لاهوت المسيح حقيقة إنجيلية تاريخية أم نتاج مجمع نيقية؟ القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
لاهوت المسيح حقيقة إنجيلية تاريخيةأم نتاج مجمع نيقية؟
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير
كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

الفهرس
تمهيد: لاهوت المسيح حقيقة إنجيلية تاريخيةأم نتاج مجمع نيقية؟
الفصل الأول: من هو المسيح؟ ماذا يقول الناس عنه؟وماذا يقول الوحي الإلهي؟
الفصل الثاني: التسليم الرسولي للإيمانالمسلم مرة للقديسين
الفصل الثالث: هل أنكر أريوس أن المسيح ابن الله وكلمته؟
الفصل الرابع: مجمع نقية أسباب أنعاقده وما دار فيه حول عقيدة المسيح
الفصل الخامس: آباء الكنيسة الأولى وحقيقة إيمانهم بلاهوت المسيح

تمهيد
لاهوت المسيح حقيقة إنجيلية تاريخيةأم نتاج مجمع نيقية؟
يزعم البعض في الشرق، بل والغرب أحيانا، بناء على ما ادعاه شهود يهوه، كذباً، وما نادى به مؤخرا الكاتب الأمريكي دان براون في كتابه الذي أثار ضجة عالمية " شفرة دافنشي "، أن الكنيسة الأولى لم تكن تؤمن بلاهوت المسيح، بل كانت تؤمن أنه مجرد نبي عظيم ورسول بشري أرسله الله لبني إسرائيل، مثله مثل بقية الأنبياء الذين سبقوا وتنبأوا لبني إسرائيل، وأن العقيدة المسيحية الصحيحة التي جاءت بها المسيحية هي التي نادى بها أريوس القس الإسكندري!! وأن من جعل المسيح إلهاً هو الملك قسطنطين (272 - 337م) الذي كان يعبد الشمس وزعموا أنه هو الذي أمر بعقد مجمع نيقية لهذا الغرض وأمر الأساقفة أن يعلنوا ذلك!! وأن هؤلاء الأساقفة الذين جاءوا من الشرق والغرب انصاعوا لأوامره ووافقوا على هذه العقيدة بالتصويت في مجمع نيقية!!
هكذا ببساطة يزعمون ويدعون ويتكلمون فيما ليس لهم به من علم، متجاهلين أو جاهلين لتاريخ الشهداء عبر تاريخ الكنيسة التي أضطهدها اليهود الذين صلبوا المسيح بسبب اعترافه بحقيقة لاهوته واضطهدوا المؤمنين به بسبب إيمانهم بلاهوته وتأكيدهم على حقيقة لاهوته من أسفار العهد القديم التي يؤمنون بها!! واضطهادهم من الرومان بسبب رفضهم السجود لأصنامهم وتمسكهم بعبادة المسيح وحده ككلمة الله الذي من ذات الله والواحد مع الآب في الجوهر، كما سنبين في هذه الدراسة، وشهادة الرومان أنفسهم لهذه الحقيقة.
والسؤال هنا هو؛ هل هذا الكلام صحيح ومبني على حقائق تاريخية أم مجرد أوهام وإدعاءات كاذبة مبنية على الهوى والغرض بأسلوب الغاية تبرر الوسيلة والحرب خدعه؟؟!! والإجابة هي: هذا الكلام مجرد إدعاءات كاذبة لا صحة لها وضد الحق والواقع والتاريخ الصحيح!! وقبل أن نرد على هذه الإدعاءات الكاذبة نضع الأسئلة التالية:

(1) ما هو إيمان أريوس من جهة لاهوت المسيح؟ وهل آمن أنه مجرد إنسان مخلوق كما يتصور البعض ويزعم، أم آمن أنه إله خالق؟ وما هو قانون إيمانه؟ وما هي أوجه الخلاف بينه وبين آباء الكنيسة؟
(2) لماذا أنقعد مجمع نيقية، وما هي أسباب انعقاده؟ و ما هو دور الملك قسطنطين فيه؟ وهل تدخل في الأمور العقائدية أو صيغ قانون الإيمان الذي اقره المجمع؟
(3) ما هي أهم العبارات والصيغ التي اقرها المجمع ولماذا، وما هو مصدرها؟ ومن أين أتي بها الآباء الذين وضعوها؟
(4) هل آمن آباء الكنيسة الأولى في القرون الثلاثة الأولى السابقة لمجمع نيقية بلاهوت المسيح؟ وعلى أي أساس آمنوا؟
(5) وماذا قال من سجلوا تاريخ الرومان واليونان وغيرهم من الذين عاشوا في القرن الأول وبداية الثاني عن إيمان المسيحيين الأولين في شخص المسيح؟
وهنا سؤال جوهري نضعه أمام القارئ، وهو؛ هل يرجع من يزعمون بهذه المزاعم، المذكورة أعلاه، للكتاب المقدس أو كتب التاريخ المسيحي أو حتى كتب التاريخ المدني المعاصر لدراسة مثل هذه الأمور؟ وعلى أي مصدر يعتمدون فيما يزعمون؟ وهل فعلا يقومون بدراسة علمية أمينة للوصول إلى نتائج علمية منطقية لفهم حقيقة الإيمان المسيحي، أم يلجئون فقط لكتب الهراطقة من أمثال شهود يهوه!! أو كتب الملحدين واللادينيين من أمثال دان براون؟ والإجابة هي، أنهم يعملون بأسلوب الغاية تبرر الوسيلة!!! لذا يلجئون فقط لكتب شهود يهوه وكتب الملحدين واللادينيين ليأخذوا منها ما يتصورون أنه، يفخم المؤمنين ويشككهم في إيمانهم ويثبت لهم خطأ ديانتهم!!
ولكنا نقول لهؤلاء وللجميع أن ملايين الكتب والمطبوعات التي تنتقد المسيحية وعقائدها لم تؤثر ولن تؤثر في إيمان مؤمن واحد فقد أكد لنا الرب يسوع المسيح أن الكنيسة مبنية على صخرة وهذه الصخرة هي الإيمان بأنه ابن الله الحي، ابن الله الوحيد " كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا ... الابن الوحيد الذي في حضن الآب " (يو1: 14و18)، ووعد أن " أبواب الجحيم لن تقوى عليها " (مت16: 18).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
الفصل الأول
من هو المسيح؟
ماذا يقول الناس عنه؟
وماذا يقول الوحي الإلهي؟

1 من يقول الناس أني أنا؟
كتب القديس متى بالروح القدس يقول: " ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سال تلاميذه قائلا من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون ارميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم وانتم من تقولون أني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا أن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها " (مت13: 1618).
كانت شخصية المسيح وما تزال حتى اليوم شخصية مختلفة تمام الاختلاف عن شخصية أي إنسان ولد في هذا العالم وظهر على سطح هذه الأرض، سواء كان بشرا عاديا أو نبيا. كانت شخصيته محيرة لكل من عاصروه، فقد ظهر لهم كالإنسان المولود من مريم، ورأوا فيه " النجار ابن يوسف ومريم " (مر3: 6؛لو22: 4)، أو كما قال القديس لوقا بالروح " وهو على ما كان يظن ابن يوسف " (لو23: 3). ورأى فيه رؤساء مجامع اليهود مثل يايرس ونيقوديموس وغيرهم، شخص فوق مستوى البشر، آتيا من قبل الله وله سلطان فوق كل طاقة البشر، ورأت فيه الجموع " النبي الذي من الناصرة " (مت11: 21)، ولكنه، كان في نظر الجميع، الذي يتكلم بسلطان " لان كلامه كان بسلطان " (لو32: 4)، ويعمل بسلطان " لأنه بسلطان وقوة يأمر الأرواح النجسة فتخرج " (لو36: 4).
وكان يشفي جميع المرضى مهما كان نوع مرضهم ومهما كان عددهم: " فاحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم " (مت24: 4)، " فشفى كثيرين كانوا مرضى بإمراض مختلفة واخرج شياطين كثيرة " (مر34: 1)، " وعند غروب الشمس جميع الذين كان عندهم سقماء بأمراض مختلفة قدموهم إليه فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم " (لو40: 4)، " وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدواء وأرواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين " (لو21: 7)، " ولما صار المساء قدموا أليه مجانين كثيرين فاخرج الأرواح بكلمة وجميع المرضى شفاهم " (مت16: 8)، " واحضروا إليه جميع المرضى وطلبوا إليه أن يلمسوا هدب ثوبه فقط فجميع الذين لمسوه نالوا الشفاء " (مت35: 14)، " فشفى كثيرين كانوا مرضى بأمراض مختلفة واخرج شياطين كثيرة " (مر34: 1). ويقول القديس لوقا بالروح ؛ " وكل الجمع طلبوا أن يلمسوه لان قوة كانت تخرج منه وتشفي الجميع " (لو19: 6). ورأته الجموع عموما وهو يقيم الموتى بكلمة الأمر منه " يا صبية قومي " (لو54: 8)، " أيها الشاب لك أقول قم " (لو14: 7)، " لعازر هلم خارجا " (يو43: 11)، بل ويهدئ الريح العاصفة والأمواج العاتية بكلمة الأمر مما جعل الجموع تتساءل عنه قائلة: " من هو هذا؟ فان الريح أيضا والبحر يطيعانه " (مت41: 4)، " من هو هذا؟ فانه يأمر الرياح أيضا والماء فتطيعه " (لو25: 8).
وقالت له الجموع " من هو هذا ابن الإنسان؟ " (يو34: 12). وسأل هو نفسه هذا السؤال لتلاميذه قائلاُ: " من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان؟ فقالوا قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. وآخرون ارميا أو واحد من الأنبياء ". ولما قال لهم " وانتم من تقولون أني أنا؟ " كانت الإجابة من الله الآب ذاته وليست من بشر! يقول الكتاب " فأجاب سمعان بطرس وقال " أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا أن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبى الذي في السموات " (مت13: 1618).
وكانوا يسألونه قائلين: " من أنت؟ " وكانت إجابته لهم " أنا من البدء ما أكلمكم أيضا به " (يو25: 8). وكانت الشياطين حين تراه تصرخ وتقول له " آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. أنا أعرفك من أنت قدوس الله " (مر24: 1؛34: 4). كما سمعته الجموع وهو يطلق على نفسه كل الألقاب الإلهية الخاصة بالله كقوله " وكل ما يعمله الآب فهذا يعمله الابن "، " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن "، " أنا والآب واحد 000 أنا في الآب والآب في ". وقد فهمت الجموع مغزى كلامه وأدركوا أنه يتكلم كإله ويساوي نفسه بالله، فقالوا " قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله " (يو18: 5)، وقالوا له " فانك وأنت إنسان تجعل نفسك إلها " (يو33: 10). بل وحاول أهل الناصرة أن يطرحوه من على الجبل " فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه إلى أسفل، أما هو فجاز في وسطهم ومضى " (لو30: 4)، وحاول رؤساء اليهود أن يرجموه في الهيكل بسبب أقواله هذه ولم يستطيعوا " فرفعوا حجارة ليرجموه أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم ومضى هكذا " (يو59: 8). فقد كان يجتاز في وسطهم بقوته الإلهية دون أن يقدروا أن يمسوه بشيء.
وأمام هذه المعجزات والقوات التي صنعها أمامهم، والتي لم يكن لها مثيل من قبل، شهد فريق منهم أنه كان حقا " ابن الله " (مت33: 14؛54: 27؛يو34: 1،49؛69: 6، 27: 11) بل وكانت الشياطين عندما تراه تصرخ من مهابة حضوره الإلهي وتقول " أنت المسيح ابن الله فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه انه المسيح " (لو4141: 4).

2 ماذا رأى التلاميذ فيه؟
كان التلاميذ قبل الصليب والقيامة، كيهود أصلا، ينظرون للمسيح وكأنهم ينظرون " في مرآة في لغز " (1كو12: 13). فبرغم أقواله الإلهية وأعماله التي تبرهن حقيقة شخصه الإلهي، فقد عرفوا بالخبرة أنه قادر على كل شيء (يو21: 2123)، وأنه يعلم كل شيء " يا رب أنت تعلم كل شيء " (يو17: 21)، كما أكد لهم هذه الحقيقة هو ذاته " صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " (يو11: 14). إلا أنهم كما يقول القديس يوحنا بالروح " وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولا " (يو16: 12). فقد أغلقت أعينهم عن معرفة حقيقة شخصه في البداية، تدبيريا (لو16: 24). وفي التجلي كشف لثلاثة منهم عن شيء من مجده عندما " تغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور " (مت2: 17).
وبعد قيامته من الأموات كانوا يعرفون أنه الرب، يقول الكتاب " ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت إذ كانوا يعلمون انه الرب " (يو12: 21). وبعد حلول الروح القدس عليهم استنارت عقول التلاميذ وعيون أذهانهم (أف8: 1)، فانفتحت أعينهم وعرفوا أنه الرب الموجود في كل مكان وزمان، بلا بداية وبلا نهاية فهو " الذي كان من البدء " (1يو1: 1)، " في البدء كان الكلمة " (يو1: 1)، الخالق، خالق الكون وما فيه " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان " (يو3: 1)، الذي " فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى 000 الكل به و له قد خلق " (كو16: 1). وأنه " رب الكل " (أع36: 10)، " ورئيس الحياة " (أع15: 3)، " الكائن على الكل إلها مباركا " (رو5: 9). ومن ثم فقد قدموا له العبادة ووصفوا أنفسهم بأنهم عبيد له " بولس عبد ليسوع المسيح " (رو1: 1)، " بولس وتيموثاوس عبدا يسوع المسيح " (في1: 1)، " يعقوب عبد الله والرب يسوع المسيح " (يع1: 1)، " سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله " (2بط1: 1)، " يهوذا عبد يسوع المسيح " (يه1: 1).
وفي نفس الوقت تكلموا بالروح عن تجسده بصيرورته جسدا واتخاذه صورة العبد وظهوره للبشرية في الجسد كإنسان، حيث اشترك معنا في اللحم والدم، بل وكان مجربا مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب14: 2؛15: 4). لكنهم لم يفصلوا ولم يميزوا في أحاديثهم، بالروح القدس، بين كونه الإله أو كونه ابن الإنسان، إنما تكلموا عن المسيح الواحد، الرب الواحد، الإله والإنسان، الإله المتجسد ؛ " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2). فتكلموا عن " رئيس الحياة " الذي قتله اليهود (أع15: 3)، ورب المجد الذي صلب " لان لو عرفوا لما صلبوا رب المجد " (1كو8: 2)، والله الذي أفتدى الكنيسة بدمه (أع28: 20)، وابن الإنسان الجالس عن يمين العظمة في الأعالي (أع56: 7)، والذي لا بداية له ولا نهاية " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم وإلى الأبد " (عب8: 13).
تكلم التلاميذ عنه، بالروح، من منطلق خبرتهم معه وبعد حلول الروح القدس عليهم والذي ذكرهم بكل ما قاله لهم (يو26: 14) وأرشدهم للحق (يو13: 16) وعلمهم أمورا جديدة لم يكونوا يدركون معناها من قبل (يو13: 16)، فكانوا شهودا لشخصه كقول القديس يوحنا بالروح " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح " (1يو1: 13)، وكقول القديس بطرس " لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته. لأنه اخذ من الله الآب كرامة ومجدا إذ اقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس " (2بط16: 118).

3 الرب يسوع المسيح هو الوحيد الذي يعلن عن حقيقة شخصه:
قال الرب يسوع المسيح " وليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب ولا من هو الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " (لو22: 10)، مؤكدا أنه لن يقدر أحد أن يعرف حقيقة شخصه الإلهي سوى الآب، وأنه هو وحده، الابن، الذي يعرف حقيقة ذاته ويعلنها لمن يريد أن يعرف، هو الذي يعلن عن ذاته وعن الآب " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر (اخبر عنه) " (يو18: 1). ومن ثم لا يمكن للبشرية أن تدرك حقيقة شخصه إلا من خلاله هو وحده، وأيضا من خلال روحه القدوس الذي يرسله من الآب " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " (يو26: 15)، وكما يقول القديس بولس بالروح القدس " وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " (1كو3: 12).
وقد تكلم الرب يسوع المسيح عن حقيقة شخصه كالإله المتجسد، الإله والإنسان في آن واحد، ولكنه المسيح الواحد، فتكلم عن نفسه كابن الإنسان النازل من السماء " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3)، والتي كان فيها أولا " فان رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا " (يو62: 6)، مؤكدا على أنه نزل من السماء وسيصعد إلى السماء وفي نفس الوقت هو موجود في السماء وعلى الأرض في آن واحد، ففي الوقت الذي كان فيه في السماء كان موجودا أيضا على الأرض وفي كل مكان، وفي الوقت الذي كان فيه على الأرض كان موجودا أيضا في السماء وفي كل مكان ولم يخلوا منه مكان. كما تكلم عن وجوده وكينونته قبل إبراهيم " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يو58: 8)، وعن وجوده الأزلي قبل الخليقة، بلا بداية " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم 000 لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو5: 17،24)، كما تكلم عن كونه الإله الوحيد الذي لا بداية له ولا نهاية " أنا الألف والياء البداية والنهاية الأول والأخر " (رؤ13: 22).
وفي كل أحاديثه تكلم عن نفسه باعتباره الإله المتجسد، الإله والإنسان، ابن الله وابن الإنسان، ابن الله الذي بذل ذاته عن حياة العالم، وابن الإنسان الآتي على السحاب والديان والموجود في السماء وعلى الأرض وفي كل مكان في آن واحد.

4 ماذا يقول عنه الكتاب المقدس بصفة عامة:
كلمنا الكتاب المقدس ككل، بعهديه القديم والجديد، من خلال نبوات الأنبياء وأقوال الرب يسوع المسيح نفسه وما قاله وكتبه تلاميذه ورسله بالروح القدس، بوضوح وصراحة وبدون لبس أو غموض، عن شخصه الإلهي مؤكدا أنه الإله القدير والإله الحق الذي على الكل الموجود في حضن الآب بلا بداية ولا نهاية، كلمة الله وصورة جوهره، الواحد مع الآب في الجوهر، الذي له كل ما للآب من طبيعة وصفات وأسماء وعظمة ومجد وكرامة، وأن الروح القدس الذي هو روح الله هو روح الابن أيضا كما يقول الكتاب " روح ابنه " (غل6: 4)، " روح يسوع المسيح " (19: 1)، وأنه هو الذي يرسل الروح القدس كما يرسله الآب " المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " (يو26: 15)، وأنه يعمل كل ما يعمله الآب، كل أعمال الله وعلى رأسها الخلق. وباختصار فكما يقول هو " كل ما للآب هو لي " (يو15: 16)، " أنا والآب واحد 000 أنا في الآب والآب في " (يو30: 10؛10: 14). وفيما يلي بعض الآيات التي تؤكد صراحة أنه الله والإله:
u " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3).
u " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9).
u " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28: 20).
u " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2).
u " ونحن في الحق وفي ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20: 5).
u " إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح " (تي13: 2).
u " ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك " (رو5: 9).
u " أما عن الابن يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " (عب8: 1)..
u " أجاب توما وقال له (ليسوع المسيح) ربي والهي " (يو28: 20).
u " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم والي الأبد " (عب8: 13).
u " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان " (يه25).
u " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1).
وكانت أعماله هي أعمال الله: فهو خالق الكون ومدبره:
u " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " (يو1: 13).
u " الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل " (كو15: 116).
هو أيضا صورة الله وبهاء مجده " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب2: 13)، وصاحب السلطان علي الكون " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا13: 7،14).
كما أن صفاته هي نفس صفات الله كالوجود الأزلي الأبدي، بلا بداية وبلا نهاية، والوجود في كل مكان " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) والعلم بكل شئ " الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد لهذا نؤمن انك من الله خرجت " (يو30: 16).
أما كون المسيح ابن الله ووصف الكتاب له بذلك باعتباره هو كلمة الله " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1) وعقل الله الناطق وصورة الله غير المنظور " المسيح الذي هو صورة الله " (2كو4: 4)، المساوي لله الآب " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله " (في6: 2)، " الذي هو صورة الله غير المنظور 000 فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل
كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو15: 1)، وبهاء مجد الله الآب ورسم (صورة) جوهره، والموجود دائما وأبدا في حضن الآب من الأزل وإلى الأبد، بلا بداية ولا نهاية " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خبر " (يو18: 1)، " لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك وأيضا أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا " (عب5: 1)، المولود من الآب وفي ذات الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق. من الآب " أنا اعرفه لأني منه وهو أرسلني " (29: 7)، وفي الآب " أنا في الآب والآب في 000 صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " (يو10: 14،11)، وواحد مع الآب " أنا والآب واحد " (يو30: 10). وهذا ما يؤكده الكتاب أيضا في العشرات من آياته:
فقد وصف ب " ابن الله الحي " ؛ " أنت هو المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16)، و " المسيح ابن الله " (مت63: 26)، وفي بدء الإنجيل للقديس مرقس يقول " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (مر1: 1)، وكانت الشياطين عندما تراه " تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله " (لو41: 4). وأكد الرب يسوع المسيح للجموع أنه ابن الله الذي من ذات الله الآب والذي له كل صفاته والذي يعمل جميع أعماله ؛ " فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله، فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك، لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالا أعظم من هذه لتتعجبوا انتم، لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء، لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله 000 لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان، لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السَّيِّئَاتِ إلى قيامة الدينونة " (يو18: 529).
وهكذا يعلن لنا الوحي الإلهي حقيقة لاهوت الابن ووحدته مع الآب ومساواته له في كل ما له من ألقاب وصفات وأعمال، ومساواته له في الجوهر وكنه منه، من نفس جوهره.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
الفصل الثاني
التسليم الرسولي للإيمان
المسلم مرة للقديسين

كشف الرب يسوع المسيح، كما بينّأ في الفصل السابق، لتلاميذه ورسله ولليهود عن حقيقة لاهوته وكونه ابن الله الذي من ذات الله وفي ذات الله والواحد مع الآب في الجوهر، وعن كونه الآتي من السماء وأنه ليس من هذا العالم بل أنه من فوق، وأنه برغم نزوله من السماء إلا أنه موجود في السماء وعلى الأرض بلاهوته في آن واحد، وأنه الموجود في كل مكان وزمان والقادر على كل شيء، والديان، وأنه رب داود وإبراهيم ومرسل الرسل والأنبياء، ونسب لنفسه كل ما لله من صفات وأعمال وألقاب. كما آمن تلاميذه بلاهوته وبكونه الإله القدير وأنه الله الذي ظهر في الجسد والذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً وكلمة الله الذي من ذات الله وصورة الله غير المنظور، بهاء مجده ورسم جوهره، وهو الله الكائن على الكل والإله الأبدي والإله الحق ورب العرش وخالق الكون وما فيه ما يرى وما لا يرى 00 الخ.
وقد آمن الآباء الرسوليون، تلاميذ الرسل وخلفاؤهم، ومن بعدهم تلاميذهم وأيضا خلفاؤهم الذين لُقّبوا بآباء الكنيسة، خاصة المدافعين عن الإيمان القويم (الأرثوذكسي) والعقيدة المسلمة مرة، بنفس ما آمن به وسلمه لهم الرسل، سواء من خلال الكلمة المكتوبة بالروح القدس، العهد الجديد إلى جانب العهد القديم، أو ما سلموه لهم شفاهه، أي بالتقليد المسلم مرة للقديسين كما يقول القديس يهوذا أخو يعقوب بن حلفي بالروح القدس: " الإيمان المسلم مرة للقديسين " (يه3)، والذي سلمه الرسل لتلاميذهم وخلفائهم بكل دقة وأمانة، ومن ثم فقد كان مصدر تعليمهم:
(1) ما سبق أن أعلنه وتنبأ به وكتبه في أسفارهم أنبياء العهد القديم. فقد كان العهد القديم هو كتاب الكنيسة الأول الذي جاء المسيح ليتمم ما كتب عنه فيه من نبوات ورموز تتعلق بكل تفاصيل تجسده وخاصة ما يختص بعمله الفدائي للتكفير عن خطايا البشرية وخلاصها بآلامه وصلبه وموته وقيامته، وتحويل الناموس والشريعة، من شريعة الحرف والناموس الذي به نعرف الخطية " لأن بالناموس معرفة الخطية " (رو3: 20)، إلى شريعة الحب والكمال " وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبون انتم أيضا بعضكم بعضا " (يو13: 34)، " فكونوا انتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل " (مت5: 48).
(2) ما سلمه الرب يسوع المسيح لتلاميذه ورسله، شهود العيان الذين عينهم كرسل وأنبياء بالروح لحمل إنجيله، ورسالته، للعالم أجمع. هؤلاء الرسل الذين وصفهم الآباء الأولون بخزانة الكنيسة، لأنهم عاشوا مع المسيح وشاهدوا شخصه وأعماله وحفظوا كلامه بالروح القدس، وحملوا إنجيله لجميع الشعوب والأمم والألسنة، وشهدوا له كشهود عيان عاشوا ما يكرزون به بأنفسهم. وكما قال أحد العلماء أن تلاميذ المسيح ورسله هم الأنبياء الوحيدون عبر التاريخ الذين شاهدوا ربهم الذي أرسلهم، فقد عاشوا معه وتلامسوا معه، أو كما يقول القديس بطرس " نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته " (أع10: 41)، أو كما يقول القديس يوحنا الإنجيلي بالروح: " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فان الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح 000 ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملا" (1يو1: 1-4)، ويقول أيضاً: " ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلّصا للعالم " (1يو4: 14). ويختم الإنجيل الرابع بقوله: " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق " (يو21: 24). وكما يقول القديس بطرس بالروح: " لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته " (2بط16: 1). وأيضاً: " وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد بان هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات " (أع10: 43)، كما يصف نفسه ب " الشاهد لآلام المسيح وشريك المجد العتيد أن يعلن " (1بط5: 1).
(3) ما سلمه الرسل للعالم أجمع وخاصة لخلفائهم الآباء الرسوليين بالروح القدس الذي كان يعمل فيهم وبهم ويقودهم ويرشدهم ويوجههم ويعصمهم، والذي سلموه بدورهم لخلفائهم من جيل إلى جيل. فقد سلم الرسل ما تسلموه من الرب يسوع المسيح بالتقليد أو التسليم الرسولي لتلاميذهم وخلفائهم والذين سلموه بدورهم لمن خلفوهم، من جيل إلى جيل. فقد كان تلاميذ المسيح ورسله الذين حملوا وصاياه وتعاليمه، وحل عليهم الروح القدس، هم المستودع الأمين للتسليم الرسولي، حيث تساوت وصاياهم وتعاليمهم مع تعاليم أنبياء العهد القديم ومع وصايا الرب نفسه لأن وصيتهم هي وصيته وتعاليمهم هي تعاليمه؛ يقول القديس بطرس بالروح " لتذكروا الأقوال التي قالها سابقا الأنبياء والقديسون ووصيتنا نحن الرسل وصية الرب والمخلص " (2بط2: 3)، ويقول القديس يهوذا الرسول " أخو يعقوب " (أع1: 17)، " وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التي قالها سابقاً رسل ربنا يسوع المسيح " (يه 17).
يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس عن هذا التسليم الرسولي:
U " وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضا " (2تي2: 2)، ويحذره من الفكر الهرطوقي الذي " يقاوم التعليم الصحيح حسب إنجيل مجد الله المبارك " (1تي10: 1)، ويقول له " أن كان أحد يعلم تعليما آخر ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة والتعليم الذي هو حسب التقوى فقد تصلف " (1تي3: 6)، " لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم (يَقُولُونَ لَهُمْ كَلاَماً يُدَاعِبُ الآذَانَ) " (2تي 3: 4). ويقول له أيضا، مشدداً " يا تيموثاوس أحفظ الوديعة معرضا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم " (1تي20: 6)، " أحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا " (2تي 14: 1).
U ويقول لأهل كورنثوس: " أمدحكم أيها الأخوة على أنكم تذكرونني في كل شيء وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم " (1كو2: 11).
U ويقول لأهل فيلبي: " وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه في فهذا افعلوا واله السلام يكون معكم " (في9: 4).
U ويقول لتلميذه تيطس أنه يجب أن يكون الأسقف " ملازما للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم لكي يكون قادرا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين " (تي1: 9)، ويقول له "وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح " (تي1: 2)، ثم يحذره من الهراطقة قائلا " الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين اعرض عنه، عالما أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوما عليه من نفسه " (تي10: 3،11).
وهذا ما تعلمه وعلمه أيضا الآباء الرسوليين تلاميذ الرسل الذين تتلمذوا على أيديهم واستلموا منهم الأخبار السارة:
يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي تلميذ بطرس الرسول: " أثبتوا إذاً على تعاليم الرب والرسل "(1). " ثابروا على الاتحاد بإلهنا يسوع المسيح وبالأسقف وبوصايا الرسل "(2).
ويقول أكليمندس الروماني تلميذ بولس الرسول والذي يقول عنه القديس إيريناؤس أنه " رأى الرسل القديسين وتشاور معهم "(3): " من أجلنا استلم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح ويسوع المسيح أرسل من الله (الآب) "(4).
ويقول بوليكاربوس الذي رافق الرسل خاصة القديس يوحنا الحبيب " فلنخدمه (المسيح) بخوف وتقوى كما يأمرنا هو والرسل الذين بشرونا بالإنجيل والأنبياء الذين أعلنوا لنا عن مجيء الرب "(5).
ويقول بابياس أسقف هيرابوليس بفرجية في آسيا الصغرى (60 - 130م) والذي يقول عنه القديس إيريناؤس أسقف ليون(6)، وكذلك القديس جيروم(7)، أنه كان تلميذا للقديس يوحنا ورفيقا لبوليكاربوس، ويقول يوسابيوس القيصري، نقلا عن إيريناؤس " هو أحد الأقدمين، أستمع ليوحنا، وكان زميلا لبوليكاربوس 000 وأنه تلقى تعاليم الإيمان عن أصدقائهم (أي أصدقاء الرسل). يقول عن كيفية استلامه للتقليد: " ولكنني لا أتردد أيضا أن أضع أمامكم مع تفسيري كل ما تعلمته بحرص من الشيوخ (أي آباء الكنيسة) 000 وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله أندراوس أو بطرس، عما قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى، أو أي أحد آخر من تلاميذ الرب أو عما قاله اريستون أو القس يوحنا أو تلاميذ الرب. لأنني أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إلى من الصوت الحي من الصوت الحي الدائم "(8).
ويقول القديس إيريناؤس أسقف ليون (120-202م) " إذ أن الرسل وضعوا في أيدي الكنيسة كل الأمور التي تخص الحق بغزارة بلا حدود، مثل رجل غنى (أكتنز ماله) في بنك، لذلك فكل إنسان أيا كان يستطيع أن يسحب منها ماء الحياة "(9).
ويقول أيضاً: " المعرفة الحقيقية قائمة في تعليم الرسل وقيام الكنيسة في العالم كله، وفي امتياز إستعلان جسد المسيح بواسطة تتابع الأساقفة الذين أعطوا الكنيسة القائمة في كل مكان أن تكون محروسة ومصانة دون أي تزييف أو ابتداع في الأسفار بسبب طريقة التعليم الكاملة والمتقنة التي لم تستهدف لأي أضافه أو حذف، وذلك بقراءتها بغير تزوير مع مواظبة شرحها باجتهاد بطريقة قانونية تلتزم بالأسفار دون أي خطورة من جهة التجديف، وبواسطة المحبة الفائقة التي هي أكثر قيمة من المعرفة وأعظم من النبوّة والتي تفوق كل ما عداها من المواهب "(10).
ويلخص لنا القمص تادرس يعقوب في كتابه التقليد الأرثوذكسي موقف إيريناؤس من التقليد كالآتي:
بقى التقليد المنحدر إلينا من الرسل محفوظًا خلال تتابع الشيوخ " الكلمة اليونانية Presbyters تعنى كهنة ويقصد بها الأساقفة" في الكنيسة بغير انقطاع(11).
يحفظ التقليد في الكنيسة بواسطة الروح القدس الذي يجدد شباب الكنيسة(12).
التقليد الرسولي ليس بالأمر السري، بل يستطيع أن يتعرف عليه كل الراغبين في قبول الحق. إنه معلن في كل كنيسة من العالم كله(13).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
أساء الهراطقة تفسير الكتاب المقدس إذ تمسكوا بعبارات عزلوها عن الكتاب وأعادوا
ترتيبها بما يناسب أفكارهم الخاصة(14)، متجاهلين وحدة الكتاب المقدس. لقد استخدموا نصوص الكتاب لكنهم لم يقرأوها خلال الكنيسة ولا بحسب تقليد الرسل. لهذا فإن الفهم الحقيقي للكتاب يوجد داخل الكنيسة حيث يحفظ التقليد المقدس وتعاليم الرسل. " غرست الكنيسة كفردوس في هذا العالم، كما يقول الروح القدس: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً (تك16: 2)، أي تأكل من جميع كتب الرب المقدسة، لكن لا تأكل بذهن متكبر ولا تلمس أي فكر هرطوقي مضاد. لقد أعترف هؤلاء " الهراطقة " أن لديهم معرفة الخير والشر، وارتفعوا بأذهانهم الشريرة فوق الله صانعهم "(15).
أقوال القديس إيريناؤس عن التقليد:
" كما سبق أن أوضحت، الكنيسة وقد تقبلت هذه الكرازة وهذا الإيمان، بالرغم من انتشارها في العالم كله إلا أنها كمن تقطن في بيت واحد، تحافظ على هذه الأمور بكل عناية 000
وتتباين لغات العالم، لكن معنى التقليد واحد في كل موضع. فالكنائس التي قامت في ألمانيا لا تؤمن ولا تسلم أمرًا مغايرًا، وكذلك الكنائس التي في أسبانيا أو بلاد الغال أو التي في الشرق أو في مصر أو في ليبيا أو تلك التي قامت في مركز العالم "(16).
" إذ نشير " للهراطقة " عن التقليد المنحدر إلينا من الرسل والمحفوظ خلال تتابع الشيوخ "Presbyters أي رجال الكهنوت " في الكنائس نقول أنهم يقاومون التقليد مدعين أنهم أكثر حكمة من الأساقفة " الشيوخ " بل ومن الرسل أنفسهم، وأنهم قد وجدوا الحق الأصيل، " ويؤكدون " أن الرسل قد خلطوا الأمور الخاصة بالشريعة بأقوال المخلص 000 من هذا يظهر أنهم لم يتفقوا لا مع الكتاب المقدس ولا مع التقليد 000
أنه في قدرة الجميع، في كل كنيسة، أن يروا الراغبين في رؤية الحق وأن يتأملوا بوضوح تقليد الرسل معلنًا في العالم كله 000
بهذا الترتيب وخلال التتابع " منذ الرسل "، وصل إلينا التقليد الكنسي من الرسل وأيضًا الكرازة بالحق. وهذا هو برهان قوى أنه يوجد إيمان واحد محيى، حفظ في الكنيسة منذ الرسل إلى يومنا هذا، وسلم بالحق.
إذ لدينا مثل هذه البراهين، لا نطلب الحق من الآخرين " الخارجين عن الكنيسة " إذ يسهل الحصول عليه من الكنيسة. لأنه في الكنيسة أستودع الرسل وديعتهم كما يصنع الرجل الغنى " مودعًا أمواله " في مصرف، إذ سلموا كل ما يتعلق بالحق. بهذا يستطيع كل إنسان يريد أن يشرب مياه الحياة (رؤ17: 22). أنها مدخل الحياة! وكل الآخرين هم سراق ولصوص. لهذا يلزمنا أن نجتنبهم، وأن نسعى بكل غيرة واجتهاد في التمسك بما يخص الكنيسة، متمسكين بتقليد الحق. فانه ماذا يكون الموقف لو ثار نزاع فيما يخص أمرًا هامًا حدث بيننا؟ أما كنا نلجأ إلى أكثر الكنائس قدمًا، التي أودع فيها الرسل حديثهم الدائم، ونتعلم منها ما هو أكيد وواضح في ذلك الأمر؟! فإنه ماذا لو أن الرسل لم يتركوا لنا كتبًا مكتوبة؟ أما كان يلزمنا أن نتبع " قانون التقليد " الذي سلموه إلى الذين استأمنوهم على رعاية الكنائس؟!
إلى أي شئ يلتجئ كثير من البرابرة " الذين لم يترجم الكتاب المقدس إلى لغتهم حتى ذلك الحين" الذين يؤمنون بالسيد المسيح، وقد كتب الخلاص في قلوبهم بالروح وليس على ورق وبحبر، حافظين التقليد القديم بكل حرص.
ما دام التقليد المنحدر إلينا من الرسل موجودًا في الكنيسة وهو دائمًا بيننا، فلنرجع إلى البرهان الكتابي الذي أقامه الرسل، الذين كتبوا الإنجيل، وسجلوا فيه التعليم الخاص بالله، مشيرين إلى ربنا يسوع المسيح على أنه الحق (يو6: 14) وليس فيه كذب.
لقد وهبت عطية الله هذه " أي الأيمان بالمسيح الذي قبلناه خلال التقليد " للكنيسة، وكأنها النسمة التي أعطيت للإنسان الأول، لكي يتمتع الأعضاء جميعهم بالحياة بقبولهم هذه العطية وينالوا "وسائط الشركة مع المسيح" التي هي: الروح القدس، لنوال عدم الفساد، وسائط الثبوت في الإيمان، السلم المرتفع نحو الله. فقد قيل إن الله أقام في الكنيسة رسلاً وأنبياء ومعلمين "1كو28: 12". وقدم كل الوسائط الأخرى التي من خلالها يعمل الروح. أما الذين ليست لهم شركة في الكنيسة ولا هم منتمين إليها فيحرمون أنفسهم من الحياة بآرائهم المضادة وسلوكهم المشين. لأنه حيث توجد الكنيسة، ونجد كل نوع من النعمة، لأن الروح هو الحق(17).
ويقول القديس أكليمندس الإسكندري (150 - 215م)، الذي كان مديراً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية والذي كان، كما يصفه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري (264 - 340م) والمعاصر لمجمع نيقية سنة 325م: " متمرساً في الأسفار المقدسة "(18). وينقل يوسابيوس عن كتابه وصف المناظر أنه أستلم التقليد بكل دقة من الذين تسلموه من الرسل " التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين "، فقد كان هو نفسه خليفة تلاميذ الرسل أو كما يقول هو عن نفسه إنه " التالي لخلفاء الرسل "(19)، " ويعترف بأن أصدقاءه قد طلبوا منه بإلحاح أن يكتب من أجل - الأجيال المتعاقبة - التقاليد التي سمعها من الشيوخ الأقدمين "(20)، وذلك باعتباره أحد خلفائهم. ومن ثم فقد سجل التقليد الشفوي الذي سمعه ورآه وتعلمه وعاشه وحوله إلى تقليد مكتوب، كما شرحه ودافع عنه. وينقل عنه يوسابيوس، أيضاً، قوله عن معلميه الذين أستلم منهم التقليد " وقد حافظ هؤلاء الأشخاص على التقليد الحقيقي للتعليم المبارك، المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس، إذ كان الابن يتسلمه عن أبيه 000 حتى وصل إلينا بإرادة الله لنحافظ على هذه البذار الرسولية "(21).
ويؤكد العلامة أوريجانوس (185-253)؛ أن التقليد الكنسي قد أنحدر إلينا من الرسل خلال تتابع بغير انقطاع، ولا يزال التقليد باقيًا إلى اليوم في الكنائس! "(22).
كما يؤكد العلامة كبريانوس (205-258)؛ أنه لا خلاص خارج الكنيسة، سواء للهراطقة أو للمنشقين. " فلا يقدر أحد أن يأخذ الله أبًا له ما لم يأخذ الكنيسة أمًا له "(23). لهذا فإن التفسير السليم للكتاب المقدس والتعاليم الأرثوذكسية توجد فقط داخل الكنيسة الحقيقية. تقليد الكنيسة الحقيقية هو الحارس للإيمان المسيحي.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
أما القديس باسيليوس الكبير (329-379) فيتحدث أيضًا عن التقليد الشفهي " اجرافوس " كحافظ للتفسير السليم للكتاب المقدس، الأمر الذي يحاول الهراطقة تحطيمه. إذ يقول: " الإيمان هو موضوع الهجوم. فإن الهدف الوحيد لكل جماعة المقاومين، أعداء "التعليم السليم، (1تى10: 1) هو تحطيم أساس إيمان المسيح بهدمهم التقليد الكنسي حتى النهاية وإزالته كلية 000 يطلبون البرهان الكتابي محتقرين تقليد الآباء غير المكتوب كأنه أمر ليس بذي قيمة "(24).
ويشير إلى التقليد كمرشد في الأسرار والطقوس، قائلاً: " من جهة التعاليم والممارسات المحفوظة في الكنيسة والمقبولة بصفة عامة أو موصى بها علانية، فقد جاء بعضها عن تعليم كتابي بينما تسلمنا الآخر " في سر" (1كو7: 2) خلال تقليد الرسل وكلاهما يحمل ذات القوة.
ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص (339-394م): " يكفينا للبرهنة على عبارتنا ذلك التقليد المنحدر إلينا من الآباء، بكونه الميراث الذي تناقلناه بالتتابع منذ الرسل خلال القديسين الذين تبعوهم "(25).
ويؤكد القديس أثناسيوس الرسولي والذي لعب الدور الأكبر في هزيمة الأريوسية(26)، أنه لم يستحدث، لا هو ولا بقية آباء نيقية، شيئًا مما وضعه المجمع من صيغ لاهوتية في قانون الإيمان، بل يقول في الكثير من كتاباته ودفاعاته أنه يقدم الإيمان الرسولي كما تسلمته الكنيسة عبر التسليم الرسولي:
" دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة الجامعة وتعليمها وإيمانها، الذي هو من البداية والذي أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه الآباء. وعلى هذا الأساس تأسَّست الكنيسة، ومَنْ يسقط منه فلن يكون مسيحيًا، ولا ينبغي أن يُدعَى كذلك فيما بعد "(27).
" وبحسب الإيمان الرسولي المُسلَّم لنا بالتقليد من الآباء، فإني قد سلَّمت التقليد بدون ابتداع أي شيء خارجًا عنه. فما تعلَّمته فذلك قد رسمته مُطابِقًا للكتب المقدسة "(28).
" لأن ما سلَّمه آباؤنا هو عقيدة حقيقية، وهذه هي سِمَة المُعلِّمين اللاهوتيين، أن يعترف كل واحد منهم بما هو عند الأخر، وأن لا يختلفوا لا عن بعضهم البعض ولا عن آبائهم. أما هؤلاء الذين ليس لهم هذه السِمَة، فيجب ألا يُدعَوا معلِّمين لاهوتيين حقيقيين بل أشرارًا "(29).
" أما مُعلنو الحق القديسون الحقيقيون فيتفقون معًا ولا يختلفون، فبالرغم من أنهم عاشوا في أزمنة مختلفة، إلا أنهم جميعًا يتَّبعون نفس الطريق، لكونهم أنبياء لإله واحد ويُبشِّرون بنفس الكلمة في هارمونية واتفاق "(30).
" أما إيماننا نحن فمستقيم ونابع من تعليم الرسل، وتقليد الآباء، ومشهود له من العهدين الجديد والقديم كليهما "(31).
" لأنه (مجمع نيقية) لم يكتب عقائدنا بل كتب تلك العقائد التي سلَّمها إلينا من البداية هؤلاء الذين كانوا شهود عيان وخُدَّامًا للكلمة. لأن الإيمان الذي اعترف به المجمع كتابةً هو إيمان الكنيسة الجامعة "(32).
ويقول للهراطقة: " ها نحن نُثبِت أن هذا الفكر قد سُلّم من أب إلى أب. أما أنتم أيها اليهود الجُدد وتلاميذ قيافا، كم عدد الآباء الذين يمكن أن تنسبوهم لتعبيراتكم؟ ليس ولا واحد ذا فهم وحكمة، لأن الجميع يمقتونكم، إلا الشيطان وحده، فليس أحد غيره أباكم في هذا الأرتداد "(33).
" دعهم يخبروننا من أي مُعَّلم أو من أي تقليد جاءوا بهذه المفاهيم عن المخلص "(34).


(1) رسالته إلى ماجنسيا 1:13

(2) إلى تراليس 1:7

(3) الآباء الرسوليين للبطريرك إلياس الرابع معوض 16.

(4) رسالته الأولى 1:42

(5) رسالته إلى فيلبى 3:6

(6) Adv. Hear. B 5;33.

(7) مشاهير الرجال ف 18.

(8) يوسابيوس ك3:39.

(9)N. T. Apoc رؤ 17:22

(10) Adv. Hear. B 5;33.

(11) Irenaeus: Against heresies 32, 31, 3:4:1.

(12)Ibid 3:24:1.

(13) Ibid 31.

(14) Ibid 1:8:1.

(15) Ibid 52.

(16) Probably referring to the in Palestine(ante Nicene frs, vol1, p 331).

(17) Irenarus: Against Heresies 1:10:2;3:2,2:3, 3L1; 33; 3:4:1, 2; 3:5:1;3:24:1. Ante-Nicene Fathers, vol 1. j. Stevenson: A new Eusebius, London, 1974,p 115 – 117.

(18) يوسابيوس ك 5 ف1.

(19) يوسابيوس ك 6 ف 13.

(20) ك 6 ف 13 : 8.

(21) ك 5 ف 11 : 5.

(22) Origen: De Principus: Praef. 2.

(23) St. Cyprian: Epistle 74:11, Unity of the Church 6.

(24) St. Basil: O the Spirit, ch. 10 (25).

(25) St. Gregory of Nyssa: Contra Eunomuim 4 PG 45: 653.

(26) أنظر أيضاً " لاهوت المسيح عند آباء ما قبل نيقية " ك مار جرجس سبورتنج ص 10 – 12. والقمص تادرس يعقوب " شفرة دافنشي رواية بوليسية خيالية أم بحث علمي؟ " ص 128 و129.

(27) الروح القدس، الرسالة الأولى، فقرة 28.

(28) الروح القدس، الرسالة الأولى، فقرة 33.

(29) NPNF, 2nd ser. , Vol. IV, p. 153.

(30) NPNF, 2nd ser. , Vol. IV, p. 153.

(31) NPNF, 2nd ser. , Vol. IV, p. 576.

(32) NPNF, 2nd ser. , Vol. IV, p. 169.

(33) NPNF, 2nd ser. , Vol. IV, p. 168.

(34) NPNF, 2nd ser. , Vol. IV, p. 158.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
الفصل الثالث
هل أنكر أريوس
أن المسيح ابن الله وكلمته؟

1 - الأفكار والهرطقات التي مهدت الطريق للأريوسية:

يؤكد العلماء أن الأريوسية لم تولد من فراغ إنما وجدت أفكار غريبة وهرطقات سابقة عليها وقد مهدت لها الطريق، وأهم هذه التعاليم والهرطقات هي الهرطقة الأنتحالية (المودالية Modalism) أو السابيلينية، وهرطقة بولس السموساطي، وكذلك تعاليم لوقيانوس أسقف إنطاكية، إلى جانب الفلسفة اليونانية. كما أنها لم تعتمد لا على حقائق الإعلان الإلهي ولا على التسليم " الإيمان المسلم مرة للقديسين "، بل أخضعت أفكارها ولاهوتها للمنطق الفلسفي الجدلي فابتعدت عن حقيقة الإيمان المسيحي وجوهرة.

(1) الأنتحالية (أو السابيلينية Sabellianism).
حاول عدد قليل من آباء الكنيسة التوفيق بين الإيمان بالله الواحد وعقيدة الثالوث في ذات الله، والتوفيق بين هذه الوحدانية وكون المسيح ابن الله وكلمته وأن الروح القدس، المنبثق من الآب، هو روح الله، وكيف أن الآب والابن والروح القدس واحد. فقد وجدوا أن الكتاب يؤكد على لاهوت المسيح والروح القدس ويقول أن الابن إله والروح القدس إله، كما يؤكد على أن الله واحد. ولم يرجع هؤلاء للكتاب المقدس نفسه ولا للتسليم الرسولي المسلم من رسل المسيح وتلاميذه، ولكنهم اعتمدوا على فكرهم الخاص وحاولوا عدة محاولات ولأن هذه المحاولات لم تعتمد لا على الكتاب المقدس ولا على التسليم الرسولي لذا سقطوا في البدعة والهرطقة وحرموا من الكنيسة. وكان من أول الذين قاموا بهذه المحاولات براكسياس praxeas الذي جاء من آسيا الصغرى إلى روما في أواخر القرن الثاني ونادي بأن " الآب تجسد وتألم في الابن ". فقد فهم من قول الله في سفر اشعياء " أنا الرب وليس آخر " (اش5: 45)، وقول الرب يسوع المسيح " أنا والآب واحد " (يو30: 10)، و" الذي رآني فقد رأى الآب " (يو9: 14)، أن الآب هو نفسه الابن دون تمييز في الذات الإلهية بين الآب وكلمته، عقله الناطق. ومن ثم فقد نادى أن الله واحد وأن الآب هو نفسه الابن، وقد تجسد، الآب، وصار إنساناً وتعب وجاع وعطش وتألم ومات 00الخ من خلال الابن وتصور أن العلاقة بين الآب والابن مثل الروح والجسد وبنفس الطريقة فهم العلاقة بين الآب والروح القدس(4).
ونادى بنفس الفكر نويتوسNoetus الذي ظهر في سميرنا بآسيا الصغرى سنة 200م معتمدا على قول الكتاب عن الرب يسوع المسيح " الكائن على الكل إلهاً مباركاً " (رو5: 9). ثم جاء كاليستوسCallistus أسقف روما في بداية القرن الثالث وتبنى أفكار نويتوس وعلم أن الابن ما هو إلا ظهور للآب في هيئة إنسان وأن الآب يحي الابن كما يحي الروح الجسد، وأن الآب تألم معه على الصليب قائلاً: " الآب الذي كان في الابن أخذ جسدا وجعله إلها ووحده مع نفسه وجعله واحداً. لذا كان الآب والابن اسم الإله الواحد، وهذا الأقنوم (πρόσωπον -Prospon) الواحد لا يمكن أن يكون أثنين؛ وهكذا تألم الآب مع الابن "(5)
ومن الواضح أن هؤلاء لم يدركوا حقيقة الثالوث كما جاءت في الإعلان الإلهي، الكتاب المقدس، ولا نادوا بوحدانية واضحة! فجاءت أفكارهم متناقضة لا هي بالثالوث ولا بالوحدانية المطلقة!
ثم ظهر الكاهن سابيليوس (المتوفى سنة 261م) في منتصف القرن الثاني، وكان أسقفا لبطلومايس التي كانت ميناءً تابعا للخمسة مدن الغربية " بانتوبوليس " والممتدة من طرابلس بليبيا إلى حدود مريوط بمصر تجاه الصحراء الغربية. وكان قد أمضى وقت من عمره في روما في بداية القرن الثالث(6). ورفض فكرة أن الابن، الكلمة (Logos- λογος)، تالي للآب في الذات الإلهية وخاضع له، وفي نفس الوقت حاول الدفاع عن لاهوت المسيح وتبسيط عقيدة الثالوث التي تؤمن بها الكنيسة المسيحية والتي تسلمتها من الرسل والذين تسلموها بدورهم من الرب يسوع المسيح " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس " (مت19: 28)، ونادي بأن الله واحد وحدانية لا تعدد فيها وأنه قام بثلاثة أدوار أو أنتحل ثلاثة أشكال Modes في ثلاث مراحل للإعلان عن ذاته، وقال أنه ظهر في العهد القديم كالآب، قام بدور الآب، أنتحل دور الآب، الذي أعطى الناموس لموسى النبي وكلم الأنبياء، وهو نفسه الذي تجسد في العهد الجديد كالابن، قام بدور الابن، أنتحل دور الابن، وهو أيضا الذي حل على التلاميذ كالروح القدس، قام بدور الروح القدس، أنتحل دور الروح القدس، لذا سميت هرطقته هذه بالانتحالية Modalism لأنها تنادي بأن الله انتحل ثلاث هيئات. أي أن الله واحد وقد قام بثلاثة أدوار أو ظهر في ثلاث هيئات في ثلاث مراحل زمنية مختلفة. وقال أن الآب نفسه، إله العهد القديم، هو الذي أتخذ له جسدا وصار في هيئة الإنسان فأصبح الابن، الآب نفسه أصبح الابن!! ولذلك فقد دعي أتباعه أيضا ب- " مؤلمي الآب Patripassions "(7) لأنهم يقولون أن الآب عندما ظهر كالابن تألم على الصليب. كما أن الآب هو نفسه الذي أصبح الابن أخذ، أيضا، هيئة الروح القدس وحل على التلاميذ!!
وقد تجاهل بذلك أقوال الكتاب المقدس، التي تميز بين الآب والابن والروح القدس في الذات الإلهية لله الواحد، كالآب الذي كان معه، فيه كلمته، الابن الذي في حضنه، والروح القدس المنبثق منه؛ " الابن الوحيد الذي في حضن الآب " (يو18: 1)، " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1)، " خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضا اترك العالم واذهب إلى الآب " (يو28: 16). " المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي " (يو26: 14)، " المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي " (يو26: 15).
وقد نادى بهذا التعليم معتقدا أنه بذلك يؤكد على لاهوت المسيح، كما يؤكد على وحدانية الله، بصورة مطلقة، ليرضي الذين كان يصعب عليهم فهم عقيدة الثالوث، من اليهود وغيرهم، ويسهل لهم الإيمان بألوهية المسيح، وينفي الفكر الوثني الذي يؤمن بمجموعات عديدة من الآلهة.
وقد واجهت الكنيسة هذا التعليم الهرطوقي الذي يضاد ما جاء في الكتاب المقدس، فقام عدد كبير من آباء الكنيسة سواء في الشرق أو الغرب بالرد عليه والدفاع عن العقيدة القويمة (الأرثوذكسية)، كما قام البابا ديونسيوس، بطريرك الإسكندرية الرابع عشر (246- 265م)، بحملة شديدة ضد هرطقته هذه وحرمه سنة 260م في مجمع عقد بالإسكندرية، كما حرمة أيضا البابا ديونسيوس بابا روما (259 -269م)، سنة 262م(8).

(2) هرطقة بولس الساموساطي:

كان بولس السموساطي أسقفا لإنطاكية (في الفترة من 260إلى 268م) وكان له نفوذ سياسي في الإمبراطورية الرومانية، كما كان نائبا للملكة زنوبيا ملكة تدمر (بالميرا) والتي كانت تتبعها إنطاكية في ذلك الوقت. وحاول التوفيق بين عقيدة وحدانية الله وبنوة المسيح لله وقال بوجود المسيح الإله الذي حل في يسوع الإنسان!! وقال أيضاً أن المسيح مجرد بشر وقد صار إلهاً، ولكي يوفق بين قوله هذا وبين آيات الكتاب المقدس التي تؤكد على حقيقة لاهوت المسيح قال أنه صار إلها بالتبني. ويلخص العلماء أفكاره كالآتي:
1 - أن الله واحد وحدانية مطلقة في أقنوم واحد ومع ذلك يمكن أن نميز فيه الكلمة (اللوجوس) والحكمة، كصفتان أو قوتان مثل العقل والفكر في الإنسان(9)، وأن اللوجوس خرج من الله وهو يعمل في الأنبياء وقد حل في المسيح الإنسان منذ ميلاده ولكن بقوة أكبر من الأنبياء، وهو هنا يميز بين الكلمة ويسوع، بين المسيح الإله والمسيح الإنسان.
كما قال كل الكتاب القدماء أنه أعلن أن المسيح ليس أكثر من مجرد إنسان ولكنه صار إلها بالتبني بسبب استحقاقه بعد التبني، لذا دعي أتباعه بال Adoptionists، أصحاب عقيدة التبني (10)Adoptionism. يقول القديس أثناسيوس الرسولي أنه قال أن المسيح " لم يكن موجودا قبل أن يصير إنسانا، كان إنسانا حسب الطبيعة(11). وهو يضاد بهرطقته هذه تأكيد المسيح نفسه أنه كان موجودا قبل الخليقة " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " (يو58: 8)، " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم 000 لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " (يو5: 17،24). وقوله أنه نزل من السماء " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3)، " لأني قد نزلت من السماء 000 فكان اليهود يتذمرون عليه 000 وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وأمه فكيف يقول هذا أني نزلت من السماء " (يو6: 42).
2 - أن الابن لم يكن موجوداً دائما وأنه أقل من ال (Logos- λογος) وأن اتحاد الابن مع الكلمة هو اتحاد عن طريق التعليم وليس اتحادا وجودياOntological، كما أن الابن وجد قبل الأزمنة في علم الله السابق، وأن الآب وحده هو الله أما الابن فإله بالنعمة، وبالتبني لأن الله تبناه(12).
وقد حاول أن يوفق بين أفكاره وبين فكر الكنيسة فتخبط في أقواله وقال أن المسيح هو " إله من العذراء " بل وقال أيضاً أن الابن، المسيح، " مساو للآب في الجوهر ". ويقول عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه " كان يعتقد اعتقادات وضيعة عن المسيح - مخالفا لتعاليم الكنيسة - أي أنه كان في طبيعته إنسانا عاديا ". وقال أن مجمعا عقد بسببه في إنطاكية " ولكن جميع رعاة الكنائس من كل جهة أسرعوا ليجتمعوا في إنطاكية كأنهم اجتمعوا ضد مبدد قطيع المسيح "(14). وبعد مناقشة أفكاره الهرطوقية والمضادة لآيات الكتاب المقدس والتسليم الرسولي، الإيمان المسلم مرة للقديسين، حرموه من رتبته(15). ويقول البابا الكسندروس أنه أصل الأريوسية(16).

2 - أفكار لوسيان أو لوقيانوس الإنطاكي الهرطوقية:

خلف لوسيان أو لوقيانوس بولس الساموساطي على كرسي إنطاكية وكان متأثرا ببعض أفكاره، إلى حد ما، ومن ثم فقد نادي بتعاليم قريبة نسبيا من تعاليم سلفه. يقول عنه البابا الكسندروس أنه كان خليفة لبولس (أي الساموساطي) وأبا لأريوس لأن أريوس أعتنق الكثير من أفكاره(18). كما كان، لوسيان، يُخضع أفكاره اللاهوتية لعمليات التفكير الفيزيقي الرياضي، متجاهلا حقائق الإيمان والإعلان الإلهي، وتوسع في استخدام المفهوم الأفلاطوني المجرد عن الله وذلك عن طريق الجدل الأرسطوطاليسي الذي سيطر على أفكاره ومنهجه(19).
ويتلخص إيمان لوسيان في الابن كالآتي: أنه " الرب الواحد يسوع المسيح ابن الله، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله، الحكمة، الحياة، النور. الذي ولد من عذراء حسب الكتب، وتأنس "(20). كما قال أن المسيح الذي هو اللوجوس، كلمة الله كان هو الصورة الفعلية (eikon aparallaktos - exact image)(21)للآب.
ومن الواضح أنه فهم نظرية التابعية، خضوع الابن للآب، خطأ ويبدو أنه، كأريوس، فهم أن ولادة الابن من الآب بمفهوم الخلق، ولكن لا وجود نص صريح إلى ذلك غير استنتاجات ولكن أقواله أقرب للإيمان المستقيم، ولكنه كما يرى البعض، كان يرفض مثله تعبير " homoousius - όμοούσιος - من نفس جوهر الآب "، لذا يعتقد الكثيرون من العلماء أنه كان مسئولا عن عقيدة أريوس التي تقول بأن الابن مخلوق من العدم (22)ex nihilo. ويبدو أنه كان يقول، كبقية مدرسته، أن الابن كان في إمكانه أن يقلل من لاهوته، على عكس الآب، وأن يصير جسدا(23)، وهذا يعطي معنى التحول إلى الجسد. وقال أن المسيح لما تجسد لم يتخذ روحا بشرية وأن ال (Logos- λογος)، الكلمة(24)، حل محل الروح البشرية في المسيح. ويقول ابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن الأريوسيين متمثلين مع اللوسيانيين، تلاميذ لوسيان، الذين ينكرون أن ابن الله أتخذ روحا بشرية لكي ما يربطوا الخبرات البشرية باللوجوس مباشرة(25).

3 – تأثر أريوس بالفلسفة اليونانية:

يرى الكثيرون من العلماء قديما وحديثا أن أريوس تأثر كثيرا في أفكاره وشروحاته الجدلية بالفلسفة اليونانية، التي تعلمها في مدرسة لوسيان، والفكرة الوثنية القائلة أن الله غير معروف وغير مدرك ولا يمكن الوصول إليه وهو غير مهتم أو مبال بغيره، وأن هناك آلهة وسط بينه وبين الخليقة، وكذلك بفكر أرسطو خاصة في محاولته لفهم جوهر الله. كما قال القديس جيروم أن الأريوسية تستعير جداول مجادلاتها من ينابيع أرسطو(26).
فهرطقته برغم أنها تؤمن بالثالوث، الله الآب والمسيح، اللوجوس، والروح القدس، فهي تؤمن بفكر ثالوثي هو أقرب لفكر الشرك الوثني منه بالمسيحية، إذ يؤمن بثلاثة آلهة متدرجين في الوجود والدرجة؛ الأول هو الآب غير المولود والذي لا بداية له، والثاني هو الابن المولود الذي خلقه الآب ليخلق به بقية الخليقة، وهو منفصل عنه وأدنى منه، والثالث هو الروح القدس الذي خلقه الابن، وبالتالي فهو أدني من الابن الذي خلقه. كما أنه استخدم تعبيرات فلسفية وثنية محددة، في خطابه إلى البابا الكسندروس(27)، مثل Monad and Dyad، والأول يعني وحدة غير مرئية، أحد عناصر الوجود، والثانية تعني مجموعة من أثنين. ويقول Lorentz أن أريوس قال أنه كان يوجد ال Monad ولكن ال Dyad لم يوجد قبل أن يأتي إلى الوجود، بمعنى أن الله كان Monad أول، ثم عند ظهور الابن تطور Dyad بينهما أو أن Dyad هو الابن في مفهومه(*).
كما أن قوله بإلهين الأول خالق والثاني هو المخلوق الخالق، وجعله من الابن ثانيا بعد الآب وخاضعا له مأخوذ كلية من المفهوم الأفلاطوني للفكرة والمشارك إلى جانب تأثره بنظرية خضوع الابن للآب.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر

4 - الأريوسية:
Arianism:
في سنة 318م جاء أريوس (256 - 336م) الليبي الأصل وكاهن كنيسة حي بوكاليا أكبر كنائس الإسكندرية، في ذلك الوقت، والذي تلقى تعليمه اللاهوتي وتعلم على يد لوسيان الإنطاكي، بهرطقته الجديدة متأثراً بأفكار الكثير من الهرطقات التي سبقته، مثل الغنوسية وهرطقتي سابيليوس وبولس الساموساطي وأفكار أستاذه ومعلمه لوسيان الإنطاكي وبعض الهرطقات الأخرى. وكانت هرطقته هذه غريبة تماما عن التسليم الرسولي المسلم مرة للقديسين، كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي عنه؛ " أن أريوس الغريب، في الواقع لم يقلد أحدا وقورا، وإذ كان يجهل كتابات الرجال الوقورين من عظماء القوم، فأنه كان يختلس كثيرا من أفكار الهرطقات الأخرى "(28). ويقول أريوس عن نفسه بكبرياء وغطرسة " وأنا على الأقل تعلمت هذه الأمور من أناس لهم نصيب كبير من الحكمة أناس مدهشين من الذين لهم أمور الله، وعموما فأنهم يعتبرون من الحكماء. وقد اقتفيت أنا أثار هؤلاء وسرت على دربهم وها أنا أسير على نفس الطريق، معلما لنفس هذه المبادئ، أنا الذائع الصيت، لقد عانيت الكثير لأجل مجد الله، وعرفت الحكمة والمعرفة "(29). ولم يقل قط أنه أتخذ تعليمه من الرسل ومن خلفائهم كما يفعل دائما آباء الكنيسة الذين استلموا التقليد المسلم من رسل المسيح " الإيمان المسلم مرة للقديسين "، وإنما أتخذ تعليمه من هراطقة اعتبرهم هو حكماء، كما يصف نفسه بعظمة وغطرسة وكبرياء لم نعتدهم في آباء الكنيسة الذين اتصفوا دائما بالاتضاع، فيقول " أنا الذائع الصيت 000 وعرفت الحكمة والمعرفة "!! ولم يقل تعلمت كلمة الله من الكتاب المقدس والتسليم الرسولي.
وفي محاولة منه لتقديم الإيمان المسيحي، كما فهمه من معلميه، بأسلوب عقلاني ومنطق فلسفي جدلي متجاهلا حقائق الإيمان والإعلان الإلهي الذي يفوق العقل والتسليم الرسولي " الإيمان المسلم مرة للقديسين "، وبصورة يقدر على فهمها أصحاب الفكر الوثني، فنادى بفكر مخالف تماما للتقليد الرسولي " الإيمان المسلم مرة للقديسين "، فجاء تفسيره للعقيدة خاليا من المفاهيم المسيحية الأساسية ومن الحكم السليم والنظرة الصائبة(30)، وعلم بالوحدانية التي لا تعدد فيها لله الواحد، كما نادى بأن المسيح إله ولكنه أقل من الله، الآب، وأن الله خلقه قبل كل الخلائق الأخرى فهو، أي الكلمة، الابن، من وجهة نظره " بداءة خليقة الله " (رؤ14: 3)، و" بكر كل خليقة " (كو15: 1)، بمفهوم حرفي. ثم خلق، الله، بواسطته سائر المخلوقات الأخرى. أي أن الله، الآب، خلق الكلمة، الابن، المسيح، أما بقية المخلوقات فقد خلقها، الكلمة، الابن، المسيح. الآب خلق الابن والابن خلق الكون. ويمكن أن نلخص أفكاره الهرطوقية من خلال أقواله، كما درسها العلماء وكما سجلها القديس أثناسيوس الرسولي في مقالاته الثلاث " ضد الأريوسية " ورسالته " الدفاع عن قانون إيمان نيقية " والذين سنستعين بهم في بحثنا هذا، كالآتي:
(1) أن الله لم يكن أبا في كل حين، بل كان هناك وقت حين كان الله وحده، ولم يكن هناك الكلمة والحكمة بعد، ولم يكن أبا بعد، بل قد صار أبا فيما بعد(31)، فقد كان أولا في حالة كان فيها كما كان ببساطة إلها وليس آبا. كان الله واحد مطلق في " فردية " بسيطة، بعيد وغير معروف، غامض، لا يدرك ولا يمكن الالتقاء به، مخفي بسر أزلي، ومنفصل عن الخليقة بهوة غير محدودة، ولم يكن هناك خلائق ولا أحد في الكون غيره(32).
(2) الابن أو اللوغوس، الكلمة، مخلوق، عمله الله من اللاوجود (العدم - ex nihilo)، وليس من طبيعة الله الأبدي الذي لا بداية له ولا من جوهره. خلقه الآب ليخلق به الخليقة، فكان كائنا وسطا بين الله والخليقة التي خلقها هو، خلقها الله بواسطته. لذا لم يكن كواحد من الخلائق الأخرى، بل كان مخلوقا مختلفا عن كل الخلائق. يقول القديس أثناسيوس " في بادئ الأمر عندما ابتدعوا هرطقتهم، فقد كتبوا هكذا: " أنه مخلوق ولكنه ليس واحداً من المخلوقات، أنه مصنوع ولكنه ليس واحداً من المصنوعات، أنه مولود ولكنه ليس واحداً من المولودين "(33).
ويقول أريوس في رسالة له إلى البابا الكسندروس، بابا الإسكندرية، شارحا تعليمه أو هرطقته: " الآب هو الذي ولد الابن، المولود الوحيد، قبل كل الدهور والأزمنة، وبه أيضا خلق الدهور وكل الأشياء، الذي صنعه ليس في المظهر بل بالحق وأعطاه وجوده بإرادته، ثابت وغير قابل للتغير، مخلوق كامل من الله، ولكن ليس كأحد المخلوقات، مصنوع ولكن ليس كأحد المصنوعات، صنعه الآب ولكن ليس كما قال فالنتينوس ولا كما فكر ماني(34) أنه جزء من جوهر الآب نفسه، وليس كما قال سابيليوس ب " الابن الآب "، ولا كما قال هيراكاس Hieracas نور أضاء من نور، أو كمصباح أنقسم إلى أثنين، ولا كواحد كان موجودا من قبل ولكنه صُنع أخيرا إلى الابن بالولادة أو الخلق 000 ولكن كما نقول، مخلوق بإرادة الآب قبل الأزمنة وقبل الدهور، وأخذ الحياة والوجود والمجد من الآب، فقد أعطاه (الآب) الحياة جنبا إلى جنب مع نفسه، لأن الآب عندما أورثه كل شيء لم يحرم نفسه مما كان له في نفسه بلا بداية 000 الابن مولود بواسطته قبل الزمان (بلا زمان)، مخلوق ومقام قبل الدهور، لم يوجد قبل أن يولد، ولكنه موجود قبل الزمان وقبل كل شيء، هو الوحيد الذي نال الوجود من الله 000 الآب سابق لكل شيء، لذا فهو أيضا سابق للابن "(35).
(3) ونظرا لأن قوله أن كلمة الله مخلوق يتصادم مع تأكيد الكتاب المقدس أن المسيح هو كلمة الله الذاتي، غير المخلوق، وحكمة الله، غير المخلوق، وقوة الله، غير المخلوق، والواحد مع الآب في الجوهر والذي من ذات الله وفي ذات الله، حيث يقول الكتاب " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله 000 الابن الوحيد الذي في حضن الآب " (يو1: 1،18).
والكتاب يبدأ هنا بقوله في البدء " كان الكلمة "، والفعل " كان - en - ην" هنا جاء في الزمن الماضي الناقص، غير التام، الدال على حالة كانت مستمرة، ويتضمن استمرار الوجود، الوجود المستمر في الماضي. وهذا يعنى أنه قبل أن يبدأ البدء كان الكلمة موجوداً، ويمكن أن تترجم الآية حرفياً "عندما بدأ البدء كان الكلمة موجوداً هناك "(36)، بلا بداية، وهذا يعادل ويساوى القول " الكلمة يسبق الزمن أو الخليقة "(37)، بلا بداية. فكان هنا تشير إلى الوجود المطلق لارتباطها بالبدء وبالخالق. وبالتالي يكون معنى نص الآية كاملاً: أنه في البدء، وقبل الخلق، كان الكلمة موجوداً وهو الخالق ذاته، الذي كان موجوداً من الأزل بلا بداية قبل أن يقوم بعملية الخلق، كان موجوداً، وكان هو العنصر الفعال، الخالق، بدء البدء. ويتكرر الفعل " كان - en - ην " في هذه الآية، عن الكلمة، أربع مرات: " في البدء كان 000 الكلمة كان 000 وكان الكلمة 000 كان في البدء ". وفى هذه المرات الأربع تشير إلى ما قبل الخلق والزمن إلى الأزل إلى الأبدية(38).
كما يتصادم القول أن كلمة الله مخلوق، أيضا، مع تفسير آباء الكنيسة لصورة الحكمة في العهد القديم على أنها المسيح. وأقواله هذه تعني أن الله قبل أن يخلق المسيح كان بلا عقل، بلا حكمة، بلا قوة، وبالتالي يكون قد جرد الله، أصلا، من الوجود، لذا زعم أنه يوجد هناك كلمتان وحكمتان وقوات عديدة لله!! وميز، أريوس، بين عقل (Logos- λογος) أصلي أو حكمة كامنة في اللاهوت منذ الأزل وبين الابن ككلمة الله وعقله وقال أنه لم يكن كامنا في اللاهوت بل مخلوقا وقد أعطي هذه الألقاب بالنعمة.
أي يوجد بالنسبة له، أريوس، حكمتان وكلمتان (عقلان) لله، حكمة الله التي في ذاته والموجودة معه من الأزل، وحكمة مخلوقة هي الابن الذي جاء إلى الوجود في هذه الحكمة!! لأنه كان شريكا فقط في الذي دعي الحكمة والكلمة أي الحكمة وجدت في الحكمة بإرادة الله الحكيم، لذا فهناك كلمة آخر في الله إلى جانب الابن، ولأن الابن شريك هذا أيضا فقد دعي بالنعمة الابن والكلمة!! كما قال أنه توجد قوات كثيرة، إحداهم لائقة بالله طبيعيا، ولكن المسيح ليس هو القوة الحقيقية لله، ولكنه واحد من أولئك الذين دعوا بالقوات!!(39)، فقال " هناك حكمتان: الأولى مستقلة وموجودة مع الله، أما الابن فقد جاء من خلال هذه الحكمة الأولى، وقد سمي الحكمة والكلمة بسبب اشتراكه فقط في هذه الحكمة الأولى، لأنه يقول " أن الحكمة جاء إلى الوجود بواسطة الحكمة بمشيئة الله الحكيم "!! " وهكذا يقول أيضا: أنه توجد كلمة أخرى في الله غير الابن 00 وأيضا أن الابن سمي كلمة وأبنا بسبب مشاركته للكلمة حسب النعمة 000 وأنه توجد قوات كثيرة، أحدها هي قوة الله ذاته بحسب طبيعته الذاتية الأبدية، أما المسيح فليس هو قوة الله الحقيقية، بل أنه هو أيضا قوة من تلك التي تدعى قوات، والتي تعتبر إحداها الجرادة " (يوئيل25: 2) " الدودة "!!(40).
(4) الابن متغير بالطبيعة، ولكنه يبقى غير متغير بنعمة الله، ولكنه بالحقيقة لا يقدر أن يخطئ لأن الله منحه هذه الصفة بناء على استحقاق علمه السابق، أي أن الآب رأي بسابق علمه أن المسيح لن يخطئ باختياره فمنحه المقدرة على عدم الخطأ، أي عصمه من الخطأ. ولأنه عرف بعلمه السابق أنه سيكون بمثل هذه الصفات فقد أعطاه عند مجيئه إلى الوجود اسم الابن ومجد الاسم. يقول هو " والكلمة نفسه أيضا، مثل كل القوات، متغير بحسب طبيعته، ويبقى صالحا بإرادته الحرة - إلى أي وقت يريده، ولكنه حينما يريد، فأنه يستطيع أن يتحول مثلنا، إذ أنه ذو طبيعة متغيرة. ويقول أيضا " بما أن الله عرف بسبق علمه، بأن الكلمة سيكون صالحا فقد منحه هذا المجد، مقدما والذي حصل عليه بعد ذلك، كإنسان بسبب الفضيلة. ولهذا فأن الله - بسبب أعماله التي كان يعرفها بسبق علمه أنها ستعمل - خلقه بمثل هذه الصورة التي صار عليها الآن "(41)!!
وهذا يناقض ما قاله الكتاب المقدس عن عدم تغير الابن، المسيح " يسوع المسيح هو هو امسا واليوم وإلى الأبد " (عب8: 13)، " وأنت يا رب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوب تبلى " (عب10: 1، 11).
(5) الكلمة (Logos- λογος) غريب عن الكائن الإلهي ومميز عنه، فهو ليس إلها حقيقيا برغم أنه دعي إلها، لأنه جاء إلى الوجود، " وإنما هو إله بمشاركة النعمة مثل جميع الآخرين، وهكذا فأنه يسمى إلها بالاسم فقط، وكما أن جميع الكائنات غريبة عن طبع الله ومختلفة عنه في الجوهر، هكذا الكلمة أيضا يعتبر غريبا عن جوهر الآب وذاتيته ومختلفا عنه، بل هو ينتمي إلى الأشياء المخلوقة والمصنوعة، وهو نفسه أحد هذه المصنوعات "(42).
وذلك برغم قوله أن الابن مولود من الآب. ولكن الولادة بالنسبة له تعبير متماثل مع الخليقة، فهو يستخدم تعبير مولود بمعنى مخلوق، وكلاهما يعني الاستقلال، فقد تصور أريوس وأتباعه أن الولادة في الذات الإلهية تعني الولادة الجسمانية physical begetting، لذا أصروا على أن الابن أخذ الوجود، نال الوجود، من إرادة الآب. والغريب في تعليم أريوس وأتباعه هو إصرارهم على أن الابن وُجد، صُنع، قبل الأزمنة والدهور، ومع ذلك يقولون أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن ثم كان هناك وقت وجد فيه!!
(6) أن معرفة الابن غير كاملة، الابن لا يقدر أن يعرف أو يرى الآب لأنه جاء إلى الوجود والأشياء المخلوقة لا تقدر أن تعرف خالقها معرفة كاملة. ويقول أن الآب غير مرئي للابن، فالكلمة لا يقدر أن يري أو يعرف أبيه معرفته كاملة ودقيقة " وحتى الابن فأنه لا يرى الآب " وأن " الكلمة لا يستطيع أن يرى أو أن يعرف أباه تماما وبصورة كاملة، ولكن ما يعرفه وما يراه، فأنه يعرفه ويراه بقدر طاقته الذاتية، مثلما نعرف نحن أيضا بقدر طاقتنا الذاتية "(43).
وهذا يناقض قول الرب يسوع المسيح " كل شيء قد دفع إلي من أبي وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له " (مت27: 11)، وقوله أيضا " أنا اعرفه (الآب) لأني منه " (يو29: 7).
(7) معرفة الابن لنفسه محدودة. ولا يقدر أن يدرك الآب ولا يعرف جوهره، بل ولا يعرف الابن جوهر ذاته هو، فهو يقول؛ " أن الابن ليس فقط لا يعرف تمام المعرفة، إذ هو يعجز عن هذا الإدراك، بل أن الابن نفسه لا يعرف حتى جوهره الخاص به "(44)!!
ونقول هنا كيف لا يعرفه وهو كما يقول " أنا أعرفه لأني منه "؟!
(8) الابن خالق الكون؛ لقد خلق الآب الابن لأجلنا كوسيلة يخلقنا الله بها، لقد خلق الآب الابن ليخلقنا به، خلق الآب الابن والابن خلق سائر المخلوقات الأخرى، فهو، الابن، المخلوق الخالق!! حيث يقول " الابن لم يكن موجودا دائما، لأن كل الأشياء قد خلقت من العدم، وكان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودا، ولم يكن له وجود قبل أن يصير، بل هو نفسه كان له بداية تكوين وخلقة 000 الله كان وحده، ولم يكن هناك الكلمة والحكمة بعد 00 من ثم فعندما أراد الله أن يخلقنا، فأنه قام بصنع كائن ما وسماه اللوغوس والحكمة والابن كي يخلقنا بواسطته "(45).
وهذا الكلام لا مثيل له في الكتاب المقدس نهائيا إنما هو من منابع هرطقته ويتناقض مع المنطق لأنه أن كان الله قد خلق الابن من العدم ليخلق به الخليقة، فلماذا لم يخلق هو، أيضا، الخليقة بنفسه من العدم كما خلق الابن؟ فالخلق هو الخلق. يقول القديس أثناسيوس الرسولي: " إنني أتعجب متسائلا عمن هو ذاك الذي اقترح عليهم مثل هذه الفكرة العقيمة والغريبة أن الآب وحده خلق بيده هو الابن فقط، وأن جميع الأشياء الأخرى قد أوجدت بالابن كأداة 000 دعنا نفترض أن المخلوقات الأخرى لم تحتمل أن تُخلق باليد المطلقة التي لغير المبتدئ، ومن ثم فأن الابن فقط هو الذي خلقه أوجده الله وحده، أما الأشياء الأخرى فقد خلقها الابن كأداة ومساعد 000 كم هش وسريع الزوال (هو تفكيرهم - أي أريوس وأتباعه). لأنه إذا كان يستحيل على الأشياء المبتدأة أن تحتمل يد الله، وأنتم تعتبرون الابن في عداد هذه الأشياء، كيف كان هو مناسبا لأن يحتمل أن يُخلق هذه الخلقة بيد الله وحده؟ وإذا كان لابد من وجود وسيط حتى تأتي الأشياء المبتدأة إلى الوجود، وأنتم تعتبرون أن الابن مبتدأ، إذا لابد أنه قد كان هناك وسيط قبله لأجل خلقته، وهذا الوسيط نفسه أيضا مخلوق وبالتالي هو أيضا أحتاج لوسيط آخر لأجل خلقته هو، ورغم أننا يمكن أن نخترع وسيطا آخر، إلا أننا يجب أولا أن نخترع وسيطه، وهكذا لن نصل أبداً إلى أية نهاية. وهكذا ما دام أن هناك وسيطا مطلوب دائما إذا لن تُخلق الخليقة أبداً "(46).
(9) ويقول أريوس بثالوث غير متماثل، ثلاثة أقانيم غير متماثلة ولا متساوية في الجوهر (όυσια - ousia)، وهم ثلاثة منقسمين ومنفصلين وغير مشاركين أحدهم للآخر، ولكن متحدين اتحادا أدبيا محضا، وحدة في الإرادة والتدبير وليس في الطبيعة أو الجوهر أو المجد، فالكلمة مختلف تماما عن الآب وهكذا الروح القدس، " أن لكل من الابن والآب والروح القدس جوهره منفصل عن الآخر حسب الطبيعة، وأنهم منقسمون ومتباعدون وغرباء عن بعضهم البعض، وليس لهم شركة أحدهم مع الآخر 000 أنهم غير متشابهين تماما في الجوهر والمجد بلا نهاية "(47).
وقوله هذا يتناقض تماما مع قول الكتاب المقدس الذي يقول أن الابن من الآب والروح القدس منبثق منه " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب " (يو18: 1)، " أنا اعرفه لأني منه " (يو29: 7)، " روح الحق الذي من عند الآب ينبثق " (يو26: 15).
يقول القديس أثناسيوس " ولكنهم يعرضون خرافاتهم المصنعة ويدعون أن الابن والآب لا يمكن أن يكونا " واحدا " أو متماثلين بالصورة التي تعلم بها الكنيسة، بل بالطريقة التي يريدونها هم. إذ يقولون أن ما يريده الآب يريده الابن أيضا. وهو غير مضاد له لا في الفكر ولا في القرار، ولكنه موافق له من جميع الوجوه، وهو يعلن التعاليم نفسها مثل الآب ويقول الكلام المتفق مع تعاليم الآب والمتحد معه لذلك فهو - حسب رأيهم - واحد مع الآب "(48).
(10) وقال أن الابن لما تجسد، صار جسدا، تحول إلى جسد، حل في جسد بلا روح إنسانية، وأن الكلمة، الابن، حل في الجسد محل الروح الإنسانية!!
E
أسئلة جوهرية لابد منها:
V
هل كان هؤلاء الهراطقة الذين آمنوا بإله واحد في القرون الأولي هم أصحاب المسيحية الحقيقية؟
V
هل يمكن أن يكون ما نادى به بولس السموساطي هو المسيحية الصحيحة؟ وخاصة لأنه قال أن المسيح مجرد إنسان.
V
وهل كان ما نادى به أريوس هو المسيحية الصحيحة، لأنه قال أن المسيح مخلوق؟
V
وهل يمكن أن يؤمن من يزعمون بذلك بمعتقدات أيا منهم؟
تصور البعض من الذين لا هم إلا انتقاد المسيحية، من غير المؤمنين بها، أن وجود بعض الأفراد الذين ظهروا قبل مجمع نيقية أو بعد ذلك سواء بقليل أو كثير، والذين قالوا بوحدانية الله التي لا تعدد فيها وأن المسيح مجرد مخلوق، دليل على أن إيمانهم هو الإيمان الصحيح، ودليل على صحة قولهم، هم، أن المسيح مجرد نبي، فهل ما يزعمونه هو الحقيقية؟!!
& والإجابة هي أن هؤلاء النقاد أما أنهم يغالطون أنفسهم ويتجاهلون الحقائق التاريخية، سواء الخاصة بالكتاب المقدس أو التسليم الرسولي أو المجامع المسكونية وأسباب انعقادها أو حتى ما حدث بعدها، أما أنهم يجهلون هذه الحقائق! وبالتالي فقد كان عليهم أن يدرسوها أولا بدلا من اختطاف جملة من هنا وفقرة من هناك بعيدا عن سياقها وقرينتها، أو قول من هنا وعبارة من هناك دون ربطها بالأسباب والوقائع كما سجلها التاريخ. فهناك حقائق عديدة تجاهلوها أو جهلوها!!
1 - أن الكتاب المقدس بعهديه أكد، في آيات كثيرة جداً، على حقيقة لاهوت المسيح وأنه
موجود من الأزل بلا بداية ولا نهاية، ككلمة الله الذاتي وحكمة الله الذي في ذاته وقوة الله الخالق الذي خلق به الخليقة والذي يدير الكون ويدبره، ابن الله الوحيد الذي في حضن الآب، الإله الحق الكائن على الكل بلا بداية وبلا نهاية، والذي ظهر بالجسد في ملء الزمان أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس وفي هيئة البشر، والذي بتجسده هذا أتخذ كل ما للبشر، الإنسانية الكاملة بمعني الكلمة، ما عدا الخطية، والذي كان كاملا في لاهوته، ألوهيته، وكاملا أيضا في ناسوته، إنسانيته. وهذا ما بيناه في العديد من الكتب.(49)
2 - أن هؤلاء الهراطقة ركزوا على الآيات الخاصة بكون المسيح ابن الإنسان بدرجة أكبر من الآيات الخاصة بلاهوته، وحاولوا أن يخضعوا الثانية للأولى ‍‍‍‍لتتناسب مع أفكارهم مما جعلهم يتخبطون في النتائج التي توصلوا إليها!!
3 – كما حاولوا التوفيق بين وحدانية الله وبين كونه الآب ولابن والروح القدس، أي التوفيق بين الوحدانية والثالوث الذي يعلنهما الوحي الإلهي في الكتاب المقدس بصراحة ووضوح لا لبس فيه. فالكتاب يعلن أن الله واحد وأن ابن الله وكلمته كائن في حضنه، فيه وبه ومنه بلا بداية ولا نهاية، وأنه إله، كامل في لاهوته " الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا " (كو2: 9)، وأنه " الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد " (رو9: 5). كما يعلن أن الروح القدس هو روح الله المنبثق من الآب، وأنه إله، كامل في لاهوته، وأنه غير محدود لا في الزمان ولا في المكان ولا في القدرة. وكانت محولاتهم بعيده عن الكتاب المقدس والتسليم الرسولي.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر

4 – فقد بنوا، هؤلاء الهراطقة، أفكارهم بالدرجة الأولي على مجرد الحكمة البشرية، كما تأثروا بالأفكار الفلسفية أو الأفكار الهرطوقية الأخرى، سواء السابقة عليهم أو المعاصرة لهم، كما تأثر بعضهم بديانتهم السابقة التي كانوا عليها قبل أن ينضموا للمسيحية، وذلك بعيدا عن الإعلان الإلهي، الكتاب المقدس، والتسليم الرسولي، الإيمان المسلم مرة للقديسين، والأدهى أنهم حاولوا أن يخضعوا نصوص الكتاب المقدس وآياته لأفكارهم بدلا من أن يخضعوا هم لما جاء في الإعلان الإلهي، الكتاب المقدس، والتسليم الرسولي!! ومن ثم فقد جاءت أفكارهم متناقضة تماما مع الكتاب والتسليم!!
4 - يزعم نقاد المسيحية أن مجرد قول هؤلاء الهراطقة المبتدعين أن الله واحد وحدانية لا تعدد فيها وأن المسيح مخلوق، في حد ذاته، دليل على أن فكرهم الهرطوقي هو الإيمان الصحيح!! وأنهم يتفقون معهم في العقيدة الصحيحة!! فهل ما يزعمونه صحيح؟!! والإجابة كلا، فما يزعمونه مجرد مغالطات واضحة وسفسطة صريحة لا معنى لها!! لأن هؤلاء الهراطقة تخبطوا في أقوالهم وكانت أفكارهم مشوشة، بل وكانوا في حالة صراع وتناقض مع أنفسهم، فبرغم قولهم بوحدانية الله التي لا تعدد فيها وزعمهم أن المسيح مخلوق، إلا أنهم كانوا مضطرين للإيمان بإلوهيته بدرجات متفاوته بسبب كثرة ووضوح آيات الكتاب المقدس التي تتكلم عن لاهوته وأيضا بسبب سوء فهمهم للآيات الخاصة بتجسده.
فقد نادى سابيليوس بأن الله واحد ومع ذلك لم يقل أن المسيح مخلوق، بل قال أن المسيح هو الله ذاته. وقال بولس الساموساطي أن الكلمة أو الحكمة موجود في ذات الله وقد حل على المسيح بدرجة أكبر من حلوله على الأنبياء، مثلما قال بعض الغنوسيين، كما قال أن المسيح أعظم من جميع الأنبياء وأعظم من الملائكة، وانتهى إلى القول أن المسيح صار إلها بالتبني، وبالتالي فالمسيح بمفهومه هذا يعتبر الكائن الثاني في الكون بعد الله، قبل جميع الملائكة والبشر وكل الخلائق الأخرى!! فهل يرضى هؤلاء النقاد بذلك؟! وهل يؤمنون بما آمن به هؤلاء الهراطقة؟!! لا أعتقد لأن ذلك لن يوصلهم لما يحاولون الوصول إليه من نتائج لا تتفق مع الحقيقة.
أما أريوس فبرغم قوله أن المسيح مخلوق، إلا أنه قال أن المسيح هو الخالق الفعلي الذي خلق الكون بما فيه من خلائق، من العدم، فقد خلقه الله ليخلق به الخليقة، كما أن الله، في نظره، غير معروف ومجهول من الخليقة وغير متصل بها، بل مخفي بسر أزلي، وأن المسيح هو الإله الوسيط بين الله وبين الخليقة، فهو الذي تتعبد له الخليقة وهو ديانها، وبذلك فهو يقول، دون قصد منه، أن المسيح هو الإله الفعلي الذي تعرفه الخليقة، فهو خالقها ومدبرها ومعبودها أو الذي تتعبد لله من خلال عبادتها له.
فهل يؤمن نقاد المسيحية بما آمن به هؤلاء الهرطقة؟ وهل يؤمنون بما آمن به أريوس، ومعلمه لوسيان، ويعبدون المسيح كخالقهم وإلههم؟!!


(4) Ibid. 377. And
Tetullian Adv. Praxean 39.

(5) Ibid. 378
.

(6) تاريخ الفكر المسيحي جـ 1 : 589
. وموسوعة الآباء جـ 2 : 261 و And Schaff Vol. 2:581

(7)
الكنيسة القبطية كنيسة علم ولاهوت، القمص تادرس يعقوب ملطي ص 56.

(8)
Schaff Vol. 2 : 581.

(9)
Schaff Vol. 2 : 581.

(10)
RPC Hanson, The Search for The Christian Doctrine of God P. 70.

(11)
ضد الأريوسية، مقالة 1 :25، 38.

(
12) The Search for p. 70.

(14)
يوسابيوس ك 7 : 27، 2.

(15)
يوسابيوس ك 7 : 30،16،17. يقول المؤرخ الكنسي فيليب شاف " أما الأساقفة الذين كانوا تحت رياسته فقد اتهموه لا بالهرطقة فحسب، وإنما بالمبالغة أيضاً في التفاهة والغرور والجشع والغطرسة والاهتمام الذي لا مبرر له بالعمل الدنيوي. وقد أعلنوا خلعه في مجمع عُقد في إنطاكية في نحو سنة 268م أو سنة 269م. Schaff Vol. 2:575.. أنظر أيضاً موسوعة آباء الكنيسة جـ 2 :259.

(16) ) The
Search for P. 80.

(18)
تاريخ الفكر جـ 1 :613.

(19)
أنظر الأريوسية للمتنيح الأنبا غريغوريوس ص 29.

(20) Philip
Schaff, Vol. 2 p. 537

(21) ) The Search P. 82.


(22) Ibid.


(23) Ibid. p. 32.


(24) Ibid. P. 80.


(25) ) Ibid.p.80.


(26) Ibid. P.78.


(27)
ضد الأريوسية، المقالة الثالثة :4.

(*)
) The Search P. 82.

(28)
السابق 1 : 4.

(29)
السابق 1 : 5.

(30)
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ص 84.

(31)
السابق 3 : 5.

(32)
الكنيسة القبطية ص 84، The Search for P. 81. See also

(33)
) السابق 2 : 19.

(34)
ظهر ماني المبتدع الهرطوقي (حوالي 216 ـ 274م) وخلط بين الوثنية الفارسية وبين المسيحية ونادى بإلهين إله للخير وإله للشر، وقال أن إله العهد القديم هو مصدر الشر لأنه قال " أنا نار آكلة " (تث2:24)، وزعم أنه هو الباراقليط الذي وعد به المسيح تلاميذه وقال أنا رسول المسيح !! ( العظات للقديس كيرلس الأورشليمي 6 : 28).

(35) The Search for p7,8.


(36)
Vencent’s W. S. NT P. 29.

(37) Ibid.


(38)
أنظر كتابنا " هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر " ص 59و60.

(39) The Search for, P13.


(40)
ضد الأريوسية 3 :5.

(41)
السابق 3 : 5.

(42)
السابق 3 : 5.

(43)
السابق 3 : 6.

(44)
السابق 3 : 6.

(45)
السابق 3 : 5.

(46)
دفاع عن قانون إيمان مجمع نيقية للقديس أثناسيوس، ترجمة القس أثناسيوس فهمي ف 7و8.

(47)
مقالة 1 :6.

(48)
السابق 3 : 10.

(49)
أنظر كتابنا: هل المسيح هو الله، أم ابن الله، أم هو بشر؟
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
الفصل الرابع
مجمع نقية أسباب إنعاقده
وما دار فيه حول عقيدة المسيح

1 - الأحداث التي أدت إلى عقد مجمع نيقية:
كان تعليم أريوس الذي نادى به والتعبيرات التي استخدمها، والتي لا مثيل لها في الكتاب المقدس ولم يستخدمها أحد من آباء الكنيسة من قبل، مطلقا، سبب صدمة شديدة لمعاصريه من آباء الكنيسة في الشرق والغرب. ونظرا لخطورة هرطقته، فقد حاول البابا الكسندروس بطريرك الإسكندرية التاسع عشر (312 - 328م) إقناعه بخطأ تعليمه المضاد لما جاء في الكتاب المقدس وما تسلمته الكنيسة الجامعة عن رسل المسيح " الإيمان المسلم مرة للقديسين " (يه1: 3)، ولكنه أصر على هرطقته فجرده من كهنوته، وعقد مجمع في الإسكندرية سنة 321م، حضره حوالي 100 أسقف من مصر وليبيا، وناقش تعاليمه الهرطوقية فأيد حرمه وتجريده من الكهنوت. لكن أريوس لم يقبل بحكم هذا المجمع وأرسل خطابات إلى بعض الأساقفة خاصة الذين ينتمون إلى مدرسة لوسيان وعلى رأسهم يوسابيوس أسقف نيقوميديا، والذي كان صديقه وأحد زملائه في مدرسة لوسيان بإنطاكية ومؤيدا له، والذي كتب يقول له " نحن نضطهد لأننا نقول أن للابن بداية، وأن الله بلا بداية، هذا هو سبب اضطهادنا، وأيضا لأننا نقول أنه من العدم (اللاوجود - ex nihilo)، ونقول هذا لأنه ليس جزءًا من الله، ولا من كيان جوهر "(1).
وأرسل البابا ألكسندروس خطابات لكثيرين من الأساقفة ليشرح لهم فيها أفكار أريوس الهرطوقية وكيف أنه حاد عن العقيدة الرسولية وأنه لم يظلمه بتجريده من الكهنوت(2). وفي إحدى رسائله التي شرح فيها فكر أريوس الهرطوقي بالتفصيل لأليكساندر أسقف القسطنطينية، شرح إيمانه هو كما تسلمته الكنيسة من الرسل " ونؤمن كما علمتنا الكنيسة الرسولية بآب غير مولود، ليس له مُوجد ثابت وغير متغير، الموجود دائما في حالة واحدة من الوجود، غير قابل للزيادة أو النقصان، الذي أعطى الناموس والأنبياء والإنجيل 000 وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، مولود، ليس مما لم يكن (من اللاوجود)، بل من الآب ". وهذا هو جوهر قوانين الإيمان التي علم بها الرسل وآباء الكنيسة مع التأكيد على أن الابن مولود من الآب وليس مما لم يكن (من العدم) كما علم أريوس وأتباعه.
ثم عقُد مجمع في بيثينيا Bithynia فأيد هذا المجمع أريوس، نتيجة لنفوذ وتأثير يوسابيوس أسقف نيقوميديا وأتباع مدرسة لوسيان. ولكن البابا ألكسندروس رفض قرار المجمع. ونظرا لأن ذلك سبب الكثير من المشاكل الدينية والسياسية، فخشي الملك قسطنطين، الذي وحّد الإمبراطورية الرومانية سنة 324م بضم القسم الشرقي منها، بعد سلسلة من الحروب والقلاقل والاضطرابات، من حدوث اضطرابات أكثر ضراوة فأرسل مستشاره الكنسي الأسقف هوسيوس، أسقف قرطبة بأسبانيا، والذي كان لاهوتيا معروفا، ليعرف الحقيقة وقد حمل رسالتين لكل من للبابا الكسندروس وأريوس. ولما وصل إلى الإسكندرية وشاهد مدى الصراع والاضطرابات، وبعد دراسته للموضوع وتعرفه على ما نادى به أريوس وكشفه لحقيقته رفض فكر أريوس باعتباره هرطقة مخالفة لتعليم الكنيسة وما تسلمته عن رسل المسيح واتفق تماما مع البطريرك.
وعقد مجمع جديد في إنطاكية، مقر تلاميذ لوسيان ومؤيدي أريوس، في بداية سنة 325م، ومع ذلك أدان كل الذين حضروا هذا المجمع أريوس، عدا ثلاثة فقط. ولكن الأمور لم تحسم والمشاكل لم تنتهي، فتقرر عقد مجمع مسكوني في أنقيرا. وعاد الأسقف هوسيوس وقدم تقريره للإمبراطور الذي أرسل خطابا إلى جميع الأساقفة وتقرر عقد مجمع مسكوني في نيقية القريبة من القصر الإمبراطوري في نيقوميديا بآسيا الصغرى ولأنها ميناء يسهل الوصول إليه ولقربها النسبي لأساقفة الغرب، يحضره ممثلون عن كل الكنائس في العالم المسيحي شرقا وغربا.

2- انعقاد مجمع نيقية:
أنعقد مجمع نيقية، المجمع المسكوني الأول للكنسية الجامعة الرسولية، في مدينة نيقية بآسيا الصغرى، تركيا حالياً، في 19 يونية من سنة 325م واستمر انعقاده حوالي شهرينشهرين(3)، وحضره 318 أسقفا (4)، كممثلين لكنائسهم في الشرق والغرب، يشكلون حوالي سدس أساقفة العالم المسيحي في ذلك الوقت، كانت غالبيتهم من الشرق الذي خرجت منه هذه الهرطقة أما الغرب فكان بعيد عنها وعن تأثيرها لذا فقد كان أساقفة الغرب هم أول من أيدوا البطريرك ألكسندروس وحرموا تعاليم أريوس، كما حضر أيضا عدد من القسوس والشمامسة(5).(6)
وكان من بين الذين حضروا المجمع، ومن أشهرهم في ذلك الوقت مكاريوس أسقف أورشليم وأسطاسيوس أسقف إنطاكية وهباثيوس أسقف غنغرة والبابا أليكساندروس بطريرك الإسكندرية ومعه عدد من الأساقفة، وكان أبرز من حضروا معه، أيضا، شماسه أثناسيوس، الذي خلفه على كرسي مار مرقس والذي كان في التاسعة والعشرين من عمره، والذي يصفه أغريغوريوس النيزنزي بأنه كان أعظم المرافقين للأساقفة، وكان له الدور الأكبر في المناقشات التي دارت في المجمع، وفي الرد على ما ادعاه أريوس من بدع وهرطقات وتقديم الإيمان الرسولي كما سلمه الرسل للكنيسة، سواء في المجمع أو بعد ذلك، لذا دعي بأثناسيوس الرسولي. يقول عنه هنري نيومان " هذا الرجل الفائق 000 هو أداة رئيسية بعد الرسل، سلمت الحقائق المسيحية القدسية وأمّنت بالكلمة "(7).
كما حضر أريوس ومعه مجموعة من مؤيديه وكان من أهمهم مينوفانتوس أسقف أفسس وباتروفيلوس أسقف تيسوبوليس وثيوجانيس أسقف نيقية ونارسيسوس أسقف نيرونياس وثيوناس أسقف مارمريكا وسكندوس أسقف بطلومايس بمصر، ثم يوسابيوس أسقف نيقوميدية الذي كان أكثرهم جدالا ومراوغة وتلاعبا بالألفاظ، كما كان دائم التظاهر بالموافقة على اعتقاد الأساقفة المستقيمي الرأي في حين أنه يبطن غير ذلك. ولذا فقد أضطر أن يوافق على اعتراف أو قانون إيمان نيقية في الظاهر فقط ولكنه سبب الكثير من الصراعات والمشاكل في الكنيسة بعد ذلك.
وطلب الملك قسطنطين من الحضور، كما يقول ثيودوريت، أن يناقشوا هذه الأمور اللاهوتية بسلام قائلا: " لأن الأناجيل والكتابات الرسولية وأقوال الأنبياء الإلهية تعلمنا بوضوح ما يجب أن نؤمن به فيما يختص بالطبيعة الإلهية، فلننبذ كل الخلافات المثيرة للمشاكل، ولنبحث في كلمة الله الموحى بها عن حل لهذه الأسئلة في هذه المسألة "(8).
كان هم الإمبراطور هو استتباب السلام والأمن في الإمبراطورية وعودة الانسجام إلى الكنيسة، وكان هم الأساقفة إلى جانب ذلك، هو توضيح الحقائق اللاهوتية.
وبدأ الحاضرون في دراسة ومناقشة أفكار وتعاليم أريوس في ضوء الكتاب المقدس وما تسلمته الكنيسة عن رسل المسيح، " الإيمان المسلم مرة للقديسين "، وكان فكرهم مركزا على حقيقة جوهرية هي ما جاء في التسليم الرسولي ومقارنة أفكار وتعاليم أريوس به، كما يقول أحد الدارسين " كان همهم الدائم التفتيش عن أمر واحد لا غير وهو ما الذي تسلموه؟ "، وكان واجبهم هو " أن يسلموا للمؤمنين ما تسلمته الكنيسة بأمر الرب "(9). يقول القديس أثناسيوس الرسولي في مقدمة رده على الأريوسية: " ولذلك فنحن أيضا الذين اتخذنا تعاليمنا من الرسل المغبوطين الذين خدموا إنجيل المخلص "(10).
وأعطيت الفرصة كاملة لأريوس ومؤيديه لشرح أفكارهم وعقيدتهم، يقول المؤرخ روفينوس أن الأساقفة كانوا يجتمعون يوميا ويتداولون بكل صبر وإسهاب، حتى أنهم نادوا أريوس مرارا وطالبوه أن يوضح معتقده بكل صراحة، كما استمعوا لأتباعه والمقتنعين برأيه والذين كان أشرهم يوسابيوس النيقوميدي الذي حاول أن يخفي نفسه متظاهرا بالموافقة على اعتقاد الأساقفة المستقيمي الرأي(13).
كان المؤيدون لأريوس قليلين في المجمع، وقد جلسوا بجواره، وصاغوا هرطقتهم في صيغ محددة وقدموها مكتوبة للمجمع. ويبدو أن المشكلة الحقيقية التي أنعقد من اجلها المجمع لم تكن واضحة في أذهان الغالبية الكبرى من أعضائه، ولم تكن هرطقة أريوس واضحة لهم لأن الأريوسيين كانوا يقولون: أن المسيح إله وابن الله وأنهم يعبدونه ويسجدون له وكانوا يؤيدون أفكارهم، والتي لم يكن قد وضح معناها أمام أعضاء المجمع، بآيات من الكتاب المقدس(14). لذا فبمجرد قراءة هذه الصيغ الأريوسية ومعرفة الآباء لحقيقة محتواها هاجوا هياجا شديداً، يقول المؤرخ ثيودوريت: " وبمجرد قراءة الأعضاء لها مزقوها إلى قطع وأعلنوا أنها كاذبة وفاسدة. وهاج الجميع ضدهم هياجا عظيما، ووبخهم البعض بشدة على خيانتهم للإيمان، لدرجة أن كل أتباع أريوس، فيما عدا سكوندوس وثيوناس، تحولوا ضده "(15).
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي، في دفاعه عن تحديدات مجمع نيقية " Defence of The Nicene Definition " كانت التعبيرات التي استخدموها مليئة بالفجور، إلا أن الأساقفة المجتمعين، والذين كانوا نحو ثلاثمائة، طلبوا منهم بلطف ومحبة أن يشرحوا ويدافعوا عن أنفسهم على أسس تقية، وبصعوبة بدءوا يتكلمون، وعندئذ أختلف الواحد منهم عن الآخر، وإذ أدركوا ساعتها الشدة والضيقة التي وقعت فيها بدعتهم، ظلوا خُرْساً، وبسكوتهم اعترفوا بالعار والخزي الذي حل على هرطقتهم. وبناء على ذلك، فأن الأساقفة، بعد أن رفضوا التعبيرات التي كانوا قد اخترعوها (الأريوسيين) أعلنوا الإيمان الصحيح والكنسي ضدهم، وإذ أقره المجمع، أقره يوسابيوس وأتباعه بهذه الكلمات عينها "(16)
كان اتجاه المجمع في البداية أن يضع صيغة إيمان ترفض الفكر الأريوسي والصيغ التي أستخدمها أريوس وأتباعه، خاصة تعبيرات مثل " الابن مخلوق من العدم " و " لم يكن موجودا قبل ميلاده "، أي من الآب، و " متغير " 00 الخ، وتوضيح الإيمان المستقيم الذي للكنيسة الجامعة أن لا يستخدموا فيها إلا آيات الكتاب المقدس فقط، إلا أنهم وجدوا أن هذه يمكن أن يفسرها الأريوسيون بغير معناها. " وقد وصف أثناسيوس بكثير من الحذق ما قرأه من أفكار البعض إذ كان يراهم يشيرون برؤوسهم ويغمزون بعيونهم كلما أقترح الأرثوذكسيين عبارات كانوا يرون أن لهم فيها مخرجا من قيود معناها. وبعد محاولات عديدة من هذا النوع تبين لهم أنه لا غنى لهم عن إيجاد عبارات أوضح وأدق دلالة وخالية من كل غموض فيثبتها المجمع إذا كان القصد الوصول إلى وحدة حقيقة الإيمان "(17).
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: " إذ كان المجمع يريد أن يدحض تعبيرات المروق التي للأريوسيين، ويستخدم بدلا منها الكلمات المعترف بها والتي للأسفار الإلهية، أي أن الابن ليس من العدم بل " من الله " وأنه هو " كلمة " و " حكمة " وليس خلقة أو صنعة، بل هو ابن حقيقي للآب، وإذ يوسابيوس وأتباعه منقادين ببدعتهم العنيدة، يفهمون عبارة " ابن الله " كأنها تخصنا نحن، كما لو كان كلمة الله لا يختلف عنا في أي شيء 000 لذلك لأن الآباء كانوا يفهمون خداعهم ومراوغتهم ومكرهم وفجورهم، كانوا مرغمين على أن يعبّروا بتمييز ووضوح أكثر عن معنى الكلمات " من الله ". وبالتالي كتبوا " من جوهر الله "، لكي لا تعتبر عبارة " من الله " كأنها مشتركة ومتساوية في الابن وفي الأشياء المخلوقة، بل يعترف بأن كل الأشياء الأخرى هي مخلوقات وأن الكلمة وحده هو من الآب. إذ بالرغم من أنه قيل أن جميع الأشياء من الله، إلا أن ليس هذا بالمعنى الذي به الابن من الآب. إذ فيما يخص المخلوقات، قيلت عنهم عبارة " من الله " في هذا الصدد بمعنى أنهم لم يوجدوا عشوائيا أو تلقائيا، ولا جاءوا إلى الوجود بالصدفة 000 بل بمعنى أنه (بينما الله كائن وموجود) به جُلبت كل الأشياء إلى الوجود - والتي لم تكن موجودة قبلا - بكلمته. أما بالنسبة للكلمة، فإذ هو ليس مخلوقاً، لذلك هو الوحيد الذي يسمى - وهو فعلا كذلك - " من الآب "، ومن الهام بهذا المعنى أن نقول أن الابن هو " من جوهر الآب " إذ لا ينطبق هذا على أي شيء مخلوق. وحقا عندما يقول بولس " من الله جميع الأشياء " يضيف على الفور " ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء " (1كو6: 8) لكي يظهر لجميع الناس أن الابن مختلف عن جميع الأشياء التي وجدت من الله (لأن الأشياء التي وُجدت من الله وجُدت بابنه) 000 إذ لا الأشياء الأخرى مثل الابن ولا الكلمة واحد ضمن آخرين، لأنه رب وخالق الكل. وبناء على هذا، أعلن المجمع المقدس بوضوح أنه من جوهر الآب "(18).
ويضيف " أيضا عندما قال الأساقفة أن الكلمة لابد أن يُصف بأنه القوة والصورة الحقيقية للآب، وأنه في جميع الأمور مماثل للآب، وأنه غير متغير، وأنه موجود دائما، وأنه فيه (في الآب) بدون انقسام (لأن الابن لم يكن قط غير موجود، بل كان موجودا دائما، كائنا أزليا مع الآب كمثل شعاع النور)، عندما قال الأساقفة ذلك، أحتمل يوسابيوس وأتباعه فعلا - لأنهم لم يجرؤا على أن يخالفوا - أن تخزيهم الحجج التي قدمت ضدهم، لكن بالرغم من ذلك، ضبطوا وهم يهمسون لبعضهم البعض ويغمزون بعيونهم أن (التعبيرات) " شبه " و " دائما " و " قوة " و" فيه " - كما كانت قبلا - مشتركة بيننا وبين الابن، وأنه ليس صعبا أن يوافقوا عليها 000 لذلك اضطروا (الآباء) ثانية من جانبهم أن يجمعوا من الأسفار الإلهية، وأن يقولوا ثانية ويكتبوا ثانية، بوضوح وتحديد أكثر، ما كانوا قد قالوه قبلا، أي أن الابن هو " مساو في الجوهر " للآب، موضحين أن الابن هو من الآب، وليس مجرد شبه بل هو مثل الآب تمام، مظهرين أن شبه الابن وعدم تغيره يختلف عن شبهنا نحن لله والذي نناله من الفضيلة على أساس حفظ الوصايا 000 لكن ميلاد الابن ليس بحسب طبيعة الناس، وهو ليس فقط مثل الآب، بل وأيضا غير منفصل عن جوهره، وهو والآب واحد، كما قال هو نفسه، ولأن الكلمة هو دوما في الآب والآب في الكلمة، كما الشعاع بالنسبة للضوء (لأن التعبير نفسه يوضح ذلك)، لذلك فإن المجمع إذ وعى وفهم ذلك، كتب بطريقة مناسبة تعبير " مساو في الجوهر " لكي يهدموا ضلال الهراطقة، ولكي يظهروا أن الكلمة مختلف عن الأشياء المخلوقة. لأنهم بعد أن كتبوا هذا أضافوا على الفور " أما هؤلاء الذين يقولون أن ابن الله هو من العدم، أو مخلوق، أو متغير، أو صنعة، أو من جوهر آخر، فهؤلاء تحرمهم الكنيسة الجامعة ". وبقولهم هذا أعلنوا بوضوح وتحديد أن التعبيرات " من جوهر " و " مساو في الجوهر " تدحض شعارات الفجور مثل " مخلوق " و " صنعة " و " مبتدئ " و " متغير " و "لم يكن موجودا قبل ميلاده "(19).

3 - قوانين الإيمان السابقة لمجمع نيقية وقانون إيمان أريوس:
كان الإيمان المسيحي بوحدانية الله الجامعة، الآب والابن والروح القدس، كما سلمه الرسل لخلفائهم ولكل المؤمنين في الكنيسة الأولى مصاغ في قوانين للإيمان يعترف بها المؤمن عند عماده. وهذه القوانين لم تختلف كثيرا، كما سنرى، عن القانون الذي وُضع في مجمع نيقية إلا في تحديد بعض الأمور والكلمات والألفاظ التي كان يعترف بها أريوس وأتباعه، كما سنرى في قانون إيمان أريوس نفسه، ولكن يفسرونها بحسب فكرهم وهرطقتهم!! لذا كان على الكنيسة أن تستخدم بعض العبارات التي تتطابق مع فكر الكتاب المقدس وآياته وتكون في تعبيرها عن العقيدة ومعناها غير قابل للتأويل الهرطوقي. وفيما يلي هذه القوانين التي كانت مستخدمة في جميع الكنائس في الشرق والغرب:

(1) قانون إيمان الرسل (القرن الأول):
" 1 - أؤمن بالله الآب ضابط الكل (خالق السماء والأرض)؛ 2 - وبيسوع المسيح، أبنه الوحيد، ربنا، 3 - الذي (حبل) به بالروح القدس، وُلد من العذراء مريم؛ 4 - (تألم) في عهد بيلاطس البنطي، وصُلب (ومات) ودُفن؛ 5 - (ونزل إلى الجحيم)، وفي اليوم الثالث قام من الأموات؛ 6 - صعد إلى السموات وجلس عن يمين (الله) الآب (ضابط الكل)؛ 7 - من ثم يأتي ليدين الأحياء والأموات. 8 - و(أومن) بالروح القدس؛ 9 - والكنيسة المقدسة (الجامعة)، (وشركة القديسين)؛ 10 - وغفران الخطايا؛ 11 - وقيامة الجسد؛ 12 - (والحياة الأبدية).

(2) قانون إيمان القديس إيريناؤس بلاد الغال، فرنسا حاليا، (عام 170م):
1 - نؤمن 000 بإله واحد الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها؛ 2 - وبيسوع المسيح، الواحد، ابن الله (ربنا)، 3 - الذي صار جسداً (من العذراء) لأجل خلاصنا؛ 4 - وآلامه (في عهد بيلاطس البنطي)، 5 - وقيامته من الأموات؛ 6 - وصعوده إلى السموات جسديا؛ 7 - ومجيئه من السموات في مجد الآب لكي يضم كل الأشياء في رأس واحد 00 ويجري حكما عادلاً على الجميع. 8 - وبالروح القدس 000؛ 11 - وأن المسيح سيأتي من السموات ليقيم كل جسد 000 وليدين الأشرار والظالمين في نار الأبدية، 12 - ويعطي المستقيمين والقديسين خلودا ومجداً أبدياً.

(3) العلامة ترتليان، من شمال أفريقيا (200م):
" 1 - نؤمن بإله واحد، خالق العالم، الذي أوجد الكل من عدم 000؛ 2 - وبالكلمة أبنه يسوع المسيح؛ 3 - الذي نزل إلى العذراء من خلال روح الله الآب وقوته، وصار جسدا في أحشائها وولد منها؛ 4 - ثُبّت على الصليب (في عهد بيلاطس البنطي)، مات ودُفن؛ 5 - قام في اليوم الثالث؛ 6 - رُفع إلى السموات وجلس عن يمين الله الآب؛ 7 - سيأتي ليدين الأحياء والأموات. 11 - وأن المسيح سيتقبل قديسيه بعد استعادة الجسد؛ 12 - في متعة الحياة الأبدية، ومواعيد السماء، ويدين الأشرار بنار أبدية.

(4) القديس كبريانوس، من قرطاجنة (250م):
1 - نؤمن بالله الآب، 2 - وبابنه المسيح، 8 - بالروح القدس، 9 - أومن بغفران الخطايا، 12 - والحياة الأبدية خلال الكنيسة المقدسة.

(5) نوفاتيان، من روما (250م):
1 - نؤمن بالله الآب والرب ضابط الكل. 2 - بابن الله، يسوع المسيح، الله ربنا، 8 - بالروح القدس (الموعود به منذ القديم للكنيسة، وأعطي في الوقت المعين والمناسب).

(6) العلامة أوريجانوس، من الإسكندرية (230م):
نؤمن بإله واحد، الذي خلق وأوجد كل شيء. الذي في آخر الأيام أرسل 2 - ربنا يسوع المسيح. مولودا من الآب قبل كل الخليقة. 3 - مولودا من العذراء ومن الروح القدس. تجسد وهو لا يزال الله. 4 - تألم حقا، ومات، 5 - قام من الأموات 6 - ورُفع 00 8 - الروح القدس، متحدا في كرامة وجلال الآب والابن.

(7) - أغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة:
1 - نؤمن بالله الآب، 2 - برب واحد. إله من إله، صورة وشكل اللاهوت. الحكمة والقدرة التي أوجدت كل الخليقة، الابن الحقيقي للآب الحقيقي. 8 - بروح قدس واحد، خادم التقديس، فيه يعلن الله الآب، الذي فوق كل الأشياء، ويعلن الله الابن الذي هو خلال كل الأشياء. ثالوث كامل، غير منقسم ولا مختلف في المجد، والأبدية والسلطان.

(8) لوقيانوس، أو لوسيان (مُعلم أريوس)، إنطاكية (300م):
1 - نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، والمعتني بكل شيء؛ 2 - وبرب واحد يسوع المسيح أبنه، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله،الحكمة، الحياة، النور. 3 - الذي وُلد من عذراء حسب الكتب، وتأنس؛ 4 - الذي تألم من أجلنا، 5 - وقام من أجلنا في اليوم الثالث؛ 6 - وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين الله الآب؛ 7 - وسيأتي أيضا بقوة ومجد ليدين الأحياء والأموات. 8 - وبالروح القدس، المعطى للتعزية والتقديس والكمال للذين يؤمنون.

(9) يوسابيوس، أسقف قيصرية (325م):
1 - نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى؛ 2 - وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، به كان كل شيء. 3 - الذي من أجل خلاصنا صار جسدا بين البشر؛ 4 - وتألم، 5 - وقام في اليوم الثالث؛ 6 - وصعد إلى الآب؛ 7 - وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات. 8 - نؤمن أيضا بالروح القدس.

(10) أقرار الإيمان كما قدمه أريوس للملك قسطنطين(20):
1 - نؤمن بإله واحد، الآب القدير؛ 2 - وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما على الأرض. 3 - الذي من نزل وصار متجسدا؛ 4 - وتألم، 5 - وقام ثانية؛ 6 - وصعد إلى السموات؛ 7 - وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. 8 - [ونؤمن] أيضا بالروح القدس. 9 - وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات، 10 - وبكنيسة الله الواحدة الجامعة، الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها.
الإيمان الذي استلمناه من الأناجيل المقدسة، حيث يقول الرب لتلاميذه - " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ". وإذا كنا لا نؤمن هكذا ونقبل حقا الآب والابن والروح القدس، مثل كل الكنيسة الجامعة وكما تعلم الأسفار المقدسة (التي نؤمن بها ونوقرها جدا)، فالله دياننا الآن وفي الدينونة الآتية ".

(11) كيرلس الأورشليمي (350م):
1 - نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى؛ 2 - وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، مولود من الآب قبل كل الدهور، إله حق، به كان كل شيء. 3 - تجسد وتأنس؛ 4 - صلب ودفن. 5 - قام في اليوم الثالث؛ 6 - وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب؛ 7 - وسيأتي في مجد، ليدين الأحياء والأموات، ليس لملكه انقضاء. 8 - وبروح قدس واحد، البارقليط الناطق في الأنبياء. 9 - وبمعمودية واحدة للتوبة لمغفرة الخطايا، 10 - وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة، 11 - وبقيامة الجسد، 12 - وبالحياة الأبدية.

ونلاحظ في قوانين الإيمان التي للوقيانوس معلم أريوس ويوسابيوس أسقف قيصرية وأريوس نفسه تأكيد على كون المسيح، الابن، ابن الله، المولود من الآب قبل كل الدهور، وأنه إله من إله ونور من نور وأنه الله الكلمة!! فيقول لوسيان: " وبرب واحد يسوع المسيح أبنه، المولود من الآب قبل كل الدهور، إله من إله،الحكمة، الحياة، النور ". ويقول يوسابيوس: " وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، به كان كل شيء ". ويقول أريوس: " وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل شيء، ما في السموات وما على الأرض ".
ومن ثم تبدو هذه الصيغ الإحدى عشرة للإيمان متشابهة ومتماثلة في جوهرها، بما فيها، بل وعلى رأسها، إقرارات إيمان لوسيان ويوسابيوس أسقف قيصرية وأريوس، إلى حد كبير، والفروق بينها طفيفة جدا وغير جوهرية. وجميعها مأخوذة من آيات الكتاب المقدس، أو مبنية على أساس آياته الإلهية.
فما هي المشكلة إذا، وكيف ظهرت هرطقة أريوس إذا كان إقرار إيمانه مماثل لإقرار إيمان جميع آباء الكنيسة السابقين عليه؟!!
والإجابة هي أن الكنيسة ظلت تبشر بالمسيح في العالم أجمع لكل الأمم بهذا الإيمان مع بساطته، وكانت مشغولة بالكرازة المصحوبة باضطهادات عنيفة وقاسية ومريرة للدرجة التي حاول فيها أباطرة الرومان في القرون الثلاثة الأولي القضاء على المسيحية وإبادة المسيحيين نهائيا من على وجه الأرض، ولم تسمح لها الظروف لشرح عقيدتها في المسيح ووضعها في صيغ لاهوتية محددة. وكان المؤمنون يكفيهم ما يسمعونه أو يقرءونه للرسل لثقتهم بأن الرسل يتكلمون ويكتبون بالروح القدس، وفي الأجيال التالية كان يكفيهم أنهم تسلموا هذا الإيمان، سواء المكتوب في الأسفار المقدسة أو المنقول إليهم شفويا، عن طريق تلاميذ الرسل وخلفائهم. ولكن مع ظهور بعض الهرطقات كان آباء الكنيسة خاصة المدافعين منهم عن الإيمان يردون على أصحاب هذه الهرطقات بالتركيز على آيات محددة في الكتاب المقدس تبرز لاهوت المسيح وناسوته أو حقيقة التجسد، مع استخدام بعض الصيغ اللاهوتية القليلة مثل عبارة التجسد.
ولكن الأمور ظلت تسير في بساطة الإيمان حتى ظهر أريوس وفجر، بهرطقته وتلاعبه بالألفاظ وتفسيره لآيات الكتاب المقدس بما يتناسب مع فكره والمنهج الفلسفي الذي أتبعه والذي أخضع آيات الكتاب المقدس له بدلا من يخضع هو للإعلان الإلهي وروح الله القدوس ويثق في التسليم الرسولي " الإيمان المسلم مرة للقدسيين "، قضية ضرورة بحث الإيمان ووضعه في صيغ لاهوتية محددة تأخذ من جوهر ومضمون آيات الكتاب المقدس والتسليم الرسولي، الإيمان المسلم مرة للقديسين.
وكان أريوس، يقر بنفس إقرارات الإيمان المذكورة أعلاه ولكنه انحرف في تفسيره لها وفسرها بغير معناها لتؤدي إلى نتائج ليست في مضمونها ولا محتواها ولا جوهرها!! إذا المشكلة ليست في هذه النصوص والإقرارات الإيمانية، إنما في تفسيره هو وزملائه من تلاميذ لوسيان لبعض عباراتها، ففسروا عبارة؛ " المولود منه (الآب) قبل كل الدهور " بمعنى " المخلوق منه قبل كل الدهور "!! وفي سبيل تفسيرهم الهرطوقي هذا أضافوا عبارات أخرى لم تأت لا في الكتاب المقدس ولا في التسليم الرسولي أو أقوال الآباء، مثل " الكلمة مخلوق من العدم، اللاوجود "، " الكلمة كان ولم يكن "، " كان هناك وقت لم يكن فيه ابن الله " 00الخ
وهنا كان على للكنيسة أن تأخذ موقفا حازما وتضع الأمور في نصابها وتضع الإيمان المسلم مرة للقديسين، سواء ما تسلمته مكتوبا بالروح القدس أو ما تسلمته عن طريق كتابات الآباء الرسوليين وتلاميذهم، خلفاء الرسل وتلاميذهم، في القرنين الأول والثاني أو ما حفظته شفويا، في صيغ لغوية لاهوتية محددة لا تقبل التأويل أو التفسير بأكثر من معناها. فالكنيسة لها إيمان واحد ورب واحد ومعمودية واحدة وتستخدم كتاب مقدس واحد وتحفظ تقليد واحد، أو كما يقول الكتاب " رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة " (أف5: 4).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
4 - قانون إيمان يوسابيوس أسقف قيصرية:
وقف يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي المعروف، أسقف قيصرية، والذي كان أحد الذين كانوا في موقف وسط بين الأريوسية والأرثوذكسية، وقدم للمجمع وثيقة إيمان تستخدم في كنيسة قيصرية كإقرار إيمان عند التقدم للمعمودية، قال عنها انه تسلمها من الأساقفة الذين كانوا قبله وتعلم ما جاء فيها من الكتاب المقدس وهي كالآتي: " نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى؛ وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله، نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل الدهور، الذي به كان كل شيء. الذي من أجل خلاصنا صار جسدا بين البشر؛ وتألم، وقام في اليوم الثالث؛ وصعد إلى الآب؛ وسيأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات. نؤمن أيضا بالروح القدس ".
" ونؤمن بالوجود الكائن والمستمر لكل منهم، فالآب هو الآب حقا والابن هو الابن حقا والروح القدس هو الروح القدس حقا، كما قال ربنا عندما أرسل تلاميذه للبشارة بالإنجيل " فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ". ونقر أن هذا الإيمان هو ما أمنا به دائما وندافع عنه حتى الموت ونحرم كل الهرطقات الشريرة "(21).
وقد قبل المجمع هذه الوثيقة مع اقتراح بعض التعديلات وإضافة بعض الصيغ التي تكون حاسمة في تحديد الإيمان كما جاء في الكتاب المقدس وما تسلمته الكنيسة الجامعة الرسولية من الرسل والرد على فكر الهرطقة الأريوسية. ثم أنتدب المجمع ثلاثة من الأعضاء لوضع قانون الإيمان في صيغته النهائية، وهم البابا الكسندروس بطريرك الإسكندرية وشماسه أثناسيوس وليونتيوس أسقف قيصرية الكبادوك. وأقر المجمع قانون الإيمان التالي:
" نؤمن بإله واحد، الآب، ضابط الكل، خالق كل شيء، ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد المولود من الآب، ومن جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء ما في السماء وما على الأرض، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد وتأنّس، وتألم وقام من الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الآب، وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء، و(نؤمن) بالروح القدس. وكل من يقول أنه كان وقت لم يكن فيه ابن الله، أو أنه قبل أن يولد لم يكن، أو أنه خُلق من العدم، أو أنه من جوهر يختلف عن جوهر الآب أو طبيعته، أو أنه مخلوق أو عرضة للتغير أو التبديل فالكنيسة الجامعة الرسولية تحرم كل من يقول هذه الأقوال "(22).
وقد ركز المجمع في هذا القانون على أربع نقاط جوهرية وهي:
(1) " ومن جوهر الآب "، التي وُضعت لتوضح معنى عبارة " مولود من الآب " والتي وضعها أريوس في قانونه ولكنه فسرها بمعنى الخلق، وقد وضع الآباء عبارة " ومن جوهر الآب "، للتأكيد على أن الولادة، هنا، ليست من خارج الذات الإلهية، كما زعم أريوس، بل أنها ولادة في الذات الإلهية، من الآب وفي الآب بدون انفصال كولادة النور من النور " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب " (يو18: 1) و " في " هنا تعني الاستمرار عدم الانفصال. وهذا التعبير تكرر كثيرا في أقوال الآباء قبل مجمع نيقية بعشرات بل ومئات السنين، كما قال هيبوليتوس: " الكلمة (اللوغوس) وحده هو الذي من الله (الآب) نفسه. لهذا أيضًا هو إله، لكونه من نفس جوهر الله (الآب) ". وقال ثيؤغناسطس الإسكندري: " جوهر الابن ليس جوهرًا غريبًا من صُنع أحد. ولا وُجِدَ من العدم. بل وُلِدَ من جوهر الآب مثل الشعاع من الشمس ".
(2) " مولود غير مخلوق " للتأكيد على أن الولادة شيء والخلق شيء آخر، ونفي لقول أريوس أنه مولود بمعنى مخلوق. وهذا ما سبق أن علم به الآباء قبل مجمع نيقية بكثير، مثل يوستينوس الذي قال: " أنه مولود من الآب بقوته وإرادته ولكن دون انفصال "، كما قال أيضاً أنه " غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الآب، كما أن شعاع الشمس الذي يصل إلى الأرض هو غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الشمس ". وقال تاتيان: "لكن اللوجوس أتى إلى الوجود بالشركة وليس بالانفصال 000 اللوجوس إذ خرج من القوة العقلية التي للوالد الذي ولده ". وقال أثيناغوراس: " الابن، مولود منه. ونحن نعي أن الابن غير مُنفصِل عن الآب ". وقال إيريناؤس: " فالآب إذًا رب والابن رب، الآب إله والابن هو إله، لأن الذي يُولد من إله هو إله ". وقال أكليمندس الأسكندري: " هو ابن الله، الذي لكونه مساوي للآب وواحد معه في الجوهر، هو أبدي وغير مخلوق ". وقال أوريجانوس: " الآب يلد الابن غير المخلوق ويأتي بالروح القدس. ليس كما لو كان الابن لم يكن له وجود سابق (ثم وَلَدَه الآب)، لكن لأن الآب هو الأصل والمصدر للابن وللروح القدس ". وقال ترتليان: " تعلَّمنا أن الابن خرج من الله الآب، وبخروجه هذا قد وُلِدَ من الآب. إذن فهو ابن الله، ويُدعى الله لأجل وحدته مع الآب في الجوهر ".
(3) " إله حق من إله حق "، لتأكيد المساواة بين الآب والابن في جوهر اللاهوت، لأن أريوس زعم أن الآب هو وحده الإله الحق وأن الابن غير ذلك!! مستشهدا بما جاء في (يو3: 17) " أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته "، متجاهلا قول الكتاب عن الابن أنه الحق " القدوس الحق " (رؤ7: 3)، و " ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20: 5).
(4) " مساو للآب في الجوهر " homoousius - όμοούσιος "، لتعني كمال اللاهوت في شخص المسيح، الابن، وهي ترجع إلى ما جاء في (يو18: 5) " قال أيضا أن الله أبوه معادلا (مساوياً) نفسه بالله "، " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا (مساوياً) لله " (في5: 2). وقوله " أنا والآب واحد " (يو30: 10)، " أنا في الآب والآب فيّ " (يو11: 14). وهذا ما سبق أن قال به أوريجانوس: " الابن لا يختلف عن الآب في الجوهر "(23). " الابن مُشترِك مع الآب في الجوهر، لأن ما ينبثق (أو يُولَد) من الجوهر هو مساوٍ له وواحد معه " هوموأُوسيوس " بكل تأكيد "(24).
وهذه الصيغ الأربع تؤكد على حقيقة الإيمان الرسولي كما جاء في الكتاب المقدس والإيمان المسلم مرة للقديسين، وتنفي مزاعم أريوس، وتؤكد على وجود المسيح، الابن، منذ الأزل، بلا بداية، وأنه كان وهو كائن دائما وسيكون أبدا، بلا بداية وبلا نهاية، وأنه ليس مخلوقاً من العدم ولا من أي مادة مخلوقة كما زعم أريوس وأتباعه، أو أنه جاء من أي مصدر آخر غير الآب الذي هو في حضنه. وأن الابن غير متغير أو متبدل " يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد " (عب 8: 13)، " الكائن والذي كان والذي يأتي " (رؤ8: 1).
كما أن في عبارتي " تجسد وتأنس " تأكيدا على أنه أتخذ الإنسانية الكاملة، روحا ونفسا وجسدا(25).
وأمر الإمبراطور قسطنطين بنفي أريوس وأتباعه الذين لم يوقعوا على قانون الإيمان هذا. وأمر بإحراق كتب أريوس، ظنا منه أن المسألة انتهت عند هذا الحد. ولكن يوسابيوس النيقوميدي والأساقفة الأريوسيين الذين وقعوا على هذا القانون خوفا من الحرمان والنفي، أخذوا يعلمون بنفس الفكر الأريوسي بطرق مختلفة، وبعد سبع سنوات من انعقاد مجمع نيقية مات الملك قسطنطين وخلفه أباطرة مؤمنون ومؤيدون للأريوسية لمدة 49 سنة متواصلة فاضطهدوا المؤمنين الأرثوذكس وعزلوا الكثيرين منهم من رتبهم الكهنوتية ونفوا القديس أثناسيوس الرسولي، الذي جلس على كرسي مار مرقس الرسول وصار البطريرك العشرين للإسكندرية، بعد مجمع نيقية بقليل، واستمرت الاضطهادات العنيفة من الأريوسيين للمؤمنين حتى سنة 381م عندما أوقف الإمبراطور ثيؤدوسيوس هذه الاضطهادات وصارت عقيدة الكنيسة التي تسلمتها من رسل المسيح هي العقيدة الرسمية للإمبراطورية.

4 - الإمبراطور قسطنطين ودوره في مجمع نيقية:
يزعم البعض من غير المؤمنين ونقاد العقيدة المسيحية، بناء على ما يزعمه شهود يهوه أن الملك قسطنطين هو الذي فرض عقيدة لاهوت المسيح بالتالي عقيدة الثالوث، بل ويزيدون في زعمهم أنه لم يكن مسيحيا خالصا إنما استخدم المسيحية لأغراض سياسية!! وهذا الكلام مجرد إدعاء كاذب ولا أساس له من الصحة. فالملك قسطنطين كان له إلمام واسع بالعقيدة المسيحية الأرثوذكسية الجامعة الرسولية وهذا واضح مما سجله مؤرخو الكنيسة في عصره، مثل يوسابيوس القيصري وثيؤدوريت وسقراط. وتقول دائرة المعارف البريطانية الجديدة " نشأ لاهوت قسطنطين الشخصي من سلسلة خطابات امتدت من سنة 313 إلى بداية ال 320 "(26). ويزعم شهود يهوه أن " قسطنطين نفسه أشرف موجها المناقشة بفاعلية وأقترح شخصيا 000 الصيغة الحاسمة التي أظهرت علاقة المسيح بالله في الدستور الذي أصدره المجمع " من جوهر واحد مع الآب " 000 وإذ كانوا يرتاعون من الإمبراطور فأن الأساقفة، باستثناء أثنين فقط وقعوا الدستور، وكثيرين منهم ضد رغبتهم "(27).
وما يزعمه شهود يهوه ونقاد العقيدة المسيحية هذا، لا أساس له من الصحة، فما فعله الملك قسطنطين هو تشجيع الأساقفة وتسهيل حضورهم للمجمع بأقرب ما يمكن، حتى يستتب الأمر في الإمبراطورية، فوفر لهم كل السبل المناسبة لذلك، وبعد إقرار المجمع لقانون الإيمان الذي وافقت عليه الأغلبية العظمى من الحاضرين، استخدم نفوذه السياسي لينفذ قرار المجمع بعزل أريوس والذين أصروا معه على تمسكهم بفكرهم الأريوسي.
كما كان الملك قسطنطين محاطا بمجموعة من المستشارين الكنسيين وعلى رأسهم هوسيوس العالم اللاهوتي وأسقف قرطبة والذي كان من البداية رافضا لفكر أريوس ومؤيدا للبابا ألكسندروس. ومن الطبيعي أن يكون هوسيوس هذا والبابا ألكسندروس اللذان اقترحا صيغة " من جوهر واحد مع الآب ". كما أن البابا أليكساندروس وشماسه القديس أثناسيوس ومعهما ليونتيوس أسقف قيصرية الكبادوك هم الذين وضعوا الصيغة النهائية لقانون الإيمان، ولذا فمن الطبيعي أن يكونوا هم ومعهم الأسقف هوسيوس الذين اقترحوا هذه الصيغة التي دار حولها نقاش كثير حتى استقروا عليها.
ولم تستخدم عبارة " من جوهر واحد مع الآب " أو " مساو للآب في الجوهر " في مجمع نيقية للمرة الأولى إنما كانت مستخدمة من قبل مجمع نيقية بكثير فقد أستخدمها القديس إيريناؤس أسقف ليون أربع مرات، كما استخدمها العلامة أوريجانوس بنفس المعنى الذي أستخدمها به مجمع نيقية، وأستخدم ترتليان عبارة " من جوهر واحد " في موضعين، كما كانت الكلمة شائعة عند الأرثوذكس في فترة الخمسين سنة السابقة على مجمع نيقية(28). ويقول القديس أثناسيوس الرسولي، مستشهدا بأربعة من آباء الكنيسة المشهورين بعلمهم اللاهوتي، وهم؛ ثيؤغنسطس وديونسيوس بطريرك الإسكندرية وديونسيوس أسقف روما والعلامة أوريجانوس؛ أن آباء مجمع نيقية لم يخترعوا أية تعبيرات من أنفسهم " بل ما قد تسلموه من سابقيهم 000 فلتعلموا أيها الأريوسيون أعداء المسيح أن ثيؤغنسطس، وهو إنسان عالم، لم يرفض عبارة " مساو في الجوهر " لأن في الكتاب الثاني من مؤلفه " hypotyposes " يكتب عن الابن هكذا: " أن جوهر الابن ليس مكتسبا من الخارج، ولا هو جاء من العدم، بل ينبع من جوهر الآب كمثل الشعاع من الضوء "(29). ثم يؤكد أن ديونسيوس بطريرك الإسكندرية كتب في رسالة لديونسيوس أسقف روما مؤكدا له حقيقة مساواة المسيح للآب في الجوهر(30).
وهذا يؤكد لنا أن هذه الصيغة، لم تكن من اختراع أيا من الذين حضروا مجمع نيقية وعلى رأسهم الملك قسطنطين، وإنما كانت صيغة موجودة ومتداولة، ولكن المجمع وجد فيها تعبيرا كافيا لشرح بعض آيات الكتاب المقدس بصورة محددة لا يمكن للأريوسيين أو غيرهم التلاعب بألفاظها. ومن الطبيعي أن يكون الذي اقترحها في المجمع هو أحد أو بعض آباء الكنيسة.
وهناك نقطة أخيرة هي؛ هل كان الأساقفة الأرثوذكس مجبرين على التوقيع على قانون المجمع؟ والإجابة هي بالطبع مستحيل لأن معظم الذين حضروا المجمع من الأصل وهم 318 أسقفا غير الذين حضروا معهم من قسوس وشمامسة، والذين كانوا يمثلون كنائسهم وكانوا، الذين حضروا، يشكلون حوالي سدس أساقفة العالم، كانوا ضد هرطقة أريوس، وكان أنصار أريوس في المجمع قليلين جدا بشهادة كل المؤرخين المعاصرين للمجمع، وكان على رأسهم يوسابيوس أسقف نيقوميديا، وهؤلاء هم الذين وقعوا على قانون المجمع ظاهريا خوفا من النفي والتجريد من الكهنوت وحتى يتسنى لهم البقاء بين رعاياهم لينشروا بينهم هرطقتهم بطرق عديدة. وهذا ما حدث حيث يسجل لنا المؤرخون الدور الذي لعبه هؤلاء في نشر الهرطقة الأريوسية ومحاربة رجال الكنيسة بكل الوسائل، خاصة بعد وفاة الملك قسطنطين، بعد المجمع بسبع سنين، وتولي أباطرة أريوسيون اضطهدوا الأرثوذكس لمدة تسع وأربعين سنة متواصلة أسالوا فيها بحورا من الدم، ومع هذا أنتصر المؤمنون المضطهدون على الذين اضطهدوهم برغم كل آلات التعذيب وقسوة الاضطهاد!!
لم يجبر المؤمنون أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة الرسولية على أن يؤمنوا بما كانوا يؤمنون به فعلا وما تسلموه من آباء الكنيسة عن رسل المسيح، وهم والذين لم يهابوا الموت بل وكانوا، مثل القديس بولس يعتبرون أن الموت في سبيل المسيح هو ربح لهم، وصمدوا أمام جبروت وصلابة المضطهدين من أمثال دقلديانوس الذي ظن في نفسه أن يستطيع أن يستأصل المسيحية من الوجود، ومن أمثال الأباطرة الأريوسيين الذي نفوا وعذبوا وقتلوا الكثيرين من قادة الكنيسة ومع ذلك لم يفلحوا في نشر هرطقتهم!!


(1) Theodoret, Church History 1:4.

(2) Socrates Church History1:6.

(3) قال المؤرخ الكنسي سقراط أن المجمع بدأ في 20 مايو See Socrates 1:13.


(4) Athanasius , To The Bishops 2 ; Socrates Church History 1:8 ; Theodoret, Church History 1:6,10.

(5) Athanasius , To The Bishops 2 ; Socrates Church History 1:8 ; Theodoret, Church History 1:6,10

(6) وهناك تقليد عربي متأخر يقول أن عدد الحضور كان أكثر من 2000 أسقف !! وهذا غير صحيح ، فربما يذكر هذا التقليد جميع الذين حضروا إلى نيقية من الأساقفة والقسوس والشمامسة See The Council of Nicaea : The Purpose and Themes.

(7) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة علم ولاهوت ص 75.

(8) Theodoret, Church History 1:6.

(9) مجموعة الشرع الكنسي ص 40.

(10) مقالة 1: 2.

(13) دفاع عن قانون إيمان مجمع نيقية ص 9 و 10.

(14) الأريوسية ص14.

(15) Theodoret, Church History 1:6.

(16) دفاع 3.

(17) مجموعة الشرع ص 44 أنظر أيضا Athanasius , To Bishops 5f.

(18) دفاع 19.
-

(19) السابق.

(20) Socrates Church History 1:26.

(21) Theodoret, Church History 1 :10.

(22) مجموعة الشرع 43 و Decrees, 5. Cf. NPNF 14:3 – 7..

(23) ANF, Vol. X, p. 336.

(24) PG XIV:1308.

(25) الأريوسية للأنبا غريغوريوس ص 27.

(26) New Enc. Britannica Vol. 16 p. 730.

(27) كراستهم ؛ هل يجب أن تؤمنوا بالثالوث ص 7.

(28) مجموعة الشرع الكنسي ص 45.

(29) دفاع 25.

(30) السابق 27.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
الفصل الخامس
آباء الكنيسة الأولى
(ما قبل مجمع نيقية)
وحقيقة إيمانهم بلاهوت المسيح

آمن آباء الكنيسة الأولى تلاميذ رسل المسيح وخلفاؤهم، في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني للميلاد (من سنة 70 إلى 150م)، والآباء الذين دافعوا عن الإيمان المسيحي أمام الأباطرة الرومان وضد الهراطقة واليهود وعبدة الأوثان وغيرهم ابتداء من منتصف القرن الثاني (سنة 150م) إلى بداية القرن الرابع للميلاد وانعقاد مجمع نيقية سنة 325م، بنفس إيمان الرسل، الذي تسلموه منهم وحافظوا عليه بكل قواهم، وتكلموا عن الرب يسوع المسيح، عن لاهوته وناسوته، وكل ما يختص بشخص الرب يسوع المسيح وعمله الفدائي لخلاص البشرية والتكفير عن خطاياها. وقاموا بدور حاسم في الرد على الهرطقة من كل صنف ولون كالأبيونيين، الذين ركزوا على ناسوت المسيح فقط، والغنوسيين الذين ركزوا على لاهوته فقط، وقد كان هؤلاء وأولئك من خارج دائرة الكنيسة والإعلان الإلهي، ولم يشكلوا خطورة تذكر على إيمان الكنيسة في المسيح. ومن ثم فقد شرح هؤلاء الآباء لاهوت المسيح وناسوته بدقة، كالإله المتجسد، مؤكدين على أنه هو الإله الذي لا بداية له ولا نهاية، والذي كان غير مرئي ولكنه ظهر في الجسد الذي أتخذه من مريم العذراء. وردوا على الهراطقة الذين جاءوا من داخل الكنيسة مثل أريوس الذي كان قساً وآمن بأن المسيح خالق الكون ومدبره وفاديه وديانه ولكنه أنكر ميلاده الأزلي من الآب، وأكدوا، من الكتاب المقدس والتسليم الرسولي، أن المسيح موجود في ذات الآب بلا بداية ولا نهاية وأنه واحد مع الآب ومن نفس جوهره ومساوي له في كل ما له، وأنه مولود من الآب قبل كل الدهور من ذات الآب، مولود غير مخلوق.
ويقول أحد الكتاب: " لقد كان الفكر اللاهوتي - في فترة ما قبل نيقية - مركزاً على التعليم بأن المسيح هو الله المتجسد، والفادي للعالم. وكان هذا التعليم هو الأساس لكل العقائد المتعلقة بالتجديد بالمعمودية، بل وكان مطبوعا على الحياة العامة، فكان دستور عبادة الكنيسة الأولى. فلم يكن الأمر مجرد تأكيد الآباء على لاهوت المسيح في مواجهة الهراطقة، ولكن كما يقول " شاف " المؤرخ الكنسي كان هذا الإيمان يُعلن في العبادة اليومية والأسبوعية وفي الاحتفال بالعماد، وفي العشاء الرباني، وفي الأعياد السنوية، ولاسيما في عيد القيامة. وقد وجد هذا الإيمان مكانه في الصلوات والتسابيح 000وكانت الترانيم التي يكتبها الأخوة تشهد بأن المسيح هو " كلمة الله "، وكانوا يؤكدون على لاهوته، وقد دفع كثيرون من المؤمنين حياتهم ثمناً لشهادتهم بأن المسيح هو ابن الله 000 فهم يرون أن المسيح سابق للوجود، فقد كان هو فكر الآب أو عقله الناطق "(1).
وقد شرح هؤلاء الآباء عقيدتهم في المسيح ودونوا في كتاباتهم الإيمان بحسب ما تسلموه من الرسل وخلفائهم، وعندما أنعقد مجمع نيقية لم يأت بجديد بل أخذ من الكتاب المقدس ومن التقليد الذي تسلمه هؤلاء الآباء وحافظوا عليه وشرحوه للجميع ودافعوا به عن الإيمان الصحيح، كل عبارة وفقرة وردت في قانون الإيمان.

1 – الآباء الرسوليون تلاميذ الرسل وخلفاؤهم:

قدم هؤلاء الآباء الذين كتبوا في الفترة من 70 إلى 110م عقيدتهم في شخص المسيح من جهة لاهوته وناسوته كالإله المتجسد بنفس أسلوب وبساطة الرسل الذين تتلمذوا على أيديهم وشرحوا لنا حقيقة إيمانهم كالآتي:
(1) فقد سجلوا في كتاب الدياديكية أو تعاليم الرسل الاثني عشر (كتب حوالي سنة 100م)؛
أن المسيح هو ابن الله وهو الرب الذي سيأتي على السحاب ومعه الملائكة القديسون (7: 16)، وكانوا يعمدون المؤمنين الجدد على اسم الثالوث القدوس " وبعد أن تعلّموا كل ما سبق عمدوا كما يأتي " باسم الآب والابن والروح القدس بماء جار " (1: 7).
(2) وجاء في رسالة برنابا (من 90 - 100م تقريبا)؛
قوله " يا أخوتي إذا كان السيد قد احتمل أن يتألم من أجل نفوسنا وهو رب المسكونة وله قال الرب " لنصنعن الإنسان على صورتنا ومثالنا " فكيف قبل أن يتألم على أيدي الناس، فتعلموا أن الأنبياء بالنعمة التي أعطوها من عنده تنبئوا عنه. ولكي يبطل الموت ويبرهن القيامة من الأموات ظهر بالجسد وأحتمل الآلام " (5: 4،6)، ثم يضيف الكاتب " لو لم يأت بالجسد لما استطاع البشر أن ينظروا خلاصهم. إذا كانوا لا يستطيعون أن ينظروا إلى الشمس التي هي من أعمال يديه فهل يمكنهم أن يحدقوا إليه لو كان قد جاءهم بغير الجسد. إذا كان ابن الله قد أتى بالجسد فلأنه أراد أن يضع حدا لخطيئة أولئك الذين اضطهدوا أنبياءه " (10: 4،11).
ثم يشرح التجسد بأكثر دقة وتفصيل فيقول " للمرة الثانية يظهر يسوع لا كابن للبشر بل كابن لله ظهر بشكل جسدي وبما أنه سيقال أن المسيح هو ابن داود فأن داود يسرع ويتنبأ قائلا " قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك ". خوفا من أن يسيء الخطاة فهم بنوة يسوع 000 فهل رأيتم كيف يعطيه داود اسم الرب لا اسم الابن؟ " (10: 12،11)(2).
(3) ويتكلم القديس أكليمندس الروماني، والذي كان أسقفا لروما (من سنة92 إلى 100م)؛
(3)، كما كان أحد مساعدي القديس بولس الرسول والذي قال عنه أنه جاهد معه في نشر الإنجيل (في3: 4)، كما تعرف على الكثيرين من رسل المسيح واستمع إليهم، ويقول عنه القديس إيريناؤس واحد تلاميذ الآباء الرسوليين وحلقة الوصل بينهم وبين من جاء بعده من آباء الكنيسة، أنه " رأى الرسل الطوباويين، وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه وتقليدهم ماثل أمامه "(4)، في رسالته إلى كورنثوس حوالي سنة 96م، عن لاهوت المسيح بنفس أسلوب وطريقة القديس بولس:
U فيتكلم عن المسيح الذي أخفى عظمته الإلهية وجاء متضعا " أن صولجان جلال الله، الرب يسوع المسيح، لم يأت متسربلا بجلال عظمته - كما كان في استطاعته - بل جاء متواضعا كما تنبأ عنه الروح القدس " (ف 16).
U وأيضا يكتب نفس ما جاء في بداية الرسالة إلى العبرانيين " الذي هو بهاء مجده، صار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أفضل منهم. فقد كتب " الصانع ملائكته أرواحا وخدامه لهيب نار. ويقول الرب عن ابنه " أنت ابني أنا اليوم ولدتك 000 ويقول له أيضا " اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميك " (ف36).
U كما يشير إلى ملكوته السماوي فيقول " كل الأجيال من آدم إلى يومنا هذا قد عبرت، أما المتكلمون في الحب بالنعمة الإلهية فيجلسون في مجالس القديسين ويظهرون عند إعلان (مجيء) ملكوت المسيح " (ف50).
U وأشار إلى عقيدة الثالوث، الآب والابن والروح القدس بأسلوب الرسل دون أن يقصد أي شرح، لأن هذا الموضوع لم يكن قد أثير بعد، فيقول " أليس لنا إله واحد، ومسيح واحد، وروح نعمة واحد سُكب علينا " (ف46)، " حيّ هو الله، حيّ هو يسوع المسيح ربنا،، وحيّ هو الروح القدس " (ف58).
U ويصف المسيح بابن الله الحبيب والوحيد " ابنه الحبيب يسوع المسيح 000 بيسوع المسيح ابنك الوحيد 000 أنك أنت هو الله ويسوع المسيح هو ابنك "(ف59).
U ويختم رسالته بنفس أسلوب الرسل " نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم ومع جميع الذين دعاهم لله في كل موضع بالمسيح الذي له ومعه المجد والكرامة والسلطان والعظمة والعرش الأبدي من جبل إلى جيل، آمين ".
(4) ويشرح القديس أغناطيوس (35 - 107م)؛
الذي كان أسقفاً لإنطاكية وتلميذاً للقديس بطرس الرسول، وقال عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري " أغناطيوس الذي اختير أسقفاً خلفاً لبطرس، والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين "(5)، إيمان الكنيسة في عصره، فيوضح كيف أن الرب يسوع المسيح هو الله ولكنه، ظهر في الجسد، تجسد وصار إنسانا حقيقيا، هو الإله المتجسد " أنه المسيح المصلوب هو الإله المتجسد "، بل ويذكر تعبير إله والله عن المسيح حوالي 35 مرة:
U فيقول في مقدمة رسالته إلى الرومان " حسب محبة يسوع المسيح إلهنا 000 سلام باسم يسوع المسيح ابن الآب 000 تحية لا شائبة فيها في يسوع المسيح إلهنا ". ويقول في نفس الرسالة أيضا " وإلهنا يسوع المسيح عاد إلى حضن أبيه وبذلك صار يتجلى لنا بمزيد من الوضوح " (ف 30: 3). ويقول في رسالته إلى أفسس " حسب مشيئة الآب ويسوع المسيح إلهنا " (مقدمة)، وأيضاً " أنه حال فينا ونحن هياكله وهو إلهنا الساكن فينا " (أفسس 15: 3)، كما يقول عنه أيضاً " دعوني أقتدي بالآم إلهي ".
. وفي رسالته إلى روما " وإلهنا كلنا يسوع المسيح " (روما53: 3)، وفي رسالته إلى أزمير يقول " أشكر يسوع المسيح الإله الذي وهبكم مزيدا من الحكمة " (أزمير1)، وفي رسالته إلى سميرنا " المسيح إلهنا " (سميرنا 1: 107). ويختم رسالته إلى بوليكاربوس بقوله " وداعا في إلهنا يسوع المسيح " (بوليكاربوس1: 1).
U ويقول أيضا أنه الله الذي تجسد وصار إنسانا " لقد صار الله إنسانا لتجديد الحياة الأبدية " (أفسس3: 19). ووصفه بالإله المتجسد فيقول " لأن إلهنا يسوع المسيح قد حبلت به مريم حسب تدبير الله " (أفسس2: 18). ويصفه بابن الله وابن الإنسان " في إيمان واحد بيسوع المسيح الذي من نسل داود حسب الجسد؛ ابن الإنسان وابن الله " (أف19: 3)، كما يصف الدم الذي سفكه المسيح بأنه دم الله فيقول " وقد أكملت عمل الأخوة حتى النهاية بدم الله " (أفسس1: 1). وأن آلامه هي الآم الله " دعوني أقتدي بآلام إلهي " (روما 6: 3).
U ويصف وحدة الآب والابن بقوله: " يسوع المسيح الوحيد، الذي خرج من آب واحد وكان معه واحداً وعاد إليه واجدا " (مغيسيا7: 3).
U ويؤكد على حقيقة تجسده وكمال ناسوته حيث أتخذ جسدا حقيقيا " فيقول " المسيح يسوع الذي من نسل داود والمولود من مريم، الذي وُلد حقا وأكل حقا وشرب حقا، وصلب حقا على عهد بيلاطس البنطي، ومات حقا أمام السمائيين والأرضيين " (ترالس 9)، " أشكر يسوع المسيح الإله 000 الذي ولد حقا من نسل داود حسب الجسد " (ازمير1)، ويقول في رسالته إلى بوليكاربوس " وليكن نظرك على من لا يتغير أي ذاك الذي يعلو الزمان ولا يرى ولكن قد صار مرئيا لأجلنا، لا يلمس ولا يتألم ولكنه صار ملموسا ومتألماً وأحتمل كل شيء لأجلنا " (بوليكاربوس 3: 2).
U ويؤكد على حقيقة كونه إلهاً وإنساناً في آن واحد " يوجد طبيب واحد هو في الوقت نفسه جسد وروح (إنسان وإله)، مولود وغير مولود، الله صار جسدا، حياة حقيقية في الموت، من مريم ومن الله، في البدء كان قابلا للألم وأصبح الآن غير قابل للألم، هو يسوع المسيح ربنا " (أفسس8: 2)، وأيضا " إيمان واحد بيسوع المسيح الذي من نسل داود حسب الجسد؛ ابن الإنسان وابن الله " (أفسس20: 2)، وأيضا " يسوع المسيح الكائن قبل الدهور مع الآب وقد ظهر في ملء الزمان " (مغنيسيا 6: 1).
U كما قدم لنا عقيدة الثالوث كما أمنوا بها في بساطتها: " أليس إله واحد قد ظهر في يسوع المسيح ابنه وكلمته الخارجة من الصمت: (مغنيسيا 8: 22).
" انتم حجارة هيكل الله, معدون للبناء الذي يبنيه الآب, مرفوعون حتى القمة بآله يسوع المسيح التي هي صليبه, مع الروح القدس الذي هو الحَبْل (أف 9: 1).

" اعتنوا أن تقيموا في الإيمان في المحبة مع الابن والآب والروح القدس 000 وكونوا خاضعين للأسقف كما خضع الرسل للمسيح وللآب وللروح " (مغنيسيا 13: 1- 2).
وهكذا قدم لنا يسوع المسيح في لاهوته وناسوته بصورة دقيقة ومتطابقة مع الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس تماما. كما قدم لنا الثالوث في بساطته، وكان في أقواله هذه الرد الكافي والحاسم على كل من الأبيونيين والغنوسيين.
(5) ويقول القديس بوليكاربوس أسقف أزمير (65 - 155م)؛
والذي كان تلميذاً للقديس يوحنا الرسول وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفاً على أزمير بآسيا الصغرى، كما يقول إيريناؤس أسقف ليون والمؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري(6) وجيروم سكرتير بابا روما(7)، والذي استلم التقليد الرسولي من الرسل. في رسالة القصيرة التي كتبها (فيما بين 108-110م)، " من لا يعترف بأن يسوع قد جاء في الجسد فهو ضد المسيح " (ف 7: 7). وهذا نفس ما قاله القديس يوحنا " والذي رد به، بالروح، على الأبيونية والغنوسية معا.
وكان هذا هو نفس إيمان رسل المسيح وتلاميذه والذي كان معروفا عنهم في القرن الأول الميلادي سواء من الوثنيين أو اليهود. فقد كتب بليني في رسالة له للإمبراطور تراجان " أن المسيحيين يعبدون المسيح كالله أو ابن الله "(8). وأيضا " عادة يجتمع المسيحيون قبيل الفجر في يوم محدد لإكرام المسيح إلههم بالترانيم "(9).

2 – الآباء المدافعون عن الإيمان:

كتب الآباء المدافعون عن الإيمان في رسائلهم وكتاباتهم التي أرسلوها للأباطرة الرومان أو ضد الهراطقة وغيرهم دفاعا عن الإيمان المسيحي وشرحوا لهم حقيقة المسيح ابن الله المولود من ذات الله، قبل كل الدهور والأزمنة مثل ولادة النور من النور والكلمة من العقل، والذي فيه وبه وله خلق الله الكون والخليقة، وكانوا أكثر شرحا للإيمان والعقيدة من الآباء الرسوليين بسبب نوعية الذين كتبوا لهم ومن ثم فقد استخدموا تعبيرات لاهوتية توضح العقيدة والإيمان مثل تعبيرات التجسد والثالوث ونور من نور وولادة الكلمة من العقل وواحد مع الآب في الجوهر ومساوي للآب في الجوهر ومن نفس جوهر الآب 00 الخ وفيما يلي فقرات مما كتبه هؤلاء الآباء:
(1) الرسالة إلى ديوجنيتس (كتبت ما بين 120 – 150م)؛
والمرسلة من أحد آباء الكنيسة إلى أحد الوثنيين، والتي تقول: " انه ليس اكتشافاً أرضياً ذاك الذي استؤمن للمسيحيين. انه ليس فكراً ميتاً حتى يظن المسيحيون انه جدير بكل هذه العناية والحفظ, انه ليس مجرد أسرار بشرية استؤمنوا عليها. بل على العكس, أنه المقياس للكل, انه خالق الكل, انه الله نفسه غير المنظور, الذي هو في السماء أسس الكلمة الحق, والقدوس غير المدرك بين الناس, وثبتها جداً في قلوبهم. وهو- ليس قد يُظن – لم يرسل للبشر احد أتباعه أوملاكاً , أو رئيساً , أو أحداً ممن استؤمنوا على تدبير السماويات, بل بالحري أرسل المدبر والخالق للكون نفسه, الذي به خلق السموات وحدد البحار في حدودها – الذي تسير عناصر العالم بحسب مقاصده الخفية.. لقد أرسل الذي به انتظمت كل الأشياء وتميزت وخضعت 000 الله أرسله للبشر 000 لقد أرسله عن رحمة وحنان 000 أرسله كإله, وأرسله كإنسان, للبشر. لقد أراد أن يخلص الناس بالإقناع لا بالإكراه, لأن الإكراه ليس هو طريقة الله في العمل 000 أرسله الله في محبة وليس لدينونة. لكنه سيرسله يوماً ما كديان 000 وحينما دبر خطة عظيمة غير منطوق بها, أو كلها إلى ابنه الوحيد 000 لقد أعلنها من خلال ابنه الحبيب وجعل كل شئ معروفاً ما كان أعده منذ البدء 000 لقد دبر كل شئ بنفسه في وحدة مع ابنه 000 ثم حينما اتضح له أننا غير قادرين على دخول ملكوت الله بمجهوداتنا الخاصة, فأن قوة الله جعلت ذلك ممكناً لنا 000 يا لحنان الله المتدفق ومحبة الله تجاه الإنسان, الله لم يبغضنا ولم يلق بنا خارجاً أو يحمل لنا نية سيئة. بل بالحري, كان طويل الأناة ومحتملاً ضعفنا. في رحمته, رفع عن كاهلنا حِمل خطايانا. هو نفسه بذل ابنه كفدية عنا, القدوس عن النجسين 00 البريء وحده عن المذنبين, البار وحده عن الأثمة, الذي لا يعتريه الفساد عن الخاضعين للفساد, غير المائت عن المائتين. فما الذي يمكن أن يستر على خطايانا غير بره؟ وفي من يمكن نحن الأشقياء والأشرار أن نصير قديسين إلا في ابن الله وحده؟ يا للمبادلة الحلوة جداً. يا لعمل الله الذي لا يمكن فحصه. يا للبركات التي تفوق كل توقع. فان خطايا الكثيرين قد اختفت في القدوس وحده وقداسة الواحد قد قدست الخطاة بلا عدد 000 لقد أرسل ابنه الوحيد الجنس 00 لقد ظهرت قوة المخلص في تخليص حتى عديمي القوة بنية أن يكون لنا إيمان في صلاحه وان ننظر إليه كمغذى لنفوسنا, وكأب, وكمعلم, وكمعزى, وكشاف وكعقل ونور وكرامة ومجد وقوة وحياة "(10).
(2) أريستيدس الأثيني (حوالي 140م)؛
والذي يقول عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري: " كذلك ترك لنا أريستيدس، وهو مؤمن غيور، دفاعا عن الإيمان مثل كوادراتوس، موجها إلى أدريان. ولا يزال مؤلفه باقيا إلى الآن أيضا لدى أشخاص كثيرين "(11). يقول في دفاعه معبرا عن لاهوت المسيح وتجسده كما يقدم الثالوث في بساطة إيمان الكنيسة الأولى به: " يرجع المسيحيون في أصلهم إلى الرب الذي جاء من السماء بالروح القدس لخلاص البشرية ونعترف بأنه ابن العلي، وولد من العذراء بدون زرع بشر وأتخذ جسداً بغير فساد، وظهر بين الناس ليدعوهم من خطأ الوثنية، وعندما أتم مهمته العجائبية، ذاق الموت بإراته الحرة على الصليب لهدف سام، ثم عاد إلى الحياة ثانية بعد ثلاثة أيام وصعد إلى السماء.
ومن الممكن لك أيها الملك أن تتعلم لتعرف خبر مجيئه في الإنجيل المقدس المكتوب كما ننادي به، ويمكن لنا أن نقدم لك نسخة منه. وكان له أثنا عشر تلميذا الذين ذهبوا بعد صعوده إلى السماوات إلى بلاد العالم ليعلموا بعظمته. وبهذه الطريقة جاء واحدا منهم إلى الأماكن التي حولنا يعلن عن عقيدة الحق. ومنذ ذلك الوقت فالذين استمروا يدركون الحق الذي بشر به تلاميذه يدعون مسيحيين. وهؤلاء هم الذين فوق جميع شعوب الأرض، وجدوا الحق. لأنهم يعترفون بالله خالق وصانع كل شيء في الابن المولود الوحيد وفي الروح القدس "(12).
(3) يوستينوس الشهيد (100 إلى 165م)؛
عاش يوستينوس الشهيد في بداية القرن الثاني، وكرس حياته للدفاع عن المسيحية وكان أول المدافعين عنها، وقد بقى لنا من كتاباته دفاعان عن المسيحية وجههما للإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس (138 - 161م) والسانتوس الروماني(13)، وحوار مع الفيلسوف اليهودي فيلو والذي شرح فيه التسليم الرسولي، المسلم من رسل المسيح للكنيسة، فيقول " لأنه كما آمن إبراهيم بصوت الله وحسب له ذلك برا، ونحن بنفس الطريقة آمنا بصوت الله الذي تحدث لنا بواسطة رسل المسيح وأعلن لنا بواسطة الأنبياء حتى الموت لأن إيماننا تبرأ بكل ما في العالم "(14)، ويقول عنه الدارسون أنه يصف تكرارا التقليد كما تسلمه عن المسيح(15).
وقد تكلم، مثله مثل غالبية آباء الكنيسة الأولى، عن المسيح باعتباره كلمة الله الذي كان موجودا قبل كل خليقة وهو نفسه الله الذي ظهر للآباء البطاركة في العهد القديم وكلمهم باعتباره إله إبراهيم واسحق ويعقوب، وأنه ابن الله الوحيد الذي من ذات الله وغير المنفصل عنه مثلما لا ينفصل نور الشمس عن الشمس، والذي صار إنسانا بولادته من عذراء وتألم في عهد بيلاطس البنطي لأجل خلاصنا. ومن أقواله، على سبيل المثال:
U " أب الكون له أبن وهو أيضاً لكونه كلمة الله المولود منه وهو إله "(16).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر

U " يسوع المسيح هو الابن الوحيد المولود من الله وهو كلمته وبكره وقوته وقد صار إنساناً بإرادته ".
U " المسيح لكونه الله موجود قبل كل الدهور وقد خضع للولادة وصار إنساناً ".
U " نحن نسجد له ونعبده (الآب) مع الابن الذي ولد منه وعلمنا هذه الأشياء ". وفي نفس الوقت يقول: " أعبد الله وحده "، و " نقدم العبادة لله وحده ".
U " مكتوب في مذكرات رسله (أي الأناجيل) أنه ابن الله، ولأننا ندعوه الابن، فقد أدركنا أنه ولد من الآب قبل كل الخلائق بقوته وإرادته 000 وصار إنسانا من العذراء لكي يدمر العصيان الذي نتج بسبب الحية "(17).
U " يدعى المسيح إله ورب الجنود "(18).
U ويستشهد بعبرانيين (1: 8) لإثبات لاهوت المسيح فيقول: " كرسيك يا لله إلى الدهر الدهور "(19).
U " وعلاوة على ذلك فهذه الكلمات تشهد بوضوح أنه [المسيح] أنه قد شهد له الذي صنع كل شيء ليكون معبوداً كالله والمسيح "(20).
U " كما يستشهد مثل كل الآباء بما جاء في مزمور 110 مؤكدا حقيقة لاهوت المسيح قائلاً: " واستشهد أيضا بما قاله داود لأنه مكتوب: " قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك "، كما اقتبست تواً وفي كلمات أخرى أيضاً " كرسيك يا الله إلى دهر الدهور "(21).
U " تعلمنا أن الخبز والخمر كانا جسد ودم يسوع الذي صار جسداً "(22).
U " يسوع المسيح هو الابن الوحيد المولود من الله لكونه كلمته (Logos - λογος) وبكره وصار جسدا بحسب إرادته "(23).
U " نعبد ونحب الكلمة (Logos - λογος) الذي من الله غير المولود وغير المنطوق به، فقد صار بشراً لأجلنا "(24).
U " الكلمة (Logos – λογος) ذاته الذي اتخذ شكلاً وصار بشراً ودعي يسوع المسيح "(25).
U " قال يسوع وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا الآب إلا الابن، ومن أراد الابن يعلن له، لأن اليهود لم يعرفوا من هو الآب ولا من هو الابن 000 والآن نقول، كما قلنا سابقا، كلمة الله هو ابنه "(26).
" يسمي المسيحيون المسيح " الكلمة "، لأنه يحمل بشارة من الآب للبشر. ولكنهم يُصِرُّون على أن هذه القوة (الكلمة) غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الآب، كما أن شعاع الشمس الذي يصل إلى الأرض هو غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الشمس في السماء.
وهذه القوة أي " الله الكلمة "، مولود من الآب 000 ليس بالانقسام كما لو كان جوهر الآب قد انقسم. فكل الأشياء إذا انقسمت أو تجزَّأت لا تكون كما كانت قبل الانقسام أو التجزئة.
وعلى سبيل المثال، النيران التي تُشعَل من مصدر ناري نجدها مُتمايزة عن النار الأصلية. ومع ذلك، فالنار التي منها نُشعِل نيران كثيرة لا تَنقُص بل تبقى كما هي "(27).
" نحن نؤكِّد أن كلمة الله قد وُلِدَ بطريقة خاصة تختلف تمامًا عن الولادة العادية "(28).
وفي حواره الطويل مع تريفو الفيلسوف اليهودي يؤكد له أن الله والرب الذي ظهر للآباء البطاركة هو ابن الله نفسه، الرب يسوع المسيح، فيقول " تبين الأسماء المختلفة للمسيح، بحسب الطبيعتين أنه، هو الله الذي ظهر للآباء، وقد دعي مرة بملاك المشورة العظيم (ملا 1: 3)، ودعي إنساناً في حزقيال، ومثل ابن إنسان في دانيال، وولد في اشعياء، ودعاه داود مسيح وإله ومعبود 000 هو الله ابن الله الغير مولود وغير المنطوق به، لأن موسى يقول الآتي في مكان ما في الخروج " تكلم الرب لموسى وقال له أنا الرب، أنا ظهرت لإبراهيم وأسحق ويعقوب بأني إلههم وأما اسمي فلم اكشف لهم، وقطعت عهدي معهم " (خر3: 6). ويقول أيضا أن إنساناً صارع مع يعقوب، ويؤكد أنه الله، رؤيا الله،، فقد قال يعقوب " نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي " (تك24: 32-30)، ومكتوب أنه دعا اسم المكان الذي صارعه فيه وظهر له وباركه فيه وجه الله " فنيئيل " 000 ودعي بالكلمة لأنه يحمل الأخبار من الآب للبشر ولكنه غير منقسم أو منفصل عن الآب أبدا كما يقال أن نور الشمس الذي على الأرض غير منقسم وغير منفصل عن الشمس في السماء 000 أنه مولود من الآب بقوته وإرادته ولكن دون انفصال "(29).
U وقال عن ناسوته " دعي يسوع نفسه ابن الإنسان أما بسبب ولادته من خلال عذراء أو لأنه جاء من نسل داود والبطاركة "(29).
(4) تاتيان السوري (كتب حوالي 160م)؛
كان تلميذا للقديس يوستينوس ولكنه ترك الكنيسة وأسس شيعة تدعى الإنكراتية، أي ذاتية الإرادة، ترفض الزواج وتعتبره نوع من الزنا ومال إلى الغنوسية قليلا، كما يقول القديس إيريناؤس " وعلم مثل ماركيون وساتريينوس بأن الزواج فاسد "(30). وكان تاتيان يرى في المسيحية فلسفة لكنها فلسفة ذات تعاليم وعقائد وقال أن الله هو العلة الأولى الحتمية لكل المخلوقات. وليست خليقة أتت من نفسها إلى الوجود. وأن اللوجوس، الكلمة، ليس منفصلاًً عن الله لكنه من الله وفى الله. " انه القوة, والأساس الحتمي لكل الأشياء, ما يرى وما لا يرى, وبه كان كل شيء. اللوجوس نفسه كان معه، مع الله، بقوة اللوجوس. ومشيئته البسيطة ولد. والابن لم يولد عبثاً, بل صار بكر عمل الآب. فنحن نعرف أن اللوجوس هو بدء أو أصل ومصدر الكون.
لكن اللوجوس أتى إلى الوجود بالشركة وليس بالانفصال, لأن ما يُبتر ينفصل عن الأصل لكن الذي يأتي من الشركة لا يجعله ناقصاً عن المصدر الذي خرج منه. فكما انه من الشعلة الواحدة تضاء نيران عدة بينما لا ينقص الضوء من الشعلة الأولى بإشعال مشاعل كثيرة, هكذا اللوجوس إذ خرج من القوة العقلية التي للوالد الذي ولده "(31).
U وأيضا: " الله الكلمة، حتى قبل خلْق الإنسان، كان هو صانع الملائكة "(32).
(5) أثيناغوراس الأثيني (كتب حوالي 180م)؛
كان فيلسوفا مسيحيا من أثينا وكان معاصرا للقديس يوستينوس وتاتيان وترك لنا دفاعان أحدهما بعنوان (توسل للمسيحيين Supplication for the Christians)(33). يقول فيه: " ابن الله هو كلمة الآب بالفكر والحقيقة الذي فيه وبه كل شيء خُلق، لكون الآب والابن واحد. ولأن الابن في الآب والآب في الابن بوحدة وقوة الروح القدس، فابن الله هو عقل وكلمة الآب 000 فماذا نعني بالابن؟ سأقول لك باختصار: أنه بكر الآب، ليس كصانعه، - لأنه منذ البدء كان لله كلمته في ذات، فالله عقل أبدي وعاقل أبداً 000 والروح النبوي أيضا يؤكد هذا المنطق عندما يقول " لأن الرب قناني أول طريقه ". فالروح القدس أيضا الذي يعمل في الذين يتكلمون بالنبوّة والذي نؤمن به كتأثير الله ينسكب ويعود مثل أشعة الشمس 000 الله الآب والله الابن والروح القدس متحدين بقوة كواحد ومتميزين في الترتيب "(34).
ثم يضيف " وكما نؤكد أنه يوجد إله، وابن هو كلمته، وروح قدس، متحدين في قوة، الآب والابن والروح القدس، الابن لكونه عقل وكلمة وحكمة الآب، والروح يتدفق مثل النور من النار "(35).
+ " لقد خُلِقَ الكون ووُضِعَ له تدبيرٌ بواسطة كلمة الله 000 إذ نؤمن به كابن الله "(36).
+ " لنا إله واحد والكلمة، أي الابن، مولود منه. ونحن نعي أن الابن غير مُنفصِل عنالآب "(37).
وهو هنا يشرح العلاقة بين الآب وكلمته ويقدم الثالوث الآب والابن والروح القدس بصورة بسيطة تتكلم عن الوحدانية الجامعة في الذات الإلهية ببساطة قريبة من بساطة الإنجيل.
(6) ثاؤفيلس الأنطاكي حوالي 180م؛
يقول المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه كان الأسقف السادس لأنطاكية بعد القديس بطرس(38)، وقد كتب سلسلة من الكتب وصل لنا منها " إلى أوتوليكوس " في ثلاثة كتب. وفي كتبه هذه نجد تعبيرات عبرت عن فكر المسيحيين في القرن الثاني حيث وصف الإنجيليين ب " حاملي الله - Theophoritoi " والموحي إليهم مثل أنبياء العهد القديم وكان أول من ظهرت كلمة ثالوث " Trias - Triavs " في كتاباته حيث يقول " وبنفس الطريقة أيضا فالثلاثة أيام التي كانت قبل الأنوار هي رموز للثالوث 00، الله وكلمته وحكمته "(39). وواضح هنا أن تعبير الثالوث كان معروفاً ومقبولاً في الكنيسة في زمنه، ولا يبدو من السياق أنه هو أول من وضعه. ويصف الله بأنه " غير منطوق به ", " وغير موصوف ", و" غير ممكن رؤيته بأعين الجسد ", و" غير ممكن اختراقه ", و" غير محوي ", و" غير مولود ", و" غير متغير ", و" أزلي ", و" غير المدرك ". " لأنه أن قلت انه نور فأني اسمي فقط عمله. وان قلت انه اللوجوس فأْني اسمي فقط ملكوته. وان دعوته العقل فأنا أتكلم فقط عن حكمته, وأن أنا قلت انه روح فانا أتكلم عن نسمته. وان دعوته الحكمة فانا أتكلم عن ذريته. وأن دعوته القدرة فانا أتكلم عن سلطانه. وان أنا دعوته القوة فانا أتكلم عن أفعاله. وأن دعوته العناية الإلهية فأنا أتكلم عن صلاحه. وأن دعوته الملكوت فأنا إنما أشير إلى مجده. وان أنا دعوته الرب فأنا أتكلم عنه كديان. وان دعوته دياناً فأنا أتكلم عنه باعتباره عادلاً. وان دعوته أباً فانا أتكلم عن أن كل الأشياء قد أتت منه " (1: 3).
ثم يقول أن الله " عنده كلمته التي فيه, ولده وأخرجه هو وحكمته قبل كل الأشياء "(40).
(7) ميليتو أسقف ساردس (حوالي 172م)؛
يقول عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري(41) أنه كتب عددا من الكتب منها كتاب باسم " تجسد الله " وكتب دفاعا إلى الإمبراطور مرقس أورليوس حوالي سنة 172م، وقد اكتشفت له عظة " على آلام المسيح " شبه كاملة موضوعها الرئيسي هو إبادة المسيح للموت، يؤكد فيها على لاهوت المسيح ووجوده الأزلي ويشير فيها إلى المسيح ك " إمبراطورنا أو ملكنا " كإله, كلوجوس, كابن, كبكر الله, كسيد, كملك إسرائيل, وكأب (وليس أقنوم الآب طبعاً. وفى سياق إشارته للمسيح كأب يصور نواحي أعمال المسيح المتعددة هكذا: " لأنه ولد كابن, واقتيد كحمل, وقدم ذبيحة كشاه, دفن كإنسان, قام من بين الأموات كإله, وكائن بالطبيعة كإله وإنسان. هو كل شيء. هو الناموس لأنه الديان, هو اللوجوس لأنه يعلم. هو النعمة لأنه يخلص, هو الأب لأنه يلد البشر إلى الخلاص, هو الابن لأنه المولود (من الآب) هو الشاه المقدمة كذبيحة لأنه تألم. هو الإنسان لأنه دفن, هو الله لأنه قام. هذا هو يسوع المسيح, الذي له المجد إلى دهر الدهور " (8-6).
ويذكر ميلاده العذراوي بقوله: " هو الذي صار بشراً من عذراء 00 الذي ولد من مريم حواء الجديدة " (70-71). وفى مكان أخر يقول أن المسيح: " اخذ جسداً من العذراء مريم "(42).
ويقول أيضا عن تجسد المسيح وأعماله الإلهية والإنسانية، شارحا لاهوته وناسوته، كالإله المتجسد: " أننا نقدم أعمال المسيح بعد معموديته كبرهان على أن نفسه وجسده، طبيعته الإنسانية كانت مثل طبيعتنا، حقيقة وليست خيالاً، فأعمال المسيح بعد معموديته توضح وتؤكد للعالم اللاهوت المخفي في جسده، لأنه لكونه إلهاً وأيضاً إنساناً تاماً فقد أعطى إيضاحات إيجابية لطبيعته اللاهوتية بالمعجزات خلال الثلاث سنوات التي تلت معموديته، وإنسانيته في الثلاثين سنة التي سبقت المعمودية، والتي أخفى خلالها علامات لاهوته بحسب الجسد، بالرغم من أنه كان الإله الحق الموجود قبل كل الدهور "(43).
وهو هنا يوضح كل الحقائق الخاصة بلاهوت المسيح، باعتباره الله والكلمة والابن، وناسوته، ولكنه هو المسيح الواحد.
(8) إيريناؤس (120-202م) أسقف ليون؛
كان إيريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنساحالياً) هو أحد تلاميذ الرسل وخلفائهم وحلقة الوصل بين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده، فقد شاهد واستمع لتلاميذ الرسل، خاصة بوليكاربوس الذي استمع إليه ورآه في شبابه، ويقول عنه " أنه إلى الآن لم يزل ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتصف به القديس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهية التي كان يعلم بها رعيته وأبلغ من ذلك كأني اسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلي وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي تعلمها وتسلمها منهم "(44).
وقد كتب مجموعة من الكتب " ضد الهراطقة " دافع فيها عن المسيحية وأسفارها المقدسة ورد على هرطقة الغنوسيين وهرطقة الأبيونيين وشرح الإيمان المسيحي في عصره كما تسلمه من تلاميذ الرسل " الإيمان المسلم مرة للقديسين " (يه3). وذلك إلى جانب كتاب أخر بعنوان " الكرازة الرسولية ". وأكد من خلال آيات الكتاب المقدس أن الرب يسوع المسيح هو ابن الله الوحيد، الله الابن، وكلمته وحكمته وقوته، الموجود مع الآب، في ذات الآب، بلا بداية، الذي خلق به كل شيء في الكون. كما أكد على حقيقة تجسده، اتخاذه جسدا، وكان من أوائل آباء الكنيسة الذين استخدموا تعبير " التجسد - sarkosis، σαρκσις أو ensarkosis، ενσαρκοσς"، أي اتخذ جسدا من تعبير القديس يوحنا " والكلمة صار جسدا - και ό λογος σαρκς εγενετο - kai ho logos sarx egeneto "(45). وأن المسيح بتجسده اتخذ الطبيعة الإنسانية الكاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما أنه لم يتخذ جسدا من طبيعة أخرى غير طبيعة الإنسان، من لحم ودم وروح إنسانية(46). ويؤكد على أنه كان له روح بشرية كالتي لنا " كما أننا نتكون من جسد مأخوذ من التراب ومن نفس تقبل روح من الله. فهذا ما صار إليه كلمة الله متخذا لنفسه صنعة يديه وعلى هذا الأساس أعترف بنفسه كابن الإنسان "(47). وفيما يلي بعض من أقوله:
U " لذلك أيُّ مَنْ يسألنا عن كيفية ولادة الابن من الآب، نجيبه أنه لا يدرك أحد هذاالخروج أو هذه الولادة أو هذه الدعوة أو هذه الرؤيا أو أي تسمية أخري يمكن أن نصف
بها هذه الولادة. لأنها في الحقيقة بالإجمال غير قابلة للوصف "(48).
U " تسلمت الكنيسة 000 من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [فهي تؤمن] بإله واحد الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، وبيسوع المسيح الواحد، ابن الله الذي تجسد لأجل خلاصنا "(49).
U " صار الله إنسانا والرب نفسه خلصنا معطيا لنا علامة العذراء "(50).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
U " كلمة الله ربنا يسوع المسيح الذي صار إنسانا بين البشر في الأيام الأخيرة ليوحد النهاية في البداية، أي الله بالإنسان "(51).
U " لأجل خلاصنا، يسوع المسيح ربنا "(52).
U " كان الكلمة موجودا في البدء مع الله، وبه خلق كل شيء وكان دائما موجودا مع الجنس البشري، وحديثا جدا، في لحظة معينة من الآب، اتحد مع صنعة يديه وبه صار إنسانا خاضعا للألم "(53).
U " الابن هو سيد القوات الملائكية، إله من إله، وابن من الآب "(54).
U " خالق العالم هو بالحقيقة كلمة الله. هذا هو ربنا "(55).
وقد شرح القديس إيريناؤس التجسد ووحدة شخص المسيح الواحد، من خلال حديثه عن حلول الروح القدس على العذراء وولادة عمانوئيل الذي هو الله معنا منها، في مجمل رده على الغنوسيين؛ " ولد ابن الله من عذراء، وهو نفسه المسيح المخلص الذي تنبأ عنه الأنبياء، ليس كما يقول هؤلاء الناس (أي الغنوسيين) أن يسوع هو الذي ولد من مريم ولكن المسيح هو الذي نزل من فوق ". ثم يقول أن متى لم يقل " أما ولادة يسوع فكانت هكذا " (مت18: 1) إنما قال " أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا "، " وهو عمانوئيل لئلا نتخيل أنه مجرد إنسان: لأنه ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة إنسان، بل بإرادة الله صار الكلمة جسدا. ويجب أن لا نتخيل أن يسوع واحد والمسيح آخر، ولكن يجب أن نعرف أنهما نفس الواحد "(56).
U كما رد على الأبيونيين قائلا " وباطل أيضا الأبيونيين الذين لم يقبلوا الإيمان لنفوسهم في اتحاد الله والإنسان 000 ولم يريدوا أن يفهموا أن الروح القدس حل على العذراء وأن قوة العلي ظللتها، ولذا فالذي ولد هو قدوس وابن الله العلي أبو الكل، ونتج التجسد "(57).
U ومثل أغناطيوس الأنطاكي الذي شرح كيفية قبول المسيح للحدود البشرية " من لا يتغير، أي ذاك الذي يعلو الزمان والمكان ولا يرى ولكن صار مرئيا لأجلنا، لا يلمس ولا يتألم ولكنه صار ملموسا ومتألما وأحتمل كل شيء لأجلنا "، فقال أن الرب يسوع المسيح من أجلنا قبل الحدود الجسد والإنسانية، الذي كان غير مرئي صار مرئيا، غير المتألم صار متألما لأجلنا، غير المدرك صار مدركا،لأجلنا(58).
وهكذا قدم آباء الكنيسة، خلفاء الرسل، الذين تسلموا منهم " الإيمان المسلم مرة للقديسين "، الإيمان الصحيح والعقيدة القويمة (الأرثوذكسية) للكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية وردوا على هرطقات القرنين الأول والثاني، والتي أتت من خارج الكنيسة وأظهروا فساد أفكارها وبدعها.
وفي كتابه " الكرازة الرسولية " والذي شرح فيه الإيمان المسيحي تفصيلياً نلخص منه الفقرات التالية(59):
U " أن الكلمة أيضًا يقول لموسى: " أنا هو الكائن (خر3: 14) " (ف2).
+ ويركز دائما على أن ما يعلمه هو ما تسلمه من تلاميذ الرسل وخلفائهم: " إذن ما الذي يخبرنا عنه الإيمان كما سُلم لنا من الشيوخ تلاميذ الرسل(60). فإن الإيمان أول كل شئ يحثنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية باسم الله الآب ويسوع المسيح ابن الله، الذي تجسد وصلب وقام، وروح الله القدوس، لغفران خطايانا، وأن هذه المعمودية هي ختم الحياة الأبدية وميلادنا الثاني(61) من الله " (ف 3).
U ويشرح الإيمان المسيحي بالله الواحد وأبنه، كلمته الذي منه، وروحه القدوس؛ الآب والابن والروح القدس فيقول: " في الحقيقة، إن كل المخلوقات تستمد بالضرورة بداية وجودها من علة أولى عظيمة، وعلة كل الأشياء هو الله. الكل يأتي منه، أما هو فلم يُوجِده أحد. لذا فإنه من الاستقامة والحق أن نؤمن بأنه يوجد إله واحد، الآب، الذي خلق الكل، وصنع كل ما لم يكن موجودًا من قبل، وهو يحوى " الكل "، هذا الذي هو نفسه غير المحوى من أي شئ. كما أن العالم يدخل في نطاق ذلك " الكل " الذي يحويه الله ومن بين هذا " العالم " الإنسان أيضًا، وبالتالي فإن الله خلق هذا العالم كله " (ف4).
" ويتضح تعليم إيماننا في الآتي: واحد فقط هو الله، الآب، غير مولود، غير منظور خالق الجميع، فوقه لا يوجد إله آخر(62). ولأن الله هو ناطق فقد خلق كل الأشياء بكلمته. ولأن الله روح ولذلك فقد زيّن كل الأشياء بروحه، كما يقول النبي " بكلمة الرب صُنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها " (مز33: 6). وبينما الكلمة يؤسس أي يعطى الكائن جوهره ويمنحه الوجود، فإن الروح يمنح الشكل والجمال لهذه القوات المختلفة، لذا فإنه من الصواب أن يُدعى الابن كلمة الله، بينما يُدعى الروح حكمة الله(63). لذلك بالصواب أيضًا يقول بولس: " إله وآب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم "(64). فالآب هو " فوق الجميع "، والكلمة " بالكل، طالما أن كل الأشياء بواسطته خُلقت من الله. الروح هو فينا جميعًا " في كلنا " وهو يصرخ " يا أبا الآب " (غل4: 6).
كما أنه يمنح الإنسان أن يكون على صورة الله. والروح أيضًا يُظهر الكلمة، لذلك تنبأ الأنبياء عن ابن الله. والكلمة أيضًا متحد بالروح. لذلك فهو يفسر كتب الأنبياء ويُدخل الإنسان إلى الآب " (ف5).
U ويشرح الإيمان المسيحي في ثلاثة بنود هي: " إن البند الأول من قانون إيماننا، وقاعدة البناء وأساس الخلاص هي أن: " الله الآب غير المولود، غير المُحوى، غير المرئي إله واحد خالق الجميع ".
والبند الثاني: هو أن كلمة الله " ابن الله، يسوع المسيح ربنا، الذي تنبأ عنه الأنبياء، الذي كل شئ به كان وبتدبير الآب في الأيام الأخيرة صار إنسانًا بين البشر (يو1: 14) وتراءى للكل لكي يُبطل الموت ولكي يجمّع كل شئ ويُظهر الحياة ويصنع شركة بين الله والإنسان ".
والبند الثالث هو أن: " الروح القدس هو الذي بواسطته تنبأ الأنبياء وتعلّم الآباء بأمور الله، والذي بواسطته دخل الأبرار إلى طريق البر، كما أنه انسكب في الأيام الأخيرة بطريقة جديدة على جنس البشر مجددًا الإنسان لله " (ف6).
U ويكمل شرحه للثالوث الأقدس: " هذا الإله يُمجد بواسطة كلمته الذي هو ابنه الأزلي وبالروح القدس الذي هو حكمة الآب الذي هو أب الجميع. هذان الأقنومان الإلهيان، الكلمة والحكمة لهما في خدمتهما طغمة من الأرواح الملائكية تُدعى الشاروبيم والسيرافيم الذين يمجدون الله بتسابيحهم التي لا تنقطع، وكل ما في السموات المخلوقة يعطى مجدًا لله، آب الجميع، الذي بكلمته خلق العالم - بما فيه - الملائكة وأعطى قوانين (نواميس) لكل العالم، حتى أن الجميع يظلون في مكانهم ولا يتجاوزن حدودهم المرسومة لهم بواسطة الله، بل إن كل واحد منهم يتمم العمل المحدد له من قِبَل الله " (ف10).
U ومثل كل آباء القرن الثاني وما بعده آمن أن جميع الظهورات الإلهية في العهد القديم كانت للابن، الكلمة، المسيح: " كلمة الله (ابن الله) كان يتمشى هناك باستمرار يتحدث مع الإنسان عن الأمور العتيدة، بل حاول بالحري أن يوضح له أنه سيكون رفيقًا له ويتحدث ويتحاور معه، وأنه سوف يسكن مع البشر لكي يعلّمهم البر. لكن الإنسان كان طفلاً، لم يكن لديه بعد إرادة ناضجة، لذا خُدع بسهولة من المضلّل.
وقال: " صورة الله هي الابن، والذي على صورته خُلِق الإنسان. لذلك ظهر الابن في الأيام الأخيرة لكي يجعل الإنسان، الذي خُلِق على صورته، مشابهًا له (ف22).
U وتأكيده مثل سائر الآباء في كل القرون الأولى على أن جميع الأنبياء تنبأوا عن كل تفاصيل حياة المسيح: " هنا أرسل الله الأنبياء الذين بإلهام الروح القدس قادوا الشعب إلى إله الآباء، الكلى القدرة، وتنبأوا عن مجيء ربنا يسوع المسيح، ابن الله معلنين أنه سوف يأتي من نسل داود، بحسب الجسد وهكذا يكون المسيح هو ابن داود، الذي هو من خلال سلسلة من الأنساب من نسل إبراهيم، أما حسب الروح فهو ابن الله الكائن أزليًا، مولود من الآب قبل (كل الدهور) وكل الخليقة، ثم ظهر كإنسان في العالم في الأزمنة الأخيرة، فهو كلمة الله الذي يجمع في ذاته كل الأشياء ما في السماء وما على الأرض " (ف30).
U وشرح التجسد الإلهي وأسبابه بصورة تفصيلية: " وهكذا وَحّدَ (اللوغوس المتجسد) الإنسان مع الله وصنع شركة بين الله والإنسان. فلو لم يكن قد أتى إلينا لكان من غير الممكن أن نشترك في عدم الفساد، لأنه لو كان عدم الفساد ظل غير منظور ومخفي عن أعيننا، لما كنا قد انتفعنا بأي شئ. لذلك فإن اللوغوس بواسطة تجسده جعل عدم الفساد منظورًا حتى يمكننا بكل الطرق أن نشترك فيه. ولأن الجميع اقتيدوا إلى الموت بسبب عصيان أبونا الأول، آدم " (ف31).
U الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته " وهكذا فإن كلمة الله متقدم في كل شئ لأنه هو الإنسان الحقيقي، وهو في نفس الوقت " عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا"، وهو الذي يدعو الإنسان من جديد ليكون له شركة قوية مع الله، لكي بهذه الشركة معه ننال شركة في عدم فساده " (ف40).
U وأنه الابن الذي كان في البدء مع الآب: " يجب أن نؤمن بالله في كل شئ لأنه صادق في كل شئ. ويجب أن نؤمن بابن الله الذي هو كائن ليس فقط قبل زمن مجيئه إلى العالم، بل وقبل خلق العالم. فموسى، الذي هو الأول تنبأ، مُعبِّرًا باللغة العبرية قائلاً: " في البدء كان الابن، ثم خلق السماء والأرض ". هذا ما يؤكده النبي قائلاً: " قبل نجمة الصبح ولدتك واسمك قبل الشمس" أي قبل خلق العالم، طالما أن النجوم خُلقت في نفس الوقت مع العالم. هذا النبي يقول: " طوبى، للذي كان قبل أن يصير إنسانًا". فبالنسبة لله كان الابن موجودًا في البدء، فهو الذي خلق العالم، أما بالنسبة لنا فهو يُعتبر موجودًا الآن منذ اللحظة التي أُعلن فيها لنا، لأنه قبل ذلك لم يكن موجودًا بالنسبة لنا نحن الذين لم نكن نعرفه. لذلك فإن تلميذه يوحنا يخبرنا عن من هو ابن الله، الذي كان عند الله قبل خلق العالم، وأن به خُلق الكل، إذ يقول: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان"، مظهرًا بوضوح، أن الكلمة الذي كان في البدء عند الآب والذي به خُلِقت كل الأشياء، هذا هو ابنه " (ف43).
ثم يشرح في بقية الكتاب كيف أنه هو الذي ظهر لإبراهيم واسحق ويعقوب في القديم: " وأيضًا يقول موسى، إن ابن الله نزل بالقرب من إبراهيم وتكلّم معه " 000 كذلك يعقوب وهو ذاهب إلى ما بين النهرين رآه في حلم واقفًا على سُلّم، وكان السلم منتصبًا من الأرض إلى السماء، الذي هو كمثال الصليب. 000 هكذا تحدث في العليقة المشتعلة مع موسى.
U الآب والابن كلاهما ربٌ وإله: " فالآب إذًا رب والابن رب، الآب إله والابن هو إله، لأن الذي يُولد من إله هو إله. هكذا إذن فبحسب كيانه وقوته وجوهره هو إله واحد. ولكن بحسب تدبير خلاصنا يوجد آب واحد وابن واحد. وحيث إن أبا الجميع هو غير منظور وغير مدرك من المخلوقات، فمن الضروري على من يريدون أن يقتربوا إلى الله أن ينالوا نعمة القدوم إلى الآب بالابن " (ف47).
U وأن الابن هو الله: " ويتحدّث داود بوضوح عن الآب والابن فيقول: " كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك". طالما أن الابن هو إله بالحقيقة فهو يأخذ عرش الملكوت الأبدي من الآب أي من الله ويُمسح بدهن الابتهاج أكثر من رفقائه " (ف47).
U الابن هو الرب: " ويقول داود أيضًا: " قال الرب لربى اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك. شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك. أقسم الرب ولن يندم. أنت كاهن إلى الأبد على رُتبة ملكي صادق. الرب عن يمينك يُحطم في يوم رجزه ملوكًا. يدين بين الأمم. ملأ جثثًا أرضًا واسعة سحق رؤوسها. من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس". بهذه الكلمات يتضح تمامًا أن المسيح كائن قبل الكل، وأنه يسود على الأمم وأنه يدين كل البشر والملوك الذين يضطهدون اسمه الآن، لأن هؤلاء هم أعدائه، وإذ يدعوه كاهن الله الأبدي، فهذا إعلان بأنه الحي الذي لا يموت. وعندما يقول: "من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع رأسه" فهو يشير إلى تمجيد ناسوته وصعوده بعد المهانة والذل " (ف48).
(9) أكليمندس الإسكندري (150 - 215م)؛ مدير مدرسة الأسكندرية اللاهوتية وخليفة خلفاء الرسل وتلميذهم، والذي مثله مثل الآباء في عصره، يشرح لنا لاهوت المسيح وتجسده وكونه ابن الله وكلمته وصورة جوهره، كما يشرح لنا علاقة الآب بالابن، الكلمة، وولادة الكلمة، الابن، من الآب والتي يصورها بولادة النور من النور والكلمة من العقل مثل سائر الآباء في عصره. ويلخص لنا القمص تادرس يعقوب جوهر تعليمه هذا كما يلي: [الله (الآب) غير مُدرَك بعقولنا البشرية، وبالتالي لا يمكن أن يكون موضوع معرفة. لكن الابن هو الحكمة والمعرفة والحق وما يماثل ذلك يمكن وصفه وتعريفه الابن هو إعلان عقلي للآب(65)، هو ختم مجد الآب، يُعلِّمنا الحق(66). هو صورة الله(67)، وفكره(68)، ووجهه(69). هو النور الذي به نعاين الله(70). يعلن عن طبيعة الآب(71)، يُدعى قوّة الله(72) وذراعه(73).
يُقصَد بلقب " الآب " أن " الابن " أيضًا كائن على الدوام بدون بداية(74).
إن الكلمة نفسه - الذي هو ابن الله - واحد مع الآب بمقتضى مساواته له في الجوهر، وهو أبدي وغير مخلوق(75).
(الابن الكلمة) هو الله وهو الخالق. كما قيل: " كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3)(76).
وفيما يلي بعض فقرات من أقواله عن لاهوت المسيح وتجسده:
U " كان يوجد إذا كلمة يحوي أبدية لا بداية لها، كما هو الكلمة نفسه أيضاً، الذي هو ابن الله، الذي لكونه مساوي للآب وواحد معه في الجوهر، هو أبدي وغير مخلوق "(77).
U " المخلص الرحيم، الكلمة الإلهي الذي أعلن اللاهوت بالحقيقة، والذي صار مساوياً لرب الكون لأنه ابنه، والكلمة كان في الله، الذي لم يؤمن به الكل عندما بُشر به أولاً، ولا كان معروفا للكل، عندما اتخذ صورة الإنسان واتخذ لنفسه جسدا وقام بدراما الخلاص "(78).
U " أنا لا أعرف شيء أخر غير أن الثالوث القدوس يعني أن الروح القدس هو الثالث
والابن هو الثاني الذي به كل شيء كان بحسب إرادة الآب "(79).
U " عندما يقول [يوحنا] الذي كان من البدء (1يو1: 1) فهو يلمس الأجيال التي لا بداية لها للابن المساوي للآب. فقد " كان " هو نفسه، أي الابن، لكونه واحد مع الآب بحسب المساواة في الجوهر، أبديا وغير مخلوق. وكون الابن موجود دائماً واضح في قوله: " في البدء كان الكلمة " (يو1: 1) "(80).
U " لأن كليهما واحد (أي الآب والابن) – أي الله. لأنه قال: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله "(81).
U " [كان يسوع المسيح] محتقرا في المظهر، ولكن في الحقيقة هو المعبود، والفادي، والمخلص، والهادي، والكلمة الإلهي، وهو بوضوح تام إله حق وموضوع في نفس مستوى الآب لأنه ابنه "(82).
U " هذه هي الترنيمة الجديدة، إعلان الكلمة الذي كان في البدء وقبل البدء، المخلص، الموجود من قبل وقد ظهر في الأيام الأخيرة، والذي فيه (في الآب) بالحقيقة، ظهر لأنه الكلمة الذي " كان عند الله " والذي كل شيء به خُلق، ظهر كمعلمنا، الكلمة الذي في البدء منحنا حياة كالخالق عندما صورنا علمنا أن نعيش جيداً عندما ظهر كمعلمنا، وسيمنحنا بعد ذلك الحياة التي لا تنتهي كإله "(83).
(10) ويقول العلاَّمة أوريجانوس (185- 254):
U " ليَعلَم مَنْ يقول بأن " كلمة الله " أو " حكمة الله " ليس أزليًّا، مُذنِب في حق الآب نفسه، إذ ينكر أنه كان " الآب " على الدوام، أو أنه كان يلد الكلمة على الدوام، أو أنه كان يملك الحكمة في كل الحقب السابقة سواء كانت هذه الحقب أزمنة أو دهور(84).
U " الآب يلد الابن غير المخلوق ويأتي بالروح القدس. ليس كما لو كان الابن لم يكن له وجود سابق (ثم وَلَدَه الآب)، لكن لأن الآب هو الأصل والمصدر للابن وللروح القدس(85).
U " قيل عن المُخلِّص إنه " نور". وفي رسالة القديس يوحنا الأولى، نجد عبارة " الله نور" (1يو1: 5). فإذا كان الأمر كذلك، سنجد فيه برهانًا على أن الابن لا يختلف عن الآب في الجوهر "(86).
U " كلمة الله (اللوغوس) يُعلِن عن الآب الذي يعرفه. إذ ليس أحد من المخلوقات يستطيع
أن يقترب من الآب إلا من خلال مُرشِد. فلا يعرف أحد الآب إلا الابن ومَنْ أراد الابن أن يعلن له "(87).
U " الابن لا يختلف عن الآب في الجوهر "(88).
U " الابن مُشترِك مع الآب في الجوهر، لأن ما ينبثق (أو يُولَد) من الجوهر هو مساوٍ له وواحد معه " هوموأُوسيوس " بكل تأكيد "(89).
(11) البابا ديونسيوس السكندري (متوفى سنة 264):
U " وُلِدَت الحياة من الحياة بنفس الطريقة التي ينبع بها النهر من الينبوع، ويُشعَل بها النور من النور الذي لا ينطفئ "(90).
(12) القديس هيبوليتوس الروماني (استشهد في 235م):
U " لقد ظهر آخر إلى جانب الآب. ولكن عندما أقول " آخر" لا أعني أن هناك إلهَيْن، ولكن أعني فقط أنه مثل النور من النور، والماء من الينبوع، والشعاع من الشمس "(91).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
846
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
U " الكلمة (اللوغوس) وحده هو الذي من الله (الآب) نفسه. لهذا أيضًا هو إله، لكونه من نفس جوهر الله (الآب). على العكس من ذلك، خُلِقَ العالم من العدم، لذا فهو ليس إله "(92).
(13) ترتليان, العلاَّمة (160- 230):
U " في البدء كان الكلمة عند الله الآب. لم يكن الآب هو الذي عند الكلمة، فعلى الرغم من كون الكلمة هو الله، إلا أنه كان عند الله، إذ هو إله من إله "(93).
U" تعلَّمنا أن الابن خرج من الله الآب، وبخروجه هذا قد وُلِدَ من الآب. إذن فهو ابن الله، ويُدعى الله لأجل وحدته مع الآب في الجوهر 000 فحتى شعاع الشمس عندما يخرج منها، يظل متّصلاً بها. وتظلّ الشمس في الشعاع لأنه منها. فلا يوجد إذن تقسيم في الجوهر، فالشعاع هو مجرد امتداد للشمس 000 هكذا المسيح هو روح من روح، وإله من إله. مثل شمعة مضيئة تُوقَد من شمعة مضيئة، فيظل لهب الشمعة الأصلية بكامله دون أن يتأثر، على الرغم من أنه قد يُوقَد منه أي عدد من الشمعات الأخرى التي لها لهب بنفس الصفات. كذلك أيضًا الذي خرج من الله (الآب) هو بآنٍ واحدٍ الله وابن الله، والاثنان هما واحد "(94).
U " نؤمن حقا أنه يوجد إله واحد، ونؤمن تحت هذا التدبير، أو كما نسيمه الأيكونوميا (οικονομια)، أنه يوجد أيضاً ابن لهذا الإله كلمته المولود منه والذي به كل شيء كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. ونؤمن أنه أُرسل من الآب إلى عذراء وولد منها، إله وإنسان، ابن الإنسان وابن الله، ودعي باسم يسوع المسيح. ونؤمن أنه تألم بحسب الكتب ومات ودفن وقام ثانية بواسطة الآب ليسترد مكانه في السماء وجلس عن يمين الآب. وسيأتي ليدين الأحياء والأموات. ونؤمن أنه أرسل الروح القدس، البارقليط، من الآب، بحسب وعده، ليقدس إيمان هؤلاء الذين يؤمنون بالآب والابن والروح القدس "(95).
(14) العلاَّمة ثيؤغناسطس الإسكندري (متوفى سنة 282):
U " جوهر الابن ليس جوهرًا غريبًا من صُنع أحد. ولا وُجِدَ من العدم. بل وُلِدَ من جوهر الآب مثل الشعاع من الشمس، أو مثل مجرى الماء (التيار) من الينبوع. فالشعاع ليس هو الشمس نفسها، كذلك المجرى ليس هو الماء نفسه، ولكن كليهما لا يختلفان عن المصدر (من حيث الجوهر). فالابن هو انبعاث أو فيض من جوهر الآب، ومع هذا يظل جوهر الآب دون تقسيم "(96).
وهكذا يتضح لنا أن آباء الكنيسة ومدافعيها الذين قدموا لنا ولمعاصريهم الإيمان المسيحي وشرحوه ودافعوا عنه، أكدوا لنا على نفس ما تسلموه من الرسل من أن المسيح هو ابن الله وكلمته وصورة جوهره المولود من الآب قبل كل الدهور، إله حق من إله حق، والمولود من الآب قبل كل الدهور والواحد مع الآب والمساوي له في الجوهر، أو الذي له نفس جوهر الآب. وكان هذا الإيمان، كما يقول المؤرخ الكنسي فيليب شاف: " كان يُعلن في العبادة اليومية والأسبوعية وفي الاحتفال بالعماد، وفي العشاء الرباني، وفي الأعياد السنوية، ولا سيما في عيد القيامة. وقد وجد هذا الإيمان مكانه في الصلوات والتسابيح 000 وكانت الترانيم التي يكتبها الأخوة تشهد بأن المسيح هو " كلمة الله "، وكانوا يؤكدون على ألوهيته، وقد دفع كثيرون من المؤمنين حياتهم ثمناً لشهادتهم بأن المسيح هو ابن الله 000 فهم يرون أن المسيح سابق للوجود، فقد كان هو فكر الآب أو عقله الناطق "(97).


(1) موسوعة آباء الكنيسة جـ 1: 227.

(2) أما كتاب الرعي لرهرماس والذي كتب في نهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني فيصف المسيح بابن الله وسيد كل البشر " أنه سيد كل البشر وقد أعطاه أبوه كل سلطان " (مثل 6:5) ، وأنه الموجود مع الآب قبل الخليقة " أن ابن الله هو قبل كل الخليقة وكان مستشار أبيه في عمل الخليقة لذلك هو أزلي 000 لأن ابن الله ظهر في الأيام الأخيرة من انتهاء العالم وقد عمل ليدخل معه إلى الملكوت السماوي الذين يخلصون 000 يسوع المسيح ابن الله الحبيب " (مثل 2:9،5).

(3) يوسابيوس ك 3 ف15.

(4) Adv. Haer. b. 3:31.

(5) يوسابيوس ك 3 ف 2:36.

(6) يوسابيوس ك3 ف 1:26، ك4 ف 3:14.

(7) مشاهير الرجال ف 17.

(8) Theological Dic. NT vol. 3 p. 106.

(9) تاريخ الفكر جـ 1 : 155.

(10) دراسات في آباء الكنيسة لأحد رهبان برية القديس مقاريوس ص 103 و104.

(11) يوسابيوس (ك4 ف3:3). وقد أكتشف الأمريكي رندل هاريس مخطوطة لهذا الدفاع مترجمة إلى السريانية سنة 1893م. (كتاب تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة للمطران كيرلس سليم بسُترس) ص 222.

(12) Apology 15.

(13) يوسابيوس ك 4 ف 12و18.

(14) Dialogue 76.

(15) Jesus After the Gospels p. 59.

(16) 1 Apology, ch 63.

(17) Dial. 100.

(18) Dial. ch, 36.

(19) Dial. ch 56.

(20) Dial. ch. 63.

(21) Dial. ch 56.

(22) Dial.. 66.

(23) Apology 1:23.

(24) Apology 2:13.

(25) Apology 1:

(26) Apology 1:63.

(27) Dial. ch 108.

(28) Apology 1:22.

(29) Dial. 126 – 129.

(29) Dial. 100.3.

(30) Ag. Haer. 28.

(31) دراسات في آباء الكنيسة لأحد رهبان برية القديس مقاريوس ص 105 و 106.

(32) Address to the Greeks ch.7.

(33)تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة ص 244.

(34) Supplication for the Christians 10,24. William A. Jurgens, The Faith of the Early fathers vol. 1 ; 70.

(35)Ibid. (24), vol. 1 ; 70.

(36) A Plea For The Christians ch.6.

(37) Ibid. ch.18.

(38) يوسابيوس 4 :20.

(39)To Autolycus 2 :15.

(40) دراسات في آباء الكنيسة ص 108.

(41) يوسابيوس 4 :26.

(42) السابق 110.

(43) Fragment in Anastasius of Sinai's The Guide 13.

(44) الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص 126 أنظر أيضا Ag. Haer. 3:3,4

(45) Catholic Encyclopedia, Incarnation.

(46) Ag. Hear.. 5:12,2.

(47) B5:14,2.-

(48) Ag. Hear. 2.28.

(49) B 1:10,1.

(50) B3:21,1.

(51) B4:20,4

(52) B3:16,2.

(53) B3:18,1.

(54) ANF, Vol. I , p. 577 (fragments from the lost writings of Irenaeus).

(55) B5:8,3.

(56) B3:16,2.

(57) B5:1,3.

(58) See B3:16,6. And Jesus After The Gospels p. 102.

(59) جميع الفقرات الخاصة بكتاب " الكرازة الرسولية "، مأخوذة من كتاب " الكرازة الرسولية للقديس إيرينيوس إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد و د. جورج عوض إبراهيم.

(60) يعطى إيريناؤس أهمية كبرى لأصالة وشهادة الشيوخ الذين كانوا حاملين للتقليد الرسولي. وكشيوخ يصفهم أحيانًا بالتلاميذ المباشرين للرسل (AH5:5:1) وأحيانًا تلاميذ بوليكاربوس (AH34).

(61) انظر تي5:3ـ6.-

(62) راجع الحوار مع تريفو6:5 أيضًا انظر ضد الهرطقات1:1:1، 3:28:1.

(63) راجع AH2:47:2, 3:28:2.

(64) أف6:4 راجعAH4:34::2, 5:18:1.

(65) Strom 4: 156.

(66) Ibid 7: 58.

(67) Ibid 5: 94.

(68) Ibid 5: 16.

(69) Paed 1: 57.

(70) Prot 84.

(71) Strom. 5: 34.

(72) Ibid 7: 7.

(73) Prot. 120.

(74) ANF, Vol. II , p. 574.

(75) ANF, Vol. II, p. 574.

(76) ANF, Vol. II, p. 234.

(77) Fragments, Part I, section IIIز

(78) Exhortations, Chap 10.

(79) Strom, B. V, ch. 14.
- 83 -

(80) fragment in Eusebius History, Bk 6 Ch 14; Jurgens, p. 188.

(81) The Instructor, B. 1, ch 8.

(82) Exhortation to the Greeks, 10:110:1.

(83) Exhortation To The Heathen, ch 2.

(84) ANF, Vol. IV , p. 246.

(85) ANF, Vol. IV, p. 270.

(86) ANF, Vol. X , p. 336

(87) ANF, Vol. X , p. 320.

(88) ANF, Vol. X, p. 336.

(89) PG XIV:1308.

(90) ANF, Vol. VI, p. 93.

(91) ANF, Vol. V, p. 227.

(92) ANF, Vol. V, p. 151.

(93) ANF, Vol. III, p. 610.

(94) ANF, Vol. III, p. 34.

(95) Against Praxeas, ch 1,2.

(96) ANF, Vol. VI, p. 155.

(97) موسوعة آباء الكنيسة ج 1: 227.
 
أعلى