من الإلحاد إلى المسيحية؛ رحلة شخصية

fauzi

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
7 أكتوبر 2008
المشاركات
4,593
مستوى التفاعل
191
النقاط
63
من الإلحاد إلى المسيحية؛ رحلة شخصية
فيليب فاندر الست


فيليب فاندر الست كاتب مستقل ومحاضر، قضى ثلاثين عامًا من حياته يعمل في السياسة والصحافة، يعمل الآن مع Areopagus Ministries
يصف لنا فيليب فاندر رحلته من الإلحاد إلى الإيمان المسيحي وذلك من خلال الأعمال الدفاعية لسي . إس . لويس .

عزيزي القارئ، أطرح عليك هذا التساؤل: هل تجد صعوبة في أن تؤمن بالله أو تقبل دعوة المسيحية؟ كنت أنا بصفة شخصية أواجه تلك الصعوبة، حين كنت ملحدًا. ولقد تغير فكري الآن، وربما أدهشتك حججي وأنت تسير على طريق رحلتك الشخصية لفهم معنى الحياة.

واسمح لي أن أقدم لك نفسي: أنا كاتب مستقل ومحاضر، ومنذ أن تخرجت من جامعة أكسفورد عام 1973، بعد أن أكملت دراسة السياسة والفلسفة وأنا أشتغل بالسياسة والصحافة معظم وقتي. وكم أعشق عالم الكتب، الأفكار والحوارات. ولطالما كان يدور في ذهني سؤالين بالتحديد، وكم سعيت لأجد إجابة عنهما. هل يوجد إله؟ وإن كان ذلك كذلك، فما هي العلاقة بين الله والحرية؟
نشأت وترعرعت في أسرة مسيحية، وهي وإن كانت أسرة موهوبة إلا أن والديَّ لم يكونا مؤمنين. وكنت اعتقد أن التقدم العلمي قد قضى على فكرة الإيمان بالله والأمور الخارقة. وأن مثل هذا الإيمان لهو أمر يتنافي مع مفهوم الحرية. وقد بدا لي الإيمان الديني مثل عبادة عمياء لديكتاتور يحكم الكون، وتخلي عن المنطق لصالح "الوحي". وعلى أية حال، كنت أتساءل: هل يجب أن أنظر إلى الدين نظرة جدية؟ وكيف أفعل هذا وأنا أرى العالم يرزح تحت وطأة الشر والألم، مما يفقد المسيحية مصداقيتها في أن العالم قد خلقه إله صالح محب للبشر؟

ولقد تزايدت شكوكي وتعاظم عدائي للمسيحية بتأثير من كتابات برتراند راسل وآين راند، وهذا كان حالي وأنا في أكسفورد. وحين بلغت الرابعة والعشرين، تقابلت مع فتاة، ستصبح زوجتي في المستقبل، وكانت الطامة الكبرى حين اكتشفت أنها مسيحية، فكيف لهذا الجمال وذلك الذكاء أن يكون أحد هؤلاء المسيحيين. وهكذا قررت أن أبحث عن براهين قوية على وجود الله وما مدى مصداقية المسيحية. وعلى الرغم من أني كنت واضح من بداية الأمر، إلا أني لم أكن أبحث عن إجابات لهذه التساؤلات لمجرد أن تكون علاقتي قوية بفتاتي.

وبدأت أقرأ للكاتب سي إس لويس، الذي أثار إعجابي الشديد به حين قرأت له "سجلات نارنيا". وقد اتخذت هذه الخطوة لثلاثة أسباب: السبب الأول، أن هذا الكاتب كان فيما سبق ملحدًا، وربما لهذا السبب يستطيع أن يجيب عن أسئلتي وشكوكي. والسبب الثاني، كنت أحترم عقلية سي أس لويس. فقد تخرج من جامعة أكسفورد وحصل على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف في الكلاسيكيات، الفلسفة واللغة الإنجليزية، وصار من أعظم الأكاديميين البريطانيين في جيله. فإن كان قد نجح في رحلته من الشك إلى الإيمان ، فربما كنت مخطئًا في اعتقادي أنه عليك أن تلغي عقلك من أجل الأيمان بالله. أما السبب الثالث الذي حفزني على قراءة كتاباته فهو، أنه تجاه قضية الألم، لاتستطيع أن تتهمه بالسطحية أو ضحالة الفكر. فقد فقد والدته وهو طفل في العاشرة من عمره، ولم يكن سعيدًا وهو يذهب إلى المدرسة، واختبر ويلات حرب الخنادق حين نشبت الحرب العالمية الاولى، هذا إلى جانب وعيه الشديد بمشكلة الشر . ومن خلال كتاباته في هذه الأمور، استنار عقلي.
ولم يخب ظني فيه، فقد أخذت في قراءة أهم ثلاثة كتب له على الإطلاق وهي: المسيحية المجردة، المعجزات، وأخيرًا، الله والإنسان والألم. وحينئذ أدركت أني لم أتبع شخص صارع مع تلك المعضلات التي اتعبتني فقط، بل وجدت إجابات عقلانية مقنعة على كل الشكوك التي راودتني.

سي أس لويس يلقي الضوء على مشكلة الشر:
حين توفي أبي وأنا في السابعة عشرة من عمري، وجدت أن ماكتبه سي أس لويس عن مسألة الشر بصفة خاصة يردد مايجيش بصدري ويجيب على تساؤلاتي. وقد أشار بحق إلى أننا لايمكننا أن نشتكي من وجود الشر والألم، وأن نأخذ هذا الأمر زريعة لنشكك في وجود الله وصلاحه مالم نكن على يقين أننا نستخدم معيارًا موضوعيًا للحكم على هذا العالم وإدانته. وينبغي أن تكون رؤيتنا للعدالة رؤية واقعية وذلك قبل أن نبرر غضبنا وسخطنا على مانراه من شر وألم من حولنا. وإلا، بماذا نفسر تلك الشفرة أو البوصلة الأخلاقية التي نشعر بها في داخلنا؟ ووفقًا للرؤية الإلحادية، فإن الجنس البشري وتفكيره هو نتاج ثانوي عارض لحركة عشوائية قامت بها مجموعة من الذرات في كون عشوائي، وجد بالصدفة ولاهدف له. فكيف لنا والحال هكذا، أن نفهم حقيقة أفكارنا ومشاعرنا ومعناها، بما في ذلك الشعور بتحقيق العدالة؟. وقولهم هذا لاصحة ولا أهمية له ولايعدو أن يكون نحاسًا يطن أو صنجًا يرن.

ومن جهة آخرى، فإن لم نقبل هذه النتيجة، وسلمنا بأن على كل منا أن يُحب جاره ولايسيئ معاملة الأطفال، هنا نكون قد ابتعدنا عن الإلحاد. أما شعورنا الداخلي بوجود قانون أخلاقي موضوعي مكتوب على صفحات قلوبنا، فهذا بدوره يُشير إلى وجود عقل خيّر أزلي، وهو خالقنا وخالق الكون أيضًا، وهو من منحنا القدرة على التفكير، وهو مصدر أفضل وأعمق مافينا من قيم. وبعبارة أخرى، يرى لويس، أن الإلحاد قد ذبح نفسه وانتحر فلسفيًا، ذلك لأنه يسيئ للمنطق البشري، ومن ثم تسقط حجته. قال: "إن لم يكن للكون كله أي معنى، لما أمكنّا أن نكتشف أنه بلا معنى. وعلى سبيل المثال، إن كان هناك كون بلا نور، ومخلوقات بلا أعين، ما كُنّا عرفنا شئ عن الظلام. وستكون كلمة " الظلام" بلا معنى."عن كتاب المسيحية المجردة". وأضاف لويس قائلًا : "وحين نعترف بأن هناك إله، يمكننا أن نعقل الوجود البشري، والعالم الذي نسكنه، ونفهم مشكلة الشر."

ولكن، إن كان الله هو الخير، إذن، وبوصفه خالق كل شئ، يكون المصدر الإلهي لكل شئ يتسم بأنه الخير والحق والجمال. فلماذا ينتشر الشر والألم في هذا العالم؟ أين الخطأ؟ أما الرد المسيحي على هذا التساؤل كما أورده سي أس لويس: أن عالمنا هذا قد أصابه ضررًا بسبب العصيان ضد الله، وفسدت الخليقة الأولى. وإن كان يصعب عليك الإيمان بهذا، إليك هذا الدليل، هناك أمثلة كثيرة تشير إلى وجود الخير وإلى وجود تصميم ذكي معقد للطبيعة: بناء الطيور لأعشاشها بشكل غريزي، تصميم المخ البشري وما به من تعقيدات هائلة، الأنظمة الملاحية للخفافيش والحيتان. البرنامج البيولوجي لل DNA في كل خلية من خلايا أجسامنا والتكاثر الجنسي ....الخ. كل هذه موجودة جنبًا إلى جنب مع الفيروسات الضارة، المرض والموت. فهل يمكننا التغاضي عن كل هذا؟ كما أن هناك حقيقة هامة ألا وهي: امتلاك الجنس البشري لشفرة أخلاقية داخلية، ومع أنهم غير قادرين على التخلص منها إلا أنهم لايطيعونها أحيانًا كثيرة. ألا يشير هذا إلى البدايات الواعدة التي تدهورت فيما بعد؟ ألم يكن للعديد من الشعوب والثقافات القديمة، بما في ذلك الصين، تقاليد تتحدث عن فردوس مفقود في الماضي السحيق؟ وهذه نقطة في غاية الأهمية.

أصل الشر: تفسير مقنع
أتحدث عن نفسي، فلقد وجدت أن هذا الدليل مقنعًا لي، أما ما أقنعني بصحة التفسير المسيحي لأصل الشر والألم هو المصداقية الفلسفية الكامنة في هذا التفسير. وكما أشار سي أس لويس، فإن الحب الحقيقي ماهو إلا اتحاد اختياري بين شخصين يتمتعان بالحرية، فيه يتعهد كل منهما أن يبذل نفسه من أجل الآخر ليعيشا في سعادة ويتشاركا الاستمتاع بالحياة وبركاتها. وبناء على ذلك، فحين خلق الله أبوينا الأولين منحهما حرية الإرادة، وقد فعل هذا حتى يتشاركا هما ونسلهما في حياة الرب، حبه، فرحه وجماله، معه ومع بعضهما البعض. وكجزء من عطية الإرادة الحرة هذه، منح الله الجنس البشري حرية الإرادة ليكونوا رعاة صالحين لهذا العالم الذي خلقهم فيه، يتشاركون بهجته ويضيفون إلى جماله وعجائبه. على أن المشكلة هنا، أنه يمكن للإنسان أن يسئ استخدام تلك الإرادة الحرة. كما أن حريتنا الداخلية في أن نرتبط بالله وبالأخرين في تناغم ومحبة يمكن أن تنقلب رأسًا على عقب. إذ يمكننا أن نرفض خالقنا ونحيا لأنفسنا فقط. وللأسف، هذا ماحدث للجنس البشري، وهذا مانستنتجه من الرواية الشهيرة للكتاب المقدس عن "سقوط الإنسان" في جنة عدن: ذلك أن أسلافنا لم يطيعوا الله بل عصوه، فحصدوا عواقب مميتة لهم وللأجيال التالية .

وبناء ً على ماذكرته من أسباب فيما سبق، لايساورني الشك في أن قصة "سقوط الإنسان" كانت حدثًا تاريخيًا بالفعل. ولكن، مايُعطي هذه الرواية مصداقيتها، هو الصورة الكلية المقنعة للنتائج المدمرة التي حصدها الجنس البشري من جراء الابتعاد عن الله. لقد تمردت الخليقة ضد خالقها. يقول سي أس لويس: إن الأمر يشبه نباتًا رفض أن ينمو أمام أشعة الشمس. وهذا أدى إلى علاقة منهدمة، فانفصل هذا المخلوق عن المصدر الأبدي للحق والحياة والمحبة وعن البشرية أيضًا. وحين انفصل الجنس البشري عن الله بسبب الخطية الأصلية أي عدم الطاعة منذ عهد بعيد، لم يكن هناك مفر من أن تهاجم العالم، الكراهية، والأمراض والموت. يؤمن اللاهوتيون و العلماء الذين يؤمنون بالخلقية العلمية[1] بأن "سقوط الإنسان" قد دمر خليقة الله الأصلية (كما هو مكتوب في سفر التكوين)، مما تسبب في نقل الموت والفوضى إلى مملكة الحيوان والعالم الطبيعي. ويرى آخرون، أنه وقبل سقوط الإنسان، فإن البيئة الطبيعية قد تضررت من جراء عصيان ضد الله حدث في عالم الملائكة. وبغض النظر عما تفكر فيه تجاه كل هذا، فهناك أمر واحد شديد الوضوح وبدا منطقيًا بالنسبة لي: إن الانفصال عن الخالق تسبب في تدمير ذاتي حتمي للبشرية.

وهو تدمير ذاتي، ليس لأنه جلب الموت على الإنسان فقط، بل قد دمر حريته أيضًا. وبعيدًا عن الله، نفتقر إلى القوة الداخلية التي بها نستطيع أن نقاوم إغراءات الطبيعة الساقطة. ودون عون من الله، لن ننتصر على كل التجارب التي نواجهها ، بل سنسقط سريعًا، وسنعمل من أجل مصالحنا ولو على حساب الآخرين. وهذا النقصان في حريتنا رافقه تجديف على الله، وهكذا ظهر خطر جديد. لقد فقدنا إحساسنا بالمسئولية وتمسكنا بمطلقات أخلاقية، ذلك لأننا لم نعد نؤمن بأن الله سيديننا في نهاية المطاف عما كنا مسئولين عنه. وهذا بدوره يُفسر لنا عنف الأنظمة الاشتراكية الملحدة، وكيف أنتجت أكثر الطغاة دموية في التاريخ. لقد ذُبح 100 مليون شخص من جراء القمع الداخلي خلال القرن العشرين. كما يُفسر لنا تفشي الجريمة والفجور الجنسي في مجتمعات مابعد المسيحية في الغرب والتي كانت مجتمعات علمانية غير دينية.

وحين انفصل الجنس البشري عن الله بالخطية، ماذا كان رد فعل الرب؟ هل تخلى عنا، وعن كل خليقته، وتركنا للفساد والموت. إن الكتاب المقدس كله بعد الإصحاح الثالث من سفر التكوين يصف لنا خطة الله الخلاصية. وفي قلب هذه الخطة نجد الحدث الأعظم والأروع في التاريخ: حدث لايُصدق لكنه حقيقي، إذ جاء الرب إلى عالمنا ليحيا ويسير بيننا كإنسان، كنجار يهودي من القرن الأول من مدينة الناصرة، ويدعى اسمه يسوع.

وقبل أن أبدأ في قراءة سي أس لويس، كنت أرفض هذه الفكرة وأعتبرها خرافة سخيفة. وعلى الرغم من أن يسوع شخصية حقيقية، إلا أنني كنت أتساءل، كيف يمكن لإنسان أن يؤمن بأنه قد صنع كل تلك المعجزات التي سجلتها الأناجيل عنه؟ ألم يكتشف التقدم العلمي أننا نحيا في عالم جميل منظم تحكمه القوانين الفيزيائية التي لايمكن تعطيلها. ولكن يمكننا وصفها بلغة الرياضيات الدقيقة. إن القوانين الفيزيائية والكيميائية تنفي إمكانية أن يسير إنسان على الماء أو أن يقوم من بين الأموات، ولكن قيل أن يسوع قد فعلها. وكيف يمكن لإنسان أن يؤمن أن يسوع قد قام بتحويل عدة أجران من الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، أو أنه أطعم خمسة ألاف رجلٍ من خلال خمس خبزات وسمكتين فقط؟ أعتقد، أنك لو كنت جاهلًا بالعلم، ففي هذه الحالة يمكنك الإيمان بمثل هذه الروايات، كما كان يفعل الناس في العصور القديمة. كما أنني طرحت على نفسي سؤالًا، كيف أن موت يسوع على صليب روماني "يخلصنا" من خطايانا ويصالحنا مع الرب؟ لم يستطع أحد على وجه الإطلاق أن يشرح لي هذا الغموض!

إعادة النظر في اعتراضاتي حول المعجزات والخوارق
مرة أخرى ، أجبرتني كتابات سي أس لويس على إعادة النظر في اعتراضاتي على المسيحية وادعاءاتها التاريخية حول يسوع، تلك التي تستند عليها. فقد قال لويس في كتابه الرائع "المعجزات": إنك لايمكنك الاعتراض على الخوارق من منطلق علمي دون أن تطرح التساؤل حول وجود الله، وكأن الله غير قادر على التدخل في شئون خليقته؟ وإن كان مؤلف بشري يستطيع أن يُغير نهاية إحدى مسرحياته أو رواياته بمجرد ضربة واحدة على لوحة المفاتيح، إذن، يمكن للخالق -الذي نحن صورته- أن يغير البيئة الطبيعية التي خلقها، أي يوقف انتشار المرض ويقهر الموت بطرق ندعوها نحن "معجزات".

وعلى أية حالِ، فإن الإيمان بالله والمعجزات يبدو أمرًا لايتفق مع معطيات العلم، وهذا أمر خاطئ تاريخيًا وفلسفيًا. ذلك أن العلم الحديث يدين في نشأته لأناس يؤمنون بإله واحد. يقول لويس: "يضع الناس ثقتهم في العلم، ظنًا منهم أن هناك قوانين تحكم الطبيعة، وظنهم هذا مرده إلى إيمانهم بمن وضع هذه القوانين- كتاب المعجزات". وهذا هو السبب في أن الآباء المؤسسين للعلم الحديث يؤمنون بالله بل كانوا مسيحيين يأخذون الكتاب المقدس مأخذ الجد. وسنشير إلى بعضهم وإلى مساهماتهم في نطاق تخصصاتهم العلمية: جاليليو وكبلر (علم الفلك)، باسكال (علم الهيدروستاتيكا)، بويل (علم الكيمياء)، نيوتن (حساب التفاضل والتكامل)، لينيوس (البيولوجيا)، فاراداي (الكهرومغناطيسية)، كوفييه (علم التشريح المقارن)، كلفن (الديناميكية الحرارية)، ليستر (الجراحة التطهيرية) ومندل (علم الوراثة).

كل هؤلاء الرجال آمنوا بكون منظم، وأن هناك إمكانية لاكتشاف كيف يعمل، ذلك لأنهم كانوا على قناعة بأن برهان "التصميم الذكي" في الطبيعة يُشير إلى وجود خالق ذكي. وكما كتب "كبلر" من القرن السابع عشر: "ينبغي أن يكون الهدف الرئيس من وراء دراسة العالم الخارجي هو اكتشاف النظام المنطقي الذي وضعه الله في الكون، والذي كشفه لنا من خلال لغة الرياضيات".

لم يقنعني لويس بأن هناك سبب يكمن وراء عدم الإيمان بالمعجزات والخوارق من الناحية العلمية فقط، بل أشار إلى عبثية القول: إن الناس تؤمن بالمعجزات لأنهم يجهلون القوانين الطبيعية التي كشف عنها العلم. ذلك أن المعاصرين للسيد المسيح في فلسطين في القرن الأول لم يكونوا على دراية تامة بعلماء الفيزياء الحديثة، ومع ذلك كانوا يدركون تمامًا أن ميلاد يسوع من عذراء أو شفائه للأبرص لهي أحداث تعارض المسار الطبيعي للطبيعة، وإلا ما كانوا يعتبرونها معجزات.

وكما أخبرنا إنجيل متى، أراد يوسف أن لايستمر في ارتباطه بمريم وقرر أن يبتعد عنها، ذلك لأنه كان يعرف كما نعرف أنت وأنا، أنه لايمكن لامرأة أن تحبل دون أن تقيم علاقة مع رجل. وبالمثل، قيل في إنجيل يوحنا أن توما "الشكاك" رفض أول الأمر أن يؤمن بما قاله بقية التلاميذ من أن يسوع قد قام من بين الأموات، لأنه كان يعرف كما يعرف كثير من الملحدين في أيامنا هذه أن الضحايا الذين صُلبوا في العصر الروماني يموتون ولايمكن أن يعودوا إلى الحياة مرة ثانية. لذا، من غير المعقول أن نرفض كل ماقيل عن المعجزات وننظر إلى الذين نقلوها إلينا بوصفهم شهود سذج. إذن، علينا أن نفحص الأدلة على كلامهم بعقل منفتح. فإن فحصنا ما رواه العهد الجديد من معجزات صنعها يسوع، سنجد -كما يقول سي أس لويس- أننا نقف وجهًا لوجه أمام حقائق هامة ومثيرة. ولن نجد حكايات خرافية -تتحدث عن حيوانات وضفادع تتحول إلى أميرات- بل سنجد أمورًا أكثر عقلانية وأكثر قبولًا. ذلك أن مانراه في معظم معجزات يسوع ماهو إلا ما صنعه الرب في العالم الطبيعي الذي خلقه. لذلك، وعلى سبيل المثال، تنمو بذور الحبوب التي خلقها الله في الحقول الشاسعة ويتم حصاد القمح الذي يتحول إلى آلاف وآلاف من أرغفة الخبز. وهو نفس ما تم في معجزة إشباع الخمسة آلاف التي صنعها يسوع في نطاق محلي وبشكل سريع. وبالمثل، دائمًا مايحول الله الماء إلى خمر، وذلك بفعل أشعة الشمس والمطر وتأثيرهما على الكروم، إلى جانب دور البشر في جميع مراحل صناعة النبيذ. وفي عرس قانا الجليل (كما جاء في إنجيل يوحنا)، فإن يسوع المسيح وهو الاله الخالق المتجسد، حول الماء إلى خمر أيضًا، ولكن على نطاق محلي وبشكل أسرع.

ونفس هذا الكلام يمكن أن ينطبق على معجزات الشفاء التي صنعها يسوع أيضًا. أما الجنس البشري الذي خلقه الله، فيتعافي دائمًا من علله وأمراضه من خلال التحفيز الطبي لأجهزة المناعة التي جعلها الله في أجسادهم. لذلك، عندما شفى يسوع الأبرص بلمسة من يده أو كلمة من فمه، فنحن هنا نرى الله مرة أخرى بوصفه الطبيب الشافي ولكن في نطاق محلي وبشكل سريع كما سبق وقلنا. وبعبارة أخرى، والكلام هنا لسي أس لويس: أن القصد من معجزات يسوع ليس إظهار محبة الله للبشر فقط، بل ليعلن لمن حوله ولنا نحن أيضًا حضور الخالق الفادي وسطنا. وقد أقنعني بمعقولية مارواه العهد الجديد عن معجزات يسوع. هذا إلى جانب أن كتابات لويس ساعدتني على فهم معنى إيمان المسيحية بالثالوث "الله المثلث الأقانيم" ولماذا جاء " الله الابن"، الأقنوم الثاني في الثالوث إلى عالمنا في شخص يسوع المسيح، ليموت عن خطايانا ويهزم الموت لصالحنا.

وكما أوضح لويس في كتابه الممتع، المسيحية المجردة، أن الله هو الحب المتجسد، ولأنه الخالق، فهو النبع الإلهي وأصل كل محبة للخليقة بشرية كانت أم (حيوانية). ولأن المحبة تنطوي على علاقات بين البشر، فلماذا نندهش حين نكتشف أن الله في جوهره اتحاد في المحبة بين ثلاثة أقانيم متمايزة -وبحسب ماجاء في العهد الجديد " الآب"، "الابن" و "الروح القدس". وبالطبع، فإن هذا الإعلان يبدو للوهلة الأولى مذهل وغريب، ولكنه لن يبدو غير منطقي حين تمعن التفكير فيه. وينطبق نفس الشئ على فكرة الوحدة في التعدد والتي تبدو محيرة ومتناقضة. كيف يكون الله اتحاد بين ثلاثة. يقول لويس: مايبدو مستحيلًا بالنسبة لنا في وجودنا الإنساني، لايبدو مستحيلًا بالنسبة للوجود الإلهي.

ولنذكر تشبيهًا مفيدًا لهذا الأمر، فأنت لايمكنك أن تصور اتحاد ستة مربعات منفصلة في عالم ثنائي الأبعاد، ولكنك تستطيع أن تصور مكعبًا في شكل ثلاثي الأبعاد. وكما أن المكعب عبارة عن جسم واحد مكون من ستة مربعات، هكذا الله، جوهر واحد وثلاثة أقانيم متمايزة. ومرة أخرى، ربما كان هذا الإعلان صادمًا، لكنه لايبدو غير منطقي. يقول لويس: إن هذا مايعطي المسيحية ذلك المذاق الغريب والمميز للحقيقة. كما يمنحنا معلومات عن الله لم تخطر على قلب أحد من قبل، ولاتزال تكشف لنا المزيد عن الله. نعم، هناك غموض في الأمر قد يستعصي على أفهامنا، لكنه ليس ضدها. وهذا بعينه ما كُنّا نتوقعه في حالة وجود إله. ولابد أن أؤكد هنا على أن المفهوم المسيحي لطبيعة الله الثالوثية ليس هو ببساطة ما اخترعه بعض اللاهوتيين المسيحيين بعد عقودٍ من موت المسيح وقيامته. لقد انبثق هذا المفهوم تلقائيًا وبشكل طبيعي حين فهم تلاميذ المسيح وأتباعه الأثار المنطقية المترتبة على حياته وتعاليمه، وانعكس ذلك على ماقاله عن علاقته بأبيه وأنه والآب واحد. ولأن الحب هو قلب هذه العلاقة، وهو مايفسر لنا لماذا خلق الله الكون وأعطانا هبة الحياة، كما يخبرنا أيضًا، أن خطة الله لخلاص الجنس البشري استلزمت أن يأتي إلى عالمنا ويظهر في الهيئة كإنسان، ويموت ميتة قاسية في عهد بيلاطس البنطي. وكما قال سي أس لويس في كتابه " المسيحية المجردة": "نحن قد تغربنا عن الله"، والمعضلة التي تواجهنا كخليقة ساقطة، وسواء أدركنا هذا أم لم ندركه، أن تغربنا عن الله هو نتيجة حتمية للضعف الأخلاقي الذي ورثناه من أسلافنا الذين تمردوا على الله ذلك الضعف الذي أصاب أفكارنا، دوافعنا وسلوكياتنا، كل هذا جعلنا في حالة انفصال عن الله. وقد يبدو هذا غير عادلٍ، قاسٍ، بل ولايمكن تصديقه، ذلك لأننا كائنات يمتزج الخير بالشر داخلها (دائمًا مانقول: ليس أحد كامل"، ولأننا كائنات ساقطة، فلايمكننا ان نكون كاملين. وإن استعنا بلغة الكتاب المقدس، فإن الله ليس محبة فقط، بل خير وعدل أيضًا، لذا فهو قدوس على وجه الإطلاق. وتتطلب عدالته أن يتحمل البشر النتائج المدمرة المترتبة عن ابتعادهم عن الله واستهانتهم بمشيئته.

وتلك معضلة أخرى، فنحن -أنا وأنت- لم نتمرد على الله منذ فجر الخليقه، ولكننا، مثلنا مثل كل البشر منذ ذلك الوقت، قد تضررنا أخلاقيًا وروحيًا بسبب انقطاع الحبل السُري الروحي الذي كان يصل مابين الله والإنسان في جنة عدن. لذا فإن الحب، الخير والفرح الإلهي لم يعد يتدفق إلى قلب الإنسان في يسر بل صار هناك عائق منيع. فقد فسدت طبيعتنا، صرنا مثل أوعية منكسرة غير قادرة على أن تحتفظ بماء الحياة الإلهية داخلها. هذا إن نظرنا إلى حالتنا من وجهة نظر الله. أما إن فحصنا الأمر من خلال وجهة نظرنا كبشر، فلن نجد حلًا لهذه المعضلة. ولكي نتصالح مع الرب، لابد من دفع الدين وتمزيق الصك المكتوب علينا بسبب خطايانا وآثامنا، ولكننا مفلسون. كما أن المصالحة مع الله تتطلب توبة كاملة، وهذا بدوره يحتاج إلى إنسان صالح، والتوبة ليست مجرد اعتذار لله أو أن تقول له: أسف يا سيدي، بل تتطلب تسليم حياتنا له.

وإن أردنا أن نعيد الصلة مع خالقنا، علينا ألا نتمركز حول ذواتنا، ولكن مايحول دون ذلك هو، أننا كلما ازددنا سوءًا وكبرياءً صار من الصعب علينا أن نعيد تلك الصلة. فماذا يفعل الله أمام هذا المأزق؟ كيف سيحل هذه المعضلة؟ كيف يصالح عدله مع رحمته؟ كيف يُخَّلص البشرية التي خلقها حبًا من النتائج المدمرة التي جلبتها على نفسها من جراء سوء استخدامها لحرية الإرادة؟ وبعبارة أخرى، كيف يخلصنا الله من الموت والانفصال عنه في الأبدية؟ علينا أن نكون واضحين ومدركين لما ينطوي عليه هذا، حتى وإن بدا مزعجًا.

وأن نكون منفصلين عن الله في الأبدية، فهذا معناه أننا سنكون في حالة انفصال إلى الأبد عن مصدر كل حياة، محبة، فرح وحق وكل جمال. وما أرهبه مصير نذهب إليه، وقد تحدث يسوع عن هذا المصير المرعب في الأناجيل. إذن، ماهي خطة الله للخلاص، وكيف لنا أن نعيد الصلة بخالقنا؟ ووفقًا لسي أس لويس، يمكن لله أن يخلصنا بأن يصير بشرًا مثلنا ويموت نيابة عنا، ذلك لأنه وبهذه الطريقة فقط كان يمكنه أن يجعلنا نجوز في عملية موت الذات، تلك التي بدونها لايمكننا تقديم توبة حقيقة أو نعيد الصلة معه.

وكما أننا قادرون على التفكير، لأن الله خلق عقولًا لنا، ويمكننا أن نغذي ذكاءنا، هكذا يمكننا أن نقدم توبة ونسلم أنفسنا له أيضًا. ذلك لأن القدرة على الموت عن الذات صارت الآن جزءًا من طبيعة الله في شخص يسوع المسيح، ويمكنه أن ينقلها لنا من خلال اتحادنا به. وفي شخص يسوع صارت لنا القدرة على أن نتحد ثانية بالرب، إن كان هذا اختيارنا. ذلك لأنه وبوصفه إنسان، وهو ممثلنا أمام الآب، فبموته على الصليب سدد ماعلينا من دين للعدالة الإلهية، ومزق صك خطايانا. والأمر يشبه قاضٍ فرض عقوبة على ابنه المذنب، ثم خلع عنه رداء القاضي وتحمل العقوبة عوضًا عن ابنه. وهكذا تحمل يسوع، وهو الله "الابن المتجسد" عقوبة خطايانا عوضًا عنا. ولأنه إله وإنسان، فقد هزم الموت وقام من القبر من أجلنا، وهدم الحاجز المتوسط الذي يفصل بين البشرية الساقطة وخالقها. وهذا هو معنى الكفارة والقيامة.

ولقد اقتنعت بما قدمه سي أس لويس من أدلة تثبت صحة ماجاء بالعهد الجديد ومنطقية الرسالة المسيحية، وقد فحصت تلك الأدلة من وجهة النظر التاريخية. ومرة أخرى، المزيد من التدقيق في فحص الحقائق أجبرني على أن أتخلى عن تحيزاتي ضد المسيحية. وأول مالاحظته كان، الأدلة الداخلية على صدق ماجاء بالإنجيل.

وبعيدًا عن أية دعاية تخدم الأغراض الشخصية، سجلت الأناجيل ضعفات وسقطات تلاميذ السيد المسيح بكل صدق، كما أشارت إلى عدم قدرتهم على فهم مايقوله مرات عديدة. والمثال الأكثر شهرة هنا هو بطرس، الذي لم يصدق تحذيرات يسوع له بأنه على وشك أن يُقبض عليه، ويُسّلم للموت، وقد وبخه يسوع بشدة على ذلك. ولاحقًا، وفي العشاء الأخير، أقسم بطرس أنه لن ينكر يسوع ولو أنكره الجميع، ولكن ماذا حدث، ففي ساحة منزل رئيس الكهنة، وبعد أن أُلقي القبض على يسوع في جثيسماني، أنكره بطرس، وأنكر كل صلة به. أما بقية التلاميذ، فلم يكن حالهم أفضل. ففي إحدى المناسبات اختلفوا فيما بينهم حول من منهم سيتبوأ المراكز العظمى في المملكة المسيانية. وفي مناسبات أخرى، بدا أنهم جميعًا بما فيهم بطرس غير راغبين أو قل غير قادرين على قبول تعاليم يسوع عن نفسه بأنه المسيا، وأنه يجب أن يتألم ويموت فداءً عن كثيرين. وليس من المستغرب أن نجدهم جميعًا يتخلون عن يسوع في أشد لحظات محنته في بستان جثيسماني. وأكثر من ذلك، فإنهم جميعًا أخذتهم الدهشة حين سمعوا أن يسوع قد قام من بين الأموات، على الرغم من أن يسوع، وقبل أن يُقبض عليه، قد أخبرهم بأنه سيقوم من بين الأموات. وواقع الأمر، أن هذه الحقيقة، والتي انعكست على تباطؤهم في قبول شهادة النسوة ومارأوه بعيونهم، تقدم دعمًا قويًا لمصداقية الإناجيل ودقتها، ودليل قوي على صحة القيامة. كل هذا، أتى بي في نهاية الأمر إلى أثنين من الأسباب القوية والمقنعة لإيماني بحقيقة الرسالة المسيحية والرواية التي تأسست عليها: أي حقيقة القبر الفارغ والتي لايمكن إنكارها، علاوة على سيرة حياة الشهداء وأتباع يسوع المقربين. وكما قال "فرانك موريسون" وهو من الشكوكيين، في كتابه الرائع "من دحرج الحجر؟": لا أحد من أعداء يسوع أو من معارضي الكنيسة المسيحية الوليدة استطاع أن يُنكر اختفاء جسد يسوع من القبر حيث دفنه يوسف الرامي. وعلى الرغم من وجود الحافز الديني والسياسي لفعل ذلك، إلا أن السلطات الدينية اليهودية التي أدانت يسوع إلى جانب السلطات الرومانية التي صلبته، أقول، لم يستطع أي منهم أن يُخرج جسد يسوع من القبر، ولذلك، قامت بتكذيب ما يبشر به التلاميذ من أن يسوع قد قام. ولو كانت نجحت في ذلك ما انتشرت المسيحية، ولكنها لم تفعل، لأنها لم تستطع أن تفعل.

ثانيًا، إن حقيقة القيامة ولقاءات التلاميذ مع المسيح المقام تعطينا تفسيرًا كافيًا للتغيير الذي حدث فيهم، وسيرتهم اللاحقة. وبعد أن كانوا مجموعة من الرجال الخائفين، اليائسين والمحبطين، خرجوا علانية إلى النور، وتحولوا إلى مجموعة من المبشرين الذين يتسمون بالبطولة والفرح الذي يملأ حياتهم، صاروا كارزين بالإنجيل بجرأة ودون خوف. وكم تحملوا من اضطهادات وآلام.
وأكثر من ذلك، أن جميعهم ذاقوا العذابات حتى استشهدوا جميعًا عدا يوحنا. وثلاثة منهم، من بينهم بطرس، صُلبوا. وأثنان رُجموا حتى الموت، واثنان قُطعت رأسيهما، أما توما فرُمي بالسهام ومات في الهند، وأُعدم فيلبس على عمود في فريجية، وتلميذ آخر ضُرب حتى الموت، أما برثلماوس " نثنائيل" فقد سُلخ جلده وهو حي في أرمينيا .

ولو استطاع التلاميذ أن يسرقوا جسد يسوع (كما زعم أعداؤهم)، فكيف نفهم تحملهم كل هذه العذابات من أجل شئ هم يعلمون تمامًا أنها مجرد كذبة؟ ومن الناحية النفسية، يمكننا القول: إن هؤلاء الرجال قد تحطموا عاطفيًا من جراء القبض على يسوع وصلبه. فهل وهم في هذه الحالة يكون لديهم الإرادة، الدافع، القوة أو الشجاعة لكي يحاولوا أن ينتزعوا جسد يسوع من بين يدي الجنود الذين يحرسون قبره؟ وقد انهارت شكوكي عن القيامة حين وصلت إلى الحقيقة الهامة التي لايمكن إنكارها، ألا وهي: أن القديس بولس، رسول الأمم العظيم، والذي كان من أشرس مضطهدي الكنيسة منذ وقت مبكر. وكان متحمسًا لاعتبار أن مايقوله المسيحيون عن شخص يسوع المسيح لهو تجديف خطير. وأن من يعتنقون هذا الإيمان يستحقون السجن، الضرب والموت. ثم، وعلى حين غرة، تغير هذا الرجل إلى النقيض تمامًا، بل وصار أعظم مبشري الكنيسة الناشئة وأكثرهم ترحالًا، والعجيب، أن هذا التحول تم أثناء رحلة قام بها لاستئصال هذه البدعة الجديدة " من وجهة نظره"! كما أن لقاءه بالمسيح المقام على طريق دمشق ، يمكن أن يُفسر لنا هذا التحول الدراماتيكي الذي حدث للقديس بولس. ومايعزز هذا الاستنتاج، ما أخبرنا به القديس بولس في إحدى رسائله الرعوية ، حيث أشار إلى شهود متنوعين ممن ظهر لهم الرب بعد قيامته، وأن الكثير منهم كان لايزال على قيد الحياة حتى وقت كتابته للرسالة ( أنظر الرسالة الأولى إلى كورنثوس 15: 31 ) (http://biblia.com/bible/esv/1 Corinthians 15.310)).

فهل كان يجرؤ أن يقول كل هذا، ويضع نفسه أمام تحدٍ كبير وهو استجواب هؤلاء الشهود الذين كانوا على قيد الحياة لو لم يقم يسوع من بين الأموات؟ وهل كان له أن يتحمل ماتحمله الرسل من قبل أي السجن والضرب والرجم ثم تُقطع رأسه في نهاية المطاف في سبيل رسالة هو يعلم تمام العلم أنها باطلة؟ وإني كلما فكرت في كل هذه النقاط، ازدادت قناعتي بأن الأدلة على مصداقية الأناجيل والعهد الجديد برمته كانت أدلة ساحقة. وبعيدًا عن أية اعتبارات أخرى، فإن الصورة التي قدمتها الأناجيل عن يسوع كانت حية وقوية. ترى على صفحاتها يسوع وهو يتحدى الأقوياء، ويواسي الفقراء، يفضح المرائين ويشفي المرضى ومنكسري القلوب، يعامل المرأة على قدم المساواة ويتعامل برقة مع الأطفال. والأمر اللافت للنظر، أنه حين تحدث عن وضعه الإلهي "من رآني فقد رأى الآب"، لم يبد أية علامات على الجنون أو جنون العظمة. بل على العكس من ذلك، كان يتكلم كمن له سلطان، ولم يستطع أعداؤه أن يجادلوه أو يخادعوه. وواقع الأمر، لم يقدروا أن ينكروا معجزاته، بل لم يكن هناك إلا مجرد اتهام له بالشعوذة!، وإن كان الله قد جاء إلى عالمنا وعاش وسار بيننا كإنسان، فإني أؤمن أنه يسوع.

وأخيرًا، فإن المسمار الأخير الذي دُق في نعش إلحادي السابق هو إدراكي أن هناك أدلة خارجية قوية على أصالة الأناجيل ومصداقيتها. وهناك، وقبل أى شئ، مراجع هامة تعزز وجود يسوع وموته في كتابات المؤرخين من الرومان من أمثال تاسيتوس وستونيوس، وهناك تالوس من القرن الأول أيضًا. كما أن هناك أدلة مماثلة داعمة تروي تفاصيل عن حياة يسوع وموته من مصادر غير مسيحية مثل التلمود اليهودي. ولنقتبس من كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي في القرن الأول حيث كتب حوالي عام 93 يقول: (في ذلك الوقت "زمن بيلاطس البنطي"، كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع. كان سلوكه جيدًا، وكان معروفًا بفضائله. وقد صار الكثيرون من اليهود والأمم غير اليهودية تلاميذًا له. وحكم عليه بيلاطس أن يُصلب ويموت. أما الذين صاروا تلاميذه، فظلوا أوفياء لمعلمهم. وقد قالوا أنه ظهر لهم ثلاث مرات بعد الصلب، وأنه حي. وبناء على ذلك، فربما كان هو المسيا الذي تنبأ عنه الأنبياء، وتحدثوا عن العجائب التي سيقوم بها). وبالإضافة إلى ماسبق، وفيما يتعلق بالآثار اليهودية، فإن المخطوطات الدالة على صحة ومصداقية نصوص الإنجيل ترجع إلى وقت مبكر، وهي تفوق أية مستندات أخرى تتحدث عن الأزمنة القديمة عددًا. كما أن ماقام بتوثيقه إنجيل لوقا وتتمته، أي سفر أعمال الرسل، تضمنت الكثير من التفاصيل السياسية، القانونية، الطبية، الثقافية والطبوغرافية. الأمر الذي تؤكده الأدلة الأثرية ومصادر عديدة وغزيرة من المصادر غير المسيحية. وعلى سبيل المثال، ماكتبه الباحث والمؤرخ الكلاسيكي "كولين هيمر" في دراسة له بعنوان "سفر الأعمال في إطار التاريخ الهلنيستي"، أن هناك 84 حقيقة فاصلة في الإصحاحات الستة عشر الأخيرة من سفر الأعمال قد أثبتتها الأبحاث الأثرية والتاريخية. وأمام هذه الحقائق والنقاشات الفلسفية،العلمية والتاريخية، لم أملك إلا أن أسَّلِم سيف إلحادي للرب، وأطلب من سيدي ومخلصي يسوع المسيح أن يغفر لي خطاياي وأن يدخل حياتي، حدث هذا في صيف 1976 وكان صيفًا حارًا جافًا. ولم أندم قط على هذا القرار على الرغم من تذبذب قوة إيماني أحيانًا صعودًا وهبوطًا. وعن طريق الصلاة والعبادة والشركة مع المؤمنين الآخرين، شعرت أني بدأت أعرف يسوع معرفة شخصية وازددت فهمًا لمدى اتساع وارتفاع وعمق محبته لي ولكل خليقته.

وأخيرًا أقول، إن كانت رحلتي من الشك إلى الإيمان قد ساعدتك عزيزي القارئ على أن تتفهم حقيقة الإيمان المسيحي، فكل ما أرجوه وأصلي من أجله أنك تختبر فرح عودة علاقتك بخالقك، أطلب من يسوع المسيح أن يغفر لك خطاياك وأن يأتي إلى حياتك. وهو يتطلع إليك وينتظرك بشوق أن تتخذ خطوتك الأولى. وعلى الجانب الآخر، إن كنت مازلت متشككًا في شهادتي هذه، ولديك الاستعداد لاستكشاف المزيد من هذه القضايا، فإني أدعوك أن تقرأ كتاب ل. جيسلر وفرانك تريك "ليس لدي الإيمان الكافي لأكون ملحدًا".
I Don’t Have Enough Faith to be an Atheist, by Norman L. Geisler and Frank Turek, (Crossway, USA, 2004)
وهو كتاب ممتع ومملوء بتفاصيل هائلة ومثيرة، إلى جانب الأدلة الفلسفية والعلمية على وجود الله. هذا إلى جانب الأدلة التاريخية والأثرية على صحة العهد الجديد ومصداقيته. ليتك تقتنيه، فستجد حلولًا لكثير من شكوك وإجابات لكثير من اعتراضاتك وأسئلتك.


http://www.sawtonline.org/from-atheism-to-christianity-a-personal-journey

from%20atheism%20to%20Christianity.jpg
 
أعلى