الغضب الإلهي وتقويم وإصلاح النفس - الجزء الخامس والأخير الغضب الإلهي والنمو الروحي السليم

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
الغضب الإلهي وتقويم وإصلاح النفس
غضب الله الأبوي - الجزء الخامس والأخير
الغضب الإلهي والنمو الروحي السليم
للرجوع للجزء الرابع
أضغط هنـــــــا



ثالثاً: فترة الجفاف الروحي (وليس الفتور)
حينما تختفي في داخلنا حلاوة الفرح والمسرة بغفران الله الحلو ولا نشعر بتعزيات الروح القدس، لأن أحياناً النعمة تختفي وتتوارى قليلاً لتدخل الإنسان في خبرة جديدة من جهة الإيمان ونموه، لكيلا يظل يعتمد على مشاعره وأحاسيسه وتتعلق نفسه بالتعزيات والأفراح السماوية وتتوقف حياته على الطفولة الروحية فيتوقف نموه ويتعطل إيمانه، لذلك تُمتحن إرادة الإنسان لتظهر رغبات قلبه الخفية المُضادة للإيمان الذي يُرضي الله، لكي يقدِّم عنها توبة ويمسك في رئيس الحياة وملك الدهور بإيمان واعي ثابت ويتنقى قلبه ويستمر في التغيير والنمو في الإيمان العامل بالمحبة، ويصير له الطوبى من جهة أنه يؤمن ولا يرى، وان إيمانه في كل الأحوال ثابت سواء كان فيه تعزيات أو أفراح أو آلام وضيقات أو حتى لا يوجد شيء يشعره إطلاقاً.

لأن كثيرين في بداية الطريق يفرحون ويظنوا أنهم وصلوا لنهايته وصاروا في حالة من الكمال بسبب التعزيات القوية الحاصلين عليها واستنارة الذهن الذي فرح قلبهم جداً، ومن هنا يبدأ أعظم سقوط للإنسان، لذلك دائماً ما نرى أن الكثيرين يخفقون في هذه الخطوة فيبدئون في إهمال حياتهم ويظنون أن النعمة تخلت عنهم، فيهتز إيمانهم ويستسلمون لخطياهم السابقة، وأحياناً يفوقوا ويستيقظوا منها – سريعاً أو بعد فترة تعليم وتأديب طويلة – فيتوبوا فوراً ويعودوا لله الحي، وأحياناً يستسلمون لها ويفقدوا إيمانهم إذ يظنون أن الله تخلى عنهم، ويبدئون في خلق الأعذار الغير مقبولة، قائلين: ربنا عارف ضعفي، أو أن العالم شرير والشر حولي انتشر، فماذا أفعل!!!

ويبدأ يتكل الإنسان على هذا وهو يعلم أن الله محبة يغفر الخطية ويصفح عن الذنب (وهذه حقيقية فعلاً ومؤكده بقوة في الإنجيل)، ولكنه يهمل نفسه ويخسر حركة قلبه نحو الله ويتمادى في أعمال الشرّ وارتكاب فعل المعصية إلى أن يعتاد على هذه الحالة، ويستهين بلطف الله وحنانه الذي مس قلبه ويتكل على أن الله كثير الرحمة والغفران:
+ أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؛ فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا (عن قصد وقساوة قلب) وأما اللطف فلك، (وذلك) أن ثبت في اللطف وإلا فأنت أيضاً ستُقطع. (رومية 2: 4؛ 11: 22)
ولكن شكراً لله المُحب لأنه لا يترك الإنسان مهما ما كان وصل لأعلى درجات الشرّ وظهر فيه كل فساد، فانه في تلك الحالة يُظهر غضبه في قلب الإنسان وفكره ويبدأ في مرحلة تأديبه، ويشعر الإنسان بلسعة ضربات الله الموجعة، ويتساءل: ألم يكن الله لنا مسامحاً وغافراً لنا في المسيح الذي رفع غضب الله وأعطانا المصالحة مبطلاً الموت بموته، فكيف اشعر اليوم بغضب الله المعلن على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم، ولماذا أنا بعد ما أصبحت ابناً لله دخلت في دائرة غضبه المؤلم لنفسي!!!

وهذا سؤال المسيحي الحقيقي الذي تذوق خبرة غفران الله وقربه منه، وسقط فترة طويلة مبتعداً عن الله فلاقى غضب الله وشعر به ثقيلاً في قلبه، وتم فيه المكتوب:
+ فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين (1ملوك 11: 9)
عموماً نجد ان هناك كثيرين – عن جهل وعدم معرفة كامله – يرفضون أن هناك غضب لله ويقولون الكتاب المقدس لا يتحدث عن أن الله يغضب، فالله في العهد الجديد لا يغضب نهائياً، طبعاً الله ليس مثلنا له جهاز عصبي مثلاً وغضوب وينتقم مثل البشر، ولكن هذا إعلان عن رفض الله للشر والفساد لكي نفهم طبيعة الموت والفساد، فالله يغضب فعلاً على الشرّ ولا يقبل أي مهادنة معه أو خلط ما بين النور والظلمة، والغضب هنا يُعلن ما هو مكتوب: لأن الرب إلهكم إله غيور في وسطكم لئلا يحمى غضب الرب إلهكم عليكم فيبيدكم عن وجه الأرض. (تثنية 6: 15)
*** فلماذا إذاً هذا الغضب، مع أن الله محبة ***
في الحقيقة والواقع الروحي من جهة التقوى، فأن غضب الله هو عمق المحبة الأبوية ذاتها، بل هي – في الحقيقة – قوة أصالتها ومعدنها الخلاصي، لأن الله محبته لنا ليست نفسية عاطفية، وحنانه ليس الحنو المريض الذي يشفق ويترفق على مريض جرحه غائر سيقتله، لذلك فأنه يُعلِّن غضبه الشديد بقوة لكي يصرخ الإنسان: (لا أريد هذا الشر ولا أُريد الفساد، ارحمني يا رب، وأشكرك من كل قلبي على عصا رعاية محبتك لتردني إليك وتُحيي نفسي بالتقوى).
فالمريض الذي لا يشعر بألم أوجاع جسده فأنه لن يذهب للطبيب، والمريض الذي لا يرى أثر المرض على من هم حوله وكيف أن بعضهم يموت منه، فأنه سيتهاون مع مرضة إلى أن يقتله! ومن هُنا نفهم لماذا يعلن الله غضبه أحياناً على الأمم بسبب خطاياهم وفجورهم بالتأديب الظاهر واقعياً أمام الجميع في هذا العالم، لأنه يُعلن نتيجة خطاياهم البشعة واستحقاقها، لأن الموت في باطنها يملأها بالتمام: لأن أجرة الخطية هي موت (رومية 6: 23).
فيا إخوتي أن للرب غضبه الخاص مع النفس التي هي له، فالرب يغضب حينما نُخطئ ويعلن غضبه في قلبنا لو كنا صرنا لهُ أبناء حقيقيين بإيماننا بالمسيح الرب، وذلك لأنه مكتوب: لا يرتد غضب الرب حتى يجري ويُقيم مقاصد قلبه، في آخر الأيام تفهمون فهماً. (أرميا 23: 20)
وقد أتت آخر الأيام التي فيها نفهم بالروح القدس وإعلانه في القلب، وآخر الأيام أي ملء الزمان، حينما تجسد الكلمة ومات لأجل خطيانا وقام لأجل تبريرنا، فهو برنا الخاص وكساء نفوسنا لكيلا نوجد عُراه، ونعم المسيح الرب يغضب ويُعلن غضبه على الخطية، ولا يترك الإنسان في موتها المُرّ للنفس، وذلك حتى يُجري ويُقيم مقاصد قلبه وهي شفاءنا من مرضنا الداخلي الذي يحطم أنفسنا ويفقدنا كل رجاء حي، إذاً غضب الله، غضب المحبة الحقيقية، وهذا لكي يحولنا إليه بواسطة خوفنا من غضبه، مثل الطفل الذي يخشى غضب أبويه حينما يرتكب أخطاء تأذي نفسه.
إذاً فسخطه ليس للانتقام منا، بل بالحري ليُعطينا الغفران لأنه يقول: إن رجعت وحزنت فإنك ستخلُّص. (مزمور 3: 15 سبعينية)، لذلك فأنه يغضب منتظر بكاءنا وحزن قلبنا بإيمان الرجاء الحي والثقة في محبته الشديدة كأب يرعانا بعصا تأديبه المقدسة للنفس، ويفعل هذا ونحن هنا، أي ونحن نحيا في هذا الزمان الحاضر الشرير، لكي ينجينا من الأحزان الأبدية ويخلصنا من آثار الخطية المدمرة للنفس. فهو ينتظر حزن قلبنا ودموع توبتنا الحقيقية لكي يسكب علينا رحمته. وهذا ما عرفناه في الإنجيل عندما أشفق على الأرملة الباكية وأقام ابنها. (لوقا 7: 11و 15)
فهو ينتظر رجوعنا لكي يُعيدنا إلى النعمة التي كانت ستظل مستمرة معنا في ازدهار ونمو لو أننا لم نسقط، والشاطر المستنير الذي عنده حكمة وفطنة هو الذي يفهم مشيئة الله حسب إعلان الكتاب المقدس:
احتمل غضب الرب لأني أخطأت إليه حتى يُقيم دعواي ويُجري حقي، سيخرجني إلى النور سأنظر بره. (ميخا 7: 9)
فالغضب غضب أبوة حانية جداً، والتأديب تأديب المحبة، لأنه مكتوب: لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. (عبرانيين 12: 6)
من هنا نعلم لماذا كثيرين يتكلمون عن غضب الله أنه محصور في إله العهد القديم فقط، وكأن الله يتغير ويختلف من عهد لعهد، مع أنه هو الله الواحد الوحيد الغير متغير أو متبدل بل المشكلة وحدها في الإنسان، ورفض غضب الله وتأديبه والتعليم باختلاف الله من عهد لعهد، هو دليل قاطع على أن الإنسان لم يتذوق بعد أبوة الله في المسيح يسوع، ولم يدخل بعد في عهد البنين ولم يرى الله ولا عرفه لأنه مكتوب: لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. أن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه. ولكن ان كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نغول لا بنون. (عبرانيين 12: 6 – 8)
فيا إخوتي انتبهوا جداً لأزمنة التأديب واخضعوا تحت يد الله القوية، واعرفوا يقيناً أن في تلك الساعة، ساعة الغضب، أن محبة الله قريبة منكم جداً، وامسكوا في هذه الأيام بشدة لأنها نجاة كل أحد لأنها تعمل لخلاصه وشفاءه التام، فنحن في زمن الشفاء الذي فيه اقترب منا الله جداً بمحبة حانية شديدة، فأن فلتت منا وعبرت علينا أو كرهتها أنفسنا ولم نخضع فيها تحت يد الرب القوية الشافية المُحيية، سنهلك حتماً وبالضرورة، أما أن رجعنا وتمسكنا بشدة في محبة الله المعلنة لنا في مرحلة التأديب، فستأتينا أوقات الفرج حتماً ويكون لنا مجد عظيم لم نرى له مثيلاً من قبل، لأنه حيثما ازدادت الخطية ازدادت النعمة جداً وتفاضلت:
فتوبوا وارجعوا لتُمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. (أعمال 3: 19)
ولنصغي لكلمات الرسول لنستوعب غنى النعمة في مرحلة التأديب الإلهي لنا:
+ قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم، أفلا نخضع بالأولى جداً لأبي الأرواح فنحيا. لأن أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب استحسانهم وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته. ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن، وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر برّ للسلام. لذلك قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة. واصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكيلا يعتسف الأعرج بل بالحري يُشفى. (عبرانيين 12: 9 – 13)
+ الآن أنا أفرح لا لأنكم حزنتم بل لأنكم حزنتم للتوبة، لأنكم حزنتم بحسب مشيئة الله لكيلا تتخسروا منا في شيء، لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة وأما حزن العالم فينشئ موتاً. (2كورنثوس 7: 9 – 10)

_________فهرس الموضوع على الترتيب___________
للدخول أضغط على العناوين
 
التعديل الأخير:
أعلى