المسيحية والعنف

JOJE

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
23 يونيو 2009
المشاركات
3,384
مستوى التفاعل
14
النقاط
0
لا شك أنّ ظاهرة العنف التي تجتاح العالم في هذه الأيام، ظاهرة تدعو إلى التأمل والقلق. فلقد أصبح الإنسان يقتل أخاه الإنسان بشكل لم يحدث من قبل حتى في أقدم العصور تخلفاً. فالقتل اليوم ليس لأجل قضية ولا يُوجَّه ضد أعداء، بل القتل يتم لشهوة القتل، ويُوجَّه ضد أناس لا علاقة لهم بقضايا، كراكبي طائرة أو سفينة أو مشاة في شارع أو مرتادين في مقهى. وقد يُوجَّه ضد إنسان ينتمي إلى فكر معين أو جنس آخر أو وطن معادٍ، دون أن تكون له مواقف تستدعي القتل علماً أنّ كلَّ هذه المبررات قد وُضعت خطأً لتبرير القتل الذي حرّمه الله. فهو يقتل لمجرد الإنتماء، وهذا ما يسمى بالقتل حسب الهوية.

لكن المتأمل جيداً في كلمات المسيح التي يتعرَّض فيها لظاهرة العنف، لا يجد فيها أي مسحة من الضعف، بل يكتشف فيها قوة غير عادية لنزع بذور الانتقام من داخل الإنسان، ومعالجة العنف بصورة مثلى. ودعونا نقرأ ما قاله المسيح: "سمعتم أنَّه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً. ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين. من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك فلا تردَّه. سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" ﴿متى 5: 38-44﴾.

المسيح هنا يقول إنَّ التجاء شخص ما إلى العنف لتوفير احتياجاته أو فرض آرائه ليس من الإنسانية في شيء. ولا يلجأ إنسان إلى العنف إلا تحت ضغوط اجتماعية ونفسية واقتصادية رهيبة. فبدلاً من أن تدين الضارب وتضربه أي تعاقبه، وبهذا تنتهي المشكلة ظاهرياً، سواء بردعه أو بمنعه عن الضرب غصباً، فمن الأصوب أن تعالج ظاهرة العنف ذاتها، وذلك بأن تمتص الضربة الأولى. فالذي يلجأ للضرب أو الاغتصاب أو تسخير الآخرين، يحتاج إلى عطف لأنه يتصرَّف بدون عقل، ويحتاج إلى من يمتص غضبه ثم يعالجه بعد ذلك. إنَّ امتصاص الضربة الأولى ينزع بذور الانتقام من دواخلنا، ويدعونا للتفكير في احتياجات من يلجأ إلى العنف، سواء احتياجه للثقافة أو للعمل أو للمال. ولذلك يقول المسيح: "من سألك فأعطه". ولم يوضح ماذا سأل وما الذي تعطيه له. إنَّ المسيح يقول ﴿أعطه﴾ ما ترى أنه في حاجة إليه، ربما احتياجه لا إلى ثوب بل إلى إحساس بالأمان...لا إلى عزلةٍ، بل إلى حب وانفتاح وعطاء ذات.

إنَّ مقابلة العنف بالعنف لن يحل المشكلة، بل يزيدها تعقيداً. والمسيح يقول بدلاً من أن ترد بالضرب وتعفي نفسك من المسؤولية، فكر في احتياجات من يلجأ للعنف. إنَّ الذي يريد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، اترك له الرداء أيضاً، لأنَّ دفاعك عن الثوب هو دفاع عن فكر خاطئ أو موقف خاطئ للمجتمع ولك تجاه هذا الشخص. وهذا الموقف الخاطئ هو الذي دفع هذا الإنسان لأن يعتدي عليك ويأخذ ثوبك. لذلك عليك أن تعطيه الثوب والرداء ليهدأ، ويكون هذا اعترافاً منك بخطأ موقفك كشخص وشريك لخطأ مجتمع. ثم عليك أن تهدأ وتقيم حواراً مع نفسك للإجابة على عدة أسئلة هامة جداً: لماذا خاصمني؟! لماذا أراد ثوبي؟ لماذا لجأ للعنف لتحقيق هذا؟!

والسؤال الملح الآن، هو كيف يصل الإنسان إلى هذا المستوى من النضج؟! والمسيح لم يترك هذا السؤال معلقاً بلا إجابة، بل قدم إجابته بحسم وموضوعية، فقال، لكي يصل الإنسان المؤمن إلى هذا المستوى الرفيع من الفكر والروحانية، عليه أن يثق بذاته وبسلطان المسيح فيه.

"سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن، أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك... لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" ﴿متى 5 :38-45﴾.

إنَّ عدم مقاومة الشر وامتصاص نوبة العنف، لا يقدم عليها إلا إنسان واثق بذاته والقوة التي تعمل فيه. فهو ابن لأب يشرق على الجميع مهما كان موقفهم منه، ويمطر على الكل دون تمييز. والثقة بالذات ترفع المؤمن فوق القانون الطبيعي. والسمو فوق القانون يأتي نتيجة الثقة بالعدل والإحساس بالسلطان.

فلكي نحقق الهدف من هذه الوصايا علينا أن نضيق الفارق بين ما نفكر فيه وما نمارسه. إنَّ الفكر هو :لا تقاوموا الشر، والممارسة هي: كيف نحقق هذا رغم الاحتكاك البدني والعنف المادي والنفسي؟! ما ذكره يسوع من إدارة الخد وترك الرداء هي مجرّد أمثلة، وعلينا نحن في عصرنا الحديث، أن نترجم "لا تقاوموا الشر" الترجمة المناسبة، في مواجهة الشرور العصرية، كالضغط النفسي وضغط الإعلام والحرمان من وظيفة أو ترقية...الخ

وليس الغرض فقط أن نرتفع نحن كبشر ونسمو بعدم مقاومة الشر، بل أن نقضي على الشر بصورة إيجابية واضحة، ويتم ذلك بعدم المقاومة. فالهدف هو محاربة الشر والقضاء عليه بصورة يومية ومتكررة.

هل لنا طموح للوصول للكمال؟ إذاً لنتدرب على كيف نحب أعداءنا، وكيف نحقق الهدف من وجودنا في وسط المجتمع الذي نعيش فيه، وكيف نصلح أنفسنا والآخرين دون اهتزاز للثقة بالنفس، ودون إحساس بالضعف. فنحن نقوم بهذا من موقع قوة وسلطان، وفهم وإدراك، ومشاعر وأحاسيس. من موقع المسامحة والصفح والغفران والمحبة كما علَّمنا المسيح.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
للوصول للكمال::: إذاً لنتدرب على كيف نحب أعداءنا، وكيف نحقق الهدف من وجودنا في وسط المجتمع الذي نعيش فيه، وكيف نصلح أنفسنا والآخرين دون اهتزاز للثقة بالنفس، ودون إحساس بالضعف. فنحن نقوم بهذا من موقع قوة وسلطان، وفهم وإدراك، ومشاعر وأحاسيس. من موقع المسامحة والصفح والغفران والمحبة كما علَّمنا المسيح.
_________


شكرا للموضوع الرائع ___ الرب يبارككم


 

JOJE

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
23 يونيو 2009
المشاركات
3,384
مستوى التفاعل
14
النقاط
0
للوصول للكمال::: إذاً لنتدرب على كيف نحب أعداءنا، وكيف نحقق الهدف من وجودنا في وسط المجتمع الذي نعيش فيه، وكيف نصلح أنفسنا والآخرين دون اهتزاز للثقة بالنفس، ودون إحساس بالضعف. فنحن نقوم بهذا من موقع قوة وسلطان، وفهم وإدراك، ومشاعر وأحاسيس. من موقع المسامحة والصفح والغفران والمحبة كما علَّمنا المسيح.
_________


شكرا للموضوع الرائع ___ الرب يبارككم



شكرا النهيسي علي مروك ربنا يبركك ويعوضك خير
 

kalimooo

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 يونيو 2008
المشاركات
143,887
مستوى التفاعل
1,787
النقاط
113
الإقامة
LEBANON


جميل يا جوجي

شكراااااا على الموضوع الرائع

ربنا يبارك حياتك
 

KOKOMAN

.
مشرف سابق
إنضم
9 سبتمبر 2007
المشاركات
122,437
مستوى التفاعل
413
النقاط
0
الإقامة
ALEX
موضوع جميل جدا
ميرررررسى على الموضوع
ربنا يبارك حياتك

 
أعلى