مشاعرنا نحو أطفالنا تختلف من طفل إلى آخر - دكتور بنجامين سبوك

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
مشاعرنا نحو أطفالنا تختلف من طفل إلى آخر - دكتور بنجامين سبوك
462862714.jpg


[هل تستطيع أن نحب كل ابن من ابنائك بالتساوي. لا تفرق بين هذا أو ذاك؟]
[أحياناً يمكن لإحساسك أن يقول نعم، أنا لا أفضل واحداً على الآخرين]
[أحياناً أخرى تقول لك مشاعرك.. لا.. أنت تفضل أحدهم على الباقين]

دخلت عيادتي كثيرات من الأمهات وقلن لي بكلمات مختلفة ما مؤداه:
-في الحقيقة أنا أشعر بالذنب لأني لا أحب أحد أبنائي كما أحب بقية أخوته.
ولكن من ناحية أخرى أسمع أحدى الأمهات أو أحد الآباء.. وهو يتكلم بصوت واثق ليؤكد لأحد اصدقائه أو لي كطبيب قائلاً:
طبعاً أنا لا أفضل واحداً من أبنائي على الآخر. أحبهم كلهم بالتساوي.
واكتشف أنا أثناء عملي كطبيب أن بعض هؤلاء الآباء والأمهات الذين يعترفون بعدم قدرتهم على المساواة بين ابنائهم في الحب، ويشعرون بالذنب لذلك، هؤلاء يلومون أنفسهم بلا داع. وأن بعض الآباء والأمهات الذين يحاولون التأكيد على أنهم يحبون أبنائهم بالتساوي يخدعون أنفسهم ان كلا النوعين من الآباء يحاول الوصول إلى نوع من الكمال المطلق، وهو مستحيل.
ان علينا ان نعرف هنا ان كلمة "حب" ليس لها معنى واحد. ان كلمة "حب" تستعمل لوصف أنواع مختلفة ومتنوعة من الأحاسيس والمشاعر. ولنضرب بعض الأمثلة على علاقات الأبناء بالأسرة.

المثل الأول.. ذلك الطفل الذي يكون في الثانية من عمره ويتبع أمه وأباه ليبحث عن الأمن والحماية.
مثال آخر، الطفل الذي نراه جذاباً يميل إلى كل من يراه.
مثال ثالث، الطفل الذي يرغب في امتلاك كل وقت أبيه أو أمه وذلك شيء طبيعي في معظم العلاقات الانسانية خصوصاً علاقة الابن بوالديه.
مثال رابع.. الابن الذي يطلب من الأب والأم نوعاً من الاخلاص المطلق له وحده، دون ان يزاحمه في لك أحد من اخوته.
مثال خامس.. الابن الذي يتخذ الأب أو الأم كسلطة عليا.
مثال سادس.. الطفل الذي يصادف الأب والأم ويبدو أليفاً معهما كأنه صديق عزيز.
مثال سابع.. الابن الذي يشارك الأب والأم في الاهتمامات والأحاسيس والأفكار، وهكذا..

والمجال الذي نهتم به هنا هو أنواع المشاعر التي يكنها الآباء والأمهات لأبنائهم، وأريد أن أشدد وأؤكد على نوعين من الأحاسيس:
الإحساس الأول هو التفاني في حب الأبناء.
والإحساس الثاني هو الاغتباط الذي نشعر به نحن الآباء لأن لنا أبناء.

ولابد أن نفرق بين هذين الإحساسين جيداً حتى نستطيع أن نجيب بوضوح عن ذلك السؤال الصعب..
هل في استطاعة الآباء والأمهات أن يحبوا أبنائهم بأقدار متساوية؟.. وهل يجب عليهم ذلك؟

ومن خلال تجربتي كطبيب يظهر لي بوضوح أن الآباء والأمهات يحاولون أن يؤكدوا انهم يحبون أطفالهم بنفس التساوي. وانهم يمنحون كل طفل من أنفسهم مثلما يمنحون لبقية الأبناء. ان كل والدين يحاولان بكل جهد أن يكونا عادلين في حب أبنائهما. ام الأب والأم عادة يتمنيان للابن أن ينجح في الحياة وأن تضيء السعادة مستقبله. ان أي تضحية مطلوبة في سبيل الأبناء وتبدو معقولة يبذلها الآباء عن طيب خاطر ان أحداً من الآباء والأمهات لن يتردد مثلاً في الدخول إلى مبني مشتعل بالنيران لإنقاذ طفله. ولن يتردد احد الوالدين في إلقاء نفسه في البحر والتعرض للغرق لإنقاذ الابن من الغرق. وأثناء فترة طفولة الابن، فإن الوالدين يرفضان تماماً أن يعيش الابن خارج البيت، بل ولن يقول أحدهما أي شيء يوحي بذلك. وعندما ينضج الابن ويصل إلى سن الرشد فإن الرغبة في مساعدته لا تنتهي في قلب الأم أو الأب. وإن وقع الابن الناضج الرائد في أي مشكلة من أي نوع، فإن الوالدين يحاولان مساعدة الابن مهما كان "المشكل" الذي وقع فيه الابن مثيراً للاستياء أو للاستنكار.

قد يكون ذلك المثل متطرفاً لكنه يوضح تماماً الفرق بين حب الوالدين لابنهما، وبين حبهما لأي إنسان آخر. ان خيبة الأمل التي يصاب بها الآباء نتيجة تصرف خاطئ لأحد ابنائه لا تقلل أبداً الرغبة في مساعدة هذا الابن. اننا نملك "ابننا" إلى الأبد وهو "يملكنا" إلى الأبد.. إن الأب والأم يرتبطان دائماً بالابن.
أنه ابنهما مهما حدث..
لكن فشل الآباء في التعبير عن حبهم للأبناء أو عدم التفاني في حب الأبناء، يؤدي إلى نتائج خطيرة تظهر بوضوح في مؤسسات رعاية الأحداث.

وعلينا أن نعترف بحقيقة قد تبدو مزعجة، ان عدداً نادراً من الآباء والأمهات لا يحبون أطفالهم على الاطلاق.. ومن المطمئن ان هه الحالات نادرة جداً.. وايضاً هناك نوع من الأزواج قد يكون أحدهم لا يُنجب فيقترح على شريك العمر أن يتبنى الاثنان طفلاً، ويأخذ الاثنان الطفل إلى المنزل، ولكنهما لا يستطيعان أن يمنحا الطفل الحب الكافي، وفي مثل هذه الحالة نجد أن الطفل يصبح عنيداً كثير المشاكل، عندئذ يرغب الزوجان في التخلص من هذا الابن لأنه ليس ابناً غلا بعلاقة التبني، وليس نتيجة علاقة الاثنين الزوجية، رغم أن بعض حالات التبني أيضاً قد تنجح وتعطي الابن الإحساس بالحب الخالص.

إذا عانى الطفل في أعماقه من فقدان الإحساس بالحب الدافئ من ناحية أهله أو مَنْ يقومون مقام الأهل.. فإن مثل هذا النوع من الأطفال يعرف كيف ينتقم لغياب هذا الحب..
إن هذا النوع الأطفال لا يكون مشاكساً أو ثقيل الظل أو لا يجيد حسن التصرف فقط، إنه أيضاً لا يهتم أبداً بنوعية سلوكه، ولا يهتم بما يظنه الآخرون عنه، ولا يهتم بما سيحدث له. لقد فقد أهم شيء في حياته وهو "حب الأهل"، فماذا يمكن أن يُفرز سوى الانتقام من البيئة التي ينشأ فيها؟!..

إنني أؤمن جازماً أن التفاني والاخلاص هما أقوى العناصر الحيوية في حب الآباء والأمهات لأبنائهم.
ذلك هو الإحساس الأول.. التفاني المخلص في حب الأبناء..

لكن عندما نتناول الإحساس الثاني وهو الاغتباط الذي نشعر به نحن الآباء لأن لنا أبناء، وبمعنى أوضح ذلك الإحساس بالسرور والفرحة والبهجة للصفات الفردية التي يتميز بها كل طفل من أطفالنا وأعتقد أنه من المستحيل على أي أم أو أي أب أن يشعر بنفس الإحساس تجاه أي اثنين من أبنائه سواء بسواء، أو يعاملها بنفس المعاملة. فالولد مثلاً نغتبط به ونقدره لصفاته الرجولية، والبنت نغتبط بها ونقدرها لصفاتها الأنثوية، هذا في المقام الأول.

وفي المقام الثاني نحن نحب طفلاً لحيويته وآخر لجديته في تناول الأمور. ونحب طفلاً آخر لشجاعته أو فرط ادبه في معاملة الآخرين أو لطريقة تفكيره المنطقية أو لصلابته أو لأناقته أو لتفوقه في السباحة مثلاً.

والاغتباط والسرور في كل حالة قائم على أساس صفات تختلف من ابن لآخر. وليس هناك ميزان نستطيع أن نقيس به مشاعرنا بالبهجة أمام صفات الأبناء، وهل هذه المشاعر متساوية أم لا..؟ إنه نوع من التبسيط الذي يضلل، لو حاولنا أن نزن مشاعرنا تجاه صفات الأبناء التي تفرحنا والتي تختلف من ابن لآخر. فكل طفل هو مجموعة مركبة ومعقدة من الصفات يستجيب لها الآباء. وكل والد أيضاً يملك مجموعة من الاستجابات للصفات المختلفة من أبنائه.

ولنأخذ أمثلة واضحة لذلك..
هناك الآباء الذي يعجبون بتفوق أحد أبنائهم في الدراسة، ولكن لو اختلط هذا الابن بزمرة من أبناء الجيران ليس لهم مثل تفوقه فإن والديه يصابان بالاكتئاب والخوف على مستقبل الابن، وهناك الأب الذي يمتلئ بالفخر بابن متفوق في إحدى الألعاب الرياضية لكنه يحزن أيضاً لأن ابنه الآخر لا يهوى أي نوع من تلك الألعاب الرياضية.

وطبعاً هذا المثال يمكننا أن نطبقه أيضاً على حياتنا خارج الأسرة. فعندما تتوافر لإنسان ما بعض الصفات التي نعجب بها فإنها تحجب عن عيوننا ومشاعرنا صفاته الأخرى التي قد تضايقنا لو عرفناها، والعكس أيضاً صحيح فإن أي صفة مزعجة لنا نراها في شخص ما قد تمنعنا من رؤية صفة رائعة في هذا الشخص.

باختصار لا أحد منا تظل مشاعره ثابتة بشكل دائم نحو أي إنسان، وإذا أردنا المزيد من الصراحة فإن معظمنا على سبيل المثال، يشعر بالضيق من تصرف أحد أعضاء أسرته في يوم ما، في حين أن نفس هذا التصرف لم يشعره بالضيق في اليوم السابق. إنني أنا شخصياً أحس في بعض الأيام أن معظم من ألقتي بهم من الناس جذابون. وهناك أيام أخرى يبدو لي أنني أنفر من كل من ألتقي به.. المسألة إذاً تتوقف على الحالة المزاجية وأنا أعرف عدداً من الآباء والأمهات كانوا يعلنون نقدهم الدائم لأحد أطفالهم لعدة سنين، كل أفعاله من وجهة نظرهم خاطئة، وفجأة تغير إحساسهم نحو هذا الطفل وأصبحوا معجبين به غاية الإعجاب، ولا يمكن أن نفسر هذا التغيير الكامل في معاملة هذا النوع من الآباء لأبنائه إلا أن الابن نفسه تغير تغييراً كاملاً.. قد يكون الابن قد تغير تغييراً طفيفاً في سلوكه الذي كان يلومه عليه والداه، ولكن التغيير الكامل حدث أصلاً للوالدين.

لذلك نقول ان هذا الإحساس بالاغتباط بصفات الطفل الجذابة، يقابله أحياناً بعض صفاته التي تضايقنا. إنها مسألة ذاتية.. جداً وقابلة للتغيير والتبديل من فترة إلى أخرى.
ولنسأل أنفسنا:
ما هي بعض جذور أحاسيسنا السلبية والإيجابية؟ لماذا نكره بعض صفات الابن ونحب بعض الصفات الأخرى؟

عموماً، نحن نتمنى أن نجد في طفلنا الصفات التي أراد لنا آباؤنا أن نكتسبها، والتي تجحنا في أن نتعلمها واصبحنا نعتز بها. وكل أسرة تصب كل اهتمامها على خصال محددة تجعلها أهدافاً يجب أن يصل إليها الأبناء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كل فرد في مراحل نموه يختار مثله العليا الخاصة به على أساس الأفكار والصفات التي يُعجب بها في أفراد اسرته الذي يحبهم. فإذا تجلت هذه الأفكار والصفات في أبنائه، فذلك مما يسعده تماماً.

وبالعكس، فإن كل أسرة تستنكر بعض الصفات وتراها غير مرغوبة فيها، وتعتبرها ضد المثل العليا، وينتقل هذا الاستنكار من جيل إلى آخر.
وفوق ذلك، فكل شخص منا اثناء نموه يصبح حساساً أمام بعض الصفات التي تضايقه وتزعجه من اخوته ووالديه بصورة تجعل الحياة نفسها في عيوننا صعبة. والأهم من كل ذلك هو عثورنا على بعض صفات أو خصال رديئة في أبنائنا.. هذه الصفات كانت ضمن صفاتنا في مراحل عمرنا السابقة.

إذا لماذا يتعجب الآباء من اختلاف مشاعرهم تجاه الصفات التي تظهر في أبنائهم؟ ثم هناك مسألة أخرى، هي أن الابن أحياناً في مظهره أو سلوكه يذكرنا ببعض أفراد أسرتنا، فإذا كنا نحب هؤلاء الأفراد نقلنا إعجابنا إلى الطفل وإذا كنا لا نحبهم استنكرنا أي خطأ من الطفل وعرضناه للنقد. تلك هي سُنَّة الحياة التي اعتمد عليها المجتمع ليجعلنا نحن الآباء نُعجَب بالخصال الجميلة ونحاول أن نجنب أبنائنا الصفات الرديئة.

ولعل القارئ قد أصابه الملل إذ يرى أنني تعمدت أن أضع حداً فاصلاً بين هذين الإحساسين الأول، وهو التفاني في حب الأبناء، والثاني هو الاغتباط الذي نشعر به لأن لدينا أبناء..
أعرف أنني ألمس أشياء واضحة تبدو بديهية في بعض الأحيان، لأن مشاعر الأب دائماً هي مزيج من الابتهاج لسلوك جيد من ابنه وضيق لسلوك غير جيد من الابن نفسه.
وبين الضيق والابتهاج تستمر رحلة المسئولية، مسئولية تربية الأبناء.

إن محاولتي هي البحث عن اسلوب يقنع هؤلاء الذين يقلقهم أمر تربية الأبناء –واعتقد ان عدداً كبيراً من الآباء والأمهات ممن يتمتعون بالإحساس المرهف الرقيق يؤمنون بأنهم لابد وأنهم يحبوا أبنائهم بالتساوي، وأن يكونوا عادلين في حب أطفالهم كما يجب، وأن يمنحوا كل طفل نفس الدرجة من الاهتمام والانتباه والصبر التي يعطونها لأخيه.
حتى العقاب أيضاً، بعض الآباء يحاولون أحياناً أن يتساوى فيه الأبناء.
ولأن ذلك مستحيل، فإن الشك يتسرب إلى نفس الأب أو الأم. فضميرهما يقول: "أنا غير كُفء لدوري كاب" أو "أنا لا أقوم بواجبي كاملاً كأم".
ويظن هذا النوع من الآباء أن هذا نقص كبير في درجة حبهم لأبنائهم وهذا خطأ..
بل ان هذه الإحساس الخاطئ لا يؤدي إلا إلى تعقيد علاقتهم بأبنائهم..

وصلنا الآن إلى أن أي أب أو أي أم لا يستطيع، ولا يجب أن يحاول أن يحس بنفس الإحساس من الحب أو الاغتباط أو حتى الضجر تجاه كل طفل.
ولننظر إلى الأمر من زاوية أخرى..
نناقش باختصار ماذا يريد الطفل منا؟
أنا لا أصدق أن هناك طفلاً يريد من والديه أن يشعرا تجاهه بنفس الشعور الذي يشعران به نحو طفل آخر.
بل لا أصدق حتى أن هناك طفلاً يقبل أن يتظاهر والداه بأنهما يشعران تجاهه بنفس الشعور الذي يعاملان به أخاه مثلاً.
أيضاً.. الطفل عندما يخطئ لا يريد ولا يتوقع أن نعامله بنفس درجة السخط أو الاستنكار اللذين يُعامَل بهما أخوه لو أخطأ..
ان الذي يريد الطفل منا هو الاغتباط به وحده. أن يكون إعزازنا له فريداً من نوعه.. إنه مثلنا نحن الكبار.
كل منا يطلب في أعماقه من الآخرين أن يحبوه لذاته.
ودائماً هناك شخص في حياتنا له في أنفسنا أهمية خاصة، هذا الإنسان نرفض أن يقارن بين حبه وتقديره لنا بحبه وتقديره لإنسان آخر. ونكره أن يساوي في مشاعره التي نتوقعها منه نحونا وأن يمنح نفس المشاعر لإنسان آخر.
ان كل إنسان يريد مكاناً لا يُشاركه فيه أحد في قلب إنسان آخر.

والأمثلة على ذلك في حياتنا اليومية كثيرة.
مثلاً.. أني قول لك رئيسك في العمل..
أنت وزميلك "فلان" أكفأ الموظفين في العمل.. إنني أتنبأ بمستقبل ناجح جداً لكما.
إن فرحتك بهذا النوع من الثناء ليست كبيرة لأنك تعرف أن لك منافساً هو فلان الذي يحتل مكانه تساوي مكانتك عينها عند رئيسك.
لكن.. لو قال رئيسك..
أريدك أن تعرف انني راضٍ تماماً عن عملك وأعتقد أنك تؤديه على أفضل وجه ممكن.
من المؤكد أن فرحتك من هذا النوع من الثناء لا تقدر.

مثال آخر..
لنفترض أن لك صديقة تعتز برأيها، جاءت هذه الصديقة في إحدى المرات لتقول لك "انك أنيق ولك ذوق رائع في إختيار ملابسك تماماً مثل فلان".
وقد يكون فلان هذا شخصاً لا تحبه أنت.
ان هذا النوع من الثناء قد تعتبره أنت تحقيراً لشأنك..
ومن المؤكد انك كنت تتمنى أن تقول لك..
انك أنيق للغاية وتبدو فاتناً في ملابسك هذه.. ان أحداً لا يمكنه منافستك في الأناقة..

مثال ثالث.. لنفترض ان من بين أصدقائك أحد مهندسي الديكور المشهود لهم بالكفاءة ولاحظته منبهراً غاية الانبهار وهو يصف جمال الزخرفة في بيت فلان.. ثم تفاجأ به وهو يقول لك فجأة في مجاملة.. ولكن زخرفة بيتك طبعاً لا ينقصها الرونق والجمال..
ان ذلك النوع من المجاملة لا يرضيك، بل انه قد يؤلمك..

وكذلك حال الطفل.. إنه لا يجد أي سعادة في مقارنته بأخ له. ان الطفل يكره أن يساوَى بين أي أحد غيره.
ان أخر ما يرضي الطفل هو أن نقارنه بأحد، انه يطلب أن نُعجب به هو، وبصفاته التي لا يملكها أحد غيره، لأن المقارنة تضعه في حالة تنافس مليئة بالقلق. وتجعله يفكر بضرورة البحث عن أفضليته هو. كما أن المقارنة تجعله حساساً للغاية لأي تفاوت في المعاملة بينه وبين أخوته، والمثال على ذلك هو الأم التي يتنافس أبناؤها دائماً، وتحاول هي أن ترضيهم بأن تشتري لهم ألعاباً متشابهة. إنها تشكو دائماً من ذلك التحفز الكائن بعيون كعيون النسر لملاحظة أصغر الفروق في معاملتها لأحدهم. وجزاؤها دائماً في النهاية هو اللوم وعدم تقدير ما تفعله من أجل إنهاء المنافسة في ما بينهم.

وفي مجال الاستنكار والغضب من أحد تصرفات الطفل، علينا أن نعرف أن الطفل لا يريد أيضاً المساواة مع أخوته في العقاب. الطفل ثملنا نحن الكبار يعرف أن له عادات سيئة وصفات مزعجة ويعرف تماماً أنه يُسئ التصرف أحياناً ويسعى على قدر طاقته للتغلب على هذه العادات السيئة والصفات المزعجة ويتمنى من أعماقه أن يساعده والده ليتخلص من هذه العادات والصفات.. فإذا مادى.. في هذا الخطأ وتمادى في هذه العادات فإنه يستريح عندما يعاقبه والده.
العقاب هنا يجعله يشعر بالراحة النفسية بشرط واحد هو أن يكون العقاب مناسباً لعمره ودون أن نترك أخوته يعايرونه لأنه أخطأ.

وعلينا ألا ننسى نحن الآباء أننا نفعل كل ما في طاقتنا لنقدم أغلى ما في أعماقنا من مشاعر لأبنائنا.
وعلينا أيضاً ألا ننسى أننا بشر.. خلقنا الله وفينا الأحاسيس المختلفة، بعضها يبدو منطقياً وبعضها يبدو غير منطقي..
لذلك فعلينا دائماً أن نكون هادئين ومطمئنين إلى أننا نحاول أن نفعل كل ما هو صالح لأطفالنا.. اننا نتفانى في تقديم حبنا لكل طفل من أطفالنا ونعشر بالغبطة لكل ما نلمسه في الطفل من خصال حميدة. ونبذل جهدنا الدائم للابتعاد به عن العادات السيئة..

هذه المشاعر الأساسية التي نعرف انه يجب علينا أن نمنحها لكل طفل، وفي أغلب الحالات فإن هذا الأسلوب من الحب يجعل دورنا كآباء دوراً ناجحاً، ويدفع الطفل في الطريق الأمثل.
لكن إذا وقعنا دائماً بين أنياب الشك، وحاصرنا أنفسنا بالأسئلة التي تملؤنا بالوساوس، وتطالبنا بالمساواة بين الأبناء، فإن ذلك يجعلنا نفقد الإحساس الطبيعي والتلقائي الذي نستطيع به أن نحب كل طفل حبّاً مستقلاً.

ان التقدير الذي يطلبه الطفل من والديه هو التقدير الطبيعي الذي لا إدعاء فيه.


من كتاب [ حديث إلى الأمهات.. مشاكل الآباء في تربية الأبناء ] - دكتور بنجامين سبوك - ص 5 - 16
 
أعلى