تاريخ ظهور الإنسان
الإنسان الاول وقف على رجليه في أفريقيا. ولكن متى وقف، وكيف استعمر العالم؟ على مدى الثلاثين عام الماضية سعى العلماء بعزم الى كشف اللثام عن تاريخ اجداد الانسان. اليوم اصبحت شجرة ظهور الانسان كاملة تقريباً حتى الجذر، وهي شجرة لها من العمر مابين خمسة الى ثمانية ملايين سنة.
اللقى المستحاثية التي تنير للعلماء الطريق غالباً تكون بقايا صغيرة لهياكل عظمية، ونادراً مايعثر المرء على هياكل كاملة، ولذلك يمكن القول انه يوجد علماء مستحاثات اكثر بكثير من المستحاثات المرتبطة بتاريخ الانسان. والصحيح ايضا انه يوجد الكثير من التفسيرات والنقاشات التي تصل الى حدود حارة، بدون ضرورة.
يتفق العلماء على ان تاريخ الانسانية انطلقت من افريقيا، ويمكن تقسميها الى مراحل رئيسية: مرحلة الانتصاب وبعض خصائص الجسم المميزة التي ظهرت عند القرد الجنوبي المسمى Australopithecus, ومرحلة تتطور الدماغ، وإستخدام الادوات وتتطويرها عند الانسان الاول تحت تسمياته المختلفة: Homo Erectus, Neanderthalensis, Homo Sapiens.
الافريقيين يعيشون الى جانب الغوريلا والشمبانزي والشمبانزي القزم وبقية القرود. منذ عام 1871 كتب تشارلز داروين، متوقعاً، ان القرود الافريقية الكبيرة تتشابه كثيرا مع الانسان، مما يعطي الاساس للتوقع اننا ستكتشف آثار بقايا اجدادنا في افريقيا بالذات. بعد هذا التنبوء بأكثر من مئة عام وبالضبط في منتصف القرن الماضي بدأ العلماء بالبحث في افريقيا، لتتحقق نبوءة داروين.
في انكلترا اعلن بعض العلماء عام 1912 بإكتشاف بقايا "إنسان بيلت داون" (Piltdown). الاكتشاف اشار الى ان الانكليز ملكوا جذوراً عميقة وان من الممكن ان يكونوا هم بالذات اصل الانسان، فالمستحاثة كانت مناسبة للغاية لتكون حلقة الوصل بين الانسان والقرد. لقد كانت تملك فك قرد، واسنان قرد ولكن جمجمة انسان. اظهرت الدراسات فيما بعد ان "إنسان بيلت داون" ليس إلا محاولة للغش والتزوير. الكشف عن هذا التزوير من قبل الاوساط العلمية، جعل الكثير يتنفس الصداء، ليس فقط من اعداء النظرية، الذين اعتقدوا ان ذلك كافي لنفي صحة النظرية، بل حتى من قبل اتباع النظرية ومؤيديها، إذ اظهر بوضوح ان المؤسسة العلمية قادرة على كشف الخداع والتزوير وصيانة الحقيقة. سرور علماء المستحاثات كان اكبر، إذ ان " إنسان بيلت داون" أعاق قدرتهم على تقديم تفسيرات منطقية عن بقية المستحاثات بحوزتهم، التي لم تعد تتلائم ماتقدمه بالمقارنة بمعطيات المستحاثة المزورة.
عام 1924 جرى إكتشاف مستحاثة غاية في الاهمية اطلق عليها اسم "طفل جارت" (Darts baby), من قبل Raymond Dart, وهي عبارة عن مقدمة الجمجمة والفلك السفلي وقسم صغير من اسفل الجانب الخلفي للجمجمة. الاسنان تشابهت مع اسنان الانسان. كنوع اطلق على المستحاثة اسم Australopithecus africanus, وتعني القرد الافريقي الجنوبي. مكتشفها دارت اعتبرها من آثار اجداد الانسان، وهذا النوع يعتبر اعلى تتطورا من " لوسي" الذي سيأتي ذكره لاحقاً.
في البدء لم يعر احد اهتماماً بإعلان الباحث لاعتقاده بقرابتها مع الانسان، فالجميع كان ينتظر ان تكون مستحاثة " جد الانسان" مميزة بكبر دماغها، بإعتبار هذا ماجعل الانسان مختلفاًَ. وبفضل العثور على المزيد من المستحاثات إنتبه العلماء الى معالم التشابه مع الانسان الحديث تتطابق اكثر مع تفاصيل من مثل الاسنان وليس الدماغ.
اليوم نعلم بوجود، على الاقل، خمسة انواع من انواع القرد الجنوبي اربعة منهم من جنس القرد الجنوبي والخامس يدعى Ardipithecus ramidus, وهي للقرد الجنوبي الاكثر قدما والاقرب الى القرد. بعض المستحاثات التي وجدت لازالت بدون تصنيف.
القرد الجنوبي عثر عليه في عدة مناطق منها اثيوبيا وتنزانيا وجنوب افريقيا وكينيا، مما يشير الى انه كان منتشرا من القرن الافريقي الى جنوب القارة الافريقية. الاجناس المعروفة منه والاكثر قدما تعود الى ماقبل 4,4 مليون سنة وعاشت في الغابات. قبل حوالي 2,6 مليون سنة جرى تغيير في المناخ والبيئة، انعكس على ظروف حياة هذا القرد. المناخ اصبح اكثر بروداً وجفافاً، مما ادى الى تحول المنطقة الى شبه سهوب.
هذا التغيير في البيئة ادى الى تحول في البنية التشريحية لقرد الجنوب. معطيات مستحاثات الانواع الاقدم تشير الى ان جسم القرد كان قادر على السير منتصباً، ولكن عظام اصابع الاقدام كانت لازالت معقوفة، والاذرع لازالت طويلة، تماما كما لدى القرود المتسلقة. العثور على اربعة عظام لقدم قرد الحنوب تشير الى ان الابهام كان لايزال منتحياً الى الجانب، تماما كما لدى القرود اليوم، مما يجعله قادرا على مسك الاغصان بهم. البعض من مجموعات القرد الجنوبي، لابد انه كان يملك اقدام لها نفس بنية اقدام الانسان، إذ قد عثرت العالمة Mary Leaky, عام 1978-1979 في منطقة Laetoli التنزانية على آثار اقدام لثلاثة قرود جنوبية، لها من العمر 3,6 مليون سنة، راسخة في طبقة من المخلفات البركانية. طبعة القدم تشير الى الابهم الكبير كان مكانه كما لدى الانسان الحالي، وان القرود تضع عقب الرجل اولا عندما تسير الى الامام، تماما كما عند الانسان.
Lusy & Selam
عام 1974 عثر على مستحاثاة اطلق عليها اسم Lusy وتعود تصنيفيا الى النوع المسمى Ausralopithecus afarensis. منذ ذلك الوقت جرت دراستها بعناية ودقة لم يحصل على مثيلها مستحاثة اخرى. الابحاث الاخيرة التي جرت من قبل David Strait & Brain Richmond من باحثي جامعة جورج واشنطن الامريكية، كشفت عن مفاجاءة جديدة، انها لوسي لازالت في بداية تعلم السير على الاطراف الخلفية. هذا يشير بوضوح الى ان التحولات التي طرأت كانت على فصيل من مجموعة القرد الجنوبي، انفصل عن الشجرة الرئيسية، والطفرة التي ظهرت لم تنتشر الى القطيع بأسره.
هذه النتائج توصل اليها العلماء من خلال مقارنة عظام مفاصل لنوعين من انواع القرد الجنوبي هما، A. anamensis & A. afarensis (Lusy), مع عظام مفاصل للشمبانزي. المقارنة اشارت الى ان المفاصل الثلاثة تملك خصائص معينة، وهو عبارة عن بروز خاص مرتبط بقوة بطريقة مشي اصحابها. البروز يفرض على المفصل وضعا معيناً يجبر صاحبه المشي اما منحنياً الى الامام او منتصباً. التجارب السابقة اظهرت ان نوع لوسي يستخدم الاطراف الخلفية، في حين ان بقايا البروز في مفصلهاليس إلا بقايا بيلوجية من اصولها الاولى في المراحل الذي كان فيها اجدادها يمشون على اربعة، ولذلك احتاجوا الى هذا البروز. هذا يشير الى انها لازالت الحلقة بين ماقبل الانتصاب ومابعده.
في عام 2000 وجد Tilahun Gebreselassie & Zeresenay Alemseged, من اثيوبيا هيكلا عظمياً كاملا، من مكان يسمى Dikika واقع في المنطقة المشهورة بإسم Rift Valley, وهي منطقة ترسبية تعود الى اربعة ملايين سنة. وعلى الاغلب فصاحبة الهيكل العظمي قد غرقت في هذه المنطقة وغاصت في رمالها بسرعة. اهمية هذا الاكتشاف في كونه لاول مرة نحصل على هيكل كامل ومركب مع بعضه البعض، إضافة الى انه لطفلة، حيث انه من الصعب ان تحفظ عظام الاطفال. هذه المنطقة التي وجد فيها المستحاثة لم يجري فيها البحث سابقاً، بسبب انها واقعة على الحدود بين قبيلتين متنازعتين.
اللقى في هذه المنطقة تشير الى انها منطقة كانت في السابق ممتلئة بالحيوانات المميزة لضفاف البحيرات. الهيكل الذي تم العثور عليه، كاملا يعود الى ماقبل 3,32 مليون سنة، ولفتاة من نوع Australopithecus afransis, تماما مثل لوسي. لقد استغرق تحريرها من الرمال المحنطة فيه، اربعة سنوات من العمل، واطلق عليها اسم Selam, وايضا يطلق عليها اسم "Lusys baby", بالرغم من ان لوسي اكبر عمرا بحوالي 120 الف سنة.
آشارت مستحاثة "سيلام" الى ان هذا النوع الانساني القديم كان فعلا يسير على اطرافه الخلفية، بالرغم من انها احتفظت بقدراتها على التسلق . الابحاث اشارت الى ان دماغ " سيلام" ينمو ببطء، حيث دماغها بحجم 330 ميلليتر يشكل 63-68% من دماغ البالغين لهذا النوع، في حين يصل حجم الدماغ عند اطفال الشمبانزي في هذا العمر الى 90% من دماغ البالغين.
في السهوب المفتوحة كان السير منتصباً ضرورة حياتية، إذ تمكن المرء من مراقبة الاخطار المختبئة وفي نفس الوقت تحرير الاطراف الامامية للقيام بمهمات اخرى مثل حمل الطعام او سلاح عبر مسافات طويلة. في الظروف الجديدة كان البحث عن الطعام يتضمن مخاطر اكبر ومسافات اطول. إضافة الى ذلك فأن السير المنتصب ابعد الرأس عن الارض وبالتالي اعطاه إمكانية افضل ليتبرد بعيدا عن إنعكاسات الاشعة الشمسية القادمة من الارض، الامر الضروري لنشوء دماغ يحتاج الى الكثير من الطاقة.
إستخدام وسائل وادوات
مع حدوث التغييرات البيئية والمناخية ظهر نوع جديد من القردة الجنوبية. احدى الجماجم حصلت على اسم " إنسان كاسر الجوز" وتشير الى قوة الفك والاسنان المتميزة. المجموعة اختلفت كثيرا عن سابقيها الى درجة ان بعض العلماء يصنفوهم في خانة قرابة خاصة: Paranthropus. هذه المجموعة كانت متلائمة مع نوع جديد من الطعام : الخضراوات، والفواكه والمكسرات. هذه السلالة ليست إلا فرعاً صغيراً في شجرة عائلة الانسان. لما يزيد عن 1,5 مليون سنة عاشوا جنباً الى جنب مع قريب اخر لهم "الانسان"، الذي ظهر فرعه قبل حوالي 2,5 مليون سنة منفصلا عن احدى عشائر القرد الجنوبي.
الانواع الاولى من الانسان نعلم عنها القليل للغاية. احداهم المسمى Homo Habilis, "الانسان صانع الاداوات" والذي ينقسم حسب بعض العلماء، الى نوعين على الاقل. اللقية الاولى حدثت عام 1961 في منطقة Olduvai التنزانية، من قبل ابناء العالم المستحاثي المشهور Louis Leakey. اسم هابيليس، يقصد بها الحجر المستخدم كوسيلة عمل والذي عثر عليه قريبا من المستحاثة. بفضل العثور على الاحجار المستخدمة بالعمل اعتبر الهومو هابيليس الاول الذي استخدمها، بما اطلق عليه Olduvaik بالرغم من انه معروف ان الانسان الاقدم استخدم ادوات خشبية، خصوصا ونحن نعلم ان القرود تستخدمها حتى الان. غير ان الادوات الخشبية لاتبقى لسنوات طويلة ولا تترك اثراً. لقد عرفت
اليد التي هيئت ادوات العمل الحجرية كانت تتشابه مع ايدي الانسان الحالي: إبهام يتحرك كما لدينا الان، وعظام اصابع مستقيمة. الدماغ كان ايضا اكبر مما لدى القرد الجنوبي، حيث حجم الدماغ عند القرد الجنوبي كان 400-500 سم مكعب، في حين عند الهومو هابيليس وصل الى 500-800 سم مكعب. قبل 10 ملايين سنة ظهر النوع المسمى Homo Erectus, "الانسان المنتصب" ليبدء عصر جديداً. مثلا كان حجم الدماغ عند ايريكتوس اكبر بشكل ملحوظ مما لدى جد الانسان، لقد وصل الى 750-1250 سم مكعب. هومو ايريكتوس صنع واستخدم ايضا الادوات، تماما كما فعل الهومو هابيليس، ومع الزمن قام كلاهما بتتطوير صناعته وتحسينها، الى درجة صناعة الفؤوس الحجرية. غير ان معطيات الفك تشير الى ان الهومو ايريكتوس يصبح كامل النمو عند الثانية عشر من العمر. عندما تنمو الاسنان تنشأ إشارات لنموها، تماما كما هو الحال عند الشجر. من خلال حساب هذه الاشارات عند الانسان الحالي ومقارنتها بمثيلتها عند الهومو ايريكتوس عرف العلماء عمر النضوج عند الانواع المبكرة. عند الانسان وبسبب الدماغ، إزدادت الحاجة الى فترة اطول حتى يتسنى له النضوج.
الهجرة كانت من افريقيا
في عدة مناطق من القارات الافريقية والاسيوية والاوروبية عثر المرء على مستحاثات عظمية للحالة المبكرة لانسان الهومو سابينيس " الانسان المفكر". في النماذج المبكرة عنه، تظهر بوضوح الكثير من التشابهات بينه وبين الهومو ايريكتوس، مثلا الفك ومنطقة الحواجب، في نفس الوقت يملك الكثير من التشابه مع الانسان الحالي.
المستحاثات المبكرة تشير الى كونها حلقة انتقال بين النوعين، ولذلك يطلق عليهالانسان القديم (Arkaiska). اليوم يشير علم الجينات الى ان الانسان القديم ظهر كنوع قبل 200 الف سنة في افريقيا.
عام 1987 تم توثيق الاصل الواحد لجميع شعوب الارض، عندما اصدر علماء الجينات نتائج بحثهم القائل ان الجميع يعودون الى مجموعة جينية واحدة، كانت تعيش قبل حوالي 200 الف سنة وهى نسل امرأة واحدة فقط تمسى حاليا بحواء الميتوكوندريا. من خلال مقارنة الميتوكوندري العائد الى 147 شخص من مختلف انحاء العالم والذى عاد بنا إلى 134 مجموعه فرعيه ، ظهر ان الاختلاف الجيني في الحوض الجيني صغير للغاية وقد قام بذلك الراحل العظيم ألان ويلسون وقد نشر بحثه فى النيتشر 1987 وهو بحث رائع حقيقه سأحاول أن أضع نسخة مترجمه منه فى المنتدى .
الميتوكوندريا جزء من اجزاء الخلية له DNA خاص به، والذي يجري توريثه الى الاجيال من خلال الام فقط. في الحوض الجيني للميتوكوندريا توجد بقايا بقايا جينية لبكتريا من ماقبل التاريخ، ولازالت تحتوي على احماض امينية من ذلك العصر. هذه الاحماض الامينية ليس لها قيمة فعلية ولكن هنا بالذات يمكن مقارنة الطفرات الانسانية عبر العصور.
من حيث ان العلماء لديهم مايكفي لتقدير مرات حدوث الطفرات، يمكن استخدام ذلك لحساب الزمن المطلوب لحدوث الطفرات المسجلة في الاحماض الامينية للميتوكوندريا. بهذه الطريقة تم حساب الزمن اللازم لظهور الانسان الحالي.
عام 1995 تمكن العلماء من إكتشاف طريقة جديدة لتقصي اصل الانسان عن طريق الذكر، هذه المرة، وبالذات من خلال الكروموسوم الذكري، الذي يجري توريثه للذكور وعن طريق الخط الذكري، مما يساعد على ملاحقة وتحديد الاصل الذكري. بعد مقارنة الحماض الامينية للكرموسوم الذكري عند 38 شخصاً من مختلف انحاء العالم توصلوا الى انهم ينحدرون من اصل واحد، لازال يعيش في انحاء من افريقيا الجنوبية حتى اليوم.
إنسان المغارات
من الفروع الانسانية السابقة لم يبقى على قيد الحياة إلا نوع واحد، Homo sapiens sapiens. غير انه قبل 30 الف سنة فقط كان يعيش الانسان الحالي في اوروبا الى جانب إنساناً آخر يدعى Neanderthalensis. بعض العلماء يعتبرونه فرعا مباشرا قبل الانسان تحت اسم Homo sapiens Neander, غير انه يعتبر اليوم نوعاً قائماً بذاته، بناء على الكثير من المعطيات. النيندرتال كانت له بنية جسمية مختلفة بوضوح: لقد كان اقصر، واقوى، وجبهة اغلظ، واكثر صلابة، وجمجمة اكثر تسطحاً.
إضافة الى ذلك كان هذا النوع من الانسان يملك دماغاً يتميز بحجمه الكبير، إذ يصل الى 1200-1700 سم مكعب. نيندرتال قام بتتطوير ادوات خاصة للصيد والزينة، مما جعله يستحق لقب حضارة رجل المغارات. من الضروري الاشارة الى ان النيندرتال ترك آثاراً تشير الى الوعي الاجتماعي، فقد كان يدفن موتاه مع رموز مصنوعة، وكان يصنع الحلى للزينة، كما ترك رسوماً في المغارات.
الحفريات في مغارة Rhônedalen الموجودة في جنوب فرنسا كشفت ان مجموعة من النيندرتال آكلت ستة من ابنائها قبل 100 الف سنة. العلائم تشير الى هؤلاء الستة تم ذبحهم وشويهم بنفس الطريقة التي تتم مع بقية الحيوانات التي بقيت آثارها ايضا، مما يشير الى وجود آكلة لحوم الانسان بينهم. بقايا آثار عظام الحيوانات تشهد على ان النيندرتال لم يعاني من نقص في الطعام، فلماذا أكل ابنائه؟ يعتقد بعض العلماء ان الامر كان جزء من طقوس، او انهم كانوا يفتقدون للطعام في اواخر فصل الشتاء.
النيندرتال لاينتمي الى شجرة الانسان الحالي، بل هو نتائج فرع عنها انقرض فجاءة. الانسان الحالي في بداياته المبكرة كان يختلف عن النيندرتال في الشكل والممارسة. لقد تتطورت ثقافة الانسان الحالي بسرعة اكبر، كما تمكن من التلائم مع بيئة متنوعة واظهر قدرة على سرعة الانسجام افضل، وتمكن من تطوير اللغة الصوتية والرمزية. اليوم يختلف الانسان الحالي اختلافا كبيرا عن الانسان الاول، في الشكل والممارسة والقدرات الاجتماعية والعقلية.
--------------------------------------------------------------------------------
منقول بتصرف
--------------------------------
تم تكبير الخط فقط .
( قلم حر ) .
الإنسان الاول وقف على رجليه في أفريقيا. ولكن متى وقف، وكيف استعمر العالم؟ على مدى الثلاثين عام الماضية سعى العلماء بعزم الى كشف اللثام عن تاريخ اجداد الانسان. اليوم اصبحت شجرة ظهور الانسان كاملة تقريباً حتى الجذر، وهي شجرة لها من العمر مابين خمسة الى ثمانية ملايين سنة.
اللقى المستحاثية التي تنير للعلماء الطريق غالباً تكون بقايا صغيرة لهياكل عظمية، ونادراً مايعثر المرء على هياكل كاملة، ولذلك يمكن القول انه يوجد علماء مستحاثات اكثر بكثير من المستحاثات المرتبطة بتاريخ الانسان. والصحيح ايضا انه يوجد الكثير من التفسيرات والنقاشات التي تصل الى حدود حارة، بدون ضرورة.
يتفق العلماء على ان تاريخ الانسانية انطلقت من افريقيا، ويمكن تقسميها الى مراحل رئيسية: مرحلة الانتصاب وبعض خصائص الجسم المميزة التي ظهرت عند القرد الجنوبي المسمى Australopithecus, ومرحلة تتطور الدماغ، وإستخدام الادوات وتتطويرها عند الانسان الاول تحت تسمياته المختلفة: Homo Erectus, Neanderthalensis, Homo Sapiens.
الافريقيين يعيشون الى جانب الغوريلا والشمبانزي والشمبانزي القزم وبقية القرود. منذ عام 1871 كتب تشارلز داروين، متوقعاً، ان القرود الافريقية الكبيرة تتشابه كثيرا مع الانسان، مما يعطي الاساس للتوقع اننا ستكتشف آثار بقايا اجدادنا في افريقيا بالذات. بعد هذا التنبوء بأكثر من مئة عام وبالضبط في منتصف القرن الماضي بدأ العلماء بالبحث في افريقيا، لتتحقق نبوءة داروين.
في انكلترا اعلن بعض العلماء عام 1912 بإكتشاف بقايا "إنسان بيلت داون" (Piltdown). الاكتشاف اشار الى ان الانكليز ملكوا جذوراً عميقة وان من الممكن ان يكونوا هم بالذات اصل الانسان، فالمستحاثة كانت مناسبة للغاية لتكون حلقة الوصل بين الانسان والقرد. لقد كانت تملك فك قرد، واسنان قرد ولكن جمجمة انسان. اظهرت الدراسات فيما بعد ان "إنسان بيلت داون" ليس إلا محاولة للغش والتزوير. الكشف عن هذا التزوير من قبل الاوساط العلمية، جعل الكثير يتنفس الصداء، ليس فقط من اعداء النظرية، الذين اعتقدوا ان ذلك كافي لنفي صحة النظرية، بل حتى من قبل اتباع النظرية ومؤيديها، إذ اظهر بوضوح ان المؤسسة العلمية قادرة على كشف الخداع والتزوير وصيانة الحقيقة. سرور علماء المستحاثات كان اكبر، إذ ان " إنسان بيلت داون" أعاق قدرتهم على تقديم تفسيرات منطقية عن بقية المستحاثات بحوزتهم، التي لم تعد تتلائم ماتقدمه بالمقارنة بمعطيات المستحاثة المزورة.
عام 1924 جرى إكتشاف مستحاثة غاية في الاهمية اطلق عليها اسم "طفل جارت" (Darts baby), من قبل Raymond Dart, وهي عبارة عن مقدمة الجمجمة والفلك السفلي وقسم صغير من اسفل الجانب الخلفي للجمجمة. الاسنان تشابهت مع اسنان الانسان. كنوع اطلق على المستحاثة اسم Australopithecus africanus, وتعني القرد الافريقي الجنوبي. مكتشفها دارت اعتبرها من آثار اجداد الانسان، وهذا النوع يعتبر اعلى تتطورا من " لوسي" الذي سيأتي ذكره لاحقاً.
في البدء لم يعر احد اهتماماً بإعلان الباحث لاعتقاده بقرابتها مع الانسان، فالجميع كان ينتظر ان تكون مستحاثة " جد الانسان" مميزة بكبر دماغها، بإعتبار هذا ماجعل الانسان مختلفاًَ. وبفضل العثور على المزيد من المستحاثات إنتبه العلماء الى معالم التشابه مع الانسان الحديث تتطابق اكثر مع تفاصيل من مثل الاسنان وليس الدماغ.
اليوم نعلم بوجود، على الاقل، خمسة انواع من انواع القرد الجنوبي اربعة منهم من جنس القرد الجنوبي والخامس يدعى Ardipithecus ramidus, وهي للقرد الجنوبي الاكثر قدما والاقرب الى القرد. بعض المستحاثات التي وجدت لازالت بدون تصنيف.
القرد الجنوبي عثر عليه في عدة مناطق منها اثيوبيا وتنزانيا وجنوب افريقيا وكينيا، مما يشير الى انه كان منتشرا من القرن الافريقي الى جنوب القارة الافريقية. الاجناس المعروفة منه والاكثر قدما تعود الى ماقبل 4,4 مليون سنة وعاشت في الغابات. قبل حوالي 2,6 مليون سنة جرى تغيير في المناخ والبيئة، انعكس على ظروف حياة هذا القرد. المناخ اصبح اكثر بروداً وجفافاً، مما ادى الى تحول المنطقة الى شبه سهوب.
هذا التغيير في البيئة ادى الى تحول في البنية التشريحية لقرد الجنوب. معطيات مستحاثات الانواع الاقدم تشير الى ان جسم القرد كان قادر على السير منتصباً، ولكن عظام اصابع الاقدام كانت لازالت معقوفة، والاذرع لازالت طويلة، تماما كما لدى القرود المتسلقة. العثور على اربعة عظام لقدم قرد الحنوب تشير الى ان الابهام كان لايزال منتحياً الى الجانب، تماما كما لدى القرود اليوم، مما يجعله قادرا على مسك الاغصان بهم. البعض من مجموعات القرد الجنوبي، لابد انه كان يملك اقدام لها نفس بنية اقدام الانسان، إذ قد عثرت العالمة Mary Leaky, عام 1978-1979 في منطقة Laetoli التنزانية على آثار اقدام لثلاثة قرود جنوبية، لها من العمر 3,6 مليون سنة، راسخة في طبقة من المخلفات البركانية. طبعة القدم تشير الى الابهم الكبير كان مكانه كما لدى الانسان الحالي، وان القرود تضع عقب الرجل اولا عندما تسير الى الامام، تماما كما عند الانسان.
Lusy & Selam
عام 1974 عثر على مستحاثاة اطلق عليها اسم Lusy وتعود تصنيفيا الى النوع المسمى Ausralopithecus afarensis. منذ ذلك الوقت جرت دراستها بعناية ودقة لم يحصل على مثيلها مستحاثة اخرى. الابحاث الاخيرة التي جرت من قبل David Strait & Brain Richmond من باحثي جامعة جورج واشنطن الامريكية، كشفت عن مفاجاءة جديدة، انها لوسي لازالت في بداية تعلم السير على الاطراف الخلفية. هذا يشير بوضوح الى ان التحولات التي طرأت كانت على فصيل من مجموعة القرد الجنوبي، انفصل عن الشجرة الرئيسية، والطفرة التي ظهرت لم تنتشر الى القطيع بأسره.
هذه النتائج توصل اليها العلماء من خلال مقارنة عظام مفاصل لنوعين من انواع القرد الجنوبي هما، A. anamensis & A. afarensis (Lusy), مع عظام مفاصل للشمبانزي. المقارنة اشارت الى ان المفاصل الثلاثة تملك خصائص معينة، وهو عبارة عن بروز خاص مرتبط بقوة بطريقة مشي اصحابها. البروز يفرض على المفصل وضعا معيناً يجبر صاحبه المشي اما منحنياً الى الامام او منتصباً. التجارب السابقة اظهرت ان نوع لوسي يستخدم الاطراف الخلفية، في حين ان بقايا البروز في مفصلهاليس إلا بقايا بيلوجية من اصولها الاولى في المراحل الذي كان فيها اجدادها يمشون على اربعة، ولذلك احتاجوا الى هذا البروز. هذا يشير الى انها لازالت الحلقة بين ماقبل الانتصاب ومابعده.
في عام 2000 وجد Tilahun Gebreselassie & Zeresenay Alemseged, من اثيوبيا هيكلا عظمياً كاملا، من مكان يسمى Dikika واقع في المنطقة المشهورة بإسم Rift Valley, وهي منطقة ترسبية تعود الى اربعة ملايين سنة. وعلى الاغلب فصاحبة الهيكل العظمي قد غرقت في هذه المنطقة وغاصت في رمالها بسرعة. اهمية هذا الاكتشاف في كونه لاول مرة نحصل على هيكل كامل ومركب مع بعضه البعض، إضافة الى انه لطفلة، حيث انه من الصعب ان تحفظ عظام الاطفال. هذه المنطقة التي وجد فيها المستحاثة لم يجري فيها البحث سابقاً، بسبب انها واقعة على الحدود بين قبيلتين متنازعتين.
اللقى في هذه المنطقة تشير الى انها منطقة كانت في السابق ممتلئة بالحيوانات المميزة لضفاف البحيرات. الهيكل الذي تم العثور عليه، كاملا يعود الى ماقبل 3,32 مليون سنة، ولفتاة من نوع Australopithecus afransis, تماما مثل لوسي. لقد استغرق تحريرها من الرمال المحنطة فيه، اربعة سنوات من العمل، واطلق عليها اسم Selam, وايضا يطلق عليها اسم "Lusys baby", بالرغم من ان لوسي اكبر عمرا بحوالي 120 الف سنة.
آشارت مستحاثة "سيلام" الى ان هذا النوع الانساني القديم كان فعلا يسير على اطرافه الخلفية، بالرغم من انها احتفظت بقدراتها على التسلق . الابحاث اشارت الى ان دماغ " سيلام" ينمو ببطء، حيث دماغها بحجم 330 ميلليتر يشكل 63-68% من دماغ البالغين لهذا النوع، في حين يصل حجم الدماغ عند اطفال الشمبانزي في هذا العمر الى 90% من دماغ البالغين.
في السهوب المفتوحة كان السير منتصباً ضرورة حياتية، إذ تمكن المرء من مراقبة الاخطار المختبئة وفي نفس الوقت تحرير الاطراف الامامية للقيام بمهمات اخرى مثل حمل الطعام او سلاح عبر مسافات طويلة. في الظروف الجديدة كان البحث عن الطعام يتضمن مخاطر اكبر ومسافات اطول. إضافة الى ذلك فأن السير المنتصب ابعد الرأس عن الارض وبالتالي اعطاه إمكانية افضل ليتبرد بعيدا عن إنعكاسات الاشعة الشمسية القادمة من الارض، الامر الضروري لنشوء دماغ يحتاج الى الكثير من الطاقة.
إستخدام وسائل وادوات
مع حدوث التغييرات البيئية والمناخية ظهر نوع جديد من القردة الجنوبية. احدى الجماجم حصلت على اسم " إنسان كاسر الجوز" وتشير الى قوة الفك والاسنان المتميزة. المجموعة اختلفت كثيرا عن سابقيها الى درجة ان بعض العلماء يصنفوهم في خانة قرابة خاصة: Paranthropus. هذه المجموعة كانت متلائمة مع نوع جديد من الطعام : الخضراوات، والفواكه والمكسرات. هذه السلالة ليست إلا فرعاً صغيراً في شجرة عائلة الانسان. لما يزيد عن 1,5 مليون سنة عاشوا جنباً الى جنب مع قريب اخر لهم "الانسان"، الذي ظهر فرعه قبل حوالي 2,5 مليون سنة منفصلا عن احدى عشائر القرد الجنوبي.
الانواع الاولى من الانسان نعلم عنها القليل للغاية. احداهم المسمى Homo Habilis, "الانسان صانع الاداوات" والذي ينقسم حسب بعض العلماء، الى نوعين على الاقل. اللقية الاولى حدثت عام 1961 في منطقة Olduvai التنزانية، من قبل ابناء العالم المستحاثي المشهور Louis Leakey. اسم هابيليس، يقصد بها الحجر المستخدم كوسيلة عمل والذي عثر عليه قريبا من المستحاثة. بفضل العثور على الاحجار المستخدمة بالعمل اعتبر الهومو هابيليس الاول الذي استخدمها، بما اطلق عليه Olduvaik بالرغم من انه معروف ان الانسان الاقدم استخدم ادوات خشبية، خصوصا ونحن نعلم ان القرود تستخدمها حتى الان. غير ان الادوات الخشبية لاتبقى لسنوات طويلة ولا تترك اثراً. لقد عرفت
اليد التي هيئت ادوات العمل الحجرية كانت تتشابه مع ايدي الانسان الحالي: إبهام يتحرك كما لدينا الان، وعظام اصابع مستقيمة. الدماغ كان ايضا اكبر مما لدى القرد الجنوبي، حيث حجم الدماغ عند القرد الجنوبي كان 400-500 سم مكعب، في حين عند الهومو هابيليس وصل الى 500-800 سم مكعب. قبل 10 ملايين سنة ظهر النوع المسمى Homo Erectus, "الانسان المنتصب" ليبدء عصر جديداً. مثلا كان حجم الدماغ عند ايريكتوس اكبر بشكل ملحوظ مما لدى جد الانسان، لقد وصل الى 750-1250 سم مكعب. هومو ايريكتوس صنع واستخدم ايضا الادوات، تماما كما فعل الهومو هابيليس، ومع الزمن قام كلاهما بتتطوير صناعته وتحسينها، الى درجة صناعة الفؤوس الحجرية. غير ان معطيات الفك تشير الى ان الهومو ايريكتوس يصبح كامل النمو عند الثانية عشر من العمر. عندما تنمو الاسنان تنشأ إشارات لنموها، تماما كما هو الحال عند الشجر. من خلال حساب هذه الاشارات عند الانسان الحالي ومقارنتها بمثيلتها عند الهومو ايريكتوس عرف العلماء عمر النضوج عند الانواع المبكرة. عند الانسان وبسبب الدماغ، إزدادت الحاجة الى فترة اطول حتى يتسنى له النضوج.
الهجرة كانت من افريقيا
في عدة مناطق من القارات الافريقية والاسيوية والاوروبية عثر المرء على مستحاثات عظمية للحالة المبكرة لانسان الهومو سابينيس " الانسان المفكر". في النماذج المبكرة عنه، تظهر بوضوح الكثير من التشابهات بينه وبين الهومو ايريكتوس، مثلا الفك ومنطقة الحواجب، في نفس الوقت يملك الكثير من التشابه مع الانسان الحالي.
المستحاثات المبكرة تشير الى كونها حلقة انتقال بين النوعين، ولذلك يطلق عليهالانسان القديم (Arkaiska). اليوم يشير علم الجينات الى ان الانسان القديم ظهر كنوع قبل 200 الف سنة في افريقيا.
عام 1987 تم توثيق الاصل الواحد لجميع شعوب الارض، عندما اصدر علماء الجينات نتائج بحثهم القائل ان الجميع يعودون الى مجموعة جينية واحدة، كانت تعيش قبل حوالي 200 الف سنة وهى نسل امرأة واحدة فقط تمسى حاليا بحواء الميتوكوندريا. من خلال مقارنة الميتوكوندري العائد الى 147 شخص من مختلف انحاء العالم والذى عاد بنا إلى 134 مجموعه فرعيه ، ظهر ان الاختلاف الجيني في الحوض الجيني صغير للغاية وقد قام بذلك الراحل العظيم ألان ويلسون وقد نشر بحثه فى النيتشر 1987 وهو بحث رائع حقيقه سأحاول أن أضع نسخة مترجمه منه فى المنتدى .
الميتوكوندريا جزء من اجزاء الخلية له DNA خاص به، والذي يجري توريثه الى الاجيال من خلال الام فقط. في الحوض الجيني للميتوكوندريا توجد بقايا بقايا جينية لبكتريا من ماقبل التاريخ، ولازالت تحتوي على احماض امينية من ذلك العصر. هذه الاحماض الامينية ليس لها قيمة فعلية ولكن هنا بالذات يمكن مقارنة الطفرات الانسانية عبر العصور.
من حيث ان العلماء لديهم مايكفي لتقدير مرات حدوث الطفرات، يمكن استخدام ذلك لحساب الزمن المطلوب لحدوث الطفرات المسجلة في الاحماض الامينية للميتوكوندريا. بهذه الطريقة تم حساب الزمن اللازم لظهور الانسان الحالي.
عام 1995 تمكن العلماء من إكتشاف طريقة جديدة لتقصي اصل الانسان عن طريق الذكر، هذه المرة، وبالذات من خلال الكروموسوم الذكري، الذي يجري توريثه للذكور وعن طريق الخط الذكري، مما يساعد على ملاحقة وتحديد الاصل الذكري. بعد مقارنة الحماض الامينية للكرموسوم الذكري عند 38 شخصاً من مختلف انحاء العالم توصلوا الى انهم ينحدرون من اصل واحد، لازال يعيش في انحاء من افريقيا الجنوبية حتى اليوم.
إنسان المغارات
من الفروع الانسانية السابقة لم يبقى على قيد الحياة إلا نوع واحد، Homo sapiens sapiens. غير انه قبل 30 الف سنة فقط كان يعيش الانسان الحالي في اوروبا الى جانب إنساناً آخر يدعى Neanderthalensis. بعض العلماء يعتبرونه فرعا مباشرا قبل الانسان تحت اسم Homo sapiens Neander, غير انه يعتبر اليوم نوعاً قائماً بذاته، بناء على الكثير من المعطيات. النيندرتال كانت له بنية جسمية مختلفة بوضوح: لقد كان اقصر، واقوى، وجبهة اغلظ، واكثر صلابة، وجمجمة اكثر تسطحاً.
إضافة الى ذلك كان هذا النوع من الانسان يملك دماغاً يتميز بحجمه الكبير، إذ يصل الى 1200-1700 سم مكعب. نيندرتال قام بتتطوير ادوات خاصة للصيد والزينة، مما جعله يستحق لقب حضارة رجل المغارات. من الضروري الاشارة الى ان النيندرتال ترك آثاراً تشير الى الوعي الاجتماعي، فقد كان يدفن موتاه مع رموز مصنوعة، وكان يصنع الحلى للزينة، كما ترك رسوماً في المغارات.
الحفريات في مغارة Rhônedalen الموجودة في جنوب فرنسا كشفت ان مجموعة من النيندرتال آكلت ستة من ابنائها قبل 100 الف سنة. العلائم تشير الى هؤلاء الستة تم ذبحهم وشويهم بنفس الطريقة التي تتم مع بقية الحيوانات التي بقيت آثارها ايضا، مما يشير الى وجود آكلة لحوم الانسان بينهم. بقايا آثار عظام الحيوانات تشهد على ان النيندرتال لم يعاني من نقص في الطعام، فلماذا أكل ابنائه؟ يعتقد بعض العلماء ان الامر كان جزء من طقوس، او انهم كانوا يفتقدون للطعام في اواخر فصل الشتاء.
النيندرتال لاينتمي الى شجرة الانسان الحالي، بل هو نتائج فرع عنها انقرض فجاءة. الانسان الحالي في بداياته المبكرة كان يختلف عن النيندرتال في الشكل والممارسة. لقد تتطورت ثقافة الانسان الحالي بسرعة اكبر، كما تمكن من التلائم مع بيئة متنوعة واظهر قدرة على سرعة الانسجام افضل، وتمكن من تطوير اللغة الصوتية والرمزية. اليوم يختلف الانسان الحالي اختلافا كبيرا عن الانسان الاول، في الشكل والممارسة والقدرات الاجتماعية والعقلية.
--------------------------------------------------------------------------------
منقول بتصرف
--------------------------------
تم تكبير الخط فقط .
( قلم حر ) .