سجود التلاميذ للرب يسوع بعد تجربة بطرس...
كان يسوع يصلّي في ليلة تضيئها رحمته. وكان التلاميـذ، في السفـينـة، تلطمهـم الأمـواج في وسـط البحر. وعند آخر الليل (أي في ربعه الأخير)، جاء الربّ إليهم ماشيًا على البحر. رآه التلاميذ، واضطربوا جدًّا، وقالوا: "هذا خيال". ومن الخوف صرخوا. فبادرهم يسوع قائلاً لهم: "ثقوا. أنا هو، لا تخافوا!". فأجابه بطرس: يا ربّ، إن كنتَ إيّاه، فمُرني أن آتي إليك على الماء". فقال: "تعال". وأتى (متّى 14: 22- 29).
هذا الخبر أساسُهُ أنّ يسوع قضى الليل في الصلاة. لم يكن يحتاج إلى أن يشدّد نفسه (كما قد يحسب بعضٌ)، بل أن يخاطب الله أباه، بل أن يرعى العالم، ولا سيّما تلاميذه الذين كانوا في عرض البحر. فيسوع يصلّي من أجل أن يكشف أنّه والآب واحد، ويصلّي من أجل أن ندرك أنّه يرأف بنا، ويرعانا دائمًا. ويصلّي أيضًا، لنتعلّم أن نتمثّل به، ونُدرك السبيل الذي يجعلنا نغلب كلّ خوف يُصيبنا، وعذاب يعترينا، وضياع يضربنا. فالصلاة هي سبيلنا الثابت، لنطأ كلّ بحور خطايانا التي تحوط بنا، وتلطمنا بسهولة.
كان التلاميذ في البحر. قضوا الليل كلّه يتعذّبون. في ما كانوا يفكّرون قَبْلَ أن يأتي معلّمهم؟ هل سألوا عنه، عن مكانه، عمّا يفعله فيما يتهدّدهم خطر الموت؟ لا يُظهر الخبر شيئًا من هذا. ليس من كلام، إلى الآن. كلّ ما نقرأه أنّهم كانوا يتعذّبون. ثمّ أطلّ يسوع ماشيًا على البحر. فنطقوا. ولكنّهم قالوا شيئًا يشبه الهلوسة. قالوا "هذا خيال". عادةً، الإنسان يتعلّق، في أوان المحن، بحبال الهواء. هم لم يفعلوا. هل خوفهم جعلهم يشكّون في كلّ شيء؟ هل حسبوا أنّ سلامتهم غير ممكنة؟ هل استسلموا لأزمتهم؟ هل أحسّوا بأنّهم قد أضاعوا رجاء خلاصهم؟ هذا، إلى الآن، ما يبدو عليه حالهم.
وأمّا الربّ الذي يعمل في الآن دائمًا، فاقتحم خوفهم وضجيج البحر ودويّ صراخهم. اقتحمهم، وجعلهم يسمعونه. صحّح غشاوة قلوبهم بكلمته. ما من أمر يحول دون أن تصل كلمة الله. أتى. وكشف نفسه لِمَنْ يحبّهم. وكيف فعل؟ قال لهم ما بهم. وقال ما يحتاجون إليه. وهكذا دعاهم إلى الثقة به، إلى أن يطردوا كلّ خوف بإعلانه أنّه هو نفسه موجود "الآن هنا". فقال بطرس له ما قاله. وأجابه الربّ: "تعال". ومشى بطرس.
مشى على الماء. فعل ما فعله معلّمه تمامًا. صارا كلاهما فوق البحر. ولكنّ بطرس "خاف عندما رأى شدّة الريح، فأخذ يغرق". وصرخ إلى الربّ أن ينجّيه. ونجّاه. "مدّ يده لوقته، وأمسكه، وهو يقول له: "يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟". ولمّا ركبا السفينة سكنت الريح". فسجدوا له كلّهم، واعترفوا بأنّه "ابن الله حقًّا" (30- 33).
إذا تأمّلنا في ما نقلناه هنا، فلا يفوتنا أنّ بطرس خاف إذ أزاح عينيه عن وجه معلّمه. وهذا يردّنا إلى ما قرأناه عن خوف التلاميذ قَبْلاً. عندما قرأنا خوف التلاميذ، لم نقل، حينئذٍ، بوضوح ظاهر، إنّ الخوف هو أن ينتفي حضور الله من عينينا.
كنّا نريد أن نقوله. ولكنّنا انتظرنا اللحظة التي تُبيِّن أنّ التلاميذ (ولا سيّما بطرس) أدركوا إعلان الربّ أنّه هنا حقًّا. وأمّا بعد إعلانه، فبات واضحًا أنّ خوفهم، وخوف بطرس ضمنًا، إنّما يعني أن يُغفل هذا الظهور المنقذ. كلّ خوف إغفال أنّ الله معنا. وما يزيد بيانًا أنّ بطرس عرف أنّ مَنْ أمامه هو الربّ، صرخ إليه أن ينجّيه.
وفعل يسوع لوقته. لا يسمح الربّ لأحبّائه بأن يغرقوا في بحر معاصيهم، بل ينتشلهم توًّا. ووبّخ بطرس على عدم إيمانه. وقال له بلومٍ لا يخلو من رقّة: "لماذا شككتَ؟". لامه على أنّه لم يُكمل مسيرته. لامه على إهماله أنّ المؤمن يجب أن يثق بربّه عندما يطلب إليه ما ينفع خلاصه.
هذا الخبر المُحيي يجب أن يكتب على قلوبنا أنّ مقتضى الجهاد أن نُثبّت عيوننا نحو وجه يسوع الحلو، لنمشي، فيه، إليه. وإنْ غرقنا، فيدعونا إلى أن نصلّي له، ونعطيه أيدينا، لينتشلنا من كلّ مياه قاتلة، ويُدخلنا سفينته، أي كنيسته التي تُعلّمنا أنّه حاضر معنا الآن، لنسجد أمامه، ونعترف، بثقةٍ، بأنّه "ابن الله حقًّا".