"لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فاني جئت لأفرّق الانسان ضد ابيه والابنة ضد امها والكنة ضد حماتها. واعداء الانسان اهل بيته. من احب ابا او اما اكثر مني فلا يستحقني. ومن احب ابنا او ابنةاكثر مني فلا يستحقني. (مت 10: 34-37)".
هذه كلمات قاصية جداً للوهلة الأولى ولكنها نابعة من معرفة الله لخليقته و هي تصور محبة الله الكاملة " نحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي للّه فينا. الله محبة و من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه . (1 يو 4 : 16)".
نعم الرب لم يأتي ليلقي سلاماً بشرياً على الأرض لقد جاء بالسلام الإلهي النابع من محبته الفائقة لنا. هذا هو السيف الذي أتى به الرب ليعيدنا جميعاً إلى أحضان الآب السماوي, هذا السلام الذي جعل يهوذا يسلمه و اليهود يصلبونه, و هذا هو السلام الذي كان جهالة لليونانيين و لجميع الأمم. هذه هي المحبة التي رأها اللص على الصليب فصرخ و قال : " اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. (لو 23 : 42)", و هذه هي المحبة التي إجتاحت قلوب كثيرين و لامستها فخاف اليونان, اليهود, الوثنيين, و كل ملوك الأرض... فقتلوا أولادهم, أهلهم, أقاربهم, أصحابهم و كل الذين آمنوا بالمسيح... فكان الشهاداء و القديسين أمناء للمحبة الإلهية الكاملة...
من لم يقبل المسيح فهو عدو أهل بيته إذا كانوا سالكين في طريق الرب و حسب تعليمه. فإن الصفة الأولى للعائلة المسيحية هي بوجود المسيح محوراً لهذه العائلة. محور لجميع الأفراد الذين يتجهون نحو المسيح و بمحبته تتحد هذه العائلة و تواجه صعوبات هذه الحياة. هذا الإتحاد لا يكون كاملاً إلا بإشتراكنا في الذبيحة الإلهية فنتحد مع باقي المؤمنين و نصبح جميعنا أعضاء واحدة بجسد الرب يسوع المسيح مخلصنا. إذاً لا وجود لعائلة مسيحية خارج المسيح و الكنيسة.
"من أحب أباً و أماً... و من أحب إبناً و إبنةً..." الكلام واضح و الوصية واضحة و هي محبة... "ان قال احد اني احب الله وابغض اخاه فهو كاذب. لان من لا يحب اخاه الذي ابصره كيف يقدر ان يحب الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصية منه ان من يحب الله يحب اخاه ايضا. (1 يو 4 : 20-21)".
الرب هنا يركذ على أهمية المحبة و يقارنها بالمحبة التي يجب أن تكون إتجاهه "من أحب ... أكثر مني". المطلوب أن تكون محبتنا إتجاه الأب و الأم و الإبن و الإبنة هي نفس المحبة التي يجب أن تتجه للرب يسوع و لكن لكي نستحق الرب فيجب أن نحبه كثيراً جداً فهو أحبنا حتى الموت فأسلم نفسه و صلب من أجلنا و من أجل كل العلم...
الحقيقة اليوم, أنه نادراً ما نلاحظ عائلة تدخل الكنيسة, عائلة تجتمع حول مائدة الطعام, عائلة تتحاور و تناقش, عائلة تصلي... الأسباب متعددة و كثيرة و لكن السبب الأساسي هو تغيب المحور و بالتالي أصبح كل شخص مستقل عن الآخر إلى أقصى الدرجات و هذا أدى لتفكك أسري خطير سيؤدي بالقريب العاجل إلى تفكك المجتمع و إنحطاته... الحل الوحيد هو أن نعود و نتمحور حول المسيح و نتسابق بمحبة بعضنا البعض تعبيراً لمحبتنا للمسيح و تجسيداً لمحبته لنا.
لنربي أولادنا إذاً على القيم المسيحية منذ الصغر, و نعلمهم الصلاة و القراءة بالإنجيل و قصص القديسين. و لنواظب معهم على المشاركة في القداس الإلهي كل أحد و نكون (الأب و الأم) قدوة أمامهم.
فلنجتمع و لو مرة واحدة في اليوم حول مائدة الطعام شاكرين الرب على نعمه الكثيرة معلمين أولادنا الصلات قبل وبعد الأكل.
لنصلي مع أولادنا قليلاً قبل النوم و قليلاً في الصباح قبل إنطلاقهم إلى المدرسة و إنطلاقنا إلى العمل.
و لنشعرهم بحضور الله الدائم و أنه معنا في كل حين لذلك يجب أن نتصرف دائماً كما يحب الرب.
دعونا نبعد عنهم حب المادة و لا نجعلهم يشعرون أبداً بهذا العبء مهما كانت الظروف التي تمر بها العائلة. و نفهمهم أن السعادة ليست مرتبطة بالمادة بل هي مرتبطة بنا كعائلة واحدة مجتمعة تحب الرب يسوع.
ليتفادى الأهل النقاشات و الخلافات أمام أولادهم و ليظهروا لهم المحبة الكاملة التي تتجلى بالتعامل و طريقة الكلام. و ليحل الأهل خلافاتهم سريعاً بعيداً عن أولادهم و دون أن يشعروهم بشيء.
لنجلس قربهم حين يدرسون حتى لو لم يكونوا بحاجة إلى مساعدة.
و لنسأل أولادنا عن مدرستهم و كيف يمضون أوقاتهم و لنسمعهم و نحاورهم و نحفظهم من الكذب و الغش و ننصحهم و نظهر لهم كل محبة.
الرب يسوع المسيح يحفظكم و عائلاتكم من التجارب و من الشرير إلى الأبد.