مريم

فادية

ديفيد حبيبي
مشرف سابق
إنضم
19 أكتوبر 2006
المشاركات
9,073
مستوى التفاعل
44
النقاط
0
الإقامة
منقوشة على كفيه
مريم




thumb.php

مريم..

تقول القديسة تيريزيا الطفل يسوع: "لكي يأتي بثمرٍ تأمّلٌ عن العذراء، يجب أن يُظهر هذا التأمّل حياتها الواقعية كما تُستَشفُّ من الإنجيل. إنها عاشت نظيرنا من الإيمان". ففي بيت الناصرة كانت مريم مدرسة الإيمان الأولى. وقد أخذ عنها يسوع ليس الجسم واللغة والثقافة ومجمل الصفات الإنسانيّة وحسب، بل الإيمان أيضاً، وما أمثال الملكوت كالخميرة في العجين، والدرهم الضائع، والثوب والرقعة، والسراج والعذارى، والملح في الطعام.. سوى إشاراتٍ واضحة على دور تربية الإيمان المنزليّة التي أثرّت على يسوع طيلة زمن كرازته. ولقد عمّم يسوع أمومة مريم، وبالتالي مدرسة إيمانها، لكل المؤمنين به لما كان على الصليب (يو19/25-27).
يقول أحد اللاهوتيين البروتستانت: "إنَّ مريم رسمت في ذاتها خطوات الإيمان المسيحي المثالي المقبول، الذي هو ثمرة نعمة الله. لقد اعترفت اليصابات أثناء زيارة مريم لها بأنها أعظم مؤمنة". لذلك سنحاول أن نـتأمّل مريم..

1- مريم.. تساؤلٌ وتمييزٌ روحي discernement spirituel

إن الإيمان لا يلغي"السر" في حقيقة حضور الله ومبادرته نحو الإنسان. لذلك علينا ألا نخاف أمام تساؤلاتنا الإيمانية. فالإيمان ليس تصديقاً لحقائق مبهمة. بل هو تفاعل مع سرِّ حضور الله. لذلك نشاهد مريم في بشارة الملاك لها تتساءل وتستفهم قبل أن تستسلم: "ما معنى هذا السلام"؟ .. كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟" (لو1/29و34). وبمعنى آخر تحاول مريم أن تحدّد في السؤال الأول عن مصدر التدخل الغريب في حياتها. وفي الســؤال الثاني، عن كيفية تحقيق هذا التدخل. ربما كانت تتأمل قصة حواء القديمة (تك 3/1-..) التي لم تسأل وبالتالي لم تعرف مصدر التدخل، وكان في تلك المرة خداعاً، وكان ما كان. ليس كل نـداء هـو من الله، وليست كل رغبة لتحقيق هذا النداء ممكنـة. علينا إذاً، أن نميّـز مشيئة الله ونسأل عـن كيفية تحقيقها. يمكننا المقارنة أيضاً، مع يسوع، آدم الجديد، لما كان في وسط البرية يجـرَّب من إبليس (لو 4/1..)، كيف أن الصلاة والصوم كشفا له عن صوت المخادع، وكيف ميّز صوت أبيه، لقد جُرب يسوع في كلام الله نفسه: "مكتوب أنه يوصي ملائكته بك" (مز90). إن كلمة "مكتوب" تعني أن الله يقول لقد استعمل المجرب كلمة الله ليخدع بها ولكن يسوع استطاع تمييز خداعه فطرده.
يتحدث الآباء القديسون عن نعمة التمييز الروحي ويطرحون لها قواعد مهمة كالصلاة والصوم وقراءة الكتب المقدسة، والمرشد والمشاركة الأخوية، والأسرار وأفعال الإيمان.. ويؤكدون ألا مسيرة روحية حقيقية ما لم يتمرس المؤمن على حركتي التساؤل والتمييز.

2- مريم.. تسليمُ الذات الكامل

تقول مريم في الحدث المؤسِّـس لإيمانها المسيحي: "ها أنا أمة للرب، فليكن لي كقولك" (لو 1/37)، لتظهر شبيهة بإبراهيم أبي المؤمنين لما قال له الرب: "انطلق من أرضك وعشيرتك وأرض أبيك، إلى الأرض التي أريك"(تك12/1-4) "فانطلق لا يعلم إلى أين يتوجه" (عب11/8). هكذا يكون الإيمان: قفـزة فـي المجهول. ضمانته الوحيدة هي شخص الله الذي يرافق ويرعـى، وبرنامجـه الأكيد هو كلمة الله: "ليكن لي كقولك". إن تسليم الذات عند مريم هو فعل تقدمة كرست له كـلَّ حياتهـا. فاحتفلت به حين قدمت يسوع بسخاء إلى الهيكل (لو2/35). وعاشت مُـرّه في تقدمته للصليب. لا يمكن فصل التقدمة وتسليم الذات عن سر الصليب. كما لا يمكن فصل الصليب عن سرِّ القيامة..

3- مريم.. انتباهٌ وشفاعة

حين يقرأ الآباء القديسون في مطلع نص عرس قانا الجليل (يو2/1-..) عبارة "وفي اليوم الثالث" يشمون رائحة الفصح والقيامة فيه. وقد تحقق هذا التحول من الماء إلى الخمر، هـذا الفصـح، بانتبـاه مريم وشفاعتها. إن غياب الخمر في هذا العرس هو في كحقيقة الصليب. والصليب في حياة الإنسان هـو شحُّ الفرح، وما أكثر صلباننا، وصلبان عالمنا المعاصر! إن يسوع يدعى إلى العرس بدعوة مريم التي تمارس أمومتها الشاملة منذ قانا الجليل (أنظر: يو19/25-27) فتنتبه إلى الصليب. إن الإيمان بيسوع هو فعل انتباه إلى الآخر. ومريم لا تـنتبه وحسب، بل تعرض الحاجة في غاية اللياقة والذوق: "لم يبقَ عندهم خمر" (قارن مع مر2/3-4). أيـة ثقـة كبيـرة تعيش هذه “الأمة” الأمينـة، هـو يقول لها :"مالي ولكِ.." وهي تفهم كأنه قال: "لبيكِ..". الإيمان هو هذه الثقة تماماً. الإيمان هو أيضاً دعوة مشاركة مع عمل الرب Synergy: "مهما قال لكم فافعلوه.." إن وكيل المائدة يشهد لعذوبة القيامة التي صارت في عرس قانا الجليل. الإيمان الحق هو دعوة الآخرين أن يشهدوا لحضور سرِّ الله في حياتنا. ولننتبه في ختام هذا النص الفصحي إلى حركة غياب مريم في نهاية هذا الحدث (قارن مع يو3/29-.. ومع يو 6/15). هكذا يكون شاهد الإيمان: يخـتفي حين ينمو الملكوت.

4- مريم.. دهشةٌ وتأمـل

يركز الآباء القديسون في شرحهم سرَّ الخلاص على عنصر مهم في الحياة الروحيـة هـو “الدهشة”. وما أحوجنا إلى عالم يضجُّ بالمتناقضات، جعلت الإنسان المعاصر بارداً ليس أمام سر الخلاص فحسب بل أيضاً أمام حقيقة الوجود والكون والتاريخ. يقول اثيناغوراس: "كل شيء معجزة في عيني من يعرف كيف ينظر.. لقد أيقنت أن إلهنا هو إله مدهش.." لقد عاشت مريم دهشتها لكل أحداث الخلاص، بصمت وتأمل عميقين: "وكانت مريم تحفظ هذه الأمور وتتأملها في قلبها" (لو 2/19). أيـة دهشـة عاشتهـا فـي بشـارة الملاك لها بمولود من عذراء هو ابن الله! أية دهشة صمتت عندها في حياته الخفية: أليس هو ابن الله، لماذا لم يفعل شيئاً طيلة ثلاثين سنة، سوى انه، وفي مراهقته، احتج على أبو يه لما ضـاع في الهيكل بقولـه: "لماذا تبحثـان عني، ألا تعلمان أنه ينبغي أن أكون فيما هو لأبـي؟" (2/49). لقد فتح الإسكندر الكبير في زمانـه العالـم بأسـره، وهو لم يتجاوز العقد الثاني من عمره. أليس في ذلك ما يدهـش؟!.. ألا يدهشنـا صمت الله في حياتنـا!؟.. (قارن لو شئت مع مت1/20-24 وأيضاً مع لو 1/ 5- 45 ). أية دهشة عاشتها مريم من تعاليـم يسوع خصوصـاً لما كان ينتقد كبار عصره! (لو6/24) وأمام معجزاته (لو4/22) وأمام تصرفاته (لو8/19-21). أية دهشـة عصـرت قلبها حين اخترقه سيفٌ قويٌ لما ارتفع ابنها على الصليب بعد أيام من دخوله المدينة المقدسة دخول الفاتحين! وقيامة يسوع..؟ أليست الدهشة الكبرى في حياتها؟! يقول اثيناغوراس: "المسيح هو أكبر المعجزات بين أكبر الحقائق.. يشعّ منه النور ويبعث الحياة.. فيه تظهر الخليقة على جليتها، شفافة لمجد الله.. القيامة في الحقيقة هي بدء تغيير وجه الأرض".

خاتمة

لقد تفاعلت مريم مع أحداث حياتها و قرأت حضور الله فيها. فنمى إيمانها، شيئاً فشيئاً. لاشك أن حدث التكريس، في انطلاقة حياتها، منحها قراءة جديدة لواقع حياتها. ولكن، من المؤكد أن شعار التكريس جعلها تقرأ البداية والنهاية معاً: "ها أنا أمة الرب فليكن لي كقولك". لقد كان لها هذا الشعار منهجاً يومياً فتقدست به وقدَّست. والكنيسة، على غرار مريم، تحفظ وديعة الإيمان لكي يعاش وينمو، يقول القديس إيرناوس: "إن الإيمان الذي تسلمناه من يد الكنيسة، نحرص عليه كلّ الحرص، لأنَّه لا يزال تحت عمل روح الله، كالكنز الثمين في إناء كريم، يزداد، مع الإناء الذي يحفظه، تجدّداً وشباباً".



منقوووووووووووووووووووووول
 

K A T Y

اسندني يا ابويا
مشرف سابق
إنضم
22 أغسطس 2006
المشاركات
3,445
مستوى التفاعل
19
النقاط
0
الإقامة
جوة قلب يسوع
رد على: مريم

ميرسي يا فادية علي الموضوع الجميل ده

تسلم ايدك يا قمر

ربنا يبارك حياتك
 

mero_engel

بنت المسيح
مشرف سابق
إنضم
18 سبتمبر 2007
المشاركات
13,193
مستوى التفاعل
262
النقاط
0
الإقامة
في حضن يسوع
رد على: مريم

الله عليكي يا فاديه رائع
تسلم ايدك
ربنا يباركك
 

فادية

ديفيد حبيبي
مشرف سابق
إنضم
19 أكتوبر 2006
المشاركات
9,073
مستوى التفاعل
44
النقاط
0
الإقامة
منقوشة على كفيه
رد على: مريم

ميرسي يا فادية علي الموضوع الجميل ده


تسلم ايدك يا قمر


ربنا يبارك حياتك

ميرسي لمرورك عزيزتي كاتي
ربنا يباركك
نورتي الموضوع
 

نيفين ثروت

حزب الغلاسه
عضو مبارك
إنضم
14 سبتمبر 2007
المشاركات
1,799
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
رد على: مريم

ميرسى يا فاديه
ربنا يباركك
 
أعلى