بقلم: البابا شنودة الثالث

george007

New member
عضو
إنضم
24 ديسمبر 2005
المشاركات
70
مستوى التفاعل
2
النقاط
0
بقلم: البابا شنودة الثالث

بقلم: البابا شنودة الثالث


ما أجمل وأعمق ذلك المثل الصيني الذي يقول:
'بدلا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة'
حقا، ان مجرد لعن الظلام لا ينقذ احدا من ظلمته. ولكن الظلام ينقشع من تلقاء ذاته، بعمل ايجابي هو نشر النور، ولو علي الاقل باضاءة شمعة..
وهكذا في اي مجتمع قد توجد اخطاء أو نقائص أو مشاكل. واذا بمحبي الاصلاح يتجهون إلي اتجاهين: احدهما يضج ويصيح لكي يفضح هذه الاخطاء، أو انه يبكي بسببها وينوح وينعي الخير الذي ضاع اما الاتجاه الاخر، فهو العمل الايجابي الذي يكتب صفحة جديدة ناصعة في تاريخ المجتمع، في هدوء وفي قوة.. وهذا هو الاكثر ثباتا وتفهما.
اثنان ينظران نارا تشتعل في مبني.. فيقيم احدهما ضجة بسبب هذا الحريق.. اما الآخر ففي ايجابية يبذل كل الجهد في اطفاء النار..
اثنان يمران بشاطئ البحر.. واذا بشخص في خطر يكاد يشرف علي الغرق.. فيظل احدهما يوبخه: كيف ينزل إلي البحر وهو لا يجيد السباحة؟! اما الآخر فينزل بسرعة لكي ينقذ ذلك الانسان من الغرق.. وفي كل ذلك يبدو الفرق بين المنشغل بالسلبيات وبين العمل الايجابي البناء..

*****

غالبية الناس يركزون جهدهم الإصلاحي في ان يلعنوا الفساد.. و هذا امر سهل يقدر عليه كل احد. ولكن من بين كل هؤلاء من يهتم بشرح الاسلوب العملي الايجابي للقضاء علي الفساد..
سهل جدا ان توبخ فكرة خاطئة. ولكن الاصلح ايجابيا ان تقدم الفكرة الصائبة، وتشرح اسلوب تنفيذها..
اتذكر وانا شاب صغير انه كان لي زميل في الدراسة يسرف في التدخين.. فاخذت انصحه كثيرا، واحدثه عن مضار التدخين الذي فيه يفقد صحته وارادته وماله.. واذا بهذا الزميل يقول لي 'لا تتعب نفسك كثيرا في الشرح.. فانا بالخبرة أعرف اضرار التدخين اكثر منك.. ولكن المشكلة هي كيف يمكنني ان اتخلص عمليا من هذه العادة؟!
نعم، ان الحديث عن الاخطاء سهل. اما العمل علي علاج تلك الاخطاء، فهو العمل الايجابي البناء.. والكلام الموجع ليس هو الذي يصلح الاخطاء.. انما تصلحها الخطة الايجابية العملية الممكنة التنفيذ.

*****

كذلك هناك فرق بين شرح الخطأ للوقاية منه، وبين الحديث عن الاخطاء للتشهير بالمخطئين باسلوب لا يصلحهم بل يثيرهم.
هناك فرق جوهري بين الفأس التي تقلب الارض لزراعتها، و الفأس التي تضرب في البناء لتهدمه..!
ما اسهل الإدانة والشجب بإمكان كل شخص ان يدين وان يشجب.. اما المساهمة الا يجابية في الإصلاح، فهي العمل النافع.. النقد سهل.. وقد يكون النقض ايضا سهلا..
ان كاتبا بسيطا يمكنه ان ينقد قصيدة لشاعر مشهور. .ولكن هذا الناقد ربما لا يستطيع ان يكتب بيتا واحدا من الشعر!
وكثيرون من الذين يستهزئون بعمل غيرهم، هم انفسهم لا يعملون!
قد يدعي القدرة علي العوم اولئك الذين يقفون علي الشاطئ..فإن نزلوا إلي البحر وسط امواجه حينئذ يختبر ادعاؤهم..
ان السلبيات قد تهدم.. اما الايجابيات فهي التي تبني.. والهدم عمل سهل.. اما البناء فيحتاج إلي مهارة ووقت.. يستطيع شخص بقنبلة ان يهدم في لحظات عمارة شاهقة.. ولكن بناء اية عمارة يحتاج إلي هندسة وفن ومدي زمني.. وهذا البناء عمل انفع وابقي.

*****

وكما ان نقد الاخطاء لا يصححها، ولا التشهير بها يصلحها.. كذلك الحزن علي المشاكل لا يحلها.. بل يحلها العمل الايجابي












ان الحزن علي المريض لا يشفيه من مرضه.. انما يكون الشفاء عن طريق وصف العلاج وتقديم الدواء.
والحزن بسبب انتشار الجهل أو الامية لا يفيد شيئا، بل النافع هو نشر التعليم ومحو الامية.












ويوسف الصديق لم يحزن من فرعون علي سنوات الجوع القادمة. انما قدم الحل الايجابي وهو تخزين القمح ليكون تموينا لسد احتياجات تلك السنوات. وكان هذا هو النافع عمليا.












والمعروف ان كثيرين قد بكوا وحزنوا بسبب تجريف بعض الاراضي الزراعية واستخدامها في اقامة المباني. ولكن الحزن لم يحل تلك المشكلة.. انما كان حلها بالعمل الايجابي الفعال، الذي تمثل في مشروع تعمير الصحاري واستصلاح الاراضي وحفر الآبار، وما نتج عنه من اضافة مئات الآلاف من الافدنة إلي الرقعة الزراعية في بلادنا، مع ما صاحب ذلك من اعمال التنمية.












كذلك ان كنا ذاهبين إلي مكان ما، ووجدنا قناة أو مجري من الماء يعوقنا عن الوصول: هل الحزن في هذه الحالة ينفعنا؟! ام ان الذي ينفعنا هو اقامة جسر نصل به إلي المكان الذي نريده؟
هذا هو العمل الايجابي الذي يلزمنا في كل امور حياتنا، اكثر من الضجيج والنقد والشجب والسخرية.

*****

والذين سجلت اسماؤهم في التاريخ، هم الذين انشغلوا بالعمل الايجابي البناء ، قد نجحوا فيه.
ولعل اولهم في تاريخ مصر هو الملك مينا الذي وحد القطرين وانشأ اول مملكة مصرية في عهد الفراعنة.
ونحن نذكر بالخير كل الذين ساهموا في العمل البناء في تاريخ مصرالحديث. ومن بينهم طلعت حرب الذي ساهم في بناء اقتصاد مصر، واسس البنوك والشركات. وسعد زغلول الذي جاهد حتي صدر دستور سنة 1923 وقاسم امين الذي جاهد لتحرير المرأة.. واحمد لطفي السيد الذي عمل لإنشاء الجامعة، وغيرهم من البنائين المهرة.
ان العمل الايجابي هو دائما العمل المفيد، وهو المقبول من الجميع، ولا يعترض عليه احد.

*****

هناك مؤرخون كتبوا التاريخ.. ولكن اعظم منهم من صنع التاريخ.. صناع التاريخ لا يمكن نسيانهم، سواء في مجال السياسة أو العلم.. قد يكتب المؤرخون عن استقلال الهند بعد خضوعها فترة للاحتلال البريطاني.. اما صانع هذا التاريخ فهو المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند، الذي لم يقم اطلاقا بايذاء احد. انما بالعمل الايجابي البناء، أوصل الهند إلي الاستقلال، وصارت لها حكومة وطنية وبرلمان.












كذلك لايستطيع التاريخ ان ينسي برايل، الذي استطاع ان يخترع طريقة الكتابة علي البارز، للمكفوفين يستطيعون بها القراءة والكتابة.. وايضا كل الذين قاموا بعمل ايجابي بناء في مجال الطب والدواء لا يمكن ان ينساهم التاريخ.

*****

ونحن نري في مجتمعنا بعض مشاكل لا يمكن ان يحلها الصياح ولا الضجيج ولا التشهير.. انما تحتاج إلي عمل ايجابي بناء..
هناك مشاكل اقتصادية. مشاكل تختص بالبطالة وبارتفاع الاسعار. كذلك مشكلة التضخم السكاني، ومشكلة الدروس الخصوصية ومشكلة الإثارة ومشكلة الجمع بين الانضباط والحريات..
ومشاكل اخري اجتماعية وسياسية وفكرية..
كيف يمكن حلها جميعا بطريقة عملية وحضارية في نفس الوقت؟
بحيث نتعاون جميعا في الحل، بغير صراع واصطدام..
ان مشكلة البطالة مثلا: لا يمكن ان تحلها مهاجمة المسئولين في الحكومات المتتابعة. فكيف تحل؟
لو كنت انت ايها القارئ رئيسا للدولة أو رئيسا للحكومة، فماذا كنت ستفعل عمليا؟ ماذا تقترح للحل؟
علي ان يكون الحل يمكن تنفيذه، ومضمونة نتائجه عمليا وعلميا.. هل نطرح السؤال ، ونتلقي الاجابات ونصنفها ونحللها؟
هل نقيم ندوات لبحث موضوع البطالة من ندوات اخري لبحث باقي المشكلات؟ نعم، ما الحل الايجابي العملي البناء؟
 

antoon refaat

حب الله افضل
عضو مبارك
إنضم
9 ديسمبر 2005
المشاركات
1,048
مستوى التفاعل
21
النقاط
0
اوكي يا ابن عمي الموضوع يهوس
 
أعلى