البابا فرنسيس يحذّر من أمراض اجتماعيّة، ما هي؟

paul iraqe

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
3 يناير 2014
المشاركات
15,606
مستوى التفاعل
1,314
النقاط
113
الإقامة
IRAQ-BAGHDAD
pope-francis-web.jpg


حذّر البابا فرنسيس في مقابلته العامّة اليوم، من أمراض اجتماعيّة أوسع سلّط وباء كورونا الضّوء عليها ويجب مكافحتها، وأحدها هو الرّؤية المشوّهة للشّخص البشريّ، نظرة تتجاهل كرامته وميزته العلائقيّة، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":
"إنَّ الوباء قد سلّط الضّوء على مدى هشاشتنا جميعًا وعلى ترابطنا ببعضنا البعض. وبالتّالي فإن لم نعتنِ ببعضنا البعض، بدءًا من الأخيرين ومن الأكثر تضرّرًا، بما في ذلك الخليقة، فلن نتمكّن من شفاء العالم.
إنّه لجدير بالثّناء التزام العديد من الأشخاص الّذين قدموا خلال الأشهر الأخيرة دليلاً على المحبّة الإنسانيّة والمسيحيّة تجاه الآخرين، وكرّسوا أنفسهم للمرضى مُخاطرين بصحّتهم؛ ومع ذلك، فإنّ فيروس الكورونا ليس المرض الوحيد الّذي يجب مكافحته، لكن الوباء قد سلّط الضّوء على أمراض اجتماعيّة أوسع. وأحد هذه الأمراض هي الرّؤية المشوّهة للشّخص البشريّ، نظرة تتجاهل كرامته وميزته العلائقيّة. أحيانًا ننظر إلى الآخرين كأشياء يمكن استخدامها والتّخلّص منها. لكن في الواقع، هذا النّوع من النّظر يعمي ويثير ثقافة إقصاء فرديّة وعدوانيّة، تحوّل الإنسان إلى سلعة استهلاكيّة.
لكننا نعرف في ضوء الإيمان أن الله ينظر إلى الرّجل والمرأة بطريقة أخرى. فهو لم يخلقنا كأشياء، وإنّما كأشخاص محبوبين وقادرين على محبّة الآخرين، لقد خلقنا على صورته ومثاله. وبهذه الطّريقة منحنا كرامة فريدة من نوعها، ودعانا إلى العيش في شركة معه، وفي شركة مع أخواتنا وإخوتنا، في احترام الخليقة بأسرها. وفي هذه الشّركة يمنحنا الله القدرة على التّكاثر والحفاظ على الحياة والعمل والعناية بالأرض.
تقدّم لنا الأناجيل مثالاً عن تلك النّظرة الفرديّة في الطّلب الّذي توجّهت به إلى يسوع أمّ التّلميذين يعقوب ويوحنّا. لقد كانت تريد أن يجلس ابناها على يمين ويسار الملك الجديد، لكنَّ يسوع اقترح نوعًا جديدًا من الرّؤية: رؤية الخدمة وبذل الحياة في سبيل الآخرين ويأتي التّأكيد على ذلك من خلال إعادة النّظر بعدها على الفور لأعميان فأَبصرا لِوَقتِهما وتَبِعاه. لنطلب إذًا من الرّبّ أن يعطينا عيونًا متنبِّهة للإخوة والأخوات ولاسيّما للّذين يتألّمون، لأنّنا كتلاميذ ليسوع نحن لا نريد أن نكون غير مبالين أو فردانيّين، وإنّما نريد أن نعترف بالكرامة البشريّة لكلِّ شخص مهما كان عرقه أو لغته أو وضعه.
لقد سلّط المجمع الفاتيكانيّ الثّاني الضّوء على أن هذه الكرامة هي قابلة للتّصرّف لأنّها "خُلقت على صورة الله". وهي في أساس كلّ الحياة الاجتماعيّة وتحدّد مبادئها الفاعلة. إنَّ أقرب مرجع في الثّقافة الحديثة إلى مبدأ كرامة الإنسان غير القابلة للتّصرّف هو الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، الّذي وصفه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني على أنّه علامة بارزة قد وضعت على المسيرة الطّويلة والصّعبة للجنس البشريّ، وأحد أسمى التّعابير للضّمير البشريّ. فالحقوق ليست فقط فرديّة بل هي أيضًا اجتماعيّة وللشّعوب والأمم. والكائن البشريّ، في الواقع، هو في كرامته الشّخصيّة كائن اجتماعيّ خُلق على صوة الله الواحد والثّالوث. نحن أشخاص اجتماعيّون ونحن بحاجة لنعيش في هذا التّناغم الاجتماعيّ، ولكن عندما يكون هناك أنانيّة لا يتجّه نظرنا نحو الآخرين والجماعة وإنّما على أنفسنا فقط وهذا الأمر يجعلنا سيّئين وأنانيّين ويدمّر التّناغم.
إنّ هذا الإدراك المتجدّد لكرامة كلِّ كائن بشريّ يملك آثارًا اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة خطيرة. إنّ النّظر إلى الأخ الخليقة بأسرها كهبة نلناها من محبّة الآب يثير سلوكًا من الاهتمام والرّعاية والدّهشة. وهكذا ينظر المؤمن إلى قريبه كأخ وليس كغريب، وبرأفة وتعاطف وليس باحتقار أو عداوة. بالتّأمّل في العالم في ضوء الإيمان يعمل المرء بمساعدة النّعمة على تنمية إبداعه وحماسته لحلّ مآسي التّاريخ. لأنّه يفهم قدراته وينمّيها كمسؤوليّات تنبع من إيمانه، كمواهب من الله عليه أن يضعها في خدمة البشريّة والخليقة.
فيما نعمل على علاج فيروس يضرب الجميع بلا تمييز، يحثّنا الإيمان على الالتزام بشكل جدّيّ وفعّال من أجل مواجهة اللّامبالاة إزاء انتهاكات الكرامة الإنسانيّة؛ كذلك يتطلّب الإيمان دائمًا أن نسمح لأنفسنا بالشّفاء والارتداد عن فرديّتنا، الشّخصيّة والجماعيّة. ليعِد لنا الرّبّ الحياة لكي نكتشف مجدّدًا معنى أن نكون أعضاء في العائلة البشريّة، ولنُترجم هذه النّظرة إلى أعمال ملموسة من الشّفقة والاحترام تجاه كلّ شخص وإلى أعمال عناية وحماية تجاه بيتنا المشترك."
 
أعلى