البشارة بالتجسد الإلهي

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


البشارة بالتجسد الإلهي


"وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل أسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود إسمه يوسف واسم العذراء مريم.." (لو 1 : 26، 27)



أولا : منذ خمسة أشهر سبق فبشر الملاك زكريا الكاهن، والآن مع بداية الشهر السادس جاء يبشر القديسة مريم، لكن شتان بين البشارتين، البشارة الأولى لزكريا الكاهن تمت داخل الهيكل أثناء العبادة الجماعية، وبطريقة شعر بها الكهنة والشعب الذى كان واقفا يصلى بالخارج، كانت بشارة بميلاد أعظم المواليد من النساء؛ يوحنا المعمدان!!

أما البشارة الثانية فتمت فى بيت مجهول فى قرية فقيرة بطريقة سرية لم يلمسها حتى صاحب البيت نفسه.. يوسف النجار.. وقد كانت بشارة بتجسد الكلمة نفسه!!

لقد أخلى الإبن ذاته حتى فى البشارة به، لم تتم بين الكهنة ولا فى داخل الهيكل ولا على مستوى الجماعة، إنما تمت مع فتاة فقيرة فى مكان بسيط..



ثانيا : أرسل الملاك إلى "عذراء مخطوبة لرجل"... لماذا لم يرسل إلى عذراء غير مخطوبة؟

إن وجود الخاطب أو رجل لمريم ينزع كل شك من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها..

لقد وصفها الكتاب المقدس بصفتين فى آن واحد، أنها زوجة وعذراء، فهى عذراء لأنها لم تعرف رجلا -سواء قبل أو بعد ولادة السيد المسيح- وزوجة حتى تكون فى نظر الناس بلا شائبة من جهة عفتها وطهارتها.

كانت الخطبة فى التقليد اليهودى تعادل الزواج بالمفهوم السائد الآن ما خلا العلاقات الجسدية...

لهذا دعيت القديسة مريم "إمرأة يوسف".

إن وجود القديس يوسف فى حياة العذراء مريم يشكك الشيطان فى أمر المولود ويربكه من جهة التجسد الإلهى، لقد سبق للسيد المسيح أن أوصى تلاميذه ألا يقولوا لأحد أنه المسيح
(مت 16 : 22)..
كما منع الذين شفاهم من إظهار أسمه، وأمر الشياطين ألا تتكلم عن إبن الله
( لو 4 : 35).



ثالثا : كرر الأنجيلى كلمة "عذراء" وكأنه أراد تأكيد عذراويتها ليعلن أن السيد المسيح ليس من زرع بشر.



والدة الإله مع المخلص في يوم الميلادرابعا : جاءت تحية الملاك : "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت فى النساء " لو 1 : 28

لم تكن بالتحية العادية وإنما جاءت تحية فريدة حملت كل معنى الفرح، إنه فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم، وكأن القديسة مريم العذراء قد نالت بأسم الكنيسة كلها التى هى عضو فيها فرحا فائقا خلال تجسد الله الكلمة وحلوله فيها.

انفردت العذراء بدعوتها " الممتلئة نعمة "، إذ وحدها نالت النعمة التى لم يقتنها أحد غيرها، إذ أمتلأت بمواهب النعمة.

التحفت بالنعمة الإلهية كثوب..

وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية..

فى القلب تنعمت بالزيجة مع الله..

وتسلمت الله فى أحشائها.

حديث الملاك للعذراء

" فلما رأته إضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية.. فقال لها الملاك : لا تخافى يا مريم، لأنك وجدت نعمة عند الله
( لو 1 : 29، 30 ).

لقد اضطربت العذراء ولم تستطع أن تجاوبه إذ لم يسبق لها أن قدمت تحية لرجل من قبل، لكنها إذ عرفته من هو أجابته، هذه هى التى كانت تخاف الحديث مع رجل صارت تتحدث مع ملاك بلا خوف.

لا نستطيع أن ننكر أن ما اتسمت به العذراء من حياء شديد وتكريس كامل لحساب الرب، وعدم رغبتها فى الزواج كما يظهر من قولها للملاك : [ كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلا ] لكنها كانت الأنسانة الفعالة فى الجماعة المقدسة، فعالة بصلواتها وتقواها، وفعالة أيضا بقبولها عطية الله الفائقة
( تجسد الكلمة فى أحشائها )
، وفعالة فى الخدمة ففى أول معجزة للسيد المسيح طلبت منه " ليس لهم خمر " يو 2 : 3، ورافقت السيد المسيح حتى الصليب وبعد الصعود كانت مع التلاميذ تسندهم، فالبتولية لا تعنى السلبية إنما إيجابية الحب الباذل المعلن خلال العبادة والعمل فى حدود مواهب الأنسان التى يتسلمها من الرب نفسه، لذلك يقول القديس أغسطينوس : لا تكرم البتولية من أجل ذاتها وإنما لإنتسابها لله..

جاء الوعد الإلهى للقديسة مريم على لسان الملاك : " وها أنت ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيما وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " ( لو 1 : 32 ).

إذ سمعت القديسة مريم الوعد الإلهى بروح الأتضاع وفى إيمان دهشت إذ كان الوعد فريدا لم تسمع فى الكتب المقدسة إنسانا ناله لهذا تساءلت : " كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟! فأجاب الملاك وقال لها : الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى إبن الله " ( لو 1 : 34، 35 ).

يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتولية، فلو أنها كانت تود الزواج لما قالت هكذا ؛ بل تقول " متى يكون هذا؟! "..... منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج، لقد وضعت فى قلبها أن تكون بتولا للرب فحل البتول فيها ليقدس فيها بتولية الكنيسة الروحية.. وكما يقول القديس أغسطينوس : [ اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولى... فقد أكد السيد المسيح بتولية القلب التى يريدها للكنيسة أولا خلال بتولية جسد مريم، فالكنيسة وحدها هى التى تستطيع أن تكون بتولا فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو البتول، إذ تقدم له ذاتها تماما].

أمام هذا الأعلان أحنت رأسها بالطاعة لتقول : " هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك "
( لو 1 : 38 ).

زكريا الكاهن شك فى إنجاب زوجته، ولكن العذراء سمت بإيمانها على الكاهن ؛ فالكاهن أخطأ وتوارى والعذراء قامت بإصلاح الخطأ ].

العذراء تصف نفسها أمة للرب مع أنها إختيرت أما له، فإن الوعد الذى تحقق لم يسقطها فى الكبرياء.



لقاء مريم بأليصابات

إن كانت القديسة مريم قد صارت ممثلة للبشرية المؤمنة، أو ممثلة للكنيسة بكونها قبلت الأيمان بوعد الله وانحنت ليحل كلمة الله فيها، فانها إذ تمتعت بالكلمة داخلها لم تستطع إلا أن تنطلق " بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا "
( لو 1 : 39 )
– لتلتقى بنسيبتها أليصابات... صورة حية للكنيسة الحاملة للعريس فيها والتى لن تستريح بل تنطلق عبر الأجيال كما على الجبال لكى تقدم عريسها لكل نفس فى العالم.

حسب المنطق البشرى كان يلزمها أن تتوارى وتبحث الأمر فى نفسها كما مع خطيبها لتدبير أمر الحبل والميلاد، لكنها وقد حملت ذاك الذى يحمل هموم العالم ويدبر كل الأمور لم تفكر فيما هو لنفسها بل بروح الخدمة انطلقت إلى الجبال إلى مدينة يهوذا تخدم أليصابات.

نلاحظ فى هذا اللقاء المبارك :

1- حسب المنطق الإلهى فإن الكبير يطلب الصغير.. ويبحث عنه لكى يضمه بالحب ويحمله على منكبيه... هكذا " الله أحبنا أولا "، لقد بادر بالحب ونزل إلينا إذ لا نقدر نحن أن نرتفع إليه.. هو ينحنى ليحملنا من التراب وينتشلنا من الأعماق ليدخل بنا إلى أحضان الآب ويرفعنا إلى سمواته، يسوع وهو فى بطن العذراء يسرع بتقديس يوحنا المعمدان الذى كان لم يزل بعد فى بطن أمه، ويسوع ذهب إلى يوحنا إذ أراد يسوع أن يقدس معمودية يوحنا بنفسه ليعتمد.

إن حملنا مسيحنا القدوس نتقدس فننطلق إلى كل موضع مشتاقين أن يقدس الكل معنا!

2- استحقت مريم أن تكون والدة الإله فصار عليها أن تصعد الجبال وتبقى فى المرتفعات!

3- إذ حملت القديسة مريم كلمة الله محب البشر جاء لقاؤها مع أليصابات رقيقا للغاية، تحمل روح الخدمة فى اتضاع.

4- دخلت مريم لبيت أليصابات تحمل عريسها فى أحشائها لذلك إذ سلمت عليها يقول الأنجيلى : " فلما سمعت أليصابات سلام مريم أرتكض الجنين فى بطنها، وأمتلأت أليصابات من الروح القدس "( لو 1 : 41 ).

ليتنا فى زياراتنا ولقاءاتنا مع الآخرين نحمل إليهم مسيحنا القدوس الذى يبهج أحشاءهم الداخلية ويلهب روحه القدوس فيهم، عوض أن نحمل معنا أفكارا شريرة وكلمات إدانة فنملأهم غما ونطفىء الروح فى داخلهم.

وقد لاحظ الدارسون أن كلمة " ارتكض " بالعبرية جاءت بمعنى " رقص "، هى ذات الكلمة التى أستخدمت حين رقص داود النبى أمام التابوت.

بينما كانت العذراء واليصابات يتحدثان بكلمات النعمة ؛ كان الجنينان يحققان فى الداخل عمل المراحم الإلهية.

إذ إمتلأ يوحنا من الروح القدس تقدس وهو فى بطن أمه لكى يعمد الرب.

5- انطلق لسان أليصابات يعلن عما فى داخلها منسجما ومتناغما مع جنينها يوحنا غذ " صرخت بصوت عظيم وقالت : مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك، فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى؟! فهوذا حين صار صوت سلامك فى أذنى أرتكض الجنين بابتهاج فى بطنى، فطوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب " ( لو 1 : 42 – 45 ).

لقد طوبت اليصابات مريم لأنها صارت أما لله خلال تجسد الكلمة، وقد بقيت الكنيسة عبر الأجيال تطوبها، فقد وقف القديس كيرلس الكبير يتحدث أمام آباء مجمع أفسس، قائلا : [ السلام لمريم والدة الإله، كنز العالم كله الملوكى، المصباح غير المنطفىء، اكليل البتولية، صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، الأم وعذراء، السلام لك يا من حملت غير المحوى فى أحشائك البتولية المقدسة ".




تسبحة العذراء

إذ انطلق لسان أليصابات يطوب العذراء لأنها آمنت بالمواعيد وحملت كلمة الله فى أحشائها، إنطلق أيضا لسان العذراء بالتسبيح لله، وهكذا تحول اللقاء إلى ممارسة لحياة تعبدية على مستوى تسبيحى ملائكى، يمجد الله ويعلن أسراره الفائقة بفرح.

" فقالت مريم : تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى " ( لو 1 : 46 – 47 ).

هنا النفس والروح يشتركان فى التعظيم، لقد أساءت حواء إلى خالقها حين شوهت روحها بالعصيان وأفسدت خليقة الله الصالحة، فلم تعد حياتها تمجد الخالق ولا أعماقها تعلن عن بهائه، وقد جاءت القديسة مريم تحمل كلمة الله فى أحشائها يرد لنفسها جمالها الأول وتصير روحها مبتهجة بكونها صورة الله ومثاله.

" تعظم نفسى الرب.... " عندما يزداد بر الأنسان بداخله يزداد بهاء الرب ولمعانه بداخله، أما عندما نخطىء تصغر الصورة وتبهت!!

" تبتهج روحى بالله مخلصى.... ".. هذا القول يحمل مفهوما لاهوتيا هاما أن القديسة مريم مع سموها العظيم تحتاج إلى " الخلاص " كسائر البشر.

" نظر إلى اتضاع أمته.... " لم تقل أن الله نظر إلى صلواتها وأصوامها أو سهرها، لقد عرفت الطريق الذى به تنطلق إلى مراحم الله وتغتصب عطاياه وهو " الأتضاع "، فإن كان عدو الخير فقد مركزه خلال الكبرياء، فبلأتضاع تعود النفس إلى الله.

" فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى.... " إننا نطوبها عبر العصور لا كعذراء عاشت ثم ماتت وإنما كعذراء تجلى فى حياتها عمل الله الخلاصى الفائق، لقد تمتعت العذراء بأمومة للسيد المسيح إذ حملته متجسدا فى أحشائها، وقبل هذا حملته بالأيمان فى قلبها.

" صنع قوة بذراعه، شتت المستكبرين بفكر قلوبهم "... تشير " بالذراع " إلى الرب يسوع المسيح الذى ولدته، " وبالمستكبرين " إلى ابليس وجنوده.

" أنزل الأعزاء عن الكراسى، ورفع المتضعين "... غرق إبليس وحكماء الأغريق وكتبة اليهود وفريسوهم فى بحر العظمة الفارغة والخيلاء الكاذبة فأذلهم الله ورفع عليهم قوما إتضعت قلوبهم وخلصت ضمائرهم فقد أعطوا سلطانا ليدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يصرهم شىء..

" أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين ".. جميع البشر ما عدا اليهود أعوزهم مجد الله وذاقوا مرارة الجوع، لم يكن هناك من بين الناس سوى اليهود الذين إستمتعوا بلذة الناموس وتثقفت عقولهم بتعاليم الرسل والأنبياء إذ " لهم التبنى والمجد والعهود والأشتراع والعبادة والمواعيد " رو 9 : 4، ولكن قادهم غرورهم إلى هاوية الشموخ.

لم يقبل اليهود سلطان الحياة وصلبوا المخلص وهجروا ينبوع الماء الحى ولم يقدروا قيمة الخبز الحى النازل من السماء، فلا غرابة بعد ذلك أن ذاقوا مرارة جوع لا يضارعه جوع آخر، أما الأمم الذين قبلوا المخلص فقد أشبعت نفوسهم من دسم الكلمة الإلهية وارتوت قلوبهم بالماء الحى الشافى لأنهم قبلوا الرب يسوع المسيح فحظوا بالمواعيد التى كانت لليهود قبلا.

" عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة ".. لم يعضد شعب إسرائيل حسب الجسد وهو الذى امتاز بالكبر والخيلاء وشمخ بأنفه معتمدا على حسبه ونسبه بل عضد إسرائيل حسب الروح، وتشير الآية أيضا إلى جمهور اليهود الذين قبلوا الرب فاديا ومخلصا "

إذا كان حضور العذراء مريم إلى أليصابات وسلامها جعلا يوحنا وهو جنين يرتكض مبتهجا وأليصابات تتنبأ بعد أن امتلأت بالروح القدس.. إن كان هذا كله قد تم خلال ساعة واحدة، فلنا أن نتصور مقدار النعمة التى حلت على أليصابات ويوحنا طوال فترة الثلاثة أشهر التى مكثتها العذراء فى منزل أليصابات لتخدمها ‍‍‍‍ - ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍فى هذه الأشهر الثلاثة كان يوحنا يتقوى فى حلبة الأبطال ويعد وهو فى بطن أمه لميلاد عجيب وتثقيف أعجب ‍... هكذا كان النبى يوحنا يأخذ المسحة المقدسة ويتهيأ للمعركة الكبرى.



ميلاد صديقنا السماوى

" وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد، فولدت إبنها البكر وقمطته وأضجعته فى المذود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل " ( لو 2 : 6 – 7 )

كيف دخل المسيح البكر إلى العالم وهو بعيد عن العالم بطبيعته ويختلف عن الجبلة البشرية بطبيعتها؟

دخله بأن الله صار إنسانا، ومع أنه ابن الله الوحيد إلا أنه بكر لنا لأننا جميعنا أخوة له وبذلك أصبحنا أبناء الله.

وجد الله أن الأنسان قد انحط إلى مستوى الحيوان ولذلك وضع نفسه كطعام فى المذود حتى إذا نبذنا الطبيعة الحيوانية إرتفعنا إلى درجة الفهم والأدراك التى تليق بالطبيعة الأنسانية، فبأقترابنا إلى المزود إلى مائدته الخاصة لا نجد طعاما ماديا بل خبزا سمائيا هو الجسد الحى.

لم يجد له موضعا بين البشر، إنما وجد له موضعا فى المذود، بين البسطاء والأبرياء، لهذا قال الرب فى الأنجيل : " للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما إبن الأنسان فليس له أين يسند رأسه ".

بينما استقبلت الأرض خالقها فى صمت رهيب، لكن لم يكن ممكنا للسماء أن تصمت فقد جاء ملاك الرب إلى جماعة من الرعاة الساهرين الأمناء فى عملهم وربما كانوا فى بساطة قلوبهم منشغلين بخلاصهم، جاءهم ووقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفا عظيما، " فقال لهم الملاك : لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب، وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا فى مذود ".
( لو 2 : 10 – 12 ).

هؤلاء الرعاة هم رمز للرعاة الروحيين الذين يظهر لهم الرب يسوع المسيح فيبشرون بأسمه فى كل مكان كما بشر رعاة بيت لحم بالمسيح فى بلدتهم هذه على أثر سماعهم أنشودة الفرح والأبتهاج من الملائكة الأطهار.

لننظر مجد المسيح على الأرض وقد تلألأ بالنور وسطع على الرعاة وجمهور الملائكة ينشدون أناشيد الفرح والسرور فقد تنبأ موسى منذ قرون عديدة فقال : " تهللوا أيها الأمم شعبه ".

أشعياء النبى قال : " ها العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو إسمه عمانوئيل، زبدا وعسلا يأكل متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير لأنه قبل أن يعرف الصبى أن يرفض الشر يختار الخير "
( أش 7 : 14 – 15 ).

هوذا " بيت لحم " تضاهى السماء، فتسمع فيها أصوات تسبيح الملائكة من الكواكب، وبدلا من الشمس أشرق شمس البر فى كل جانب.


طوبى لمن يصير قيثارة لتسبيحك، فإن نعمتك تكون هى مكافأته!

انفتحت السماء لتنزل جوقة من الملائكة تشاركنا بهجتنا الروحية، يقول الأنجيل : " وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين : المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ( الأرادة الصالحة ) "
( لو 2 : 13 – 14 ).

إذ مضت الملائكة تشاور الرجال معا منطلقين بشوق وبسرعة، ليلتقوا بهذا المولود العجيب.... جاءوا يشهدون بما قيل لهم عنه، فصاروا كارزين به، إذ قيل : " وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة "..

يقدم القديس مار أفرام صورة مبهجة للقاء الرعاة بالطفل الراعى، إذ يقول :

جاء الرعاة حاملين أفضل الهدايا من قطعانهم : لبنا لذيذا ولحما طازجا وتسبيحا لائقا... أعطوا اللحم ليوسف، واللبن لمريم، والتسبيح للأبن!!

أحضروا حملا رضيعا وقدموه لخروف الفصح! قدموا بكرا للأبن البكر، وضحية للضحية، وحملا زمنيا للحمل الحقيقى، إنه لمنظر جميل أن ترى الحمل يقدم إليه الحمل!

اقترب الرعاة منه وسجدوا له ومعهم عصيهم، حيوه بالسلام.. قائلين : السلام يا رئيس السلام، هوذا عصا موسى تسبح عصاك ياراعى الجميع، لأن موسى يسبح لك، مع أن خرافه قد صارت ذئابا، وقطيعه كما لو أنه قد صار تنينا!

تأثرت جدا القديسة مريم بهذا اللقاء، وكما يقول الأنجيلى : " وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الكلمات متفكرة به فى قلبها " – يقول القديس أمبروسيوس : [ من كلمات الرعاة تحصد مريم عناصر إيمانها ]


التشابه بين القديسة مريم والكنيسة:

القديسة مريم والكنيسة كلاهما أم وعذراء فى نفس الوقت، كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للأبن الذى بلا عيب، فالقديسة مريم هى أم الكلمة الإلهى ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم اعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته.

فى هذا يقول القديس اغسطينوس : " كما ولدت مريم ذاك الذى هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هى أيضا أم ( ولود ) وعذراء، أم فى أحشاء حبنا، وعذراء فى ايمانها غير المنثلم، هى أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفى نفس الوقت هى أم للواحد ‍ ".

القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الأيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية.

تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أى " حواء الجديدة ". فإن القديسة مريم قد ولدت " الأبن المتجسد " واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهى أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد.

تشابه الكنيسة القديسة بكونها " أمة الرب " فهى كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذى يطلبنا فى اتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته.

دعى كل من القديسة مريم والكنيسة ب " المقدسة أو القديسة ". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذى ذكره موسى " مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء "
( تث 33 : 13 ) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة اذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء، يعود فيقرر انها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا : " يمكن أن تقال عن الكنيسة، اذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة، أما الدى فهو الرب، المخلص نفسه ".

شفاعة القديسة هى نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها المجاهدون والمنتصرون الأقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله فى المسيح يسوع ".



شهر كيهك وشفاعة السيدة العذراء

تحتفل الطوائف المسيحية الأرثوذكسية ابتداء من اليوم بالشهر المريمى ( شهر كيهك القبطى ) – حيث تشدو الألحان بتسبيح السيد المسيح من خلال والدة الإله القديسة مريم..

بعد حوالى شهر من الآن نستقبل السيد المسيح – الإله المتجسد – طفلا مولودا فى مذود للبقر بمدينة بيت لحم،.. هناك احتفلت السماء مع الأرضيين من بسطاء الناس من رعاة للغنم مهللين مرنمين الأنشودة الجميلة : " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. "

إن تسابيح كيهك فى الحقيقة تمثل سيمفونية سماوية، لا تمدح القديسة مريم وحدها كوالدة الإله، بل تمدح الكنيسة كلها بكونها المسكن المقدس للإله المتجسد، بمعنى آخر، خلال تجسد ابن الله فى الأحشاء المقدسة للقديسة مريم نرى أبن الله ساكنا فى نفوسنا بتقديس روحه القدوس.

وبجانب تسبيح السيدة العذراء خصص كثير من التسابيح فى مديح بعض القديسين أيضا، وكأنهم يجتمعون معنا لتسبيح الإله المتجسد، مخلص البشرية.

ونحن نقدم للسيدة العذراء باقة ورد وحب مبادلة منا لحبها الكبير للبشرية، وشفاعتها الدائمة عنا أمام ابنها يسوع المسيح لمغفرة خطايانا.

من منا لم يشعر بحب وحنان السيد العذراء له فى حياته، من منا طلب منها معونة بايمان فتخلت عنه، انها تطلب عنا دون أن نسأل، فكم لو سألنا،،

لقد بدأت خدمة السيد المسيح فى عرس قانا الجليل، ( يوحنا 2 : 1 – 5 ) وهناك أجرى أول آياته ومعجزاته، بتحويل الماء إلى خمر.. فمن الذى طلب منه ذلك؟ إنها السيدة العذراء؟!

نلاحظ هنا أن خدمة السيد المسيح بدأت ومعها شفاعة من السيدة العذراء!!

كان المدعوين هم جنس البشر، والخمر التى فرغت هى رجاء البشر، الذى يحتاجه العالم فى كل زمان، والسيدة العذراء التى تشفعت فى أهل العرس " ليس لهم خمر " كانت شفيعة العرس كله، بل وشفيعة كل المتكئين من مشارق الأرض ومغاربها، وستظل هكذا الى الأبد أم قادرة رحيمة ومعينة.

وشفاعتها هى فى أول الشفاعات، وأقوى الشفاعات، تأتى قبل شفاعة الشهداء وجميع القديسين، فهى دائمة الحضور عن يمين الملك، تسأله بدالة الأم والعبدة، فكيف يرفض لها طلبا؟

والسيدة العذراء وهى تمارس تقديم حاجتنا الى السيد المسيح، تمارس عملها معنا كأم ومربية ومعلمة.. اذ توجه قلوبنا خفية نحو وصايا الله لنتممها بكل دقة وأمانة، كما أوصت أصحاب العرس " مهما قال لكم فافعلوه "!! – وذلك عندما نظهر لها احتياجنا ويبدو أمامها لائقا مستحقا الشفاعة كما كان أهل العرس يستحقون.

ونحن حينما نقول عن العذراء " الملكة الحقيقية " التى قامت عن يمين الملك لا نعطيها من عندنا لقبا فخريا بل فى الحقيقة هو اشارة الى مسئولية وعمل العذراء فى العرش الألهى، فإن كان العبد الأمين قد أقامه الرب على عشر مدن فالعذراء الأم الأمينة قد أقامها الله على الكنيسة.

وشفاعة السيدة العذراء لا تبخل بها على غير المسيحيين، فاننا نرى أهل الأديان الأخرى يكرمون العذراء ويتشفعون بها.

والذين ينكرون قوة وشفاعة السيدة العذراء من بعض طوائف المسيحيين هم جهلة يعزلون أنفسهم عن دائرة الحب والرحمة، ويتحججون بالآية التى وردت فى رسالة يوحنا الأولى الأصحاح الثانى : " وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا...."

انهم يخلطون بين الشفاعة الكفارية التى قام بها السيد المسيح على الصليب لخلاص جنس البشر، والتى لا يستطيع أحد أن يقوم بها لا رئيس ملائكة ولا نبيا، بل السيد المسيح وحده لمصالحة آدم وبنيه مع الله الآب عن خطية آدم الأصلية.

أما شفاعة السيدة العذراء والقديسين فهى شفاعة توسلية من أجل مغفرة خطايانا التى نرتكبها كل يوم، ومن أجل الأستجابة لطلباتنا التى تتفق مع مشيئة الله.

هلموا ترتمى فى أحضان السيدة العذراء معانقين إياها "بالسلام"

يدرك الكل بلا استثناء... بأنها العذراء مريم التى استأهلت أن تحمل فى أحشائها الذى يحمل المسكونة والساكنين فيها.

فهى عذراء قبل ولادتها ربنا يسوع المسيح.. وعذراء أثناء ولادته... وعذراء بعد الولادة.

كأوراق الخريف تتساقط الكلمات أمام وصفك.. أيتها القديسة الطاهرة مريم العذراء وتتوارى الورود خجلى أستحياء أمام جمالك.. الذى لا يدانيه جمال يا من ولدت الأبرع جمالا من بنى البشر.

سيدتى العذراء من أين آتى بكلمات تستطيع أن تترجم كمالاتك وطهرك.. وتفردك بصفات لم ولن توجد فى أحد من البشر عبر التاريخ... أجل أيتها العذراء طوبى للأفواه التى تتغنى بأسمك والقلوب التى تلهج بحبك... يا من ارتفعت عن السموات وسموت فوق الشاروبيم... حقا تطلع الرب من السماء فلم يجد من يشبهك... يا ملكة متوجة بالكمال... وزمردة مزدانة بالجلال والجمال.

"من أجل حواء أغلق باب الفردوس. ومن قبل مريم العذراء فتح لنا مرة أخرى" (التسبحة)

بقلم الشماس / رمزى وديع - من كتاب / أمنا العذراء وأحبائها القديسين



URL=http://www.tobikat.com]
3ni0iy9ed.jpg
[/URL]
 

mero_engel

بنت المسيح
مشرف سابق
إنضم
18 سبتمبر 2007
المشاركات
13,193
مستوى التفاعل
262
النقاط
0
الإقامة
في حضن يسوع
موضوع روحي رائه
بشكرك يا نهيسي
تسلم ايدك
ربنا يباركك
 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
موضوع رااااااااائع يا النهيسى
تسلم ايدك
ميررررررسى على الموضوع
ربنا يبارك حياتك
 

kalimooo

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 يونيو 2008
المشاركات
143,887
مستوى التفاعل
1,787
النقاط
113
الإقامة
LEBANON

موضوع رائع جداااا يا النهيسى

شكرااااا جزيلا

ربنا يبارك مجهودك
 

الأخت مايا

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
14 يناير 2008
المشاركات
1,045
مستوى التفاعل
15
النقاط
0
شكرا لك على هذا الموضوع المميز
الله يبارك تعبك
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شكــــــــــرا

للمرور الرائع

جدا

الرب معاكم
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شكــــــــــرا

للمرور الرائع

جدا

الرب معاكم
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شكــــــــــرا

للمرور الرائع

جدا

الرب معاكم
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شكــــــــــرا

للمرور الرائع

جدا

الرب معاكم
 
أعلى