المحبة ليست مُلك الضُّعفاء

fauzi

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
7 أكتوبر 2008
المشاركات
4,593
مستوى التفاعل
191
النقاط
63
قال السيد المسيح : إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. - لوقا 6 : 32
بطبيعة حال الانسان انه يميل (من اجل تحقيق امانه) الى السيطرة على الآخرين. اما المحبة فهي عملية عطاء ولا وجود للسيطرة فيها. لذلك نتيجة امتزاج هتان الخاصيتان ظهر عندنا ما يُسمّى "المجاملة". المجاملة هي عملية تصوير للمحبة غير حقيقي يقف كستار يغطي رغباتنا وافكارنا الحقيقية. والمُجاملة متأصلة جدًا في حياتنا بشكل شبه ذوبان كامل. فكلنا يستخدم مصطلحات: حبيبي، اخوي، عزيزي، غالي، عسل، ذهب، عيوني... الخ بشكل مفرط وكثقافة حوار. لكن بكل تأكيد ليس الكل "حبيبي" ولا الكل "اخوي"... ممكن حتى الا يكون لي انا حبيب واحد نهائيًا واقول للكل "حبيبي". هذه مشكلة. المُجامَلة (بحسب رأي الكاتب) قلّة احترام وضعف شخصية... الصراحة مع الاحترام هي من خصائص المحبة الحقيقية. لكن نتيجة لضعف شخصيتنا فنحن لا نقوى على الصراحة، إذ اننا اذا حاولنا ان نكون صريحين مع الآخرين، فسنكون فضين ووقحين لعدم امتلاكنا مصطلحات ومهارات التعبير عن انفسنا. فالكثير منا لم ينل فرصة تعلّم التعبير عن مشاعره نتيجة ثقافة "العيب" و"الحرام" التي تربينا عليها. فمشاعرنا حتى في حالة السؤال المنطقي ممكن ان تكون غير مقبولة اجتماعيًا، لذلك نكبر ونحن لا نعرف كيف نعبّر عنها. ان المحبة التي يتكلّم عنها السيد المسيح لا تقف عند حدود الاختلافات بين الناس، بل هي قبول للشخص نفسه مجرد لأنه انسان، وإن اردنا ان نعبُر حاجز الاختلافات فنحن نحتاج اولًا ان نكون قادرين على التعبير عنها؛ وللتعبير عن الاختلافات نحتاج اولًا ان نكون قادرين على التعبير عن انفسنا. فنتيجة لعدم تدربنا على التعبير عن انفسنا (افتقار الاسلوب والمهارة)، لم تعد هناك امكانية لمن له المحبة على ان يعبر جسور الاختلافات، لأن كل اختلاف سيُنشئ خلاف. لهذا نرى ان التناقض مع المبالغة يسود في مجتمعنا، فنحن احباب واصدقاء (مع اننا قد تعرّفنا للتو على بعض)، وبمجرد ان نجد شيء نختلف عليه، نصبح حقودين واعداء (مع انه مجرد اختلاف طبيعي).
وكما تعلّمنا مُسبقًا، فان السيد المسيح في الكثير من الاحيان لا يُقدّم لنا اوامر، بل صور نحتاج ان نحققها (نعيش مثلها). فعندما يقول "إن أحببتم من يحبونكم، فأي فضل لكم؟" فهو لا يعطي اوامر لك بأن تُجبر نفسك على محبة الآخر (تحبّه وتحقد عليه في نفس الوقت)، ولكنه يرسم لك صورة تحتاج ان "تصل" اليها، وهي ان تحب الجميع. فالسيد المسيح هنا يضرب على نقطة مهمة نفشل في تطبيقها، فنفشل في الوصول الى الصورة. فهناك الكثير من المواقف التي سنوضع فيها مع اشخاص فعلًا نحبهم، لكن لا نرغب في مجاراتهم فيما يفعلون، فنتيجة لضعف مهارتنا في التعبير عن مشاعرنا سنصل الى حائط فاصل ونحتاج ان نقرر: اما ان نُجامل (نتحمل فعل امور لا نريدها لكي لا نخسر الآخر) او ان نختلف (نبتعد ونهجر بعضنا البعض). اما القوي (بالشخصية) فهو بالمحبة، يعرف كيف يفصل بين قبوله للمقابل ورفض نقطة الاختلاف، فلا يحتاج الى استخدام انماط الكلام الكاذبة: حبيبي ، عمري، حياتي... ولا يحتاج الى سد الطريق والابتعاد، واستخدام الانماط والمصطلحات الكلامية الصحيحة هو تحدّي في كل موقف. فعندما يقول السيد المسيح "احبّوا" فهذا ليس امر يُنفَّذ بغباء ولا يُناقَش بل هو رحلة بناء وشفاء للإنسان روحًا ونفسًا وجسدًا - المحبة تصنع الانسان القوي الشخصية (لأنها تتطلّب انسان قوي الشخصية) ولا يمكن للضعيف ان يملكها.


24775195_1721241677950580_4307040608484190451_n.jpg
 
أعلى