المحبة الأقنومية وإعلان سرّ الثالوث القدوس

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
سلام في الرب، في واقع إيماننا فأن الله وحده فقط هو من يُعلن ذاته لنا: "شخص حي وحضور مُحيي"، ومن خلال خبرة إعلانه عن ذاته ودعوته للدخول في محضره واستجابتنا لهذه الدعوة - الظاهرة في الإعلان - بالإيمان الحي العامل بالمحبة فأننا نشهد له بروح الشهادة الذي يعلنه في داخلنا ويقوي فينا روح الشركة ويدعمها ويثبتها، أي الروح القدس الذي يعمل فينا ويُغيرنا لصورة الابن الوحيد...
لذلك علينا أن ننتبه بشدة لإعلان الله عن ذاته لنلتقي به فنشاهده بأعين قلوبنا ونلمسه من جهة كلمة الحياة، لأن الحياة أُظهرت وعلينا أن نرى ونبصر فنؤمن ونتغير إليه فنشهد له بحياته التي تتدفق في داخلنا حسب النعمة المتدفقة منه إلينا في المحبوب يسوع.

فالله ليس نظرية فكرية ليصير محل إقناع عقول الناس، لذلك لا نتناول موضوع الثالوث من جهة فكر نظري وبحث عقلي فلسفي لإثبات اننا على صواب، أو لإقناع الآخرين والرد على أسألتهم أو حب استطلاعهم للأمور، لأن الله هو تدفق عطاء، نور يُنير العينين، وإلهام وحي بإعلان سماوي ظاهر في وجه يسوع المسيح كما هو مكتوب: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6)...

ومن نور يسوع المُشرق فقط تنفتح أعيننا ونكتب ونتكلم بشهادة إيمان بوحي وإلهام الروح [ وحي الرجل المفتوح العينين ] (عدد 24: 3)، ومن انفتاح العينين على الله ورؤيته في القلب نشهد بنوره ونخبِّر عنه الآخرين بالرؤيا والإعلان وليس مجرد فكر وألفاظ وكلمات (رجاء مراجعة رسالة يوحنا الرسول الأولى الإصحاح الأول للأهمية)
+ المحبة الأقنومية +
هناك فرق عظيم بل وشاسع للغاية ما بين المحبة التي حسب العواطف والمشاعر الإنسانية وبين المحبة الأُقنومية، لأن المحبة التي بحسب العواطف الإنسانية غير مُحددة الملامح، وتُعلن وتظهر فقط عند الحاجة والاحتياج إليها، وغالباً ما تهتاج كثيراً عند المواقف الؤلمة التي تُحركها وعلى الأخص لو الإنسان طبعه رومانسي أو رقيق المشاعر، وهي عموماً لها حدود في العطاء والبذل حسب كل شخصية وحاجتها وبعدها تتوقف، أما المحبة الأُقنومية فهي محبة خالصة خاصة فوق حدود الكلمات والتعبيرات اللغوية كلها، ولكنها مُعلنة دائماً في علاقة مؤسسة على العطاء والتدفق المستمر بلا توقف دون أن يحدَّها احتياج.

فالمحبة العاطفية حسب الإنسان تتوقف، بل أحياناً تضمحل متى اختفت الحاجة إليها أو انتهى الموقف الذي هيجها وأثارها فجعلها تظهر بصورة انفعالات تختلف من شخص لآخر في شكلها وقوتها، بل وقد تُقلب لعداوة في بعض الأحيان؛ ولكن المحبة الأقنومية تبقى دائماً مستمرة بقوة وتتدفق كالنهر الجارف لأنها قوام وكيان الأقنوم، لأنها ليست مجرد صفة بل طبيعة، فهي دائماً غير قابله للتغيير، لأنها ليست عواطف ولا مشاعر تأتي مع المواقف والاحتياجات، بل تبقى دُعامة ثابتة لا تضمحل بل دائمة العطاء ودائمة التدفق أزلاً وإلى الأبد...

هكذا ينبغي أن نرى محبة الله، الآب والابن والروح القدس الله الثالوث القدوس، حيث لا رئاسة ولا تسلط، بل وحدة جوهر وشركة تساوي تام، فالمحبة متدفقة داخل الثالوث القدوس، فالمحبة ليست صفة في الله، بل الأقنوم الذي من الأزل يحب أقنومين وهو ثالثهما (لا أتكلم عن أرقام وأعداد بالطبع لأن الله ليس ثالوث عددي)، لكي يكون مُحباً ومحبوباً ومحبة في جوهر واحد، ويظل الله جوهر واحد غير منقسم أو متعدد ما بين واحد وثلاثة لأن هذا يخص البشر في التعداد والأرقام، فالمحبة هي الجوهر الإلهي الواحد، وأساس وحدانية الله الثالوث القدوس، فحركة المحبة الإلهية حركة تبادل حي، وشركة حية عاملة تأخذ وتعطي ليس من خارج الثالوث القدوس حيث لا تقدر كل الكائنات أن تُعطي أو تُضيف أو تُنقص شيئاً لله الكائن الأزلي بذاته، ليس فقط لأنها خُلقت من العدم الذي يجعلها تفتقر إلى الصلاح، بل لأنها لا تملك حياتها من ذاتها، لأن كيانها هو هبة وعطية محبة من الصالح القدوس وحده الثالوث القدوس الإله الواحد الوحيد.

فالمحبة في الله هي فيض صلاح جليل وفائق جداً لا نستطيع ببشريتنا المحدودة أن نستوعبه أو نفهمه في اتساع كماله المُطلق، فمحبة الله محبة تفيض في شركة المحبة الأزلية التي فُتحت لنا بإعلان إلهي وفاضت علينا بتجسد الابن الوحيد وحلول الروح القدس، وأبادت عوائق الموت والخطية وحوَّلت الخلق من العدم إلى دعوة للشركة في وجود دائم ثابت لا يتحول ولا يفسد ولا يتبدل، وفي هذا الفيض الإلهي نستطيع أن نستوعب بالروح القدس وحده، لأنه هو الذي يشهد في داخلنا ويُظهر الله لنا، غنى مجد الأسرار الإلهية، فندخل سراً بالإيمان في شركة الثالوث القدوس من خلال الكلمة المتجسد، لأن بدون أن ندخل في هذه الشركة المقدسة جداً لن نستطيع إطلاقاً (مهما ما بلغنا من معرفة حسب قدراتنا العقلية ومواهبنا التي حسب الجسد) أن نفهم أو نستوعب سرّ الثالوث القدوس !!!!

يا إخوتي الله ليس نظرية أو فكرة فلسفية للحوار والجدل والمناقشات، وكل من له حجة أقوى ودراسة أشمل يعرف الله، فالله لا يُعرف بدراسة فكر ولا بحجة عقل مُقنع ولا فلسفة وتزويق كلمات مبهرة، إنما يُعرف بدخولنا في سرّ الشركة معه بالطهارة والتقديس بدم شخص ربنا يسوع وبالروح القدس، حينئذٍ يُستعلن في داخل القلب ويُصبح الإيمان حي يرى ويبصر الله فتنطبع صورته في القلب ويتحرك الإنسان بالحب ليدخل في شركة حية مع الثالوث القدوس في الكنيسة (أي جماعة المؤمنين القديسين الذين لهم نفس ذات الاختبار الحي والشركة مع الله) !!!

فيجب أن نعلم أن الكنيسة (أي كل عضو يؤمن وينضم بالسرّ لجسد المسيح الممتد عبر العصور والأزمنة) هي مرآة الثالوث، نرى فيها انعكاس الحياة الإلهية والوحدة والشركة والتمايز، ومخدعنا السري يقوي شركتنا مع الكنيسة لأننا نقف أمام الله الحي القدوس بالتوبة لينقي القلب كل يوم ويقدس النفس، وينضح على الجسد طهارة خاصة، ويشعلنا سراً بالمحبة المتدفقة منه في المحبوب يسوع بالروح القدس، فنتقوى جداً ونستوعب سرّ الشركة ونحياها، فنذهب للكنيسة بلهفة وشغف، ونحيا جو شركة المحبة مع جميع أعضاء الجسد الواحد الذين لهم نفس ذات المخدع الحي، ونأخذ جميعنا غذاء كلمة الحياة في سرّ لقاء المحبوب وسطنا ونقتات على الخبز الحي النازل من السماء ونتمتع بشركتنا مع الثالوث القدوس عملياً في حياتنا الشخصية على أرض الواقع، فنصبح صورة الله فعلاً ومثاله الخاص أمام الجميع بسرّ التقوى في طاعة الإيمان وحفظ الوصية بتطبيقها عملياً في حياتنا اليومية، وكل من يرى أعمالنا الصالحة يمجد أبانا الذي في السماوات...
وهبكم الله هذا السرّ العظيم الذي للحياة والتقوى لتدخلوا فيه وتتذوقوا كم هو الرب صالح ويكون لكم باسمه حياة لا تزول، فرح شركة الثالوث القدوس تملأ قلوبكم آمين
 
التعديل الأخير:
أعلى