معجزة نقل جبل المقطم بمصر
صور من الدير المقام حاليا علي جبل المقطم
الأحداث التى مهدت للمعجزة
1) المجادلة الدينية الحادة :
كان المعز لدين الله الفاطمى - كما قلنا سابقاً - محباً لمجالس الأدب ، ومولعاً بالمباحثات الدينية ، وكان يجمع رجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود للمناقشة فى مجلسه ، وأشترط أن يكون ذلك بلا غضب أو خصام ...
وكان فى ديوان المعز رجل يهودى أعتنق الأسلام لكى يعيين وزيراً فى الدولة ، وكان أسم هذا الرجل " يعقوب بن كلس " .
ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصباً لدينه اليهودى، لأنه لم يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب . وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة ، خاصة وأنه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفة ، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيراً عوضاً عنه ، وكان اسمه " قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن " فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى واحداً من بنى قومه يُدعى " موسى " ليجادل البابا البطريرك الأنبا ابرآم فى مجلس الخليفة المعز ...
أرسل الخليفة للآب البطريرك قائلاً :- إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الأساقفة ، فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى ..
حدد البابا الأنبا ابرآم موعداً لذلك ، وأصطحب معه الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ( بالصعيد ) وكان من علماء الكنيسة فى جـــيله ، فهو الذى كتب تاريخ " سير البطاركة " وكان أيضاً لاهوتياً ضليعاً ، وخاصة فى اللاهوت المقارن بين الأديان ، وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها : كتاب التوحيد ، وكتاب الأتحاد الباهر فى الرد على اليهود ... وكتب كثيرة أخرى .
وعندما أستقر مجلس الخليفة ، وكان حاضراً أيضاً الوزير بن كلس اليهودى ، ورفيقه موسى .
فقال المعز للبابا:- تكلم أيها البابا الوقور ، أو أمنح رفيقك الأذن بالكلام.
فقال البابا لأسقف الأشمونين الأنبا ساويرس :- تكلم يأبنى . ولتمنحك الحكمة الألهية حكمة من لدنها.
فقال الأنبا ساويرس بفطنة روحية :- ليس من اللائق أن أتحدث إلى يهودى فى حضرة الخليفة .فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال :- إنك تهيننى فى مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل .
فسأله الأنبا ساويرس بهدوء :- وإن قدمت لكَ الدليل على جهلك ، أفلا تغضب ؟
وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلاغته قائلاً :- لا داعى للغضب فى المناقشة ، لأن الحرية مكفولة لكل منكم ، حتى يعبر كل واحد عن عقيدته بصراحة وبلا حرج .
فقال الأنبا ساويرس بثقة :- لست أنا الذى أصفكم بالجهل ، بل أن نبياً عظيماً نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم .
فسأله موسى اليهودى قائلاً :- ومن يكون هذا النبى ؟
أجابه الأنبا ساويرس على الفور :- أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم : " الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه ، أما أسرائيل فلا يعرف شعبى لايفهم "( أش 1 : 3 ) .
فأنفجر الخليفة المعز ضاحكاً ، إذ أُعجب بفطنة الأنبا ساويرس ، وأُعجب بمهارته فى الحوار ...
ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائلاً :- أهذه كلمات أشعياء النبى حقاً ؟
فكتم موسى اليهودى غيظه ، فأجاب بصوت خفيف :- نعم يامولاى .
فأستطرد الأنبا ساويرس فى الكلام قائلاً :- ها أن نبياً عظيماً من أنبيائكم قد أعلن بأن الحيوانات أكثر فهماً منكم .
وكان الخليفة لايزال ثملاً من براعة هذه الدعابة ، ورأى أن يكتفى بذلك فى تلك الجلسة .
2) المؤامــــرة الخبيثة :
كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية ، هو ورفيقه موسى اليهودى ... فقررا الأنتقام من الأنبا ابرآم والأنبا ساويرس بتدبير مؤامرة تقضى على الأقباط جميعاً . فأخذ موسى اليهودى يفتش فى الأنجيل المقدس عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث ، فوجد الآية المقدسة التى قالها رب المجد يسوع المسيح " لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ، ولايكون شئ غير ممكن لديكم " ( مت 17 : 20 ) .
أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز ، وقالا له :- وجدنا فى أنجيل النصارى أنه مكتوب
" أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل الجبل"
فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلام . فإن لم يستطيعوا وجب عقابهم لبطلان دينهم ...
صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكراً فى هذه الآية ، ورأى أنه إذا كان كلام الآنجيل صحيحاً فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقاً ، ويكون موقعها أروع إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل (24) ... أما إذا عجزوا عن تنفيذ هذا الكلام ، كان ذلك دليلاً قاطعاً على بطلان دين النصارى ، ومن ثمَ تحتم إزالة هذا الدين من الوجود .
أرسل الخليفة المعز إلى البابا الأنبا ابرآم السريانى ، فحضر اليه وتكلم معه عن أمر هذه الآية ، وأن عليه أن يختار أمراً مما يآتى (25) :-
1) إما تنفيذ هذه الوصية ، ونقل الجبل الشرقى المقطم .
2) وإما أعتناق الإسلام ، وترك الدين المسيحى لبطلانه .
3) وإما ترك البلاد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر .
4) أو الأبادة بحد السيف (26) .
أطرق القديس البطريرك مصلياً فى قلبه ، ليرشده الرب فى هذه المحنة ... ثم طلب من الخليفة أن يمهله ثلاثة أيام ، ثم يرد عليه جواباً .
3) المنادة بصوم واعتكاف :
رجع البابا إلى مقره حزيناً ، وأصدر منشوراً عاماً يأمر فيه جميع المسيحيين فى مصر بالصوم ثلاثة أيام إلى الغروب ، مع أقامة الصلوات الحارة من أجل سلامة الكنيسة ، وأنقاذها من هذه المحنة ... يالها بصيرة روحية وحكمة سماوية .. تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن .. فما اروع ماتصليه الكنيسة فى القداس الألهى قائلة : " لأننا لانعرف آخر سواك .. أسمك القدوس هو الذى نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس ... "
بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة ، وطلب الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة ، والكهنة والأراخنة والرهبان ... وذكر لهم ماحدث بينه وبين الخليفة المعز ، وقال لهم :
- علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها ، ليترأف الله علينا بنعمته ، ويهئ لنا طريق النجاة .
أستجاب الجميع لنداء البابا ، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها ، وأقيمت القداسات ، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة ..
وأعتكف البابا الأنبا ابرآم ، مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة بكنيسة السيدة العذراء بالمعلقة لمدة هذه الأيام الثلاثة ..
† يتبــ†ــع †
الأحداث التى مهدت للمعجزة
1) المجادلة الدينية الحادة :
كان المعز لدين الله الفاطمى - كما قلنا سابقاً - محباً لمجالس الأدب ، ومولعاً بالمباحثات الدينية ، وكان يجمع رجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود للمناقشة فى مجلسه ، وأشترط أن يكون ذلك بلا غضب أو خصام ...
وكان فى ديوان المعز رجل يهودى أعتنق الأسلام لكى يعيين وزيراً فى الدولة ، وكان أسم هذا الرجل " يعقوب بن كلس " .
ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصباً لدينه اليهودى، لأنه لم يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب . وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة ، خاصة وأنه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفة ، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيراً عوضاً عنه ، وكان اسمه " قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن " فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى واحداً من بنى قومه يُدعى " موسى " ليجادل البابا البطريرك الأنبا ابرآم فى مجلس الخليفة المعز ...
أرسل الخليفة للآب البطريرك قائلاً :- إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الأساقفة ، فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى ..
حدد البابا الأنبا ابرآم موعداً لذلك ، وأصطحب معه الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ( بالصعيد ) وكان من علماء الكنيسة فى جـــيله ، فهو الذى كتب تاريخ " سير البطاركة " وكان أيضاً لاهوتياً ضليعاً ، وخاصة فى اللاهوت المقارن بين الأديان ، وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها : كتاب التوحيد ، وكتاب الأتحاد الباهر فى الرد على اليهود ... وكتب كثيرة أخرى .
وعندما أستقر مجلس الخليفة ، وكان حاضراً أيضاً الوزير بن كلس اليهودى ، ورفيقه موسى .
فقال المعز للبابا:- تكلم أيها البابا الوقور ، أو أمنح رفيقك الأذن بالكلام.
فقال البابا لأسقف الأشمونين الأنبا ساويرس :- تكلم يأبنى . ولتمنحك الحكمة الألهية حكمة من لدنها.
فقال الأنبا ساويرس بفطنة روحية :- ليس من اللائق أن أتحدث إلى يهودى فى حضرة الخليفة .فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال :- إنك تهيننى فى مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل .
فسأله الأنبا ساويرس بهدوء :- وإن قدمت لكَ الدليل على جهلك ، أفلا تغضب ؟
وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلاغته قائلاً :- لا داعى للغضب فى المناقشة ، لأن الحرية مكفولة لكل منكم ، حتى يعبر كل واحد عن عقيدته بصراحة وبلا حرج .
فقال الأنبا ساويرس بثقة :- لست أنا الذى أصفكم بالجهل ، بل أن نبياً عظيماً نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم .
فسأله موسى اليهودى قائلاً :- ومن يكون هذا النبى ؟
أجابه الأنبا ساويرس على الفور :- أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم : " الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه ، أما أسرائيل فلا يعرف شعبى لايفهم "( أش 1 : 3 ) .
فأنفجر الخليفة المعز ضاحكاً ، إذ أُعجب بفطنة الأنبا ساويرس ، وأُعجب بمهارته فى الحوار ...
ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائلاً :- أهذه كلمات أشعياء النبى حقاً ؟
فكتم موسى اليهودى غيظه ، فأجاب بصوت خفيف :- نعم يامولاى .
فأستطرد الأنبا ساويرس فى الكلام قائلاً :- ها أن نبياً عظيماً من أنبيائكم قد أعلن بأن الحيوانات أكثر فهماً منكم .
وكان الخليفة لايزال ثملاً من براعة هذه الدعابة ، ورأى أن يكتفى بذلك فى تلك الجلسة .
2) المؤامــــرة الخبيثة :
كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية ، هو ورفيقه موسى اليهودى ... فقررا الأنتقام من الأنبا ابرآم والأنبا ساويرس بتدبير مؤامرة تقضى على الأقباط جميعاً . فأخذ موسى اليهودى يفتش فى الأنجيل المقدس عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث ، فوجد الآية المقدسة التى قالها رب المجد يسوع المسيح " لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ، ولايكون شئ غير ممكن لديكم " ( مت 17 : 20 ) .
أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز ، وقالا له :- وجدنا فى أنجيل النصارى أنه مكتوب
" أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل الجبل"
فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلام . فإن لم يستطيعوا وجب عقابهم لبطلان دينهم ...
صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكراً فى هذه الآية ، ورأى أنه إذا كان كلام الآنجيل صحيحاً فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقاً ، ويكون موقعها أروع إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل (24) ... أما إذا عجزوا عن تنفيذ هذا الكلام ، كان ذلك دليلاً قاطعاً على بطلان دين النصارى ، ومن ثمَ تحتم إزالة هذا الدين من الوجود .
أرسل الخليفة المعز إلى البابا الأنبا ابرآم السريانى ، فحضر اليه وتكلم معه عن أمر هذه الآية ، وأن عليه أن يختار أمراً مما يآتى (25) :-
1) إما تنفيذ هذه الوصية ، ونقل الجبل الشرقى المقطم .
2) وإما أعتناق الإسلام ، وترك الدين المسيحى لبطلانه .
3) وإما ترك البلاد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر .
4) أو الأبادة بحد السيف (26) .
أطرق القديس البطريرك مصلياً فى قلبه ، ليرشده الرب فى هذه المحنة ... ثم طلب من الخليفة أن يمهله ثلاثة أيام ، ثم يرد عليه جواباً .
3) المنادة بصوم واعتكاف :
رجع البابا إلى مقره حزيناً ، وأصدر منشوراً عاماً يأمر فيه جميع المسيحيين فى مصر بالصوم ثلاثة أيام إلى الغروب ، مع أقامة الصلوات الحارة من أجل سلامة الكنيسة ، وأنقاذها من هذه المحنة ... يالها بصيرة روحية وحكمة سماوية .. تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن .. فما اروع ماتصليه الكنيسة فى القداس الألهى قائلة : " لأننا لانعرف آخر سواك .. أسمك القدوس هو الذى نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس ... "
بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة ، وطلب الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة ، والكهنة والأراخنة والرهبان ... وذكر لهم ماحدث بينه وبين الخليفة المعز ، وقال لهم :
- علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها ، ليترأف الله علينا بنعمته ، ويهئ لنا طريق النجاة .
أستجاب الجميع لنداء البابا ، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها ، وأقيمت القداسات ، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة ..
وأعتكف البابا الأنبا ابرآم ، مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة بكنيسة السيدة العذراء بالمعلقة لمدة هذه الأيام الثلاثة ..
† يتبــ†ــع †
التعديل الأخير: