من العداوة إلى المسامحة (قصة واقعية)

اني بل

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
17 يوليو 2007
المشاركات
36,143
مستوى التفاعل
1,341
النقاط
0
من العداوة إلى المسامحة (قصة واقعية)
Johann Christoph Arnold
عندما أُعدمت القاتلة المشهورة كارلا في الثالث من شهر شباط سنة 1998 في ولاية تكساس، قامت جماعةٌ صغيرةٌ من المتظاهرين بقضاء ليلتها ساهرةً على ضوء الشموع، وذلك احتجاجاً على عقوبة الحكم بالموت التي صدرت بحقّ كارلا. وفي الوقت نفسه تجمّع عددٌ كبيرٌ جداً من الناس خارج السجن ليعبّروا عن فرحتهم بإعدامها.
لكن، داخل السجن، كان هناك رجلٌ يدعى رون، كان يصلّي من أجل كارلا...
مرت سنتان منذ أن تعرفتُ على رون وسمعت عن مسيرته العجيبة التي نقلته من الحقد إلى المصالحة؛ إلا أنّ ما قصّه عليّ آنذاك لا يزال راسخاً في ذهني كما لو كان حديث الأمس:
((عندما عدتُ إلى منزلي، في 13 تموز 1983، بعد عناء يومٍ متعبٍ من العمل، رنّ جرس الهاتف. كان والدي على الخط. قال لي: يجب عليك أن تأتي حالاً. لدينا ما يثبت أنّ أختك قد ماتت مقتولة... سقطتُ على الأرض حال سماعي هذه الكلمات. لم أكن أتمكن من تصديق ذلك، حتى عندما شاهدت في التلفاز جسد أختي وهم يحملونه خارج إحدى الشقق.
ديبورا كانت أختي، وهي التي تعهدتني حتى كبرت. كان أهلي قد انفصلا عن بعضهما منذ أن كنتُ صغيراً جداً، كان عمري حينها ست سنوات. لم يكن لديّ إخوة، فقط أختي الوحيدة الأكبر مني، ولهذا كانت ديبورا تعني لي الكثير. كانت تهتم دوماً بملابسي وبطعامي... كانت تساعدني في دروسي، وكانت تضربني على يدي بحنانٍ إذا ما فعلت شيئاً خاطئاً. كانت بمثابة أمي...
والآن هي ميتة. يملأ جسدها العشرات من الكدمات واللطمات... وذلك الجرح الناتج عن الرصاصة التي اخترقت قلبها... لم تكن ديبورا من الناس التي لها أعداء. كلّ ما في الأمر أنها وُجدت في المكان الخطأ، وفي الساعة الخطأ. جاء القتلة المجرمون لكي يسرقوا إحدى الشقق، وعندما اكتشفوا هناك وجود شخص يدعى جيري ، أخذوا يقتلونه حتى الموت؛ إذ كانوا تحت تأثير جرعةٍ كبيرة من المخدرات. بعد ذلك شعروا بوجود ديبورا وهكذا كان لابد أن يقتلوها هي أيضاً...)).
نشرت الصحف خبر الجريمة بعناوين عريضة، وأصيبت المدينة بالذعر. بعد مرور أسبوعين من هذا الحدث قام أقرباء القتلة بتسليم المجرمَين، مدمني المخدرات، إلى القضاء، وهما كارلا ودانييل. بعد إجراء المحاكمة حُكم عليهما أخيراً بالموت. مات دانييل فيما بعد وهو في السجن...
أما رون (شقيق ديبورا) فلم يكن يشعر بالارتياح: "فرحت بالطبع لأنهما اعتُقِلا، لكني كنت أودّ لو أقتلهما أنا بنفسي. كان الحقد قد سيطر على كياني برمته. أردت لو أطعن قلب كارلا كما فعلت هي بأختي".
يقول رون أنه قبل موت أخته، كانت لديه مشكلة مع المشروبات والمخدرات، لكن بعد ذلك صار الوضع سيئاً للغاية...
بعد مرور سنةٍ قُتل والده أيضاً برصاص بعض اللصوص.
((أخذتُ أشرب وأسكر دوماً وأتعاطى المخدرات مثل LSD - الماريجوانا وعقاقير الهلوسة وأيّ نوعٍ آخر أجده. صرت على خلافٍ ونزاعٍ دائمٍ مع زوجتي. كنت أودّ أن أقتل نفسي...
وفي إحدى الليالي، شعرت أني غير قادرٍ على الاحتمال أكثر، وأخذت أفكر أنه لابد أن أفعل شيئاً ما لأجل ذلك الحقد والغضب اللذين كانا يستوليان عليّ. كانت الحال في داخلي سيئة للغاية لدرجة أني كنت أريد دوماً أن أفعل شراً ما سواء بالأشياء أو بالبشر. سلكت الطريق عينها التي سلكها قاتلو أختي ووالدي... إلا أني في ذلك المساء قرّرتُ أن أفتح الكتاب المقدس... فتحته وشرعت بالقراءة.
في الحقيقة كان الأمر غريباً. كنت واقعاً تحت تأثير المخدرات بينما أقرأ كلمة الله! وعندما وصلت إلى المقطع الذي يتحدث عن صلب المسيح أغلقت الكتاب فجأة. أمرٌ ما لمس قلبي هذه المرة، وفكرت في داخلي: "يا إلهي، حتى المسيح قتلوه!".
في تلك اللحظة سقطت راكعاً على ركبتيّ، الأمر الذي لم أفعله في حياتي أبداً... طلبت من الربّ أن يحلّ في قلبي ويغيّرني كما أرادني هو أن أكون، وأن يصبح هو سيد حياتي. هذا ما حدث معي في ذلك المساء.
فيما بعد صرت أقرأ الكتاب المقدس أكثر، وتلك الكلمات التي نردّدها في الصلاة الربية- والتي نقول فيها: اغفر لنا ما علينا كما نغفر نحن لمن أساء إلينا- كانت تقفز من المقطع إلى قلبي. كان المعنى جلياً: "لن تسامَح إذا لم تسامِح. أذكر أني كنت أتحاجج مع نفسي وأقول: "لن أستطيع أنا أن أفعل ذلك في حياتي أبداً". لكني كنت أشعر أنّ الله يجيبني على الفور: "حسناً رون، أنت لن تستطيع، لكنك بمعونتي ستستطيع".
لم يمضِ وقتٌ طويل؛ ففي أحد الأيام كنت أتكلم هاتفياً مع أحد أصدقائي، وسألني إن كنت أعلم أنّ كارلا موجودةٌ في أحد سجون مدينتنا: "يجب أن تذهب إلى هناك وتطلعها على ما يدور في فكرك". هذا ما قاله لي. لم يكن صديقي هذا يعرف بماذا كنت أفكر... تفاجأت ولم أجبه بأيّ شيء، لكني أخذت قراري أن أذهب لرؤية كارلا.
عندما ذهبتُ إلى السجن وقابلتها، أخبرتها أني أنا شقيق ديبورا. في البداية لم أقل أيّ شيءٍ آخر. أما هي فنظرتْ إليّ نظرةً غريبةً وقالت لي: "من قلت أنك تكون!؟". أعدت كلامي، لكنها استمرّت تنظر إليّ نظراتٍ ملؤها الخوف، كما لو أنها لم تكن تصدق ما تسمع. وانفجرتْ بعدها بالبكاء.
قلت لها: "كارلا، أريدك أن تعرفي أني سامحتك". في تلك اللحظة عينها ذهب كلّ الحقد والغضب اللذين كانا في أعماقي، كما لو أنّ حملاً ثقيلاً زال عن كتفيّ)).
يقول رون أنه تحدث مع كارلا لمدةٍ طويلة، ومن خلال حديثه معها اكتشف أنها هي أيضاً صارت تؤمن بالله مؤخراً، وأنّ إيمانها الجديد هذا غيّر موقفها تجاه الحياة، لذلك قرّر أن يعود إليها مرةً ثانيةً ليعرف عنها أكثر: "في البداية أردت فقط أن أذهب إليها وأقول لها أني سامحتها ثم أرحل، لكني وبعد تلك الزيارة الأولى لها تكوّن في داخلي دافعٌ كبير لأزورها ثانية. أردت أن أتأكد إذا كانت صادقةً في مسيرتها الروحية التي زعمت أنها تسلكها. أردت أن أعرف منها أيضاً لماذا يلجأ الناس للقتل، لماذا يقتل واحدنا الآخر. هذا الأمر لم أعرفه أبداً، كلّ ما علمته أن ّكارلا كانت صادقة، وأنني بفضلها اكتشفت أنّ الله حيّ وأنه قادرٌ علي تغيير الناس".
كانت والدة كارلا زانية ومدمنة على المخدرات، وقد دفعت ابنتها لتسلك نفس سلوكها منذ أن كانت طفلةً صغيرة. بدأت كارلا تأخذ حقن الهيروين عندما كانت في العاشرة من عمرها. وهناك في السجن تغيّرت حياتها 180 درجة، بمساعدة جمعية كانت تهتمّ بالنساء وتقدّم لهنّ الكتاب المقدس وتتحدث عن معنى الحياة مع الله. كان رون يزور كارلا كلّ شهرين، في الوقت التي كانت بانتظار تنفيذ حكم الموت عليها. وخلال وقتٍ قصير أصبحا كليهما صديقين حميمين.
يذكر: "لم يتمكن الناس من حولي أن يصدّقوا ما يجري. كانوا يقولون أنّ أمراً غير طبيعيّ يحدث معي، إذ من الطبيعي أن أحقد على الإنسان الذي قتل أختي لا أن أودّه. أحد أقاربي قال لي أنني بتصرفي هذا أسيء لذكرى أختي، وأنّ عظامها ترتجف داخل القبر بسبب تصرفي. وصرّح شخصٌ آخر يوم إعدام كارلا أنه سعيدٌ جداً لأنه سيراها ميتة بعد قليل".
كارلا نفسها كانت مذهولة من موقف رون. وقد قالت في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ أُجريت معها قبل إعدامها: "إنه لأمرٌ لا يصدّق! يمكن للمرء أن يسامِح، لكن أن يذهب أحدهم أبعد من ذلك ويصبح قريباً مني ويحبني فعلياً وبصدق...!!؟". كان من الأسهل بالنسبة لها أن تفهم مشاعر آلاف الناس الحاقدين عليها والذين كانوا يتمنون لحظة موتها: "يمكنني أن أدرك غضبهم. وكيف لا! إنه تعبيرٌ عن الألم والجرح العميق الذي يعانوه لأجل ضحاياهم التي فقدوها بسببي. أعلم أنّ الناس لا يصدّقون أني أستحقّ المسامحة. لكن من يستحقها؟ لقد مُنحت لي حياةٌ جديدة، ورجاءٌ جديد وهو أنّ الموت ليس الحقيقة النهائية". تقدمت كارلا من موتها بشجاعةٍ وبابتسامة وهي تتفوّه بكلماتها الأخيرة: "أتألم كثيراً لكلّ ما فعلتُه في حياتي، وآمل أنّ الله سيهبكم السلام بموتي".
أما بالنسبة لـ رون فقد بقي مصراً على رأيه أنه ما كان يجب أن يحكم على كارلا بالموت: "لم يقدّم لي إعدامها أيّ شيء.. بالتأكيد أشتاق لأختي. لكني أشتاق لـ كارلا أيضاً".
عن صحيفة (The Plough Reader)
 

كلدانية

مشرف
مشرف
إنضم
1 نوفمبر 2010
المشاركات
64,088
مستوى التفاعل
5,446
النقاط
113
شكرا للقصه الرائعه والعبره
ربنا يبارك ياقمر​
 
أعلى