- إنضم
- 21 أغسطس 2011
- المشاركات
- 175
- مستوى التفاعل
- 28
- النقاط
- 0
الانهيار الاول
لطالما مررت بهذه الحالة...و في كل مرة بطعم جديد...مرارة في الفم....وألم في الروح....ونار في القلب.....وتحجر في الرأس...وضيق بالتنفس....ووجع في كل عضلة من جسدك...وكأن صدرك قد خسف بضربة من صخرة كبيرة....كل شيء فيك ...يتوجع ...يتألم يصرخ....يرتجف....روحك تريد التخلص من هذا الجسد المتعب والمتخم بالالم ....وكأن مصدر كل الالم هو محاولة روحك التملص من كل ارتباطاتها المتجذرة بالجسد.
لايعجبك اي هدوء....تريد احداثا كثيرة ...كبيرة.. تهز كيانك....كي تعود عن ذلك الالم ...وتنشغل بخوفك وودهشتك....فعندما لا تخاف ,يعود هذا ألالم.....ويذهب لحظة الرعب ووالانذهال....
أية حياة هذه.....وكم هو غبي من يسألك عن معنى السعادة...او الراحة... وكم غبي انت كلما حاولت الاجابة عن ذلك التساؤل...بغير الحقيقة التي تعيشها...منذ سنين....لكنك ناجح جدا في التمثيل على نفسك والاخرين...وتستطيع ان تغش بأن تبتسم...وتستطيع ان تضحك على ذقون الاخرين حين تجاريهم....وذقنك طبعا من ضمن من تضحك عليه.....كنت فيما مضى تمتلك بعض الاماني كي تسامح القدر على ماجرى....وكانت تلك الاماني هي بالعودة الى بدايتك مع الناس والمعرفة ...كي ترى هل ستغير شيئا من هذا الفلم التعيس؟....كنت تتمنى بالعودة بالعمر... وطبعا ما دامت امنية لن تتحق... رغبت ان تمتلك الكثير من الاموال ....فهي تساعد الى حد كبير في تذليل عقبات الناس و بعض الظروف....
هذه الامنيات كانت في ما مضى هي متنفس روحك واحلامك اليقظة.....لكنها اصبحت سخيفة....ولا تسمن من جوع......وها انت تذوق اصنافا غريبة جدا من العذاب الذي ليس سببه احد بعينه ولا حتى الكل مجتمعين....انه ألم ..حقيقي....يلتهم بل يقضم روحك من اطرافها...ولا يأكلها....انما يلوكها باسنانه التي لاترحم...ولا تفهم معنى الشفقة....
منذ متى كان التنفس مؤلما؟ منذ متى كان ان تصحو صباحا سببا للتعاسة؟....كل صباح....تتألم لانك صحوت....انت لاتنام....انت تتألم ...نائما...حتى احلامك النادرة...مؤلمة...بخوفها ورعبها.....كل شيء من حولك مقزز ويثير اشمئزاز روحك .....لكن ما تعرفه الى هذه اللحظة وانت متيقن منه.....ان مصدر الالم متعلق بفقدانك لطعم وجودك ...فلا الاسرة ولا الاصدقاء ولا العمل ولا اي شيء استطاع ان يشغل ذلك الحيز من معنى حياتك....
لاتشعر ولم تشعر وتعتقد انك لن تشعر بل لن يهمك بعد الان ذلك الشعور بان لتلك الامور علاقة بحيوية حياتك التي ما ان تكتشفها لحظة او تخلقها بنفسك حتى تتملص منك وتتلاشى بلحظة ايضا...
تعرف ان وصف الالم ليس مؤلما....ولا ولن يعكس مدى المك , او أن يستطيع احد من خلال ذلك الوصف ان يستشعر ذلك الالم , ليس لانه المك انت , بل لانه غريب من الممكن ان ترجعه الى اسباب سخيفة او عظيمة....لكنك لن تفهم عمقه....عندما يأكلك من روحك....هل تفهم ايها الغبي....
لم يبقى لك شيء تتمرد عليه....الا المك....ولا تعرف كيف يكون ذلك...البعض يتهمك بالجبن لانك لم تنجح في محاولاتك لقتل ذلك الالم بالانتحار.....لكنك لم تشعر بهذا الجبن الذي يدعونه....لقد تخليت عن فكرة الانتحار لانك وجدت نفسك قادرا وبسهولة عليها....وما دفعك لتحمل الالم وتركك لتلك الفكرة....هو ليس شيئا معقولا او معرفة ما او فلسفة معينة او كتاب او فكرة.....ما دفعك هو شعور يطوف داخل روحك ويظهر كالشهب في سمائك المظلمة كلمح البصر...يناديك:- ان في العالم وفي وجودك لازال هنالك بقايا للمعنى الضائع....انت نفسك لا تفهم ذلك الشعور لانه غير مفهوم اصلا...لكنك لا تستطيع ان تغالط نفسك وتتجاهله فهو مثل المك في قوة وجوده....وشعورك به....ولا تعرف كيف او لماذا او ماهو....؟؟؟ انه مثل المك عظيم على صغر لحظة تجليه وكأنه حجر صغير في بركة الالم الراكدة و القابعة فوق نواحي حياتك ...يمتلك اثرا لا مناص من الاعتراف به لكن ماهو ومن اين ياتي وماهو كنهه؟ لا تعرف....
تصور انك لاتعرف مصدر المك ولا مصدر بقائك متحملا لذلك الالم....كم انت ضائع... ...ومسكين.....لا تجد طعما في الحياة ولا لكل شيء خارجا عن المك وشعورك ذاك....انت لا تستطيع في وجدانك الا ان تتألم وان تشعر بالرجاء....امل كأنه الحلم...ليس له دور في حياتك.. سوى انه ينبض.....
وهكذا تمضي ايامك لا تجد نفسك في عملك ولا اسرتك ولا اصدقائك ولا القراءة ولا الكتابة....فلست اديبا ولا شاعرا ولا رب اسرة ولا موظفا حكوميا ولا صديق يعترف بالندية والمساواة في العلاقة....ففي لحظة استماعك لاآراء الاخرين...تقول في نفسك (هل يصدق هذا الغبي انه يفهم اكثر مني؟ويتكلم؟ وانا استمع اليه؟)هل يوجد احد يستطيع ان يفهم اذا لم يتألم ؟ هل يوجد احد يستطيع ان يكتب او يقول اذا لم تلوك روحه الالاف الاحزان التي لا يعرف مصدرها؟؟؟ هذا ما تقوله لنفسك وتستمر بالاستماع الى زقزقة الاخرين كالذئب الذي يبتسم للخراف قبل الانقضاض....
نعم انت فاشل ... لانك واجهت المك وفاشل في نظر الكل لانك لم تحاول ان تمثل دون شعور بالقذارة....نعم كل شيء قذر ....و حين تمثل..تصبح...اقذر انسان عرفته البشرية....لست اديبا ولا فيلسوفا ولا شاعرا حتى.....انت تصرخ ولا تجد من يستمع لصراخك سواك...فسكتت....وظل صدى الصراخ...يشقق اظلاع روحك.....وظل ذلك الشعور الجميل يمر بك لحظة اليأس المطبق...وينتشلك للحظة....للحظة فقط.....تقوى فيها على تحمل ألم يوم اخر....انه لا ياتي عندما تنتظره...او تستدعيه...انه يأتي فقط عندما يملؤك اليأس من رأسك لاخمص قدميك....انه شعور طفل يرجو ان لا يخسر سفرة الى مدينة الالعاب انه صورة لذكرى جميلة حين تراها تبتسم وترتسم على وجه دموع غريبة...وسؤال يناديك:- اين ذهب ذلك الزمن؟ لم لا نشعر بحلاوة الايام الا بأنقضائها؟ متى تعود الى مدرستك..وبيتك واهلك؟....اين اصدقاء طفولتك؟؟؟؟...اين طريق مدرستك؟؟؟والبائع الذي تشتري منه؟؟؟ اين حقيبتك وكتبك؟؟؟اين امك وابيك؟؟؟اين ضحكاتك المدوية؟اين انت؟؟؟لماذا لم تعد طفلا؟؟؟ ماهذا الشيب؟ ماهذه التجاعيد؟؟؟ما انت فيه ؟؟؟يالهي ...اين انت ؟؟؟كنت تنشد وترسم وتلعب وتغني....من سرق ايامك؟؟؟من سرق بيتك؟ من سرق اسرتك واخوانك واخواتك....من سرق اصدقائك في المدرسة؟؟؟؟من سرق شمس الظهيرة التي كنا تتسكع فيها ونحن صغار...؟؟ انت لا تعرف من انت الان؟؟؟؟؟لم تكن تعرف انه سيتم سرقة كل ذلك....وانك ستكتشف تلك السرقة وانت على هيئة من تصدت الكهولة لوجهه.....من زوجتك؟ من اولادك ؟؟؟من اصدقائك من اهلك اين بيتك؟ لست انت من تذكره؟؟؟انت شيء اخر ولوكنت تعرف ما سيحل بك...وما ستؤل اليه من تشوه في كل شعور وروح وشكل...ما تركت طفولتك لتعبث بها ايدي الاقدار او الناس او ...لا تعرف حقيقة لا تعرف....لعلنا نبدأ الحياة بالسعادة..ثم تتلاشى تدريجيا مع تقدم العمر والمعرفة...ونصبح اكثر حدية واكثر جدية واكثر تعقلا واكثر فهما....لكن اكثر تعاسة واكثر الما واكثر قسوة واكثر شراسة واكثر حقدا واكثر كراهية واكثر غضبا واكثر غيرة واكثر حسدا واكثر لؤما واكثر وحشية....لعل المك ينبع من عدم قبولك ورفضك المطلق لكونك كبرت واصبحت موظفا وربا لاسرة وتمتلك بيتا وسيارة.....ولعل شعورك ذلك الذي يبقيك على قيد الحياة ويعزيك في تحمل المك هو انت نفسك , بل ذكرى طفولتك التي لا تختلف عن طفولة الاخرين بألمها وسعادتها....لكن شعورك بالطفولة هو الاساس...الذي تكالب عليه الزمن كي يقضي عليه...وبالتالي اصبحت مسخا قذرا عن طفل جميل...كانت ضحكاته تملاء الارجاء.
وما العمل الان؟ هل تستسلم لوهم اسمه الواقع؟؟؟وتتناسى المك وواقعيته اليومية؟ كيف تمثل على روحك وتحتال بأن تقفز على كل مشاعرك وتنصاع لفكرك العقلاني الذي لا يجد مشكلة في نظام عيشك مادمت تعمل وتمارس الجنس ولديك اولاد وعندك راتب شهري جيد وسيارة ومسكن....وشهادة جامعية واحترام ومسؤلية في العمل واصدقاء محترمون ويحترمونك اكثر منك.....هل هكذا تنتهي القصة؟؟؟
لو كانت هكذا تنتهي....لانتهت لكن هنالك ناقوس يدق منذرا بالخطر المحدق....مناديا:-(ستكون جزءا من المسرحية القذرة....وقردا اصيلا...ورقما من ارقام الدجاج المخصص للتفريخ وعند كهولته يخصص للحم.)
هذا صوت ذلك الشعور....الذي انقذك وينقذنك كل مرة والذي بنداءاته تلك يشعل نيران ولهيب الالم المزمن والرغبة بتقيء الحياة على شكلها المعهود.....
من اين انت؟ ومن اي طينة خلقت؟....انت الذي هو انا...وهو ال(نحن)....وهو الكل...الذي نقتله كل يوم خوفا مما يترتب على الاستماع اليه......كل يوم ندوسه بتعمد وترصد ونقتنص كل همسة ينادي بها كي نلقيها في خانة الهذيان والجنون والهلوسة واي شيء يحط من قدره...
هذا بالفعل ما نفعل يوميا بارواحنا كي نبدو اكثر نجاحا في مملكة القردة.
ومثلما تعودنا ان تشرق الشمس ونحن نيام...تعودنا ان يغيب صوت الروح ونحن نعيش....ومن كثرة العادة صدقنا متوهمين انا نعيش في الحقيقة الواقعية...التي لانملك منها اي شيء بقدر ما تملكه هي منا ...تقريبا كل شيء....ادمنا ان نكون دمى بحيث صدقنا الحرية التي نحلم بها انها في متناول يدنا....انت لا تملك زوجة واولاد وبيت وسيارة وعمل واصدقاء واهل...بل هم من يملكوك ....والكل مملوك ولا احد يملك ...فالكل عبيد للعبيد...ولا يوجد اي سيد عندنا الا هذا الواقع الذي نعيشه وسلمناه مقاليد السلطة على ارواحنا ...ونسينا كيف كنا نملك العالم بأسره حين الطفولة...ولم يكن يملكنا احد....ونقول لانفسنا :لقد كبرنا على هكذا امور, لكن الحقيقة نحن لم نكبر انما اعترفنا بعجزنا ورفعنا الراية البيضاء واستسلمنا لحقل الدواجن....لسنا عاجزين الا من الاستماع الى صوت الروح....ذلك الشعور الذي يدغدغ نفوسنا المرهقة....وجباهنا المتعبة وقلوبنا الصدأة ....ونحاول ان نصدق ان كل شيء يسير وفق نظام السبب والمسبب....لقد استغفلتنا المعرفة وقتلنا الوعي ومحى من ذاكرتنا اي شعور ذلك العقل وافكاره المرتبة منطقيا....يكفي اننا لم نستفد من كل معارفنا ولم تغير شيئا من نمط حياتنا.... فما ان نخلع عن انفسنا وشخصياتنا ثوبا الا وارتدينا اخر ...ولا احد يعرف ما هو مكنون داخل ذواتنا....ولا حتى نحن نعرف الى الحد الذي بتنا نشك في امتلاكنا لذوات....نحن بالاحرى اشبه بالمومياء في انتظار الدفن....او رقما ينتظر الانمحاء.....او جسدا يتعطش للفناء....فأين نحن واين الحياة؟؟؟؟
لابد ان نصمت ولا نتكلم ولابد ان لانعرف ولا ان نعلم ولا ان يتسع وعينا......يجب ان تخرس كل تلك الامور...ونصغي ونظل نصغي في وسط كل تلك الضوضاء ...الى همسات ذلك الشعور الروحي....الذي لانعرف من اين ياتي او اين يمضي بنا او ما هو سببه لانه غير معقول ولا يمكن عقلنته....لاتحاول ان تفهم بل عش شعورك بعد ان تستمع اليه...اترك فسحة من حياتك لنفسك.....لقد ملئت حياتك بالناس والاشياء فضيعت نفسك......فانت لايمكن تعريفك الا من خلال ما يحيط بك وليس شيئا اخر...فأين انت؟؟؟ قل لي بربك اين انت؟ ملامح متكسرة ووجه يعتريه التعب وقلب مضنوك بمصاعب الحياة المادية والاجتماعية....
يكفي .... يجب ان نسمح لذلك الطفل الذي بات ينتظر منذ عشرين او ثلاثين عاما ان نلعب معه....تخيل طفلا ينتظر كل تلك المدة كي يلعب معك , وهو ينتظرك على اعتاب روحك....كم انت مسكين ومثير للشفقة...
ليس كل شيء على مايرام لانك ميت...لانك مهووس بان يسلبك الاخرون من ذاتك كي لاتنصت لحظة لروحك....وانت تصدق ما يجري على انه الحقيقة والواقع...وتستمر في تلك اللعبة القذرة....تملك كل ما يبغيه الانسان المتحضر من ثقافة وشهادة واسرة ومسكن وراتب شهري و...و....و.....
لكنك لا تستطيع ابد ان تهرب من لحظة تأمل واحدة تشعر فيها بتفاهة كل ذلك....وتنتابك كآبة بانك لم ولن تنجز شيئا حقيقيا في حياتك....فتعود فتهرب مرة اخرى اما الى احضان زوجتك او لابتسامات اولادك او للغوص في عملك....وكأن الامر لا يعنيك....كل تلك الامور عبارة عن علبة فاخرة ومزروقة ومزينة لشيء اسمه القذارة التي تمتلك رائحة نتنة...
وتهرب وتعود وكلما طال هروبك تترسخ وتكبر تلك القذارة وتزداد نتانة...
هل اجتاحتك رغبة بترك العمل او الاسرة والبيت او الذهاب لاماكن بعيدة في الطرف الاخر من الكرة الارضية؟؟؟؟
هل ذلك الشعور الذي انشأ تلك الرغبة وهم؟؟؟وهل ماتعيشه هو الحقيقة؟؟؟ كم انت مسكين..
كي تفهم وتصغي وتستمع لابد ان لا تحاول ان تفهم ولا ان تصغي ولا ان تستمع الا الى ما لا يكون معقولا في داخلك....فكم تعلمنا وكم فهمنا وكم ابحرنا في مياه المعرفة....هل قدمت لك شيئا؟؟؟؟ هل تشعر بالسكينة؟ اوالاستقرار الروحي؟ او السلام الداخلي؟؟؟؟ لماذا كلما ازدت معرفة بالعالم الذي يدور حولك وتدور معه او بعكسه....كلما اكتشفت ان لا معنى لكل شيء.. وازداد طعم الاشياء مرارة بحيث وصلت الى ان لاطعم لكل شي لا الجنس ولا الاولاد ولا العمل ولا حتى العلم.....ماذا تريد؟؟؟ لو عرفت ماذا تريد فلن تحصل عليه ابدا.....عليك ان لا تعرف بل عليك ان تشعر وان تعيش شعورك الذي هو انا وانت والنحن....المعرفة التي تجعلنا نرتب اوراقنا ونحصل على شهادات جامعية ونرفع انوفنا قليلا ونتكلم بلباقة ونحاول ان نقحم انفسنا في مواضيع حتى لو لم نكن نعرف عنها شيئا فقط لكي نستعرض امام الاخرين وجودنا وكأن ذلك الوجود كله مناط بتلك اللحظة....اللحظة التي يجب ان تقول اي شيء اي رأي كي تثبت وجودك....كم انت مغفل...وغبي...
انت ومن شدة حقدك على نفسك والناس والعالم لم تكتفي ان تعيش وحيدا في المك ووهمك بل حاولت ان تبرر ذلك بمليون حجة.... هكذا كي تحصل على عزاء لموتك وحيدا لانك لم تعش لحظة واحدة من حياتك...وكأنك ولدت لحظة الاحتضار....وتحاول ان تجد لكل شيء قذر فعلته في حياتك مبررا وهدفا ومعنى في حين ان لامعنى يوجد للانسان خارج الانسان نفسه....
وما العمل الان؟ لاتسأل ما العمل انما لا تسأل اصلا .. لان السؤال يستدعي الاجابة المعقولة والتي هي قذرة كالسؤال نفسه....ليس عليك الا ان تصدق شعورك ذلك بما يملي عليك وان تكتفي به رفيقا لك وصديقا لعمرك وحياتك...وان تعيش كل لحظة منه....لن تموت جوعا ولن يموت احد ولن يتغير العالم وستشرق الشمس مرة اخرى....لكن سترمي بقذارتك وتستخرجها من ذاتك.....نعم ابتسم...كما الاطفال...ابتسم...كي تلوذ كل قذاراتك بالرحيل...ابتسم... وانت تتألم لان الاطفال لايشعرون بالالم لحظة البكاء....ويضحكون من كل مقدساتنا....كل ضمائرنا دون تأنيب للضمير او شعور بالندم او الخسارة..
كيف تصغي لروحك..؟ انا لا اعرف....ولا انت ستعرف....ولايمكن ان نعرف..... لانك ستصغي الى اللامعقول....ستصغي لكل رغبة انشأها ذلك الشعور... لكن كيف ستميزها؟؟ انها لا تنتمي لعالم المعقولات وترفضها كل اعرافك وتقاليدك...وتستحي منها اسرتك...ويعيبك عليها اصدقائك....وينعتك المثقفون عليها بالجنون...وحتى الانحراف....
منذ متى يا صديقي وانت عبد لمفاهيمك؟؟ منذ متى يا صديقي وانت قاتل لمشاعرك الروحية؟ فحينا اعتبرتها ضعفا وجبنا وحينا اعتبرتها وهما وتخنثا...يالك من غبي....
فلو كان لمعارفك ووعيك وفهمك قيمة لكانت غيرت حياتك بالكامل ....فلماذا انت والى الان وحيد وغريب ومسكين ومتعصب ومتقلب وقد رسمت لنفسك خريطة وتمسكت بها وقدستها ونسيت انك انت من رسم تلك الخريطة؟؟؟؟
تلوذ الى الانغماس كي تنسى تنغمس في القذارة ذاتها كي تستشعر تلك القذارة في روحك الى ان تصل الى الحد الذي تتحول فيها الى قرد وترى كل ماهو انساني على شكل قذارة وفي احسن الاحوال موزة..
اين انت يا صديقي...؟؟؟؟اين رست سفنك؟؟؟انك واهم واهم جدا لانك لم ترى البحر بعد.
لطالما مررت بهذه الحالة...و في كل مرة بطعم جديد...مرارة في الفم....وألم في الروح....ونار في القلب.....وتحجر في الرأس...وضيق بالتنفس....ووجع في كل عضلة من جسدك...وكأن صدرك قد خسف بضربة من صخرة كبيرة....كل شيء فيك ...يتوجع ...يتألم يصرخ....يرتجف....روحك تريد التخلص من هذا الجسد المتعب والمتخم بالالم ....وكأن مصدر كل الالم هو محاولة روحك التملص من كل ارتباطاتها المتجذرة بالجسد.
لايعجبك اي هدوء....تريد احداثا كثيرة ...كبيرة.. تهز كيانك....كي تعود عن ذلك الالم ...وتنشغل بخوفك وودهشتك....فعندما لا تخاف ,يعود هذا ألالم.....ويذهب لحظة الرعب ووالانذهال....
أية حياة هذه.....وكم هو غبي من يسألك عن معنى السعادة...او الراحة... وكم غبي انت كلما حاولت الاجابة عن ذلك التساؤل...بغير الحقيقة التي تعيشها...منذ سنين....لكنك ناجح جدا في التمثيل على نفسك والاخرين...وتستطيع ان تغش بأن تبتسم...وتستطيع ان تضحك على ذقون الاخرين حين تجاريهم....وذقنك طبعا من ضمن من تضحك عليه.....كنت فيما مضى تمتلك بعض الاماني كي تسامح القدر على ماجرى....وكانت تلك الاماني هي بالعودة الى بدايتك مع الناس والمعرفة ...كي ترى هل ستغير شيئا من هذا الفلم التعيس؟....كنت تتمنى بالعودة بالعمر... وطبعا ما دامت امنية لن تتحق... رغبت ان تمتلك الكثير من الاموال ....فهي تساعد الى حد كبير في تذليل عقبات الناس و بعض الظروف....
هذه الامنيات كانت في ما مضى هي متنفس روحك واحلامك اليقظة.....لكنها اصبحت سخيفة....ولا تسمن من جوع......وها انت تذوق اصنافا غريبة جدا من العذاب الذي ليس سببه احد بعينه ولا حتى الكل مجتمعين....انه ألم ..حقيقي....يلتهم بل يقضم روحك من اطرافها...ولا يأكلها....انما يلوكها باسنانه التي لاترحم...ولا تفهم معنى الشفقة....
منذ متى كان التنفس مؤلما؟ منذ متى كان ان تصحو صباحا سببا للتعاسة؟....كل صباح....تتألم لانك صحوت....انت لاتنام....انت تتألم ...نائما...حتى احلامك النادرة...مؤلمة...بخوفها ورعبها.....كل شيء من حولك مقزز ويثير اشمئزاز روحك .....لكن ما تعرفه الى هذه اللحظة وانت متيقن منه.....ان مصدر الالم متعلق بفقدانك لطعم وجودك ...فلا الاسرة ولا الاصدقاء ولا العمل ولا اي شيء استطاع ان يشغل ذلك الحيز من معنى حياتك....
لاتشعر ولم تشعر وتعتقد انك لن تشعر بل لن يهمك بعد الان ذلك الشعور بان لتلك الامور علاقة بحيوية حياتك التي ما ان تكتشفها لحظة او تخلقها بنفسك حتى تتملص منك وتتلاشى بلحظة ايضا...
تعرف ان وصف الالم ليس مؤلما....ولا ولن يعكس مدى المك , او أن يستطيع احد من خلال ذلك الوصف ان يستشعر ذلك الالم , ليس لانه المك انت , بل لانه غريب من الممكن ان ترجعه الى اسباب سخيفة او عظيمة....لكنك لن تفهم عمقه....عندما يأكلك من روحك....هل تفهم ايها الغبي....
لم يبقى لك شيء تتمرد عليه....الا المك....ولا تعرف كيف يكون ذلك...البعض يتهمك بالجبن لانك لم تنجح في محاولاتك لقتل ذلك الالم بالانتحار.....لكنك لم تشعر بهذا الجبن الذي يدعونه....لقد تخليت عن فكرة الانتحار لانك وجدت نفسك قادرا وبسهولة عليها....وما دفعك لتحمل الالم وتركك لتلك الفكرة....هو ليس شيئا معقولا او معرفة ما او فلسفة معينة او كتاب او فكرة.....ما دفعك هو شعور يطوف داخل روحك ويظهر كالشهب في سمائك المظلمة كلمح البصر...يناديك:- ان في العالم وفي وجودك لازال هنالك بقايا للمعنى الضائع....انت نفسك لا تفهم ذلك الشعور لانه غير مفهوم اصلا...لكنك لا تستطيع ان تغالط نفسك وتتجاهله فهو مثل المك في قوة وجوده....وشعورك به....ولا تعرف كيف او لماذا او ماهو....؟؟؟ انه مثل المك عظيم على صغر لحظة تجليه وكأنه حجر صغير في بركة الالم الراكدة و القابعة فوق نواحي حياتك ...يمتلك اثرا لا مناص من الاعتراف به لكن ماهو ومن اين ياتي وماهو كنهه؟ لا تعرف....
تصور انك لاتعرف مصدر المك ولا مصدر بقائك متحملا لذلك الالم....كم انت ضائع... ...ومسكين.....لا تجد طعما في الحياة ولا لكل شيء خارجا عن المك وشعورك ذاك....انت لا تستطيع في وجدانك الا ان تتألم وان تشعر بالرجاء....امل كأنه الحلم...ليس له دور في حياتك.. سوى انه ينبض.....
وهكذا تمضي ايامك لا تجد نفسك في عملك ولا اسرتك ولا اصدقائك ولا القراءة ولا الكتابة....فلست اديبا ولا شاعرا ولا رب اسرة ولا موظفا حكوميا ولا صديق يعترف بالندية والمساواة في العلاقة....ففي لحظة استماعك لاآراء الاخرين...تقول في نفسك (هل يصدق هذا الغبي انه يفهم اكثر مني؟ويتكلم؟ وانا استمع اليه؟)هل يوجد احد يستطيع ان يفهم اذا لم يتألم ؟ هل يوجد احد يستطيع ان يكتب او يقول اذا لم تلوك روحه الالاف الاحزان التي لا يعرف مصدرها؟؟؟ هذا ما تقوله لنفسك وتستمر بالاستماع الى زقزقة الاخرين كالذئب الذي يبتسم للخراف قبل الانقضاض....
نعم انت فاشل ... لانك واجهت المك وفاشل في نظر الكل لانك لم تحاول ان تمثل دون شعور بالقذارة....نعم كل شيء قذر ....و حين تمثل..تصبح...اقذر انسان عرفته البشرية....لست اديبا ولا فيلسوفا ولا شاعرا حتى.....انت تصرخ ولا تجد من يستمع لصراخك سواك...فسكتت....وظل صدى الصراخ...يشقق اظلاع روحك.....وظل ذلك الشعور الجميل يمر بك لحظة اليأس المطبق...وينتشلك للحظة....للحظة فقط.....تقوى فيها على تحمل ألم يوم اخر....انه لا ياتي عندما تنتظره...او تستدعيه...انه يأتي فقط عندما يملؤك اليأس من رأسك لاخمص قدميك....انه شعور طفل يرجو ان لا يخسر سفرة الى مدينة الالعاب انه صورة لذكرى جميلة حين تراها تبتسم وترتسم على وجه دموع غريبة...وسؤال يناديك:- اين ذهب ذلك الزمن؟ لم لا نشعر بحلاوة الايام الا بأنقضائها؟ متى تعود الى مدرستك..وبيتك واهلك؟....اين اصدقاء طفولتك؟؟؟؟...اين طريق مدرستك؟؟؟والبائع الذي تشتري منه؟؟؟ اين حقيبتك وكتبك؟؟؟اين امك وابيك؟؟؟اين ضحكاتك المدوية؟اين انت؟؟؟لماذا لم تعد طفلا؟؟؟ ماهذا الشيب؟ ماهذه التجاعيد؟؟؟ما انت فيه ؟؟؟يالهي ...اين انت ؟؟؟كنت تنشد وترسم وتلعب وتغني....من سرق ايامك؟؟؟من سرق بيتك؟ من سرق اسرتك واخوانك واخواتك....من سرق اصدقائك في المدرسة؟؟؟؟من سرق شمس الظهيرة التي كنا تتسكع فيها ونحن صغار...؟؟ انت لا تعرف من انت الان؟؟؟؟؟لم تكن تعرف انه سيتم سرقة كل ذلك....وانك ستكتشف تلك السرقة وانت على هيئة من تصدت الكهولة لوجهه.....من زوجتك؟ من اولادك ؟؟؟من اصدقائك من اهلك اين بيتك؟ لست انت من تذكره؟؟؟انت شيء اخر ولوكنت تعرف ما سيحل بك...وما ستؤل اليه من تشوه في كل شعور وروح وشكل...ما تركت طفولتك لتعبث بها ايدي الاقدار او الناس او ...لا تعرف حقيقة لا تعرف....لعلنا نبدأ الحياة بالسعادة..ثم تتلاشى تدريجيا مع تقدم العمر والمعرفة...ونصبح اكثر حدية واكثر جدية واكثر تعقلا واكثر فهما....لكن اكثر تعاسة واكثر الما واكثر قسوة واكثر شراسة واكثر حقدا واكثر كراهية واكثر غضبا واكثر غيرة واكثر حسدا واكثر لؤما واكثر وحشية....لعل المك ينبع من عدم قبولك ورفضك المطلق لكونك كبرت واصبحت موظفا وربا لاسرة وتمتلك بيتا وسيارة.....ولعل شعورك ذلك الذي يبقيك على قيد الحياة ويعزيك في تحمل المك هو انت نفسك , بل ذكرى طفولتك التي لا تختلف عن طفولة الاخرين بألمها وسعادتها....لكن شعورك بالطفولة هو الاساس...الذي تكالب عليه الزمن كي يقضي عليه...وبالتالي اصبحت مسخا قذرا عن طفل جميل...كانت ضحكاته تملاء الارجاء.
وما العمل الان؟ هل تستسلم لوهم اسمه الواقع؟؟؟وتتناسى المك وواقعيته اليومية؟ كيف تمثل على روحك وتحتال بأن تقفز على كل مشاعرك وتنصاع لفكرك العقلاني الذي لا يجد مشكلة في نظام عيشك مادمت تعمل وتمارس الجنس ولديك اولاد وعندك راتب شهري جيد وسيارة ومسكن....وشهادة جامعية واحترام ومسؤلية في العمل واصدقاء محترمون ويحترمونك اكثر منك.....هل هكذا تنتهي القصة؟؟؟
لو كانت هكذا تنتهي....لانتهت لكن هنالك ناقوس يدق منذرا بالخطر المحدق....مناديا:-(ستكون جزءا من المسرحية القذرة....وقردا اصيلا...ورقما من ارقام الدجاج المخصص للتفريخ وعند كهولته يخصص للحم.)
هذا صوت ذلك الشعور....الذي انقذك وينقذنك كل مرة والذي بنداءاته تلك يشعل نيران ولهيب الالم المزمن والرغبة بتقيء الحياة على شكلها المعهود.....
من اين انت؟ ومن اي طينة خلقت؟....انت الذي هو انا...وهو ال(نحن)....وهو الكل...الذي نقتله كل يوم خوفا مما يترتب على الاستماع اليه......كل يوم ندوسه بتعمد وترصد ونقتنص كل همسة ينادي بها كي نلقيها في خانة الهذيان والجنون والهلوسة واي شيء يحط من قدره...
هذا بالفعل ما نفعل يوميا بارواحنا كي نبدو اكثر نجاحا في مملكة القردة.
ومثلما تعودنا ان تشرق الشمس ونحن نيام...تعودنا ان يغيب صوت الروح ونحن نعيش....ومن كثرة العادة صدقنا متوهمين انا نعيش في الحقيقة الواقعية...التي لانملك منها اي شيء بقدر ما تملكه هي منا ...تقريبا كل شيء....ادمنا ان نكون دمى بحيث صدقنا الحرية التي نحلم بها انها في متناول يدنا....انت لا تملك زوجة واولاد وبيت وسيارة وعمل واصدقاء واهل...بل هم من يملكوك ....والكل مملوك ولا احد يملك ...فالكل عبيد للعبيد...ولا يوجد اي سيد عندنا الا هذا الواقع الذي نعيشه وسلمناه مقاليد السلطة على ارواحنا ...ونسينا كيف كنا نملك العالم بأسره حين الطفولة...ولم يكن يملكنا احد....ونقول لانفسنا :لقد كبرنا على هكذا امور, لكن الحقيقة نحن لم نكبر انما اعترفنا بعجزنا ورفعنا الراية البيضاء واستسلمنا لحقل الدواجن....لسنا عاجزين الا من الاستماع الى صوت الروح....ذلك الشعور الذي يدغدغ نفوسنا المرهقة....وجباهنا المتعبة وقلوبنا الصدأة ....ونحاول ان نصدق ان كل شيء يسير وفق نظام السبب والمسبب....لقد استغفلتنا المعرفة وقتلنا الوعي ومحى من ذاكرتنا اي شعور ذلك العقل وافكاره المرتبة منطقيا....يكفي اننا لم نستفد من كل معارفنا ولم تغير شيئا من نمط حياتنا.... فما ان نخلع عن انفسنا وشخصياتنا ثوبا الا وارتدينا اخر ...ولا احد يعرف ما هو مكنون داخل ذواتنا....ولا حتى نحن نعرف الى الحد الذي بتنا نشك في امتلاكنا لذوات....نحن بالاحرى اشبه بالمومياء في انتظار الدفن....او رقما ينتظر الانمحاء.....او جسدا يتعطش للفناء....فأين نحن واين الحياة؟؟؟؟
لابد ان نصمت ولا نتكلم ولابد ان لانعرف ولا ان نعلم ولا ان يتسع وعينا......يجب ان تخرس كل تلك الامور...ونصغي ونظل نصغي في وسط كل تلك الضوضاء ...الى همسات ذلك الشعور الروحي....الذي لانعرف من اين ياتي او اين يمضي بنا او ما هو سببه لانه غير معقول ولا يمكن عقلنته....لاتحاول ان تفهم بل عش شعورك بعد ان تستمع اليه...اترك فسحة من حياتك لنفسك.....لقد ملئت حياتك بالناس والاشياء فضيعت نفسك......فانت لايمكن تعريفك الا من خلال ما يحيط بك وليس شيئا اخر...فأين انت؟؟؟ قل لي بربك اين انت؟ ملامح متكسرة ووجه يعتريه التعب وقلب مضنوك بمصاعب الحياة المادية والاجتماعية....
يكفي .... يجب ان نسمح لذلك الطفل الذي بات ينتظر منذ عشرين او ثلاثين عاما ان نلعب معه....تخيل طفلا ينتظر كل تلك المدة كي يلعب معك , وهو ينتظرك على اعتاب روحك....كم انت مسكين ومثير للشفقة...
ليس كل شيء على مايرام لانك ميت...لانك مهووس بان يسلبك الاخرون من ذاتك كي لاتنصت لحظة لروحك....وانت تصدق ما يجري على انه الحقيقة والواقع...وتستمر في تلك اللعبة القذرة....تملك كل ما يبغيه الانسان المتحضر من ثقافة وشهادة واسرة ومسكن وراتب شهري و...و....و.....
لكنك لا تستطيع ابد ان تهرب من لحظة تأمل واحدة تشعر فيها بتفاهة كل ذلك....وتنتابك كآبة بانك لم ولن تنجز شيئا حقيقيا في حياتك....فتعود فتهرب مرة اخرى اما الى احضان زوجتك او لابتسامات اولادك او للغوص في عملك....وكأن الامر لا يعنيك....كل تلك الامور عبارة عن علبة فاخرة ومزروقة ومزينة لشيء اسمه القذارة التي تمتلك رائحة نتنة...
وتهرب وتعود وكلما طال هروبك تترسخ وتكبر تلك القذارة وتزداد نتانة...
هل اجتاحتك رغبة بترك العمل او الاسرة والبيت او الذهاب لاماكن بعيدة في الطرف الاخر من الكرة الارضية؟؟؟؟
هل ذلك الشعور الذي انشأ تلك الرغبة وهم؟؟؟وهل ماتعيشه هو الحقيقة؟؟؟ كم انت مسكين..
كي تفهم وتصغي وتستمع لابد ان لا تحاول ان تفهم ولا ان تصغي ولا ان تستمع الا الى ما لا يكون معقولا في داخلك....فكم تعلمنا وكم فهمنا وكم ابحرنا في مياه المعرفة....هل قدمت لك شيئا؟؟؟؟ هل تشعر بالسكينة؟ اوالاستقرار الروحي؟ او السلام الداخلي؟؟؟؟ لماذا كلما ازدت معرفة بالعالم الذي يدور حولك وتدور معه او بعكسه....كلما اكتشفت ان لا معنى لكل شيء.. وازداد طعم الاشياء مرارة بحيث وصلت الى ان لاطعم لكل شي لا الجنس ولا الاولاد ولا العمل ولا حتى العلم.....ماذا تريد؟؟؟ لو عرفت ماذا تريد فلن تحصل عليه ابدا.....عليك ان لا تعرف بل عليك ان تشعر وان تعيش شعورك الذي هو انا وانت والنحن....المعرفة التي تجعلنا نرتب اوراقنا ونحصل على شهادات جامعية ونرفع انوفنا قليلا ونتكلم بلباقة ونحاول ان نقحم انفسنا في مواضيع حتى لو لم نكن نعرف عنها شيئا فقط لكي نستعرض امام الاخرين وجودنا وكأن ذلك الوجود كله مناط بتلك اللحظة....اللحظة التي يجب ان تقول اي شيء اي رأي كي تثبت وجودك....كم انت مغفل...وغبي...
انت ومن شدة حقدك على نفسك والناس والعالم لم تكتفي ان تعيش وحيدا في المك ووهمك بل حاولت ان تبرر ذلك بمليون حجة.... هكذا كي تحصل على عزاء لموتك وحيدا لانك لم تعش لحظة واحدة من حياتك...وكأنك ولدت لحظة الاحتضار....وتحاول ان تجد لكل شيء قذر فعلته في حياتك مبررا وهدفا ومعنى في حين ان لامعنى يوجد للانسان خارج الانسان نفسه....
وما العمل الان؟ لاتسأل ما العمل انما لا تسأل اصلا .. لان السؤال يستدعي الاجابة المعقولة والتي هي قذرة كالسؤال نفسه....ليس عليك الا ان تصدق شعورك ذلك بما يملي عليك وان تكتفي به رفيقا لك وصديقا لعمرك وحياتك...وان تعيش كل لحظة منه....لن تموت جوعا ولن يموت احد ولن يتغير العالم وستشرق الشمس مرة اخرى....لكن سترمي بقذارتك وتستخرجها من ذاتك.....نعم ابتسم...كما الاطفال...ابتسم...كي تلوذ كل قذاراتك بالرحيل...ابتسم... وانت تتألم لان الاطفال لايشعرون بالالم لحظة البكاء....ويضحكون من كل مقدساتنا....كل ضمائرنا دون تأنيب للضمير او شعور بالندم او الخسارة..
كيف تصغي لروحك..؟ انا لا اعرف....ولا انت ستعرف....ولايمكن ان نعرف..... لانك ستصغي الى اللامعقول....ستصغي لكل رغبة انشأها ذلك الشعور... لكن كيف ستميزها؟؟ انها لا تنتمي لعالم المعقولات وترفضها كل اعرافك وتقاليدك...وتستحي منها اسرتك...ويعيبك عليها اصدقائك....وينعتك المثقفون عليها بالجنون...وحتى الانحراف....
منذ متى يا صديقي وانت عبد لمفاهيمك؟؟ منذ متى يا صديقي وانت قاتل لمشاعرك الروحية؟ فحينا اعتبرتها ضعفا وجبنا وحينا اعتبرتها وهما وتخنثا...يالك من غبي....
فلو كان لمعارفك ووعيك وفهمك قيمة لكانت غيرت حياتك بالكامل ....فلماذا انت والى الان وحيد وغريب ومسكين ومتعصب ومتقلب وقد رسمت لنفسك خريطة وتمسكت بها وقدستها ونسيت انك انت من رسم تلك الخريطة؟؟؟؟
تلوذ الى الانغماس كي تنسى تنغمس في القذارة ذاتها كي تستشعر تلك القذارة في روحك الى ان تصل الى الحد الذي تتحول فيها الى قرد وترى كل ماهو انساني على شكل قذارة وفي احسن الاحوال موزة..
اين انت يا صديقي...؟؟؟؟اين رست سفنك؟؟؟انك واهم واهم جدا لانك لم ترى البحر بعد.