مت 4 :1 ثم اصعد يسوع الى البرية من الروح ليجرب من ابليس
بدأ الإنجيلي حديثه عن التجربة بكلمة "ثم"، وكأن التجربة أمر طبيعي كان لزامًا للسيّد الذي قبل أن يدخل إلى مياه المعموديّة نيابة عنّا، فاتحًا لنا طريق الملكوت، واهبًا إيّانا حق البنوّة للآب فيه، أن يدخل في صراعٍ مفتوحٍ مع إبليس رئيس مملكة الظلمة. وكأن ملكوت السماوات الذي قدّمه لنا المسيّا لنا الملك قد كلّفه الكثير، فلم يقف الأمر عند تجسّده ودخوله مياه المعموديّة، وإنما دخل معركة طويلة ظهرت إحدى صورها في التجربة على الجبل، وتلألأت في كمالها على الصليب. ونحن أيضًا إذ ندخل المعموديّة، ونلبس المسيح نلتزم بالدخول في المعركة التي تثيرها الظلمة، فوراء كل نعمة إلهيّة حرب روحيّة.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم حيثما وُجد المسيح لا بُد من معركة روحيّة. لقد فتح لنا السيّد بنفسه طريق التجربة، قائلًا: "قد دُستُ المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 63: 3)، حتى يشتهي كل منّا أن يصعد بقيادة الروح القدس أرض المعركة وحده، ليس من أبٍ يسند أو أمٍ، إنّما يحمل فيه السيّد المسيح الغالب، الذي وحده يقدر أن يحارب بنا وعنّا لحساب مملكته فينا.
رأى الرسول بولس في السيّد مثالًا حيًا لكل نفس تدخل برّيّة التجارب، لكنّه ليس مثالًا خارجيًا بعيدًا عنّا نتمثل به، إنّما هو المثل الحيّ الذي يفيض علينا بإمكانيّات النصرة، فتُحسب إمكانيّاته إمكانيّاتنا، إذ يقول: "من ثَمّ كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء، لكي يكون رحيمًا، ورئيس كهنة أمينًا في ما لله حتى يكفر عن خطايا الشعب، لأنه في ما هو قد تألّم مُجرَّبًا يقدر أن يعيّن المجرّبين" (عب 2: 17-18). أمّا سرّ نصرة السيّد فهي أنه دخل المعركة دون أن يُوجد لإبليس موضعًا فيه، فلا يقدر أن يدخل فيه أو يغتصب ما له، إذ يقول السيد: "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء" (يو 14: 30)، ويقول الرسول بولس: "مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطيّة" (عب 4: 15).
* أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر كما انتصر هو حين جُرِّب
الأب سرابيون
* إذ هو شفيعنا يساعدنا أن نغلب في التجربة وقد صار مثالًا لنا.
* يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يُعلِّم أولاده كيف يحاربون
القديس أغسطينوس
* حقًا كان لائقًا بذاك الذي جاء ليحل موتنا بموته، أن يغلب أيضًا تجاربنا بتجاربه
الأب غريغوريوس (الكبير)
=