الجنرال النحيف المخيف

ناجح ناصح جيد

عبد الرب
عضو مبارك
إنضم
8 أبريل 2008
المشاركات
2,298
مستوى التفاعل
365
النقاط
83
الإقامة
مصر الغالية
الجمسي‏..‏ الجنـرال النحيف المخيف
محسن عبد العزيز
موقع جريدة الاهرام الجمعة 22/4/2016

المشير الجمسى
قال له السادات: أنت تصلح لقيادة الجيش مائة عام..ثم أقاله بعد كامب ديفيد بأسبوعين!
هل كان إبعاد الجمسي شرط إسرائيل لتوقيع المعاهدة؟


في صباح يوم6 أكتوبر1973 كان الجنرال ديان وزير الدفاع الإسرائيلي يقوم بزيارة لقواته علي الضفة الشرقية للقناة وحصون خط بارليف ليطمئن علي الوضع بعد أن تسربت أنباء أثارت قلق قادة إسرائيل عن تحركات مصرية علي جبهة سيناء,

وعندما شاهد ديان من أحد أبراج المراقبة الجنود المصريين في حالة استرخاء تام, بعضهم يلعب الكرة وبعضهم يسبح في الماء, اطمأن تماما وعاد إلي تل أبيب ليتلقي التهاني بالعيد.
وفي الساعة الواحدة ظهر نفس اليوم وصل الرئيس السادات والفريق أحمد إسماعيل وزير دفاعه إلي مركز العمليات في انتظار أن تدق الساعة الثانية وخمس دقائق, لتعبر قواتنا المسلحة القناة إلي الضفة الشرقية للقناة التي كان يقف عليها وزير دفاع إسرائيل منذ ساعات قليلة متفقدا جنوده.
أما صاحب خطة الخداع العبقرية هذه التي خدعت وزير دفاع إسرائيل وأجهزة مخابراته وأجهزة مخابرات أمريكا أقوي دولة في العالم فهو اللواء محمد عبدالغني الجمسي الذي كان وقتها رئيسا لهيئة العمليات بالقوات المسلحة.





والجمسي من مواليد9 سبتمبر1921 بالمنوفية التحق بالكلية الحربية وعمره17 عاما, وعين ضابطا بالصحراء الغربية ليكون شاهدا علي أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة روميل, وهي تجربة أفادته في مستقبله العسكري, ورغم أنه قدم استقالته عقب هزيمة67 إلا أنها رفضت وأسند إليه الرئيس عبدالناصر مهمة تدريب الجيش, ثم شغل عام1972 منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ليتغير مصيره تماما.. ومصير مصر كلها والمنطقة أيضا.
وفي حوار أجريته مع المشير قبل رحيله بسنوات سألته الجمسي عن خطة الخداع وتحديد ساعة الصفر في حرب أكتوبر فقال: جرت العادة أن الهجوم مع وجود موانع مائية صعبة مثل قناة السويس يحتاج إلي وقت طويل, وكان الوضع الطبيعي أن نبدأ الهجوم مع أول ضوء من النهار بحيث نستغل الليل كله لكننا لم نختر أول ضوء ولا آخر ضوء, وإنما اخترنا الساعة الثانية وخمس دقائق بعد الظهر, وهذا التوقيت غير متوقع من جانب العدو. كما قمنا بعمل مناورة حددنا لها من1 ـ7 أكتوبر وتحت ستار المناورة قمنا باحتلال مراكز القيادة بالجيش والبحرية والطيران والدفاع الجوي, وأعلنت حالة الطوارئ بالقوات المسلحة كما تم استدعاء قوات الاحتياطي, وبعد ثلاثة أيام من المناورة قمنا بتسريح آلاف الجنود وبدأ الجميع يقولون المناورة انتهت, وفي التوقيت المناسب نزعنا خرائط التدريب وعلقنا خرائط الحرب. كما أعلنا عن العمرة التي تنظمها القوات المسلحة في شهر رمضان وحجز فيها عدد كبير من القادة والضباط والجنود. وتعمدنا نشر خبرها في الأهرام الذي يوزع في دول أوروبا. وعندما طلب وزير دفاع رومانيا زيارة مصر حددنا له يوم9 أكتوبر لمقابلة وزير الدفاع المصري.. بما يعني عدم وجود حرب.
لقد خضعت ساعة الصفر لدراسات عميقة تمت في هيئة العمليات درسنا كل شهور السنة لاختيار أفضل الشهور لاقتحام القناة علي ضوء حالة المد والجذر وسرعة التيار واتجاهه, ودراسة طول الليل لاختيار ليل طويل بحيث يكون النصف الأول منه في ضوء القمر والنصف الثاني في حالة إظلام حتي يسهل تركيب وإنشاء الكباري في ضوء القمر ويكون عبور القوات والأسلحة والمعدات في الظلام. كما اشتملت الدراسة علي العطلات في إسرائيل وتأثير العطلة علي إجراءات التعبئة في إسرائيل., ودونت هذه الملاحظات وغيرها في كراسة ابنتي وسلمتها بخط يدي للفريق أحمد إسماعيل الذي ناقشها مع الرئيس السادات في برج العرب أوائل أبريل1973 ونقل لي انبهار السادات بها, وهي التي اشار إليها السادات بعد ذلك بكشكول الجمسي.





بكل تواضع العظماء يقول المشير الجمسي: يجب أن أعطي الفضل لأصحابه فهو كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة التي أفخر وأعتز بأنني كنت رئيسا لها في هذه الفترة.
وفي مذكراته البحث عن الذات قال الرئيس السادات: عندما جاء الرئيس حافظ الأسد في زيارة سرية لمصر في أبريل73 عرضنا عليه مذكرة الجمسي والتي دون فيها المواعيد المناسبة للعمليات العسكرية علي مدار السنة.. من وجهة نظر العلوم العسكرية... وقلت للأسد: قررت أن أدخل المعركة هذا العام فما رأيك؟
فقال لي: أنا معك..
واتفقنا علي تكوين مجلس أعلي مشترك.
ودخل السادات علي الخط في عمليات التمويه واجتمع بمجلس الأمن القومي يوم30 سبتمبر1973 وطلب من الأعضاء رأيهم في الوضع. فطالب البعض بالمعركة وتردد البعض.. وقال وزير التموين: التموين الموجود لا يكفي لمعركة طويلة.. وقال الرئيس السادات.. عايز أقول لكم إن اقتصادنا النهاردة في مرحلة الصفر, وعلينا التزامات آخر السنة.. لا نستطيع الوفاء بها للبنوك, وعندما تأتي سنة1974 بعد شهرين لن يكون عندنا رغيف خبز للمواطنين ولا أستطيع أن أطلب من أي عربي دولارا واحدا.. لا في حرب ولا حاجة وأنهي الاجتماع.
بينما في اليوم التالي أول أكتوبر بدأ تنفيذ المشروع التدريبي الذي تتم تحت شعاره اللمسات الأخيرة للمعركة.
أما المفاجأة التي يكشف عنها الجمسي في مذكراته فهي أن ديان كان ينوي توجيه ضربة مفاجئة لمصر يوم8 أكتوبر.
ردا علي سؤال جولدا مائير عن ميعاد خطته التي ينوي القيام بها.
لكن كيف كان الجمسي يتابع تحركات إسرائيل يوم6 أكتوبر؟
يقول: كان اهتمامي الشخصي مركزا علي نشاط العدو الجوي الذي يظهر علي شاشة الردار الموجود في مركز العمليات لأنه يلعب الدور الرئيسي في حالة كشف نوايانا الهجومية.
وحوالي الساعة12 ظهرا قلت للفريق أحمد إسماعيل: سبق السيف العزل أصبح الوقت متأخرا جدا كي يتمكن العدو من القيام بعمل عسكري مؤثر. وأخذ الوقت يمر بطيئا بطيئا.. ومرت الساعة الباقية حتي إقلاع طائراتنا لتوجيه الضربة الجوية طويلة.. طويلة.. كأنها دهر.
كانت إسرائيل تلقت معلومات صباح يوم6 أكتوبر تؤكد أن مصر وسوريا ستشنان الحرب قبل غروب شمس هذا اليوم.
واجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي وقرر تحذير مصر وسوريا عن طريق أمريكا واتصل كيسنجر بالدكتور محمد حسن الزيات وزير الخارجية الذي كان في نيويورك الساعة الثانية إلا ربع إي قبل الحرب بثلث ساعة يرجو فيه ألا تقوم مصر بعمليات عسكرية.
وعندما اتصل الزيات برئاسة الجمهورية كانت الحرب بدأت منذ ربع ساعة حيث قامت200 طائرة مصرية بمهاجمة المواقع الإسرائيلية في سيناء, و100 طائرة سورية هاجمت الجولان وجبل الشيخ.
وقام أكثر من2000 مدفع علي طول جبهة القناة من مختلف الأعيرة بفتح نيرانها ضد الأهداف الإسرائيلية لمدة53 دقيقة متواصلة وسقط علي إسرائيل في الدقيقة الأولي10500 دانة مدفعية بمعدل175 دانة في الثانية الواحدة. وقد منعت هذه النيران دبابات العدو من صعود الساتر الترابي.
وعبر لنا في الدقائق الأولي800 مقاتل ثم أصبح عددهم3300 بعد5 ساعات, وقد استخدمنا750 قاربا في عملية الاقتحام و1500 من سلالم الجبال لتسلق الساتر الترابي.
وعندما اطمأن الرئيس السادات الي النجاح أمر بإذاعة البيان العسكري الأول ولم يكن هذا البيان حقيقيا لأنه قال إن قوات العدو قامت في الواحدة والنصف بمهاجمة قواتنا. وتقوم قواتنا حاليا بالتصدي لها.
وكان البيان الرئيسي هو الخامس الذي صدر الساعة الرابعة عصرا.. نجحت قواتنا في عبور قناة السويس.. واستولت علي نقاط العدو القويةو رفعت علم مصر علي الضفة الشرقية للقناة.
واستمر قتال المشاة ضد الدبابات كما يذكر الجمسي في مذكراته لمدة8 ساعات قبل عبور أسلحتنا الثقيلة. قاتلوا ضد300 دبابة واستطاعوا أن يدمروا مائة.
كما تمكن رجال المهندسين من فتح أكثر من30 ممرا باستخدام350 مضخة.
واليوم الثاني7 أكتوبر جاءت الخطة الأمريكية علي شكل نصيحة لإسرائيل بهجوم مضاد لتحطيم رؤوس الكباري وتوجيه ضربة للدفاع الجوي المصري لشل فاعليته.




كانت إسرائيل في حالة من الشلل والرعب كما صورها رئيس الأركان إليعازر وهو يصف وزير دفاعه ديان قائلا: لا يمكن لأحد مهما أوتي من أسلوب الكتابة أن يصور الهزيمة بقدر ما يراها علي وجه قائد مهزوم في تقديراته وخططه وتاريخه.. هكذا كان ديان.
بينما سجل ديان موقفه قائلا: الواقع أنني خلال طيراني عائدا من سيناء إلي تل أبيب, لا أتذكر لحظة في الماضي شعرت فيها بالقلق الذي شعرت به الآن. لو أنني كنت أعاني جسمانيا وأواجه الخطر شخصيا لكان الأمر أهون. أما الآن فثمة شعور آخر ينتابني.. كانت إسرائيل في خطر.

أول اتصال سري بين مصر وأمريكا
يوم الأحد7 أكتوبر حدث أول اتصال سري بين مصر وأمريكا عن طريق حافظ إسماعيل مستشار الرئيس للأمن القومي لكن المشكلة في هذا الاتصال أنه كشف لكيسنجر نية مصر عدم توسيع الهجوم وعلق كيسنجر عليه بأن مصر غير راغبة في متابعة العمليات العسكرية ضد إسرائيل بعد الأراضي التي كسبتها.
واعتبر الجمسي ان هذا إفشاء لنوايانا العسكرية تجاه العدو عن طريق حليفته أمريكا.
ويوم الاثنين8 أكتوبر كانت قوات الجيش الثاني تقاتل علي عمق9 ـ12 كيلو شرق القناة وتمكنت الفرقة18 بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي من تحرير القنطرة شرق. وكان الجيش الثالث يقاتل علي عمق8 ـ11 شرق القناة.
وشهد هذا اليوم معارك عنيفة وأسر العميد عساف ياجوري.. وكان هذا اليوم يوم الفشل العام لاسرائيل كما أطلق عليه ديان بعد أن تصدت قواتنا لهجوم العدو.
وجاء يوم9 أكتوبر ليحمل الاطمئنان لقواتنا بعد تصفية جميع حصون خط بارليف.
وفي هذا اليوم طلبت إسرائيل أسلحة من أمريكا لتعويض خسائرها.
وطلب الاتحاد السوفيتي وقف إطلاق النار ولكن السادات رفض.


تضارب الآراء مع الشاذلي
تظل مذكرات المشير الجمسي أدق وأشمل ما كتب عن حرب أكتوبر لأنه لايعتمد فقط علي دوره الفذ كأحد أبطال هذه الحرب. ولكنه يملأ الفراغات ويجيب عن الأسئلة والأحداث التي لم يكن شاهدا عليها من خلال جولة واسعة في معظم أن لم يكن كل المذكرات التي صدرت عن هذه الحرب في مصر وإسرائيل وأمريكا حتي أنه ليبدو محللا إستراتيجيا رفيع المستوي لا يقل كفاءة عن مكانته كجنرال محترف.
فهو متقد الذهن يصل إلي فكرته بأسهل الطرق, والموضوعية التي اتسم بها جعلته ينتقد الفريق أحمد إسماعيل رغم حبه الشديد له قائلا: كان من رأيي تطوير الهجوم شرقا دون أن تتوقف طويلا حتي تحرم العدو من فرصة تحسين مواقعه وناقشت الفريق أحمد إسماعيل في ذلك يوم9 أكتوبر مرتين فوجدت منه الحذر الشديد من سرعة التقدم شرقا لإنه كان يري الانتظار لتكبيد العدو أكبر خسائر. ورغم مناقشتي الطويلة معه كان قراره بعمل وقفة تعبوية ثابتا في ذهنه.
وكان رأي الفريق الشاذلي رئيس الأركان وقادة الجيشين الثاني والثالث ضد تطوير الهجوم لأن القوات الجوية الإسرائيلية قوية وتشكل تهديدا خطيرا لأية قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي. بينما وقوف الجيشين أمام بعضهما ـ كما قال الشاذلي في مذكراته ـ سيمنع تقدم إسرائيل مهما كان الثمن حتي تقبل بالأوضاع الحالية علي جبهة القتال.
وتحدث الفريق إسماعيل مع الشاذلي مرة أخري يوم11 أكتوبر قائلا: إن تطوير الهجوم من أجل تخفيف الضغط عن سوريا ورد الشاذلي: التطوير لن ينجح ومن يخفف العبء عن سوريا. وفي النهاية قال الوزير: القرار سياسي ويجب أن نلتزم به. وبدأ التطوير بالفعل يوم14 أكتوبر.
كان التردد والتضارب بين القادة العسكريين وتدخل السياسة علي الخط بشكل مباشر من الرئيس السادات هما السبب في حدوث الاخفاقات التي حدثت ووصلت إلي الثغرة.
ما يلفت النظر هنا أن الفريق الشاذلي العبقري المغامر بدا متحفظا مكتفيا بما تحقق من نصر.. رافضا المغامرة وتطوير الهجوم وهو ما أثبتت الأيام صحته, بينما اللواء الجمسي الذي يقيس كل شيء بالعقل دعا إلي انتهاز الفرصة قبل أن تفيق إسرائيل من الصدمة وتدعم قواتها, وهو رأي مغامر وجريء.. أفسده البطء.. فالمنطق يقول: إذا كان لابد من تطوير الهجوم فيجب أن يكون بسرعة كما يريد الجمسي وإلا فلا كما يريد الشاذلي.. أما المنطقة الوسط بين القائدين العظيمين الشاذلي العبقري والجمسي المحترف فقد أخذتنا إلي إخفاقات كان يمكن تجنبها.
عندما سألت المشير الجمسي عن رأيه في الثغرة ومن المسئول عنها؟ في الحوار الذي امتد أكثر من ساعتين دون أن تصدر عنه أي ابتسامة. رد ببساطة دون أن يحدد المسئول قائلا: أثناء حرب أكتوبر وقعت50 معركة انتصرنا في49 منها وفازت إسرائيل بواحدة هي الثغرة. فبعد أن تحدد يوم13 لتطوير الهجوم وقمنا بنقل الفرقة21 مدرعة من غرب القناة إلي شرقها إستعدادا للهجوم المنتظر. وفي هذا اليوم جاءت طائرة أمريكية واخترقت مجالنا الجوي بسرعة3 مرات سرعة الصوت ورصدت تغير أوضاع الفرقة21 مدرع وانتقالها إلي الشرق, فقامت إسرائيل بناء علي هذه المعلومات بالهجوم من منطقة الدفرسوار, وحدثت الثغرة.
.................................................
وتعقد الموقف أكثر وتضاربت الأراء مرة أخري بشأن التعامل مع الثغرة فالشاذلي كان يري سحب أربعة لواءات من الشرق للغرب خلال24 ساعة بينما الوزير أحمد إسماعيل يرفض سحب اللواءات من الشرق للغرب.
وحضر السادات كما يقول الجمسي في مذكراته لمركز العمليات يوم20 أكتوبر وكان الحضور, الفريق الشاذلي الذي طلب حضور السادات ليشرح له الموقف, واللواء حسني مبارك, واللواء محمد علي فهمي, واللواء الجمسي, واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية, واللواء سعيد الماحي مديرا لمدفعية, واجتمع السادات بالوزير أحمد إسماعيل لمدة ساعة قبل الاجتماع.
ودخل السادات الاجتماع وطلب رأي المجتمعين واحدا بعد الآخر.
وكان رأي الجمسي قريبا من رأي الفريق أحمد إسماعيل فهو لايريد أن تحدث أي اهتزازات لقواتنا في الشرق.
لكن الغريب أن الفريق الشاذلي لم يتكلم وقرر الرئيس عدم سحب أي قوات من الشرق للغرب مع احتواء قوات العدو في الغرب.
لم يتحدث الشاذلي وبرر ذلك في مذكراته بأن الرئيس طلب الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر وبعد أن استمعإ ليهم لم يطلب مني الكلمة ثم قال: لن نقوم بسحب أي جندي من الشرق. فماذا أتكلم وقد اتخذ الرئيس القرار ولا يريد أن يسمعني.
وعندما انتهي الاجتماع يقول الجمسي غادر الرئيس مركز العمليات دون أن يبين لنا أنه يفكر في الموافقة علي وقف إطلاق النار, بعد أن رفض ذلك أكثر من مرة.


الجمسي أول مفارض لإسرائيل
صدر قرار مجلس الأمن340 الذي قضي بإنشاء قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف إطلاق النار. والعودة لخطوط22 أكتوبر وبجهود أمريكية وافقت مصر وإسرائيل علي إجراء مباحثات لتثبيت وقف إطلاق النار. وتوصيل الإمدادات لقوات الجيش الثالث بعد أن تمكنت إسرائيل من قطع طريق مصر السويس الصحراوي وهو الطريق الوحيد لمدينة السويس والجيش الثالث.
وقاد الجمسي مفاوضات الكيلو101 التي بدأت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل واستمرت حتي الرابعة والنصف صباحا داخل أحد المواقع الإسرائيلية.





يقول الجمسي توجهت في عربة جيب واصطحبت معي عربة عسكرية أخري تحمل مجموعة مسلحة من الصاعقة للحراسة ورافقتنا عربة من قوات الطوارئ الدولية, وعندما وصلنا لمكان الإجتماع.. اصطف الضباط الإسرائيليون برئاسة الجنرال أهارون بارليف مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي وقاموا بتأدية الخدمة العسكرية, وقمنا برد التحية.
ويصف مكان الإجتماع قائلا عبارة عن غطاء من المشمع تم ربط أحد أجنابه في دبابة وربط الجانب الآخر في عربة مدرعة, وضعت بينهما منضدة خشبية حولها عدد عن الكراسي, وعلي رأس المائدة كان ممثل الأمم المتحدة. ولم يكن هناك مندوبون من وسائل الإعلام عن هذا الإجتماع.
وخلال المناقشة كنا نعطي الأولوية لإعادة القوات الإسرائيلية لخطوط22 أكتوبر وضمان إمداد السويس والجيش الثالث. وكان الإسرائيليون يعطون الأولية لتبادل الأسري وأبقاء قواتهم علي طريق مصر السويس.
وكان هذا أول إجتماع بين مصريين واسرائيليين حاربوا بعضهم ومازالوا.
ثم نصبت3 خيام بشكل رسمي وأصبح يسمح لرجال الاعلام بحضور المفاوضات التي إستمرت سبع جلسات دون أن تحقق أي شيء.

كيسنجر ودموع الجنرال
وجاء كيسنجر للقاهرة للمرة الأولي في6 نوفمبر1973 وأجري مفاوضات مع السادات. ثم جاء إلي أسوان مرة أخري يوم11 يناير1974 واتبع دبلوماسية المكوك بين أسوان والقدس عدة مرات.
أعلن بعدها الوصول إلي فك الاشتباك والفصل بين القوات وقد فوجئ اللواء الجمسي أثناء مفاوضات أسوان بكسينجر يعلن موافقة السادات علي تخفيض حجم القوات علي الضفة الشرقية للقناة إلي7000 جندي و30 دبابة وعدد محدود من المدفعية. فقلت لكيسنجر بحدة: إنك تعطي إسرائيل كل ما يضمن تأمين قواتها.. إني لا أوافق علي ذلك ولا يمكنني كرئيس أركان حرب القوات المسلحة إيجاد المبرر لذلك.
قال كيسنجر: إنه يضع إستراتيجية للسلام مستقبلا.
فقلت له: أنا لا أتحدث عن السلام ولكن أتحدث عن تأمين قواتنا.. وتركت غرفة الاجتماع بانفعال بعد أن أغرورقت عيناي بالدموع.. واتجهت إلي غرفة الحمام.. وتملك الغضب كل أعضاء الوفد المصري. وشحب لون كيسنجر وظل يتمتم قائلا: ما الخطأ الذي قلته. وعدت للاجتماع صامتا حتي نهايته وراح كيسنجر يغرقني بالمديح قائلا إن العسكريين الإسرائيليين لايخشون أحدا سواي.
ويعلق الجمسي علي هذا الموقف قائلا:
كنت أتمني أن يستشير الرئيس السادات الفريق أحمد إسماعيل أو يستشيرني لابداء الرأي في الموضوعات العسكرية ومنها حجم القوات التي يجب الاحتفاظ بها في سيناء.. فالتضحيات والدماء لاتروح هكذا.


السادات يخذل الجمسي
بعد وفاة المشير أحمد إسماعيل بشكل مفاجيء في لندن أصبح الجمسي وزيرا للدفاع في ديسمبر1974 واستمر يقود المفاوضات العسكرية مع الجانب الاسرائيلي للوصول إلي اتفاق سلام يقضي بانسحاب إسرائيل, ورغم قيام السادات بزيارته للقدس إلا أن هذه الزيارة لم تبدد المخاوف الاسرائيلية وكان الاسرائيليون يصرون علي الاحتفاظ بمطاري رفح ورأس النقب وبقاء المستوطنات في سيناء حتي بعد الانسحاب. وفي جولة من جولات المفاوضات الشاقة والطويلة قال وايزمان وزير الدفاع الاسرائيلي للجمسي: إن الرئيس السادات اتفق مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بيجن ان تكون المنطقة شرق خط المضايق منزوعة السلاح.
وقلت له ان هناك سوء فهم حول هذا الموضوع.. ورحت أشرح له.. فقال لا يمكن أن يكون بيجن لم يفهم السادات إلي هذه الدرجة.
وبعد الاجتماع طلبت الرئيس السادات وشرحت له ما قاله وايزمان وأوضحت له الخطورة التي تتعرض لها مصر إذا كان الوعد الذي أعطاه لاسرائيل صحيحا. شرحت له خطورة أن يصبح الجزء الأكبر من سيناء(150 كيلو مترا حتي الحدود الشمالية) منزوع السلاح وأن تتمركز قواتنا علي خط المضايق يعني أنها تتمركز علي آخر الخطوط الدفاعية في سيناء. الأمر الذي لايحقق الدفاع عن سيناء أو منطقة القناة التي تبعد عنه بحوالي55 كيلو متر افقط وأوضحت أننا بذلك نترك نحو150 كيلو مترا فراغا إستراتيجيا دون أي خطوط دفاعية الأمر الذي يتيح لاسرائيل احتلالها في وقت قصير جدا, وهذا الوضع الجديد لقواتنا يستتبعه حتما حرماننا من كل المطارات العسكرية بسيناء وأن هذا يضع قواتنا في الموقف الأضعف دفاعا وهجوما.. وهو ما لايمكن قبوله عسكريا.
ورجوته أن يتدخل سياسيا لتفادي هذا الموقف الخطير.
كان السادات يستمع فقط واقتصر في رده وتعليقه بكلمة.. طيب.. طيب.. طيب.. أشكرك. وعند سفره لكامب ديفيد1978 اقترحت عليه أن يصطحب معه أحد القادة العسكريين ضمن الوفد المصري, ولكنه لم يوافق علي هذا الاقتراح.ولذلك جاءت اتفاقية كامب ديفيد ـ من الناحية العسكرية تعبر عن نفسها فقط! هكذا يقول الجمسي وهو تعبير في منتهي الرقي والاحترام عن رفضه لهذه المعاهدة.
الخروج الحزين
وبعد أسبوعين فقط من توقيع اتفاقية كامب ديفيد وبالتحديد في3 اكتوبر1978 وقبل يومين من أول احتفال بذكري النصر قرر السادات إقالة وزير دفاعه العتيد لانه سيبدأ مرحلة جديدة من السلام مع اسرائيل!
فهل تمت إقالة الجمسي بناء علي طلب من إسرائيل أم أن السادات رأي أن جنراله النحيف كما أطلق هو عليه لن يكون مستريحا للمعاهدة ولا للمرحلة الجديدة.
يقول الجمسي: استدعاني الرئيس السادات بعد أسبوعين من توقيع معاهدة كامب ديفيد فأخذت معي حقيبة أوراقي التي تحتوي علي بعض الموضوعات المهمة من القوات المسلحة والموقف العسكري بيننا وبين إسرائيل علي اعتبار أنها ستكون موضوع المناقشة والبحث بعد الاتفاقية لكن الرئيس بدأ الحديث عن صحة زوجتي التي كانت تعاني من مرض الفشل الكلوي منذ سنتين ثم انتقل للسياسة الداخلية ووصفها بأنها مرحلة جديدة تمر بها مصر وقال: ولذلك قررت إجراء تغيير شامل في مؤسسات الدولة وأجهزتها يشمل رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب وتعيين قيادة عسكرية جديدة وأنه كلف الدكتور مصطفي خليل بتشكيل الحكومة الجديدة وقرر تعييني ورئيس الأركان محمد علي فهمي مستشارين عسكريين له. وتعيين الفريق كمال حسن علي وزيرا للدفاع واللواء أحمد بدوي رئيسا للأركان.
ويعلق الجمسي علي واقعة خروجه قائلا: شعرت بالضيق والأسف من قرار الإقالة لانه جاء قبل يوم واحد من الاحتفال بالذكري الخامسة لنصر أكتوبر. ويسأل في حزن نبيل يليق بالفرسان ألم يكن من الأفضل والأنسب أن يتم ذلك في أي يوم آخر.. من حق رئيس الدولة إجراء التغييرات في أي وقت, ولكنني كنت آمل فقط أن يكون هناك حسن اختيار للتوقيت مراعاة للناحية المعنوية التي تعتبر حدثا مهما في حياة كل مقاتل. ربما كانت السرعة وسوء اختيار لتوقيت تكشف الاجابة عن السؤال السابق فتغير السياسات والمرحلة الجديدة التي تحدث عنها السادات تقوم علي التخلص من الكفاءات.. ليس في القوات المسلحة فقط ولكن في كل مجال.. فهل كان هذا أحد شروط هذه الاتفاقية الغريبة.
وفي شهر يوليو2003 غيب الموت المشير الجمسي الذي تم اختياره من الموسوعات العسكرية أحد أبرع50 قائدا عسكريا في التاريخ, بعد حياة حافلة بالانجازات العسكرية التي لا تتكرر كثيرا لرجل واحد اشترك في كل حروب مصر تقريبا.. وكلل حياته بالنصر الباهر في أكتوبر..حتي قال عنه الرئيس السادات أنت اصلح للقيادة مائة عام
 
أعلى