كن أميناً فى القليل
فيقيمك الله على الكثير
لقداسة البابا شنودة
** إن الشيطان قد يصعّب لك الطريق ويعقده، ويضع امامك مخاوف تصوّر لك الكثير المطلوب منك مما لا تستطيعه، وذلك لكى يوقعك فى اليأس. أما الله فلا يطلب منك سوى الأمانة فى القليل. سوف يأخذ بعد ذلك بيدك خطوة خطوة حتى تصل... يكفى من جهة إرادتك – أنك سائر فى الطريق.
***
أيضاً كن أميناً فى بيتك، حتى يراك الله كفؤاً أن تقام على بيته. لا تحلم بأن تكون فى وضع القيادة الدينية لكى تعمل عملاً من أجل الله، إنما إبدأ أولاً باسرتك. لأنه إن لم تستطع أن تدبر بيتاً واحداً، فكيف يمكنك أن تدبر جميع المؤمنين؟!
** بل أقول لك: كن أميناً من جهة نفسك، لكى يقيمك الله على نفوس الناس. اختبر اولاً امانتك فى تدبير نفسك، هذه التى هى معك كل حين، وتعرف كل أسرارها وفقط ضعفها، ويمكنك بسهولة أن توبخها على أخطائها، ويمكنها هى أن تطيعك... فإن كنت غير أمين فى تدبير نفسك، فكيف تؤتمن اذن على تدبير غيرك؟! إن لم تقدر على قيادة نفس واحدة هى داخلك، فكيف تقدر على قيادة نفوس اخرى ليست تحت طاعتك؟! صدق أحد الحكماء حينما قال "الذى لا يكون أميناً على درهم واحد، كاذب هو إن زعم أن يكون أميناً إن اؤتمن على ألف دينار!!.
إذن المهم هو عنصر الأمانة التى عندك، وليس مقدار الدرجة التى تتولاها... إن بطل أية رواية لا يشترط أن يكون فيها ملكاً أو رئيساً أو قائداً. بل ربما يكون الخادم أحياناً هو بطل الرواية. والناس يقدورنه ويعجبون به من أجل امانته فى اتقان دوره، بغض النظر عن ماذا كان ذلك الدور...
إن داود كان أميناً فى رعى الغنم، فأقامه الله على رعاية شعب...
***
كن أميناً فيما هو فى مقدور ارادتك، يقيمك الله على ما هو فوق ارادتك. تقول "وماذا أفعل من جهة الأحلام الخاطئة التى تأتينى وأنا نائم لا أملك ردّها عنى؟! وهى أشياء راسبة وراسخة فى عقلى الباطن!"... أقول لك: كن أميناً فى ضبط عقلك الواعى، فيقيمك الله على ضبط العقل الباطن. كن أميناً فى مقاومة أخطاء الصحو، يقيمك الله بلا شك على التخلص من أخطاء النوم. كن أميناً فى حراسة فكرك أثناء النهار، فيقيمك الله على نقاوة الفكر بالليل، ويأتى الوقت الذى تنتقى فيه أفكارك وأنت نائم. إن قدسية افكارك بالنهار ستصحبك بالليل...
* كذلك إن كنت أميناً فى حفظ الحواس، سوف ينصرك الله فى حروب الفكر. ذلك لأن الحواس هى أبواب الفكر ومسبباته... فإن كنت أميناً فى الابتعاد عن مسببات الفكر الخاطئ، سيحرسك الله من الأفكار الخاطئة... وبأمانتك فى محاربة الأفكار، طبيعى أن يقيمك الله على نقاوة القلب وهى أفضل..
** تقول "أريد أن أصل الى المحبة الكاملة. فأحب الله من كل قلبى ومن كل فكرى، وأحب الناس كلهم حتى التى يقاومننى جداً ويعادوننى، وأحب الخير للجميع. فهل يمكننى أن أصل الى كل هذه الفضائل وهى تبدو صعبة وغير ممكنة؟!".. أقول لك: ابدأ بالقليل فتصل الى الكثير اعنى إبدأ بمخافة الله.
فإن كنت أميناً فى حفظ فضيلة (مخافة الله) وبذلك تحفظ كل وصاياه. حينئذ تبدأ أن تجد فى حفظ الوصايا لذة روحية، وهكذا تحب الفضيلة وتحب الخير لجميع الناس. ثم تحب الله الذى أنار عقلك هكذا... وتكون قد وصلت الى المحبة التى تنمو فيها حتى تصل الى كمالها.
تقول "وكيف احفظ الوصايا، بينما أنا أحب خطايا كثيرة هى بلا شك ضد وصايا الله؟!" أقول لك: ابدأ بالتغصب، اى اغصب نفسك على عمل الخير، واضبط نفسك عن ارتكاب الخطأ. فإن كنت اميناً فى التغصب، ستصل حتماً الى محبة الخير. ذلك لأن المحبة – محبة الله ومحبة الخير – قد لا تكون نقطة البدء، إنما هى نتيجة لعمل روحى طويل. يبدأ بالتغصب حتى يصل الى الحب...
تقول "وكيف أصل الى محبة الله؟" أقول لك: ابدأ أولاً بمحبة الناس بكل جدية وأمانة ونقاوة. لأنك إن لم تكن أميناً فى محبة الناس الذين تراهم، كيف يمكنك أن تحب الله الذى لا تراه؟! تقول "وكيف اذن احب اعدائى؟!" اقول لك: ابدأ أولاً بمحبة معارفك وأصدقائك. ثم تأكد أن العدو الوحيد الذى يحاربك ولا يمكنك أن تحبه هو الشيطان، ذلك لأنه ليس عدوك وحدك، بل هو عدو الله وعدو الخير، وهو الذى يحرض بعض البشر ضدك. واولئك ليسوا أعداء لك بالحقيقة، إنما هم ضحايا الشيطان الذى يحرضهم ضدك. وبهذا يتغير شعورك من نحوهم، وتعطف عليهم كضحايا، وبالتدرج تحبهم وتطلب من الله أن يخلصهم مما هم فيه.
***
ومن الناحية الاخرى "بخشوع الجسد فى الركوع والسجود يمكن أن نصل الى خشوع الروح. وإن كنا أمناء فى الأمور المادية الخاصة بالجسد، يقيمنا الله على الأمور الروحية. وإن كنا أمناء فى احتمال اخوتنا من البشر فى الحياة الاجتماعية، يقيمنا الله على مقاومة الشياطين فى حروبهم الروحية. وإن كنا امناء من جهة الأمور التى نراها بعيوننا، يقيمنا الله على ما لم تره عين...
** لذلك يا اخى: كن أميناً على ما فى يدك، يقيمك الله على بعض مما فى يده هو، أى على مواهبه الفائقة للطبيعة. وكن أميناً فى استخدام امكانياتك المتاحة، فيقيمك الله على ما ليس لك. كذلك بأمانتك فى مقاومة الخطايا الظاهرة، قادر الله أن ينصرك، فى الخطايا الخفية والسهوات.
وباختصار: إن كنت أميناً فى هذا العمر القصير المحدود الذى على الأرض، فإن الله يقيمك على الحياة الأبدية فى السماء