طبعا كالعادة لا مزيد على ما كتبه أستاذنا الحبيب
أيمن ربنا يبارك عمله. كم نحتاج حقا هذا "الضبط" أمام فوضى الأفكار والآراء والتصورات. ولكن حتى لا يجزع الناس: لا يكتمل الكلام حقا إلا بالتأكيد على هذه العبارة التي ذكرها باختصار والتي ربما بالتالي لا ينتبه البعض إليها:
.... لا راحة في الأرض إطلاقاً سوى راحة قلب داخليه بنعمة الله
أي أن شقاء العالم لا يعني أننا حقا أشقياء، أو
بالضرورة أشقياء! أبدا! هذا نفسه يتعارض أيضا مع الكتاب، مع قول المسيح والرسل والآباء وحتى مع مواعيد الروح نفسه:
وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، إلخ.
شقاء العالم مصدره ببساطة أن المسيحي في حالة "
تعارض طبيعي" مع هذا العالم، كما أن هناك تعارض طبيعي بين النور والظلمة، أو بين الحقيقة والوهم، أو بين التحرر والعبودية. هذ الشقاء بالتالي "
حتمي" كما أوضح الأستاذ أيمن. ولكن حتمية الشقاء لا تعني بحد ذاتها أن نشقى حقا أو أن نحزن. العالم يفرض علينا الشقاء لكنه لا يفرض "
استجابتنا" أمام هذا الشقاء. لا يفرض أي "
موقف" سوف نأخد تجاهه.
بعبارة أخرى: نحن في "
تعارض" مع العالم، نعم، لكننا لسنا في "
صراع" معه! بالعكس تماما: يقول له المجد
«لا تقاوموا الشر»! لأن المقاومة بحد ذاتها هي
هزيمتنا حتى قبل أن تبدأ المعركة! بل هذه فقط هي في الحقيقة
الحرب كلها! المقاومة تحديدا هي كل ما يريده الشر لكي يتأكد انتصاره! إذا كان العالم يرميك بسهام الكراهية فأي انتصار لك حقا حين ترميه بنفس السهام؟ الظلمة لا تنهزم بمزيد من الظلمة، هذا بالعكس انتصارها! فقط بالنور تتراجع الظلمة. كذلك الشر لا يمكن هزيمته إلا بالخير، المنع لا يمكن هزيمته إلا بالعطاء، الكراهية لا يمكن هزيمتها إلا بالمحبة!
«في العالم سيكون لكم ضيق»: هذا للأسف هو كل ما يتذكره الإنسان العتيق ويردده ويخاف منه! ولكن انظر أيها الأحمق ما قبلها وما بعدها:
«قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم»!
ويشرح أوغسطين:
«متهللين وغالبين! في من؟ فيه. فإنه ما يُحسب غالبًا للعالم إلا لكي تغلب أعضاؤه العالم. لهذا يقول الرسول: "شكرا لله الذي يعطينا الغلبة" مضيفا في الحال: "بربنا يسوع المسيح"»!
وأما آيات الفرح ـ رغم الشقاء ـ فهي أشهر وأكثر من أن نذكرها. بل هو
فرح دائم في الحقيقة ـ
«كحزانى ونحن دائما فرحون»!
الشكر ختاما للأحباء
أيمن وأوريجانوس على هذا الحوار الهام. هذه مجرد إضافة بسيطة كان لابد منها، لتأكيد معانٍ ربما غابت في سياق الكلام، أيضا حتى لا يخاف أبدا أولاد العليّ أبناء النور أبناء النهار ـ وهم قطعا الغالبون ـ من ظلمة العالم مهما اتسعت أو من شروره مهما ارتفعت! إن هزيمتنا بل ضياعنا كليا يبدأ حين نطلب الفرح من هذا العالم أو نبحث عن السعادة فيه أو نلتمس الحب عند الآخرين. انتصارنا في المقابل وتحررنا الكامل يبدأ فقط حين ندرك ـ ندرك عميقا ـ أننا
بالفعل نملك كل ذلك! أن ذلك كله في الحقيقة ينبع بل يفيض أنهارا
داخلنا لا خارجنا! أننا نحن أنفسنا ـ بنعمته تبارك اسمه ـ بالأحرى
مصدر كل فرح وسعادة ومحبة في هذا العالم!