بربتوا
انحدرت بربتوا من بيت شريف، اذ كان والدها من أعيان مدينة قرطاجة وقد تلقنت المبادئ المسيحية من والدتها سراً. وبعد أن قبلت بربتوا المسيحية تعلقت بالمسيح واحتفظت بايمانها خفية، بسبب الاضطهاد الذي كان يصيب كل من أصبح مسيحياً. وفي سنة 201م أُلقي القبض عليها مع خادمتها فلستاس وجماعة من رفاقها. وقد كانت في هذا الحين حديثة الزواج ولها طفل بكر لا تزال ترضعه.
ومن داخل السجن سجلت لنا شهادتها عن حادث الاضطهاد الذي كانت تمر به. وقد تناقلت الأجيال قصة استشهاد هذه البطلة ورفاقها. ويُعتقد أن ترتوليانوس تأثر تأثراً عميقاً باستشهاد هذه المرأة، وأنه شخصياً أتمَّ قصة الحادثة. وقد احتفظت لنا الكنيسة بهذه الوثيقة كشهادة حية على نعمة الله التي تجلت في بطولة ايمان أبناء وبنات شمال افريقيا في تجلدهم وصبرهم واحتمالهم الآلام بشجاعة وبسالة
بينما كانت مرتبطة ارتباط المحبة مع رفاقئها - الذين أُلقي القبض عليَّ معها حديثاً - جاءها والدها مندفعاً من فرط محبته لي وذلك لزعزعتها للتخلّي عن ايمانها. فقالت له: أترى هذه القُلّة من الماء يا والدي؟ وهل يمكن ان تدعى بغير اسمها؟ فأجاب كلا.. فقالت: هكذا هو الحال معي، فأنا لا يمكن أن أُدعى بغير مسيحية. وفور سماعه كلمة مسيحية اهتز غضباً واندفع نحوي من شدة الغيظ وكأنه يريد أن يقتلع عينها، لكنه جمد في مكانه مبتلعاً غيظه. واكتفى بإهانتها وضربه بشدة،
وبعد أيام قلائل نالت المعمودية المقدسة، ونالت استنارة من الرب وارشاداً منه على أن لا تهتم بشيء بل تبقى أمينة حتى الموت. وبعد مرور بعض الأيام أُلقي القبض علينا ودخلوا جميعنا في السجن. فاعترانها خوف شديد في بداية الأمر حيث لم يسبق في حياتها أن رأيت سجناً كهذا، حر شديد وجو خانق وازدحام لا يُطاق. والذي زادها هماً وحزنا هو قلقها المتزايد على ابنها الرضيع الذي لم يُسمح لي بجلبه معها وفي هذه الحالة المزرية أنعم الرب عليها ، اذ سُمح للشماسين المباركين ترتيوسs وبومبويوس يقدمان لها بعض الخدمات، وعن طريقهما - بعد دفع مبلغ من المال - أصبح بامكانها أن نخرج لبضع ساعات في اليوم تلتقط فيها أنفاسنا في مكان أفضل من داخل السجن. وهناك سُمح لها بجلب ابنها لأرضاعه . وعند زيارة أخيها وأمها عزتهما وتهدئة روعهما وطلبت منهما أن يعتنيا بابنها . وكانت حزينه لحزنهما
ومكثت في السجن أياماً عديدة، وبعد سعي جهيد قدرت أن تبقى ابنها الرضيع معها ، وبوجوده معها داخل السجن أصبحت الأيام قصيرة اذ كانت طيلة الوقت منشغلة به، فكان ينمو في صحة جيدة. وقد جاءها مرة والدها للسجن، ليقنعها أن تتخلى عن ايمانها قائلاً: «يا بنيتي، ارحمي شيبة أبيك إن كان فيك بعد شرارة من المحبة». وهو يقبّل يدي. ثم ألقى بنفسه على الأرض باكياً
فحاولت تخفف من حزنه عمّا يعانيه فقالت له: أما القضاء، فلن يتم إِلا بمشيئة الله، فنحن لا نقف أمام قوة البشر بل نحن بين يدي الله. فتركني وهو مهموم حزين جداً.
وفي صباح أحد الأيام أخذوها وأوقفوها على منصة لاستجوابنا علانية. وقد أحاط بالساحةهى ومن معها غفير من الناس لمشاهدتنا. وبعد أن استجوبوا الواحد بعد الآخر كل واحدٍ منا أقر بمسيحيته، وصل دورها وفي هذه الأثناء وقف والدها قريباً مني يحمل بين ذراعيه طفلها، و طلب مني قائلاً: اطلبي العفو وقدمي ذبيحة عن سلامة الامبراطور! فأجابته: «هذا ما لا أفعله على الاطلاق». ثم وجَّه الحاكم سؤاله الها قائلاً: «أأنت مسيحية؟» فأجبته: «نعم، أنا مسيحية». فأراد والدها في هذه الأثناء أن يجذبنها اليه ثانية، لكن الحاكم ضربه بالعصا، فاعتراني حزن عميق وأحست وكأن العصا انهالت علها لما سبَّبْتُه لوالدها من حزن وألم وهو في كبر سنّه. ثم أصدر الحاكم حكمه عليهم، بأن يلقون للوحوش الضارية المفترسة ثم بعدها عادوا الى السجن ثانية.
توددت الى والدها أن يصطحب ابنها معه عند زيارته لي في المرة القادمة، إلا انه لم يحضر بعد ذلك على الاطلاق، فاستحوذ عليّ خوف شديد في أن يحدث لها التهاب لثدييّ إِن لم يرضع مني ابنها، لكن الله حفظا من ذلك كي لا أتألم زيادة، اذ لم يعد صدرها يدرّ الحليب. وفي هذه الأيام رأى حارس السجن كم كنا فرحين ولنا تعزية من الرب فأشفق عليهم وقدم لهم بعض التسهيلات بحاجة اليها، كزيارة بعضهم البعض في السجن والسماح بزيارة الزوّار لنا.
وعندما حان موعد تنفيذ الحكم فيهم، جاءنابيها لزيارتها الأخيرة في السجن يتوسل اليَّ ويستعطفني أن أنقذ حياتي من الموت بالتخلي عنايمانها ، وكان كلامه يؤثر في النفس ويُذيب لفائف القلب، ومع ذلك لم يثننيها عن عزيمتها، وأبيت أنتلبى رغبته الملحّة.
الى هنا تنتهي رواية بربتوا .
كانت جد حزينة خوفاً من أن تتأخر عن الاستشهاد مع رفاقها، لكونها حامل، فصلَّت بحرارة لله كي يسمح لها بعبور طريق الآلام حتى التمام. فاستجاب الله لصلاتها اذ أنجبت طفلة قبل الموعد الذي كان محدداً لتنفيذ الحكم في جميعهم، فسلمت الطفلة لمؤمنين مسيحيين ليعتنوا بتربيتها.
أخيراً وصل يوم العيد القومي الذي فيه يستمتع الشعب بمشاهدة تعذيب المسيحيين، والتلذذ برؤية الحيوانات الوحشية وهي تتصدى لافتراس المساجين الواحد تلو الآخر، فخرج المساجين بخطوات ثابتة دون تردد أو وهن نحو ملعب المبارزة حيث تنتظرهم الحيوانات الجائعة الكاسرة لافتراسهم. فألقي الرجال الى الفهود والدببة، أما بربتوا وفلستاس فكان عليهما أن تطرحا أمام ثور متوحش.
قامت بربتوا أولاً، ومدّت يدها لفلستاس كي تتقدما معاً لمواجهة الثور المتوحش الذي ينتظرهما، وتنفيذ القضاء الحاد فيهما. وبينما هما على باب مدخل الملعب، رأت بربتوا أحد طالبي المعمودية وهو روستيكوس بين المتفرجين، فكلمته بصوت منخفض قائلة له: «اثبت في الايمان، وأحبوا بعضكم البعض، ولا تدع هذه التجربة التي نمر بها سبب عثرة أو مدعاة للحقد».
وفي سنة 203 م استشهدت بربتوا وفلستاس. وكانت بربتوا لا تناهز 22 سنة من العمر عندما التحقت بالرفيق الأعلى ونالت اكليل الحياة العتيدة هي ورفاقها.
ومن داخل السجن سجلت لنا شهادتها عن حادث الاضطهاد الذي كانت تمر به. وقد تناقلت الأجيال قصة استشهاد هذه البطلة ورفاقها. ويُعتقد أن ترتوليانوس تأثر تأثراً عميقاً باستشهاد هذه المرأة، وأنه شخصياً أتمَّ قصة الحادثة. وقد احتفظت لنا الكنيسة بهذه الوثيقة كشهادة حية على نعمة الله التي تجلت في بطولة ايمان أبناء وبنات شمال افريقيا في تجلدهم وصبرهم واحتمالهم الآلام بشجاعة وبسالة
بينما كانت مرتبطة ارتباط المحبة مع رفاقئها - الذين أُلقي القبض عليَّ معها حديثاً - جاءها والدها مندفعاً من فرط محبته لي وذلك لزعزعتها للتخلّي عن ايمانها. فقالت له: أترى هذه القُلّة من الماء يا والدي؟ وهل يمكن ان تدعى بغير اسمها؟ فأجاب كلا.. فقالت: هكذا هو الحال معي، فأنا لا يمكن أن أُدعى بغير مسيحية. وفور سماعه كلمة مسيحية اهتز غضباً واندفع نحوي من شدة الغيظ وكأنه يريد أن يقتلع عينها، لكنه جمد في مكانه مبتلعاً غيظه. واكتفى بإهانتها وضربه بشدة،
وبعد أيام قلائل نالت المعمودية المقدسة، ونالت استنارة من الرب وارشاداً منه على أن لا تهتم بشيء بل تبقى أمينة حتى الموت. وبعد مرور بعض الأيام أُلقي القبض علينا ودخلوا جميعنا في السجن. فاعترانها خوف شديد في بداية الأمر حيث لم يسبق في حياتها أن رأيت سجناً كهذا، حر شديد وجو خانق وازدحام لا يُطاق. والذي زادها هماً وحزنا هو قلقها المتزايد على ابنها الرضيع الذي لم يُسمح لي بجلبه معها وفي هذه الحالة المزرية أنعم الرب عليها ، اذ سُمح للشماسين المباركين ترتيوسs وبومبويوس يقدمان لها بعض الخدمات، وعن طريقهما - بعد دفع مبلغ من المال - أصبح بامكانها أن نخرج لبضع ساعات في اليوم تلتقط فيها أنفاسنا في مكان أفضل من داخل السجن. وهناك سُمح لها بجلب ابنها لأرضاعه . وعند زيارة أخيها وأمها عزتهما وتهدئة روعهما وطلبت منهما أن يعتنيا بابنها . وكانت حزينه لحزنهما
ومكثت في السجن أياماً عديدة، وبعد سعي جهيد قدرت أن تبقى ابنها الرضيع معها ، وبوجوده معها داخل السجن أصبحت الأيام قصيرة اذ كانت طيلة الوقت منشغلة به، فكان ينمو في صحة جيدة. وقد جاءها مرة والدها للسجن، ليقنعها أن تتخلى عن ايمانها قائلاً: «يا بنيتي، ارحمي شيبة أبيك إن كان فيك بعد شرارة من المحبة». وهو يقبّل يدي. ثم ألقى بنفسه على الأرض باكياً
فحاولت تخفف من حزنه عمّا يعانيه فقالت له: أما القضاء، فلن يتم إِلا بمشيئة الله، فنحن لا نقف أمام قوة البشر بل نحن بين يدي الله. فتركني وهو مهموم حزين جداً.
وفي صباح أحد الأيام أخذوها وأوقفوها على منصة لاستجوابنا علانية. وقد أحاط بالساحةهى ومن معها غفير من الناس لمشاهدتنا. وبعد أن استجوبوا الواحد بعد الآخر كل واحدٍ منا أقر بمسيحيته، وصل دورها وفي هذه الأثناء وقف والدها قريباً مني يحمل بين ذراعيه طفلها، و طلب مني قائلاً: اطلبي العفو وقدمي ذبيحة عن سلامة الامبراطور! فأجابته: «هذا ما لا أفعله على الاطلاق». ثم وجَّه الحاكم سؤاله الها قائلاً: «أأنت مسيحية؟» فأجبته: «نعم، أنا مسيحية». فأراد والدها في هذه الأثناء أن يجذبنها اليه ثانية، لكن الحاكم ضربه بالعصا، فاعتراني حزن عميق وأحست وكأن العصا انهالت علها لما سبَّبْتُه لوالدها من حزن وألم وهو في كبر سنّه. ثم أصدر الحاكم حكمه عليهم، بأن يلقون للوحوش الضارية المفترسة ثم بعدها عادوا الى السجن ثانية.
توددت الى والدها أن يصطحب ابنها معه عند زيارته لي في المرة القادمة، إلا انه لم يحضر بعد ذلك على الاطلاق، فاستحوذ عليّ خوف شديد في أن يحدث لها التهاب لثدييّ إِن لم يرضع مني ابنها، لكن الله حفظا من ذلك كي لا أتألم زيادة، اذ لم يعد صدرها يدرّ الحليب. وفي هذه الأيام رأى حارس السجن كم كنا فرحين ولنا تعزية من الرب فأشفق عليهم وقدم لهم بعض التسهيلات بحاجة اليها، كزيارة بعضهم البعض في السجن والسماح بزيارة الزوّار لنا.
وعندما حان موعد تنفيذ الحكم فيهم، جاءنابيها لزيارتها الأخيرة في السجن يتوسل اليَّ ويستعطفني أن أنقذ حياتي من الموت بالتخلي عنايمانها ، وكان كلامه يؤثر في النفس ويُذيب لفائف القلب، ومع ذلك لم يثننيها عن عزيمتها، وأبيت أنتلبى رغبته الملحّة.
الى هنا تنتهي رواية بربتوا .
فلستاس
كانت جد حزينة خوفاً من أن تتأخر عن الاستشهاد مع رفاقها، لكونها حامل، فصلَّت بحرارة لله كي يسمح لها بعبور طريق الآلام حتى التمام. فاستجاب الله لصلاتها اذ أنجبت طفلة قبل الموعد الذي كان محدداً لتنفيذ الحكم في جميعهم، فسلمت الطفلة لمؤمنين مسيحيين ليعتنوا بتربيتها.
أخيراً وصل يوم العيد القومي الذي فيه يستمتع الشعب بمشاهدة تعذيب المسيحيين، والتلذذ برؤية الحيوانات الوحشية وهي تتصدى لافتراس المساجين الواحد تلو الآخر، فخرج المساجين بخطوات ثابتة دون تردد أو وهن نحو ملعب المبارزة حيث تنتظرهم الحيوانات الجائعة الكاسرة لافتراسهم. فألقي الرجال الى الفهود والدببة، أما بربتوا وفلستاس فكان عليهما أن تطرحا أمام ثور متوحش.
قامت بربتوا أولاً، ومدّت يدها لفلستاس كي تتقدما معاً لمواجهة الثور المتوحش الذي ينتظرهما، وتنفيذ القضاء الحاد فيهما. وبينما هما على باب مدخل الملعب، رأت بربتوا أحد طالبي المعمودية وهو روستيكوس بين المتفرجين، فكلمته بصوت منخفض قائلة له: «اثبت في الايمان، وأحبوا بعضكم البعض، ولا تدع هذه التجربة التي نمر بها سبب عثرة أو مدعاة للحقد».
وفي سنة 203 م استشهدت بربتوا وفلستاس. وكانت بربتوا لا تناهز 22 سنة من العمر عندما التحقت بالرفيق الأعلى ونالت اكليل الحياة العتيدة هي ورفاقها.
منقول