تفسير إنجيل القديس يوحنا للأب متى المسكين

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
وقفة قصيرة

‏مراجعة قانونية في أسلوب الاتهام: كيف يطلب رؤساء الكهنة أن يطلق لهم باراباس، وهو متهم مسجون بالفعل ومدان كفاعل شر، بنفس التهم وأكثر مما يلصقونها بالمسيح؟
‏«وذاك كان قد طُرح في السجن، لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل» (لو19:23). (فتنة أدت إلى إزهاق أرواح، وتعني نوعاً من المظاهرات أو الثورات المحدودة، سياسية أو اجتماعية، من نوع تلك التي يقوم بها أرباب المهن أو الصناعات أو أحزاب الأمة من أجل مبادىء عامة). كما يتضح من رواية القديس مرقس الرسول أن باراباس سجين سياسي: «وكان المسمى باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة, الذين في الفتنة فعلوا قتلاً» (مر7:15)
‏وكان الهياج والصخب المصطنع المغالى فيه جداً، من جهة شكله وأسبابه إزاء صمت المسيح وهدوئه وسكوته، سبباً لإقناع بيلاطس أكثر ببراءة المسيح . لقد أدرك بيلاطس، في هدوء وذكاء، الحقيقة التي أعلنها القديس متى: «لأنه علم أنهم أسلموه حسدا.» (مت18:27)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
39:18-40 وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِداً فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». فَصَرَخُوا أَيْضاً جَمِيعُهُمْ: «لَيْسَ هَذَا بَلْ بَارَابَاسَ». وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصّاً.

[اليهود يعطون الكرامة للص قاتل، ويلحون إلحاحاً في قتل البار!!].
«أفتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود»: ‏هذا تعبير خطير يمس الاتهام الذي ترجى اليهود أن يٌصلب المسيح بسببه! بيلاطس هنا يسخر، لا من ملك اليهود ولا من اليهود، بل من رؤساء الكهنة الذين ألبسوه هذه التهمة!! وكون بيلاطس يقول, بعد فحصه على أساس بنود الاتهام كلها, أنه يطلق هذا الملك، فهذا معناه مباشرة أن المسيح ليس ملكأ بحسب إتهام رؤساء الكهنة بأنه ملك يمنع جباية الضرائب لحساب قيصر (أي ينادي بالتحرر من نير الرومان). فلو كانت مثل هذه التهمة محتملة مجرد احتمال، لكان قد احتحزه لتكميل الفحص، ولكنه الأن برأه تماماً من كل تهمة, وأهمها أنه «ملك سياسي» يطالب بملك.
‏ولكن واضح أن بيلاطس وهو يسعى لإطلاق المسيح، لم يتخذ الطريق القانوني, ولا استخدم سلطاته كقاض يقطع بالأمر بدون مشورة الشعب. لقد انزلق بيلاطس وراء فكرة الاستعانة بالشعب ضد رؤساء الكهنة, يستفتيه في أمر إطلاق المسيح في العيد حسب عادة اليهود في إطلاق أحد السجناء، وكان كأنه يستجدي الشعب، وهذا ضعف ورخاوة قضائية معيبة. ولكن الشعب, وبسرعة، تلقن من فم رؤساء الكهنة ماذا يقول، وبعكس ما يطلب بيلاطس، أي أن يطلق لهم باراباس، ويصلب المسيح. لقد أسقط بيلاطس بين يدي نفسه، وفوت عليه رؤساء الكهنة هذه المحاولة التي خرج منها خاسراً مُضعضعاً.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الأصحاح التاسع عشر

‏فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوانٍ.وَكَانُوا يَقُولُونَ: «السّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ». فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ». فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً. فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟». أَجَابَ يَسُوعُ: « لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ». مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ». فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ». فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرُ». فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَفَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ». حَيْثُ صَلَبُوهُ وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوباً: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». فَقَرَأَ هَذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ. فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ». أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هَذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ. وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ». وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ لأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيماً سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. لَكِنَّ وَاحِداً مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. والَّذِي عَايَنَ شَهِدَ وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ». ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ وَلَكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ فَأَذِنَ بِيلاَطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ. وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ الَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الجزء الرابع من سير القضية
داخل دار الولاية (1:19-3)
الجلد بدون حكم مسبق والاستهزاء بالمسيح كملك

1:19 فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ.

«بذلت ظهري للضاربين، وخدي للطم، ووجهي لم أستر عن خزي البصاق.» (إش6:50 ‏حسب الترجمة السبعينية)
«وبجلداته شُفينا......» (إش5:53 ‏حسب الترجمة السبعينية)
‏لا يزال بيلاطس يأمل في إطلاق المسيح. ورأى أنه يمكن إرضاء الشعب الهائج بإجراء عقوبة شكلية, دون حكم رسمي, تستدر عطف الشعب، فأقدم على هذا العمل وهو مقتنع ببراءة المسيح, وقد أعلن ذلك وعمل على إطلاقه, لهذا قام بعملية الجلد: «إني لم أجد فيه علة للموت, فأنا أؤدبه وأطلقه.» (لو22:23)
‏وهنا تجدر الإشارة للتنبيه، أن هذا التجاوز المجحف الذي تورط فيه بيلاطس بعملية الجلد والاستهزاء، كان, دون أن يدري, أساساً لاهوتيأ للخلاص, لأن المسيح أكمل به ما هو مستحق توقيعه بالفعل من العقوبة على الإنسان, فحمله هو على ظهره ورأسه ليعطينا حق البراءة. فالآلام, والجلد على الظهر, والاستهزاء الذي احتمله المسيح, إضافيا فوق الموت, استكمل به المسيح الخلاص اللازم لنا. لذلك تحتل هذه الآلام من يد الحاكم الروماني, وهي غير اللازمة وغير القانونية أيضاً، إذ لم تثبت عليه تهمة واحدة من التي سُجلت في عريضة الدعوى.
‏وقد تفنن بيلاطس في الاستهزاء بالمسيح، بقصد أن يجرده من كرامة الملوكية التي كرهها اليهود, وذلك فقط استرضاء لهم. وواضح أن جيع أنواع التهكمات التي أُجريت عليه، أُجريت للتهزئة بملوكيته فقط:
«فعروه وألبسوه رداء قرمزيا»، وهو اللون الخاص بملابس الملوك.
‏«وضفروا إكليلاً من شوك، ووضعوه على رأسه»، وواضح أنه كان بمسابة إكليل الغار الذي وضع على رأس الملوك الراجعين من الانتصار!!
«وقصبة في يمينه»، هى قضيب الملك.
«وكانوا يجثون قدامه, كما يسجد الناس للملوك عادة.
«ويستهزئون به قائلين: السلام يا ملك اليهود».
‏«وبصقوا عليه» أقصى ما يمكن أن يُهان به ملك.
‏«وأخذوا القصبة، وضربوه على رأسه»‏، أي على إكليل الشوك، استهزاء بملوكيته (مت28:27-30)
‏ولم يدر الحاكم أنه إنما يكمل كأس آلام الخلاص، ليستطيع بها المسيح أن يسترد للانسان كرامته وملوكيته أمام الله أبيه. وبإكليل الشوك الذي ألبسه أخيراً فوق رأس المسيح، أعاد للانسان بالنهاية إكليل المجد الذي كان قد نزُع منه: »الذي أحبنا, وقد غسلنا من خطايانا بدمه, وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه, له المجد والسلطان إلى أبد الأبدين آمين.» (رؤ5:1-6)
‏تصحيح المفهوم:
+ يقول القديس كيرلس الكبير: (إنه جُلد ظلما) في شرحه لإنجيل يوحنا صفحة 606.
+ يتهيأ لكثيرين، أنه بعد الحكم بصلب المسيح، أعاد الجند الجلد والاستهزاه مرة أخرى. وهذا خطأ يلزم التنبيه إليه. وقد نتج هذا من اللبس الحادث في سرد الرواية. فمثلاً، في إنجيل مرقس يقول بغاية الوضوح هكذا: «وأُسلم يسوع, بعد ما جلده, ليصلب» (مر15:15)، بمعنى أنه بعد أن جلده بيلاطس أمام الجموع، وهو في حالة الاستهزاء، ولابس إكليل الشوك والثوب الارجواني، بقصد من بيلاطس أن يكتفي بذلك, وبعدها يأمر بإطلاقه، هاج الشعب وزاد الصخب, وطلبوا صلبه, فيئس من كل محاولات الإفراج عنه وسلمه لهم ليُصلب. ولكن القديس مرقس جمع كل ما تم من عمليات الجبلد والاستهزاء، ولم يفصلها, أثناء سرده, عن الصلب، بل أضافها لها، لأنه لم يشير سابقاً إلى المحاولة التي قام بها بيلاطس لإطلاقه, والتي استلزمت الجلد والاستهزاء!
كذلك في إنجيل القديس متى نجد أنه جمع عملية الجلد والاستهزاه مع الصلب. لأنه أيضاً لم يتعرض لمحاولة بيلاطس لإطلاق المسيح بالمرة.
+ أما إنجيل القديس لوقا، فكان واضحاً للغاية في سرد هذه الأحداث، إذ فصل بين محاولة إطلاق المسيح وبين الحكم بالصلب. وبعد النطق بالحكم بالصلب، لم يذكر اي شيء عن جلد أو استهزاء.
‏+ ولكن في إنجيل القديس يوحنا اتضحت الحقائق، إذ سُردت رواية محاولة بيلاطس إطلاق المسيح ومعها الجلد والاستهزاء. ولما لم تأت هذه المحاولة بالنتيجة التي كان يطلبها بيلاطس, اضطر اضطراراً وتحت التهديد، أن يسلم لهم يسوع ليصلب مباشرة، دون أي جلد أو ‏استهزاء.
+ ولكن حتى وإن كانت الكتيبة قد اجتمعت فعلاً على المسيح بعد النطق بالحكم, كما يُفهم خطأ من سرد إنجيلي القديسين متى ومرقس, وأكتملت تمثيليتها بل تمثيلها بالملك، فهذه العملية تتناسب فعلاً مع الوحشية الرومانية لدى الجنود.
+ وحينما يقول كل من القديس متى والقديس مرقس: «وبعدما استهزأوا به, نزعوا عنه الرداء, الثوب الارجواني, وألبسوه ثيابه, ومضوا به للصلب» (مت31:27؛ مر21:15), فإنه يُفهم من هذا أنه بعد ما تمت عملية الاستهزاء العلني أمام اليهود خارج دار الولاية، ولم تأت بالنتيجة التي كان يترجاها بيلاطس, وهي أن يتمكن من إطلاق سراحه بعد ذلك، أدخل المسيح مرة أخرى إلى دار الولاية ونزعوا عنه إكليل الشوك والثوب الارجواني (رمز الملوكية)، وذلك ليتسنى, بمقتضى كرامة القانون وهيبة المحكمة, محاكمته بملابسه العادية. فحكموا عليه وسُلم لهم ليصلبوه.
‏وقد كشفت لنا أبحاث الحفريات الحديثة في أورشليم التي قام بها الضابط وارن, عن صالة كبيرة تحت الأرض، قرر مستر فرجسون بعد فحصها أنها المكان الذي تألم فيه المسيح وجُلد واستُهزى، به. وهي في موقع قلعة أنطونيا, مركز دار ولاية بيلاطس, وفيها لا يزال هناك عمود مقطوع تاجه قائم بمفرده، وليس له اتصال بتركيب هيكل المبنى (لأن الصالة مقببة بقبو يعلو العمود، ولكن دون أن يتلامس معه، وواضح أنه العمود الذي كان مستخدماً لربط المحكوم عليه وجلده). وتاريخ هذه الصالة يرقى إلى زمن هيرودس.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
2:19 وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوانٍ.

«محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن... مُحتقر فلم نعتد به» (إش3:53)
‏كان هذا العمل بأمر بيلاطس، ليمثلوا بالمسيح تمثيلاً كملك تحت الإهانة، وقد أتقنوا جداً عملية الاستهزاء بكل صنوف الوقاحة المتاحة, وقد فلت زمام تعقلهم، لأن الأمر صادر من رئيسهم!
‏«ضفر العسكر إكليلا من شوك, ووضعوه على وأسه»: ‏القصد أن يهزأوا بملوكيته، فألبسوه إكليلاً من شوك عوض إكليل الغار الذي يطوقون به الملوك عند رجوعهم من انتصاراتهم. ولكن ألم يقل المسيح: «ثقوا أنا قد غلبت العالم» (يو33:16)؟ لقد رجع المسيح من نصرته العظمى غالباً العالم ورئيسه وكل مصادر الخطية والموت والهلاك، وحمل لعنة الإنسان في جسده، فلاق به أن يلبس إكليلاً من شوك رمز لعنة الإنسان «ملعونة الأرض بسببك ... شوكاً وحسكاً تنبت لك.» (تك17:3-18)
‏كان منظر المسيح وهو لابس إكليل الشوك, هو منظر الإنسان مطروداً من أمام وجه الله, خارجاً من جنة عدن، حاملاً اللعنة والشوك، ومستقبلاً التعب والشقاء. وها هو المسيح قد وفى العقوبة بكل بنودها، وما بقي منها إلا الموت، آخر عدو للإنسان، والذي هو(أي المسيح) وشيك أن يدوسه ليعود بالإنسان إلى حيث خرج.
‏يعقد بعض العلماء أن نوع هذا الشوك اسمه العلمي ( )، وهو موجود بكثرة في أورشليم ، وأشواكه حادة جداً، إذا انغرست في اللحم تدميه. ويقول أخرون إنه نبات ( ) وأسمه العبري «سارح» أو «سيراخ»
«وألبسوه ثوب أرجوان»: «من ذا الآتي من أدوم بثياب حُمر، من بصرة، هذا البهي بملابسه ... ما بال لباسك محمر، وثيابك كدائس المعسرة؟ قد دست المعصرة وحدي، ومن الشعوب لم يكن معي أحد.» (إش1:63-3)
«وهو متسربل بثوب مغموس بدم، ويدعى اسمه كلمة الله.» (رؤ13:19)
‏وهو الثوب الذي خلعه عليه هيرودس تهكماً من ملوكيته أيضاً، عندما أرسله بيلاطس إليه، لما علم هذا أن المسيح من الجليل. وكان هيرودس والي الجليل، ولكنه كان مقيماً في أورشليم، «فاحتقره هيرودس مع عسكره، واستهزأ به، وألبسه لباساً لامعاً, ورده إلى بيلاطس.» (لو11:23)
‏ومعروف أن لباس الملوك هو الأحمر اللامع.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
3:19 وَكَانُوا يَقُولُونَ: «السّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ.

«في ظلعي فرحوا واجتمعوا، اجتمعوا علي شاتمين ولم أعلم، مزقوا ولم يكفوا.» (مز15:35)
‏كانت هي تحية قيصر الرسمية, كما كان يقوها الألمان لهتلر: «هايل هتلر». وهي التي أخذ عنها كلمة «السلام الملكى», ليقال بالموسيقى وليس بالفم؛ وهي تحية الملوك العظام.
‏لم يدر هؤلاء الجنود البؤساء أنهم فعلاً يحيون ملك الملوك، «ورئيس ملوك الأرض» (رؤ5:1‏)، ولم يكن استهزاؤهم إلا استهزاه بجهالتهم وعمى عيونهم، التي نضح عليها اليهود فعموا بعماهم!
‏«وكانوا يلطمونه»: ‏كان المسيح، بعد الجلد، ينزف دماً، وظهره متورم تجتاحه الآلام، كموجات مرعبة تسري في جسده المتهرأ بلا توقف، ثم بدأوا يلطمونه على الوجه وعلى الرأس: «وبصقوا عليه، وأخذوا القصبة, وضربوه على رأسه» (مت30:27)
«اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض ...، ربيت بنين ونشأتهم، أما هم فعصوا علي, الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف, شعبي لا يفهم!! ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الإثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين!! ‏تركوا الرب, استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراء ...، ‏كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم، من أسفل القدم، إلى الرأس ليس فيه صحة! بل جرح, وأحباط، وضربة طرية, لم تعصر ولم تُعصب ولم تُلين بالزيت. بلادكم خربة، مدنكم محروقة بالنار!!» ( إش2:1-7)
«وكانوا يقولون: السلام يا ملك اليهود، وكانوا يلطمونه»! هذا هو سلام العالم، سلام بالفم ولطمة باليد، وحق للمسيح أن يقول: «سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم...» (يو27:14)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الجزء الخامس من المحاكمة
خارج الولاية (4:19-7)
«هذا هو الرجل», «جعل نفسه ابن الله»

4:19 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».

‏كانت حيرة بيلاطس واضحة، فلو كان لديه من الأدلة ما يكفي للحكم، لحكم. ولكن لم يكن أمامه أية أدلة يستند عليها، بل كان أمامه من الأدلة الدامغة على براءته، ما جعله يكاد يتوسل ملتمساً براءته. وقد أقدم عل فعلة شنعاء، بأن ظلمه ظلماً قاسياً وعنيفاً، ليرضي ظلم رؤساء الكهنة القساة وعنفهم! ولسان حاله أنه: يهون جلده، حتى الدم, وتهون إهانته حتى التراب، أمام تبرئته من الصلب! ولكن هيهات، فحسب لسانه هو: «ما كتبت قد كتبت»
‏«ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا أني لست أجد فيه علة واحدة»: بيلاطس يحاول أن يوقظ روح الإنسانية في اليهود، ويدفعهم دفعا إلى روح العدالة, بإعلانه الجهوري عن براءة من يتهمونه, براءة لا يشوبها الشك ولا «علة واحدة», ويستدر رحمتهم بمنظر المسيح الدامي والمهان جداً! هذا كله من وراء المسيح, فالمسيح كان حتى هذه اللحظة داخل دار الولاية: «‏ها أنا أخرجه إليكم».
«لست أجد فيه علة واحدة»: «رئيس هذا العالم يأتى وليس له فىّ شيء». ‏وبيلاطس هنا يدين نفسه إدانة مخزية. فلماذا، إذن، وبأي حق، وبأي إنسانية، تأمر بجلده بضربات قد تؤدي إلى موته، تأمر بإهانته هكذا وهو بريء!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
5:19 فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ».

«يا جميع عابري الطريق, تطلعوا وانظروا أن كان حزن مثل حزني...»» (مراثى 12:1)
+ «بُليت يمظامي. عند كل أعدائي صرت عاراً،... ورعباً لمعارفي... الذين رأوني خارجاً هربوا عني، نُسيت من القلب مثل الميت, صرت مثل إناء مُتلف، لأني سمعت مذمة من كثيرين، ‏الخوف مستدير بي بمؤامرتهم معاً علي، تفكروا في آخذ نفسي.» (مز10:31-13)
+ «‏اذكر يا رب عار عبيدك الذي أحتمله في حضني!! ... ، الذي به عير أعداؤك... ، عيروا آثار مسيحك!!» (مز50:89‏)
‏+ «كان منظره كذا مفسداً أكثر من الرجل, وصورته أكثرمن بني آدم... لا صورة له ولا جمال، فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه. محتقر ومرزول من ‏الناس, ‏رجل أوجاع ومختبر الحزن، وكمُستر عنه وجوهنا. ‏محتقر فلم نعتد به، لكن أحزاننا حملها, وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه, وبحُبره شُفينا... والرب وضع عليه إثم جميعنا. ظٌلم، أما هو فتزلل، ولم يفتح فاه...، ضُرت من أجل ذنب شعبي.» (إش14:52-9:53)
«هوذا الإنسان»: هوذا الإنسان ليس ملكاً بعد، لقد رفٌع عنه كل كرامة، «الذي له الكرامة والمجد إلى دهر ‏الدهور.» (اتى17:1)
‏ألبسه الهزء والسخرية، «اللابس النور كثوب» (مز2:104)
‏أزال بهاء منظره، وحطم قوته «البهي بملابسه، المتعظم بكثرة قوته» (إش1:63)
ألبسه تاج الشوك، وهو الذي «على راه تيجان كثيرة» (رؤ12:19)
‏قال لهم: «هو ذا الإنسان»، لعلهم يتعرفون عليه في أخوة الإنسانية وآلامها!! فجحدوه كإنسان متألم، وهو الإله المتمجد، ملك الملوك ورب الأرباب. أهانوا خروجه إليهم، الذي سيأتي في مجده ومجد أبيه مع ملائكته القديسين ليدين المسكونة بالعدل: «العار قد كسر قلبي فمرضت، انتظرت رقة، فلم تكن، ومعزين فلم أجد.» (مز20:69)
هموذا الإنسان!! هذا هو التجسد. نعم وكيف صار الكلمة جسداً! هذا هو الإخلاء في أعمق مظاهره ومعانيه! كيف مار الإله في هيئة عبد؟ (راجع في7:2) ولم يكتف بهيئة العبد، بل حمل على هيئة العبد عار العبيد والأسياد ومذلة بني الإنسان، ودفع بمذلته ثمن كبريائا، تهيداً ليدفع بموته ثمن موتنا ويعطينا الحياة!
‏هذه هي طاعة العبد، أدخلوه دار الولاية، فدخل. وألبسوه عار الإنسان، فلبس. وأخرجوه ليكون منظراً للناس والملائكة، فخرج. هو راض بكأسه الذي أخذه من يد الآب لشثربه رشفة رشفة!
‏في يوم ميلاده، يوم إعلان تجسده، ظهرت الملائكة في السماء جوقات جوقات تسبح لملكها وتمجد مهللة، ولكنها في هذا اليوم انحصرت مذعورة، وصمتت السماء، استعداداً لساعة الظمة على الأرض.
‏أما بيلاطس فخاب رجاؤه لأنه ترجى أن يسمع كلمة رحمة من اليهود، فسمه «اصلبه», «اصلبه»، لأن لصوص الكرم تعاهدوا وتربصوا: «فلما رآه الكرامون تأمروا فيما بينهم قائلين: هذا هو الوارث هلموا نقتله، لكى يصير لنا الميراث». (لو14:20)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
6:19 فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً».

‏نعم، لا يكفيهم الجلد على الظهر، ولا الضرب على الرأس؛ واللطم والبصاق على الوجه لا ينفعان شيئاً! هذا كله لا يكفي لغسل خطاياهم ورفع تعدياتهم، هذا لا يكفي ولا يصلح قط ليكون ذبيحة للفداء، إنهم بروح جميع الأنبياء يطلبون بل ويصرخون بأعلى أصواتهم أن «يُذبح المسيح»، فليس أقل من الذبح فداء، ولا دون الصليب خلاص.
«خذوه أنتم واصلبوه, لأني لست أجد فيه علة»: ‏قول بيلاطس يُترجم هكذا: أنا غير موافق على صلب المسيح، إذا كنتم مصممين على قتله، ‏فخذوه كما أتيتم به، واصلبوه أنتم! قالها بيلاطس مع شيء من السخرية.
‏أراد بيلاطس أن ينفض عن نفسه تحمل «دم البار»: «لست أجد فيه علة واحدة» (يو38:18‏)، «إياك وذلك البار» (مت19:27). وبقوله مرة ثالثة: «لست أجد فيه علة»، وضع القضية بكافة ملابساتها على رؤوسهم وحمّلهم دم فريستهم! وكل نتيجة أعمالهم. إن تصريح بيلاطس بهذا الوضوح والعلانية، جعل اليهود وحدهم هم المسئولين عن صلب المسيح أمام هيئة القضاء العالى في السماوات, ولدى ذوي البصيرة من الروحيين والأنبياء: «إله آبائنا أقام يسوع ‏الذي أنتم قتلتموه، معلقين إياه على خشبة» (أع30:5‏). وليس هنا ذكر لبيلاطس، أو الرومان! «إن إله إبراهيم اسحق ويعقوب، إله آبائنا مجد فتاه يسوع، الذي أسلمتموه أنتم, وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس, وهو حاكم بإطلاقه, ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار, وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل, ورئيس الحياة قتلتموه, الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود لذلك.» (أع13:3-15)
‏وهذا ذكر تاريجي يبرى بيلاطس من دم المسيح حقاً. ولكن الخطأ الذي وقع فيه، هو أنه لم يستطيع أن يقف عند قوله، بمعنى أنه لم يستطع أن ينفذ ما يعتقده من جهة تبرئة المسيح. هنا لعنة السياسة، فسياسة الدولة تضحي بالحق في سبيل سلامة كيانها: يموت هو ولا أموت أنا. هذا هو عجز السيامة!! وعجز السياسة يأكل من جسم القانون!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
7:19 أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ».

‏رفض بات للمساومة التي دخل فيها بيلاطس. وما كان يجب عليه أن يفتح باب الحوار مح الشعب والشاكين، في أمر إزهاق روح بريء. ثم الخطأ الثاني أن يخيرهم بين إطلاقه من عدمه, بأن يوازنه بمجرم محترف محكوم عليه بالفعل.
‏اليهود هنا يزكون طلبهم بضغط، معتبرين أن حكمهم «إلهي»، وما عليه إلا التنفيذ، كما تراءى لهم، أو ربما كما أعطتهم الدولة الحاكمة من ضمانات في عدم التدخل في شئونهم الدينية. فالناموس اليهودي يقول بحسب سفر اللاويين (16:24‏): «من جدف على اسم الرب فإنه يُقتل، يرجمه كل الجماعة رجماً، الغريب كالوطني، عندنا يجدف على الاسم، يُقتل».
‏ولكن ما هو عمل بيلاطس كقاض تأكد له بالفحص الشخصي والسماع المتأني لليهود من براءة المسيح؟ بالإضافة إلى معرفته ائسابقة كوالى للبلاد بشئون قيام هذه الحركة الجديدة التي يقودها المسيح في البلاد والتي يتبعها كثير من الشعب والرؤساء، هل كان من واجبه، بل بالأحرى هل هو في حدود صلاحياته، أن يبرىء إنساناً يتهمه اليهود بمخالفات دينية تدخل في اختصاصات رؤساء الكهنة؟
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الجزء السادس من سير القضية
داخل دار الولاية (8:19-11)
‏الإعلان عن مصدر السلطان الذي يحكم به بيلاطس، والخطية الأعظم التي يتحملها رؤساء الكهنة وحدهم

8:19 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً.

‏لقد أحس بيلاطس بالرهبة تسري في كل كيانه، منذ تحدث مع المسيح في اختلائه الأول معه (33:18-38), وسماعه القول الذي قاله المسيح والذي يوحي بأصله الإلهي، وبرسالته فوق العادة من أجل الحق في العالم كله. وهنا، وعند سماعه بأصل المسيح يُعاد وصفه مرة أخرى بأكثر وضوح أنه ابن الله، زاد إحساسه بالخوف. إذ الآية لا تقول أنه ابتدأ يخاف بل «ازداد خوفاً». وقد انعكس هذا الخوف عل الإجراء الذي كان قد عمله في التو، إذ أمر بجلده؛ صحيح أنه جلد إنساناً له علاقة بالآلهة اليهودية مُرسلاً من عالم آخر! إن العبادات الرومانية ليست غريبة من هذا اللقب: «ابن الله»، خصوصاً وأن عبادات الشرق كان لها إشعاعات مؤثرة في السنين الأخيرة. فبولس الرسول يحكي لنا، بل ويستخدم معلومة مستمدة من أشعارهم: «كما قال بعض شعرائكم أيضاً لأننا أيضاً ذريته.» (أع28:17)
‏فالسؤال الذي بدأ يرعب قلب بيلاطس، هل سيجره اليهود لكي يدخل في حرب مع الآلهة؟ «وإذ كان من الله ، فلا تقدرون أذ تنقضوه، لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً» (أع39:5‏)... لقد بدأ يزداد عنده، مع الخوف، الإحساس بالشؤم في هذه القضية. وكان بيلاطس على حق في كل أحاسيسه. فالواقف أمامه هو حقاً وبالحقيقة ابن الله، الذي تهتز وتسجد أمامه كل عروش السموات والأرض. وكان عل حق، كل الحق، عدما أحس بالشؤم من صراخ اليهود الذي ظل يرن في أذنه حتى اليوم: «اصلبه اصلبه»، فقد تلوثت يداه بالفعل بدم «ذلك البار»، الذي لم تكن حقيقته عن زوجته بعيدة ...
‏إن إحساس بيلاطس بالخوف، ثم بازدياد الخوف بتقدم القضية نحو لحظة الصلب، يكشف تماما عن أن أحاسيس هذا الرجل كانت صادقة. وصراخه في وجه اليهود مرات ثلاث: «أنا لا أجد فيه علة واحدة‏» هو ليس فقط الصدق والحق، بل هو النبوة العفوية التي تستمد وحيها من فم المسيح: «من منكم يبكتني على خطية.» (يو46:8‏)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
9:19 فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً.

«ظُلم، أما هو فتذلل، ولم يفتح فاه, كشاة تُساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه. (إش7:53)
‏«من أين أنت»: هل أتيت من نسل إنسان؟ أم من كائن إلهي: أمن السماء أنت أم من الأرض؟ «فالجموع لما رأوا ما فعل بولس، رفعوا صوتهم بلغة ليكاونية قائلين: إن الألهة تشبهوا بالناس، ونزلوا إلينا.» (أع11:14)
كان من الصعب جداً على المسيح أن يقول لليهود من أين هو: «فاحتاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تعلق أنفسنا، إن كنت أنث المسيح، فقل لنا جهراً» (يو24:10). ولما قال لم يصدقوا: «أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون» (يو25:12)، فكم وكم يكون لبيلاطس؟ لا يمكن بالكلام أن يدرك إنسان من هو المسيح، لا بد من الأستعلان، والوسيلة الوحيدة لدى المسيح لكي يعرف بيلاطس من هو حقاً, هي أن يُصلب!! حتى يعرف، ليس بيلاطس وحده, بل كل العالم! لهذا كان صمت المسيح لم يكن تمنعاً، أو عزوفاُ عن الكلام، لأنه لا يستطيع أن يزيد على ما قاله سابقاً (25:18)، أما استعلانه الكلي، فيستحيل, لأن عقارب الساعة لم تكن قد بلغت السادسة بعد!
‏كان الذي يقلق بيلاطس الأن، هو الإجراءات العنيفة التي اتخذها في حقه، لقد بدأت تضغط على أعصابه، إنه يود أن يعرف نفسه هل هو بريء فيما صنع، أم أنه واقع تحت اتهام الألهة!! لذلك حاول بصورة أخرى أن يبتز من المسيح الجواب:
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
10:19 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟».

‏لم يكن بيلاطس, بهذا القول، يُرهب المسيح. كما لم يكن يهدد، بل كان يتوسل باسم السلطان الذي في يده. لم يرفع السلطان فوق المسيح، بل جعله تحت أمره، لو هو أسر إليه بسره، فيريح نفسه وينير الطريق أمام النطق اللائق بالحكم. أن يصمت المسيح» في نظر بيلاطس, وأمام الناس، وفي أي مكان وزمان، فهذا معقول ولا فرق يتأتى منه, أما الآن فأنا بيلاطس، لي الكلمة الأخيرة لا سدل بها الستار على هذه القضية العصية! فكيف تصمت ولماذا؟ كان بيلاطس الروماني يظن في بادىء الأمر، أن على المسيح أن يرتجف أمامه، وبالنهاية انعكس الوضع.
‏المسيح لم يكسر صمته بالنسبة لسلؤال، بل أراد أن يصحح لبيلاطس من أين يستمد مصدر سلطانه، في أن يصلب أو يطلق! المسيح لم يكن مشغولاً فيما سيحدث له على يد بيلاطس, بل عينه كانت فوق، مسلطة على الآب الذي خرجت من لدنه المشورة الآزلية، لتتم في وقتها على يد بيلاطس أو غيره.
‏أما صمت المسيح، مع جلال هدوئه، فقد صور في قلب بيلاطس الرد على سؤاله: «من أين أنت؟»
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
11:19 أَجَابَ يَسُوعُ: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ».

‏هذا التصور المديد الذي تصوره بيلاطس في أمر سلطانه، أنه هكذا كما يريد يفعل، هو الذي حرك المسيح ليرده إلى الصواب، ويضعه هو وسلطانه تحت التدبير السماوي العالى.
‏كان هذا، من فم المسيح، القول الفضل في العلاقة بين السلطة المدنية والسلطة الإلهية في حكومة الناس والعبث بمصائرهم .
‏فليس تعيين الحاكم والقاضي من قبل السلطة المدنية العليا كالإمبراطور، يعطيه السلطان المطلق أن يعمل كما يشاء أو حتى كما تشاء السلطة العليا التي تشرف عليه وتراجعه بمقتض القوانين الوضعية. إذ لا يزال فوق حكومة الناس حكومة الله، فاته يضع حدودا لصاحب السلطان لا يتعداها: «ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله» (رو1:13)
‏حينما قال المسيح لبيلاطس: «لو لم تكن قد أُعطيت من فوق»، فقد كان يشير إلى المكان الذي أتى منه, ردا على سؤال بيلاطس: «من أين أنت»؟ هذه أوليات المعرفة الإنجيلية لسلطان الله في العالم وعلى الناس: «قامت ملوك الأرض، واجتمع الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه. لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع، الذي مسحته، هيرودس وبيلاطس البنطي, مع أمم وشعوب إسرائيل، ليفعلوا كل ما سبقت يدك ومشورتك أن يكون» (أع26:4-28)، «هذا أخذتموه مُسلماً بمشورة الله المحتومة، وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه» (أع23:2). فإن كان بيلاطس يحكم بسلطان، ففوق سلطانه الشخصي، هناك القانون الذي يعمل بسلطانه. فبقدر أمانته للقانون، يكون أميناً في سلطانه. وفوق القانون والسلطان المدني، عين الله التي لا تغفل ولا تنام!!
‏بيلاطس لم يكن أميناً في سلطانه الذي يعتز به, بل أساء إليه, فبينما هو ينطق بالبراءة ثلاثاً, نطق بالإعدام تحت الخوف والإرهاب. هذه تُحسب له خطية إزاء القانون, وبالتالي إزاء الله. ولكن الذي دس هذه القضية، بل هذه الخطية, في يد بيلاطس، يتحمل أضعاف ما يتحمله بيلاطس. يقول المسيح: «لذلك الذي أسلمني إليك له خطية أعظم»!!
‏فبيلاطس أخطأ في الإلتزام بالقانون والسلطان الذي أعطاه أن يقضي، وهو قانون مدني, تحت عين الله على كل حال. أما قيافا, ومن معه, فقد فاق في خطئه كل تعقل وكل تصور، فقد استخدم «القانون»، أي الناموس الإلهي نفسه وسلطانه الذي أخذه من الله، استخدمه لتلفيق تهمة القتل: «لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت» (يو7:19). بيلاطس أخطأ في الإلتزام بالقانون المدني فله خطية، وقيافا واليهود استخدموا القانون الإلهي وسلطان الله في ارتكاب خطية قتل عمد مع سبق إصرار واعتراف، فلهم خطية أعظم!
‏الله هو الذي دفع المسيح ليد قيافا, ومن معه, ويد بيلاطس، لا لكي يحكم قيافا, ومن معه, بقتله مخالفين الناموس، بل ليتعرفوا على المسيا حسب الناموس، ودفعه ليبلاطى لكي يحكم بيلاطس بحسب عدل القانون الروماني، وليس لكي يلغي القانون الروماني، بسلطانه الشخصي، فيحكم بسلطانه بغير ما يحكم به القانون الروماني! ولكن لأن الكأس، كأس الآلام المبرحة والفضيحة والإهانة والصليب والدم المسفوك, قد تسلمها المسيح من الله راضياً بمشورة الله الأزلية، وان كانت خلفت خلاصاً لنا ومجداً له, إلا أن الخير الوفير المترتب على شرب المسيح لكأس الموت، لا يمكن أن يشفع أبداً في خطية بيلاطس والخطية الأعظم التي لقيافا ومن معه!
‏نعم، كان لا بد أن يموت المسيح, ولكن موت المسيح كان لا بد له من قلب الإنسان الخائن ونفوس طامحة وحاقدة وقلوب جامدة وشخصيات مهزورة, وهي حاضرة في كل زمان ومكان. لم يضف الله على خبثهم, ولا كلفهم بتشغيل مواهبهم الشيطانية، بل تركهم يعملون حسب مشيئاتهم وغرائزهم», «حيثما تكون الجثة فهناك تجتمع النسور» (مت28:24‏). ولكنهم، وقت الحساب، يقفون في الصف وخطاياهم أمامهم!!
‏وقيافا، كان بحكم وظيفته التي أعطاها له الله، له الامتياز الأول والأعظم في التاريخ اليهودي كله، ومن بين جميع رؤساء الكهنة منذ أن قامت للكهنوت رئاسة على يد هارون، وذلك أن يتعرف على المسيا ويقدمه للشعب والعالم.!!
قيافا خيب أمال هارون، أباه الأول في كرامة كهنوته, وخيب أمال موسى نبيته في نبوته! وخيب أمال داود، ملكه الأغر في ملوكيته؛ وخيب أمال الآباء جيعاً والأنبياء الذين اجتهدوا بكل جهد, ووصفوا المسيح الآتي بكل الإشارات والإمارات, حتى يسهل على الكهان ورؤساء الكهان في ملء الزمان أن يتعرفوا عليه. ولكن قيافا ونسيبه اشتركا في التربص بالمسيح, الابن الوحيد الوريث، كلصوص الكرم، ووضعوا الخطط, ونصبوا الشراك، خارج الكرم في جثسيماني، وقالوا: «هلموا نقتله» (مت38:21‏). استخدموا سلطانهم الكهنوتي, وناموسهم الإلهي، وزوروا الحقائق, ولفقوا التهم, وقبضوا عليه, وأوثقوه كلص، وأسلموه للحكم, وتوسلوا بكل وسيلة لدى بيلاطس القاضي الأممي أن يحكم لهم. ولما أكتشفوا أنه كشف حسدهم وكيدهم وغشهم، بينما هو طالب بإطلاقه, تمسحوا في الحال في قيصر الملك الوثئي، وادعوا الرعوية له, وجحدوا الله ملكهم الأبدي, وأنكروا مسيحهم الأزلى، و باعوا أمتهم ثمناً لقتل مسيا الدهور ومسيح الخلاص.
«لذلك الذى أسلمني إليك, له خطية أعظم»: كانت هذه هي آخر كلمة قالها المسيح في ختام هذه المحاكمة, وكانت بمثابة كشف الحساب النهائي لكل القضاة بكل أتعابهم، وأصحاب الأدوار الذين قاموا بتكميل قصة الصليب، وحيث أعلن المسيح أنه هو الديان الحق الوحيد, الذي سوف يمثل أمامه كل الذين خانوا الحق والأمانة، وتعدوا القانون والناموس عمدا, وباعوا ضمائرهم وإلههم فى سبيل أمجادهم الشخصية وأطماعهم الدنيوية.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الجزء السابع والأخير فى سير القضية
خارج دار الولاية (12:19-15)
تهديد القاضى, فليحيا قيصر, وليمت المسيح

12:19 مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ».​

‏«من هذا الوقت»: ليس بعد هذا الوقت، ولكن لحظة قال المسيح قولته وكشف لبيلاطس: إن «العلي متسلط في مملكة الناس، وأنه يعطيها من يشاء ... وعد انتهاء الأيام أنا نبوخذنصر رفعت عيني إلى السماء، فرجع إلي عقلي، وباركت العلي، وسبحت، وحمدت الحي إلى الأبد، الذي سلطانه سلطان أبدي، وملكوته إلى دور فدور. وحُسبت جميع سكان الأرض كلا شيء، وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل ... الذي كل أعماله حق، وطرقه عدل، ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله.» (دا32:4-37)
‏فعندما أدرك بيلاطس ما قاله المسيح، تأكد له خوفه الذي خافه، وابتدأ يسعى (يطلب) بنفسه، وليس لدى اليهود، أن يطلقه. ولكن إصرار بيلاطس على الإطلاق، كان يقابله من قيافا المتربص ازدياد وهياج في الصراخ, فكانت وراءه جوقة خدام (ضباط ) الهيكل المدربة والملقنة متى وكيف يعلو صوتها! كان سعي قيافا ومن معه لسفك دم المسيح جنونياً، رصد له كل قوته وماله وسلطانه ودهاءه، وبمساعدة الشيطان! «هذه ساعتكم، وسلطان الظلمة.» (53:23)
‏«إن أطلقت هذا, فلست محباً لقيصر, كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر»: ليحيا قيصر, وليمت المسيح!! وفي جنون وفقدان وعي المسئولية عن ثبات الأمة وكرامتها, استهان قيافا بيهوديته وانزلق إلى التهديد، حتى راهن بولائه لله، في سبيل سفك دم المسيح، واتمى تحت رجلي قيصر, متقمصاً الولاء للامبراطورية الرومانية والدفاع عن «الحب والأمانة» لقيصرها!! وكان ذلك منه بقصد اكتساب الحق بعدئذ في إلقاء التهمة على بيلاطس، أنه يخون أمانته وحبه لقيصر, بل ويقاومه متسبباً في قيام الثورة ضد روما!!
‏وهكذا, وبعد ما استفرغ قيافا اللعب بكل أوراقه الدينية, من جهة الولاء للناموس، وتعدي الناموسى، والإلتزام بالناموس, «لنا ناموس»، وبعد أن وجد أن كل ذلك كان لعبة مكشوفة لدى بيلاطس، الذي حينما وزنها بميزان العدالة وجد أنه ليس فيه علة واحدة مما يقولون! أسرع قيافا بالورقة الأخيرة والخطيرة، ورقة اللعب بالسياسة, وترك الولاء للناموس وصاحب الناموس للالتجاء إلى الولاء لقيصر وحب قيصر، لمحاولة زعزعة كرسي بيلاطس من تحته بالإلتجاء إلى الشكاية لقيص!
‏ولكن يا للحزن المرير؛ كان مجرد التهديد بهذه السياسة, بإعلان الولاء لقيصر, معناه إعطاء الله القفا دون الوجه. فكان هذا السلوك المشين من رئيس كهنة، بمثابة ترك عبادة الله الحي والسجود للأوثان! وهكذا, وفي ساعة، انقلبوا من يهود متعصبين للناموس إلى رومان متعصبين لقيصر!! وكانت هذه التهديدات الخطيرة قد لقنها قيافا لخدامه (الضباط)، ولكل الشعب، ليصرخوا بها صراخاً بلغ عنان السماء, وظلت يتردد في أذن يوحنا ستين سنة! وظلت تترده أجواء السماء والأثير، وتردده الأيام إلى يوم الدين!
«محباً لقيصر»: هذا النعت ليس تركيباً من ألفاظ اليهود، بل كان هذا «لقبا» للضباط العظام الذين يقومون بأعمال جليلة لحساب الإمبراطورية، وبالتال لقيصر, ولكن اللقب المضاة وهو «ليس محباً لقيصر»، معناه نوع من الخيانة، أو نعت لمن يتكلم ضد قيصر. ومعروف أن طيباريوس قيصر كان ذا أذن مفتوحة لكل وشاية!!
‏وليلاحظ القارىء كيف انتقل اليهود من الوضع الأقل في الاتهام (بالكلام): «ليس محباً لقيصر», إلى الوضع القاتل: «يقاوم قيصر»، الذي معناه الخيانة والثورة السافرة.
‏فلو أخذنا في الاعتبار, وهذا مهم للغاية, أنه كان معروفاُ لدى اليهود أن بيلاطس كان على غير وفاق مع قيصر، بالإضافة إلى معرفتهم الوثيقة بالتصرفات الأخرى سواء كانت رشاوي، أو تجاوزات أخلاقية ووظيفية، لأدركنا مدى خطورة هذا التهديد عليه.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الجزء السابع والأخير فى سير القضية
خارج دار الولاية (12:19-15)
تهديد القاضى, فليحيا قيصر, وليمت المسيح

12:19 مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ».​

‏«من هذا الوقت»: ليس بعد هذا الوقت، ولكن لحظة قال المسيح قولته وكشف لبيلاطس: إن «العلي متسلط في مملكة الناس، وأنه يعطيها من يشاء ... وعد انتهاء الأيام أنا نبوخذنصر رفعت عيني إلى السماء، فرجع إلي عقلي، وباركت العلي، وسبحت، وحمدت الحي إلى الأبد، الذي سلطانه سلطان أبدي، وملكوته إلى دور فدور. وحُسبت جميع سكان الأرض كلا شيء، وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض، ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل ... الذي كل أعماله حق، وطرقه عدل، ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذله.» (دا32:4-37)
‏فعندما أدرك بيلاطس ما قاله المسيح، تأكد له خوفه الذي خافه، وابتدأ يسعى (يطلب) بنفسه، وليس لدى اليهود، أن يطلقه. ولكن إصرار بيلاطس على الإطلاق، كان يقابله من قيافا المتربص ازدياد وهياج في الصراخ, فكانت وراءه جوقة خدام (ضباط ) الهيكل المدربة والملقنة متى وكيف يعلو صوتها! كان سعي قيافا ومن معه لسفك دم المسيح جنونياً، رصد له كل قوته وماله وسلطانه ودهاءه، وبمساعدة الشيطان! «هذه ساعتكم، وسلطان الظلمة.» (53:23)
‏«إن أطلقت هذا, فلست محباً لقيصر, كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر»: ليحيا قيصر, وليمت المسيح!! وفي جنون وفقدان وعي المسئولية عن ثبات الأمة وكرامتها, استهان قيافا بيهوديته وانزلق إلى التهديد، حتى راهن بولائه لله، في سبيل سفك دم المسيح، واتمى تحت رجلي قيصر, متقمصاً الولاء للامبراطورية الرومانية والدفاع عن «الحب والأمانة» لقيصرها!! وكان ذلك منه بقصد اكتساب الحق بعدئذ في إلقاء التهمة على بيلاطس، أنه يخون أمانته وحبه لقيصر, بل ويقاومه متسبباً في قيام الثورة ضد روما!!
‏وهكذا, وبعد ما استفرغ قيافا اللعب بكل أوراقه الدينية, من جهة الولاء للناموس، وتعدي الناموسى، والإلتزام بالناموس, «لنا ناموس»، وبعد أن وجد أن كل ذلك كان لعبة مكشوفة لدى بيلاطس، الذي حينما وزنها بميزان العدالة وجد أنه ليس فيه علة واحدة مما يقولون! أسرع قيافا بالورقة الأخيرة والخطيرة، ورقة اللعب بالسياسة, وترك الولاء للناموس وصاحب الناموس للالتجاء إلى الولاء لقيصر وحب قيصر، لمحاولة زعزعة كرسي بيلاطس من تحته بالإلتجاء إلى الشكاية لقيص!
‏ولكن يا للحزن المرير؛ كان مجرد التهديد بهذه السياسة, بإعلان الولاء لقيصر, معناه إعطاء الله القفا دون الوجه. فكان هذا السلوك المشين من رئيس كهنة، بمثابة ترك عبادة الله الحي والسجود للأوثان! وهكذا, وفي ساعة، انقلبوا من يهود متعصبين للناموس إلى رومان متعصبين لقيصر!! وكانت هذه التهديدات الخطيرة قد لقنها قيافا لخدامه (الضباط)، ولكل الشعب، ليصرخوا بها صراخاً بلغ عنان السماء, وظلت يتردد في أذن يوحنا ستين سنة! وظلت تترده أجواء السماء والأثير، وتردده الأيام إلى يوم الدين!
«محباً لقيصر»: هذا النعت ليس تركيباً من ألفاظ اليهود، بل كان هذا «لقبا» للضباط العظام الذين يقومون بأعمال جليلة لحساب الإمبراطورية، وبالتال لقيصر, ولكن اللقب المضاة وهو «ليس محباً لقيصر»، معناه نوع من الخيانة، أو نعت لمن يتكلم ضد قيصر. ومعروف أن طيباريوس قيصر كان ذا أذن مفتوحة لكل وشاية!!
‏وليلاحظ القارىء كيف انتقل اليهود من الوضع الأقل في الاتهام (بالكلام): «ليس محباً لقيصر», إلى الوضع القاتل: «يقاوم قيصر»، الذي معناه الخيانة والثورة السافرة.
‏فلو أخذنا في الاعتبار, وهذا مهم للغاية, أنه كان معروفاُ لدى اليهود أن بيلاطس كان على غير وفاق مع قيصر، بالإضافة إلى معرفتهم الوثيقة بالتصرفات الأخرى سواء كانت رشاوي، أو تجاوزات أخلاقية ووظيفية، لأدركنا مدى خطورة هذا التهديد عليه.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
13:19 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا».

‏بمجرد أن أدرك بيلاطس ما يخططه اليهود, وأنهم على استعداد فعلاً أن يبيعوا أنفسهم لقيصر ليتخلصوا منه، لم يكن أمامه إلا حل من اثنين: إما الوقوف مع الحق والقانون، وبالتالي مح المسيح لتبرئته، وإما الانسحاب نهائيا من أمام العاصفة الهوجاء وتسليم المسيح لهم ليصنعوا به ما يريدون. وفي الحل الأول فقط، تكون المجازفة بكرسيه وربما بحياته هو. لذلك فضل الحل الثاني: فلأحيا أنا، وليمت المسيح! وقد تغلب الخوف من قيصر على خوفه من المسيح. فقد أيقظت فيه تلويحات اليهود بالإلتجاء إلى قيصر، القسوة التقليدية التي لا تعرف الرحمة.
‏«أخرج يسوع, وجلس على كرسي الولاية»: كان المسيح داخل دار الولاية، فأخرجره خارجاً. وجلس بيلاطس على كرسي الحكم، بمعنى جلس ونطق في الحال بحكم الصلب. وهنا يكمل القديس متى هذا المشهد هكذا: «فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً، بل بالحري يحدث شغب، أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع، قائلاً: إني بريء من دم هذا البار، أبصروا أنتم. فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا.» (مت24:27-25)
«جباثا»: ومعناه «الرصيف الذي يتبع البيت»، وهو مكان مرتفع مستدير، يقع بين قلعة أنطونيا وبين الهيكل، حيث كلمة «باثا» أى البيت, تعني هنا «الهيكل». هذه الأوصاف كلها هي ذكريات شاهد عيان.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
14:19 وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ».

‏بعد ما حدد القديس يوحنا المكان الذي فيه نطق بالحكم، حدد اليوم ثم حدد الساعة. أما اليوم فحددة بالنسبة للفصح، وليس لأيام الأسبوع، كما يقول بعض الشراح. فهو يوم الاستعداد للفصح، ولكن كلمة «الاستعداد» تُستخدم كالعادة لتدل على الاستعداد للسبت أيضا, ولكن القديس يوحنا أوضحها صراحة أنه استعداد للفصح. ولكن الحاصل أنه كان يوم الجمعة وهو بطبيعته يسمى الاستعداد للسبت «باراسكيفي»، ففي هذه السنة كان الاستعداد للفصح هو أيضاً الاستعداد للبت، لأن عيد الفصح كان يوم السبت.
‏وفي مكان قادم (الآية31:19‏) عاد القديس يوحنا وأوضح ما يدل دلالة قاطعة أن يوم عيد الفصح في هذه السنة كان يوم السبت بقوله: «لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً»، أي كان يومأ مقدساً كونه عيد الفصح، ومقدساً كونه يوم السبت أيضاً.
«الساعة السادسة (من النهار)»: يقول العلماء، ومنهم وستكوت، إن التوقيت الذي سجل به القديس يوحنا الساعات، كال توقيتاً على غرار التوقيت الغربي في روما، وكان سائداً في شمال اسيا الصغرى، وهو التوقيت بالساعة الرسمية التي يُذبح فيها الفصح, والتي يبدأ فيها بأكل الفطير.
‏هنا يبدو قول القديس بولس الرسول مفصلاً على الواقع والتقليد حرفا بحرف: «إذا، نقوا منكم الخميرة العتيقة، لكي تكونوا عجيناً جديدا كما أنتم فطير. لأن فصحنا أيضاً، المسيح، قد ذُبح لأجلنا. إذا، لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث, بل بفطير الإخلاص والحق.» (اكو7:5-8)
‏وهنا حبك للتاريخ الخلاصي. فإن الساعة التي خلص الله فيها إسرائيل من عبودية مصر وسخرة فرعون، كانت هي نفس الساعة التي انخبلت فيها إسراشيل وقدمت فيها عريسها ليُذبح. ليخلص به العالم من عبودية الخطية وسخرة الشيطان. نعم، وفي هذه الساعة، حل الأصل محل الصورة، وذُبح حمل الله عوض الخروف الداجن، واستعلن المخلص الذي عبر بشعبه؛ فانتهى الطقس، وبلغت الذكرى منتهى تحقيقها» وفصح مصر صار فصح العالم.
«هوذا ملككم»: «أنا هو الرجل ‏الذي رأى مذلة بقضيب سخطه ،أبلى لحمي وجلدي. كسر عظامي، ثقل سلسلتي, فلا أستطيع الخروج، ميل طرقي, ومزقني. جعلني خراباً، مد قوسه ونصبني كغرض للسهم، أدخل في كليتي نبال جعبته, صرت ضحكة لكل شعبي, وأغنية لهم اليوم كله, ‏أشبعني مرائر، وأرواني أفسنتيناً، وجرش بالحصى أسناني, ذكراً تذكر نفسي, وتنحني في، ‏جيد أن ينتظر الإنسان، ويتوقع بسكوت خلاص الرب!» (مراثي1:3-26)
‏هنا بيلاطس يقول الحقيقة, دون أن يدري. فحقاً بالحقيقة «هوذا ملككم»!! ولكن عيونهم لا تبصر, واذانهم لم تسمع!! هنا بيلاطس يسخر، ولكن ليس من المسيح, بل من اليهود. ولكن القديس يوحنا لم يكن يسخر، بل هو يسجل أمام التاريخ, أنه في هذا اليوم وفي الساعة السادسة صدر الأمر الإلهي بأن يُرفع ابن الإنسان عن الأرض، ليجذب الجميع، ويملك على العالم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
15:19 فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرُ».

‏«فصرخوا»: وتعني: «صرخوا بصوت واحد عالى، وبجميع الأصوات كلها»: إنهم يجحدون أي علاقة تربطهم بالملك المسيح. خذه خذه، وكأنه أصبح عارأ عليهم، وهم يتبرأون من وجوده. اصلبه، ليتخلصوا من تعييره وتبكيته لهم ولأعمالهم. كانت شهوة رؤساء الكهنة في التخلص من المسيح ممزوجة بالتشفي، فلم يكن أقل من الصلب يريح نفوسهم، التي أقلقها فيهم.
«قال لهم بيلاطس: أأصلب ملككم؟»: هنا بيلاطس يضمر لليهود إحراجأ ما بعده إحراج. فنحن لو نحينا جانباً نظرة اليهود، أن هذا إدعاء من المسيح, وأنه ليس ملكاً، نجد هنا بيلاطس يطلق سؤالاً عامأ قد لا ينصب على المسيح! أأصلب ملككم؟ وفي الحقيقة، فإن ملكهم هنا، في ضمير القديس يوحنا هو الله. كان يجب أن يلتفت رؤساء الكهنة إلى هذا التحذير، فهو يمس كرامة اليهود، ولكنهم قبلوا المهانة، وزادوا عليها لأنفسهم.
«أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر»: لينتبه القارىء، فالذي يرد هنا هذه المرة ليس اليهود عامة، ولا رؤساء الكهنة والخدام أصحاب جوقة الهتاف، ولكن رؤساء الكهنة فقط، ممثلوا الأمة اليهودية، فهؤلاء هم الذين يتنكرون ألا يكون لهم ملك. كيف؟ وأين الله؟ لقد طمسوا معالم إيمانهم وفخر أمتهم، لقد جدفوا تجديفاً.
‏كيف؟ ومن الذي قال: «إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط»؟ (يو33:8). أهكذا يبيعون حريتهم ويقبلون العبودية علنا في سبيل سفك دم مخلصهم؟! لقد مات رجاؤهم في المسيا إلى الأبد، ليى لنا ملك إلا قيصر! نعم, هذا حق، لأنهم أنكروا ملكهم, بل أسلموه لقيصر ليقتله لهم!! انزلاقهم في منحدر السياسة الرهيب أسقطهم بالنهاية في يد قيصر، وجعلهم يتنازلون برضاهم عن ملكوت الله, واستبدلوه بملكوت العالم ورئيسه!
لقد تخلصوا من المسيح، وارتاحوا لقيصر، لقد جحدوا ملوكيته أولاً، ثم تمادوا فجحدوه كلية. لقد سمع الله هذا الصوت من السماء، وكتب أمامه سفر تذكرة، واستجاب. كما حدث في أيام صموئيل النبي: «فقال الرب لصمؤئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك, لأنهم لم يرفضوك أنت, بل إياي رفضوا, حتى لا أملك عليهم.» (1صم7:8)
‏هم طلبوا أن يملك عليهم قيصر، فملكه الله عليهم بالفعل، فاستعبدهم، وأذلهم, وخرب أورشليم فخر مدائنهم؛ مدينة الملك العظيم صارت هي وهيكلهم محرقة بالنار، ذبح كهنتهم عل مذبح ذبائحهم، نجس قدس أقداسهم، نفاهم إلى أقصى الأرض وشتتهم في جميح ممالك العالم: «مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي» (عب31:10‏)
‏في نهاية هذا المشهد، لا يسعنا إلا أن نقول إن اليهود وبيلاطس، على السواء، متهمون بالخيانة، اليهود للسلطان الذي أخذوه من الله وللمبادىء والناموس وملكهم الإلهي، وبيلاطس لمركزه كقاضى ووالى، وأمانته للحقيقة والعدالة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
15:19 فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرُ».

‏«فصرخوا»: وتعني: «صرخوا بصوت واحد عالى، وبجميع الأصوات كلها»: إنهم يجحدون أي علاقة تربطهم بالملك المسيح. خذه خذه، وكأنه أصبح عارأ عليهم، وهم يتبرأون من وجوده. اصلبه، ليتخلصوا من تعييره وتبكيته لهم ولأعمالهم. كانت شهوة رؤساء الكهنة في التخلص من المسيح ممزوجة بالتشفي، فلم يكن أقل من الصلب يريح نفوسهم، التي أقلقها فيهم.
«قال لهم بيلاطس: أأصلب ملككم؟»: هنا بيلاطس يضمر لليهود إحراجأ ما بعده إحراج. فنحن لو نحينا جانباً نظرة اليهود، أن هذا إدعاء من المسيح, وأنه ليس ملكاً، نجد هنا بيلاطس يطلق سؤالاً عامأ قد لا ينصب على المسيح! أأصلب ملككم؟ وفي الحقيقة، فإن ملكهم هنا، في ضمير القديس يوحنا هو الله. كان يجب أن يلتفت رؤساء الكهنة إلى هذا التحذير، فهو يمس كرامة اليهود، ولكنهم قبلوا المهانة، وزادوا عليها لأنفسهم.
«أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر»: لينتبه القارىء، فالذي يرد هنا هذه المرة ليس اليهود عامة، ولا رؤساء الكهنة والخدام أصحاب جوقة الهتاف، ولكن رؤساء الكهنة فقط، ممثلوا الأمة اليهودية، فهؤلاء هم الذين يتنكرون ألا يكون لهم ملك. كيف؟ وأين الله؟ لقد طمسوا معالم إيمانهم وفخر أمتهم، لقد جدفوا تجديفاً.
‏كيف؟ ومن الذي قال: «إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط»؟ (يو33:8). أهكذا يبيعون حريتهم ويقبلون العبودية علنا في سبيل سفك دم مخلصهم؟! لقد مات رجاؤهم في المسيا إلى الأبد، ليى لنا ملك إلا قيصر! نعم, هذا حق، لأنهم أنكروا ملكهم, بل أسلموه لقيصر ليقتله لهم!! انزلاقهم في منحدر السياسة الرهيب أسقطهم بالنهاية في يد قيصر، وجعلهم يتنازلون برضاهم عن ملكوت الله, واستبدلوه بملكوت العالم ورئيسه!
لقد تخلصوا من المسيح، وارتاحوا لقيصر، لقد جحدوا ملوكيته أولاً، ثم تمادوا فجحدوه كلية. لقد سمع الله هذا الصوت من السماء، وكتب أمامه سفر تذكرة، واستجاب. كما حدث في أيام صموئيل النبي: «فقال الرب لصمؤئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك, لأنهم لم يرفضوك أنت, بل إياي رفضوا, حتى لا أملك عليهم.» (1صم7:8)
‏هم طلبوا أن يملك عليهم قيصر، فملكه الله عليهم بالفعل، فاستعبدهم، وأذلهم, وخرب أورشليم فخر مدائنهم؛ مدينة الملك العظيم صارت هي وهيكلهم محرقة بالنار، ذبح كهنتهم عل مذبح ذبائحهم، نجس قدس أقداسهم، نفاهم إلى أقصى الأرض وشتتهم في جميح ممالك العالم: «مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي» (عب31:10‏)
‏في نهاية هذا المشهد، لا يسعنا إلا أن نقول إن اليهود وبيلاطس، على السواء، متهمون بالخيانة، اليهود للسلطان الذي أخذوه من الله وللمبادىء والناموس وملكهم الإلهي، وبيلاطس لمركزه كقاضى ووالى، وأمانته للحقيقة والعدالة.
 
أعلى