الصعوبات التي تقف ضد فهم الإنسان للثالوث: خطيئة الموحدين والفلاسفة والمفكرين وما هي طبيعة الله

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
تابع بعض الصعوبات التي تقف ضد معرفة الإنسان للثالوث القدوس
خطيئة الموحدين والفلاسفة والمفكرين وما هي طبيعة الله
للرجوع للجزء الرابع أضغط هنـــــــــــــا


يا إخوتي الأحباء في الرب، عندما انتشرت في الأزمنة السابقة دعوة الغنوصيين الذي أساس جوهر إيمانهم الخلاص بالمعرفة العقلية، وتبعها بعد ذلك دعوة الموحَّدين بالله، على أساس أنه واحد أحد، بمعنى الواحد المجرد كرقم واحد عددياً، وبتجريد الله من طبيعته لحصرها في الرقم الواحد كعدد لنفي أن يكون له آخر عددي بزيادة الأرقام وتعدادها، سقط الناس في خطية مستترة لا يعرفوها، فقد وقعوا في خطية معرفة الله بالعقل الإنساني وحده، وبذلك وُلِدَت معرفة عقلية بلا حياة حوَّلت الله إلى قضية فكرية فلسفية مغلقة تحدده كواحد رقمي مجرد، وتخلع عليه ما تشاء من صفات حميدة يتصورها الإنسان بحسب ظنه الخاص وبحسب مبادئ المجتمع الذي يعيش فيه، لذلك نجد عند كثير من العقائد أنها مرتبطة بطبيعة المكان الذي نشأت فيه، ومن هنا اصبحت الشريعة، شريعة الإنسان الذي يعتنقها، هي قانونه الخاص الذي منها يحكم على الله وطبيعته الخاصة، وبها ينحصر ما بين الحرام والحلال الذي يراه واجب انطلاقاً من معرفته العقلية التي حددت ما ينبغي أن يكون الله عليه وفيه وما لا ينبغي أن يكونه!!!

والشريعة التي مصدرها القانون الجامد الذي انحصر في الله المتجمد في الرقم، هي شريعة عمياء لا ترى الشخص، مثل رؤية الشريعة المتجمدة في عقلية الدينيين الذين لا يرون إنسانية الإنسان، بل من خلال الشريعة والقانون يرونه كشيء، فهم يرون بالشريعة التي ترى الرذائل والخطايا وتعاقب عليها، وهي بذلك تحول الشخص إلى مجموعة من الصفات التي تقيس بها حياته ولا تنظر إلى إنسانيته وطبع جوهره الخاص، لأن الله في هذه الحالة هو أيضاً تحول إلى مجموعة من الصفات الحسنة مقابل الصفات السيئة التي في الإنسان، وحينما تحدث المقارنة يتم العقاب حتى لو كان هناك أمل في إنسان ممكن أن يتغير، ولكن بكون الشريعة جامدة كجمود الواحد الجامد، فهي تحكم بدون أن ترى الجوهر بل تنظر الشيء من الخارج فقط وتقولبه في قالب قانونها الحاكم الذي يُشيء الناس أي تحسبهم أشياء يجب التخلص منهم أو الاحتفاظ بهم بحسب ما يتفقوا فكرياً معها أو يختلفوا !!!


لذلك الله الجامد المحصور في الرقم وتحت قانون اسمه شريعة تخضع للفكر الإنساني والفلسفة العقلية فهو إله العبودية الذي يخلق الإنسان ليسخره لعبوديته ويحصرة في شريعة ومبادئ جامدة لا تعرف الحرية بل تُقيدها، وهذا أفقد الإنسان الرؤية الصحيحة لله الذي لا يحتاج لعبودية من أحد لأنه كامل في ذاته لا يحتاج لشيء يضاف إليه من خارج، أو أنه خلق الإنسان لكي يتمتع بنعمة وجوده، لأن هذا تجريد أيضاً للإنسان وحصره في جمود العزلة، فكل واحد في مكانه لا يذهب للآخر، فالله في السماء يبقى فيها والإنسان على الأرض يبقى فيها، وكل إنسان في مكانه يبقى فيه، وان تحرك نحو آخر لابد من أن يكون متفق معه ويخضع لفكرة المقيد بشريعة العبيد الخاضعين للفكر الواحد الجامد الذي يحكم بمقاييس لا تعرف الحرية، وهناك هوة سحيقة تفصل بين ما هو إنساني وما هو إلهي !!! بل ولو تحرك الله وكلم الإنسان فأنه يضع شوية أخلاق ومبادئ لتصبح قانون يحكم على الإنسان يا إما للموت لأنه فاسد يا إما أنه صالح، وكلاهما يشيئان الإنسان ويصبح عبارة عن شيء فيه شوية صفات حسنة يا إما سيئة، فيستحق الموت يا أما يترك حياً كما هو !!!
وعلى ضوء كلامنا نستطيع الآن أن نسال سؤال هام للغاية: فأن كان الله ليس واحد عددياً ولا هو ثلاثة عددياً، بل ولا يخضع لرقم ولا لتعداد، وليس هو مجرد صفات حسنة وجيدة بمعنى الشيء، ولا هو مجرد أفكار وعقائد مشروحة من الإنسان حسب تصور كل واحد وكل واعظ، وأيضاً كل فيلسوف وعالم، فما هي طبيعته وماذا نقول عنه !!! من هو الله !!!

بالطبع بعد هذا السؤال الذي قصدت به أن أضع عقل كل واحد في حيرة شديدة (وهذا ليس قصد مني ولكنه واقع عملي نحياه في حياتنا اليومية)، بعدما رأينا في كل الأجزاء السابقة فساد الأرقام وكل ما يظنه الإنسان عن الله بعقله وفكره وفلسفته بل وحسب عقيدته الراسخة في فكره بدون حياة تلمس وجدانه الإنساني فيحيا حسب طبع خلقته ويصبح شخص وليس شيء، أقول لكم يا إخوتي :
عندما نتحدث عن طبيعة الله يجب أن يكون في أذهاننا دائماً أننا لا نتحدث عن شيء اسمه الله، ولا نتكلم عن فكرة ونظرية بل نتحدث عن شخص حي يفيض حياة، هو بذاته حرية ومحبة متقدة تفوق كل القواعد وتعلو على كل النصوص والشرائع والأفكار وظنون الإنسان، هو صورة من سر الوجود الأزلي، الذي من فيض حبه وسرّ الحياة التي فيه والتي لا تُفحص فاض بغنى صلاحه بخلق كل شيء بصورته الأزلية ونفخة روحه، ولذلك فهو لا يُعرف قط بالمعارف الإنسانية الطبيعية، بل بالمعرفة النابعة من الحياة في الشركة.

وحينما أعلن وحدانية ذاته لم يعلنها كشيء أو معلومة أو فكرة أو مبدأ أو مجرد قانون تشريعي، بل محبة، ولنصغي بتدقيق لما قاله الله لإسرائيل عن وحدانيته الصحيحة: [ أسمع يا إسرائيل الرب إلهنا ربٌ واحد. فتحبالرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك ] (تثنية6: 4 – 6)، أنتبهوا بشدة للألفاظ التي تخرج من فم الله بصورة بشرية لا في حرفيتها إنما في جوهرها: [ رب واحد = فتحب ]، فالوحدة الحقيقية في الله وحدة حب، مستحيل تُعرف وحداينة الله ولا ينتج عنها حب، الوحدانية وحدة حب؛ لذلك المسيح الرب كلمة الله وصورة أزليته الذي به خلق كل شيء، حينما ظهر في الجسد في ملء الزمان أعلن التوحيد الصحيح، أي توحيد الشركة، وتوحيد الشركة هو المحبة الذي يحفظ تمايز الله عن الخليقة رغم وجودها وشركتها في الله، لأننا [ به نحيا ونتحرك ونوجد ] (أعمال17: 28)...

لذلك فأن وجودنا الحقيقي هو وجود من الجود الإلهي وفيض من صلاحه، وحياتنا من النعمة الإلهية، وحركتنا من المحبة وإلى المحبة وبالمحبة، لنكون قائمين وساكنين في المحبة، لذلك حينما أظهر الله ذاته، أظهرها محبة [ الله محبة ] والمحبة في الله ليست صفة بل طبيعة، جوهر، لأن الله جوهر وحدانيته المحبة، فهو أقنوم قائم في المحبة، أي ثلاثة أقانيم في جوهر المحبة الواحد، لذلك لا نصف أحد الأقانيم بالمحبة كما يظن البعض ممن شوهوا الثالوث وقالوا أن الله الآب العدل والابن المحبة، فأفسدوا وحدة الجوهر بلا وعي أو دراية، وجعلوا المحبة مجرد صفة من صفات الله، ويا للكارثة المفجعة لأنهم لم يعرفوا بعد طبيعة الله، فالثالوث محبة لأن هذا هو جوهره، بل ووحدة جوهره.

فالمحبة يا إخوتي هي جوهر معرفة الثالوث القدوس، لأن الله لا يخضع لطبيعة اسمها الطبيعة الإلهية المشروحة بالفكر والتي تقع تحت القانون الذي نحدده عن الله ببعض الصفات، فنلغي الله كشخص ونحده في جود الأرقام والتوحيد المفتقد للجوهر والذي يستمد قوته من تشييء الشخص وتجريده من جوهره، ونحصره في جدل عقلي عقيم لنثبت أصحية اعتقادنا عنه، مع اننا لا نعرفه لأننا نحيا خارجاً عنه كمجرد أشياء لها صفات تقع تحت قانون العقوبة والمكافئة، مثل أي عبد ليس له قيمة حقيقية !!!

فالمحبة تعلن لنا أبوة الله في بنوة الابن الوحيد بروح الحياة الروح القدس، أي تُعلن في شركة الأقانيم التي لا تُعد حسب قانون الرقم الجامد في وحدة عزلة الواحد، بل تظهر وحدة الجوهر في المحبة...

المحبة جوهر الله ليست هي مجرد انفعال عاطفي كما نظن، بل هي حياة الله التي تسمح بالشركة بدون أن تهدم أو تقضي على الإنسان. هي شركة لا يُمكن للفلاسفة او الموحدين بالفكر أو العقيدة التي تحت شريعة القانون أن يدركوها، لأنها شركة محبة وليست شركة طبيعة يدركها العلماء والمفكرين تحكمها القوانين ...

ومن هنا نستطيع أن نفهم لما كُتب بإلهام الروح في الإنجيل: [ لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية (يو3: 16)، وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يو1: 12)، الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله (رو8: 16)، أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه (1يو3: 1)، بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا احببنا الله وحفظنا وصاياه (1يو5: 2) ]
أرأيتم سر طبيعة الله في جوهر المحبة التي منها تنسكب حياة الله فينا ليكون لنا شركة، فانظروا قول الرسول الذي تشبع من المحبة ماذا يقول لنا في كرازة حية بأقنوم حي: [ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فأن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركةمعنا وأما شركتنانحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملا. ] (1يو1: 1 – 4)، لذلك يقول القديس أغريغوريوس: [ الثالوث فرحي ]

لذلك يا إخوتي نحن نتحرك بيولوجياً في العالم حسب طبيعة الجسد، ونتحرك روحياً في الإنسان الباطن من الداخل (1بط3: 4) نحو غاية حياتنا شركة المحبة في الله الواحد وحدانية الحب، ولنا الآن ان نفهم قول المسيح الرب الذي أعلنه في الجلجثة قائلاً: [ ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني. وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما احببتني. وعرفتهم أسمك و سأُعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم ] (أنظر يوحنا 17 للضرورة)

فانظروا يا إخوتي واعلموا أن المحبة لا تخرج خارج دائرة الثالوث القدوس، أي داخل الله، الآب أصل كل أبوة ونبعها الحرّ والمطلق يحب الابن أصل كل بنوة، وهو من نفس ذات جوهره والشريك معه في الربوبية من جهة أنه واحد معه مولود منه بفعل أزلي أي خارج منه باستمرار كخروج النور من النور المساوي له، والروح القدس روح الحياة المنبثق من الآب باستمرار بلا توقف، روح الآب روح الابن، تيار الحب في الله الحي، ومن هذا التيار، تيار المحبة فاض الله بصلاحه وجوده بالخلق لكي يُدخل الإنسان في تيار شركة المحبة....

فالجود الإلهي الذي أنعم علينا بالوجود، أنعم علينا بموهبة النطق وبنعمته الإلهية، ووهبنا حياة كصورته ومثاله، وبمحبته المتقدة وهبنا أن نكون مثل الابن الوحيد لكي يكون هو [ بكراً بين إخوة كثيرين ] (رو8: 29)، من أجل ذلك أتخذ جسد حسب التدبير ليلبس جسم بشريتنا لكي يدخلنا إلى داخل دائرة المحبة بعد أن سقطنا من الحياة الأبدية في شركة الله، ودخل الموت إلينا والخطية جعلتنا مجرد أشياء وجردتنا من الحياة الإلهية ففقدنا كل معرفة لله الحي من جهة طبيعته البسيطة القائمة في جوهر المحبة التي بها ومنها نعيش...



باعتذر عن التطويل وسوف نتكلم في الجزء القادم عن مشكلة المخيلة
وعطية المعرفة الحقيقية لله الحي، كونوا معافين باسم الثالوث الواحد
 
التعديل الأخير:
أعلى