إلة غيور _ أوريجانوس

إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
إلة غيور _ أوريجانوس

Divorce.jpg
إلــــه غيـــــور
العلامة أوريجانوس

"لأني أنا الرب إلهك إله غيور" (خر 5:20). تأملوا لطف الله وحنانه! هو نفسه يتخذ ضعف الطباع الإنسانية لكي يعلمنا ويجعلنا كاملين. لأنه مَن منّا لا يندهش عندما يسمع عبارة "الله غيور"، ويفكر في نقص الضعف الإنساني؟ لكن الله يفعل كل شيء ويتحمل كل شيء من أجلنا. لذا، يمكننا أن نفهم أنه يتكلم هكذا مستخدماً الطباع المعروفة والمألوفة لدينا.

دعونا نرى إذاً، ماذا تعني هذه العبارة: "أنا إله غيور".


وحتى يمكننا أن نتأمل بسهولة في تلك الأمور الإلهية، دعونا نسترشد بالأمثلة الإنسانية - مثل التي ناقشناها من قبل. أي إمرأة أمّا أن تكون لها زوج وتخضع لنواميس الزوج، أو زانية وتستعمل حريتها للإثم. الرجل الذي يزور زانية يعلم أنه قد زار إمرأة زانية، مُتاحة لكل من يرغب، ولذا لا يمكن أن يغضب إذا رأى عشاق آخرين أيضاً معها. لكن ذلك الشخص الذي يتبنى الزواج الشرعي لا يسمح لزوجته بإستعمال قدرتها على الإثم. لكنه يلتهب بالغيرة لكي يُحافظ على نقاوة زواجه، الذي بواسطته يستطيع أن يصير أباً شرعياً.




من خلال هذا المثال، دعونا نستنبط أن كل نفس (خاطئة) ترتكب الزنى مع الشياطين ويكون لها عشاق كثيرين، الآن يدخل إليها روح الزنى، وعندما يتركها هذا الروح، يدخل روح الجشع، بعد ذلك يأتي روح الكبرياء، ثم الغضب، ثم الحسد، ولاحقاً روح المجد الباطل، وأرواح أخرى كثيرة. كل أولئك يرتكبون الزنا مع النفس الغير أمينة. الواحد منهم لا يحسد الآخر، ولا يتحرك أحد منهم بالغيرة تجاه الآخر. ولماذا أقول أن الواحد لا يمنع الآخر؟ بل على العكس، هم يدعون أحدهما الآخر، ويستدعون بحرية بعضهم بعضاً، كما تكلمنا قبل قليل عن المكتوب في الإنجيل، فيما يخص هذا الروح النجس الذي خرج من الإنسان، وعندما رجع أحضر معه سبعة أرواح أُخر أشرَّ منه، فتدخل وتسكن في نفس الإنسان في نفس الوقت (لو 11). هكذا نرى أن النفس التي تزني مع الشياطين لا تواجه أي غيرة بين عشاقها.


لكن إذا أتحدَّت النفس مع زوج شرعي، مع ذلك الزوج الذي معه يوحِّد بولس النفس البشرية في إرتباط زواج، كما يقول هو أيضاً: "لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2) - ويتكلم مَثل "عُرس ابن الملك" في الإنجيل (مت 22) عن الموضوع نفسه - ومن ثم، عندما تعطي النفس ذاتها للزواج من هذا الزوج وتحصل على زواج شرعي منه، لا يكون مسموح لها بأن تخطئ مرة أخرى - حتى ولو كانت خاطئة في وقت ما، حتى ولو كانت زانية قبلاً - بما أنها سلَّمت ذاتها لهذا الزوج. لا يمكن السماح للنفس التي صار لها زوج أن تعبث مرة أخرى مع الزناة. إذ إن غيرة الزوج سوف تُثار عليها، ويدافع عن نقاوة زواجه.


لقد قيل عن الله أنه إله غيور، لأنه لا يسمح للنفس الخاضعة له بأن تختلط مع الشياطين. خلافاً لذلك، إن رأى الله أن النفس تنتهك حقوق الزواج، وتغتنم الفرص لعمل الخطية، يعطيها آنذاك - كما هو مكتوب - "كتاب طلاق"، ويطردها قائلاً: "أين كتاب طلاق أمكم التي طلقتها" (إش 1:50)، ويضيف أيضا: "هوذا من أجل آثامكم قد بُعتُم، ومن أجل ذنوبكم طلقت أمكم" (إش 1:50). ذاك الذي يقول هذه الأشياء هو غيور، ولكونه يتحرك بالغيرة يقول مثل هذه الأشياء، لأنه لا يريدنا أن نُخطئ أكثر، بعد الاعتراف بشخصه، وبعد الاستنارة بالكلمة الإلهية، وبعد نعمة المعمودية، وبعد اعتراف الإيمان، وبعد أن تثبَّت الزواج بمثل هذه الأسرار العظيمة.


أنه لا يسمح للنفس التي عريسها أو زوجها هو ذاته أن تعبث مع الشياطين، وأن تزني مع الأرواح النجسة، وأن تتمرغ في النجاسات والشرور. بل حتى وإذا حدث للأسف مثل هذا الأمر أحياناً، هو يرغب على الأقل أن تتغير سريعاً وترجع وتتوب.


لأن هذا هو غنى صلاح الله، أنه حتى بعد ارتكاب الزنا، هو مع ذلك يقبل النفس التي ترجع وتتوب من كل القلب، كما يقول أيضاً من خلال النبي: "إذا طلَّق رجل امرأته فانطلقت من عنده وصارت لرجل آخر، فهل يرجع إليها بعد؟ ألا تتنجس تلك نجاسة؟ أمَّا أنتِ فقد زنيت بأصحاب كثيرين! لكن ارجعي إليَّ" (إر 3: 1). ويقول نفس الشيء في موضع آخر، قائلاً: "هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل؟ انطلقت إلى كل جبل عالٍ، وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك فقلت بعد ما فعلت كل هذه: ارجعي إليَّ. فلم ترجع" (إر 3: 6-7).


في هذا الأمر "الله غيور"، إن طلب الله ورغب أن تلتصق نفسك به، إذا خلَّصك من الخطية، إذا وبَّخ، إذا أدَّب، إذا إستاء، إذا غضب، وتبنى - إن جاز التعبير - نوع من الغيرة نحوك، أعلم أن هناك رجاء في خلاصك.


لكن إن لم ترجع إلى صوابك متى عوقبت، إن لم تصحح من نفسك بعد أن تم توبيخك، إن كنت تستخف وتتزمر متى ضُربت، أعلم أنك إذا أستمريت هكذا في خطيتك، سوف تغادر غيرته منك، فيقال لك ما قيل لأورشليم بواسطة حزقيال النبي: "أحِل غضبي بك فتنصرف غيرتي عنك" (حز 42:16).


إنظروا شفقة ورحمة إلهنا الصالح، عندما يرغب في أن يكون رحيماً، يقول أنه غاضب ومستاء، كما يقول بواسطة إرميا: "تأدبي يا أورشليم، بالألم والضربة، لئلا تتحوَّل عنك نفسي" (إر 6: 7- 8). لنفهم هذه الكلمات، إنه صوت الله المملوء بالشفقة عندما يكون غاضب، عندما يكون غيور، عندما يجلب الألم والضربات، "لأنه يجلد كل ابن يقبله" (عب 6:12).


من الناحية الأخرى، أتريدوا أن تسمعوا صوت الله الرهيب عندما يكون غاضب؟ اسمعوا ما يقوله بواسطة النبي. عندما عدَّد الكثير من الخطايا المقيتة التي ارتكبها الشعب، أضاف هذه الكلمات أيضاً: "لذلك لا أعاقب بناتكم لأنهن يزنين، ولا كنّاتكم لأنهن يفسقن" (هو 14:4).


هذا الأمر فظيع!


هذه هي النهاية عندما يتوقف عن توبيخنا على الخطايا، عندما نتعدى بالإثم ولا يتم تصحيحنا بعد. لأنه آنذاك عندما نكون قد تجاوزنا الحد في الخطية، ينزع "الله الغيور" غيرته بعيداً عنا، ويقول:


"أحِل غضبي بك فتنصرف غيرتي عنك" (حز 42:16).







Reference: The Fathers of the Church Series, Volume 71, Origen, Homilies on Exodus, CUP.


993479547978465629-2977982990135246737
 
أعلى