التدقيق والوسوسة

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,201
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
التدقيق والوسوسة

لقداسه البابا

ولكن فليحرص كل إنسان أن يفرق بين التدقيق والوسوسة. الوسوسة هي الضمير الذي يظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ، أو الذي يكبر من قمة الأخطاء فوق حقيقتها، أو الذي تحاربه عقدة الإثم بدون سبب معقول أو الذي يخرجه حب التدقيق إلى التطرف البعيد عن الحق، فيؤثم تصرفات سليمة...
كلمة اسلكوا بتدقيقوالوسوسة لون من الحرفية والفريسة وهي سطحية بلا فهم. ومثالها ما كان يراه الكتبة والفريسيون دقة في تقديس يوم السبت وهي لم تكن دقة، وإنما حرفية بلا روح، وبلا عمق، وبلا فهم سليم للوصية.

ونحن نرفض أن نسمي هذا الوضع تدقيقاً. إنما التدقيق هو التصرف الروحي السليم، الذي هو في وضع وسط بين التسيب والوسوسة.

إنه يذكرنا بميزان الصيدلي كل مادة في تركيب الدواء، يكون وزنها دقيقاً جداً. إن زاد قد يضر، وإن نقص قد يضر.

وهكذا تكون حياة التدقيق روحياً.. الإنسان المدقق يراقب نفسه ويحاسبها، ولا يتساهل معها في شئ. له مبادئ وقيم يدقق في حفظها ولا يسمح لنفسه أن يهبط مطلقاً عن مستوي هذه القيم والمبادئ التي تمثل علامات واضحة في طريقة الروحي.





أهمية التدقيق



إن التدقيق هو من أهم معالم الطريق الروحي. والإنسان الروحاني يدقق في كل شئ. يدقق في كل علاقاته مع الله ومع الناس، ومع نفسه. يكون مدققاً في كل تصرف، وفي كل كلمة وكل فكر. ويكون مدققاً من جهة حواسه ومشاعره واتجاهاته. ومن جهة مواعيده ووقته والنظام الذي يسير عليه

والإنسان المدقق، لا يكون مدققاً فقط وهو مع الناس. وإنما حتى حينما يكون وحده في حجرته الخاصة.

إن التدقيق في التصرف قد يكون سهلاً نوعاً في حضرة الناس. لأننا بطبيعتنا لا نحب أن ينتقدنا الناس، أو نخشى أن نكتشف أمام الناس، وتظهر أمامهم عيوبنا وأخطاؤنا. ولذلك فإن المقياس الحقيقي لتدقيقنا، يظهر حينما نكون وجدنا لا يبصرنا أحد. فإن كنا مدققين فيما بينا وبين أنفسنا، يكون هذا تدقيقاً حقيقياً وليس ريائياً.
كلمة اسلكوا بتدقيقالإنسان الروحي يصبح التدقيق جزاءاً تلقائياً من طبعه وليس مجرد محاولة أو تدريب.

إنه إنسان تعود أن يكون مدققاً في كل شئ بدوافع داخلية فيه تمثل بعضاً من مبادئه وقيمه...

وحتى إن كان الناس لا يرونه، فإنه يحب أن يكون بلا لوم أمام الله الذي يراه، وأمام الملائكة الذين يرونه، وكذلك من أرواح القديسين...

فهل أنت في داخلك نفسك تكون مدققاً بغض النظر عن أحكام الناس؟
هنا ونسأل، ما هو التدقيق؟

التدقيق هو حرص من أقل خطأ هو تصرف سليم متزن في احتراس، وفي سعي نحو أكمل وضع ممكن، بغير تسيب ولا تراخ ولا إهمال، وفي بعد عن الضمير الواسع الذي يبرر كثيراً من الأخطاء.

والتدقيق خطوة نحو الكمال فالذي يدقق محترساً من الوقوع في الصغائر من الصعب أن يقع في الكبائر. الذي يحترس بكل قوته لكي لا يقع في الخطية بالفكر، ليس من السهل أن يقع في الخطية بالعمل.




مجالات التدقيق




الإنسان المدقق حريص على وقته يري أن الوقت هو جزء من حياته فهو يحرص على هذا الوقت واستخدامه له. ولا يضيع دقيقة واحدة منه فيما يندم عليه، أو فيما لا يستفيد منه. وهو يوزع هذا الوقت توزيعاً عادلاً على كافة مسئولياته.

وفيما هو يحرص على وقته، يحرص بالتالي على دقة مواعيده، وعلى نظام حياته فلا تضيع أوقاته عبثاً.

وكما يكون مدققاً من جهة وقته، يكون أيضاً مدققاً من جهة وقت غيره.

نقول هذا لأنه قد يوجد إنسان وقته رخيص عنده، فيظن أن وقت الآخرين رخيص أيضاً عندهم. فيزور غيره أو يكلمه أو يشغله مضيعاً وقته، بينما هذا الغير لا يعرف في خجل كيف يهرب منه؟!
أما الإنسان المدقق فهو يحترم حياته ووقته، ويحترم حياة الآخرين ووقتهم. ولا يسمح أن يضيع وقته في التوافه أو أن يعطى حديثاً أو مشغولية أو زيارة فوق ما تستحق من وقت.

ويحرص أن يعطي روحياته وقتها يكون دقيقاً في الوقت الذي تسمح به حياته للصلاة والتأمل والقراءات الروحية، والوقت الخاص بالكنيسة والخدمة والاجتماعات. ويكون دقيقاً أيضاً في حفظ يوم الرب، وكل ما يتعلق بحياته الروحية، فلا تضيع في زحمة المشغوليات.

وهو دقيق من جهة صلواته يحرص أن تكون صلاة بكل ما تحمل كلمة صلاة من معني، بكل ما يجب لها من فهم، ومن حرارة وخشوع، ومن عمق وإيمان وحب واتضاع.. لا يسرع فيها السرعة التي تفقدها عمقها، ولا يترك عقله في طياشة وعدم تركيز.

ولا يهمل قانونه ومزاميره وساعاته إنه إنسان يعبد الله في تدقيق كذلك إذا رشم علامة الصليب إنما يفعل ذلك بكل دقة، بكل ما تحمل علامة الصليب. من معان عقائدية وروحية، وبكل ما فيها من احترام ومن تأثر روحي، ومن ثقة في فاعليتها.

ولا تكون عنده علامة الصليب مجرد حركة سريعة بلا خشوع ولا فهم كما يفعل البعض..

وفي دخوله إلى الكنيسة دقيقاً وفي حركاته فلا يتلفت هنا وهناك، ولا يتحدث داخل الكنيسة مع هذا أو ذاك، ولا ينشغل بغير العبادة، ولا يسرع في مشيته اسراعاً يتنافي مع الخشوع وهيبة المكان. إنما يدخل إلى الكنيسة في هدوء وهو يرتل يتنافي مع الخشوع وهيبة المكان. إنما يدخل إلى الكنيسة في هدوء وهو يرتل قول المزمور " أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك ".

ويسجد، ويقف في مكانه بكل مهابة، مدققاً في كل ما يفعله بسلوك روحي، وبحفظ دقيق لعقله وحواسه وقلبه، بحيث حينما يقول الكاهن "أين هي عقولكم؟" فيجيب (هي عند الرب) فيكون صادقاً تماماً... والإنسان الروحي يكون مدققاً أيضاً في أفكاره لا يتباطأ مطلقاً في طرد أي فكر خاطئ بل يحرص أيضاً أن يبعد عن الأفكار الزائلة الباطلة التي لا منفعة فيها، ويحاول بقدر إمكانه أن يجعل فكره نقياً بالله، بعيداً عن الطياشة.

ويجعل أمامه قول الرسول "مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح" (2كو10: 5). أما الذي يتساهل مع الأفكار، فهو ليس دقيقاً في ضبطه لفكره.

الإنسان الروحي ينبغي أن يكون أيضاً في كلامه إنه يزن كل كلمة قبل أن يقولها، سواء من جهة معنى الكلمة أو قصدها، أو مناسبتها للمجال أو للسامعين.

إن الذي يتكلم ثم يندم على ما يقول، هو غير مدقق في كلامه. والذي يتكلم ثم يعاتبونه على معني كلامه، فيقول: ما كنت أقصد.. هو أيضاً غير مدقق في كلامه. كذلك الذي يتكلم فيجرح شعور غيره بغير حكمة..

إن السرعة في الكلام من الأسباب التي تؤدي إلى عدم التدقيق فيه. إن السرعة في ابدأ الرأي... والسرعة في الحكم على الآخرين... والسرعة في الاستسلام للغضب... كل ذلك يعرض الإنسان للخطأ، فلا يكون مدققاً في كلامه، ولا يكون موفقاً في كلامه..

أما الذي يتباطأ، ويزن الكلمة قبل أن يقولها، فهذا يكون أكثر تدقيقاً. لذلك يقول الرسول " ليكن كل إنسان مسرعاً إلى الإستماع، مبطئاً في التكلم ، مبطئاً في الغضب" (يع1: 19).

وفي الإبطاء، أو التفكير المتزن، يقدر الإنسان أن يتحكم في ما يريد أن يقوله ويتخير الألفاظ المناسبة، ويكون مدققاً أكثر في كلامه. لأن الكلمة بعد أن يلفظها لا يستطيع أن يغيرها أو يسحبها لقد حسبت عليه..!

وكما يدقق الإنسان في كلامه، ينبغي أن يدقق في مزاحه وضحكه. فلا يتحول ضحكه إلى نوع من التهكم على غيره والاستهزاء به، وجعله مادة لفكاهاته ولسخريته وتسلية الناس!!

وبهذا يكون الضحك وسلية لجرح شعور غيره. من حق الإنسان أن يضحك مع الناس. ولكن ليس من حقة أن يضحك على الناس!

لهذا فإن الإنسان الروحي ينبغي أن يكون مدققاً في ضحكة ومرحه، حتى لا يجرح أحداً أو يهين أحداً، ولو في مجال مزاح، ولو عن غير قصد...

ولا يجوز أن يقول أية فكاهة تعجبه، غير مبال بتأثيرها على السامع، إن كان فيها ما يسمه...

والإنسان الروحي يكون مدققاً أيضاً في نقده، وفي عتابه، وفي توبيخه ولا يجرح فيما يحاول أن ينصح. ولا يوبخ فيحطم.

ولقد حذرنا سيدنا يسوع المسيح قائلاً " من قال لأخيه رقاً يكون مستوجب المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى5: 22). وكلمة رقاً هي أقل كلمة تخلو من الاحترام...

كم مرة يستخدم المتكلمون كلمة حق "أحمق" ومترادفاتها العديدة، في شتى الألفاظ التي يعبرون بها في غير تدقيق، عن استصغارهم لعقول غيرهم ومستوي تفكيرهم. أما المدقق فلا يفعل هكذا.

لاحظوا كيف تخير السيد المسيح أرق الألفاظ في الحديث مع السامرية بحيث قادها إلى التوبة، دون أن يجرح شعورها على الإطلاق. ولو أراد أن يستخدم ما يسميه الناس بالصراحة، أو بمواجهة المخطئين، لنفرت منه هذه المرأة وما كسب روحها...

الإنسان المدقق تظهر دقته في أداء أية مسولئة تعهد إليه أياً كانت هذه المسئولية روحية أو مادية أو اجتماعية. ودقته هذه تقوده إلى النجاح وإلى الإتقان، وإلى احترام الناس له وثقتهم به. وهو لا يحاول أن يتعذر بأية أعذار لتبرير موقفه إن لم يكن مدققاً. لأن المدقق لا يبرر تصرفاته مهما حدث ويرى أن محاولة التبرير ضد التدقيق للأسف. هناك كثيرون يدققون في محاسبة غيرهم. ولا يدققون في محاسبة أنفسهم بنفس القياس.

هم مع غيرهم في منتهى الشدة أما مع أنفسهم فما أكثر الأعذار بينما العكس هو ما ينبغي أن يكون.

حاسب نفسك بتدقيق شديد، ولا تعذر ذاتك. أما بالنسبة إلى الآخرين فحاول أن تلتمس لهم عذراً.

نلاحظ أن السيد المسيح أعطانا مثالاً لهذا في قوله عن خطيئتك "الخشبة التي في عينك" وقوله عن خطيئة الآخرين " القذى الذي في عين أخيك" (متى7: 3). هكذا ينبغي أن تحكم على أخطائك بالخشبة، وعلى أخطاء غيرك بالقذى.

مشكلة الإنسان في حياة التدقيق، أنه يقسم الخطايا إلى صغيرة وكبيرة، ويستأهل في الأمور الصغيرة!

ومن الجائز أن هذه الأمور الصغيرة في نظره، ليست هي صغيرة في الحقيقة. وحتى إن بدت صغيرة ستتحول إلى كبائر فيما بعد. والإنسان الروحي لا يستهين بأي خطأ ولا يحسبه صغيراً. لأن الخطية خاطئة جداً. وكل خطية تؤدي إلى الهلاك، لأن " أجرة الخطية موت" (رو6: 23). وهي تفصله عن الله، لأنه " لا شركة بين النور والظلمة" (2كو6: 14).

إن أي عيب في شئ، ينقصه كماله. وأية بقعة في ثوب تشوه نظافته مهما كانت صغيرة.

الإنسان الروحي يدقق في مقاومة الخطية، ويحترس لئلا يقع فيها.

حتى تأتيه الخطية فيقاومها، بل يكون حريصاً في البعد عن الخطية، وفي سد جميع مسالكها بحيث لا تجد منفذاً إليه. وإن حاربته خطية يكون دقيقاً جداً في طردها عنه. إنه دقيق في كل تصرفاته.

يستمع داماً إلى قول الرسول " انظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء" (أف 5: 15). لذا فهو يدقق في كل ما يعمله، في العمل ذاته، وفي وسيلته وفي نتائجه سواء بالنسبة إليه أو إلى غيره. حتى الأشياء التي هي سليمة في ذاتها، ولكن قد تكون غير مناسبة حسب قول الرسول " كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء تبني" (1كو10: 23).

أنه يدقق في كل حركاته. في دخوله وفي خروجه. في صورته وفي مشيته...

لا ينسي نفسه، فيعلو صوته على من هو أكبر منه، أو يقاطعه ليتكلم هو! وفي انتقاله، كما قال الشيخ الروحاني " بالرفق يفتح بابه ويغلقه " وفي كلامه يحترس من أن يتطور مزاحه إلى العبث أو التهكم. ويحترس أن يتطور من سرد قصة إلى الإدانة. ويحترس أن ينتقل من الأمور إلى التسلط، أو ينتقل من القدوة إلى محبة المديح وأعلان الذات. كذلك يكون مدققاً في عدم التحول من الموضوعية إلى النواحي الشخصية.

إن كل خطوة عنده لها حسابها لا تجرفه التيارات السائدة، ولا يجاري الأخطاء الشائعة. ولا ينحدر من وضع إلى آخر بدون تفكير.

إنه مدقق في علاقته في الله مدقق في حفظ الوصية، ومدقق في عودة لله، وفي كل نذوره، وفي عشوره وبكوره، لا يساوم الله، ولا يرجع في عهد قطعه أمامه.
 

kalimooo

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 يونيو 2008
المشاركات
143,884
مستوى التفاعل
1,788
النقاط
113
الإقامة
LEBANON
ن كل خطوة عنده لها حسابها لا تجرفه التيارات السائدة، ولا يجاري الأخطاء الشائعة. ولا ينحدر من وضع إلى آخر بدون تفكير.

إنه مدقق في علاقته في الله مدقق في حفظ الوصية، ومدقق في عودة لله، وفي كل نذوره، وفي عشوره وبكوره، لا يساوم الله، ولا يرجع في عهد قطعه أمامه.



موضوع رائع ومميز اخي

شكرااااا جزيلا

ربنا يبارك مجهودك


 
أعلى