاده به، فيلتزم السيّد برعايته والعمل خلاله. إنه يعمل في الغنم الوديع، لا الذئاب المفترسة، معلنًا قوّته في الضعف، قائلًا لرسوله: "تكفيك نعمتي، لأن قوتي في الضعف تكمل". بهذا يردّد الرسول: "فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحلّ عليّ قوّة المسيح، لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح، لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12: 9-10).



ثانيًا: لا يقابل التلميذ الشراسة بالشراسة، بل بالحب العملي فيكسب غير المؤمنين للإيمان. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه فوق كل شيء يعرف طبيعة الأشياء: أن الشراسة لا تُطفأ بالشراسة وإنما باللطف







=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"فكونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام" [ متى 10 - 16].





يرى القديس جيروم أن المسيحي في وداعته يكون كالحمامة التي لا تحمل حِقدًا ولا تلقي فخاخًا لأحد، لكنّه يلتزم بحكمة الحيّات، فلا يعطي لأحد مجالًا أن يلقي له الفخاخ. إنه يقول: [كن بسيطًا كحمامة فلا تلقي فخًا لأحد، وكن حكيمًا (بارعًا) كحيّة فلا تسمح لأحد أن يلقي بالفخ أمامك. المسيحي الذي يسمح للآخرين أن يخدعوه يكون مخطئًا تمامًا كمن يحاول أن يخدع الآخرين] وبنفس المعنى يقول القديس أمبروسيوس: [وُضعت الحكمة أولًا، حتى لا تُصاب عدم الأذيّة (التي للحمامة) بأذى

يقول القديس أغسطينوس:

[إنّني أحب في الحمامة عدم حِقدها، ولكني أخشى في الحيّة سمّها، غير أن الحيّة بها ما نكرهه، وبها أيضًا ما يلزمنا أن نتمثّل به:

أ. عندما يشعر الثعبان بشيخوخته، عندما يشعر بثقل السنوات الطويلة، يتقلّص ويُلزم نفسه على الدخول من ثقب صغير فينسلخ عنه جلده العتيق، فيخرج إلى حياة جديدة، يلزمك أن تتمثل به أيها المسيحي في ذلك. اسمع ما يقوله السيّد المسيح: "اُدخلوا من الباب الضيّق" (مت 7: 13)، ويحدّثنا الرسول بولس قائلًا: " إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد" (كو 3: 9). يلزمنا أن نتمثل بالثعبان: لنمت لا لأجل الإنسان القديم بل لأجل الحق...

ب. تمثل بالثعبان أيضًا في هذا الأمر، وهو أن تحفظ رأسك في أمان، أي لتُحتفظ بالمسيح فيك. ألم تلاحظوا ما يحدث عند قتل الأفعوان، كيف يحفظ رأسه معرضًا كل جسمه للضربات! إنه يريد ألاّ يُضرب ذلك الجزء الذي يعلم أن فيه تكمن حياته. ونحن أيضًا حياتنا هو المسيح الذي قال بنفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6)، وكما يقول الرسول: "رأس كل رجل هو المسيح" (1 كو 11: 3). فمن يحتفظ بالمسيح في داخله إنّما يحتفظ برأسه الذي يحميه



يقول القديس أغسطينوس: [تمثل بالحمامة وأنت مطمئن. انظر كيف تبتهج الحمامة بوجودها وسط الجماعة. فالحمام يبقى دومًا كجماعات، أينما طاروا أو أكلوا، ولا يحبّون الانفراد. إنهم يبتهجون معًا في وحدة، يحتفظون بالمحبّة، فهديلهم ما هو إلا صرخات حب واضحة، وبقبلات ينجبون أطفالهم نعم، حتى عندما يتنازع الحمام على عشّه -كما نلاحظ ذلك غالبًا- إنّما يكون أشبه بنزاع سلمي. هل ينقسمون على أنفسهم أثناء نزاعهم؟ كلاّ، بل يطيرون معًا ويقتاتون معًا، ويبقى نزاعهم ودّيًا. تأمّل نزاع الحمام الذي يتحدّث عنه الرسول، قائلًا: "وإن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسِموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل" أي أقيموا المعركة، لكن فلتكن معركة حمام لا ذئاب، لهذا أردف يقول: "ولكن لا تحسبوه كعدوّ بل اِنذروه كأخ" (2 تس 3: 14-15) إن الحمامة تحب الآخرين ولو في نزاعها، أمّا الذئب فيبغض الآخرين ولو تلّطف




الأب يوحنا من كرونستادت: [اِسْتَعر من الحيّة حكمتها فقط، ولِيبق قلبك بسيطًا نقيًا غير فاسد. كن وديعًا ومتواضعًا كما أنا، ولا تسلّم نفسك للغضب والهياج، "لأن غضب الإنسان لا يصنع برّ الله" (يع 1: 20)

يقارن القديس أغسطينوس أيضًا بين الحمام والغربان، فالحمامة التي أرسلها نوح عادت إليه تحمل غصن الزيتون، أمّا الغراب فخرج بلا عودة يعيش على الجيف. الحمامة تطلب ما لنوح، أي ما للمسيح، أمّا الغراب فيطلب ما لذاته ولو كان نتانة وفسادًا. هذا والحمامة أيضًا في أكلها لا تمزّق ما هو قدّامها كما يفعل الغراب، لذا صارت الحمامة علامة السلام والبساطة، أمّا الغراب فعلامة الأنانيّة والتمزيق والانقسام.

يقول القديس أغسطينوس: [أيضًا أن العصافير وهي طيور أصغر في الحجم من الحمام بكثير تقتل الذباب لتأكله أمّا الحمام فلا يفعل شيئًا من هذا القبيل، فإنها لا تعيش على قتل غيرها، ولا تشبع على حساب الآخرين.]

وقد سبق لنا الحديث عن البساطة في مفهومها المسيحي في كتابنا "الحب وحياة البساطة"، واكتفي هنا بتقديم مفهومها عن القديس يوحنا الدرجي إذ يقول: [الإنسان البسيط هو ذو النفس التي في نقاوتها الطبيعيّة التي خُلقت عليها والتي تشفع من أجل الجميع الحقد هو فساد البساطة، طريق ماكر للتفكير تحت ستار مزيّف من البساطة]، لكنّه يميّز بين البساطة بالفِطرة والبساطة المجاهدة، بقوله: [عظيمة هي أيضًا البساطة التي يتّسم بها بعض الناس بالفِطرة نعم ومباركة، لكنها لا تعادل البساطة التي تكتسب بالعناء والتعب بعد التوبة عن الخطيّة، فالأولى محميّة ومحصّنة ضدّ الكثير من التصنّع والانفعال لكن الأخيرة تقود إلى أعلى درجات التواضع والوادعة. الأولى ليس لها مكافأة عظيمة، أمّا الثانية فمكافأتها لا نهائية بلا حدود



=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولكن احذروا من الناس، لأنهم سيسلّمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم، فلا تهتمّوا كيف أو بما تتكلّمون، لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلّمون به. لأن لستم أنتم المتكلّمين بل روح أبيكم الذي يتكلّم فيكم"
[ متى 10 :؛17-20 ].




يتساءل القديس يوحنا الذهبي الفم : لماذا لم يعد هناك سجن ولا وقوف أمام مجامع وولاة؟ ويجيب بأن الله يسمح للإنسان بالتدريب على الصراع قدر طاقته وقامته، فالصغير يسمح له بالتدرّب على الصراع مع من يناسبه في عمره وهكذا. كأن الله لا يسمح لنا في حياتنا الروحيّة أو الرعوية بالتجارب إلا بقدر ما نحتمل.

إنه يسمح بالتجربة، مطالبًا إيّانا ألا نقلق ولا نهتم كيف نتصرّف ولا بماذا ننطق، إنّما روحه القدّوس هو الذي يعمل في المتضايقين معلنًا مجد المسيح، شاهدًا ببهائه فينا ككرازة وشهادة أمام الآخرين. يقول القديس أغسطينوس: [إنه يحرّركم من الخوف ويهبكم الحب الذي يشعل غيرتكم بالكرازة بي فتنبعث فيكم رائحة مجدي في العالم وتمتدحونهويتحدّث القديس جيروم عن عمل الله في هذه اللحظات الصعبة، قائلًا: [ها أنتم ترون أنه ليس لدينا مخازن نخزن فيها، لكننا ننال فيضًا في اللحظة المطلوبة


كأن جوهر حياة الخادم هو "الحياة بلا همّ في المسيح يسوع"، لا يهتمّ باحتياجاته الماديّة، ولا يضطرب من جهة ثمرة الخدمة، ولا أيضًا ممّا يتوقّعه من دخول في ضيق وآلام!

إذ يتحدّث روح أبينا في وقت الضيق إنّما يُعلن حقيقة إيمانيّة هامة هي تجلّي الله في حياة المؤمن، خاصة في وقت الضيق، هو الذي يسمح بالألم وهو الذي يتقبّل الألم فينا، وهو الذي يهبنا النصرة والإكليل، وهو الذي يتقبّل الإكليل فينا. جاء في رسالة للقدّيس كبريانوس يقول: [أن ما ننطق به ونجيب به (وقت الضيق) يوهب لنا في تلك الساعة من السماء التي تمدّنا، فلا نتكلّم نحن بل روح الله الذي لا يفارق من يعترفون به ولا ينفصل عنهم بل يتكلّم فيهم ويتوّج فيهم
وفي رسالة أخرى يقول: [إن عمله هو أن نغلب، وننال بإخضاع العدوّ لرمز النصرة في الصراع العظيم

وهكذا بتجلّي الله فينا نمتلئ رجاءً بالنصرة الأكيدة، وكما يقول الآب يوحنا من كرونستادت: [كل ما للعدو أنه يتعبنا، لكن ماذا تكون متاعبه إن كان قلبنا ثابتًا في الرب ومؤسّسًا فيه؟













=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وسيُسلّم الأخ أخاه إلى الموت والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلوهم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي، ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلّص"
[متى 10 : 21-22].




ان كان السيّد قد أبرز دوره الإلهي نحوهم، مقدّمًا لهم إمكانيّاته حتى يتمّموا عملهم الكرازي، لكنّه لا يتجاهل دورهم الإيجابي، مؤكدًا: "ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلّص" [22].

وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا تقف إرادة الله عند دوره هو، وإنما يطالبهم بممارسة الأعمال الصالحة أيضًا. لاحظ كيف أنه من البداية جعل نصيبًا يخصّه وآخر يخصّ تلاميذه. فصُنع المعجزات هو من عمله، أمّا عدم أخذ شيء (أجرة) فهو من عملهم. فتح أبواب (قلوب) كل البشر هو نعمة من فوق، أمّا عدم طلب شيء سوى الاحتياج الضروري هو من ضبط نفوسهم هم، "لأن الأجير مستحق أجرته". عطيّة السلام هي من الله، أمّا البحث عن المستحق وعدم دخول بيت غير المستحق فهذه وصيّتهم هم. معاقبة من لا يقبلونهم عمله هو، أمّا الانسحاب منهم وتركهم بلطف بدون أن يلعنوهم أو يسبوهم، فهذا من وداعة الرسل. عطيّة الروح وعدم القلق من عمل من أرسلهم، أمّا أن يصيروا حملان وكالحمام يحتملون كل شيء بلطف، فهذا ينبع عن هدوئهم وحكمتهم

إن كان الله هو الذي يهب القوّة، لكن يليق بنا أن نصبر إلى المنتهى مجاهدين بروح الرجاء، وكما يقول القديس كبريانوس: [يليق بنا أن نصبر مثابرين أيها الإخوة الأحباء، حتى إذ ننعم بالرجاء في الحق والحرّية ننال الحق والحرّية ذاتها

كتب القديس كبريانوس يشجّع المعترفين في السجون على الجهاد إلى النفس الأخير حتى ينعموا بالخلاص خلال صبرهم إلى المنتهى، فيقول: [أيّا كان ما قبل النهاية فهي خطوة بها نصعد إلى قمة الخلاص
لقد أعلن لهم أنه كلما اعترفوا محتملين الآلام يهيج العدوّ بالأكثر، فيكون الخطر أشد، لذا يجب مواجهته بالصبر

الجميع حتى أهل البيت يبغضوهم، لا من أجل جريمة ارتكبوها، وإنما من أجل اسمه، فإن الله لا يتركهم بل يسندهم بعطاياه ونعمه، أمّا هم فمن جانبهم يلزمهم أن يصبروا حتى النهاية، متسلّحين بنعمته.






























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ومتى طردوكم في هذه المدينة، فاهربوا إلى الأخرى" [23].



أننا لا نلقي بنفوسنا وسط العاصف فنثير المضايقين، وإنما نتركهم ليس خوفًا على حياتنا، وإنما لتكميل رسالة الله فينا التي ائْتمنّا عليها، ولكن لا نعطي الفرصة للمضايقين أن يزدادوا غضبًا وثورة. وقد ركّز القديس أثناسيوس الرسولي كثيرًا على هذه العبارة في دفاعه عن هروبه من أمام وجه الأريوسيّين، كما تحدّث القدّيس البابا بطرس خاتم الشهداء عن هذا الأمر بشيء من التفصيل في قانونه التاسع




* أمرَ مخلّصنا أن نهرب عندما نُضطهد، ونختفي عندما يبحثون عنّا، فلا نعرّض أنفسنا لمخاطر معيّنة، ولا نُشعل بالأكثر ثورة المضطهدين ضدّنا بظهورنا أمامهم. فإن من يسلّم نفسه لعدوّه ليقتله إنّما يفعل ذات الشيء كمن يقتل نفسه. أمّا أننا نهرب كأمر مخلّصنا بهذا نعرف وقتنا المناسب، ونُعلن اهتمامنا الحقيقي نحو مضطهدينا، لئلا إذ يعملون على سفك الدم يصيرون مجرمين عصاه للناموس القائل: "لا تقتل" (خر 20: 13)

البابا أثناسيوس الرسولي

* لم يأمرهم قط أن يبقوا مع العدوّ، بل أن يهربوا إن اضطهدوهم

القديس يوحنا الذهبي الفم

* يريدنا الرب أن نهرب في زمن الاضطهاد من مدينة إلى أخرى حتى لا يُلقي أحد بنفسه وسط المخاطر التي قد لا يحتملها الجسد الضعيف أو الفكر المنطلق العنّان وهو يتوق على الحصول على إكليل الاستشهاد

القديس أمبروسيوس















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


ليس التلميذ أفضل من المعلّم، ولا العبد أفضل من سيّده، يكفي التلميذ أن يكون كمعلّمه، والعبد كسيّده فلا تخافوهم، لأن ليس مكتوم لن يُستَعلن، ولا خفي لن يُعرف. الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح "ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالأحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنّم" "أليس عصفوران يباعان بفلس،

وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم؟

وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة.

فلا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة.

فكل من يعترف بي قدّام الناس،

اعترف أنا أيضًا به قدّام أبي الذي في السماوات.

ولكن من ينكرني قدام الناس،

أنكره أنا أيضًا قدّام أبي الذي في السماوات " [متى 10 : 24 - 33 )














دخول التلاميذ إلى الألم حتى من أهل البيت ليس بلا هدف، فقد أوضح لهم الأسباب التالية حتى يقبلوه بلا خوف:



أولًا: "ليس التلميذ أفضل من المعلّم، ولا العبد أفضل من سيّده، يكفي التلميذ أن يكون كمعلّمه، والعبد كسيّده"

القديس يوحنا الذهبي الفم: [إرادة الله لا أن يخلّصك من المخاوف بل يحثّك على ازدرائها، فإن هذا أعظم من التخلُّص منها



ثانيًا: يقول السيّد: "فلا تخافوهم، لأن ليس مكتوم لن يُستَعلن، ولا خفي لن يُعرف. الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح" [26-27]

* ماذا يحزنكم؟ هل لأنهم يسمُونكم مرائين ومخادعين؟ تمهّلوا قليلًا فيسمُّونكم منقذي العالم ومُحسنين إليه! إن الزمان سيُعلِن المكتوم ويكشف افتراء أعدائكم عليكم، فتظهر فضيلتكم إنكم منقذون ومحسنون، إن أثبتُّم ذلك بالأعمال؛ فالناس لا يصغون إلى الأقوال بل ينظرون إلى حقيقة الأعمال!

القديس يوحنا الذهبي الفم



ثالثًا: يسند السيّد تلاميذه ليقبلوا الضيق بلا خوف، معلنًا لهم أن حياتهم الداخليّة لن تؤذي بل ولا أجسادهم بدون إذن أبيهم السماوي. إن نفوسهم مصونة بالروح القدس الناري، فلا يقدر أحد أن يقترب إليها، وشعور رؤوسهم التي تسقط عندما يقوم الإنسان بتمشيطها محصيّة لدي الله!

يقول السيّد: "ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالأحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنّم" [28].

إن الشهداء القدّيسين لم يخافوا ممن يخيف، لأن بمخافتهم لله لم يهابوا إنسانًا...!



تستطيع أن تقتل مسكن الروح أي الجسد، لكن هل يمكنك أن تقتل الساكن فيه...؟! إنك تطلق روحي ولا تستطيع أن تؤذيها في شيء. فبصنعك هذا سيقوم جسدي مرّة أخرى، هذا الذي لك سلطان عليه. إذ تطلق الروح يقوم الجسد وتعود إليه الروح كمسكنٍ لها، وعندئذ لا يعوذ يموت الجسد بعد!

انظر! إنّني لن أخاف من وعيدك حتى بالنسبة لجسدي، فإنه وإن كان لك سلطان عليه لكن حتى شعر رأسي محصي لدى خالقي


* لا تخف أيها الشهيد من سيف مضطهدك، بل بالأحرى خف من لسانك لئلا تضطهد نفسك بنفسك، فتهلك روحك لا جسدك. لتخف على روحك لئلا تموت في نار جهنّم

القديس أغسطينوس



* لا تخف ولا يضعف قلبك ولا تنزعج عندما يُسحب منك المال أو الطعام أو الشرّاب أو الملذّات أو الملابس أو السكن أو جسدك ذاته، بل خف العدوّ الذي يسحب نفسك من الإيمان والاتّكال على الله ومحبّة الله والقريب، عندما يبذر في قلبك الكراهيّة والعداوة والارتباط بالزمنيّات والكبرياء وغير ذلك من الخطايا

الأب يوحنا من كرونستادت



رابعًا: يقوم عدم الخوف أساسًا على اكتشاف الإنسان لرعاية الله به كأبٍ محبٍ؛ فيهتمّ به كما يهتمّ بالخلقية من أجله. هذه الرعاية تمتد في حياتنا من إحصائه لشعور رؤوسنا جميعها إلى اهتمامه بالمجد الذي يعدّه لنا في السماوات.

"أليس عصفوران يباعان بفلس،

وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم؟

وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة.

فلا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة.

فكل من يعترف بي قدّام الناس،

اعترف أنا أيضًا به قدّام أبي الذي في السماوات.

ولكن من ينكرني قدام الناس،

أنكره أنا أيضًا قدّام أبي الذي في السماوات" [29-33].



يُعلّق العلامة أوريجينوس على إحصاء شعورنا، قائلًا: [لا يقصد بذلك الشعر الذي نقصّه بالمقص ونُلقي به في سلّة المهملات، أو الشعر الذي يسقط ويموت مع تقدّم السن، لكن الشعر المُحصَى أمام الله هو الذي من الناصريّة (الذي لشمشون) حيث تسكن فيه قوّة الروح القدس، فيهبْ الغلبة على الفلسطينيّين، أي قوّة النفس وكثرة الأفكار النابعة عن الإدراك والفهم، والتي يُرمز لها برأس التلاميذ











































































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"لا تظنّوا إني جئت لألقي سلامًا على الأرض،

ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا.

فإني جئت لأفرّق الإنسان ضدّ أبيه،

الابنة ضدّ أمها،

والكِنَّة ضدّ حماتها.

وأعداء الإنسان أهل بيته" [متى 10 : 34-36].




يُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه الحرب القاسية، بقوله: [ليس فقط الأصدقاء والزملاء يقفون ضدّ الإنسان بل حتى الأقرباء، فتنقسم الطبيعة على ذاتها... ولا تقف الحرب على من هم في بيت واحد أيّا كانوا، وإنما تقوم حتى بين الذين هم أكثر حبًا لبعضهم البعض، بين الأقرباء جدًا

















































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"من أحبَّ أبًا أو أمّا أكثر منّي فلا يستحقَّني، ومن أحبَّ ابنًا أو ابنة أكثر منّي فلا يستحقّني. ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني. من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها" [ متى 10 : 37-39]


حقًا إن الله الذي أوصانا بالحب، بل جاء إلينا لكي يهبنا طبيعة الحب نحوه ونحو الناس حتى الأعداء، لا يقبل أن نحب أحدًا حتى حياتنا الزمنيّة هنا إلا من خلاله. إنه يَغير علينا كعريس يطلب كل قلب عروسه،

وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الله الذي يحبّنا كثيرًا جدًا يريد أن يكون محبوبًا منّا
لنترك كل أحد من أجله، لنعود فنقتني كل أحد بطاقات حب أعظم، إذ نحبّهم بالمسيح يسوع ربّنا الساكن فينا، فيكون على مستوى سماوي فائق؛ نحبّهم فوق كل اعتبارات زمنيّة.

* يأمرنا الكتاب المقدّس بطاعة والدينا. نعم، ولكن من يحبّهم أكثر من المسيح يخسر نفسه. هوذا العدوّ (الذي يضطهدني لأنكر المسيح) يحمل سيفًا ليقتلني، فهل أفكر في دموع أمي؟ أو هل احتقر خدمه المسيح لأجل أبٍ، هذا الذي لا ارتبط بدفنه إن كنت خادمًا للمسيح (لو 9: 59-60)، ولو إنّني كخادم حقيقي للمسيح مدين بهذا (الدفن) للجميع

القديس جيروم

* (في حديثه مع أرملة): لا تحبي الرجل أكثر من الرب فلا تترمّلين، وإن ترمّلتي فما تشعرين بذلك، لأن لكِ معونة المحب الذي لا يموت

القديس يوحنا الذهبي الفم

* إن أحببنا الرب من كل القلب يجدر بنا ألا نفضِّل عنه حتى الآباء والأبناء

القديس كبريانوس

لقد نفذت الأم باولا Paula هذه الوصيّة كما كتب عنها القديس جيروم في خطابه لابنتها يوستيخوم، إذ يقول: [إنّني أعلم أنه عندما كانت تسمع عن مرض أحد أولادها مرضًا خطيرًا، وخاصة عند مرض توكسوتيوس Toxotius الذي كانت تحبّه جدًا، كانت أولًا تنفذ القول: "انزعجت فلم أتكلّم" (مز 77: 4). وعندما تصرخ بكلمات الكتاب المقدّس: "ومن أحبّ ابنًا أو ابنة أكثر منّي فلا يستحقّني" (مت 10: 37)، تصلّي للرب وتقول: يا رب احفظ أطفالك الذين كتبت عليهم بالموت، أي هؤلاء الذين لأجلك يموتون كل يوم جسديًا



=
 
التعديل الأخير:
أعلى