لماذا لم يمنع الله الإنسان من التعدي على وصاياه !!!!

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
لماذا لم يمنع الله الإنسان من التعدي على وصاياه !!!!

هذا السؤال يأتي لذهن الكثيرين، على أساس تدعيم أن الله ظلم الإنسان، لأن بكونه يعلم بمقتضى علمه السابق أن هذا الإنسان الذي خلقه سيُخطئ ولم يضع له ما يمنعه عن التعدي والدخول في قضية الموت الذي ملك عليه وحفظة للدينونة، فهو بذلك يعتبر ظلم الإنسان بكونه لم يتراجع عن أن يخلقه، أو يخلقه في جوٍ آخر غير الذي خُلق فيه، وأن معرفته السابقة كإله تعطي له الحق في أن يسبق الإنسان في وضع إرادته منحصرة في فعل الخير وحده وكل ما هو حسن، أو كان بدَّل إرادته بإرادة لا تطيع سوى صوت الحق وحده.

هذه الأسئلة التي تدور في الذهن هي دائماً تأتي بسبب انغلاق الذهن عن فكر الله المُعلن في المحبة، التي نتذوقها بالشركة مع الله في النور، فالله لم يخلقنا لنتمتع بنعمة الوجود كما يُقال في الفلسفة، وذلك لكي يعطينا إرادة تفعل الصلاح وحده بدون اختيار، لأنه لم يخلق روبوت [ إنسان آلي ] يصنع إرادة الله بآلية منتظمة، لأن الله خلق حبيبه الإنسان لينشئ معه حياة شركة في الحرية، وتستحيل الشركة بدون المحبة، ولا توجد محبة حقيقية صادقة بدون حرية الاختيار، لأن كيف أعيش حراً ولي إرادتي الخاصة، وأنا مربوطاً بشخص لا أستطيع أن أختار دونه ولا أطيع سوى إرادته فقط التي تُملى عليَّ، وليس لي الحرية أن أقبلها أو أرفضها، فأنا هنا مجبراً على الاختيار القسري، ولا أملك حريتي، لأنها في يد آخر، والله - حسب طبيعته - لا يستحوذ على أحد، لأنه في ذاته حراً وغير مقيداً بشيء على الإطلاق، وبقدرة ذاته خلق الإنسان على صورته، على صورة حريته ومجده، ومن هنا أتت حرية الإرادة في جميع الكائنات التي خلقها، مع أن الخليقة كلها خلقها وربطها بالإنسان وأخضعها له، لأن وضع صورته الخاصة في الإنسان ولأجل الإنسان خلق كل شيء لكي يرعاه كإله الكون (إن جاز التعبير)، لأن الإنسان هُنا خُلق على صورة الله وسلطانه، وسلطان الإنسان ناله من الله على الطبيعة ذاتها، وهذا واضح من سفر التكوين نفسه: [ وباركهم الله وقال لهم أثمروا واكثروا واملئوا الأرض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض ] (تكوين 1: 28)

فيا إخوتي، أن حرية الاختيار هي أساس وقاعدة المحبة، لأن القهر والإجبار لا يولِّدان محبة ولا يُنمياها قط، بل يولِّدان العصيان والتمرد، لأن طالما يوجد إرادة لابد من أن توجد الرغبة، لأن فعل الإرادة يتوالد من الرغبة، والرغبة يتوقف عليها الاختيار، (لأن الرغبة – أي ماذا أُريد أنا، ماذا أرغب - تحدد الاختيار)، والاختيار الصحيح في المحبة يستدعي الحرية، أما القسر يستدعي العبودية، والله لم يرد أن يخلق عبيداً تحت وصاية ليعملوا عنده، لأنه لا يحتاج خداماً ولا خدمة، لأنه متى احتاج هذا أصبح ناقصاً ويحتاج لآخر، وحينما يبدأ في احتياج لآخر لن يُصبح هو الله، بل ناقصاً وفي احتياج خاص ليكمُّل، ولكنه لم ولن يحتاج لشيءٍ ما قط، لأنه لم يكن يحتاج إلى عبوديتي، لأني أن عبدته لن أزيده وأن ابتعدت عنه لن أنتقص منه شيئاً، بل في الحقيقة أنا الذي أحتاج إليه بشدة لأنه حياتي وخارجاً عنه مزلتي وهواني واستعبادي لآخر !!!

فالسرّ في حُرية اختيار الإنسان هو محبة الله الشديدة، وبكون الله هو مصدر الخليقة وينبوع حريتها وحياتها الحقيقية، لذلك أنشأ فيها الحرية وغرسها في طبيعة الإنسان، فالحرية مغروسة طبيعياً (حسب نعمة الخلق) في كل إنسان بل وأي إنسان، لذلك في يده الاختيار، بالرغم أنه بسبب السقوط أصبح اختياره مربوطاً بالمجتمع وبعض القيود التي نشأت بعيداً عن الله لأنها ظهرت كنتيجة الموت الذي تسلط على الإنسان الذي أفسد الأرض، هذه الأرض التي باركها الله قد لُعنت بسبب الإنسان نفسه لأنه سقط، وبكون الخليقة بأسرها مرتبطة به ارتباطاً كسيداً ومتسلطاً عليها سقطت بالتالي معه، بل وتمردت عليه وصارت على خلاف طبعها الأصلي، لأن السقوط طال كل ما فيها فأفسده، واستمر هذا الفساد جيلاً بعد جيل !!!

فالإنسان بحرية اختياره، سقط من نعمة الله، وتحوَّل من إنسان بحسب الله، أي حسب الصورة التي خُلق عليها والتي تستمد حياتها وحريتها من الله، إلى إنسان عائداً إلى التراب الذي أُخذ منه، الذي لا يوجد فيه حياة، فلما جفت الحياة التي في الإنسان بانقطاعها عن مصدرها وأصلها وينبوعها، مات الإنسان روحياً، ولكن نعمة الله وحدها حفظته من العودة إلى العدم، لأن الله لم يكسر عطية البركة التي أعطاها للإنسان حينما قال له [ اثمروا واكثروا ] (تكوين 1: 28)، فأمانة الله لن تسمح للإنسان بالعودة للعدم، لأنه من طبيعة المحبة الإلهية أنها لا تتوقف عن العطاء أبداً، لأن المحبة في الله دفق عطاء دائم ينسكب كالشلال ويجري كالنهر الجارف، لذلك بتدبير المحبة الحانية ذات العناية الفائقة، رتب الخلاص حسب كلمات التقوى في القداس الإلهي: [ أنت الذي خدمت لي الخلاص لما خالفت ناموسك ]، وكراعٍ صالح يرعى قطيعه لا يتوانى عن أن يبذل نفسه من أجل كل واحد فيه:

  • [ لا تنس نعم الكافل فانه بذل نفسه لأجلك ] (سيراخ 29: 20)
  • [ فبذل نفسه ليخلص شعبه ويُقيم لنفسه اسماً مخلداً ] (1مكابين 6: 44)
  • [ كما أن ابن الانسان لم يأتِ ليُخدَّم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ] (متى 20: 28)
  • [ أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف ] (يوحنا 10: 11)
  • [ الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير حسب إرادة الله وأبينا ] (غلاطية 1: 4)
  • [ الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع الشهادة في أوقاتها الخاصة ] (1تيموثاوس 2: 6)
  • [ الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويُطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة ] (تيموثاوس 2: 14).
وهدف خلاصنا أن نعود لما يفوق الأصل في حياة مضمونة للأبد في المسيح يسوع الذي فكنا وحررنا من سلطان الموت ليُدخلنا في مجد حرية أولاد الله، لكي لا نُستعبد لشيء، بل نحيا في الحرية التي بها حررنا الابن الوحيد:

  • [ فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ] (يوحنا 8: 36)
  • [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني (فكني - حررني) من ناموس الخطية والموت ] (رومية 8: 2)
  • [ عالمين هذا إن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية ] (رومية 6: 6)
  • [ فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية ] (غلاطية 5: 1)
  • [ فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق ولابسين درع البرّ ] (أفسس 6: 14)
  • [ فاثبتوا إذاً أيها الإخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا ] (2تسالونيكي 2: 15)
  • [ فاخضعوا لله، قاوموا إبليس فيهرب منكم، قاوموه راسخين في الايمان ] (يعقوب 4: 7؛ 1بطرس 5: 9)
_________________________________________________________

  • آه يا سيدي يسوع المسيح الرب المصلوب
  • الرب القائم بمجد عظيم
  • جالساً بجسم بشريتنا عن يمين أبيك
  • لتجلسنا معك في المجد العظيم الذي لك قبل كون العالم
  • ها أنا أقف على باب الحياة الذي هو شخصك، لأنك أنت الحياة
  • أقرع باب تعطفك العظيم، لتفتح لي وتدخلني فيه
  • كي أسير معك على نفس ذات درب صليبك المُحيي
  • لكي أُعلَّق وأموت معك فأدخل في قوة الغفران لأغتسل بالتمام
  • فأرى مجدك وأصبح إنسان جديد خارجاً معك من قبرك بمجد قيامتك
  • لكي أجلس معك في عرشك عندما استودع روحي كما استودعتها بين الآب أبيك ففتحت لنا الطريق الذي لن ينغلق أبداً أمامنا لأنك جلست بجسم بشريتنا في الأعالي ومجدتنا
  • اسكب محبتك في قلبي الآن، اسكبها كفيض تيار نهر جارف
  • فتجتاح نفسي كلها وتكتسح كل ما هو في داخلي ليس من المحبة
  • أشعلني ينارك المطهرة، فاشتعل بقوة الصليب
  • فتتم شهوتي، بأن أُضيع حياتي من أجلك لأربحها في شخصك
  • وأنال معك مجد قيامتك مستمتعاً بشركة الحياة في محضرك
  • مع جميع القديسين في نورك المشرق
  • في ذلك النهار الأبدي الذي لا يزول
  • المجد لك يا إلهي الحي آمين
 
التعديل الأخير:

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
810
النقاط
113
الإقامة
مصر
حلو جدا الموضوع أستاذى
ويجيب بشكل جميل على أسئلة الكثيرين​
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
وهبنا الله أن ندخل لعمق معرفة تدبير تعطفه ؛ ولنُصلي بعضنا لأجل بعض
النعمة تغمر قلبك سلام وفرح لا يزول آمين
 

خــلـيجي

New member
عضو
إنضم
7 أبريل 2014
المشاركات
77
مستوى التفاعل
28
النقاط
0
كل ما قرأت الكتاب المقدس .. ازداد تعلقي لآياته لما لها تأثير على قلبي
ولم يوجهني الى هذا الكتاب الجميل الا حرية الاختيار..

شكراً لك على الموضوع الأكثر من رائع..
صلوا من أجلي..
 

ابن يسوعنا

انا ابنك وملكك
عضو مبارك
إنضم
25 يوليو 2013
المشاركات
7,874
مستوى التفاعل
1,839
النقاط
113
موضوع رائع استاذي
سلمت يمينك
سمعت احد الاخوة المتكلمين
عن ان اللة لما خلق ادم لم يخلقة عبدا
بل خلقة كشريك في المحبة وخلق منة البشرية
ابتداء من حواء التي انتزعت من ادم وليس من التراب كادام
وكان يتحاجج معة ويقول لذتي مع بني ادم
الرب يباركك
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
إلهنا الحي يفرحكم ويغمركم بسلامه الفائق آمين
 

حياة بالمسيح

خادمة الرب
عضو مبارك
إنضم
29 أبريل 2014
المشاركات
15,646
مستوى التفاعل
3,088
النقاط
76
نعمة الله ومحبته العظيمتان لنا انه قد خلقنا نحن بني البشر احرارا ولم يفرض ذاته علينا كخالقنا وله حقوق علينا نحن خلائقة واعطانا كامل الحرية في اختياره ربا والها ومخلصا وفاديا وابا سماويا وحبيبا لنا والعيش له وبه وفيه وبين ان نرفض كل ذلك ونعيش لانفسنا لذواتنا لعالمنا الشخصي ولاهوائنا وبالرغم من سقوط ادم وحواء في الخطيئة ومعهما سقط جميع بني البشر لا زالت رحمة الله واسعة ولامحدودة لنا فارسل الله ابنه الوحيد الذي هو يسوع المسيح وبذله ذبيحة كفارية لكل من يحبه ويؤمن به فتكون له الحياة الابدية
موضوع رائع يجسد محبة ورحمة ورافة وعظمة الله لنا ربنا يبارككم ويزيدكم من نعيمه امين
 

حبيب يسوع

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
15 مايو 2007
المشاركات
15,458
مستوى التفاعل
1,959
النقاط
113
موضوع فى غاية الاهمية
يعرفنا حقيقة محبة الله لنا وان الله لم يكن ظالما ابدا
الرب يباركك ويحفظك
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
فرح الله قلبكم ووهبكم كل نعمة وفرح وسلام دائم آمين
 

+ماريا+

نحوك اعيننا
عضو مبارك
إنضم
22 أكتوبر 2012
المشاركات
5,471
مستوى التفاعل
2,039
النقاط
113
الله اراد الانسان ان يحيا معه بحريته واختياره
ربنا مش عايزنا نحبه غصب عننا لا نحبه لانه فعلا
يستحق مننا كل الحب لانه هو منبع حبنا وراحتنا
فى العالم اله عظيم واب محب للكل
موضوع رائع استاذى
ربنا يبارك عمل يديك
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,370
النقاط
0
ويبارك حياتك يا رب ويشع فيكي نصرته يا رب آمين
 
أعلى