اولجيوس والكسيح

sunny man

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
8 يونيو 2007
المشاركات
4,039
مستوى التفاعل
24
النقاط
0
الإقامة
قلب يسوع
اولجيوس والكسيح

يروي لنا المؤرخ الرهباني بالاديوس قصة أولجيوسوالكسيح، قائلاً: روى لي كرونيوس كاهن نتريا هذه القصة: عندما كنت صغيرًا وهربت منالدير الذي به رئيس المتوحدين "الأرشمندريت" بسبب السأم، وصلت في تجولي إلى جبلالقديس أنطونيوس (يقصد به الجبل الخارجي الذي قضى فيه القديس عشرين عامًا قبل دخولهالبرية الداخلية)، يقع هذا الموضع ما بين بابليون (الفسطاط) وهيراقليا (هيراكليوبوليس، أحد المدن المصرية القديمة جنوب الفيوم، توجد جنوب هيراكليوبوليسالصحراء الكبرى - على جانب النيل - التي لطيبة)، مقابل الصحراء الكبرى التي تمتدإلى البحر الأحمر حوالي 30 ميلاً من النهر. عندما وصلت إلى ديره بالنهر حيث كانيسكن تلميذاه مقاريوس وأماتاس في بسبير Pispir، وهما اللذان دفناه، انتظرت خمسةأيام لألتقي بالقديس أنطونيوس. لقد قيل لي إنه يأتي إلى هذا الدير مرة كل عشرة أيامأوكل عشرين يومًا، وأحيانًا كل خمسة أيام حسبما يرشده الله، ليحقق خيرًا للذينيوفدون إلى الدير. وكان هناك يجتمع أخوة مختلفون، كل له احتياجه الخاص، من بينهممتوحد إسكندري هو أولجيوس وكان معه رجل كسيح، أما سبب مجيئهما فهو الآتي: كانأولجيوس هذا متضلعًا في العلوم الإنسانية وملهمًا، ومحبًا للخلود، ترك مباهج العالمووزع كل أمواله، محتفظًا بالقليل منها لنفسه، إذ كان غير قادر على العمل. إذ كان قدسئم ولم يرد أن يختلط بجماعة ما وجد في السوق كسيحًا مبتور اليدين والرجلين، ليس لهغير لسانه الذي به يتعامل مع المارة. وقف أولجيوس وتفرس فيه وصلى إلى الله وقطععهدًا: "باسمك يارب سأحمل هذا الكسيح وأهتم به حتى النفس الأخير لكي به أخلص، هب لينعمتك لأحتمل تحقيق هذا التعهد". اقترب من الكسيح، وسأله: "أتحب يا سيدي أن آخذكإلى بيتي وأعتني بك؟" أجاب: بالتأكيد أود ذلك. حسنًا، سأحضر بغلاً وآخذك. تمالاتفاق وأخذه إلى حجرة الضيافة واهتم به. عاش الكسيح خمسة عشر عامًا تحت عنايته،وكان أولجيوس يغسله ويخدمه بنفسه، ويحضر له كل طلباته. وبعد هذه السنوات الخمسة عشربث الشيطان في الكسيح التمرد على أولجيوس، وصار يقذفه بكلمات شريرة وتجاديف ويهينه،قائلاً: "أيها القاتل السارق، أتسرق ما للغير وتريد أن تخلص بعنايتك بي؟ القِني فيالسوق، فإنني أشتهي اللحم". فأحضر له أولجيوس لحمًا. مرة أخرى صار يقول: "هذا لايكفي، أريد الالتقاء بالجماهير، أريد العودة إلى السوق! ما هذا العنف! ردني إلى حيثوجدتني!". لو كانت له يدان لخنق أولجيوس بسرعة بسبب عنف الشيطان الذي تملك عليه. ذهب أولجيوس إلى النساك القريبين منه، وسألهم: ماذا أفعل؟ لقد حطمني الكسيح باليأس؟هل ألقيه خارجًا، وقد تعاهدت مع الله أن أعتني به، وأخشى الحنث بالوعد. فإن كنتالقيه خارجًا فإنني لا أدري ماذا أفعل. أجابوه: "مادام العظيم (أنطونيوس) حيًا اذهبإليه. خذ الكسيح في مركب وأحضره إلى الدير. انتظر حتى يأتي العظيم من مغارته وضعالقضية بين يديه. وما يقوله لك افعل، فإن الله ينطق به". اتفق معهم على ذلك، فوضعالكسيح في مركب وأخذه إلى دير تلاميذ أنطونيوس. حدث أن جاء العظيم في الليل متأخراًملتفاً في عباءة من جلد. وإذ وصل إلى ديرهم نادى، قائلاً: "أيها الأخ مقاريوس، هلجاء أحد من الأخوة؟" وكان يجيبه: "نعم". فيسأل : "هل هم من مصر أم من أورشليم؟". لأنه كان قد أعطى إشارة للتفاهم، فإن كان من المتهاونين يقول "من مصر"، وإن كان منالجادين والوقورين يقول: "من أورشليم". سأله إذ ذاك كعادته: "هل هم من مصر أمأورشليم؟" فأجابه: إنهم خليط. كان إذا قيل له إنهم من مصر يأمر لهم بطبخ عدسليأكلوا ويصلي لأجلهم ثم يصرفهم، وإن قيل إنهم من أورشليم يجلس معهم طول الليليحدثهم عن الخلاص. في تلك الليلة جلس - حسب ما قاله كرونيوس - ونادى الجميع دون أنيخبره أحدهم عن أسماء الضيوف. ولما حلَ الظلام نادى: "أولجيوس، أولجيوس، أولجيوس". لم يجب الرجل المتعلم السابق ذكره ظنًا منه أنه يوجد آخر غيره يحمل ذات الاسم،فناداه أنطونيوس مرة أخرى، قائلاً له: "إنني أقصدك أنت يا أولجيوس يا من قدمت منالإسكندرية". فقال لأولجيوس: "أسألك ماذا تريد؟ لماذا أتيت إلى هنا؟". أجابأولجيوس: "الذي أعلمك باسمي لابد أنه أخبرك بعملي". قال له أنطونيوس: "إنني أعرفلماذا جئت، إنما أخبر الاخوة علانية لكي يسمعوا". أجاب أولجيوس: "لقد وجدت هذاالكسيح في السوق، وتعهّدت أمام الله على الاعتناء به فأخلص به وهو بي. وبعد كل هذهالسنين بدأ يزعجني فخطر بفكري أن أتخلص منه، لذلك جئت إلى قداستكم لتخبرني ماذا يجبأن أفعل، ولكي تصلي عني لأني حزين للغاية". في هدوء ووقار أجابه أنطونيوس: "أتريدأن تتخلص منه؟ لكن الذي خلقه لن يتخلص منه. أنت تنبذه فيقيم الله من هو أفضل منكليعتني به". صمت أولجيوس وجثا على ركبتيه، ثم تركه أنطونيوس، وبدأ يعنف الكسيح،قائلاً له: "أيها الكسيح المشوّه، يا من لا تستحق الأرض ولا السماء، لماذا لا تكفعن مقاومة الله نفسه؟ ألا تعلم أن المسيح هو الذي يخدمك؟ كيف تتجاسر وتتفوه بمثلهذه الألفاظ ضد المسيح؟ ألم يُقم لك هذا الرجل خادمًا لك من أجل المسيح؟". هكذا كانقاسيًا عليه، ثم تركه ليتحدث مع بقية الاخوة بخصوص احتياجاتهم المختلفة، ليعودثانية إلى أولجيوس والكسيح ويقول لهما: "لا تبقيا هنا، بل عودا إلى حيث جئتما. إيّاكما أن تنفصلا عن بعضكما البعض، سوى في القلاية التي تشاركتموها كل هذهالسنوات، فإن الله يرسل لكما الآن يطلبكما. وقد حلت هذه التجربة بكما لأن الموت قداقترب منكما، وسوف يزكّيكما بالإكليل. لهذا لا تفعلا غير ما قلته لكما حتى متى جاءالملك يجدكما". عادا بسرعة إلى قلايتهما، وبعد أربعين يومًا تنيح أولجيوس، وبعدثلاثة أيام مات الكسيح أيضًا.

من موقع اسقفية الشباب
 
أعلى