ديفيد ليفِنجستون ..

الكرمه الصغيره

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
24 ديسمبر 2012
المشاركات
2,622
مستوى التفاعل
786
النقاط
113
13063337_552927798220010_1223523601558927930_o.jpg

ديفيد ليفِنجستون مرسل، مستكشف، محب للإنسان
هل تعرف مُكتشف بحيرة فيكتوريا حيث منابع النيل؟
هل تعرف الشخص الذي يُعزَى إليه الفضل الأكبر في أن يعرف العالم عن مجاهل قلب أفريقيا؟
هل تعرف الرجل الذي واجه أسدًا في أدغال أفريقيا وعاش؟
"هي حياة واحدة سرعان ما تمضي، ما عُمل فيها من أجل المسيح فقط يبقى"؛
هل تعرف قائل هذه العبارة؟
لقد قالها رجل عظيم وعاشها.
إذا بحثت عنه في أية موسوعة، أو إذا ذهبت إلى قبره، فستجد هناك مكتوبًا:
ديفيد ليفِنجستون مرسل، مستكشف، محب للإنسان
* * *
وُلد ديفيد ليِفنجستون يوم 9 مارس 1813 في پلانتير باسكتلندا، من أبوين “فقيرين وتقيَّين”،

كما عبَّر هو شخصيًا على شاهد قبريهما. تميزت أسرته بحب العمل الشاق والرغبة في التعلم، وكانت تتكون من الأبوين وسبعة أطفال (هو ثانيهم)، يقيمون في غرفة واحدة على سطح مبنى لسكن عُمال مصانع القطن. لكنها كانت أسرة تمتلك
«التَّقْوَى مَعَ الْقَنَاعَةِ»

فكانت تجارتهم العظيمة :
(1تيموثاوس6: 6).
أبوه نيل ليِفنجستون كان يبيع الشاي، متجولاً من بيت إلى بيت؛ ورغم أن هذه المهنة لم تكن تُدِر عليه ربحًا وفيرًا، لكنه كان يحبها لأنها أتاحت له الفرصة لمشاركة الآخرين بإيمانه بيسوع المُخَلِّص.
*
من صغر ديفيد علمه أبوه القراءة، وأحبها بسبب جده من أمه الذي كان يُعيره الكتب من مكتبته. نادرًا ما كان ديفيد يُرَى بدون كتاب. كان أبوه يأخذه على ركبتيه ويقرأ له قصص المُرسَلين، خاصة المُرسل الهولندي كارل جتزلاف والذي جمع بين الطب والإرسالية. في يوم نظر ديفيد إلى عيني أبيه وقال له:
هل تعلم يا أبي، في يوم ما سأكون مثل هؤلاء العظماء:
مُرسَلاً، طبيببًا، خادمًا للرب.
*
في سن العاشرة اضطُر أن يعمل في محالج القطن. جمع بين العمل

(12 ساعة صباحًا)، والدراسة (ساعتان مساءً)، والاستذكار (ليلاً).
على أنه لم يُسمَع يومًا متذمِّرًا!
بل إنه بعدما كبر كان يذكر أتعاب هذه الفترة على أنها تدريبات كانت لازمة له.
كان يحب العلوم في زمن كانت العلوم تعتبر متعارضة مع الدين. بالإضافة لذلك كان محبًّا للطبيعة معجَبًا بخليقة الله.
*
في التاسعة عشرة، اقتنع ديفيد باحتياجه الشخصي إلى مُخَلِّص وبكفاية المسيح لكل احتياجه؛ فقَبِله مُخَلِّصًا له، مُتَّخذًا قرارًا أن يسلمه حياته بالتمام. من وقتها كان يحاول مساعدة الإرساليات بكل ما يزيد عن احتياجه الأساسي.
يومًا وهو بعد فتى غض ركع على ركبتيه وصلى للرب:
“يا رب، أرسلني إلى أي مكان، فقط كن معي!
ضع أي حمل عليَّ فقط عضدني!
اقطع كل رُبط تربطني، إلا ما يربطني بقلبك وبخدمتك!”.
قام يومها من الصلاة يرن في أذنيه وعد الرب:
«وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ»
(متى28: 20)،
وقد خصَّصه لنفسه كل أيام حياته.
*
بعد فترة قليلة كان في الكنيسة مع أبيه حيث قُرِئ خطاب من كارل جتزلاف، يحكي فيه عن الحاجة الماسة لمُرسَلين للصين وبصفة خاصة من الأطباء. في طريق عودتهم طلب ديفيد، كردِّ فعل لما سمع، أن يتعلم العلوم. فأجابه أبوه:
“إن كانت العلوم ستفتح قلب الرجل الصيني، فليكن.”
وهكذا بدأ ديفيد أول خطوة في طريق أن يكون مُرسَلاً طبيبًا.
*
ادَّخر ديفيد كل ما أمكنه خلال 3 سنوات ليتمكن أخيرًا من الالتحاق بكلية أندرسون في جلاسجو، حيث درس الطب واليونانية. كان مجتهدًا جدًا في دراسته، وتخرج منها سنة 1838. ساعده أخوه چون، والذي كان يعمل هو أيضًا في محلج القطن، في مصاريف الدراسة في العام التالي.
*
التحق ديفيد بـ“إرسالية لندن” وهو بعد طالب. وقد نصح الشخص الذي تولى تدريبه الإرسالية بعدم إرسال ديفيد لأنه لا يعرف أن يعظ ولم يحصل على درجات جيدة في العبرية. لكنهم في الإرسالية طلبوا إعطاءه فرصة أفضل نظرًا لاجتهاده في الجامعة واضعين في اعتبارهم أنه لم يكن حظه كبيرًا من التعليم قبل الجامعي. وأمام مثابرة ديفيد واجتهاده، عاد مدربه ورشَّحه لدراسة الطب!
*
كان كل هذا إعدادًا لديفيد ليذهب كطبيب مُرسَل إلى الصين. وبينما هو يُعِد العُدة للإبحار إلى هناك، قامت ما بين إنجلترا والصين ما عُرف

بـ“حرب الأفيون الأولى”،
فقررت الإرسالية عدم إرسال مُرسَلين إلى هناك. حاولت الإرسالية إرسال ديفيد إلى الهند الغربية ليساعد أحد المُرسَلين هناك، لكنه رغب في أن يذهب إلى حيث لم يسبقه أحد، إلى حيث لم يتمتع الناس بالبشارة ولا الرعاية الطبية.
*
في هذه الآونة تقابل مع “روبرت موفات”، وهو مُرسَل لجنوب أفريقيا، وكان يحكي عن احتياجات العمل هناك. سأله عن وسط أفريقيا وإن كان هناك سكان فيها، فقال موفات:
“في الصباح الجلي، يُرَى الدخان متصاعدًا من آلاف القرى التي لم يُسمَع فيها اسم المسيح مطلقًا”.
ظلت هذه العبارة ترن في أذن ديفيد فقرَّر أن يذهب إلى أفريقيا، ووافقته الإرسالية.
*
وفي 8 ديسمبر 1840 استقل السفينة “چورچ” إلى جنوب أفريقيا. وعلى متنها تعلَّم من قبطانها، الكابتن “دونالدسون”، كيف يبحر ويعرف الاتجاهات من النجوم، الأمر الذي أفاده بعد ذلك كثيرًا. بسبب العواصف والتيارات البحرية جنحت بهم السفينة إلى البرازيل حيث بقيت للإصلاح بعض الوقت. وأخيرًا، بعد أربعة أشهر، وصل ديفيد إلى “كيب تاون” وقد بلغ الثامنة والعشرين من عمره. وأخيرًا بعد 8 شهور من مغادرته موطنه وصل إلى “كورومان”، حيث مقر الإرسالية. وبقي هناك يساعد باقي المُرسَلين في انتظار عودة “موفات” من الوطن.كان ديفيد توَّاقًا لأن يرتحل شمالاً حيث مئات الآلاف من الأفارقة الذين لم يسمعوا عن محبة المسيح. كثيرًا ما ردَّد أو كتب في مذكرته هذه العبارة:
“إن ذلك المنظر الساحر للدخان المتصاعد في الصباح من آلاف القرى يشعل قلبي بداخلي”.
كان يومها وسط أفريقيا غير مرصود على أية خريطة.
*
أخيرًا أقنع “روچر إدواردز” بالارتحال معه شمالاً للبحث عن نقطة تصلح لموقع جديد للإرسالية، وفي 24 سبتمبر 1841 بدأت رحلتهما من جنوب القارة نحو الشمال، إلى حيث لم تكن عين أورُبي قد أبصرت بعد.
كطبيب كان غرضه أن يعالج الناس من أمراضهم حتى يمكنه مشاركتهم بالإنجيل، وكمُرسَل كانت رغبته أن يجد طرقًا سهلة من الساحل إلى قلب إفريقيا حتى يتمكن مُرسَلون آخرون من أن يخدموا في

“القارة المظلمة”
(كما كانوا يسمون أفريقيا يومها)
لينيروها بنور الإنجيل.
لذا كان يحدِّد بدقة كل مكان يصل إليه مستخدمًا ما تعلمه من قبطان السفينة. كان يستغل كل ما تعلم، ولو أصغر الأشياء، ليتمِّم غرضه الأعظم.
*
ارتحل وروچرز مع اثنين من المرشدين الأفارقة، مستخدمين عربات تجرها الثيران. مرَّ أسبوعان حتى لمحوا بوادر أول قرية. ما أن رآهم السكان المحليون حتى أحاطوهم بالرماح وهم يتقافزون.
* * *
* *
*
ديفيد ليفِنجستون مرسل، مستكشف، محب للإنسان 2
ما أن وصل ديفيد ورفقاؤه إلى قبيلة أفريقية حتى وجدوا أنفسهم مُحاطين بأفارقة مدجَّجين بالرماح يتقافزون حولهم. سُرعان ما قادوهم إلى رئيس قبيلة “الباكونا” في قرية “موباستا”. هناك ابتدأ ديفيد يقدِّم خدمات طبية للمحليين. تكررت زياراته لموباستا حتى أصبحت مركزًا لإرساليته واستقر فيها.
*
مرة وهو عائد إلى المقر مع “مبالو” (أحد رفقاء الخدمة الأفارقة) صادفهما أسد ضخم، قفز على ليِنجستون، وأطبق بفمه على ذراعه الأيسر، ثم رفعه لفوق مُعَلِّقًا إياه في الهواء. استطاع مبالو أن يطلق الرصاص على الأسد، فترك ديفيد ليسقط على الأرض، وهاجم مبالو. سريعًا تجمع سكان القبيلة وتمكنوا من طعن الأسد بالرماح حتى مات. نقلوا ديفيد إلى المقر مغشيًّا عليه، وعندما أفاق كان أول شيء سأل عليه هو مبالو، وهدأ لما عرف أنه بخير. وابتدأ يرشد زميله ماذا يفعل ليجد الكسور في ذراعه ويعيد تجميع العظام. لم يُشفَ هذا الذراع تمامًا، بل بقي باقي عمره بلا نفع. لم يهتم كثيرًا بهذا الأمر، ومن ضمن السطور التي كتبها لأبيه بهذا الصدد قال:
“... ينبغي لي أن أشكر الله الذي أنقذني من هذا الخطر العظيم، وأرجو ألا أنسى نعمته أبدًا. وأتمنى ياأبي ألا تأسف على ما حدث لي... ولا تخبر أحدًا عن هذا”.
*
في 1845 تزوج ديفيد من ماري موفات، البنت الكبرى لروبرت موفات، والتي كانت تشعر بالألفة والراحة وسط أحراش أفريقيا التي وُلدت فيها أكثر من صالونات أوروبا. فكانت خير مُعين لدييد. بعد الزواج، تحرّكوا لتأسيس إرسالية أخرى في عمق القارة. كانت الحياة هناك صعبة في طبيعتها، لكن التقدم الروحي كان عظيمًا. ابتدأ ديفيد يتعلم لهجة “البانتو” التي تتحدثها قبائل “الباكونا” و”الباكوين”. ونشأت صداقة بينه ورئيس في قبلية الباكوين اسمه “سيشيلي”، والذي استمع إلى وعظ ديفيد كثيرًا، وأخيرًا طلب الرب مُخَلِّصًا. وفي يوم سأل سيشيلي ديفيد سؤالاً لم يجد إجابة له:
“إذا كانت معرفة الناس بالإنجيل مهمة بهذا المقدار، فلماذا مَرَّ كل هذا الزمان دون أن يأتي الأوروبيون ليخبروا الأفارقة؟
ولعل هذا السؤال لجميع مَن آمنوا بالمسيح.
*
واحد من التحديات الكبيرة لديفيد كان “البور Boer” وهم أناس من أصول أوروبية مستوطنون في جنوب أفريقيا، كانوا يعملون في تجارة العبيد من الأفارقة. وقد قاومهم ديفيد بشدة، ونجح إلى حد كبير لمدة طويلة من حياته. بسبب الجفاف اضطر آل ليِنجستون مع قبيلة الباكوين أن يرتحلوا حتى وصلوا كولوبنج بالقرب من نهر، وهناك واجه ديفيد مقاومة أعنف من البور. ومن هناك قرر أن يبدأ استكشاف طرق عبر صحراء كلهاري. كان يريد أن يقود الباكوين بعيدًا عن مَنال البور.
*
استمر ديفيد في خوض المجهول مُستكشِفًا أفريقيا بغرض أن يرسم طريقًا يسهِّل مهمة آخرين ليحملوا الإنجيل لها. وكانت مقولته الشهيرة:
“أنا مستعد للذهاب إلى أي مكان بشرط أن يكون إلى الأمام”.
*
كانوا يستخدمون مرشدين أفارقة في رحلاتهم، أتاههم أحدهم عمدًا بعيدًا عن مصادر المياه. وفجأة وجدوا أنفسهم في عمق الصحراء يموتون من العطش. لكنهم صلُّوا، فأرسل الله إلى طريقهم امرأة من الغابة لتقودهم إلى مصدر مياه. وهكذا تم اكتشاف نهر “زوجا” سنة 1849. وبعد شهر اكتشفوا بحيرة “نجامي”. بعد عامين وقف على شواطئ نهر “الزامبيزي” ليكون أول أبيض يشاهد هذه المنطقة.
*
كانت أسرة ديفيد ترافقه كل رحلاته، وبدأت صحة أفراد الأسرة تضعف بسبب الملاريا والسفر المستمر؛ فقرَّر أن يرسل زوجته وأطفاله الأربعة إلى اسكتلندا، واعدًا إياهم أن يلاقيهم في خلال عامين. وبينما هو يودِّعهم إلى السفينة جاءته أخبار بهجوم البور على مقر الإرسالية واستيلائهم على كل ما يخص ديفيد من كتب ومعدات طبية، والأخطر من ذلك أنهم أسروا مئات من الباكوين كعبيد، وقتلوا آخرين، وتمكن سيشيلي من الهروب مع الباقين. لم ييأس ديفيد وقرر الاستمرار.
*
في مايو 1854، كان ديفيد قد قطع مسافة 2000 ميل من جنوب أفريقيا مرورًا بصحراء كلهاري وحتى الشاطئ الغربي لأفريقيا، حيث عرضت عليه إحدى السفن اصطحابه مجانًا إلى بلاده، لكنه رفض لأنه كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن مرافقيه الأفارقة وقد وعد رئيس قبيلتهم بأن يعودوا سالمين، فاكتفى بإرسال بعض الخطابات والوثائق الثمينة معهم. على أن السفينة غرقت فتألم جدًّا على أنفس الذين غرقوا.
*
استمر ديفيد في رحلاته، وأخيرًا وصل إلى

“الدخان الذي يرعد”
(على حد تعبير الأفارقة)،
حيث وقف وسط جزيرة في النهر ونقش الأحرف الأولى من اسمه على شجرة كبيرة، وهو يشاهد شلالات فيكتوريا. في مايو 1856 وصل إلى الشاطئ الشرقي لأفريقيا إثر تتبعه لنهر الزمبيزي. من هناك كتب للإرسالية في لندن أنه أخيرًا قد وجد طريقًا يصل المُرسَلين إلى أعماق أفريقيا، حيث توجد مواقع كثيرة يمكن أن يُعلَن فيها الإنجيل.
*
أخيرًا، عاد ديفيد إلى اسكتلندا ليرى عائلته، بعد قرابة 5 سنوات من الفراق. بينما هو في طريقه إلى هناك وصله خبر وفاة والده فتألم لذلك كثيرًا. لما وصل للبيت لم تعرفه زوجته للوهلة الأولى، فقد أحرقته شمس أفريقيا وأوهنت الرحلات قواه.
وهو في الوطن، طُلِب منه أن يُلقي محاضرات عن رحلاته إلى أفريقيا. وكانت مقولته الشهيرة:
“أنا أقوم بواجبي كمُرسَل في فتح أفريقيا لمحبة المسيح”.
وهناك حرَّض كثيرين على إطاعة دعوة الله بالذهاب إلى أفريقيا، وكتب كتابًا عنوانه :
“رحلات مُرسَل وأبحاثه في أفريقيا”.
طلبت الملكة فيكتوريا مقابلته شخصيًّا، كما نال الميدالية الذهبية من الجمعية الملكية الجغرافية لمجهوداته الاستكشافية، وعرضت عليه الحكومة أن يعمل مُستكشِفًا.
في سنة 1858، ولهيب محبته للأفارقة يشعل قلبه، عاد ديفيد وزوجته ماري وابنهما “زوجا” إلى أفريقيا. بمجرد عودته واصل جهوده الاستكشافية لفتح الطريق أكثر للمُرسَلين.
*
بعد أربعة سنوات من عودتهم، مرضت ماري زوجته بشدة من الملاريا، ولم يستغرق الأمر سوى أسبوع واحد حتى انطلقت لتكون مع المسيح عن 41 سنة. كتب يومها ديفيد في مذكرته:

“أول ضربة من العيار الثقيل أتلقاها في حياتي، لقد أوهنت قواي... لقد أحببت ماري يوم تزوجنا، وكلما عشنا معًا كلما أحببتها أكثر”.
وهو يدفن زوجته رفع عينيه إلى السماء وقال:
“يا رب يسوع، يا ملكي، يا حياتي يا كل شيء لي؛ أعيد تكريسي لك، لن أقيِّم أي شيء إلا في ضوء ملكوتك وخدمتك”.
مرة أخرى سمع الوعد:
«ها أنا معكم كل الأيام...».
*

بعد عامين من وفاة زوجته عاد إلى اسكتلندا ليفتقد أولاده. وهناك كتب كتابًا آخر عن نهر الزامبيزي، وألقى محاضرات عن الاحتياج لتجارة قانونية مع أفريقيا للقضاء على تجارة العبيد. ماتت أمه وهو هناك ووصله خبر موت ابنه الأكبر روبرت في الحرب الأمريكية. وفي 1865 غادر بريطانيا للمرة الأخيرة.
*
أثناء رحلته الاستكشافية الجديدة أصيب بانتكاسة شديدة من الملاريا. وسُرِق صندوق الدواء الخاص به، فشعر أنها مسألة وقت حتى يستسلم للمرض. اللصوص الذين سرقوا الدواء استخدموه ليشيعوا أن ليِنجستون قد مات. جرت محاولات للبحث عنه وفشلت، لكن بعض الأدلة كانت تقول إنه حي. ويومها صلَّى وكانت واحدة من المَرَّات القليلة التي صلى فيها من أجل نفسه:
“يا رب أنت قلتَ لي: «ها أنا معكم...»، وأنت تعلم أنني أحتاج لهذا الدواء”.
لم يمر وقت إلا وفوجئ بشخص أبيض يلقاه يُدعَى هنري مورتون ستانلي، قال له إنه صحفي وقد أتى ليبحث عنه بتكليف من صحيفته، وأضاف:
“لكن أولاً دعني أعرفك شيئين عني:
أولاً،
أنا أكبر مُلحد على وجه الأرض، ولا تحاول أن تغيِّر مني.
ثانيًا،
أحدهم أرسل لك هذا الدواء”.
تناول ديفيد الدواء شاكرًا الرب. واستكمل رحلاته مصطحبًا ستانلي، والذي بعد 4 شهور من هذا التاريخ ركع على أرض أفريقيا وسلَّم حياته للمسيح!
وكتب بعد ذلك أهم كتاب عن حياة ليِنجستون. ترك ستانلي ليِنجستون بعد أن حمَّله مذكرات وخطابات. وكان آخر رجل أبيض يراه.
*
ضعفت قوى دييد، ولم يتراجع بل استمر يخدم، حتى اضطر رفقاؤه أن يحملوه من قرية لقرية ليعظ. كان يستمر واعظًا حتى تخور قواه تمامًا فيطلب أن يعود لبيته ليستريح قليلاً، وقبل أن ينام يطلب مساعدة ليركع على ركبتيه ويصلّى لفترة طويلة ثم ينام. كان يرد على أية محاولة لإقناعه بالكف عن العمل:
“الموت فقط هو الذي سينهي مجهوداتي”.
*
في ليلة 30 أبريل 1873، ركع ديفيد ليِنجستون بجوار سريره، وأطبق يديه في صلاة كعادته. بعد فترة دخل واحد يراه، فقالوا له:
“انتظر فهو يصلى”.
وفي الغد كان ديفيد قد فارق أرض العناء ليكون مع سيده الذي أحبه وخدمه. مات وهو يصلي، مات بنفس الطريقة التي عاش بها:
في محضر الرب.
كانت آخر كلمات كتبها ديفيد هي:
“كل ما يمكنني أن أضيفه في وحدتي هنا هو:

لتحل بركات السماء على كل من يساعد في إبراء جروح هذه البقعة من العالم”.
*
أراد الأفارقة أن يُدفَن ديفيد في أفريقيا، لكن أصرَّت الحكومة البريطانية على عودة جسده ليُدفَن هناك. فنزع الأفارقة قلب ليِنجستون ليدفنوه تحت إحدى أشجار أفريقيا قائلين:
“يمكنكم أن تأخذوا جسده، لكن قلبه يخص أفريقيا”.
حمله رفقاؤه الأفارقة لمسافة أكثر من 1700 كم عبر الصحاري والأدغال ومناطق الحرب، ليصلوا به إلى الميناء الذي منه غادر جثمان ديفيد أفريقيا. كان كسر عظام ذراعة اليسرى الذي سبَّبه الأسد منذ 30 سنة هو العلامة الأكيدة أن هذا هو جسد ديفيد ليِنجستون. بعد قرابة العام من وفاته، وصل جثمانه إلى كاتدرائية وستمنستر حيث دُفن مع العظماء. وكُتب على قبره:
“هنا يرقد مطمئنًّا، بعد أن أحضرته أيدي المحبين الأمناء عبر الأراضي والبحار: ديفيد ليِنجستون؛ المُرسَل، المستكشف، محب الإنسان... لمدة 30 عامًا أنفق حياته بلا كلل في تبشير الأفارقة، وفي استكشاف أسرار القارة، وفي مقاومة تجارة العبيد وسط أفريقيا”.
*
في ذكرى 100 عام على ميلاد ديفيد ليِنجستون، قيل عنه:
“كمُرسَل كانت له غيرة عظيمة لخدمة الله. وكمستكشف كان خادمًا لا يكل للعِلْم. وكمكافح للعبودية خدم الإنسانية بالتهاب”.
وإن كانت الجزئيتان الثانية والثالثة من هذه العبارة عظيمتين، إلا إنك لابُد وأن توافقني أن الأولى هي الأبقى وكانت هي الهدف الحقيقي لحياة ديفيد ليِنجستون، الذي عاش في الأساس ليخدم السيد، فنجح في كل شيء.
*
ولا يمكنني أن أختم قصة ذلك البطل إلا باقتباس من أقواله:
“الناس يتحدثون عن تضحياتي في أفريقيا! وهل تُقَارَن تلك التي يدعونها تضحيات بما ينبغي أن أردَّه لله وفاءً للدين الكبير الذي لا يمكن أن يُرَد؟”.
ليتنا نتعلم الدرس!
{عصام خليل}
* * *
يارب أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
أعلى