ما بين كلام الحكمة الإنسانية المقنع وشرح الإنجيل بقوة الله - الإنجيل الحي

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
[FONT=&quot]في كنائسنا الشرقية عادة، عندما يحين وقت إعلان كلمة الله وسط المؤمنين الحاضرين، أولاً يقال الثلاثة تقديسات [ قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت ... الخ ] وتُقال بعدها أوشية الإنجيل ثم يقول الشماس : [ صلوا من أجل الإنجيل المقدس فيقول الشعب كله يا رب أرحم .. ]؛ وللأسف الناس لا تفهم معنى صلوا من أجل الإنجيل المقدس وكل واحد وضعها في ذهنه حسب تصوره الخاص وساعات يسرح ليصلي لأجل أي موضوع هو منشغل بيه، وبحكم العادة لم ينتبه أحد لمعنى اللفظ ولا الهدف من الكلام في الكنيسة، لأن الهدف أن نصلي من أجل الإنجيل المقدس، هو أن نُصلي من أجل أن تنغرس الكلمة التي تخلص النفس فيُثمر الإنجيل في حياتنا، وأن يصير لنا نوراً يهدي سبيلنا.
فالقصد أن نُصلي لكي نفهم ونعي كلمة الإنجيل بقلوبنا ونسمعها بآذاننا الروحية لكي نطيعها لتصير هي نفسها نور حقيقي لنا، ومن ليس له القدرة على سماع طبقة رنين كلمة الله فليطلب لكي يفتح الرب له ذهنه كما فتح أذهان التلاميذ ليفهموا الكتب...
[/FONT]

[FONT=&quot]ثم بعد ذلك يدعو الشماس الإنجيلي الحي بروح الكنيسة، جميع الحاضرين إلى الوقوف لسماع الإنجيل المقدس بكل مهابة بتقوى [ قفوا بخوف من الله لسماع الإنجيل المقدس ]، فيقف كل من في الكنيسة من الصغير للكبير على حد السواء، يقف بانتباه ولا يمشي ولا يتكلم ولا يشغل ذهنه بأي شيء قط حتى ولو بالصلاة، وذلك لسماع كلمة الله في تقوى ومهابة تُعظم اسم الرب الذي سيعلن لنا بشخصه ويُكلمنا في إنجيله في تلك الساعة، فيحني الجميع رأسه كعلامة خضوع وقبول باحترام شديد وإكراماً لكلمة الله، ويرسمون ذواتهم بعلامة الصليب بمهابة قائلين [ المجد لك يا رب ] ويصمتون تماماً ويصغوا بدقة لكل كلمة تخرج من فم الكاهن أو الشماس لأنها كلمة الله المنطوقة بروح الله، وعلى الشماس أو الكاهن أن لا يتسرع في الكلام وأن يكون كلامه واضح للسامعين ومدققاً في الألفاظ متدرباً على النطق الصحيح بكل هيبة ومخافة وتقوى وقداسة؛ وطبعاً لازم يكون له شركة مع الله ومتقدم للخدمة بتوبة قلب صادق صريح في الإيمان...[/FONT]

  • [FONT=&quot]عموماً الكنيسة تفعل كل ذلك لا من أجل روتين طقسي كما يظنه البعض، ولا مجرد أفعال طقسية شكليه نتململ من تكرارها، أو لكي تكون شكل صوري كمجرد واجب عليها وعلى شعب الكنيسة عموماً، أو نوع من أنواع البركة التي يظنها البعض أن مجرد حضوره القداس يأخذ بركة، بدون أن يدخل لسرّ القداس الإلهي ويحيا في شركة تُترجم في حياته على مستوى الخبرة لحياة يحياها تظهر نور الله حتى يراه الجميع يشع منه بتلقائية بدون تكلف أو تصنع بل طبيعياً حسب ما نال من نعمة...[/FONT]

  • [FONT=&quot]الإنجيل يا إخوتي هو نورنا الخاص، نورنا الحقيقي وحياتنا الشخصية، لأن الرب يسوع المسيح عندما يهب لنا ذاته وينسكب لأجلنا في كلمات بشرية وفي أحداث حياته على الأرض التي سجلها لنا الإنجيل، إنما ينقل إلينا حياته ونوره الذاتي، كما قال هو عن ذاته: [ أنا هو النور ... الطريق... الحق ... القيامة والحياة... ]، فالله بعدما كلم الآباء قديماً بالأنبياء مراراً عديدة وبشتى الطرق، كلمنا نحن في الأيام الأخيرة بشخص ابنه الوحيد الذي هو ضياء مجده الخاص وصورة جوهره وضابط كل شيء بكلمة قدرته، [ نور أشرق في الظلمة للمستقيمين، هو حنان ورحيم وصديق ] (مزمور 112: 4)، [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6)[/FONT]
[FONT=&quot]فالإنجيل هو إشراق نور الآب في وجه يسوع، يشع فنؤمن ونستنير [ مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين ] (أفسس 1: 18)، فاستنارة الذهن لا تأتي بالمعلومات ولا بقراءة الكتب والتفاسير (رغم ضرورتها للمستنير)، لأن المعرفة بدون أن تتحول لحياة فهي تنفخ وتُسقط الإنسان في عزلة عن الله ويظن أنه يعرف الرب ويُعلِّم ويُرشد الآخرين، ولكنه بعيد عن نور الروح القدس الذي وحده من ينقل الكلمة ويشرحها ويقود النفس نحو نبع الحياة الأبدية، لأن كلمة الله كُتبت بإلهام الروح نفسه شارحها ومعطي سرها لمن يفتح قلبه بإيمان حي بسيط طالباً نور الله المُشرق ...[/FONT]

[FONT=&quot]ولذلك فإن كلمات الإنجيل ليست بحاجة إلى تفسير بشري، لأنها تصل إلينا وتلهمنا بقوتها بسرّ حضور الروح القدس فيها، فمن البديهي أن اللاهوتيين ومفسري الكتاب المقدس والمؤرخين بوسعهم جمع معلوماتهم لتوضيح تركيب الجُمل والألفاظ وشرح معنى الأدب الكتابي (وهذا ضروري ونافع لنا جميعاً)، ولكن ستظل تفسيراتهم لا قيمة لها إن لم تنسجم مع الأنشودة الحية التي تأتي بروح قيامة يسوع في كل قلب إنسان وفي كل تراث الكنيسة الجامعة الحي بالروح، والتي هي [ أين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية – بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية ]، وطبعاً هذه الأنشودة ليست كلام يُقال ولا مجرد هتاف صادر من معلومة وفكرة عرفناها، بل هو نشيد قلبي بإيمان حي لمن تذوق خبرة القيامة مع المسيح يسوع وعاش بها كقوة ترفعه فوق الموت، فيها يقبل أن يحمل الصليب مستهيناً بالخزي حاسباً أن عار المسيح الرب أفضل من كل غنى العالم والتمتع الوقتي بالخطية التي أجرتها موت، لأنه ليس لديه أدنى استعداد على أن يتخلى عن الحياة التي له في المسيح [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ] (رومية 8: 2)...[/FONT]


  • [FONT=&quot]عموماً أن كل ما يستطيع البشر أن يقدموه من تفسيرات لكلمة الله، هو دائماً محدود ومرتبط بما لديهم من أفكار خاصة، وكل غرضها أنها توضح الكلام وتفسر الغموض الذي حوله لكي يفهم كل قارئ ما غمض فيه من ألفاظ ومعاني، أما أفكار المسيح الرب المستترة في كلمته تقودنا دائماً إلى التقديس والشركة لكي نرتفع بسرّ النعمة إلى الله ونلتصق به فنصير معه روحاً واحداً: [ والتصق بالرب ولم يحد عنه، بل حفظ وصاياه التي أمر بها الرب موسى ] (2ملوك 18: 6)؛ [ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كورنثوس 6: 17)، وهذا الفرق بين كلام الناس وشروحاتهم وبين كلمة الله وقوتها في داخل النفس التي تؤمن !!! الأولى تعطي معلومة وفكرة، والأخرى تعطي حياة وشركة !!![/FONT]

[FONT=&quot]أفكار المسيح الرب تشع حياة، وأفكار الناس والأشخاص تعطي مجرد معرفة وهي خطوة أولية ولكنها ليست كل شيء، بل بداية فقط للدخول لعمق آخر فيه نسمع كلمة الله من فم الله بالروح بأذن مختونة ختان غير مصنوع بيد بل بالروح القدس في الحق، وبهذه الطريقة تصير أفكار المسيح الرب تنقية لكل الأحداث والوقائع لتصل لنا بمفهومها الصحيح والدقيق، وتتحول فينا غذاء للحياة في أبعادها التي لا تُحصى، لأن الرب يسوع كإله متجسد دخل للتاريخ ورفعه للأبدية بسر عظيم لا يفهمه سوى من آمن فرأى بسرّ قيامة يسوع كل الأحداث الإنجيلية بالروح.[/FONT]

[FONT=&quot]فالمسيح الرب هو وحده يعمل في الإنجيل كالحَكم الأول والأخير في التقدير والتقويم، في الإعلان وانسكاب الحياة، في الفهم والمعرفة التي للحياة والدخول في الشركة، لذلك هو وحده يستطيع أن يوضح رسالته ويُفسرها بروحه الذي يفحص أعماقه، ففيه وبه وحده يتضح كل شيء على المستوى الإلهي، وعلى هذا المستوى الإلهي تأتلف كل أفكار الكتاب المقدس وتتضح لنا كل معانيها وأبعادها حسب القصد الإلهي.[/FONT]


  • [FONT=&quot]فانتبهوا يا إخوتي واصغوا لصوت الروح بتدقيق، أن عمل الرب يسوع كله مرتكز على أن يعطينا حياة باسمه ويدخلنا في سر شركة الثالوث القدوس بالنعمة ويصبغنا بصبغة الفضائل الإلهية ليكون طبعنا سماوي يقبل حياة الله في باطنه، لذلك تعاليمه كلها رهبة تشع قداسة ونور يبدد الظلمة من داخل كل نفس تسمعها كما هي حسب قصد الله، بحيث لا يسع من يسمعها (بالروح وبآذان قلبه الروحية) إلا أن يقف أمامها بدهش متلقف سرّ الحياة الكامن فيها، ويدع كيانه كله يتشرب منها، فيصير حكيماً ناطقاً بسر هذه الحياة في تعليم إلهي حي حسب مقاصد الله ويستحيل أن ينجرف وراء الباطل أو يضل عن الحق المعلن في الإنجيل، لأنه تشرب بالحق من كلمة الله التي تُنير العينين، وهذه خبرة عميقة تأتي وتحل في قلب الأطفال الصغار الذين ليس لهم حكمة الفكر المُبطل لكلمة الله، لذلك قال الرب: [ الحق أقول لكم أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات ] (متى 18: 3)...[/FONT]
[FONT=&quot]لذلك أخطأ الكثيرين في الشرح حينما وصفوا اللوغوس (الكلمة) في إنجيل يوحنا على أنه عقل الآب مستندين على المعنى الفلسفي في القواميس بدون أن يلتقوا باللوغوس نفسه ليعرفوه إله حي يشع حياة ويعطي ذاته لينال الإنسان حياة باسمه، لأنه هو من يشهد لذاته ويعرف نفسه لأنه فوق القواميس والفهارس والمعاجم التي حسب أفكار الإنسان ومنهجه الضعيف لأن من عنده أقوال الله بالروح يستطيع أن يفهم ويشرح أسرار الله وأقوال الروح؛ [ وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة ] (1كورنثوس 2: 4)

فانتبهوا يا إخوتي لله لا للناس، وتلقفوا منه التعليم بالروح القدس حتى تستنيروا بنوره فيدخل الفرح قلوبكم بفلاحة الله الذي يغرس كلمته في النفس ويسقيها فتُثمر لحساب مجده فينا كلنا: [ لذلك اطرحوا كل نجاسة وكثرة شرّ، فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تُخلِّص نفوسكم ] (يعقوب 1: 21)، آمين
[/FONT]​
 
التعديل الأخير:

ابن يسوعنا

انا ابنك وملكك
عضو مبارك
إنضم
25 يوليو 2013
المشاركات
7,874
مستوى التفاعل
1,839
النقاط
113
رائع جدا يا استاي
شرح مبسط
وخصوصا كلمة لوجوس
عن انجيل يوحنا في الاصحاح الاول والعدد الاول
في البدء كان الكلمة والكلمة في لغتها الاصلية تعني لوقوس وفي سياق الاية
تعني الله او الطبيعة الالهية
توضيح رائع جدا
الرب يبارك تعبك
 
التعديل الأخير:

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
تقصد في البدء كان الكلمة مش كانت الكلمة...
نشكر الله يا غالي لأنه بيوعينا ويفهمنا ويُعلمنا كلنا ليصحح مسيرتنا ويضبط حياتنا في التقوى، كن معافي

 
التعديل الأخير:

ابن يسوعنا

انا ابنك وملكك
عضو مبارك
إنضم
25 يوليو 2013
المشاركات
7,874
مستوى التفاعل
1,839
النقاط
113
صلحتها يا استاذ ايمن
 

soul & life

روح وحياة
مشرف سابق
إنضم
28 نوفمبر 2011
المشاركات
10,525
مستوى التفاعل
2,999
النقاط
113
الإقامة
باريس الشرق
موضوع جميل استفدت منه كتير
شكرا استاذ ايمن الرب يباركك
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
موضوع جميل استفدت منه كتير
شكرا استاذ ايمن الرب يباركك

ويبارك حياتك يا رب
ولنُصلي لأجل بعضنا البعض
النعمة معك آمين
 

اليعازر

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
17 أكتوبر 2010
المشاركات
3,407
مستوى التفاعل
709
النقاط
0
شكرا للكﻻم المفيد
شكرا للشرح المبسط
ربنا يباركك.
.
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
ويبارك حياتك أخي الحبيب
ولنُصلي بعضنا لأجل بعض
النعمة معك
 
أعلى