لنيافة الأنبا رافائيل
كيف يقود التسبيح إلى الخلاص؟
(1) التسبيح هو التعبير عن العلاقة والحب لله:
الذي لا يُسبِّح الله، هو شخص لا توجد له علاقة حيَّة بالله، أو محبة له. لذلك سيكون من ضمن المطروحين في الظلمة الخارجية، هؤلاء الذين لم يشتركوا في تسبيح الله، فلم يعرفهم أو يعرفوه مثل العذارى الجاهلات اللاتي قيل لهن: "الحقَّ أقول لكنَّ: إني ما أعرفكُنَّ" (مت12:25). وليس شرطًا أن يكون هذا التسبيح هو التسبحة اليومية في الكنيسة فقط، بل المقصود به روح التسبيح والترنيم والصلاة التي يعيشها الإنسان المسيحي المُحب لله.
إن النفوس الجاهلة – بحسب المَثَل – التي لم تملأ أوعيتها ومصابيحها بزيت الصلاة والتسبيح فقدت أبديتها السعيدة، والنفوس الحكيمة هي التي تملأ حياتها بالتسبيح والفرح بالمسيح .. فيكون لها النصيب الحسن في الدخول مع العريس إلى العُرس الأبدي.
(2) التسبيح مُلازم للسهر الروحي والاستعداد للقاء المسيح:
"اِسهَروا إذًا لأنَّكُمْ لا تعلَمونَ في أيَّةِ ساعَةٍ يأتي رَبُّكُمْ" (مت42:24)، فطوبى للنفس التي إذا جاء السيد يجدها في سهر روحي وتسبيح دائم. ولعل هذا هو السر في أن الكنيسة تُنبِّهنا: "قوموا يا بني النور لنُسبِّح رب القوات لكي ينعم علينا بخلاص نفوسنا"، وأيضًا هو السر في أن خدمة التسبيح في السهر بالليل تأخذ معظم جهد ووقت الكنيسة. فالسهر بالليل للتسبيح يُعبِّر عن استعداد النفس لاستقبال المسيح.
(3) التسبيح يحوي اعترافًا بالإيمان بالمسيح، وهو ما يؤدي إلى الخلاص:
& "لأنَّكَ إنِ اعتَرَفتَ بفَمِكَ بالرَّب يَسوعَ، وآمَنتَ بقَلبِكَ أنَّ اللهَ أقامَهُ مِنَ الأمواتِ، خَلَصتَ. لأنَّ القَلبَ يؤمَنُ بهِ للبِر، والفَمَ يُعتَرَفُ بهِ للخَلاصِ" (رو9:10-10).
& "لأنَّ كُلَّ مَنْ يَدعو باسمِ الرَّب يَخلُصُ" (رو13:10).
& "فلنُقَدمْ بهِ في كُل حينٍ للهِ ذَبيحَةَ التَّسبيحِ، أيْ ثَمَرَ شِفاهٍ مُعتَرِفَةٍ باسمِهِ" (عب15:13).
لذلك ففي الهُوس الثاني نُسبِّح قائلين: "اعترفوا للرب لأنه صالح وخيِّر الليلويا. لأن إلى الأبد رحمته".
(4) التسبيح يُعطينا فرصة أن نتواجه مع الله وجهًا لوجه، فتنطبع فينا صورته المُقدَّسة:
& "ونَحنُ جميعًا ناظِرينَ مَجدَ الرَّب بوَجهٍ مَكشوفٍ، كما في مِرآةٍ، نتغَيَّرُ إلَى تِلكَ الصّورَةِ عَينِها، مِنْ مَجدٍ إلَى مَجدٍ، كما مِنَ الرَّب الرّوحِ" (2كو18:3).
فطوبى للنفس التي تُعطَى فرصة لأن تقف أمام المسيح طوال الليل للتسبيح والتمتع بحضرته الإلهية المباركة، لتنطبع في وجهها صورته المُقدَّسة: الوداعة، والطهارة، والمحبة، والسلام.
(5) التسبيح هو تنفيذ وصية كتابية:
"أعلَى أحَدٍ بَينَكُمْ مَشَقّاتٌ؟ فليُصَل. أمَسرورٌ أحَدٌ؟ فليُرَتلْ" (يع13:5). ومعروف أن تنفيذ وصايا الكتاب المُقدَّس يؤول حتمًا إلى الخلاص .. "فاسمَعْ لصوتِ الرَّب إلهِكَ واعمَلْ بوَصاياهُ وفَرائضِهِ التي أنا أوصيكَ بها اليومَ" (تث10:27). لذلك عندما نشترك في ذبيحة التسبيح بالكنيسة، فإننا نتوقع بكل فرحة أن ننال الخلاص. فالتسبيح هو أحد وصايا وفرائض الرب التي يُوصينا بها.
(6) التسبيح يتضمن الشكر لله على نعمته الغنية:
& "فشُكرًا للهِ علَى عَطيَّتِهِ التي لا يُعَبَّرُ عنها" (2كو15:9).
& "مُكلمينَ بَعضُكُمْ بَعضًا بمَزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، مُتَرَنمينَ ومُرَتلينَ في قُلوبِكُمْ للرَّب. شاكِرينَ كُلَّ حينٍ علَى كُل شَيءٍ في اسمِ رَبنا يَسوعَ المَسيحِ، للهِ والآبِ" (أف19:5-20)
& "وكُلُّ ما عَمِلتُمْ بقَوْلٍ أو فِعلٍ، فاعمَلوا الكُلَّ باسمِ الرَّب يَسوعَ، شاكِرينَ اللهَ والآبَ بهِ" (كو17:3).
& "افرَحوا كُلَّ حينٍ. صَلّوا بلا انقِطاعٍ. اشكُروا في كُل شَيءٍ" (1تس16:5-18).
& "لذلكَ ونَحنُ قابِلونَ ملكوتًا لا يتزَعزَعُ ليَكُنْ عِندَنا شُكرٌ بهِ نَخدِمُ اللهَ خِدمَةً مَرضيَّةً، بخُشوعٍ وتقوَى" (عب28:12).
وكما علَّمنا الآباء أنه "ليست عَطية بلا زيادة إلاَّ التي بلا شكر"، لذلك فنحن نحصُل على الخلاص بسبب الشكر، والاعتراف بفضل الله، وجميل صنيعه بنا عندما خلَّصنا على الصليب.
(7) التسبيح يتضمن طلب الخلاص من الله:
& "لا تهتَمّوا بشَيءٍ، بل في كُل شَيءٍ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ مع الشُّكرِ، لتُعلَمْ طِلباتُكُمْ لَدَى اللهِ" (في6:4).
& "فأطلُبُ أوَّلَ كُل شَيءٍ، أنْ تُقامَ طَلِباتٌ وصَلَواتٌ وابتِهالاتٌ وتشَكُّراتٌ لأجلِ جميعِ الناسِ، لأجلِ المُلوكِ وجميعِ الذينَ هُم في مَنصِبٍ، لكَيْ نَقضيَ حياةً مُطمَئنَّةً هادِئَةً في كُل تقوَى ووَقارٍ، لأنَّ هذا حَسَنٌ ومَقبولٌ لَدَى مُخَلِّصِنا اللهِ، الذي يُريدُ أنَّ جميعَ الناسِ يَخلُصونَ، وإلَى مَعرِفَةِ الحَق يُقبِلونَ" (1تي1:2-4).
وكما في الصلاة الربانية عندما نطلب بتوسل: "اغفِرْ لَنا ذُنوبَنا".. فإننا نثق أن الله يستجيب ويعطينا الغفران والخلاص.. "وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ" (مت22:21)، "كُلُّ ما تطلُبونَهُ حينَما تُصَلّونَ، فآمِنوا أنْ تنالوهُ، فيكونَ لكُمْ" (مر24:11)، فنحن نطلب الخلاص مُؤمنين أن نناله.. فنناله بنعمة المسيح.
(8) التسبيح يُنبِّه النفس للتوبة والعودة إلى الله:
& "لتَسكُنْ فيكُم كلِمَةُ المَسيحِ بغِنًى، وأنتُمْ بكُل حِكمَةٍ مُعَلمونَ ومنذِرونَ بَعضُكُمْ بَعضًا، بمَزاميرَ وتسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ، بنِعمَةٍ، مُتَرَنمينَ في قُلوبِكُمْ للرَّب" (كو16:3).
& "واظِبوا علَى الصَّلاةِ ساهِرينَ فيها بالشُّكرِ، مُصَلينَ في ذلكَ لأجلِنا نَحنُ أيضًا، ليَفتَحَ الرَّبُّ لنا بابًا للكلامِ، لنَتَكلَّمَ بسِر المَسيحِ، الذي مِنْ أجلِهِ أنا موثَقٌ أيضًا" (كو2:4-3).
ولذلك يوجد في التسبحة اليومية (مَجَمع الآباء القديسين)، الذي ينتهي كل ربع فيه بطلب الغفران "ليغفر لنا خطايانا"، سائلين في ذلك أن يتوسط القديسون ليُقدِّموا هذا الطلب إلى الله، ونثق أن إلهنا المُحب يمنحنا الغفران بسبب اللجاجة، وكرامة للقديسين. وبالطبع هذا لا يُغني عن سر التوبة والاعتراف، بل هو أحد وسائط الغفران في الكنيسة التي تُكمِّل بعضها بعضًا.