تابع دراسة في الذبائح (28) مقارنة بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
تابع / دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח – ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
تابع / ثانياً : الخمسة أوجه من ذبيحة الصليب
[2] الوجه الثاني من أوجه الصليب
تابع / ذبيحة الخطية - άμαρτία - חַטָּאת
تابع الوجه التطبيقي لذبيحة الخطية
تابع رابعاً: المسيح يقدم نفسه ذبيحة خطية

مقارنة بين ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطيــــة
للرجوع للجزء 27 أضغط : هنـــــــــــــــا



خامساً: مقارنة سريعة بين عمل الذبيحتين (ذبيحة المحرقة وذبيحة الخطية) على الصليب:
إذا ما قرنا بين عمل الذبيحتين على الصليب فسنجد أن:
ذبيحة المحرقة: تُعبَّر عن موقف المسيح الرب على الصليب أمام الآب ببره الشخصي، فينال الرضا والمسرة حتماً وبالضرورة.
بينما ذبيحة الخطية: تُعبَّر عن موقف المسيح الرب أمام الآب وعليه نجاسات وكل خطايا الإنسان، أي البشرية بكاملها.
لذلك، فبينما نجد أن ذبيحة المحرقة كانت تُفحص بالسلخ والتقطيع والغسل، إشارة إلى الفحص الذي أثبت برّ المسيح وقداسته، لا نجد مثل هذا الفحص إطلاقاً في ذبيحة الخطية، بل على العكس تماماً كان يخرج بها الكاهن خارج الهيكل وخارج المحلة كلها، إشارة إلى عدم ترائيها أمام الله أو إلى عدم إمكانية رؤية الله لها توضيحاً لجُرم الخطية وشناعتها وقوة الظلمة التي تعتريها، لأن الخطية ظلمة وموت وفساد كما رأينا في كل شرحنا السابق، ويستحيل أن تُرى أمام الله لذلك نجد الرب يسوع وهو على عود الصليب يقدم نفسه كذبيحة خطية وإثم يصرخ قائلاً: إلهي إلهي لماذا تركتني !!!
[ فإن الحيوانات التي يدخُل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرق أجسامها خارج المحلة، لذلك يسوع أيضاً لكي يُقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب. فلنخرج إذن إليه حاملين عاره ] (عبرانيين13: 11 – 13)، ولنُلاحظ أنه بالرغم من المسيح الرب لم يُحرق جسده خارج الباب (أي خارج أورشليم تماماً) ولكنه حمل خطايا الكثيرين، فدمه محسوب أنه دم محرقة ولو لم تُحرق، لأن النار الإلهية غير المنظورة التي يحملها المسيح الرب كابن الله في جسده، هي التي التهمت الخطايا بالتمام وانهتها وأبطلت قوتها وفعلها، لأن الروح الأزلي الذي في المسيح هو روح الإحراق وروح التطهير [ إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق ] (أشعياء4: 4)

فقوة روح الإحراق في المسيح يسوع الذي يحملها في نفسه للتطهير لغسل قذر الإنسان الذي يأتي إليه تائباً مؤمناً بذبيحة نفسه لأجل خطاياه، هو وضع روحي فائق جداً عن الإحساس والتصور الذي يُحسب أنه (الأرشي تيبوس – αρχέτυπος) للنار المادية التي كانت تأكل جسد ذبيحة المحرقة، وهكذا يُحسب أن النار أحرقت خطايا الشعب التي اعترف بها (كما يحدث حسب الطقس في العهد القديم) على رأس العِجْل أو المعزى. فنار المُحرقة الأرضية هي مجرد صورة باهتة في فعلها بالنسبة للنار الإلهية التي في جسد المسيح الرب على الصليب، لذلك فالصليب يُحسب عن جدارة بأنه هو مذبح المُحرقة الأصلي αρχέτυπος، لأن عليه تم ذبح المسيح الرب، وعليه انسكب دمه (كمذبح). فهنا الوجه الأول للمحرقة داخل الهيكل. ولأن الصليب كان خارج الباب وعليه تم الغفران والكفارة وتم الصُلح وتم القبض على الشيطان، فهذا هو الوجه الآخر للذبيحة القديمة عندما كانت تُحرق خارج المحلة، حيث كانت النار تلتهم خطايا الشعب (نظرياً على مستوى الرمز في العهد القديم) مع لحمها، وتمت حقيقياً وفعلياً على مستوى الواقع العملي في المسيح يسوع: [ مسامحاً لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض (الناموس) الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مُسمَّراً إياه بالصليب، إذ (عليه بعد أن مزق الصك) جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه (في الصيب) ] (كولوسي2: 13 – 15)

ولنلاحظ أن في وقت واحد وعلى ذات الصليب ولذات الابن الواحد تمت هاتان الذبيحتان معاً (المحرقة والخطية)، ففي الوقت الذي احتجب فيه وجه الآب عن الابن بسبب الخطية التي حملها عن الإنسان، كان في ذات الوقت وعلى الصليب نفسه هو هو بنفسه موضع فرح ومسرة وقبول ورضا الآب بسبب طاعته وبره وكماله الشخصي.

إذن فلا محل لقائل: أن المسيح الرب جاز فترة ما بعيداً عن الآب، أو أن الآب انفصل عنه وتركه لأنهم جوهر واحد لا انفصال فيه، ويتكل أحد على شرح "لماذا تركتني" بهذا المعنى، ولكنه كان يُكمل عملين في وقت واحد معاً...

كذلك ليس صحيحاً على الإطلاق ما يقوله بعض الشراح الغير فاهمين لسرّ عمل المسيح وسرّ الثالوث القدوس، قائلين: إن المسيح عندما قال "إلهي إلهي لماذا تركتني" كان يتكلم بناسوته. هذا افتراء على المسيح الرب المتحد جسده بلاهوته بغير افتراق، فهذا افتراء على المسيح الرب وتقسيم فاضح لطبيعته الواحدة، لأن [ ناسوته لم يفارق لاهوته قط ولا للحظة واحدة ولا ترفة عين ] كما نقول في القداس الإلهي . فاللاهوت لم يفارق الناسوت في المسيح الرب، لا في قول ولا في عمل ولا في فعل، وإلا نكون قد قضينا على التجسد وخسرنا الوحدة وفقدنا خلاصنا.

كذلك أيضاً يُخطأ جداً من يقول: أنه يتكلم كإنسان تحت الآلام مثلنا عندما قال: [ فلتعبر عني هذه الكأس ] (متى26: 39)، لأن المسيح الرب في قوله "لماذا تركتني" أو في قوله "فلتعبر عني هذه الكأس" لم يتغير عن كونه المسيح الرب الذي قال:
[ أنا والأب واحد ] (يوحنا10: 30)؛ و[ الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال ] (يوحنا14: 10)؛ و[ الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب ] (يوحنا1: 18)؛ و[ ابن الإنسان (الذي على الأرض) هو في السماء ] (يوحنا3: 13).
فهو لم ينقسم على نفسه قط، ولا انقسمت طبيعته قط ولا تكلم بلسانين (مرة بلسان بشر ومرة بلسان إله)، ولا أبدى مشيئتين (مرة مشيئة بشرية، ومرة أخرى مشيئة إلهية، وذلك حسب الموقف كما يدَّعي البعض)، ولا عمل عملاً نسخ به عملاً سابقاً قط، ولكن الحقيقة تكمن في أن المسيح الرب القدوس الله المتجسد عمل عملاً واسع الاختصاصات وأكمل بالصليب صوراً عديدة متضاعفة متعددة الآثار، وينبغي أن لا ننسى إطلاقاً حقيقة مطلقة أنه هو الله الكلمة المتجسد، الله الظاهر في الجسد، وكل ما فعله المسيح الرب فعله كمسيح واحد وليس مسيحان أو شخصيتان منفصلتان قط ...
عموماً في كل هذه العثرات في الشرح والفهم، فالعيب والذنب ليس على الله، بل العيب في الإنسانية الشقية التي فتحت حصنها الإلهي وهو العقل للشيطان، ومكنته من احتلال أركانه فأظلم وسقط تماماً ولم يقدر أن يستوعب أسرار الله وعمله فلم يُضيئ إنجيل المسيح أمام هذا العقل المُعتم [ الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس4: 4). ولكن قد أتى المسيح الرب ليعمل ويُصلح ويُصالح ويُجدد هذه الأركان الضعيفة في الإنسان الساقط ويُقيمه مرة أخرى بما هو أعظم مما كان فيه ...

نعود للصليب مرة أخرى والمقارنة بين الذبيحتين، لنجد أن المسيح الرب أكمل ذبيحتين ليُكمل عملين متلازمين بشدة:
الأول وهو
تقديم بره الشخصي في طاعة مُحكمة ومشيئة كاملة مُذعنة حتى الموت، موت الصليب بسرور [ قدم نفسه لله بلا عيب ] (1بطرس1: 19)، فَقُبِلَ مُرضياً عنه كرائحة سرور أمام الآب = ذبيحة المحرقة
الثاني وهو
تقديم نفسه حاملاً خطايا الإنسان ونجاساته [ في جسده على الخشبة ] (1بطرس2: 24)، متألماً مُتمنعاً (إذ لم يكن معقولاً أن يحمل الخطية في جسده بسرور!!) وقد قَبِلَ بحزن عظيم أن يُصلب خارج أورشليم كحامل عار ولعنة الإنسان كخاطي وتعدٍ على وصية الله = ذبيحة خطية.

ومن هُنا وعلى هذا الضوء نستطيع أن نفهم المفارقة بين الآيات والمواقف ونستوعب سرها:

  • + ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية – متى20: 28
  • + لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة – يوحنا12: 27
  • + وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي (يتحتم أو يجب بالضرورة) أن يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل... وقال القول علانية فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره، فالتفت وابصر تلاميذه فانتهر بطرس قائلاً: اذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس – مرقس8: 31، 32 [ هذا أخذتموه مُسَلَّماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه ] (أعمال2: 23)
  • + الكأس الذي اعطاني الآب ألا أشربها (قال هذا عند قطع بطرس لأُذن مَلْخُس عبد رئيس الكهنة ليلة القبض عليه في جثسيماني) – يوحنا18: 11
  • + طعامي ان أعمل مشيئة الذي أرسلني وأُتمم عمله – يوحنا4: 34
  • + ثم قال ها أنذا آجيء لأفعل مشيئتك يا الله... فبهذه المشيئة نحن مُقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة – عبرانيين10: 9و 10
  • + الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه – يوحنا13: 31
  • + بذلت ظهري للضاربين، وخديَّ للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق. والسيد الرب يُعينني لذلك لا أخجل، جعلت وجهي كالصوان، وعرفت أني لا أخزى – أشعياء50: 6، 7
  • + وابتدأ يحزن ويكتئب، فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت. ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يُصلي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس [ وفي نفس ذات الوقت يقول وهو يُريد بمسرة لأن يُتمم مشيئة الآب – وهذا تناقض بالنسبة للعقل البشري ] ولكن ليس كما أُريد انا بل كما تُريد أنت [ الكأس الذي أعطاني الآب ألا اشربها ] ... فمضى ثانية وصلى قائلاً: ذلك الكلام بعينه – متى26: 37و 38و 39و 42و 44
  • + ثم تقدم قليلاً وخَرَّ على الأرض وكان يُصلي لكي تعبُر عنه الساعة إن أمكن وقال: يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأُجيز عني هذه الكأس، ولكن ليكن لا ما أُريد أنا بل ما تُريد أنت... ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه – مرقس14: 35و 36و 39
  • + يا ابتاه إن شئت أن تُجيز عني هذه الكأس – لوقا22: 42
ولنقارن هذه الآيات على ضوء ما سبق:
(يوحنا4: 34) طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني (متى26: 37) نفسي حزينة جداً حتى الموت
(متى20: 28) ابن الإنسان يبذل نفسه، أتيت لهذه الساعة (مرقس14: 35) كان يُصلي لكي تعبر عنه الساعة أن أمكن
(يوحنا12: 27) الكاس التي أعطاني الآب ألا اشربها (مر14: 36) يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأُجيز عني هذه الكأس

فسنجد أن الآيات السابقة - في هذا الجدول الأخير والبسيط - والتي على اليمين تكشف عن سرور تتميم مشيئة الآب = ذبيحة المحرقة، والتي على اليسار حزن بسبب حَمل الخطية والعار = ذبيحة الخطية.

_____يتبع_____
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
المهم صلي من أجلي يا أجمل أخ حلو
كن معافي في روح قيامة يسوع آمين
 

amgd beshara

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
1 يونيو 2012
المشاركات
2,537
مستوى التفاعل
617
النقاط
113
الإقامة
cairo- egypt
شكرا ليك
ربنا يديك قوة و معونة
و صلوات القديسين تكون معاك
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
شكرا ليك
ربنا يديك قوة و معونة
و صلوات القديسين تكون معاك

ومعك دائماً يا محبوب الله الحلو
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
أتى سؤال في الموضوع بسبب قرائته خطأ، يوقول السؤال الآتي:
سيدى الفاضل:::: اسمح لى ان اكتب لك نص ماكتبته ( يقدم نفسه حاملا خطايا الانسان ونجاساته ( فى جسده على خشبه ) ثم قلت المسيح قبل بحزن عطيم ان يصلب خارج اورشليم حاملا عار ولعنة الانسان كخاطئ ومتعد على وصية الله = ذيحة الخطية …وقبلها قلت وكما كلنا نعلم أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين ولكن فى كلام سيادتكم كمن يقول ان اللاهوت قد قال مع الناسوت الهى الهى لماذا تركتنى أليس هذا هو قصدك ؟ واذا كان هذا هو المقصود فأكيد أنك تقصد أن اللاهوت احتمل الألم مع الجسد وأنه أيضاً عندما كان عند قبر العازر وقال الكتاب بكى يسوع فأنت تؤكد أن البكاء هنا كان للناسوت واللاهوت أيضاً هذا هو المقصود من كلام سيادتكم بالضبط، أرجو التوضيح بالتفسير الكتابى وليس بتفسير اجتهادى لأنك ذكرت آية من رسالة القديس بطرس الاولى 2:24. ( يقدم نفسه حاملاً خطايا الإنسان ونجاساته ((فى جسده على الخشبة)) وبالتالى لماذا لم يقل القديس بطرس فى جسده ولاهوته على خشبة اذا كان تفسيرك الاجتهادى هو الصح أرجو التوضيح والشرح وشكرا لسعة صدركم
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
الإجابة على السؤال ....
أولاً أرجو عدم الخلط في الكلام لأني لم أضع شيئاً في غير موضعه، فرجاء القراءة المدققة والتفصيلية للموضع بكل تركيز ودقة، لأن الرب يسوع يتكلم بلساننا نحن بصفته حاملاً بشريتنا حينما قال [ إلهي إلهي لمذا تركتني ] لأنه بيتمم عمل خاص لأجل خلاصنا نحن وليس لنفسه، لأنه واحد مع الآب في الجوهر ويستحيل انفصاله عنه وهذا واضح للغاية في الموضوع كله...



وأرجو التركيز الشديد في الموضوع ككل ومراجعة الكلام بتدقيق بدون اقتطاع لفظة أو جمله منه، لأني قلت بكل دقة: [ إذن فلا محل لقائل: أن المسيح الرب جاز فترة ما بعيداً عن الآب، أو أن الآب انفصل عنه وتركه لأنهم جوهر واحد لا انفصال فيه، ويتكل أحد على شرح “لماذا تركتني” بهذا المعنى، ولكنه كان يُكمل عملين في وقت واحد معاً… [ يُكمل عملين في آنٍ واحد - فرجاء الرجوع لمعنى المحرقة والخطية مع بعض ]
كذلك ايضاً يُخطأ جداً من يقول: أنه يتكلم كإنسان تحت الآلام مثلنا عندما قال: [ فلتعبر عني هذه الكأس ] (متى 26: 39)، لأن المسيح الرب في قوله “لماذا تركتني” أو في قوله “فلتعبر عني هذه الكأس” لم يتغير عن كونه المسيح الرب الذي قال:
[ أنا والأب واحد ] (يوحنا10: 30)؛ و[ الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال ] (يوحنا 14: 10)؛ و[ الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب ] (يوحنا 1: 18)؛ و[ ابن الإنسان (الذي على الأرض) هو في السماء ] (يوحنا 3: 13).
فهو لم ينقسم على نفسه قط، ولا انقسمت طبيعته قط ولا تكلم بلسانين (مرة بلسان بشر ومرة بلسان إله)، ولا أبدى مشيئتين (مرة مشيئة بشرية، ومرة أخرى مشيئة إلهية، وذلك حسب الموقف كما يدَّعي البعض)، ولا عمل عملاً نسخ به عملاً سابقاً قط، ولكن الحقيقة تكمن في أن المسيح الرب القدوس الله المتجسد عمل عملاً واسع الاختصاصات وأكمل بالصليب صوراً عديدة متضاعفة متعددة الآثار، وينبغي أن لا ننسى إطلاقاً حقيقة مطلقة أنه هو الله الكلمة المتجسد، الله الظاهر في الجسد، وكل ما فعله المسيح الرب فعله كمسيح واحد وليس مسيحان أو شخصيتان منفصلتان قط..



فالمشكلة أنك بتحاول تفصل المسيح عن تجسده وتقرأ الموضوع من جهة لاهوت وناسوت، مرة تريد أن تتكلم من جهة الجسد ومرة من جهة اللاهوت، وهذا الفصل صعب للغاية، ربما لو كان في محاضرة لاهوت نظري لأمكن ذلك، ولكننا نتكلم عن عمل الخلاص في سرّ اسمه سرّ التجسد، سرّ الإخلاء، فانا هنا اتكلم من جهة لاهوت السرّ في التجسد الإلهي الفائق، ولا أتكلم من جهة لاهوت الفكر ولا العقل ولا الفصل واضعاً مجرد اجتهاد شخصي وفكري، فأرجو أن تراجع كتاب تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس والمسيح واحد للقديس كيرلس الكبير، لأن الموضوع مشروح فيه بالتفصيل، فأرجو أن تأخذ الكلام بمجمله وليس بانفصاله، لأني لا أتطرق لموضوع خصائص طبيعة اللاهوت أو طبيعة الناسوت، ولم أقل أن اللاهوت مسه عقوبة أو ألم .. الخ.. فرجاء القراءة التفصيلية مع استكمال الموضوع ككل، لأني هنا بأكد على عمل المسيح الواحد، ولا أتكلم من جهة اللاهوت ولا من جهة الناسوت كخصائص كل طبيعة لأني عن نفسي لا اقدر أن أقول ما هي خصائص اللاهوت في ذاته لأنه أكبر مني وأعظم من كل أفكاري ولا أستطيع أن ارتفع لهذه القامة أبداً بل مطلقاً لأن اللاهوت في تفوق يفوق كل قدرات الإنسان مهما ما بلغ من معرفة وإعلان إليه فائق...

 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
وأحب أن أوضح بأكثر تفصيل لكي يتم فهم اللبس الحاصل في الكلام لأني سأعرض هُنا كلمات القديس كيرلس الكبير لكي يُفهم القصد من كلماتي بدقة، فرجاء القراءة على ضوء هذا الموضوع:
والكلام هُنا من شرح تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس الكبير، عن مجموعة كتابات الآباء – مترجمة عن اللغة اليونانية

[8] ما هو هذا الاتحاد [ بين اللاهوت والناسوت ] ؟

[ بطرق مختلفة يحدث اتحاد. فالبعض إذ يفترقون بسبب الاختلاف في الطبع والفكر يقال عنهم أنهم اتحدوا باتفاق الصداقة (وهذا يعني) ترك الأشياء التي اختلفوا عليها. وأحياناً نقول عن أشياء معينة أنها اتحدت عندما تجمعت معاً أو اتصلت بطرق مختلفة مثل وضعها معاً جنباً إلى جنب أو مزجها أو تركيبها . لكن عندما نقول أن كلمة الله اتحد بطبيعتنا فأن كيفية هذا الاتحاد هي فوق فهم البشر . وهذا الاتحاد مختلف تماماً عن الأنواع الأخرى التي أشرنا إليها . فهو اتحاد لا يوصف وغير معروف لأي من الناس سوى الله وحده الذي يعرف كل شيء . وأي غرابة في أن يفوق ( اتحاد اللاهوت بالناسوت ) إدراك ( العقل ) ؟
فنحن عندما نبحث بدقة أمورنا ونحاول إدراك كنهها نعترف أنها تفوق مقدرة الفهم الذي فينا .
فما هي كيفية اتحاد نفس الإنسان بجسده ؟ من يُمكنه أن يخبرنا ؟!!!
ونحن بصعوبة نفهم وبقليل نتحدث عن اتحاد النفس بالجسد. لكن إذا طُلب منا أن نُحدد كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جداً، نقول أنه من اللائق أن نعتقد أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في عمانوئيل هو مثل اتحاد نفس الإنسان بجسده – وهذا ليس خطأ – لأن الحق الذي نتحدث عنه هنا تعجز عن وصفه كلماتنا، والنفس تجعل الأشياء التي للجسد هي لها رغم أنها ( النفس ) بطبيعتها لا تُشارك الجسد آلامه المادية الطبيعية أو الآلام التي تسببها للجسد الأشياء التي هي خارج الجسد. لأن الجسد عندما يتحرك مدفوعاً نحو رغباته الطبيعية ( الجسدية ) فأن النفس التي فيه تعرف هذه الرغبات بسبب اتحاد النفس بالجسد. لكنها ( النفس ) لا تُشارك الجسد رغباته، ومع ذلك تعتبر أن تحقيق الرغبة هو تحقيق لرغباتها هي. فإذا ضُرب الجسد أو جُرح بالحديد مثلاً، فأن النفس تحزن مع جسدها
ولكن بطبيعتها لا تتألم بالآلام المادية التي تقع على الجسد [ ولنلاحظ في هذه الفقرة (كما قصدتها أيضاً في موضوعي) أن القديس كيرلس يستخدم هذا التشبيه لكي يؤكد أن اللاهوت لم يتألم عندما صُلب ربنا يسوع ولكن اللاهوت كان يعرف ماذا يحدث لجسده وسوف نرى في متابعه كلام القديس كيرلس أن كل التعبيرات قاصرة على التوضيح الدقيق ]


ومع هذا يلزم أن نقول: أن الاتحاد في عمانوئيل هو أسمى من أن يُشبه باتحاد النفس بالجسد.، لأن النفس المتحدة بجسدها تحزن مع جسدها وهذا حتمي، حتى أنها عندما تقبل الهوان تتعلم كيف تخضع لطاعة الله.

أما بخصوص الله الكلمة فأنه من الحماقة أن نقول أنه كان يشعر – بلاهوته – بالإهانات، لأن اللاهوت لا يشعر بما نشعر به نحن البشر (وطبعاً من الصعوبة التامة أن نتصور بعقلنا أو ببحثنا ماذا كان يحدث بالضبط في تلك هذه الحالات التي يستحيل أن نقسم فيها شخص المسيح الرب الكلمة المتجسد إلى لاهوت وناسوت كأن هناك انفصال). وعندما اتحد بجسد له نفس عاقلة وتألم لم ينفعل – اللاهوت – بما تألم به لكنه كان يعرف ما يحدث له وأباد كإله ضعفات الجسد، رغم أنه جعلها ضعفاته هو فهي تخص جسده. لذلك ( بسبب الاتحاد ) قيل أنه عطش وتعب وتألم لأجلنا [ وهنا يوضح القديس كيرلس أن المتألم هو ربنا الواحد الغير منفصل، وليس لاهوته، ورغم أن الآلام تخص جسده إلا أنها تُنسب له كشخص واحد غير منقسم- فلا يجوز أن نقسم المسيح بعد الاتحاد للاهوت أو لناسوت ]، ولذلك فأن اتحاد الكلمة بطبيعتنا البشرية يُمكن على وجه ما أن يُقارن باتحاد النفس بالجسد، لأنه كما أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكن الإنسان واحد من أثنين ( النفس والجسد )، هكذا المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل، والألوهة نفسها والناسوت نفسه في الواحد بعينه الأقنوم الواحد. وكما قلت أن الكلمة يجعل آلام جسده آلامه هو، لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحدٌ آخر سواه. هكذا يمنح الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته من قوة، حتى أن جسده قادر على أن يُقيم الموتى ويُبرئ المرضى ]
 
أعلى