كل أم تحتاج إلى الترفيه عن نفسها - دكتور سبوك

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
كل أم تحتاج إلى الترفيه عن نفسها


*الطفل عادة هو ديكتاتور صغير يسرق وقت الأم. يمنعها من ان تتمتع بصحبة الكبار.
*انها تشعر بالذنب لو اعملت طفلها وخرجت إلى نزهة مسائية مع الأب. وتشعر بالضيق عندما تظل محبوسة بين جدران المنزل لترعى الطفل.
*لكن.. الأم انسانة أولاً وأخيراً. والانسان يحتاج إلى الراحة... ألستم معي في ذلك.

الاجهاد هو النتيجة الوحيدة التي يمكن ان تراها على وجه تلك الأم. لقد جاء طفلها بعد ان اشتاقت كثيراً إلى أن تكون أماً.
ها هي مسؤوليات الأمومة تزحف عليها.
ها هي تعيش القلق على صحة الطفل.
ان الأربع والعشرين ساعة التي تمنحها لنا السماء كل صباح يستهلكهما هذا المحبوب.

ولكن..
هل يمكن ان يستمر هذا الحل؟
إنها اصبحت سجينة لرعاية طفلها والاشراف عليه. وهي تسمع من الصديقات بالتليفون عن الحياة الاجتماعية، عن الحلفة التي اقامها فلان وفلانة. وكانت ليلة جميلة. وتسمع عن قائمة من الأفلام الجديدة التي تُعرَض في السيتما.. وهي تنظر إلى الاعلانات في التليفزيون بمنتهى الأسف. إنها لا تستطيع الذهاب إلى أي فيلم من الأفلام. وهي لن تستطيع حتى ان تستمتع بدعوة أي اسرة لزيارتها، ذلك ان طلبات الطفل لا تنتهي، ثم مع من تترك الطفل؟
انها تنظر إلى ابنها على أساس انه قيد جديد من لحم ودم.
ديكتاتورو صغير يسرق الوقت. يمنعها من ان تتمتع بصحبة الكبار. وقد تسأل نفسها:

-ماذا يمكن ان يحدث لو تركته وحيداً في الشقة وخرجت لأشتري ما أريد. هذه الأسئلة تراود ذهن الأم. لكنها فور ان تفكر فيها تُصاب بالرعب والخوف وتتهم نفسها بالطيش.
وليس هذه الأم حالة غير طبيعية او شاذة بين الأمهات. ان كل ام تحتاج إلى الترفيه عن نفسها.
ان الخزت ينتاب احياناً قلب أي أم تشعر انها محاصرة في تنفيذ وصايا الحب المتفاني للأبناء.
انها تشعر بالحزن من فرط الاحساس بأنها معزولة وسط جزيرة من المسؤوليات. وتعترف المرأة دائماً بأن أكثر متاعب الأم يأتي من الاحساس بأنها فقدت حريتها.

ترتفع هذه الكلمة في أعماق المرأة وعلى لسانها في كل مكان متحضر.. امريكا وانجلترا وفرنسا وفي البلاد التي تحررت حديثاً وشاركت المرأة فيها في تحمل مسؤوليات الحياة العامة.

ان الفتاة في أي بلد من تلك البلاد في عصرنا تأخذ حقها كاملاً أو ناقصاً في مسائل الخروج من المنزل ومرافقة صديق. وهناك دفاع كامل عن حق الفتاة بالحب في الثقافة الغربية وهناك محاولات للدفاع عن هذا الحق في بقية البلدان التي تسعى إلى التقدم الإجتماعي.

وكل فتاة تشاهد الأفلام الأمريكية في عالمنا.. تكاد تفقد صوابها.. لأن أسلوب العلاقات الغرامية الذي تتبعه الفتاة الأمريكية مثلاً قد يثير دهشة أي فتاة من ريف أوروبا، وعندما تدخل البنت الأمريكية المدرسة الثانوية فإنها تبدأ في القول لوادليها بأنها أصبحت صاحبة الرأي الأول في مستقبلها وحياتها.

وهنالك عدد من الفتيات يخترن التعليم الجامعي وهذا يعني ان الفرصة تصبح أمامهن عريضة للاحتيار بين العمل أو الزواج أو العمل والزواج معاً.

وفي المجتمعات الحديثة كلها بدأ العمل يأخذ نفس الجدية التي كانت تعطيها المرأة قديماً للزواج كهدف يجب ان تحققه. الهدف الآن لمعظم نساء الدنيا هو العمل الذي يرضي شخصيتها والزواج الذي يؤكد لها انوثتها. وما ان تصل المرأة إلى العمل حتى تعرف انها اصبحت مسؤولة.. ان الأجر لا يأتي إلا بجهد يجب ان تبذله. وعندما يأتي الزواج فهي تتحمل مسؤوليتين، الأولى هي العمل والأولى أيضاً هي الزواج ولا بد ان توفق بين دورها كامرأة عاملة تحلم بالترقية والتقدم في مجال عملها وان تجد أيضاً هذا الدور الناجح لها في الحياة كزوجة. وهنا يذوب الحلم في الحرية اللامسؤولة التي كانت تمر في خيالها من قبل. فكثير من الفتيات يحلمن بأن يتعلمن لتهرب الواحدة منهن من قيود السيطرة العائلية وتحلم ايضاً بالزواج كفرصة للتعبير عن انوثتها. ولكن المرأة تُفاجأ عندما تصل إلى العمل والزواج، اذ تجد انهما يتعارضان. يسببان لها الارهاق. فما ان ينتهي العمل حتى تبدأ واجبات المنزل وهي تحلم ان تحقق فيها النجاح.

وعلينا ان نقول ان مساعدة الزوج للزوجة مازالت قاصرة بعض الشيء. ان الزوج لا يتحمل هذا العبء الكبير. الرجل غالباً يضع عمله أولاً، ويمارس مساعدة الزوجة في معظم الأحيان كنوع من التفضيل والمجاملة. وعندما تبدأ متاعب الحمل في الطفل الأول فإن باب الأمل في الانطلاق أمام الزوجة وحصولها على حقها من الترفيه يصبح مسدوداً. ان الانطلاق سيصبح له شكل آخر، أنه انطلاق في تعلم وسائل العناية بالطفل الوليد.

وما ان يأتي الطفل إلى الحياة، حتى تشعر الأم انها اصبحت محاصرة بين الخوف على الابنم وبين رغبتها في اداء عملها ورغبتها في ادارة امور المنزل. ويصبح يوم العطلة يوماً من العم لالشاق وعلينا ان نعترف ان الأم الموظفة التي انجبت اكثر من طفل هي أقل المخلوقات البشرية فراغاً. واقل المخلوقات استمتاعاً بأي ترفيه، وأقل الكائنات حظاً من الفسح والاجازات. صحيح ان اليوم لا يخلو من ابتسامات يكون السبب فيها هو الطفلة التي تقوم بتفصيل الملابس لعروستها، أو الولد الذي يعلم ابناء الجيران كيف يقولون الحروف الأبجدية او الراحة لأ، الابن خرج من دائرة المرض. وصحيح ايضاً أن المرأة اختارت الزواج كهدف ولا تستيطع الاستغناء عن العمل لأنها تساعد به الأسرة، بل ان دخل المرأة اصبح يمثل جزءاً أساسياً من دخل الأسر المبتدئة. ولكن هذا لا يمنع المرأة من ان تشعر بأنها تفقد الاحساس ببهجة الحياة. ان الحياة ليست إلا اربعاً وعشرين ساعة كل يوم. هذه الساعات لا تكاد تفي بالمسؤوليات التي يجب ان تقوم بها المرأة.

وكثيراً ما تحلم المرأة دون ان تدري بهذه الحياة البدائية التي يتمتع فيها سكان الحضارات الأكثر بساطة حيث يختص الرجل بالعمل وتختص المرأة برعاية البيت وليس هناك بيوت ازياء تخرج الجديد من طراز الملابس وليس هناك أنواع جديدة من العطور وليس هناك آلات حديثة تدعي شركات الانتاج انها تسهل الحياة للأسرة رغم ان هذه الآلات في معظم الأحيان تغرض الاسرة في الديون.. وهذه الحضارات البسيطة لا تدعي لنفسها ان الانسان مفروض عليه ان يلعب دور البطل. المرأة بطلة لأنها تنجب وتشغل وظيفة. والرجل بطل لأنه يساعد زوجته في أعمال المنزل ورعاية الطفل ويحمل هموم عمله أيضاً. ان هذه الحضارات البسيطة لا تغش أحداً، ولا تقبل اللعبة المكشوفة في الحضارات الغربية حيث ترتسم ملامح الشقاء على الرجل والمرأة معاً لأن الحياة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم. وفي هذه الحضارات البسيطة في جزء الهند الشرقية مثلاً أو أواسط أفريقيا أو الريف الإنجليزي أو الفرنسي أو أي ريف في بلاد البحر المتوسط لا نجد أحداً مرهقاً بهذه الصورة التي تُرهَق بها المرأة التي تعيش في مدينة كبيرة من مدن الحضارة الحديثة وأيضاً لا تُرهِق الرجل. ان تقسيم العمل واضح تماماً، لا يوجد تداخل في الوظائف الأسرية كالذي يوجد في المدن الكبرى. وهكذا لا يعيش الانسان هناك وهو جامد او كافر بحياته. بل ان الطفل عندما يكبر قليلاً يساعد الاسرة. الفتاة ترعى الأخوة الصغار. الولد يخرج مع ابيه بعد المدرسة ليتعلم اسرار عمل الوالد، سواء أكان فلاحاً أم تاجراً أم غير ذلك. ولهذا فإن المرأة في المجتمع البسيط تعيش أحلاماً واضحة ولذيذة.. تنضج، تتزوج، تنجب اطفالاً ترضي نفسها برعاية الطفل ورعاية الزوج.

اما الأم في المجتمع المتحضر فالطفل فيه قد يمنعها من الخروج من المنزل في سهرة سيقضيها الزوج مع الأصدقاء، أو يمنعها من الخروج إلى السوق، أو يحرمها من الاستمتاع بزيارة صديقاتها لها لأن الطفل وقت الزيارة قد يبدأ في فرض سلسلة من المتاعب. وهكذا تشعر المرأة بأنها وحيدة بل مسجونة في سجن اسمها الوحدة. إنها محاصرة طوال النهار. الصباح في العمل. بعد الظهر في المنزل لتنفيذ مطالب البيت وتنفيذ مطالب الطفل وقد تسأل المرأة نفسها أو تسأل السماء "لماذا تم خلقي على هذه الصورة التي تبدو كصورة لآلة تدور كل يوم في مواعيد محددة ووظائف محددة ومسؤوليات لا تنتهي..".

واكبر ما يسبب للمرأة الألم هو احساسها بأنها لا تُرفه عن نفسها. هذا الاحساس الذي يصيبها بالملل تماماً. انها لا تستطيع الحصول على مربية أطفال بسهورة.. إنها لن تستطيع ان تصحب الطفل الوليد إلى مجتمعات الكبار. إنها لن تستطيع اذن ان تخرج كما يحلو لها مع الزوج، بعد انتهاء أوقات العمل، باختصار، إنها لن تملك الحياة الاجتماعية.

وكثيراً ما أسمع الأمهات وهن يؤكدن حبهن الصادق للأبناء والزوج، ولكنهن يؤكدن أيضاً أن هناك احساساً بالملل من فرض العزلة التي تنشأ عند انجاب طفل أو اثنين.

قد يقول أحدهم..
-أذن ما فائدة دور الحضانة؟ ولماذا لا تعمل دور الحضانة كالمستشفيات ليلاً ونهاراً؟ والأم التي تريد أن تخرج مع الزوج إلى حفلة أو سينما أو مسرح يمكنها ترك الطفل في دار الحضانة. ان ذلك يبدو مشروعاً خيالياً قد يفكر فيه أحد الناس لكنه لا يتحقق. ان دار الحضانة التي تعمل في الصباح ليست في أغلب الأحوال صالحة لاستقبال طفل واحد. ولا تتوافر فيها الشروط الجيدة الصحية والانسانية. بل ان في أمريكا نفسها تحاول الأسرة كل يوم ان تعثر للابن على دار حضانة تسد أوجه النقص التي كانت في دار الحضانة السابقة وفي نظام المربية التي تجلس مع طفل لعدد محدود من الساعات لقداء أجر معين، هذا النظام ان وجد في بعض البلاد قد يكون غير موجود في بعض البلاد الأخرى...

هل معنى ذلك أنه لا حل؟
طبعاً لا.. ان هناك أكثر من حل.

مثلاً، أن تتفق زوجات الحي على أن تقوم واحدة منهم برعاية عدد محدد من أطفال الحي لتخرج بقية الزوجات في نزهة، على أن تقوم كل واحدة بدورها لمدة يوم في الأسبوع، عندئذ ستجد المرأة وقت فراغ تصاحب فيه الكبار وترفه عن نفسها مع الزوج.. وتتخلص لمدة ساعات من عبء الاهتمام بالطفل.

الحل الثاني ولابد أن تنفذه جميع الزوجات هو: ضرورة الخروج مع الطفل والأسرة في أحد ايام الأٍبوع إلى الحدائق.

ان ذلك مفيد جداً بالنسبة للطفل ومفيد جداً بالنسبة للأم ويجعل الزوج أيضاً يخرج عن رتابة الحياة الأسبوعية. ان الأسرة بذلك تحطم الملل.

قد تقول احدى الزوجات "أن الموالد المالية لا تسمح بالخروج يوماً في الأسبوع".

لكني أرى أن ميزانية أي اسرة يجب ان يخصص فيها بند للترفيه، لأن الترفيه هو تجديد للنشاط وأقبال جديد على الحياة.

انني اذكر انه في بداية الزواج حين كان أطفالي صغاراً، كانت زوجتي تأخذهم كل عصر إلى الحديقة الكبيرة بالمدينة، وكانت تضرب لصديقاتها المواعيد في هذه الحديقة فيزول بذلك الاحساس بالملل.

وأنا أسأل دائماً هذا السؤال:
-ان المحلات الكبيرة انشترت في كل مكان، لماذا لا تفكر إدارة هذه المحلات في انشاء دور الحضانة مؤقتة تضم ملاعب وألعاباً ومربية.. وعندئذ يمكن للأم أن تدخل المحل لتشتري حاجاتها وهي مطمئنة، ان طفلها يلهو ويلعب..

باختصار، أن أي مدينة كبيرة يمكن ان توفر لسكانها يوماً من المتعة والترفيه عن طريق النوادي الموجودة بها. وعلى الجمعيات النسائية والهيئات الاجتماعية الأخرى تقع مسؤولة تنفيذ المشاريع التي تتيح للأسرة ان ترفع عن نفسها.

ان الترفيه ضروري للأم حتى لا يخيم الحزن على قلبها، وحتى لا تشعر انها محصورة ضمن إلتزامات تنفيذ وصايا الحب المتفاني للأبناء وانها تعاني من الاحساس بأنها معزولة وسط جزيرة من المسؤوليات. أقول ذلك بالنسبة للمرأة لأني واثق أن الرجل أيضاً يفكر في ذلك يتمنى ان يحققه لنفسه أيضاً، فلماذا لا نبدأ في التنفيذ فوراً..
 
أعلى