قاعدة أساس خبرة معرفة الله الحي - برهان الروح والقوة

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0

المعرفة الحقيقية ولمسة قوة الله الشافية المُحيية


المعرفة الحقيقية لله هي عِبارة عن حس سري داخلي، أي حس عميق في النفس لا يراه أحد من الخارج أو يستطيع أن يُميز وجوده في أي إنسان، لأن المعرفة هنا باطنية تخص النفس وعلاقتها الشخصية السرية مع الله القدوس، لأنها معرفة مباشرة قلبية واعية بالله الحي، وهي تؤدي بطبيعتها إلى الراحة وبالتالي إلى الفرح العميق والسلام الثابت، لأن هذه المعرفة فيها لقاء حقيقي حي وشخصي جداً، واتصال مباشر واعي بالله تعيه النفس وحدها.
فالله في ذاته هو إله حي مُشع بنوره الخاص، وهو الإله المجهول الذي لم نكن نعرفه، وبكونه وحده الكاشف والمُعلن عن نفسه، فقد أظهر لنا ذاته ومعرفته الحقيقية من خلال الابن الوحيد الذي خبر في ملء الزمان وأظهر من هو الإله الحقيقي الذي ينبغي أن نعبده ونقدم له حياتنا كلنا: الله لم يراه أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هُوَّ خَبَّر (يوحنا 1: 18).
فالله يكشف عن ذاته لنا – في الابن الوحيد – شخص حي وحضور محيي وهذه هي قوة الله التي تُستعلن لنا وتمسنا داخلياً، لأنه يتجه ويتحرك نحونا بغرض أن يُعطينا حياة أبدية حقيقية دائمة التدفق، يصبها في كياننا أن تقبلناها منه بالإيمان، حينئذٍ نشعر بقوة سلطانها وتدفقها إذ تسري فينا مثل الماء في مجراه، ولا نقدر أن نفحصها ونعرف دقائق تفاصيلها، لكنها تشدنا بقوة نحوها وتسبينا حتى تُسيرنا أسرى محبة الله، وتستمر تعمل بنشاط ولا تهدأ فينا حتى تحقق فينا الوصية الأولى، لكي نحب الله بكل القلب طبيعياً بدون مشقة، ولا تتوقف عن عملها إذ تستمر تنقلنا من إيمان لإيمان ومن محبة لمحبة:
+ فأجاب يسوع إن أول كل الوصايا هيَّ: "أسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا ربٌ واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك". هذه هي الوصية الأولى. (مرقس 12: 29 و30)

ولنا الآن أن نعرَّف من الناحية العملية ما هو اللقاء الحقيقي مع شخص المسيح الكلمة، ففي الحقيقة هناك علامات عملية ظاهرة ومعلنة في الإنجيل توضح لنا ثمار المواجهة والمقابلة مع مسيح القيامة والحياة، اللوغوس وحيد الآب، فلقاءه:
هو لقاء لعازر الميت الذي سرت فيه قوة الحياة حينما سمع صوت ابن الله الكلمة الحي: "لعازر هلم خارجاً"
• هو لقاء نازفة الدم حينما مست هدب ثوبه فبرأت في الحال.
هو لقاء التي أمسكت في ذات الفعل متلبسة بجريمتها، فتبررت في محضره، وصار لا دينونة عليها، وأُطلقت حُره لم يمسها أحد بسوء.
هو لقاء السامرية عند بئر المياه والتي كشف الله أعماق قلبها وبررها فتركت جرتها وركضت تنادي بفرح لتعلن وتكشف أنها التقت بالمسيا الحقيقي شخصياً.
هو لقاء شاول وهو في طريقه لقتل أتباع المسيح الرب فتحول إلى بولس عبد يسوع المسيح، وحسب كل الأشياء خسارة ونفاية من أجل فضل معرفته وحده.
وهذه كلها هي عِبارة عن أمثلة تُعبِّر عن خبرة المعرفة الحقيقية لله الحي، معرفة اختبارية شخصية واقعية، فيها حياة الله تدفقت وانسكبت وتغلغلت في النفس، وبالتالي لا تحتاج إلى برهان لإثباتها أو إقناع عقلي، لأن فيها يقين قاطع داخلي بشهادة الروح القدس في القلب (الروح يشهد لأرواحنا) بيقين، فهي حقاً معرفة تبرير وغفران ذات سلطان قوي قادر فعلياً على كسر قيود الخطايا وغسل وتطهير الضمير بالتمام، ولها – حسب طبيعتها – سلطان محبة يهز الكيان كله آسراً القلب وجاذبه لله الحي ليكون مقر سكناه الخاص.
وحينما ندخل في خبرة هذا اللقاء الحي أي نتواجه مع مسيح الله، سنخرج بيقين فرح لا يُنقض شاهدين على عمل الله قائلين: الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، فأن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد. (1يوحنا)
لذلك يا إخوتي علينا أن نعي المستوى الحقيقي لمعرفة الله من جهة خبرة اللقاء مع المسيح الرب، لأن الكتب لن تنفعنا ولا الدراسات اللاهوتية مهما ما تعمقنا فيها وعرفناها المعرفة الصحيحة والسليمة، لأن بدون أن يكون لنا هذه المعرفة الحقيقية بالله الحي من جهة لقاءه الخاص وسريان حياته فينا، فأنه لمن المستحيل أن نعرفه وندخل راحته ونحيا نحبه من كل القلب والنفس والفكر والقدرة، بل سنجمع المعلومات الصحيحة والعميقة كلها ونعرضها للناس كتماثيل حجر تصير لهم عثرة وحاجز صد تمنعهم عن معرفة الله على مستوى لقاءه الخاص المفرح للنفس وناقلها من الظلمة للنور ومن الهوان للمجد، لأن المعرفة التي لا تنقل الإنسان من طبيعته المُظلمة الضعيفة لطبيعة نورانية جديدة أخرى يرتفع بها للمستوى السماوي ليرى ما لا يُرى، هي معرفة باطلة تقوده للكآبة وفقدان الرجاء الحي والمكوث في الظلمة وظلال الموت، وربما تمرضه نفسياً بسبب الصراع ما بين عدم توافق الخارج مع الداخل، أو تجعله مرائياً وبارع في تمثيل التقوى التي تصطرع مع الوصية وتجعله يهرب من محضر الله والمواجهة مع المسيح الرب، فيحيا في حالة من الإخفاق الروحي المستمر.

ولنا الآن أن نسأل سؤال هام للغاية يخص موضوع البرهان أو الإثبات، لأن كثيرين يتساءلون كيف لي أن أتيقن أني عرفت الله، لذلك سنوضح هذا بشكل بسيط كالآتي:
كيف لنا أن نقول على منظر ما جميلاً! أو قطعة موسيقية رائعة!
أبالبرهان؟ أم بالقراءة وتفتيش الكتب؟ أم بسؤال الناس ورأيهم الخاص؟
بالطبع نحن لا نسأل مثل تلك الأسئلة لكي نتعرف على الجمال المُحيط بنا سواء ما نراه أو نسمعه، لأننا نرى جمال المنظر بأعيننا، ونسمع الموسيقى بآذاننا، ونتلامس معهم كأمر واقع لا حاجة لأن يقنعنا بهما أحد، ولا فائدة من أن يُناقشنا أحد ليقنعنا لما فيهم من رونق وجمال خاص، لأنه يؤثر فينا داخلياً ونشعر به ويجعلنا في حالة من الاسترخاء والراحة.
فلو العالم كله دخل معنا في حالة من التحدي ليُعارضنا ووقف أمامنا ليقنعنا أن ما رأيناه ليس فيه أي نوع من أنواع الرونق والجمال الخاص، فأننا لن نصدق قط إلا ما شعرنا به من خلال خبرة الرؤية والسمع، لأن هذا ما فحصناه على مستوى الخبرة الحقيقية في واقع حياتنا المعاش، وهكذا معرفتنا اليقينية بلقاء المسيح الرب على المستوى الشخصي، الذي لن يستطيع أحد أن يقنعنا عكس ما حدث معنا فعلياً، لأن اللقاء لم يكن فلسفة فكر أو معلومة من كتاب أو موضوع، بل موقف حدث فيه تغيير حقيقي فعلياً، لأننا تلامسنا معهُ ومستنا قوته المؤلهة، وهذا كان موقف المولود أعمى ورده على الفريسيين حينما قالوا له "اعط مجدا لله. نحن نعلم ان هذا الانسان خاطئ"، فقال لهم: أخاطئ هو؟ لستُ أعلم. إنما أعلم شيئاً واحداً: إني كنت أعمى والآن أُبصر (أنظر يوحنا 9)
عموماً رجوعاً للمثل الذي نتكلم عنه، أننا نرى كثيرون لا يرون جمال المنظر أو يشعروا بجمال الموسيقى!، فالكثيرون يمرون أمام شمس الغروب البديع ولا ينظرون إليها أو يهتمون، والذين لا يتذوقون جمال الموسيقى عددهم يفوق – كثيراً جداً – عدد الصُم الحقيقيين.
لمـــــــــــاذا؟!!
ذلك لأنهم لم يستعدوا داخلياً ولم يهيئوا أنفسهم لتقبل هذا النوع من الجمال، لأنهم لا يبالون أو يهتمون من الأساس، وبهذا يغلقون على أنفسهم باب عالم بكاملة، وهكذا بالنسبة لمعرفة الله ومعرفة النفس، فالإنسان غافل تماماً عن حياته الداخلية، بل حياته ترتكز دائماً على الراحة الظاهرية، لذلك يبدأ يومه بالتفكير في الماديات وكيف يسدد حاجته اليومية، بل والمستقبلية، لذلك يبدأ يومه بالهم وينهي يومه بالقلق والاضطراب وأحياناً الحزن العميق والكآبة، فكل حلمه أنه كيف يسدد حاجات وعوز الجسد، وكيف يحقق غدٍ أفضل في هذا العالم الحاضر، وبذلك تكون حياته عبارة عن شقاء لا ينتهي ونكد لا يزول.
 
أعلى