كل يوم اية واحدة وتامل .. asmicheal

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"بأي سلطان تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السلطان؟"
[متى 21 : 23]




ولم يكن هذا التساؤل بقصد التمتّع بالمعرفة الروحيّة لبنيانهم، وإنما بقصد اقتناص الفرصة لمهاجمته، لهذا لم يُجب سؤالهم، إنّما ردّ عليه بسؤال

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضًا بأي سلطان أفعل هذا. معموديّة يوحنا من أين كانت: من السماء أم من الناس؟"
[ متى 21 : 24-25]


القديس كيرلس الكبير : [إنهم ظنّوا بهذا يجرحون مشاعره ككاسر للناموس الموسوي، إذ لم يكن من سبط لاوي بل من سبط يهوذا، ليس له حق التعليم وشرح الناموس إلخ. ولم يُدركوا أنه هو نفسه واضع الناموس.]

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
ففكّروا في أنفسهم قائلين: إن قلنا من السماء، يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قلنا من الناس، نخاف من الشعب، لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي"
[متى 21 : 26].


بقدر ما نتقدّم للسيِّد بقلبٍ بسيطٍ ندخل إلى أسراره، إذ يفرح بنا ويقودنا بروحه القدّوس إلى معرفة أسراره غير المُدركة. أمّا من يستخدم مكر العالم فلا يقدر أن يدخل إليه، بل يبقى خارجًا محرومًا من معرفته. لقد فقد الفرّيسيّون والكهنة وشيوخ الشعب بساطتهم، إذ طلبوا مجدهم الذاتي، ممّا دفعهم إلى الخوف من الناس فلم يدخلوا إلى الحق. وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [لاحظ مكر الفرّيسيّين الشديد فقد هربوا من الحق، رفضوا النور، ولم يشعروا بخوف عند اِرتكاب الخطيّة

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"أرسل إليهم ابنه قائلًا: يهابون ابني. وأما الكرّامون فلما رأوا الابن قالوا بينهم: هذا هو الوراث، هلمّوا نقتله، ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه"
[متى 21 : 37-39].


لكنهم لم يمضوا. حقًا لقد قبل اليهود العمل في الملكوت لكنهم قبلوه بالكلام دون العمل، لذلك طَردوا أنفسهم بأنفسهم من الكرْم، ليتركوا مكانهم للأمم الذين لم يسمعوا لله أولًا لكنهم عادوا ليُطيعوه. ما أصعب على نفس هؤلاء المؤتمنين على كلمة الله أن يتركوا الكراسي -بسبب عدم إيمانهم بالحق- للعشّارين والزواني الذين سبقوهم إلى ملكوت الله بالإيمان.
ظهر اليهود كأصحاب كلام بلا عمل، ففقدوا مركزهم ليحل محلَّهم من بالعمل أعلنوا ندمِهم على ماضيهم. أمّا هنا فالسيِّد يكشف لهم أنهم عبر التاريخ كلّه لم يكونوا فقط غير عاملين، وإنما مضطهِدين لرجال الله في أعنف صورة، حتى متى جاء ابن الله نفسه الوارث يُخرجونه خارج أورشليم ليقتلوه!

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرّامين؟" قالوا له "أولئك الأردياء يهلكهم هلاكًا رديًا، ويسلّم الكرْم إلى كرّامين آخرين، يعطونه الأثمار في أوقاتها" وختم السيِّد على الحكم بقوله: "أمَا قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البنّاؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قِِبَل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا. لذلك أقول لكن إن ملكوت الله يُنزع منكم ويعطي لأُمَّة تعمل أثماره. ومن سقط على هذا الحجر يترضَّض، ومن سقط هو عليه يسحقه"
[متى 21 : 40-44]


هكذا بلغ بهم السيِّد إلى النتيجة، ألا وهي الحاجة إلى هدْم البناء القديم ليقوم ملكوت الله على أساس جديد.

ما هو الحجر المرفوض؟ قيل أنه عند بناء هيكل سليمان وَجد البنّاؤون حجرًا ضخمًا، فظنّوا أنه لا يصلح لشيءٍ فاحتقروه، ولكن إذ احتاجوا إلى حجر في رأس الزاوية لم يجدوا حجرًا يصلح مثل ذلك الحجر المُحتقر. وكان ذلك رمزًا للسيِّد المسيح الذي احتقره رجال الدين اليهودي، ولم يعلموا أن الحجر الذي يربط بين الحائطين في الهيكل الجديد، يضم فيه من هم من اليهود ومن هم من الأمم، ليصير الكل أعضاء في الملكوت الجديد.


"أرسل ابني الحبيب، لعلّهم إذ رأوه يهابونه". فبعد إرساله الخدّام أرسل الابن كواحد لا يُحصى بين الخدّام إذ هو الرب والابن الحقيقي. إن كان قد أخذ شكل العبد من أجل التدبير لكنّه هو الله، ابن الله الآب نفسه، له سلطان طبيعي. فهل كرّم هؤلاء ذاك الذي جاء بكونه الابن والرب والمالك، بكونه وارثًا كل ما يخصّ الله الآب؟! لا، بل قتلوه خارج الكرْم، وقد دبّروا فيما بينهم عملًا غبيًا مملوء جهالة وشرًا، قائلين: "هلمّوا نقتله لكي يصير لنا الميراث". لكن اخبرني، كيف نقبل هذا؟ هل أنت ابن الله الآب؟ هل يكون لك الميراث طبيعيًا؟ إن كنت تطرد الوارث بعيدًا عن الطريق، فكيف تصير أنت ربًا تطمع في الميراث؟! كيف لا يكون هذا أمرًا مضحكًا وسخيفًا؟! فالرب بكونه الابن وكوارثٍ حقيقيٍ له السلطان لدى الآب قد صار إنسانًا، دعا الذين آمنوا به إلى شركة مملكته فيكون مالكًا معهم، أمّا هؤلاء فقد أرادوا نوال المملكة بمفردهم دونه، مغتصبين لأنفسهم الميراث الربّاني. هذا الهدف كان مستحيلًا ومملوء جهالة، لذلك يقول عنهم الطوباوي داود في المزامير: "الساكن في السموات يضحك بهم والرب يستهزئ بهم" (مز 2: 4). ولهذا طرد رؤساء مجمع اليهود بسبب مقاومتهم إرادة الله، مطالبًا إيّاهم بتسليم الكرْم الذي أُؤتُمنوا عليه ولم يُثمر. لقد قال الله في موضع آخر: "رعاة كثيرون أفسدوا كرمي، داسوا (دنّسوا) نصيبي، جعلوا نصيبي المشتهَى برّيّة خربة، جعلوه خرابًا" (إر 12: 10). وقيل على لسان إشعياء: "قد اِنتصب الرب للمخاصمة وهو قائم لدينونة الشعوب، الرب يدخل في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم، وأنتم قد أكلتم (حرقتم) الكرم" (إش 3: 13-14). فإذ ردُّوا الأرض بلا ثمر كأشرار، فإنهم بعدلٍ يسقطون تحت ضيقات قاسية بسبب إهمالهم وقتلهم للرب.

"ويعطي الكرم لآخرين"، من هم هؤلاء الآخرون؟ أجيب إنهم جماعة الرسل القدّيسين، والمبشّرون بالوصايا الإنجيليّة وخدّام العهد الجديد. الذين يعرفون كيف يهذّبون الناس بطريقةٍ لائقةٍ بلا لومٍ، ويقودونهم في كل شيء بما يَسُر الله بطريقة رائعة. هذا ما تتعلَّمه من قول الله على لسان إشعياء لأُمَّة اليهود أي مجمعهم: "وأرُد يدي عليكِ... وابحث عنك لأُنقّيكِ والذين لا يطيعونني يهلكون، وأنزع عنكِ فاعلي الشرّ وأخضع المتعجرفين، وأعيد قُضاتك كما في الأول ومشيريكِ كما في البداءة" (إش 1: 25) إلخ. وكما قلت يُشير بهذا إلى مبشري العهد الجديد الذين قيل عنهم في موضع آخر في إشعياء: "أمّا أنتم فتُدعون كهنة الرب، تُسمُّون خدّام الله" (61: 6). أما كون الكرْم قد أُعطيَ لكرّامين آخرين، ليس فقط للرسل القدّيسين، وإنما أيضًا للذين جاءوا بعدهم، وإن كانوا ليسوا من دم إسرائيلي، فهذا يعلنه إله الجميع بقوله على لسان إشعياء عن كنيسة الأمم وعن بقيّة إسرائيل: "ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حُرَّاثيكم وكرَّاميكم" (إش 61: 5). فإنه بحق كثير من الأمم حُسِبوا كقدّيسين، وقد صاروا معلِّمين ومدرِّبين، وإلى الآن يوجد رجال من أصل أممي يحتلُّون مراكز كبرى في الكنائس يبذرون بذار التقوى التي للمسيح في قلوب المؤمنين ويردُّون الأمم الذين أُؤتُمنوا عليهم ككروم جميلة في نظر الله[778].]

ويُعلّق القدّيس كيرلّس أيضًا على كلمات السيِّد عن نفسه أنه الحجر المرفوض، هكذا: [المخلّص هو الحجر المختار وقد رذَله هؤلاء الذين كان يجب عليهم بناء مجمع اليهود، وقد صار رأس الزاوية. يشبِّهَه الكتاب المقدّس بحجر زاوية، لأنه يجمع الشعبين معًا: إسرائيل والأمم في إيمان واحد وحب واحد (أف2: 15)




=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولما سمع رؤساء الكهنة والفرّيسيّون أمثاله

عرفوا أنه تكلَّم عليهم.

وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه،

خافوا من الجموع،

لأنه كان عندهم مثل نبي" [متى 21 : 45-46].




لقد أدرك رؤساء الكهنة والفرّيسيّون كلمات الرب بعقولهم لكنهم لم يقبلوها بروح الحب والبنيان،
وعِوض أن يقدّموا توبة عما ارتكبوه فكّروا في الانتقام منه.

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


وجعل يسوع يكلّمهم أيضًا بأمثال، قائلًا:

يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه.

وأرسل ليدعو عبيده المدعوّين إلى العرس،

فلم يريدوا أن يأتوا"
[متى 22 : 1-3].



هذا المثل كما يقدّمه لنا السيِّد المسيح ينطبق على اليهود خاصة القادة، الذين رفضوا ملكوت المسيّا السماوي، وهو بطريق أو آخر ينطبق على كل نفسٍ ترفض ملكوته الحقيقي في داخلها.

ما هو هذا الملكوت السماوي إلا الكنيسة التي في حقيقتها هي عرس دائم، فقد أقامها الآب لابنه ينعم بها، وتنعم هي بحلوله في وسطها، وباتكائها على صدره، تتقبّل منه أسرار أبيه، وتتمتّع بإمكانيّاته الإلهيّة، حتى ترتفع به وفيه إلى حضن أبيه، تنعم بشركة أمجاده.

هذا هو العرس الذي اشتهى الآباء والأنبياء أن ينعموا به إذ رأوه من بعيد خلال الرموز والنبوّات حتى جاءت القدّيسة العذراء تحني رأسها بالطاعة والخضوع لله أمام الملاك جبرائيل، قائلة: "ليكن لي كقولك" (لو 1: 38)، فقبلت العُرس في داخلها. وكما يقول الأب غريغوريوس (الكبير): [يمكننا بوضوح وثقة أن نقول بأن الآب صنع للملك ابنه العُرس خلال سرّ التجسّد، حيث التصقت به الكنيسة المقدّسة، وكانت أحشاء العذراء الأم هي حجال العُرس... لهذا يقول المرتّل: "جعل في الشمس مظلَّته، مثل العريس الخارج من خدره" (راجع مز 18: 6). إنه مثل العريس الخارج من خدره، لأن الله المتجسّد خارج من أحشاء العذراء غير الدنسة ليتَّحد بالكنيسة

حقًا إن الآب القدّوس الذي أرسل روحه إلى الأحشاء البتوليّة ليتمّم التجسّد الإلهي بحلول الكلمة الإلهي فيها، مقدّمًا للبشريّة العريس الحقيقي، مشتهى الأمم، هذا الذي رفضه اليهود، يودّ أن يجعل من كل مؤمن ملكوتًا سماويًا بحلول العريس في داخله، يُقيم فيه عرسًا روحيًا وفرحًا سماويًا لا يقدر العالم أن ينزعه! لقد بدأ السيِّد خدمته بدخوله عرس قانا الجليل ليقدّسه معلنًا أن رسالته تنطلق بدخوله إلينا ليقيم عرسنا الداخلي متقدّما كعريس أبدي، قادر وحده أن يتّحد بنا ويقدّسنا ويكشف لنا أسراره الإلهيّة الفائقة. حقًا إن دعوته لنا، إنّما هي دعوة لقبوله عريسًا أبديًا مشبع لنفوسنا!



=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


فارسل ايضا عبيدا اخرين قائلا قولوا للمدعوين هوذا غذائي اعددته ثيراني و مسمناتي قد ذبحت و كل شيء معد تعالوا الى العرس

و لكنهم تهاونوا و مضوا واحد الى حقله و اخر الى تجارته

و الباقون امسكوا عبيده و شتموهم و قتلوهم

( متى 22 : 4-6 )


بالنسبة لليهود العبيد الأوّلون هم الآباء الأوّلون كإبراهيم وإسحق ويعقوب الذين نالوا الوعد ووضعوا ملامح الطريق الملوكي، حتى قال السيِّد "أبوكم إبراهيم تهلّل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو 8: 56). لكن اليهود لم يسمعوا لهم ولا سلكوا على منوالهم إذ يوبّخهم السيِّد: "لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (يو 8: 39). وعِوض أن يفرحوا كأبيهم بيوم مجيئه رفضوا وقاوموا عمله الإلهي. أمّا العبيد الآخرون فهم الأنبياء الذين رسموا بكل وضوح خلال النبوّات كل ما يخصّ المسيّا الملك في تفاصيل كثيرة، لكن قتلة الأنبياء (مت 23: 37) يرفضون قبول نبواتهم عمليًا. وكما قتل آباؤهم الأنبياء ها هم يريدون أن يقتلوا من تنبَّأوا عنه.

ما فعله السيِّد مع اليهود فعله معنا جميعًا، فإنه لا يمل من إرسال عبيد لدعوتنا لهذا العرس بكل طريقة لكي نقبَّله عاملًا فينا. يدعونا خلال خدّامه وإنجيله والأحداث المحيطة بنا، ويتّكلم بروحه فينا. إنه "واقف على الباب يقرع" ينتظر أن ندخل به إلى قلبنا كما إلى جنّته، نجلس فيها سويًا، وننعم بالاتّحاد معه!


إنها دعوة إلهيّة: "تعالوا إلى العرس"، تحمل قوّة وسلطانًا تقدر أن تجتذب القلب إلى العريس ليتَّحد معه ويكون معه واحدًا، لكن دون إلزام أو إجبار. وقد دفع العريس ثمن الدعوة بقوله: "هوذا غذائي أعددته، ثيراني ومُسمَّناتي قد ذُبحت، وكل شيء مُعد". تكلفة الدعوة هي حياته التي بذلها لمصالحتنا مع أبيه صاحب الدعوة، مقدّمًا لنا جسده ودمه المقدّسين طعامًا وشرابًا روحيًا لوليمة الملكوت الجديد. لقد صار كل شيء معدًا لدخولنا إلى الوليمة المقدّسة التي هي في جوهرها ارتفاع إلى الحياة السماويّة، فقد أرسل لنا روحه القدّوس في كنيسته، عمله أن ينطلق بكل نفس خلال التوبة إلى الحضرة الإلهيّة، ويرتفع بها من مجدٍ إلى مجدٍ، ليدخل بها إلى الهيكل الإلهي لتشارك الملائكة ليتورجيَّاتهم وتسابيحهم وتفتح فاهها لتتقبّل عريسها في داخلها سرّ فرح أبدي لا ينقطع. هكذا ينشغل الثالوث القدّوس بهذا العرس، فالآب هو صاحب الدعوة، والابن هو العريس الذي يدفع تكلفة العرس، والروح القدس هو الذي يعمل فينا ليهيئنا للعرس.

ما هي هذه الوليمة التي أُعدَّت إلا تحقيق النبوّات بتقديم السيِّد المسيح عمله الخلاصي خلال الصليب، ذبيحة سرور ورضا لدى الآب وشبع للنفس البشريّة. لهذا يقول:"ثيراني ومُسمَّناتي قد ذُبحت، وكل شيء مُعد" [4]. لقد أُعدَّت المائدة المشبعة لله والناس!
يرى العلامة أوريجينوس أن هذه المائدة الإلهيّة هي كلمة الله، فالثيران المذبوحة إنّما هي منطوقات الله العظيمة المُعدة لنا كطعامٍ روحيٍ، والمسمنات هي كلماته العذبة الشهيَّة. كأنه بمجيء الكلمة المتجسّد وارتفاعه على الصليب دخل بنا إلى سرّ الكلمة لنكتشف عظمتها ودسمها.

ويرى القديس هيلاري أسقف بواتييه أن الثيران إنّما ترمز للشهداء الممجَّدين الذين شهدوا للرب مقدِّمين حياتهم ذبائح مختارة، والمُسمنات تُشير إلى الروحيّين الذين ينتعشون بالخبز السماوي ليحلِّقوا كالطيور، فيقدّمون كشبع للآخرين من الدسم الذي أكلوه. وكأننا إذ ننعم بملكوت السماوات خلال عضويّتنا الحقيقية للكنيسة المقدّسة ندخل إلى الوليمة التي تشبعنا، هذه التي قدّم الشهداء حياتهم ثمنًا للشهادة، والروحيّون جهادهم الدسم ثمنًا لحبّهم لمن فداهم. حقًا إن دماء الشهداء وجهاد الروحيِّين لا يضيع بل يبقى رصيدًا تعيش عليه الأجيال، لا لينتهي، إنّما ليضيفوا إليه أرصدة جديدة بشهادتهم وجهادهم القانوني. لهذا تترنَّم الكنيسة في ختام ثيؤطوكيَّات الواطس: "يأتي الشهداء حاملين عذاباتهم، ويأتي الصدّيقون حاملين فضائلهم، ويأتي ابن الله في مجده ومجد أبيه".

إنها دعوة للعِطاش إلى الحكمة، يُحرم منها من يظن في نفسه أنه في حالة شبع؛ دعوة للخطاة الراجعين، ينعمون بها أكثر ممن يظنّون في أنفسهم أنهم أبرار. فقد أقيمت الوليمة للابن الضال كطلب الآب المحب: "اِخرجوا الحُلًَّة الأولى وأَلبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده وحذاء في رجليه، وقدّموا العجل المسمَّن واذبحوه، فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميّتًا فعاش، وكان ضالًا فوُجد، فابتدأوا يفرحون" (لو 15: 22-24). أمّا الابن الأكبر، وإن كان لم يفعل ما ارتكبه أخوه، لكنّه وقف خارجًا حزينًا من أجل الوليمة المقامة والفرح الذي يملأ بيت أبيه.

هم جماعة اليهود الذين سبقوا الأمم في معرفة الله ولم يصنعوا شرورًا كالابن الأكبر أي الأمم، لكنهم لم ينعموا بالوليمة التي قُدّمت للابن الأصغر. لقد "تهاونوا" معتمدين على بنوَّتهم لإبراهيم ونوالهم الناموس والوعود وتمتّعهم بالنبوّات. "ومضوا واحد إلى حقله وآخر إلى تجارته". عاد الشعب إلى حقله، أي إلى الانشغال بالأمور الزمنيّة، والكهنة إلى تجارتهم أي إلى الهيكل يمارسون فيه "التجارة بالدين" عِوض العبادة الروحيّة. هكذا تركوا "المسيح" العريس ووليمته السماويّة لينشغلوا بالأمور الأرضيّة.

مساكين هم هؤلاء المتهاونون بالوليمة، واحد منهم يُحرم منها بسبب حقله أي ذاته أو الأنا ego التي تثْقل نفسه فيبقى مرتبطًا بالحقل الذي يظنُّه باقيًا له إلى الأبد، أي يرتبط بالأرض ولا يقدر أن يرتفع إلى السماويات. هكذا تربطه الأنا بما هو حوله، فلا يقدر أن يتبرّر ليرتفع فوقها ويتّسع قلبه فوق حدودها! وآخر يُحرم من الوليمة من أجل تجارته، فتتحوّل العبادة إلى بيع وشراء من أجل الأنا أيضًا كما في الهيكل في أيام السيِّد المسيح، فيكون قلبه مركزًا للأعمال البشريّة لحساب مكاسب زمنيّة ومديحٍ زمنيٍ عِوض الأمجاد الأبديّة والأفراح الإلهيّة الدائمة، أمّا الثالث فيُحرم من العرس بسبب حبّه للشر، فيقابل العبيد المرسلين إليه للدخول إلى الوليمة بالسب والشتم بل والقتل، كأنما يتقدّمون إليه بأذيَّته. هكذا القلب الشرّير خلال البصيرة المظلمة يرى حتى الدعوة إلى العرس شرًا يقاومه بالشرّ!

يا للعجب! عندما يدعو الله الناس للفرح الأبدي يتذمَّرون ويرفضون، بل ويتطاولون على خدّامه بالسب والقتل. وعندما يطلب منهم النوح للتوبة يفرحون ويتهلّلون حسب أهواء قلبهم الشرّير. يقول إشعياء النبي: "ودعا السيِّد رب الجنود في ذلك اليوم إلى البكاء والنوح والقرعة والتنطُّق بالمسح، فهوذا بهجة وفرح وذبح ونحر غنم، أكل لحم وشرب خمر، لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (إش 22: 12-13). لهذا يقول السيِّد الرب: "بمن أشبِّه هذا الجيل؟! يشبه أولادًا جالسين في الأسواق ينادون إلى أصحابهم ويقولون: زمّرنا لكم فلم ترقصوا، نُحنا لكم فلم تلطِموا" (مت 11: 16-17). يدعوهم للعرس فيأبون الحضور، ويسألهم النوح على خطاياهم فيرفضون.

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم. ثم قال لعبيده: أمّا العرس فمستعد، وأمّا المدعوُّون فلم يكونوا مستحقِّين. فاذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدّتموه فادعوه إلى العرس"
[متى 22 :7-9].


لقد غضب الملك من أجل مقاومي الملكوت الذين كان يجب أن يفرحوا بالدعوة ويكرزون بها، فصاروا رافضين لها، بل ومضطهدين للداعين إليها. لقد ألزموا الملك المسيّا أن يرفضهم، فتنفتح أبواب عرسه للأمم الذين يتشبَّهون بملكة سبَأْ التي سمعت بخبر سليمان لمجد الرب (1 مل 10: 1) فأسرعت إليه تسمع حكمته. يقول الوحيّ: "فأتت إلى أورشليم بموكبٍ عظيمٍ جدًا، بجمال حاملة أطيابًا وذهبًا كثيرًا جدًا وحجارة كريمة، وأتت إلى سليمان وكلّمته بكل ما كان بقلبها، فأخبرها سليمان بكل كلامها. لم يكن أمر مخفيًا عن الملك لم يخبرها به" (1مل10: 2-3). جاءت الأُمميَّة إلى أورشليم قاتلة الأنبياء، وارتفعت بقلبها نحو مدينة الملك العظيم، نحو السماء عينها، جاءت منطلقة بموكب عظيم جدًا تحت قيادة روح الله القدّوس، لتلتقي بسليمان الحقيقي واهب الحكمة وكاشف القلوب، الذي لا يُخفي عنه شيء. جاءت تُمثِّل كنيسة الأمم التي تقدّمت بجمالها، المحمَّلة بالأطياب والذهب الكثير جدًا والحجارة الكريمة. ما هذه الأطياب إلا مشاعر الحب التي كانت قبلًا مُمتصَّة بالكامل في الشهوات، فصارت الآن تحمل رائحة المسيح الذكية؟! والذهب الذي كان يستخدم في صنع الأصنام والآلهة الوثنيّة، وقد صار رمزًا للحياة الجديدة السماويّة وقبول ملكوت المسيح فينا؟! والحجارة الكريمة التي كانت لزينة الهياكل الوثنيّة وملابس الكهنة الوثنيّين، قد صارت الآن رمزًا للمسيح نفسه "اللؤلؤة كثيرة الثمن" (مت 13: 46)، ولأبواب أورشليم العليا وأساساتها (رؤ 21: 19، 21)!

كانت الأمم تعيش في الحياة المترفة المملوءة بالنجاسات، وكان الغنى عائقًا لها عن معرفة الله، كالجمل الذي لا يدخل من ثقب إبرة (مت 19: 24). لكنها إذ قبلت الكرازة بالإنجيل استطاع الجمل أن يحمل كل إمكانيّاتها مقدّسة للرب، فيعبُر بها خلال الباب الضيق "ثقب الإبرة"، ليقدّم مشاعرها وغناها من ذهب وحجارة كريمة لخدمة العُرس الجديد.

رأت كنيسة الأمم سليمان الحقيقي، مصدر الحكمة، والبيت الذي بناه (1 مل 10: 4) أي كنيسته كبيتٍ ملوكيٍ لها؛ وطعام مائدته ومجلس عبيده (1 مل 10: 5)، لتجلس وتأكل من المائدة المعدَّة: الثيران والمُسمَّنات المذبوحة... تتناول من مذبحة سرّ حياتها وشبعها. لقد دخلت إلى أسرار العرس حتى "لم يبق فيها روح بعد" (1مل10: 5).

هكذا انفتح الباب للأمم وصارت الدعوة للبشريّة كلها، إذ يقول السيِّد: "فاذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدّتموه فاِدعوه إلى العرس" [9]. يقول العلامة أوريجينوس عن هؤلاء العبيد الذين أرسلهم السيِّد إلى مفارق الطرق هم الرسل أو الملائكة، الذين عهد إليهم دعوة الأمم، فإن العرس بالحق مُعد. وإن كانت الطرق تُشير إلى العالم فإن مفارقه كما يقول القديس هيلاري أسقف بواتييه إنما تعني الدعوة لغفران كل الخطايا الماضية التي سقطت فيها البشريّة. إنها دعوة للجميع ولمغفرة كل الماضي!




=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"فلما دخل الملك لينظر المتّكئين رأي هناك إنسانًا لم يكن لابسًا لباس العرس. فقال له: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت. حينئذ قال الملك للخدّام: اِربطوا رجليه ويديه وخذوه واِطرحوه في الظلمة الخارجيّة. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون"
[ متى 22: 11-14].



حقًا إن الدعوة مفتوحة للجميع، إذ الله "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تي 2: 4)، لكن ليس الكل يقبل نعمة الله التي تقدّسه، بل قليلون هم الذين يقبلونها ويتجاوبون معها، فيصير لهم ثوب "الحياة المقدّسة" اللائق بالعرس الإلهي. يقول صفنيا النبي: "لأن الرب قد أعد ذبيحة قدْس مدعوِّيه. ويكون في يوم ذبيحة الرب إني أعاقب الرؤساء وبني الملك وجميع الأمم اللابسين لباسًا غريبًا" (صف 1: 7-8). فإن كانت الدعوة قد وجِّهت للأمم الذين كانوا في الطرقات، فصاروا رؤساء وبني الملك، لكنهم إن لم يحملوا الثوب المقدّس في الرب يُطردون. يكون حالهم كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم كمن يهتمّ بثياب خارجيّة مُوَشَّاة بالذهب بينما تلتحف نفسه الداخليّة بالخرق الباليّة، أو كمن يسكن في قصر فخم مزيَّن بستائر ذهبية، بينما يبقى هو عاريًا يلبس الخِرق. ثوب العْرس عنده هو الحياة الداخليّة المقدّسة والمعلنة خلال التصرّفات العمليّة. حقًا إن الذين يدخلون العرس بثياب دنسة هم أكثر شرًا من الذين احتقروا الدعوة ورفضوها. فإن الآخرين احتقروا صاحب الدعوة برفضهم إيّاها، أمّا الأوّلون فاحتقروه بدخولهم الوليمة بحياة دنسة وثياب داخليّة نجسة لا تليق بكرامة صاحب الوليمة.

يرى البعض أن لباس العرس ما هو إلا الإنسان الجديد الذي ننعم به في مياه المعموديّة كصورة خالقه، والذي يلتزم المؤمن بالحفاظ عليه ناميًا بواسطة روح الله القدّوس خلال حياة التوبة العمليّة المستمرّة والجهاد الروحي القانوني. يقول القديس هيلاري أسقف بواتييه: [ثوب العرس هو نعمة الروح القدس والبهاء الذي يضيء الحالة السماويّة التي يتقبّلها بالاعتراف الصالح الذي للإيمان، فيصير المؤمن بلا دنس ولا عيب إلى اجتماع ملكوت السماوات[781].] وكأن ثوب العرس هو الحياة الجديدة التي صارت لنا كعطيّة الروح القدس نتقبّلها بالإيمان الحق خلال مياه المعموديَّة بتمتّعنا بالإنسان الجديد. لكن ليس كل من اِعتمد يحتفظ بثوب عرسه... إنما يلتزم خلال إيمانه أن يسلك بالوصيّة الإنجيليّة بالروح القدس الساكن فيه. لهذا يقول القديس جيروم: [ثوب العرس هي وصايا الرب والأعمال التي تتمِّم الناموس والإنجيل، فتصير ثوبًا للإنسان الجديد، فمن يوجد في يوم الحكم حاملًا اسم "مسيحي" وليس له هذا الثوب يُدان

ويحدّد القديس أغسطينوس[783]الثوب في وصيّة واحدة يلتزم بها المسيحي هي "المحبّة". حقًا إن جميع الداخلين إلى الكنيسة أي ملكوت السماوات ينالون المعموديّة وقد يصومون ويصلّون. لكن سِمة المحبّة الحقيقيّة هي الثوب البهي الذي بدونه لن ينعم أحد بالوليمة، ويحدّد القدّيس على وجه الخصوص محبّة الأعداء بكونها المحك الحقيقي الذي يكشف عن حبّنا لله والقريب. لقد أعلن السيِّد محبّته للأعداء على الصليب طالبًا لهم الغفران، وحمل الشهيد استفانوس ذات الروح أثناء رجمه، معلنًا أنه يلبس ثوب العرس الأبدي. في محبّة الأعداء تتم كل الوصايا ويُعلن بهاء الإنسان الجديد الذي نلناه في مياه المعموديّة، وتظهر قوّة الروح القدس العامل فينا... بمعنى آخر ما يقوله القديس أغسطينوس إنما يكمّل ما قاله الآباء الآخرون.

ويرى الأب غريغوريوس (الكبير) أن هذا الثوب الملوكي للعرس إنّما يُنسج بين عارضتين، هما محبّة الله ومحبّة القريب. فالحب هو طبيعة تتّسم بها النفس، لا تقدر أن تفصل محبّة الله عن القريب ولا القريب عن الله

يقول السيِّد "فقال له: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العُرس، فسكت" [12]. لقد اِنتهى الزمان الذي كان يمكن فيه أن ينسج ثوب العرس، لذا يصمت من ليس لهم الثوب، إذ ليس لهم عذر ولا إمكانيّة للعمل!

* لا يوجد في هذه الساعة موضع للتقدّم ولا فرصة للاعتذار لذلك يشهد كل الملائكة والعالم نفسه عن خطاياه

القديس جيروم

* من يخطئ ولم يتجدّد ولا لبس الرب يسوع المسيح ليس له عذر، لذلك قيل "فسكت"

العلامة أوريجينوس

أربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجيّة،

هناك يكون البكاء وصرير الأسنان" [13].

الإنسان الذي رفض بالحب أن يلبس ثوب العرس، فينال الحلّ من الخطيّة، مُقيِّدًا نفسه بنفسه بخطاياه خلال عدم محبّته، يسلّمه الملك المسيح للخدّام لكي يُربط، فيُحرم من حرّية الروح وحرّية الجسد، لا يقدر أن يحرّك رجليه ولا يديه، إذ لا يعرف أين يذهب ولا ماذا يفعل (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لقد اختار أن يبقى في الظلمة الداخليّة، إذ انطمست بصيرته الداخليّة عن التمتّع بالحياة الجديدة وإدراك أسرار مسيحه، لهذا ينال أيضًا الظلمة الخارجيّة... هي امتداد لما صنعه بنفسه في داخله. أمّا البكاء وصرير الأسنان فيشير كما يقول القديس جيروم إلى قيامة الجسد ليشترك مع النفس في مرارة الظلمة الخارجيّة.

كثيرون يُدعوْن، وقليلون يُنتخَبون

في حديث السيِّد المسيح عن ملكوت السماوات يميّز بين وليمتين، الأولى وليمة العُرس التي نتحدّث عنها هنا، وهي تمثل الكنيسة الحاضرة التي تحمل عريسها في داخلها، ويجتمع فيها المؤمنون كأعضاء جسد المسيح يلبسون ثياب العرس، وإن كان يتسلّل معهم وبينهم من هم بغير هذه الثياب. أمّا الوليمة الأخرى (مت 8: 11) فهي امتداد للوليمة الحاضرة لا يوجد فيها إلا لابسو ثياب العرس.

يصف السيِّد وليمة العرس التي نعيشها الآن فيقول: "لأن كثيرين يُدعوْن، وقليلين يُنتخَبون" [14]. ويُعلّق الآباء على هذا القول الإلهي هكذا.

* كثيرون هم الذين يأتون إلى العُرس، وقليلون هم الذين يجلسون على المائدة

العلامة أوريجينوس

* الصالحون كثيرون فإن قورنوا بالأشرار نجدهم قليلين. كثيرة هي حبوب الحنطة، لكنَّها إن قورنت بالتِبن تحسب قليلة

القديس أغسطينوس

يتطلّع الأب غريغوريوس (الكبير) ليرى الكنيسة وقد اختفت الحنطة وسط التبن، فظهر كثير من الأشرار والخطاة وقليل من الأبرار الصالحين، لذلك يشبهها بفلك نوح المتسع من أسفل حيث يضم الحيوانات والثعابين، أمّا الإنسان والطيور ففي الطبقة العليا الضيقة. الجسديون من أسفل يملأون الفلك، أمّا الروحيّون فقليلون من أعلى. حقًا يتطلّع الرب إلى الكنيسة ليجد الأبرار كالسوسنة المحاطة بكثير من الأشواك (نش 2: 2). في مرارة يقول الإنسان لابس ثوب العرس: "صرت أخًا للتنانين وصاحيًا للنعام" (راجع أي30: 29). هذه هي الكنيسة أنها تضم قدّيسين، لكن الأشرار كالتنانين والمهملين كالنعام يتسلّلون إليها.





=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"حينئذ ذهب الفرّيسيّون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة.

فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيّين، قائلين:

يا معلّم نعلم أنك صادق وتُعلم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد،

لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس.

فقل لنا ماذا تظن،

أيجوز أن تُعطي جزية لقيصر أم لا؟"
[ متى 22 : 15-17]



يمكننا أن نتوقَّع من الهيرودسيّين مثل هذا السؤال، إذ يهتمّون بجمع الجزية فيقدّمون منها نصيبًا لقيصر ويغتصبون الباقي لحسابهم الخاص، أمّا ما هو عجيب فإن الذين يثيرونه هم الفرّيسيّون الذين كانوا يطلبون التحرّر من الاستعمار الروماني، ويحسبون هذه الجزية علامة عبوديّة ومذلّة، ويتطلّعون إلى الهيروديسيّين كخونة ضدّ أمّتهم وناموسهم. لكن من أجل الخلاص من المسيح ومقاومة عمله كانوا يعملون مع الهيروديسيّين متجاهلين أفكارهم نحوهم التي نشأوا عليها زمانًا.
"فعلم يسوع خبثهم، وقال: لماذا تجرِّبونني يا مراءون؟" [18]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد دعاهم مُرائين حتى متى عرفوا أنه قارئ قلوب البشر لا يتجاسروا بعد أن يتمّموا خططهم


=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"أرُوني معاملة الجزية، فقدّموا له دينارًا. فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة.؟ قالوا له: لقيصر. فقال لهم: أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. فلما سمعوا تعجّبوا وتركوه ومضوا"
[متى 22 : 19-22].



كان ذلك الموقف فرصة يُعلن فيها السيِّد مبدأً روحيًا يلتزم به تلاميذه، ألا وهو "أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، والعجيب أنه قدّم إعطاء قيصر حقّه قبل إعطاء الله حقّه. التزام المسيحي بالطاعة لقيصر أو للرؤساء وتقديم حقوق الوطن عليه من ضرائب والتزامات أخرى أدبيّة وماديّة فيه شهادة حق لحساب الله نفسه. يقول القدّيس بولس: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتَّبة من الله، حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة... لذلك يلزم أن يُخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل أيضًا بسبب الضمير، فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضًا... فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام" (رو 13: 1-7).

يقول القديس أمبروسيوس: [يلزم الخضوع له كما للرب، وعلامة الخضوع هو دفع الجزية]، وأيضًا يقول: [يركّز الرسول على أن نرُد له ليس فقط المال، بل الكرامة والمهابة
إذن ليست هنا ثنائيّة بين عطاء قيصر حقّه وعطاء الله حقّه، فإن كليهما ينبعان عن قلبٍ واحدٍ يؤمن بالشهادة لله خلال الأمانة في التزامه نحو الآخرين ونحو الله.

في هذا المبدأ أيضًا احترام الكنيسة لقيصر، تعطيه حقّه في تدبير أموره، فلا تتدخل في السياسة، وإنما تلتزم بعملها الروحي. فالكنيسة ليست دولة داخل دولة، ولا هي منعزلة عن قيصر، إنّما تحبّه وتكرمه وتعطيه حقّه. هكذا تقدّم له حقّه، لكن ليس على حساب حق الله وشهادتها له.

ويرى بعض الآباء في هذه العبارة الإلهيّة معنى رمزيًا، فإن كان قيصر يمثّل الجسد فإن الله يمثّل النفس، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [لنعطِ الجسد بعض الأشياء أي الضروريّات كجزية لقيصر، أمّا الأمور الخاصة بطبيعة نفوسنا والتي تقودنا للفضيلة فيجب أن نقدّمها لله
أمّا القديس هيلاري أسقف بواتييه فيقول: [لنرد لله ما هو لله أي نقدّم له الجسد والنفس والإرادة، عملة قيصر هي من الذهب وعليها ختم صورته، وعملة الله عليها صورته. لنعطِ المال لقيصر ولنحتفظ بالضمير الذي بلا عيب لله

القديس هيلاري: [إن كان ليس لقيصر شيء لدينا فلا نلتزم أن نرد له شيئًا، ولكن إن كنّا نعتمد عليه وننعم بمميزات حكمه نلتزم أن نرد ماله.] ليتنا إذن لا نكون مدينين لأحد بشيء، ولا للشيطان أو الخطيّة حتى لا نلتزم له برد الضعف، إنّما نكون مدينين لله بكل عطاياه المجّانيّة ومحبّته فنقدّم له حياتنا وحبّنا.

في أسلوب آخر يقول القديس أغسطينوس: [كما يطلب قيصر صورته على العملة هكذا يطلب الله صورته فينا

بمعنى أن من يجد صورته فينا يمتلكنا ويستعبدنا، فإن رأى الله صورته فينا لا نقدر أن نهرب منه، وإنما من حقّه أن يمتلكنا ويستعبدنا، وإن رأى العالم فينا صورته يستعبدنا ويذلِّنا تحت قدميه.

نستطيع أن نقول بأن هذا الدينار الذي أمسك به السيِّد وقد حمل ختم قيصر وكتابته ليس إلا النفس البشريّة التي حملت صورة الله ومثاله، حتى بعد سقوطها عاد الروح القدس فختمها من جديد، لتحمل صورة الملك وسجل فيها كلمته، لنلتزم أن نقدّم للملك السماوي عُملته الروحيّة تحمل صورته وكتابته. وكما أن العُملة إن أُهملت زمانًا تحتاج إلى تنظيفها لتظهر الصورة والكتابة من جديد، هكذا بالتوبة المستمرّة تظهر صورة خالقنا متجليّة في حياتنا.

ويقدّم لنا العلامة أوريجينوس تفسيرًا رمزيًا آخر لكلمات السيِّد هنا، إذ يقول: [يحمل الإنسان صورتين؛ الأولى استلمها من الله عند الخلقة كما يقول سفر التكوين: "على صورة الله خلقه" (تك 1: 27)، والأخرى صورة الإنسان الترابي (1 كو 15: 49) التي أخذها بسبب عصيانه وخطيَّته عند طرده من الفردوس وقد أغراه "رئيس هذا العالم" (يو 12: 31). كما أن العُملة أو الفلس بها صورة لسلطان هذا العالم، هكذا من يتمّم أعمال رئيس الظلمة (أف 6: 12) يحمل صورته. لذلك يأمر يسوع بإرجاع هذه الصورة ونزعها عنّا حتى نتقبّل الأصل الذي عليه خلقنا مشابهيّن لله. بهذا نرد ما لقيصر لقيصر وما لله لله... بنفس المعنى يقول بولس: "كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 49). فالقول "أعطوا ما لقيصر لقيصر" إنّما يعني: [اتركوا صورة الترابي، اِلقوا عنكم الصورة الأرضيّة لتنعموا بصورة الإنسان السماوي، عندئذ تعطوا ما لله لله

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"يا معلّم، قال موسى إن مات أحد وليس له أولاد يتزوّج أخوه بامرأته ويقيم نسلًا لأخيه. فكان عندنا سبعة إخوة وتزوَّج الأول ومات. وإذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه. وكذلك الثاني والثالث إلى السبعة. وآخر الكل ماتت المرأة أيضًا. ففي القيامة لمن من السبعة تكون زوجة، فإنها كانت للجميع؟"
[ متى 22 :24-28]


العلامة أوريجينوس: [يرجع خطأ كل الصدّوقيّين إلى عدم فهمهم لعبارات الأنبياء، كأن يقرأون في إشعياء: "لا يتعبون باطلًا ولا يلدون للرعب، لأنهم نسل مباركي الرب وذرّيتّهم معهم" (إش 65: 23)، وفي فصل البركة في التثنية: "ويبارك ثمرة بطنك" (تث 28: 4). فيعتقدون أن هذا يتحقّق عند القيامة دون أن يفهموا أنه يتنبأ عن البركة الروحيّة. فبولس "الإناء المختار" (أع 9: 15) يدرك تمامًا أن البركة المُشار إليها في الناموس لا تعني الجانب الجسداني، إنّما يفسرها بطريقة روحيّة، فيقول لأهل أفسس: "مبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحيّة في السمويّات" (أف 1: 3)... يسقط الصدّوقيّون في نفس الخطأ حين يقرأون في المزامير (بطريقة حرفيّة): "امرأتك مثل كرْمة مخصبة في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك هكذا يُبارَك الرجل المتَّقي الرب" (مز 128: 3-4)... بينما الذين يفهمون العبارة عن أورشليم الروحيّة يُدركون أنها "أورشليم العُليا التي هي أُمِّنا جميعًا، فهي حرة" (غل 4: 26)، ويرون أن فيها تتحقّق هذه الخيرات الواردة في المزمور




=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"تضلُّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوّة الله. لأنهم في القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء. وأما من جهة قيامة الأموات، أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل. أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، ليس الله إله أموات بل إله إحياء"
[متى 22 : 29-32]


لقد أجاب السيِّد سؤالهم من جانبين: من الجانب المنطقي، فإن الحياة الأبديّة هي حياة فائقة على مستوى ملائكي، ومن الجانب الكتابي أن الله إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، إنّما هو إله أحياء لا إله أموات.

في الحياة الأبديّة نمارس حياة ملائكيَّة فلا يوجد زواج. هنا يسترعي القديس يوحنا الذهبي الفم اِنتباهنا أنه ليس لأنهم لا يتزوَّجون هم ملائكة، وإنما لأنهم ملائكة فهم لا يتزوَّجون. لذلك فإن غايتنا - حتى بالنسبة للرهبان - أن ننعم بالحياة الملائكيّة لا عدم الزواج في ذاته.

القديس كيرلس الكبير]أن الصدّوقيّين بشرِّهم اقتربوا إلى السيِّد المسيح مخلّص الكل، الذي هو الحياة والقيامة (يو 11: 25)، وكانوا يسعون لإنكار القيامة حتى يفقدوا العالم كلّه الرجاء، وكان يمكن للسيِّد المسيح أن يؤكّد لهم القيامة من كتابات الأنبياء (هو 13: 14، إش 36: 19، مز 104: 29) لكنّه لم يدخل معهم في مناقشات كلاميّة، إنّما قدّم لهم تذوّقا جديدًا للقيامة، ملهبًا قلب مؤمنيه نحوها للتمتّع بالحياة الملائكيّة الفائقة.


ربّما نتساءل: هل في السماء نتجاهل القرابات الجسديّة؟

يجيب القديس أغسطينوس: [لا يوجد في ملكوت السماوات قرابات زمنيّة من هذا النوع: "لأنه ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حرّ، ليس ذكر وأنثى" (غل 3: 28)، "بل المسيح الكل في الكل" (كو 3: 11)... لو سألنا مسيحيًّا صالحًا له زوجة، وقد يكون لديه أبناء منها عمَّا إذا كان يرغب في أن تكون له علاقة جسديّة بزوجته في ملكوت السماوات، فبالرغم من محبّته لزوجته في الحياة الحاضرة وارتباطه بها، سيجيب بلا تردّد رافضًا بشدة أن تكون علاقته بها في السماء علاقة جسديّة، لأنه يهتمّ بتلك الحياة التي فيها يلبس الفاسد عدم فساد، وهذا المائت عدم موت. هل لي أن أسأله مرّة أخرى، عمَّا إذا كان يرغب في أن تكون زوجته معه بعد القيامة هناك، حتى يكون لها ذلك التغيّر الملائكي الذي وعد به الرب القدّيسين، فإنه سيجيب بالإيجاب بشدَّة، قدر ما رفض بشدة في الحالة الأولى... وهذا ما ينطبق أيضًا على الأبوَّة والأمومة وبقيّة العلاقات الجسديّة... فهناك لا نقول لأحد "أبي" بل جميعنا نقول لله "أبانا"، ولا نقول لأحد "أمِّي"، بل نقول جميعنا لأورشليم السماويّة "أُمِّنا"، ولا نقول لأحد "أخي" بل يقول كل للآخر "أخانا". حقًا سيكون هناك زواج من جانبنا، إذ نتقدّم جميعًا كزوجة واحدة لذاك الذي خلَّصنا من نجاسة هذا العالم بسفك دمه

ويجيب القديس جيروم قائلًا: [عندما يُقال: لا يزوَّجون لا يتزوِّجون يظهر أن التمايز الجنسي قد انتهى

[حقًا سيكونون ممجّدين وينعمون بالسموّ الملائكي، لكنهم مع هذا يبقون بشريّين، فيبقى الرسول بولس وهو بولس ومريم هي مريم
مرّة أخرى في حديثه ضدّ أتباع جوفنيانوس يقول: [إن كان الوعد لنا أن نكون كالملائكة، ولا يوجد بين الملائكة جنسان متمايزان، فإنّنا سنكون بلا تمايز جنسي كالملائكة. على أي الأحوال، فإنّنا إذ نقوم من الأموات نحمل الجنس الذي لنا لكننا لا نمارس وظيفة الجنس


يقول القديس كيرلس الكبير: [إذ تنزع كل شهوة جسديّة ولا يكون فيهم موضع للملذّات الجسديّة. يشبهون الملائكة، مقدّمين خدمة روحيّة غير ماديّة، فيصيرون كأرواح مقدّسة، وفي نفس الوقت يحسبون مستحقِّين لمجد يتمتّع به الملائكة

إن عدنا إلى القصة التي رواها الصدّوقيّون، فإنها ربّما تمثل قصَّة الكنيسة كلها. فالمرأة التي تحدّثوا عنها هي الكنيسة التي ارتبطت بعريسها الأبدي ليملأ قلبها، لكن من خلال واقعها الزمني الذي يُشار له بالرجال السبعة، لأن الزمن يُشار إليه برقم 7 (عدد أيام الأسبوع) ارتبطت بأعمال الناموس كرجل لها فظن اليهود أنهم أبرار، لكن يلزمهم أن يتقبّلوا العريس الأبدي إن ماتوا عن البِرّ الذاتي أو الأعمال البشريّة الزمنيّة الذاتيّة. هذه الكنيسة إذ تقوم لعريسها الأبدي تحمل الطبيعة الملائكيّة، ولا يقوى عليها الموت، فلا تحتاج إلى الزيجات الجسديّة بعد انقضاء الدهر.

نحن في العالم نحتاج إلى الزواج بسبب موت الجسد، لكننا إذ نصير كالملائكة لا تدخل إلينا الخطيّة ولا نسقط تحت الموت، فلا حاجة إلى زواجٍ لإنجاب أجيال تالية عِوض الجيل القائم.




=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"وأما الفرّيسيّون فلما سمعوا أنه أبكَمَ الصدّوقيّين اجتمعوا معًا.

وسأله واحد منهم وهو ناموسي ليجرّبه قائلًا:

يا معلّم أيّة وصيّة هي العُظمى في الناموس؟

فقال له يسوع: تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك.

هذه هي الوصيّة الأولى والعُظمى.

والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك.

بهاتين الوصيّتين يتعلَّق الناموس كلّه والأنبياء"
[متى 22 : 34-40].



سمع الفرّيسيّون أنه أبكَمَ الصدّوقيّون. وقد ميّز العلامة أوريجينوس بين حالة البُكْم وحالة الصمت المقدّس. فقد أصيب الصدّوقيّون بالبُكْم كعلامة فشل، لم يجدوا بعد كلمة يمكنهم أن ينطقوا بها ضدّ الحق، أمّا الصمت المقدّس فهي حالة توقف إرادي عن الكلام مع الناس، لكي تنفرد النفس بالحديث مع الله. الصمت ليس علامة فشل وعجز بل انطلاق للنفس نحو الله تناجيه ويناجيها.

* بهاء الحق يُسكت على الدوام صوت الباطل المرّ والمضر.

* يصمت البار إذ يُعلّم أن للسكوت وقت وللكلام وقت (جا 3: 7)، لكنّه لا يصير أبكمًا. إنّما هذه سِمة خاصة بالصدّوقيّين - وكل من يُعلّم بالباطل، إذ هم يبكمون ولا يصمتون. فإنهم وإن كانوا بُكمًا عن الحق لكنهم غير صامتين، هكذا قال الرب للبحر وليس للإنسان أن يبكم، منتهرًا إيّاه إذ كان عاصفًا

لكن السيِّد أجاب بحكمة وبالحق معلنًا أن الوصيّة الأولى والعظمة هي محبّة الله من كل القلب والنفس والذهن، وأن الوصيّة التاليّة ليست بأقل منها بل مثلها أن يحب الإنسان قريبه مثل نفسه.

بهذه الإجابة المختصرة قدّم لنا السيِّد مفهوم الوصيّة بمنظار مسيحي، أن الوصايا وِحدة واحدة لا تنفصل عن بعضها البعض، فإن كان حبّنا لله بلا حدود هو أعظم الوصايا، فإن حبّنا لإخوتنا ليس بأقل منها، إذ لا يمكننا أن نحب الله غير المنظور خارج حبّنا لإخوتنا المنظورين. وبحبّنا لله والإنسان إنّما تكمل جميع الوصايا والأنبياء. هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد أراد السيِّد تأكيد حقيقة هامة وهي أن الوصايا ليست موضوع بحث عقلي ومناقشات ومجادلات، وإنما هي حياة حب يعيشها الإنسان ويحياها.


* هؤلاء وحدهم يتقبّلون داخلهم عظمة الوصيّة وأولويَّتها، ليس من يحبُّون الرب إلههم فحسب، إنّما يضعون في أنفسهم أن يحقّقوا هذا خلال شروط ثلاثة؛ أي بكل قلبهم يتمسَّكون في داخلهم بكمال هذا الحب وأفكاره وأعماله؛ وبكل نفسهم أي يكونون على استعداد أن يبذلوها من أجل الخدمة لله الذي خلق كل شيء، عندما يتطلّب ذلك نشر كلمته؛ فإن الله يُحَبْ من كل النفس عندما لا يُمسك أي جزء من النفس خارج حفظ الإيمان؛ ويحبّونه بكل الفكر، فلا يفكِّرون بشيء ولا ينطقون إلا في الإلهيّات[804].

العلامة أوريجينوس

* قريبي إنسان مثلي على صورة الله، يليق بي أن أُحبّه كما أُحِب نفسي... يلزمني أن أهتم به كما بجسدي ودمي، وأتعامل معه بالحب واللطف والحنو، غافرًا له أفكاره كما أغفر لنفسي أفكاري، وكما أشتاق إلى العفو من الآخرين عن ضعفاتي[805].

الأب يوحنا من كرونستادت

كيف يعتمد كل الناموس والأنبياء على هاتين الوصيّتين؟

* من يتمّم كل ما هو مكتوب بخصوص حب الله وحب القريب يستحق أن يتقبّل هبات الله العُليا، أوِّلها كلمة الحكمة خلال الروح القدس، خلالها تأتي كلمة المعرفة حسب نفس الروح (1 كو 12: 8). وإذ يتأهّل لكل هذه العطايا يفرح بحكمة الله ويمتلئ قلبه بحب الله، وتستنير نفسه بنور المعرفة وذهنه بكلمة الله.

* من له المحبّة لن يفرح بالظلم، وإنما يفرح على الدوام بالحق.

* من له المحبّة يحتمل كل التجارب بصبرٍ، ولا يكون له الإيمان جزئيًا بل الإيمان بكل شيء، ولا يكون رجاؤه جزئيًا بل يترجَّى كل شيء. ليس شيء لا تحتمله المحبّة

العلامة أوريجينوس




=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"ماذا تظنّون في المسيح، ابن من هو؟ قالوا له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح ربًا، قائلًا: قال الرب لربِّي اِجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. فإن كان داود يدعوه ربًا، فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة"
[متى 22 : 42-46].



لم يستطع أحد أن يجيبه إذ كشف لهم أن المسيّا ابن داود إنّما هو ربُّه الذي يخضع مقاوموه تحت قدميه. وكأن السيِّد كان يُحذّرهم من المقاومة، إذ جاء ليُخلّص لا ليدين. إنه يفتح الباب لقبولهم حتى لا يوجدوا في يوم الرب العظيم كأعداء مقاومين.

* المسيح هو ابن داود وربُّه. إنه رب داود على الدوام وابنه حسب الزمن... هو رب داود المولود من الآب، وابن داود المولود ابنًا للعذراء مريم الذي حُبل به منها بالروح القدس. فلنتمسَّك بكليهما بشدة... فلو لم يهبنا ربّنا يسوع المسيح أن يصير إنسانًا لهلك الإنسان

القديس أغسطينوس

* الكلمة معنا بكونه الله وقد أخذ شكلنا ولم يحتقر بشريَّتنا المتواضعة حتى يخلّص من هم تحت السماء

القديس كيرلس الكبير



=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه. قائلًا:

على كرسي موسى جلس الكتبة والفرّيسيّون.

فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فأحفظوه وافعلوا،

ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا،

لأنهم يقولون ولا يفعلون"
[متى 23 : 1-3]



اضطّر السيِّد أن يُعلن الويُلات أمام الجموع والتلاميذ ليس تشهيرًا بالكتبة والفريسيين، وإنما تحذيرًا لشعبه لئلاّ يُعثرهم هؤلاء بتصرُّفاتهم، وما هو أهم لئلاّ يسقط شعبه فيما سقطوا فيه. والعجيب أن الكتبة والفرّيسيّين صوبوا سهامهم ضدّ السيِّد المسيح، أمّا هو ففي لطف وعطف يقول: "كل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه واِعملوه"، وكأنه يحث الشعب على الخضوع لهم، لا من أجل سلوكهم، ولكن من أجل كرسي موسى الذي جلسوا عليه.

لقد جلس الكتبة والفرّيسيّون على كرسي موسى، أي تسلّموا ناموسه، لكي يسجّلوه ويقرأوه ويفسروه، فما ينطقون به ليس من عنديَّاتهم، ولا هو ثمرة قلبهم الشرّير، وإنما هو ثمرة الكرسي الذي يجلسون عليه، أمّا أعمالهم فهي عظة مُرّة وقاتلة تحمل ثمار قلوبهم الدنسة. لهذا شجَّع السيِّد الشعب أن يسمعوا لهم فيما يصدر عن الكرسي لا ما ينبع عن قلوبهم.

هذا هو حال كل خادم متكبّر يقدّم للآخرين كلمة الله، ليس من عندياته وإنما من الكتاب المقدّس، دون أن ينتفع هو به، وكما يقول عنه القديس أغسطينوس: [الخادم المتكبّر يُحسب مع الشيطان، أمّا عطيّة المسيح (كلمة الوعظ)، فلا تَفسد بل تفَيض نقيّة خلاله وتعبُر كالماء إلى أرض مخصبة، فيكون الخادم كقناة من الحَجر لا يقدر أن يقدّم ثمرًا بالمياه التي تعبر القناة الحجرية إلى أحواض الزهور في الحديقة. أنها لا تقدّم نموًا في داخلنا كقناة حجرية بل تهب ثمرًا كثيرًا في الحدائق


ربّما يسأل أحدهم: كيف نحفظ ما يقوله هؤلاء الأشرار، مع أن السيِّد يقول في موضع آخر: "الإنسان الشرّير من الكنز الشرّير يُخرج الشرور، يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلّموا بالصالحات وأنتم أشرّار؟" (مت12: 34-35)؟

يجيب القديس أغسطينوس، قائلًا: [يخرج الشرّير من عندياته ما هو شرّ... لأن قلبه شرّير... ولا يطلب السيِّد المسيح منّا طاعة الأشرار، لأن ما يخرجوه من كنز قلبهم الشرّير يختلف عمَّا ينطقون به وهم على كرسي موسى. مثال ذلك: في المحكمة ينطق الحاجب بما يقوله القاضي. فما ينطق به لا يُنسب إليه طالما يتّكلم في حضرة القاضي. ما ينطق به الحاجب في بيته يختلف عما ينطق به وهو في المحكمة، إذ ينطق هنا بما يسمعه من القاضي. فالحاجب ينطق بالعقوبة، أراد أو لم يرد، حتى لو كانت العقوبة موجّهة ضدّ صديق له. وينطق أيضًا بالبراءة، شاء أو لم يشأ، ولو كانت لصالح عدوّ له. فلو نطق الحاجب بحسب ما في قلبه لأعطى براءة لصديقه وعاقب عدوّه، لكنّه إذ يتكلَّم من كرسي الحُكم قد يعاقب صديقه ويبرِّئ عدوّه. هكذا بالنسبة للكتبة أيضًا، فلو أنهم تحدّثوا بحسب ما في قلوبهم لسمعتم قولهم: "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" (إش 22: 13)، أمّا إذا تكلّموا من على كرسي موسى فيقولون: "لا تقتل، لا تزن، لا تسرق...". إذن لنعمل حسب ما يُعلنه الكرسي الرسمي على فم الكنيسة، لا ما تتفوَّه به قلوبهم. لذلك ينبغي عليك ألا تضطرب عندما تسمع قول الرب: "كل شجرة تُعرف من ثمارها، هل يجتنون من الشوك عنبًا؟ أو من الحَسَكِ تينًا؟" (لو 6: 44؛ مت 7: 16)... لكن أحيانًا تتشابك كروم العنب بين الحَسَك. لذلك عندما تسمع "الشوك" لا تتجاهل التفكير في العنب، إنّما اِبحث فتجد جذور الأشواك، وعليك أن تميِّزها من بين جذور الكرْم، وأعلم أن إحداها تُشير إلى قلب الكتبة والفرّيسيّين، والأخرى تُشير إلى كرسي موسى

حقًا لنقبل كلمات الخدّام ولا نمتثَّل بضعفاتهم أو شرورهم، كما لا ندين تصرفاتهم. هذا من جانبنا، أمّا من جانب الخدّام فيليق بهم أن يهتمّوا أن تكون أعمالهم ختمًا لكلماتهم، حتى لا تتحوّل عظاتهم وتوجيهاتهم إلى "فلسفة نظريّة". لهذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ما أسوأ أن نكون فلاسفة في الكلمات لا في الأعمال


=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"فإنهم يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحَمل، ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم"
[ متى 23 : 4].



الوصيّة في ذاتها ليست مستحيلة ولا ثقيلة، وإنما إذ تصدر عن معلّمين لا يجاهدون فيها يجدها الشعب حِملًا ثقيلًا عسر الحمل، قد حزمها المعلّمون، لا ليحملوها مع الشعب، وإنما ليثقِّلوا بها كاهل الآخرين، أمّا هم فلا يفكِّرون حتى في مجرّد تحريكها بإصبعهم. وعلى العكس فإن ذات الوصيّة إذ يقدّمها معلّمون مختبِرون ومجاهِدون يفرح بها الشعب ويتسابقون على حِملها معهم. هذا ما فعله السيِّد المسيح نفسه، فإنه إذ رأى البشريّة تتسابق على الكراسي فيحزمون لإخوتهم أحمالًا ثقيلة وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم، إذا به يترك كرسي مجده لينزل وسط شعبه يحمل أثقالنا ويكمّل الناموس عنّا، فيصير النير هيّنًا والحمل خفيفًا.

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس، فيُعرِّضون عصائبهم ويُغطّون أهداب ثيابهم"
[ متى 23 : 5 ]


ما هي هذه العصابة العريضة التي تغطِّي رؤوسهم، وأهداب الثياب الثمينة التي تغطي أخمص أقدّامهم، إلا الاهتمام بالمظهريّة في كل حياتهم من شعر رؤوسهم حتى أخمص القدمين، يطلبون الزينة الخارجيّة الثمينة التي تخفي حياة داخليّة فارغة بلا عمل ونفس فقدت حياتها!

ينشغل المُرائي بالعِصابة الجميلة والعريضة التي تغطِّي رأسه وذهنه، فلا يفكّر في أمور حياته الداخليّة ولا في خلاص نفسه، فلا يمكن أن يرتفع بذهنه إلى السماويات، إنّما يبقى منشغلًا بالجمال الزمني والمديح الباطل. أمّا الأهداب الذهبية الثمينة فإنها تشل حركة قدميه فيقف جامدًا أسير نظرة الناس، لا يقدر أن يتحرّك في الطريق الكرب المؤدي إلى الملكوت. إنه يخاف على أهداب ثوبه من طريق الملكوت!

يقول القديس جيروم: [كل إنسان يسلك لكي ينظره الناس هو كاتب وفرّيسي... ويل لنا نحن البائسين ورثة رذائل الفرّيسيّين. عندما أعطى الله شريعته لموسى وأوصى "اربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين يديك" (تث 6: 8). وهذا هو المعنى: لتكن تعاليمي على يدك لتتأمّلها نهارًا وليلًا؛ لكن الفرّيسيّين فسّروا الوصيّة حرفيًا فكانوا يكتبون الوصايا العشرة على أربطة صغيرة من الجلد ويطوُونها ويربطونها على رؤوسهم ليحملوها كل يوم أمام الناس. هذه العادة نشاهدها في أيامنا هذه عند الهنود والبابليّين الذين يحملون هذا التاج ليعبروا به أمام الناس... وكانت هذه الأربطة تسمى Phylatères، وهي كلمة مأخوذة عن اليونانيّة تعني "حماية". وحسب مفهومهم أن من يحملها يقتني حماية خاصة. هكذا لم يفهم الفرّيسيّون أنه يجب حمل الوصايا في القلب وإنما على الجسد. هذا وكانت خزائنهم وصناديقهم مملوءة كتبًا ولكن ليس لهم معرفة الله

لا يمس الرياء مظهر ثيابهم فحسب، وإنما يبتلع كل حياتهم، فيطلبون الكرامة البشريّة أينما وُجدوا، إن دُعوا كمجاملين في الولائم أو كقادةٍ في المجامع أو حتى إن ساروا في الأسواق

=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

ويحبُّون المتكأ الأول في الولائم،

والمجالس الأولى في المجامع،

والتحيَّات في الأسواق،

وأن يدعوهم الناس: سيِّدي، سيِّدي"
[ متى 23 : 6-7].



إذ يسحب الرياء قلب المعلّم من أعماقه الداخليّة ليلهيه في العصابة التي يغطي بها رأسه وأهداب ثوبه، تبقى حياته الداخليّة في فراغٍ شديدٍ، فلا يقدر أن يطلب ما يخصّ حياته أو حياة إخوته، إنما يطلب ما هو لمجده الباطل. فإن دُعي في وليمة بدلًا من مشاركته الآخرين أفراحهم أو آلامهم بالحب الداخلي العملي يتسابق على المتكأ الأول. وإن جلس في مجمع لا يهتمّ بتقديم ما هو للبنيان، إنّما يطلب المجلس الأول. وإن نزل إلى الأسواق، لا يلتقي مع الشعب كواحدٍ منهم، بل يطلب التحيَّات والألقاب ليسمعهم يخاطبونه: "سيِّدي، سيِّدي". هذا كلّه دعا المعلّم الأعظم ربّنا يسوع المسيح أن يدخل في بدء خدمته وليمة عرس مُحتلًا الموضع الأخير لكي يخدمهم، مقدّمًا لهم خمر محبّته الفائق عِوض أجران مياه قلوبهم الباردة. وفي المجامع لم يحتل المجلس الأول إنّما بتواضعه كان يسحب الجماهير إلى التمتّع بالحق. لقد نزل إلى الأسواق في تواضع ليحل بين الشعب كواحدٍ منهم، يحملهم على كتفيه بكونهم خرافه الناطقة المريضة؛ يحتضنهم بالحب لينطلق بهم إلى السماويات.




=
 
التعديل الأخير:
أعلى