تابع الأخطاء الثلاثة التي يقع فيها الإنسان البعيد عن الثالوث (2)

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
إخوتي الأحباء قد بدأنا موضوعنا بمقدمة الرجاء العودة إليها ( أضغط هنــــــــــــــا) وقراءتها بتدقيق لفهم هذا الموضوع لا للمعرفة وحفظ معلومات إنما للخبرة والحياة والدخول في شركة حقيقية مع الله الحي، وأرجو متابعة روح الموضوع في مضمونة وليس في حرفيته، مع رجاء أن لا يقتطع أحد جزء من الكلمات والجُمَل في غير سياقها ليجرنا في إشكالية ما فهمه هو ويضعه كأنه كلامي، فيخرج بمعنى آخر في غير ما كُتب فيه، فرجاء قراءة الموضوع متكامل بتدقيق شديد لفهم القصد العام من الكلام ثم قراءته مرة أخرى بدقة لفهم المضمون...

عموماً قد أنهينا الكلام في الجزء السابق بأننا سنتكلم عن الأخطاء الثلاثة التي يقع فيها الموحدين بالله توحيداً فكرياً جامداً، لا حسب إعلان الله عن ذاته، إنما على حسب خبرة الإنسان بين الواحد والمتعدد، لأن الإنسان حسب الله مثل حساب الرياضة والأرقام، فأطلق عليه الوحدانية عددياً كرقم، لذلك أُعثر طبيعياً حينما سمع عن الثالوث، لأنه وضعه في مقابل رقم واحد، وأن الله ثالث ثلاثة عددياً، وبذلك هو نفسه وقع في المحظور إذ أنه حدّ الله في رقم أيضاً، لأن واحد ليس أقل من ثلاثة، لأن طالما وضع لله رقم، وجعل وحدانيته شريطة رقم واحد، فقد حدّ الله وجعله في محدودية طبيعة فكر الإنسان الذي لا يعرفه كشخص حي وحضور مُحيي، لذلك تصور الله على أنه واحد مثل الإنسان الواحد كعدد، وحينما يأتي آخر معه يُضاف إليه فيصبحان أثنان وهكذا، ومن هنا ظن الكثيرين أننا كمسيحيين نُشرك بالله، ونقول أنه ثالث لثلاثة ...

عموماً الموحَّدين بالله توحيداً رقمياً عددياً، والمسيحيين أيضاً البعاد عن الثالوث القدوس، ولم يدخلوا بعد في سر الشركة إلى الآن، يدَّعون إن الإنسان خالد بالطبيعة وأن الله خلقه ليتمتع بالوجود، وكل البركات التي يحصل عليها هي بركات مادية، واحياناً ينظر الناس على أن المعجزات هي أساس الحق وإظهار قوته وفاعليته، ودائماً ما يفتخرون بها وتُصبح محور انشغالهم وحياتهم اليومية، ويعتقد معظم الناس اليوم أن الحياة الأبدية في النفس أو الروح الإنسانية، وبذلك وقع الكثيرين في ثلاثة أخطاء وهي خطايا ثقيلة صعبة تحرمهم من التوبة الصحيحة والشركة الحقيقية مع الله ورؤية الحياة الأبدية ونموها في داخلهم ...

فالخطأ الأول: هو تصوُّر هؤلاء أنه يوجد خلود خارج الله، لأنهم ظنوا أن الله يعطي خلوداً للنفس حسب أعمالها الصالحة، وهذا خلوداً لا يربط الإنسان بالله، بل يجعل الله في مكانه وأنا في مكاني، ربما نلتقي، فأسمع أوامر فأجاهد وأُطيعها وأصير ذات أخلاق وفضائل وهو بسبب طاعتي يُعطيني عطايا، لذلك يتحير الكثيرين ويعثرون في سفر التكوين ويقولون: لماذا الله لم يقل لآدم مغفورة لك خطاياك، ويمتد هذا الغفران ليشمل بعده كل الناس وأدخلهم ملكوته !!!

وكل هذا لأنهم نظروا للخلود منفصلاً عن الله كشركة، ونظروا للإنسان كمستقل عن الله، أي بدون الشركة في الله، لذلك كثيرين يرفضون كلمة [ في ] واهمين الناس أن معناها خطير لأننا لا نشترك في لاهوت الله، وهذه حقيقة لا جدال فيها بالطبع لأننا لا نشترك في لاهوت الله ونصير نحن آلهة بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن المقصود بكلمه [ في ] أي في داخل الله، أي أن نلبس الله، أي حياتنا مستترة مع المسيح في الله، وهذا ما نُلناه في المسيح، لأنه تجسد واتخذ جسدنا لنصير فيه، ويكون فينا، ليحملنا في ذاته ليدخلنا في داخل الله، بالاتحاد به، لذلك الذين في معزل عن الثالوث القدوس ولم يذوقوا خلاص الرب إلا في الفكر والنظرية، فاقتصر نظرهم على موضوع فكري جدلي، محورين الألفاظ لمعاني لم توجد فيها في الأصل والأساس، لأن اللاهوت اتحد بالناسوت بطريقة ما، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وهذا هو إيماننا الحي الذي نعيه جيداً ولا نخرج عنه قط، وحينما نقول أننا في المسيح أو في الثالوث أو لنا شركة في الله، لا نقصد المعنى المادي الفكري الذي يتخيلونه، مثلما ما فعل نيقوديموس في حديث الرب معه عن الولادة من فوق، فظل يتحدث نيقوديموس عن المعنى الحرفي للكلام ليدخل في إشكالية فكرية جدلية بعيدة عن قصد المسيح الرب تماماً، وظل الفكر النيقوديموسي في الكنيسة لهذا اليوم عند الكثيرين، وللأسف أغلبهم خدام، ولا عجب في ذلك لأن طالما الذهن غير مستنير فلا ننتظر أن يفهم أو يستوعب أسرار الله المُحيية، لأنه سيجردها من معناه ليدخل في جدل لفظي فكري يتعبه ويتعب الكثيرين، لذلك وقع كثيرين في هذه الورطة ولم يخرجوا منها لأنهم ظنوا أنهم في الحق قائمين، مع أن الواقع يقول أنهم لم يتذوقوا بعد الشركة مع الله وفي الله حسب إعلان الحق في التقوى، بسر الإيمان الحي الرائي الله ...

والخطأ الثاني: هو انحراف هؤلاء عن الحق، لأنهم يدَّعون إن الموت هو موت الجسد وحده فقط، وأن النفس طاهرة بالطبيعة لا تموت روحياً، في حين أن الموت الروحي ليس هو انحلال الجسد في الأرض، أي في القبر، كما يظن البعض، لأن ممكن الإنسان وهو حي في الجسد يحيا كميت، لأن الموت الحقيقي هو انقطاع الحياة عن الإنسان، وبقاء الإنسان في الموت إلى الأبد. وهنا واجب علينا أن نذكر أن الأبدية لا تُضاف إلى الموت، بل الموت هو رفض الإنسان للحياة، ولا أتكلم عن حياة الجسد، إنما حياة القلب من الداخل، أي حياة النفس، أي الموت الحقيقي هو رفض الحياة في الله، والحياة تكون مستقلة عنه في انفرادية لا تعرف للشركة طريق، وهو رفض يجعله كإنسان موحد بالله يحيا حسب إرادة الله وشرعه بدون نعمة الشركة، فليس الموت مثل الحياة يا إخوتي، لأن الموت معناه لا شركة، والحياة هي شركة مستمرة مع آخر تستمد منها القوة والعافية التي تحفظ الاستمرار والامتداد بلا توقف، وكما أن كل الكائنات الحية، بما فيها الشيطان الذي أصله ملاك وسقط، تحيا جميعاً بقوة وإرادة الخالق، وتبقى في الوجود حسب حدود الطبيعة التي خُلِقَت بها، إلا أن البقاء بإرادة الله ليس مثل البقاء بالإرادة وبنعمة الشركة، لأن الإرادة الإلهية هي أساس ثبات الكون وحياة الكل بما فيها الأشرار والأبرار، أما الشركة في الله، هي أيضاً إرادة إلهية ولكنها مشروطة بحرية قبول الإنسان لها لكي يعمل الله فيه ويدخله إليه: [ كل شيء قد دُفع إليَّ من أبي وليس أحد يعرف الابن إلا الآب و لا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يُعلن له ] (متى 11: 27)، فالإشكالية كلها هي في إرادة الإنسان يُريد أم لا يُريد، يُريد شركة في الله حقيقية، طالباً إعلان الله عن نفسه والدخول إليه بالطريق الذي حدده هو، أم يبحث ويُفتش عن الله ويحدد من ذاته كإنسان ما هي الطريق المناسب والغير مناسب للدخول في الشركة مع الله، ويحدد ما هي معرفته حسب المعقول والا معقول من وجهة نظره كما يظن أنها تُعبِّر عن إرادة الله وقصده، وأن هذا هو الطريق الصحيح والمستقيم، لأنه بحث وفتش وعرف واستنتج وتأكد من ذاته !!!

والخطأ الثالث: هو الوهم والظن الذي يجعل هؤلاء بلا إحساس روحي ورؤية داخلية حقيقية ملموسة، ويجردهم من معرفة الله كشخص حي وحضور مُحيي يُعلن عن ذاته بلمسات شافيه، لأن معرفة الله لا تأتي قط من تصور وخيال الإنسان، ولا من افكاره أو معتقداته وأبحاثه مهما ما كانت صحيحة ولا حتى بمجرد ميلاده في دين صحيح، بل معرفة الله الحقيقية تأتي بإشراق النور الإلهي، نور المعرفة الحقيقية التي تزرع في قلب الإنسان الشوق والحنين الدائم لخالقه الحبيب، وهكذا يعمل الروح القدس الرب المُحيي في الخليقة، إذ يدفعها بحنان وعطف نحو الآب حاملة وعابرة حدودها المسكينة الضعيفة متجلية بالكلمة (اللوغوس مسيح الله)، ويمنحها الكلمة [ أي المسيح الرب ] استنارة مع شوق المحبة بالروح لكي يتمجد الآب بالابن كخالق صالح أتى بها من العدم إلى الحياة بابنه الوحيد ونفخة روحه القدوس...


عموماً نستطيع أن نقول على الخطأ الأول، أننا لا نقدر أن نتصور على وجه الإطلاق أنه يوجد خلود بدون الله وبمعزل عنه، أي الله في مكانه وانا في مكاني منفصلين، ولا حتى أن الكون كله قادر على الاستمرار والبقاء بدون معونته وصلاحه، لأننا نرى – على مستوى الواقع العملي – كيف يُدمر الإنسان الكون منذ بداية سقوطه إلى اليوم، ومع ذلك لازال الوجود قائماً، لأنه لولا رعاية الله في النهاية وصلاحه لكان حدث دمار شامل فجر الأرض كلها ولم يبقى لها أي وجود إطلاقاً، عموماً هذا الادعاء الذي يقول أن الخلود خارج الله أو بمعزل عنه أي بلا شركة، ينزع عن الكل صفة المخلوق، ويحوَّل الكل إلى إله أو آلهة أزلية مثل الله بالتمام وكأنها واجبة الوجود وبالتالي واجبة الخلود، ولكن انحلال الخليقة وتغيرها ينزع عنها صفة الألوهة ويؤكد أنها مخلوقة من العدم، وتحتاج نعمة خاصة لتحفظها من الانحلال والعدم، أي الشركة في الأزلي الأبدي الذي يحفظ من العدم كل شيء، لا بمجرد كلمة أو فكرة أو معرفة عقلية مهما ما كانت صحيحة، بل بالشركة، لذلك تم تجسد الكلمة ليحفظ في شخصه كل من يؤمن من الموت والرجوع للتراب من جهة فقدان الكرامة والموت الروحي بالانفصال عن الحياة أي الله، ومن هنا جاء تعبير القديس بطرس الرسول : [ شركاء الطبيعة الإلهية ] [ كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة. اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة. ] (2بطرس 1: 3 – 4).

أما الخطأ الثاني، فهو يحتاج لوعي خاص لكل من يُريد الحق، لا كعلم إنما كحياة، لأنه يتحدث عن نفس مشكلة خلود النفس في أذهان الناس، فهو مثل الادعاء الأول يؤكد ألوهية النفس الإنسانية، لأنه ينظر إليها خالدة بمعزل عن الله، أي خارج الله، وفصل الموت الجسد الطبيعي (البيولوجي) عن موت الروح الإنسانية، يؤكد جهل الحق عند هؤلاء وعدم الرؤيا الصحيحة لقصد الخلق الحقيقي حسب إعلان الله منذ البدء أن الإنسان خُلق على صورته كشبهه، والجهل هُنا، هو جهل بحقيقة الموت وانحلال قوى النفس الروحية وانقسام القلب، وهذا يظهر في صراع الروح أو النفس مع شهواتها التي لا يُمكن أن تتم إلا بالجسد، لذلك أطلق عليها الرسول الملهم بالروح: [ شهوات الجسد ] (أنظر بطرس الأولى 2: 11؛ بطرس الثانية 2: 18)، وهي كلها رغبات عقلية صادرة عن القلب كما قال الرب يسوع نفسه الحق المتجسد [ من القلب تخرج الشرور ] (أنظر مرقس 7: 23)...

لذلك نُدرك أن كل الخطايا لها صور عقلية كامنة في القلب لا يُمكن أن تتم بدون الجسد، أي بكل أعضاء الجسد أو ببعضها، حسب نوع الشهوة، لذلك تعتبر أنها هي الخطية الكامنة في جسدي وجسدك [ أنظر رومية 7: 17، 20 ]، وهي تُسمى أعمال الجسد أو شهوات الجسد، وهي موجوده فعلياً في فكر الإنسان الذي لا يملك أن يُخطئ بدون الجسد، مثل خطايا الطمع والزنا والتجديف، والقتل، والسرقة... الخ، فالموت يبدأ أولاً من الداخل وبالروح وينتهي بالجسد، ومن ثمار وأعمال الجسد ندرك مقدار الانحلال الذي أصاب الطبيعة الإنسانية، هذا الذي يُمكننا أن نلخصه في كلمة واحدة وهي [ فقدان الحياة الحقيقية ]، وهذه تظهر من ثمار أعمال الجسد الظاهرة أمامنا ونعرفها جيداً عن أنفسنا [ من ثِمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً ] (متى 7: 16)، [ فإذاً من ثمارهم تعرفونهم ] (متى 7: 20).

يا إخوتي، الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، لذلك مشكلة السقوط لا تنحصر في خطية ارتكبها آدم أو أي إنسان، لأن التوبة كانت تصير علاج هذا السقوط، لكن المشكلة كلها تنحصر فيما هو أعظم من مجرد ارتكاب خطية، أي تنحصر في الموت، لذلك أحتاج الإنسان لا لمجرد غفران بل للحياة...

وإصابة الإنسانية بالموت، جلبت شروراً أكثر مما نتخيل من مجرد سقوط في خطية ما، لأن الدفاع عن الحياة صار هو الأساس الذي يُحرك الشهوات وغرور الإنسان، وتحقيق كيانه وإثبات ذاته بالسيادة على الآخرين، وبسبب هذه السيادة يخرج كل شرّ ويظهر كل فساد، لذلك لم يعد الموضوع مجرد خطية أُرتُكِبَت، أو خطية إنسان أدخلت الإنسانية كلها تحت القصاص وكأن الله ما صدق خطية ارتكبت فعاقب كل البشرية من أجلها، فالموضوع لم يعد مجرد أمر عارض حدث ودخل على الطبيعة البشرية، بل قد حدث تحول من الوجود الحقيقي الذي هو الحياة إلى وجود مُزيف وهو الموت، وهذا هو السرّ الذي جعل البشرية كلها عاجزة أن تستعيد الحياة حتى بفضائلها وتوبتها وتنفيذ الشريعة لتدخل في سرّ الحياة والخلود برؤية مجد الله، لذلك نرى أن الشريعة عاجزة أن تُعيد للإنسان ما فقده من شركة حضور الله ورؤية مجده [ وقال (الله لموسى) لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش ] (خروج 33: 20)، لأن حفظ الوصايا لا يُعيد الحياة، بل فقط يصد قوى الانحلال ويحدها ولكنه لا يمنع الموت.

عندما دب الفساد يا إخوتي في كيان الإنسان انقسمت الحياة الإنسانية على ذاتها وأصبحت ما بين روح وجسد، وساد على كل البشرية رعب من الموت الطبيعي، أي موت الجسد، وصار بسبب ذلك كل البشرية تحت العبودية، وظن الإنسان – بسبب الجهل الذي ملك على كيانه وعقله – أن مشكلة الإنسان هي في خلود الجسد، وبذلك أنكر سيادة الموت على الروح قبل سيادته على الجسد، لذلك جاء الرب ليخرجنا من تحت سلطان عبودية الموت بالخوف الذي تملك علينا فصرنا تحت العبودية [ ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية ] (عبرانيين 2: 15)...

وهذا ينقلنا إلى الحديث عن موت الروح الإنسانية ومعناه الحقيقي، لأن ليس معنى ذلك فناء النفس الإنسانية، لأن الله حينما نفخ في الإنسان نسمة الحياة جعلها خالدة، لذلك يا إما أن تحيا في الله الحياة فتدخل في حفظ أبدي في الله بشخصه بكونه هو حياتها، يا إما تدخل في حياة الموت الأبدي وخلود الأموات في شركة الموت مع الملائكة الساقطين، عموماً سنشرح في الجزء القادم معنى موت الروح الإنسانية، ومعرفة الله الحقيقية، هذا أن أرد أحد أن نكمل هذا الموضوع، كونوا مُعافين في الله الحياة ونور النفس الحقيقي آمين

__________يتبع أن أرد أحد أن نُكمل الموضوع__________
 
التعديل الأخير:
أعلى