تاريخ استخدام كلمة الباراقليط ومعناها وترجماتها المختلفة للقمص عبد المسيح بسيط

The Dragon Christian

مستعدين لمجاوبه
عضو مبارك
إنضم
26 مايو 2010
المشاركات
2,390
مستوى التفاعل
237
النقاط
63
الإقامة
egypt
تاريخ استخدام كلمة الباراقليط


ومعناها وترجماتها المختلفة

[align=justify]


1 - الباراقليط والعهد الجديد:
وردت كلمة باراقليط ، حرفيا باراكليتوس " Parakletos - ParάklhtoV " ، في العهد الجديد وبالتحديد في الإنجيل للقديس يوحنا والرسالة الأولي للقديس يوحنا خمس مرات فقط ، أربع مرات في الإنجيل ومرة واحدة في رسالته الأولى ، ولم ترد ثانية في بقية العهد الجديد . وفيما يلي الظروف التي تحدث فيها الرب يسوع المسيح عن هذه الكلمة :
قبل القبض عليه ومحاكمته ، وفي لقائه الأخير مع تلاميذه قبل صلبه وموته جسديا ثم قيامته ، أخذ الرب يسوع المسيح يحدث تلاميذه ، بعد أن كشف لهم حقيقة علاقته بالآب ووحدة الآب والابن في الطبيعة والذات الإلهية لله الواحد ، الموجود بذاته والناطق بكلمته والحي بروحه القدوس ، ووجوده الأزلي السابق لخليقة العالم (يو14و17) ، عن اختفائه عنهم بالموت جسديا ثم ظهوره لهم بعد قيامته فقال لهم :
" بعد قليل لا يراني العالم أيضا وأما انتم فترونني أني أنا حي فانتم ستحيون (يو19:14) ، " بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضا ترونني لأني ذاهب إلى الآب " (يو16:16) ، " فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضا ترونني ولأني ذاهب إلى الآب " (يو17:16) . وكانت أجابته لهم " فقال لهم اعن هذا تتساءلون فيما بينكم لأني قلت بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضا ترونني . الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح انتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح المرأة وهي تلد تحزن لان ساعتها قد جاءت ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد ولد إنسان في العالم فانتم كذلك عندكم الآن حزن ولكني سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم . وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئا الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم . إلى الآن لم تطلبوا شيئا باسمي اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا . قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتى ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية . في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم أني أنا اسأل الآب من أجلكم لان الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وأمنتم أني من عند الله خرجت . خرجت من عند الآب وقد أتيت إلي العالم وأيضا اترك العالم واذهب إلى الآب " (يو19:16-28) .
أعطي الرب يسوع المسيح تلاميذه وصاياه الأخيرة وأخبرهم عما سيحدث لهم من ضيقات ومتاعب واضطرابات واضطهادات لأجل اسمه في الأيام القليلة القادمة ، وكان يقصد بذلك تقوية وتشديد إيمانهم وتعريفهم بما سيحدث لهم حتى يكونوا على بينه مما سيأتي عليهم ، ومن ثم فقد قال لهم تأكيدا لذلك :
" كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم " (يو11:15) .
" قد كلمتكم بهذا لكي لا تعثروا " (يو1:16) .
" لكني قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أني أنا قلته لكم ولم اقل لكم من البداية لأني كنت معكم " (يو4:16) .
" قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية " (يو25:16) .
" قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " (يو33:16) .
وفي أثناء هذا الحديث الطويل حدثهم عن إرساله للروح القدس الذي وصفه بالباراقليط ، أي المعزي أو المدافع أو المحامي فقال :
1 - " أن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي . وأنا اطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر (Пαράλητονaλλον - allon Parakleton ) ليمكث معكم إلى الأبد . روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه . وأما انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم " (يو16:14-18) .
2 - " وأما المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم 000 وقلت لكم قبل الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون " (يو26:14) .
3 - " ومتى جاء المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي . وتشهدون انتم أيضا لأنكم معي من الابتداء " (يو26:15،27) .
4 - " لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق لأنه أن لم انطلق لا يأتيكم المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) ولكن أن ذهبت أرسله إليكم . ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة . أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي . وأما على بر فلاني ذاهب إلى أبى ولا ترونني أيضا . وأما على دينونة فلان رئيس هذا العالم قد دين أن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن . وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية . ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم . كل ما للآب هو لي لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم " (يو7:16-14) .
ثم أستخدم القديس يوحنا بعد ذلك تعبير الباراقليط (Parakletos - ParάklhtoV) عن الرب يسوع المسيح نفسه كالشفيع أو المحامي فقال : " يا أولادي اكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وأن اخطأ أحد فلنا شفيع (Parakleton - Parάklhton) عند الآب يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا " (1يو1:2،2) . وبذلك يكون الباراقليط الأول هو الرب يسوع المسيح نفسه والباراقليط الآخر هو الروح القدس .
2 - المعنى اللغوي لكلمة الباراقليط(1):
الكلمة اليونانية هي " باراكليتوس - Parakletos - Parάklhtoς" من الفعل " باراكليو - Parakalew - Parάkalέw) وجمعه (Parekloun - Parεkάλουν) . وكلمة " باراكليتوس " اسم مفعول ، وتعني في أصلها اللغوي " المستعان به called to one side" ، وقد جاءت في الترجمة السبعينية في أيوب (16 : 2) - في اسم الفاعل بصيغة الجمع - في وصف أصحابه الذين جاءوا إليه في كربه : " معزون - Parakletores - Parάklήtoρες- متعبون كلكم " .
وتعني الكلمة ، في معناها العام ، في الكتابات الأدبية الكلاسيكية اليونانية قبل الميلاد ؛ " شخص يستدعى للمساعدة ، يستدعى ليقدم مساعدة ، بمعنى مساعد في المحكمة ، أي " محام " قانوني أو مستشار للدفاع ، كما استخدمت بصفة خاصة للمبني للمجهول بمعنى " مستدعى " . وهذا المعني القانوني الفني هو الغالب في الاستخدام وتقابله كلمة " محام " أو " مستشار " أو " وكيل دعاوى " . كما استخدمت بمعنى شفيع أو وسيط أو معين بصورة عامة .
3 - الباراقليط والترجمة اليونانية (السبعينية LXX) للعهد القديم (حوالي 275 ق م)(2):
استخدمت كلمة باراقليط (Parakletos - ParάklhtoV) في الأدب اليوناني في القرن الرابع قبل الميلاد بمعنى " شخص يستدعى للمساعدة ، يستدعي لتقديم مساعدة " ، كما بينا أعلاه ، ويعطى معنى المساعدة في المحكمة ، أي محامي أو مدافع أو مستشار قانوني . وعندما ترجم علماء اليهود أسفار العهد القديم إلى اللغة اليونانية المعروفة بالسبعينية حوالي سنة 275 ق م بناء على طلب من الملك بطليموس ملك مصر ، استخدم هؤلاء العلماء الاسم الجمع للكلمة " (Parakletoi - Parάklhtoι) ، وذلك في صيغة اسم الفاعل وبصيغة الجمع - في وصف أصحابه الذين جاءوا إليه في كربه " معزون - Parakletores - Parάklήtoρες- متعبون كلكم " (أي2:16) ، والتي هي في العبرية " منحاميم - معزون "
(3) ، واستخدمت أيضا في سفر زكريا (13:1) في ترجمة قوله " كلمات تعزية - (4)πarάklhtικουςλογους - Logos Parakletikos " .
4 - استخدامها في التلمود والترجوم
(5) :
استخدام كتاَّب اليهود هذه الكلمة " باراقليط " في عدد من المعاني ، فالعمل الصالح يدعي " باراقليط " أو محام ، أما التعدي فيسمي المدعي أو سلطة الاتهام . والتوبة والأعمال الصالحة فيطلق عليها " باراقليط " (بصيغة الجمع) ، فأعمال البر والرحمة التي يقوم بها شعب إسرائيل في هذا العالم ، تصبح عوامل سلام وشفعاء (باراقليط) لهم عند أبيهم الذي في السموات . وذبيحة الخطية هي أيضاً " باراقليط ".
5 - كما استخدمها فيلو الفيلسوف اليهودي
(6) ؛ المعاصر للمسيح ، بمعنى Advocate أي المحامي أو المدافع ، واستخدمها أيضاً بصيغة الجمع "Parakletoi - Parάklhtoι" بمعني ديني يعني المدافعين عن الخطاة أمام الله ، فيقول عن يوسف إنه منح الغفران لأخوته الذين أساءوا إليه ، وأعلن لهم انهم ليسوا في حاجة إلي " باراقليط " أو شفيع . وفي كتابة عن حياة موسى ، ترد عبارة ملفتة للنظر تدل علي أسلوب فيلو في التأويل الروحي للكتاب ، كما تعكس نزعته الفلسفية ، ففي ختام وصفه البليغ للمعاني الرمزية لثياب رئيس الكهنة بكل ما فيها من جواهر ثمينة ، يقول : " إن الأثنى عشر حجراً المرصعة بهما الصدرة علي أربعة صفوف ، وفي كل صف منها ثلاثة أحجار كانت رمزاً للعقل الذي يمسك بالكون ويحفظ نظامه ، إذ كان لابد أن الإنسان الذي كُرِّس لأب كل العالم ، يتخذ ابنه شفيعا ( باراقليط ) ، باعتباره الكامل المطلق في كل فضيلة ، للحصول علي غفران الخطايا وبركات بلا حدود " وهي عبارة شديدة الشبه بما جاء في رسالة يوحنا الأولى (يو1:2) حيث نري المسيح شفيعنا عند الآب ، ولو أن مفاهيم فيلو عن " العقل " و " الابن " ليست هي المفاهيم المسيحية " .
وهكذا فأن تاريخ كلمة الباراقليط (Parakletos - ParάklhtoV) سواء في دائرة الفكر اليوناني أو اليهودي السابق للمسيحية أو الفكر المسيحي يؤكد أنها لا تعني سوى المدافع أو المحامي أو المعزي أو الشفيع . وقد طبقت كل هذه المعاني على السيد المسيح الذي هو الباراقليط الأول والروح القدس الذي هو الباراقليط الآخر . ولا مجال مطلقا لأي إدعاء آخر .
6 - ترجمة الباراكليتوس إلى اللغات الأخرى:
كُتب العهد الجديد باللغة اليونانية وقد كتب القدس يوحنا ، بالروح القدس ، الإنجيل الرابع ورسائله الثلاث فيما بين سنة 60 و95م ، الفترة التي دمر فيها الرومان هيكل سليمان وتشتت فيها اليهود في جميع أنحاء الدول المطلة على البحر المتوسط ، وبعد انتشار المسيحية في هذه الدول ، وكانت اللغة اليونانية هي اللغة السائدة وقتئذ ، وبالتالي فقد كتبت الكلمة في الإنجيل كما هي " (Parakletos - ParάklhtoV) بدون نقل أو ترجمة من العبرية أو الآرامية التي كان يتكلم بها الرب يسوع المسيح . وقد ترجمت في القرون الثلاثة التالية إلى السريانية والقبطية واللاتينية وهي لغات البلاد التي انتشرت فيها المسيحية والتي كانت منتشرة فيها اللغة اليونانية أيضا .
(1) اللغة السريانية: نقلت الكلمة في كل الترجمات السريانية الشرقية كما هي في اليونانية (Parakletos - ParάklhtoV) وقد كتبت بحروف سريانية " ونطقت براقليطا " بمعني المعزي ، وترجمت في السريانية الفلسطينية " منحمنا " أي المعزي .
(2) اللغة القبطية: واستخدمت اللغة القبطية أيضا ، سواء الصعيدية أو البحيرية ، نفس الكلمة كما هي بحروفها اليونانية (Parakletos - ParάklhtoV) بنفس المعني اليوناني ، المعزي ، وأن كانت الصعيدية ترجمت ما جاء في يوحنا الأولى (1:2) " الذي يصلي من أجلنا " عن المسيح " يا أولادي اكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وأن اخطأ أحد فلنا " الذي يصلي من أجلنا (شفيع) (Parakleton - Parάklhton) عند الآب يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا " (1يو1:2،2) .
(3) اللغة اللاتينية: وبنفس الطريقة نقلت الترجمات اللاتينية الكلمة كما هي وكتبتها بحروف لاتينية " Parakletus " وترجموها أحيانا إلى " أدفوكاتوس " Advocatus " أي المدافع ، وأحيانا Consolator أي المستشار القانوني ، وترجمت الفولجاتا (العامية) ما ورد في الإنجيل للقديس يوحنا إلى " Parakletus " وما جاء في رسالته الأولى إلى Advocatus .
7 - الباراكليتوس وآباء الكنيسة:
آمن آباء الكنيسة وعلماؤها منذ نهاية القرن الأول وحتى الآن أن الباراقليط (Parakletos - ParάklhtoV) هو اسم من أسماء الروح القدس وصفة من صفاته ، فهو روح الحق الذي ينبثق من الذات الإلهية لله الواحد ، كما أنه أحد ألقاب الرب يسوع المسيح " الشفيع " . ولم يتخيل أحد هؤلاء الآباء في القرون الأولى أن الباراقليط يمكن أن يعني أي شخص آخر غير الروح القدس أو الرب يسوع المسيح ، ولم ترد هذه الفكرة في خواطرهم على الإطلاق . وإنما ترجموها بمعنى المعزي أو المدافع بالنسبة للروح القدس والشفيع بالنسبة للمسيح .
(1) جاء في الرسالة إلى برنابا التي كتبت فيما بين (سنة70 إلى 100م ) ؛ أن الباراقليط (Parakletos - ParάklhtoV) يعني المعزي Consolerأو المُريح Comforter ، وهذه الصفة كانت معروفة وشائعة عند آباء الكنيسة اليونان (أي الذين كتبوا باليونانية ، خاصة في الشرق) .
(2) العلامة ترتليان (الروح القدس 220م)
(7) : قال العلامة ترتليان من الآباء اللاتين في القرن الثاني " وهو (أي المسيح) الذي سيأتي ليدين الأحياء والأموات ، والذي أرسل أيضا من السماء ، من الآب حسب وعده ، الروح القدس الباراقليط مُقدس هؤلاء الذين يؤمنون بالآب والابن والروح القدس " .
وقال أيضا " يوجد الباراقليط أو المعزي الذي وعد (المسيح) أن يرسله من السماء بعد صعوده إلى الآب . لقد دعي حقا معزيا آخر ، ولكن بأي طريقة هو آخر ؟ مبينا حالا قول المسيح " سيأخذ مما لي " مثلما أخذ المسيح نفسه من الآب . وهكذا فأن صلة الآب في الابن والابن في الباراقليط ثلاثة أقانيم متحدة (منطقيا) ، ومع ذلك يتميز الأقنوم عن الآخر ، وهؤلاء الثلاثة هم جوهر واحد فقط "(8) .
(3) العلامة أوريجانوس (185 - 245م) : قال العلامة المصري أوريجانوس في بداية القرن الثالث : " الروح القدس سماه ربنا ومخلصنا في الإنجيل للقديس يوحنا الباراقليط 000 نفس الروح القدس الذي كان في الأنبياء والرسل "
(9).
وأيضا " يجب أن نعرف أن الباراقليط هو الروح القدس الذي يُعلم الحق الذي لا ينطق بكلمات ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم به ،أي الذي لا يمكن أن يبين بلغة بشرية "(10) . وقال مبينا الفرق بين استخدام الكلمة كصفة للروح القدس وكصفة للرب يسوع المسيح : " وبما أن مخلصنا دعي بالباراقليط في رسالة يوحنا في قوله " وأن اخطأ أحد فلنا شفيع (Parakleton - Parάklhton) عند الآب 000 وهو كفارة لخطايانا " 000 لأنه في اليونانية له كل من المعنيين أي الشفيع والمعزي 000 وعندما يقول " وهو كفارة " يفهم اسم الباراقليط في حالة مخلصنا بمعنى الشفيع لأنه يتوسط عند الآب لأجل خطايانا . وفي حالة الروح القدس يجب أن يفهم بمعنى المعزي لأنه يهب تعزية لنفوس الذين يكشف لهم صراحة أدراك المعرفة الروحية "(11).
(4) وجاء في كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث تسجيل لما حدث لشهداء الغال (177/178م) قوله عن فيتيوس اباجاتوس
(12) الذي شهد ودافع عن أخوته أنه دعي " شفيع المسيحيين ، إذ كان في داخله شفيع ، أي الروح الذي امتلأ به أكثر من زكريا " . وهنا دعي شفيع لأنه كان بداخله الشفيع الذي أرسله المسيح ، أي الروح القدس الذي امتلأ به مثلما امتلأ زكريا بالروح القدس وتنبأ 00
(5) وركز القديس أكليمندس الإسكندري
(13) على فكرة المشير القانوني والنصيحة القانونية ، ويستخدم تعبير " باراكليتون بسيشيس - Parakleton Psyches - παрακλητονψυχης"محامي النفوس.
(6) القديس كيرلس الأورشليمي (314 - 387م ) : قال القديس كيرلس الأورشليمي في حديثه عن أسماء الروح القدس " أنه (الروح القدس) يدعى "روحا " بحسب الكتاب المقدس كما قرأت الآن 000 ويدعى "روح الحق" وفقا لقول المخلص "فمتى جاء روح الحق 000 ويدعى " المعزي أو المؤيد " كما قال " فإن لم أمض لا يأتيكم المعزي 000 ولكن هو واحد بالرغم من له ألقابا مختلفة وهذا واضح لأن الروح القدس والمعزي هما واحد معلن في هذه الكلمات " ولكن المعزي الروح القدس " 000 والمعزي هو نفسه الروح القدس " 000 كما جاء " وأنا اسأل أبي فيعطيكم معزيا آخر يبقى معكم إلى الأبد روح الحق "000 وأيضا ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من عند الآب روح الحق "
(14) .
وهكذا يتضح لنا أن الباراقليط " (Parakletos -Parάklhtoς) حسب ما فهمه آباء الكنيسة في القرون الأربعة الأولى للميلاد ، سواء في الشرق أو الغرب ، هو الروح القدس ، روح الحق المعزي ، الاقنوم الثالث في الذات الإلهية لله الواحد ، والذي سبق أن حل في الأنبياء والرسل والذي أرشدهم إلى الحق كقول العلامة أوريجانوس " الذي يعلم الحق الذي ينطق بكلمات لا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها ، الذي لا يمكن أن يبين بلغة بشرية " . هو الروح القدس الذي يهب التعزية للذين يهب لهم أدراك المعرفة الروحية ، الذي نزل من السماء وحل على التلاميذ بعد صعود الرب يسوع المسيح بعشرة أيام . كما عرفوا أيضا وفهموا من الكتاب المقدس أن المسيح نفسه دعي باراقليط " (Parakletos - ParάklhtoV) بمعنى الشفيع الذي يشفع لنا عند الآب .
8 - الباراقليط والهرطقات(16):
من اشهر الهرطقات التي استخدمت الباراقليط في أفكارها ، هرطقة ماني ، أو ما يسمى بالهرطقة المانوية نسبة إلى ماني . فمن هو ماني ؟ وما هي المانوية ؟ يذكر الأسقف ارخلاوس أسقف Cascher فيما بين النهرين والذي دار بينه وبين ماني هذا نقاش حول بدعته وادعاءاته وأكاذيبه ، وكذلك القديس كيرلس الأورشليمي الذي كتب بعد ظهور هذه البدعة بسبعين سنة ، أنه كان في مصر رجل من أصل شرقي يدعى سيثيانوس Scythianus أمتثل بحياة أرسطو وألف أربعة كتب أسماها " الكنز " و " الفصول " و " الأسرار " و" الإنجيل " والذي لم يكن يحوي شيئاً من أعمال المسيح . ولما مات هذا الرجل ورثه تلميذه تيريبنثوس Terebinthus الذي أنتقل إلى فلسطين ثم حكم عليه بالموت فهرب إلى بلاد الفرس وأستبدل اسمه ببوذا حتى لا يعرفه أحد . ثم أدعى أنه ابن عذراء وأنه وُلد عن طريق ملاك على الجبال . وحدث جدال بينه وبين تلاميذ ميثرا Mithra وبينوا له ضلاله ، فلجأ إلى بيت أرملة لتحميه ، وفيما كان يستدعي شياطين الهواء سقط من على سطح المنزل ومات .
فورثت الأرملة كل ما تركه تيريبنثوس Terebinthus من كتب وتفاسير لهذه الكتب . ولما كانت هذه الأرملة وحيدة اشترت لها ولداً صغيرً في السابعة من عمره اسمه كوبرشيوس Cobricious وحررته وهذبته وعلمته ولما بلغ الثانية عشر من العمر ماتت المرأة وتركت له كل ما تملك من مال وكتب بما فيها الكتب الأربعة التي لسيثيانوس ، وسكن في وسط المدينة بالقرب من ملك الفرس وغير اسمه القديم ، اسم العبودية ، إلى ماني Mani مرادف كوبرشيوس Cobricious في الفارسية . ولما بلغ الستين من عمره وكان قد درس كثيرا وتعلماً علوم كثيرة وأصبح له اسم أدعى أنه الباراقليط ، أي المعزي أو المؤيد الذي وعد المسيح بأن يرسله كرسوله .
ولما مرض ابن ملك الفرس أدعى ماني أنه قادر على شفائه بصلواته زاعما أنه رجل تقي ، فخرج الأطباء وفشل ماني في شفاء الطفل بل ومات الطفل فوضعه ملك الفرس في السجن فهرب منه ولجأ إلى بلاد ما بين النهرين ، وهناك حدث جدال بينه وبين الأسقف أرخلاوس ، ثم هرب ولجأ إلى قرية صغيرة ثم وجده جنود ملك الفرس فقبضوا عليه وأمر ملك الفرس بسلخ جلده وعلقه على أبواب المدينة ومات . وكانت عقيدة ماني خليط بين الوثنية الفارسية وبين المسيحية . وفيما يلي أهم أفكاره :
1 - زعم أنه الباراقليط قائلا : فقال " أنا الباراقليط الذي أُعلنت رسالته من زمن قديم بواسطة يسوع والذي كان يجب أن يأتي " ليقنع العالم بالخطية وعدم البر " وكما قال بولس الذي أُرسل قبلي عن نفسه أنه " يعلم بعض ويتنبأ ببعض " لذلك فأنا أحفظ الكمال لنفسي 000 لذا أقبلوا هذه الشهادة الثالثة أنني رسول للمسيح ، وإذا اخترتم أن تقبلوا كلماتي ستجدون خلاصا " .
وهو هنا يفهم الباراقليط على أنه رسول للمسيح مثل بولس الرسول .
2 - أعتقد بوجود إلهين يتعارض أحدهما مع الآخر ، إله للخير وإله للشر ، النور والظلمة . وأن النفس في الإنسان هي جزء من النور وأن الجسد الذي يتكون من المادة هو جزء من الظلمة .
3 - امتلأت أفكاره بالنظريات الوثنية عن المادة ، وخلط بين الأساطير الوثنية والكتاب المقدس .
4 - فهم الكتاب المقدس بمنظور مادي وثني : فقال عن الله " أن إله العهد القديم هو مصدر الشر ، إذ يقول عن نفسه " أنا نار أكلة " (تث24:4) ، وفهم قول بولس الرسول " الذين أعمى بصائرهم إله هذا الدهر (أي الشيطان) لئلا يضيء لهم بشارة مجد المسيح بنورها " (2كو4:4) بمعنى العمى الجسدي فقال " لماذا سيسبب الله العمى للإنسان ؟ " .
5 - ويقول اتباع ماني عن نزول المطر؛ أن المطر يأتي عن حب فاسق ، وأن السماء عذراء جميلة وشاباً جميلاً وأنهما يشعران كالجمال والذئاب في أيام الحر بالشهوة الجنسية تدفعهما الواحد نحو الآخر في فصل الشتاء . فيسعى الشاب إلى العذراء بوحشية فتهرب ولكنه يطاردها ، وإذ هو يركض وراءها يعرق وهذا العرق هو المطر .
من هذا يتضح لنا أن فهم ماني للكتاب المقدس مبني على أفكار وثنية بحتة وتسيطر عليه العقلية المملؤة بالأساطير والخرافات الوثنية . ومع ذلك فقد كان يؤمن بألوهية المسيح وأن الباراقليط هو رسول خاص بالمسيح ، ومن ثم أعتقد انه هو نفسه الباراقليط رسول المسيح مثل بولس الرسول .
9 – من هو الباراقليط إذاً وهل يمكن أن يكون مجرد إنسان؟
و الإجابة كلا هو روح وليس إنساناً ولا يمكن أن يكون إنسانا لأنه روح الله الآب وروح الابن :
1 – هو روح من ذات الله ، روح الله ، وليس إنسان:
+روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه " (يو17:14) ، هو روح غير مرئي وليس مادة ملموسة ، والحق هنا هو الله ، فهو روح الله ، الذي ينبثق أي يصدر من ذات الله الآب " روح الحق الذي من عند الآب ينبثق " (يو7:16) . فالله ، كما قال الرب يسوع المسيح " روح " ؛ " الله روح " (يو24:4) ، والباراقليط الصادر منه ، المنبثق منه هو روح ، روح الحق ، روح من روح .
+ " الروح القدس " (يو26:14) ، أي روح الله القدوس ، كما يوصف دائما .
2 – وغير محدود بالمكان أو الزمان وغير مرئي للعين البشرية:
+ " وأنا اطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر (Пαράλητονaλλον - allon Parakleton ) ليمكث معكم إلى الأبد . روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه " (يو16:14-18) ، فهو أبدي لا نهاية له وسيمكث مع الكنيسة إلى الأبد ولن يفارقها أبدا وهذه صفة من صفات الله وليست من صفات الإنسان ، وهو غير مرئي للعين البشرية لأنه روح الله الذي لم يره أحد قط بلاهوته
+ ولكن التلاميذ كانوا يعرفونه لأنه كان حال فيهم ، بعد حلوله يوم الخمسين ، كانوا يدركونه بقوته العاملة فيهم وبأعماله التي يعملها من خلالهم ، سواء بتكلمه على ألسنتهم أو بعمل المعجزات على أيديهم " وأما انتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم . لا أترككم يتامى أني أتي إليكم " (يو18:14) .
3 – سيرسله المسيح من الأب: " وأما المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي " (يو26:14) ، " ومتى جاء المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) الذي سأرسله أنا إليكم من الآب " (يو26:15) . فالروح القدس هو روح الأب كما هو روح الابن أيضا لأن الأب والابن واحد ، لذا يقول عنه الكتاب أنه روح الابن " بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم " (غل6:4) ، وروح المسيح " وأما انتم فلستم في الجسد بل في الروح أن كان روح الله ساكنا فيكم . ولكن أن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له " (رو9:8) ، وروح يسوع المسيح " لأني اعلم أن هذا يؤول لي إلى خلاص بطلبتكم ومؤازرة روح يسوع المسيح " (في19:1) .
4 – مجيئه مرتبط بصعود المسيح وتالي له مباشرة: " لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق لأنه أن لم انطلق لا يأتيكم المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) ولكن أن ذهبت أرسله إليكم " (يو7:16) . كان لابد أن يأتي بعد صعود المسيح مباشرة لأنه هو ، المسيح ، الذي سيرسله من الآب ، فأن مجيئه مرتبط بصعود المسيح كروح المسيح ليمجده وليذكرهم بكل ما قاله وعمله المسيح مدة خدمته على الأرض ، وقد حل الروح القدس على التلاميذ بعد صعود المسيح بعشرة أيام وكان يقود الكنيسة ويوجهها ويرشدها ، يقول الكتاب عن " فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة " (أع8 : 29) ليكرز للخصي الحبشي ، وبعد أداء مهمته يقول " خطف روح الرب فيلبس " (أع8 : 39) ، وعند كرازة القديس بطرس لكرنيليوس قائد المئة الروماني " قال له (بطرس) الروح هوذا ثلاثة رجال يطلبونك " (أع10 : 19) ، " فقال لي الروح أذهب معهم " (أع11 : 12) ، وفي بداية خدمة بولس وبرنابا يقول " قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول " (أع13 : 2) ، ثم يقول بعد ذلك " فهذان إذ أرسلا من الروح القدس " (أع 13 : 4) ، " وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في أسيا " (أع16 : 6) ، " فلما أتوا ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية فلم يدعهم الروح " (أع16 : 7) . وبعد مجمع أورشليم الأول قال التلاميذ في مستهل إعلان ما قرره المجمع " لأنه قد رأى الروح القدس ونحن " (أع15 : 28) ، وكان " الروح القدس يشهد في كل مدينة " عما سيحدث لبولس الرسول (أع20 : 23) . وكان الروح القدس هو الذي يقيم الأساقفة " لترعوا الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة " (أع20 : 28) . وتتكرر في سفر الرؤيا عبارة " من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس " (رؤ2 : 7،11،17؛29:2؛6:3،13،22) .
5 – يأت ليشهد للمسيح ويمجده لأنه سيأخذ مما له ويخبر به:
" وأما المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم " (يو26:14) ، " ومتى جاء المعزي (Parakletos - ParάklhtoV) الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " (يو26:15) ، " وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية . ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم . كل ما للآب هو لي لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم " (يو7:16-14) .
أنه يأتي ليذكر تلاميذ المسيح بما عمله وعلمه أمامهم ومن ثم يشهد له ويمجده ويرشدهم لكل الحق الذي علمه لأنه يأخذ مما له ، للمسيح ، الابن ، لأن كل ما لله الآب هو للابن أيضا ، والآب والابن والروح القدس واحد .

[/align][align=justify][/align]

(1) Greek-English Lexicon of the N T p.483. & Theological Dictionary of the N T pp.805-812.


(2) Theological Dictionary of the N T vol.5, p. 801,802.

(3) Brenton theSeptuagintwith Apocrypha p. 677.

(4) Brenton theSeptuagintwith Apocrypha p.1115.

(5) Theological Dictionary of the N T vol.5, p. 802.

(6) Ibid. 802,803.

(7) Against Paraxeas II.

(8) Ibid. xxi.

(9) On the holy Spirit ch.7,1.

(10) Ibid.7, 4.

(11) Ibid.7, 4.

(12) ك 5 ف 1 .


(13) Theological Dictionary of the N T vol.5, p. 805.

(14) عظة 17 : 4 .


(16) Anti N F vol.6 p. 209
 
أعلى