رد على: الاعتراف
الاعتراف القانونى المقبول من الله يقوم على ثلاثة أشياء لا يمكن الاستغناء عن أى منها، وهى: (1) توبة من القلب ، (2) الاعتراف الشفهى بالفم بخطاياى ، (3) العمل الإيجابى لإصلاح ما أفسدته بخطاياى وأخطائى ، ولعدم الرجوع إليها.
وذلك يتشابه مع حقيقة أن الإيمان ينبغى أن يكون بالقلب وبالفم معاً : [ لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص ] رو 10: 10، وكذلك مثلما أن المحبة يجب ألا تقتصر على الكلام بل بالعمل أيضاً: [ لا نحب بالكلام واللسان بل بالعمل والحق ] ايو 3: 18 ، فهى عناصر تتكامل معاً.
لذلك يجب أن يكون الاعتراف بالثلاثة معاً : بالقلب والفم والعمل ، وإلا أصبح اعترافاً ناقصاً وغير قانونى وغير مقبول من الله.
إذا يجب أن يمتلأ القلب بالندم على الخطايا . . . . ثم يعترف بها الفم ، لأن: [ من يكتم خطاياه لا ينجح ، ومن يقـر بها ( يعترف شفهياً) ، ويتركها، يرحم] أم 28: 13 . . . . ثم بعد الاعتراف الشفاهى بالفم تبقى خطوة ثالثة هامة، وهى إصلاح ما أخطأنا فيه ، مثل أن يرد السارق ما سرقه، ومثل أن يكشف صاحب الأكاذيب عن حقيقة الأمور ، ومثل أن يعتذر الشاتم إلى من شتمه أو أهانه، وإن كانت الإهانة علنية فيجب أن يكون الاعتذار علنياً أيضاً، من أجل رد اعتبار وكرامة الذين أهانهم . . . . كما يجب الاحتراس وقمع الشهوات لتجنب عودة السقوط فى الخطايا، لأن الوقاية أفضل.
س7: ولكن كيف يكون الاعتراف الشفاهى بالفم؟ إلى من؟؟
ج7: وضع الله نظاماً لا يتغير لكل نواحى العمل الدينى مثل الكرازة والتعليم والتعميد والاعتراف… الخ. وهذا النظام يقوم على مبدأ أن يخدم بعض البشر – المنتخبين – بعضهم الآخر، ولا يقوم الله بنفسه مباشرة بالعمل الدينى ( بل وحتى خدمة الخلاص ، فإن الله قام به من خلال تجسده وتأنسه، لكى تكون خدمة الخلاص من خلال الناسوت المتحد به كل ملء اللاهوت ، وليس من خلال اللاهوت وحده منفرداً )، ولذلك فإن الله اختار الرسل القديسين وكلفهم بالخدمة الدينية بكل أوجهها من كرازة وتعميد... الخ .
وهم بهذه الصفة لا يغفرون الخطايا بسلطانهم الذاتى ولا بإسمهم الشخصى، بل بسلطان التوكيل الإلهى وبإسم الله الذى منحهم أن يكونوا: [ وكلاء أسرار الله ] ا كو 4: 10 ، إنه سلطان الشرعية لخدمة الأسرار الإلهية.
و (( وكلاء أسرار الله )) هم الأباء الكهنة ابتداءً من الأباء الرسل وحتى الآن، وهم كهنة العهد الجديد لأنهم [ خدام عهد جديد ] 2 كو 3: 6 .
وكلمة كاهن معناها رجل الدين (21) الذى يخدم الأسرار الإلهية ، وهى كلمة مكرمة جداً جداً لأن رب المجد نفسه تسمى [ رئيس كهنة ] عب 4: 14 ، لأنه قدم ذاته ذبيحة مقدسة عن خطايا العالم كله. كما أن الرسل تسموا كهنة ، مثل بولس الرسول الذى تسمى كاهناً ( رو 15: 16) ، لأنهم يخدمون نفس ذبيحة المسيح المقدسة الواحدة.
والإنجيل أوضح أن الكهنوت لم يلغى، بل قد تغير ( عب 7: 12) من الكهنوت العتيق اليهودى ( القائم على ذبائح حيوانية متكررة لا تفيد شيئا إلا بكونها رمزاً لذبيحة الله الكلمة المتجسد ) إلى كهنوت العهد الجديد المسيحى الذى يقوم على الذبيحة الواحدة الغير متكررة، ذبيحة المسيح على الصليب، التى من استحقاقاتها اللانهائية تقوم كل الأسرار الإلهية فى الكنيسة.
وقد انتقل سلطان التوكيل الإلهى لخدمة الأسرار الإلهية ( وهو سلطان الكهنوت ) من الرسل إلى الأساقفة والقسوس الذين أقاموهم، ثم من هؤلاء الأساقفة إلى الأجيال التالية، فأصبحوا هم أيضاً وكلاء الله ( تى 1: 5، 7) ، وذلك لأن الرب لم يعطى هذا السلطان للرسل ليكون قاصـراً عليهم ثم ينتهى ويضيع مع انتقالهم، بل ليكون لخدمة وبنيان الكنيسة فى كل العصور.
وإلى الآن لا تزال شرعية العمل بالتوكيل الإلهى ( سلطان الكهنوت ) مستمرة فى الكنيسة الأرثوذكسية من جيل شرعى إلى جيل شرعى من الأباء الكهنة - أساقفة وقسوساً - بلا انقطاع.
وكما سبق وذكرنا ، فإن أخذ الاعترافات ومنح غفران الله، هو أحد هذه الأسرار الإلهية ( يو 20: 22، 23). ولذلك فإن الاعتراف القانونى بحسب النظام الذى وضعه الله بنفسه، يكون أمام الأباء الكهنة - الذين هم : وكلاء أسرار الله- من خلال سر الاعتراف لغفران الخطايا.
وبسبب هذا النظام الإلهى فإن الإنجيل يقول: [ أمريض أحد بينكم فليدعو شيوخ الكنيسة ( أى رجال الكنيسة، أى رجال الدين وهم الآباء الكهنة) فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت بإسم الرب… وإن كان قد فعل خطية تغفر له ، إعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض لكى تشفوا ] يع 5: 14-16.
ونلاحظ هنا أن الإنجيل لم يطلب من المريض أن يدهن ذاته بذاته ولا بأن يعترف باطنياً بينه وبين نفسه بخطاياه، بل قال: [ اعترفوا بعضكم لبعض ، بالزلات ] ، وهكذا أكد الإنجيل مرة أخرى بأن الاعتراف القانونى يجب أن يكون منطوقاً به وليس مكتوماً باطنياً، لأن: [ الذى يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم ] أم 28: 13 ولكن ذلك لا يلغى ضرورة أن تسبقه التوبة القلبية وأن يعقبه العمل الإيجابى، وهو الأمر المذكور فى مواضع أخرى، لأن آيات الإنجيل كلها تتكامل معاً.
كما أنه من البديهى أن يكون الاعتراف الذى يأمر به الإنجيل هو من المريض إلى الآباء الكهنة ، وليس العكس. فإن الإنجيل أمر المريض باستدعائهم لكى يصلوا عليه والبديهى أن المريض –الذى دعاهم ليصلوا له- هو الذى يعترف بخطاياه لهم حتى يمنحوه الغفران أثناء صلاتهم عليه ، ذلك الغفران الذى وكل الله به رجال كنيسته ( يو 20: 22، 23) .
أما وصف الإنجيل للأباء الكهنة بأنهم (( شيوخ الكنيسة)) وليس مجرد (( رجال الكنيسة))، فذلك بسبب أن القاعدة فى اختيار الآباء الكهنة هى أن يكونوا من الرجال الكبار الناضجين - إيماناً وعقلا وسيرة- ذوى حكمة الشيوخ، حتى لو لم يكونوا فى سن الشيخوخة ، وليس من غير الناضجين ذوى: (( العود الغض )) ( اتى 3: 6، بالقبطى) وشيوخ الكنيسة هم كل رتب الكهنة ، بدءاً بالرسل أنفسهم، فالرسل أنفسهم تسمــوا شيوخاً ، مثل الرسل بولس وبطرس ويوحنا : [ بولس الشيخ] فل 9 ، [ أطلب إلى الشيوخ أنا الشيخ رفيقهم ] 1 بط 5 : 1 ، [ الشيخ ] 1 يو 1 ، ولذلك فإن الأب الكاهن الأرثوذكسى- الذى هو الابن الحقيقى للآباء الرسل- يطلق لحيته علامة على أنه من شيوخ الكنيسة، دليلاً عى أن الكنيسة الأرثوذكسية هى الإنجيلية والرسولية بالفعل والحق فى كل صغيرة وكبيرة.
كما أن الحكمة الإلهية جعلت الاعتراف بالخطايا أمام الأب الكاهن فقط، وليس علنياً أمام شعب الكنيسة كله ، وذلك منعاً للأضرار الجسيمة التى لا حصر لها، مثل: مضاعفة الإحراج على المعترفين والمعترفات بما يصل إلى درجة التعجيز ، ومثل: استغلال بعض المستمعين - من ذوى النفوس الخبيثة - لهذه الاعترافات لإذلال المعترفين وفضحهم فى كل مكان، ومثل: نقل خبرات الشرور والانحرافات من التائبين المعترفين إلى الضعفاء من المستمعين لهم ، إذ أن هذه المعرفة الفاسدة هى مثل الجراثيم، فهى تفسد نقاوة العقول ، والواجب عدم إذاعتها ونشرها، كما أن: [ ذكرها قبيح ] أف 5: 12. من أجل كل ذلك جعل الله الاعتراف أمام الأباء الكهنة فقط، لأنهم هم المؤتمنون أمامه على أسرار المعترفين، كما أن الأب الكاهن هو الأب الحنون والمرشد المملوء بحكمة الشيوخ وروح الإرشاد والخبرة الروحية ، القادر على التعامل الحكيم مع التائبين ، كمثل الطبيب القادر على التعامل بحكمة مع المريض والمرض معاً.
وفوق كل ذلك ، فإن الآباء الكهنة هم وكلاء أسرار الله، الذين أعطاهم السلطان التفويضى للغفران ( يو 20: 22ـ 23) ، فكل ما يحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء ( مت 18: 18) وبذلك تكتمل فائدة الإعتراف.
(((( منقولة من كتيب : ما هو التناول بإستحقاق --- الذى فى هذا النتدى الرائع ))))