كثيرون يكتبون للكبار . وقليلون هم الذين يكتبون للصغار أيضاً كثيرون ينشغلون بالحديث مع الكبار . ويندر من يحبون الحديث إلى الصغار . لذلك يشعر الصغار أحياناً أنهم ليسوا موضع اهتمام الكبار ، ولا موضع احترامهم ، فيحاولون أن يجذبوا أنظارهم بطرق شتى ، ربما بالضجيج أو العناد أو ( الشقاوة ) ... ونحن نريد فى هذا الكتاب أن نتحدث عن الطفل ، ونفسيته ، وكيفية التعامل معه ، واكتساب محبته ، وخدمته روحياً واجتماعياً وثقافياً . ذلك لأن الطفل هو النواة الأولى للمجتمع ، والكنيسة . إن كسبناه كسبنا جيلاً بأثره . وإن خسرناه مستقبل هذا الجيل الذى نعيشه ، وما يترتب على ذلك من خسارة أجيال أخرى . أنا شخصياً أحب الأطفال ، وأحب أن أداعبهم وألاعبهم وأحادثهم وأصادقهم . وأجد فى الطفولة براءة وصدقاً وصراحة ، كما أجد فيها أيضاً سرعة التجاوب التى لا نجدها فى الكبار .. وليس هذا الكتاب نتيجة خبرات لدراسة كتب فى علم النفس والتربية .. وإنما هو نتيجة خبرات شخصية عشتها مع الأطفال ، سواء فى مدارس الأحد ، أو اللقاءات العديدة فى الكنيسة ، ومع العائلات وفى دور الحضانة ، وفى الأندية ، وفى غير ذلك … أقدمه هدية للتربية الكنيسة ، وأيضاً للتربية العائلية ، ولكل المهتمين بالطفل . وقد ألقيت فى هذا المجال محاضرات متعددة ، أحدثها فى كنيسة مارجرجس باسبورتنج بالإسكندرية ، وفى أغسطس 1992م . فى أسبوع أعده للطفل : القمص تادرس يعقوب ملطى ، بارك الله جهوده الكثيرة المخلصة فى خدمة م مرحلة الطفولة .
الطفل فى هذه السن يحب الحيوانات والطيور . و يراها أمامه مخلوقات تنطق وتتكلم . وقد يحتضن قطة حية ، أو لعبة من قطن تمثل قطة أو كلباً . ويخاطب هذه اللعبة كأنها كائن حي .
فى هذه السن يمكن تدريس قصة حمار بلعام .
ويتقبلها الطفل أكثر مما يتقبلها طالب بالتعليم الثانوى … إن كل شئ أمامه حي ، ليس فقط التماثيل واللعب ، بل الصور أيضاً … هذه الصور و التماثيل واللعب - فى نظره – يمكن أن تتحرك وتتكلم وتعيش ، وتكون لها شخصيات تعمل معه ، وتستمع إليه ... !! أتذكر أننى فى الستينات وأنا أسقف ، ما كنت أحضر مراسيم الزواج فى الكنيسة ( ولا أزال كذلك ) . ولكننى كنت أذهب إلى الكنيسة ، وانتظر فى حجرة الاستقبال . ثم أهنئ العروسين بعد إتمام الزواج ... وفيما أنا وسط بعض الضيوف انتظر ، تقدم إلى طفل ( كان إبناً لآحد الآباء الكهنة ) وقال لى فى براءة الأطفال : " فاكر لما كنا بنلعب بالديك ؟ "… فابتسمت وقلت له فى محبة إننى فاكر … وتعجب الحاضرون من هذا الذى يلعب معه الأسقف بالديك ! وترى أين كان ذلك ؟ وشرحت لهم الأمر : كنت فى زيارة لأبيه الكاهن . وكان فى حجرة الأستقبال بساط عليه صور ديوك وطيور . وأشرت أنا إلى أحد الديوك المنسوجة فى البساط ، وقلت له " أنا سآخذ هذا الديك ، فقال لى " آخذه أنا " .. وظللنا نلعب معاً هذه اللعبة التى تذكرها الطفل بعد حوالى سنة ...
فى هذه السن تصلح قصص الحيوانات .
إنها تشبع الطفل وتناسب سنه . وكلما كانت هادفة ، تكون فائدتها أكثر . وتجمع بين الخيال وإرساء المبادئ الروحية . والطفل فى هذه السن يحب قصص ميكى ماوس . وتشبع خياله جداً ، وتسليه وتضحكه . وتشغله عن الصياح والضوضاء ، وتحفظه هادئاَ يتأمل . إنها بالنسبة إليه متعة .
عرض قصص ميكى ماوس وأشباها بالفيديو أفيد بكثير من التليفزيون .
أولاً لأننا لا نضمن سلامة نوعية ما يعرض فى التليفزيون ، بينما تكون لنا فى الفيديو حرية اختيار ما نعرضه . وثانياً نستطيع فى الفيديو أن نتحكم فى الوقت .
الطفل يحب ما يضحكه . وقد يضحك لغير سبب ندركه . طبعاً ، قد يكون هناك سبب ، يتفق مع عقليته كطفل ... أو شئ غريب غير مألوف يضحكه ، أو منظر معين ، أو حركة معينة ، أو كلمة متكررة أو ملحنة ، أو لعبة تفرحه ...
بالضحك قد يعبر عن سروره أو عن رضاه .
أو عن تآلفه مع شخص معين يستريح له ، فيضحك فى وجه أو يبتسم . أو تداعبه فيضحك . وهو يسر بالإنسان الضحوك ، الذى يكون سبب فى ضحكه ...
الحركة
من طبيعة الطفل أنه دائم الحركة ... له طاقة يستخدمها فى الحركة . ولا نستطيع أن نجلسه فى مكان ما، وهو مكتوف اليدين وصامت ... لا يتكلم و لا يتحرك ..!! فإننا إن لم نوجد له مجالاً سليماً للحركة ، سيتحرك بطريقة قد نراها مزعجة . وحينئذ يقابل منا بالأنتهار أو العقاب . بينما لا يكون العيب فيه وإنما فينا . قد يستريح الأطفال مع مدرس مدارس الأحد الذي يعملهم ترتيله ملحنة مع الحركة . أو أثناء الدرس . يسألهم أسئلة ليجيبوا . فيرفع أحدهم يده ، ويقف أحدهم ليجيب . وينشغلون فى قيام وقعود فى جو هذا الحوار أو التسميع أو السؤال والجواب ، تحت إشراف المدرس ، بطريقة شرعية لا خطأ فيها ... والطفل المحب للحركة ، قد لا يستطيع أن يبقى فى الكنيسة ساعتين أو ثلاثة أثناء القدس الإلهي بدون حركة . بينما الطفل الابصلتس الذى يلبس تونيه ويخدم فى القداس ، يجد نفسه يتحرك مع الأب الكاهن فى خدمته ، سواء فى الهيكل . أو يمسك شمعة أثناء قراءة الإنجيل . ويركع ويسجد ويقف أثناء الصلاة ونشغل طاقاته ...
أتذكر أن أسرة زارتنى فى مكتبتى بالقاهرة .
وكان معهم طفل . ووجد أن المكتب واسع ، فأخذ يجرى ويلعب فيه . فانتهرته أمه وقالت له " تعال يا ولد ، اقعد ساكت ، وبطل جرى . سيدنا هايزعل منك " . ولكننى قلت له " ألعب يا حبيبى على كيفك " . واطمئن الطفل وأكمل جرية فى المكتب ، إلى أن تعب من الحركة ، فجلس هادئاً ... لا تطلب من الطفل أن يجلس جامداً بلا حركة ، فهذا ضد طبيعته . ولا تقهره على ذلك بالأنتهار أو الضرب أو التهديد ... وإلا فإنه سوف يتعقد من السلطة واستخدامها ، ويشهتى أن يتخلص منها . ومتى أوتى الفرصة ، ربما يتصرف خاطئة جداً
V V V
لا تطالب الطفل بأن يتصرف كالكبار .
تذكر قول القديس بولس الرسول " لما كنت طفلاً ، كطفل كنت أتكلم ، وكطفل كنت أفطن . ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل " ( 1كو13 : 11 ) . فلا تطلب من الطفل أن تكون له تصرفات لا تتفق مع سنه ، ولا نضوجاً فوق مستواه .
طبيعة الطفل ، علو الصوت ، لأن حنجرته بكر لم تجهد بعد .
ومن الصعب أن يتكلم فى صوت خافت هامس . وكثيراً ما ننتهره لعلو صوته ، إن أزعج هذا الصوت غيره ... وطفل الحضانة ، إذ ليست له الألفاظ التى يعبر بها عما يريد ، فإنه يستخدم الصياح أو البكاء كوسيلة للتعبير . فيتضايق الناس منه ، وبخاصة لو كان ذلك فى الكنيسة ، وأثناء القداس الإلهي ، وفى خشوع الصلاة ، أو أثناء الصمت فى الاستماع إلى العظة .
لذلك فى بعض كنائس المهجر توجد فكرة الحجرة الزجاجية Glass Room .
وأحياناً يسمونها Crying Room إن كان هدفها التخلص من بكاء وصياح الأطفال ... هذه الحجرة تجلس فيها الأمهات مع أطفالهن أثناء القداس والصوت يصل إليهن عن طريق السماعات Louder Speakers كما يرون كل شئ من خلال الزجاج . ولكن صوت الأطفال وبكاؤهم وصياحهم ، لا يصل إلى الخارج ولا يزعج المصلين . لأن الحجرة الزجاجية محكمة بطريقة لا يخرج منها صوت .
V V V
وهناك وسيلة أخرى اختبرناها فى الستينيات .
كنت فى ذلك الوقت ، أعظ كل يوم جمعة فى اجتماع كبير فى القاعة المرقسية بالقاهرة . وكانت تحضره بعض العائلات مع الأطفال طبعاً . وقد تطوع أحد الأخوة الأحباء من الخدام ، أن يجمع الأطفال كلهم معه ، فى فصل مدارس أحد خارج القاعة ، ويعطيهم درساً ، وبعض تراتيل وحكايات . وهكذا يشغلهم أثناء العظة فى درس مدارس الأحد ، ينتظمون فيه ويهدأون ويستفيدون ...
ينبغى أن نعلم اطفالنا الصلاة ، ونقدم لهم القدوة فيها .
نعلمهم الركوع والسجود ورفع اليدين . ونعطيهم صلوات محظوظة لكي يرددوها ، مادام ذهنهم لم يصل بعد إلى المستوى الذى يتكلم فيه من ذاته . ومبدأ الصلوات المحفوظة قدمه الرب حتى للكبار ، حينما قال لهم " متى صليتم ، فقولوا : أبانا الذى فى السموات ... " ( لو11 : 2 ) . بل مبدأ الصلوات المحفوظة علمه لنا الكتاب باستخدام المزمور فقال " متي اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور ، له تعليم ... " . وكان الشعب يصلون مزامير المصاعد ، وهم صاعدون إلى الهيكل للصلاة .
فإن كان الكبار يستخدمون الصلوات المحفوظة ، فكم بالحرى الأطفال ...
إن الصلوات العائلية ، لها تأثيرها فى نفس الطفل . ورؤيته الكبار يصلون ، تعطيه أمثولة طيبة يقتدى بها . كذلك وجود مكان فى البيت للصلاة ، وفيه أيقونة وصليب ومسرجة ( أو نور كهربائي ) … كل ذلك يشجعه هو أيضاً على الصلاة . كذلك تعليمه حينما يكبر ، أن نلجأ كلنا إلى الله بالصلاة لاستجابة طلباتنا ، ولحل مشاكلنا ، ولشفاء أمراضنا ...
الطفل له خيال واسع ، يستطيع أن يؤلف به قصصاً ، ويتصور أخباراً لم تحدث ، ويصدقها ويرويها ... فلا تقل له عن خياله إنه كذاب ! إنه لا يقصد الكذب ، وإنما يروى خياله كأنه حقيقة . يمكنك أن تسرح معه ، وتروى نهاية القصة ... أو تصحح مسارها فى الطريق . وسيقبل منك هذا التصحيح ... ويعتبر أنكما مشتركان معاً فى تأليف القصة ...! حدث فى إحدى المرات ، منذ حوالى خمسين عاماً ، أن كبيراً كان يقرأ على لمبة جاز ، لأن الكهرباء لم تكن قد وصلت إلى ذلك البيت بعد . وكان إلى جواره طفل يلعب ويحدث ضوضاء ، ويعطل عليه القراءة . فقال للطفل منذراً مداعباً : - ماذا تفعل لو أنى وضعتك داخل زجاجة اللمبة هذه ؟! فابتسم الطفل أيضاً مداعباً : - أطلع اتشعبط على الشريط !! ( شريط اللمبة ) .
V الطفل يحب الحركة . ولذلك فيما يحفظونه من أناشيد ، تعجبهم إن كانت مزودة بحركات . تجد الطفل يحفظها ويؤديها بمهارة أكثر ، إن كانت يداه تتحركان أثناءها بحركات تمثلية أو توضيحية ، تعبر عن معانى الكلمات . وربما معها حركات من رأسه أو ملامحة أو حركات من جسمه كله . تسره هذه الحركات ، بالإضافة إلى تتفق مع تصريف طافته المختزنة . والخادم الذى يستخدم طريقة الحركات مع أطفاله في مدارس الأحد ، يغنيهم عن الحركات الخاطئة التى يضايقون بها بعضهم بعضاً فى شغب .
بالأضافة إلى أن المعلومات التى تشترك فيها أكثر من حاسة ، تكون أكثر ثباتاً .
V V V
V كذلك يحب الأطفال العبارات الملحنة .
وبهذا استطاع بعض المدرسين أن يمكنوهم من حفظ أسماء اسفار الكتاب المقدس كلها فى كلمات ملحنة . وكذلك حروف اللغة القبطية .
إنها فرصة أن يحفظوا بعض الألحان والترانيم .
وبالنسبة إلى الأطفال ، استطاعوا أن يتعرفوا على بعض الأمور الكنيسة عن طريق التراتيل مثل :
دقى يا أجراس وادعى كل الناس
لحضور القداس دقى يا أجــراس
وكذلك مثل الترتيلة الخاصة بصلاة القنديل :
كنت مريض وهزيل وعمـلـنا قنديـل
ومادام الطفل يحب الغناء ، فإن لم نشبع فيه هذه الرغبة كنسياً ، ربما يجد الأشباع فى أغانى العالم وأناشيده .
وعلاج ذلك كثيرة الترانيم ، والدروس الملحنة . وإن كان ذلك مصحوباً بحركات ، يصل الطفل إلى درجة كبيرة من المتعة فى سماع الدرس وحفظه .
فإن فعلت ذلك ، ينصرف عنك وينشغل بشيء آخر !! لأنه يحب الأشياء المختصرة ، التى يمكنه أن يلتقطها بسرعة ، ويفهمها بسرعة ... فإن اضطررت إلى قصة طويلة ، حاول أن تجزئها إلى أجزاء ، كأنها مجموعة من قصص قصيرة ، كل منها قائم بذاته ... فالطول يجلب للطفل المللل .
V V V
كذلك يحب الطفل العبارات المكررة .
فكلما أسمعته حكاية ، وفيها عبارة تتكرر بين الحين والآخر ، كالقرار فى الترتيلة – تراه يلتفت إلى هذه العبارة ، وهو يقولها من فرط متعته بالتكرار ... إنها بالنسبة إليه كنوعالRythme .
الطفل فى مرحلة الحضانة ، وفى المرحلة الابتدائية أيضاً مغرم بالتقليد . فهو يقلد الحركات ، حركة اليدين ، وحركة الرأس ، بطريقة المشى، بل حركات الملامح أيضاً . وكذلك يقلد طريقة الصوت والألفاظ . يحاول أن يمتص الشخصيات التى أمامه ويحاكيها .
فعلى مدرس التربية الكنيسة أن يكون حريصاً ، وكذلك أفراد أسرة الطفل ، لئلا يقلد منهم شيئاً خاطئاً .
فإن وجدت الأم أن طفلها يلفظ لفظة غربية ، أو يأتى بحركة غريبة ، فلتعلم أنه لابد قد التقطها من غيرة ... ولتبحث من هو هذا الغير ؟ ربما من الجيران ، أو من الضيوف ، أو أحد أفراد الأسرة ، أو من التلفزيون .
وهنا لابد من المحافظة على سلامة بيئة الطفل بقدر الإمكان .
وقبل ان بترك الطفل البيت حينما يكبر ، لكي يختلط بعالم أوسع ، علينا أن نغرس فيه مبادئ سليمة ، بحيث يرفض تلقائياً ما يراه أو يسمعه مما يجده مضاداً لها .
وإن أخطأ لا نوبخة بكلمة خاطئة ، لئلا يلتقط هذه الكلمة ويخاطب بها غيره .
وهنا نجد خطورة الخلافات التى تنشأ بين الزوجين ، وما يتبادلانه من ألفاظ وتصرفات خاطئة أمام أطفالهما . فإما أن يلتقط الأطفال هذا الأسلوب ويستخدموه ، أو أن تسقط فى نظرهم المثاليات الخاصة بالأبوين كمصدر من مصادر التعليم لهم ...
أحياناً يتحدث الكبار أمام الصغار ، ويظنون أنهم لا يفهمون !!
إن كان الطفل الرضيع لا يفهم ، فإن الطفل الذى بدأ يتكلم ، لاشك أن دائرة الفهم عنده تتسع يوماً بعد يوم . وحتى إن كان لا يفهم كل الكلام الذى يسمعه ، فإنه يفهم من الملامح ومن حدة الصوت مثلاً ، ويستنتج . وقد يقلد ما يسمعه أو ما يراه ، حتى بدون فهم .
ليس الفهم مهماً عنده ، وإنما المنظر ...
الطفل يقلد أمه فى كل ما تفعل ... تدخل به إلى الكنيسة ، وتقف لتصلى وترشم الصليب ، يرشم الصليب مثلها . إن ركعت أمام الهيكل ، يركع مثلها تماماً ... تسلم على الأب الكاهن وتقبل يده ، هكذا يفعل طفلها ويقبل يد الأب الكاهن . إنه يقلد أمه ، وكذلك يقلد أباه إن دخل معه .
فإن كان الأبوان متدينين ، سيلتقط الطفل تدينهما . من هنا كان الزواج مسئولية ، ليس مجرد علاقة بين زوجين .
إنه رسالة تربوية روحية نحو ما ينتجه الزواج من أطفال ، سواء من جهة التعليم أو القوة الصالحة . لذلك ينبغى أن يكون المتقدمون إلى الزواج مؤهلين لذلك ، مؤهلين روحياً وتربوياً ، ومؤهلين من جهة كونهم قدوة لأجيال مقبلة ...
V V V
كما أن الطفل لا ينسى ما يسمعه ، بل كثيراً ما يستعيده ويردده ، حتى أمام الضيوف ، وأمام باقى أفراد الأسرة . ويقول لمن يقابله " بابا قال كذا ... ماما بتقول كذا " ( بابا ضرب ماما !! ) ...
إن الطفل لا يحفظ سراً ...
فاحترس من جهة الأسرار التى تقال أمامه ... أو من جهة الأسرار التى تظن إنه لا يسمعها ، لأنه ( نائم ) ... بينما لا يكون نائماً تماماً ...
إن أحببت الطفل ، يمكنك أن تقوده . فالطفل يتبع من يحبه ، ويكون مستعداً لطاعته ، لأنه يطمئن إليه ويثق به ، وعلى العكس فإنه ينفر ممن لا يشعر بمحبته . وقد يسلك معه بعناد ، وربما يفكر فى إيذائه ...! قرأت وأنا صغير قصة عن رجل زمار ... إنها قصة مشهورة ، ربما أنتم جميعاً قد قرأتموها ... هذا الزمار دخل إحدى القري ، وأخذ يزمر ، فالتف حوله الأطفال . وصار ينتقل من حارة إلى حارة ، والأطفال وراءه ، ومجموعات أخرى منهم تنضم إليه . وهو ينتقل بهم بزمارته من مكان إلى آخر ، وهم فى غاية المتعة والسرور ، حتى خرج بهم جميعاً إلى خارج القرية .
وهكذا نجد كيف ينساق الأطفال وراء من يحبونه ، أو من يجلب لهم المتعة والسرور .
حاول إذن أن تحب الأطفال وأن تلاعبهم ، لأنهم يحبون من يلاعبهم ، واللعب متعة لهم . يحبون من يسليهم ومن يناغيهم ، ومن يحبهم . وبعد أن تكسب محبتهم ، يمكنك أن تعلمهم ما يلزمهم وما يناسبهم من تعليم . حينئذ سيقبلون التعليم منك ويرددونه وراءك . وبخاصة لو كان منغماً ، وقصير المقاطع ، ومصحوباً بقرار ، وبحركات ...
إن الطفل يغار جداً إذا نال طفل غيره مديحاً غير منك أو حباً ، لم ينله هو ... أو إذا لاعبت غيره ، وأهملته هو ... أو إذا أعطيت غيره ، ولم تعطه ... قد يتضايق منك ، لأنك غير عادل فى توزيع حنانك . والأخطر من هذا ، أنه قد ينتقم من الطفل الآخر ويضربه أو يؤذيه ، ولو فى وقت لاحق ... إن كان اخوة يوسف الصديق ، قد غاروا منه بسبب أحلامه ، وبسبب محبة أبيه له أكثر منهم ، والقميص الملون الذى أعطاه إياه ... ووصلت غيرتهم إلى أنهم أرادوا التخلص منه وباعوا كعبد ( تك37 ) فكم بالأولى الأطفال الصغار ، والغيرة عندهم أكثر من الكبار ؟! ...
إذن حاول مع الأطفال أن تكون عادلاً . ولا تجعلهم يكرهون بعضهم بعضاً بسببك .
ولا تترك طفلين لك يتشاجران على لعبة واحدة . استخدم الألعاب المزدوجة أكثر من الألعاب الفردية ، أو كل منهما ما يماثل غيره ...
الطفل يشعر أن من حقه أن يأخذ كل شئ ! كل شئ يملكه . لا يقبل فى ذهنه أن هذا الشيء ملك للأب أو للأم أو الأخوة أو الضيوف ... بل يأخذه بلا مانع ولا عائق . وإن أردت استرداده ، يبكى ويصرخ ويحتج ... كأنك أنت المخطئ فى الاسترداد ، وليس هو المخطئ فى الأخذ !!
لا تتهمه بأنه لص أو سارق أو حرامى !!
فهذه كلمات جديدة عليه ، لا توجد فى قاموسه ... لا يعلقها ولا يقبلها ... وكأنك تعمله شتائم يستخدمها بغير معرفة فى حديثه مع غيره ... وأيضاً لا تنتهره ، ولا تضربه ، ولا تكن قاسياً عليه ، إذا أخذ شيئاً ليس له . وإنما يمكنك فى هذه الحالة :
V اخفاء الأشياء الهامة ، الى تخشى أن يأخذها ويتلفها .
بمعنى أنك لا تجعل فى متناول الطفل كل شئ ، وبخاصة الأدوية ، التى يمكن يأخذها ويضعها للتو فى فمه ، فتضره .
* يمكن أن تشغله يشئ آخر :
فيترك ما فى يده ، ويأخذ ذلك الشئ الذى تريده منه . وبخاصة لو جعلت هذا البديل مغرياً له ، من النوع الذى يحبه . لعبة جميلة مثلاً ، أو شئ يحدث صوتاً يجذبه . وسترى أنه سينسى ما كان معه أولاً ...
الطفل هو إنسان صغير داخل إلى مجتمع جديد ، لا يعرف كيف سيتعامل معه هذا المجتمع ، ومن هو موضع ثقة يطمئن إليه . وهو يطمئن إليك عن طريق محبتك وعطاياك .
وأيضاً يثق بك إن كنت صادقاً معه .
سواء الصدق فى المعلومات التى تقولها له ، أو الصدق فى المواعيد التى تعده بها . وحذار أن تكذب ، فالولد عنده الصراحة الكافية التى يقول لك بها أنك تكذب ( إن كان يعرف هذه اللفظة ) أو على الأقل يقول لك ( أنت بتضحك على ) ... أو على الأقل لا يضع ذهنه أن يثق بك فيما بعد ، فى كل ما تقوله له مستقبلاً ...
وتكون بذلك قد أدخلت الشك إلى نفسه .
وأفقدته شيئاً من بساطته التى تميل إلى تصديق الغير . وتدخله أحياناً فى حيرة : من من الناس يصدقه ؟ ومن الذى يشك فيه ... ويدخل فى هذا البند ، إن خدعته بحيلة معينة فى موضوع ما ، واكتشف أنك خدعته لكى تصل إلى غرضك ، وتمتعه عما يريد ...
بل أخطر من هذا ، قد تعلمه الكذب والتحاليل .
V V V
إن الطفل يحب الطبيعة بكل تفاصيلها .
الأشجار ، الأزهار ، البحر ، الورد ، الطير ، السمك . ويفرح أن تكون على ملابسه رسوم لشئ من كل هذا . فهو يحب الرسم أيضاً ، ويحب الصور . وحين نعلمه القراءة ، نستغل هذه النقطة ... فنقول له : ألف : أرنب ، الباء : بطة ... فنقرب إليه النطق ، ونوضحه بالرسم .
تعجبه الفراشات فى تعدد ألوانها ، وكذلك ألوان السمك الملون . وربما توجد ألوان معينة تجذبه . وهو فى ملابسه : لا يهمه نوع القماش ، أو غلو الثمن ، إنما يهمه بالأكثر اللون الذى يعجبه ... نلاحظ أن أبانا يعقوب ، حينما أراد أن يفوح ابنه الصغير يوسف " صنع له قميصاًُ ملوناً " ( تك37 : 3 ) ... مما دل على ، أنه " يحب أكثر من جميع أخوته " .
إننى حينما أوزع شوكولاته على الأطفال ، أحرص على أن أعطيتهم من شتى الألوان التى تغلف الشوكولاته ، مع أنها كلها من صنف واحد . فأقول للطفل " أدى الأخضرة ، وأدى الأصفرة ، وأدى الأزرقة " فيفرح الطفل بهذا . وربما يقول " أنا عايز كمان من الأحمرة ... " . هنا الاهتمام باللون أكثر من النوع ... إنه يميز النوع فيما بعد . أو يميزه بالمذاقة ، ومع ذلك تعجبه الألوان .
ولذلك فمن تسليات الطفل عملية التلوين .
حيث توضع أمامه صفحتان : إحداهما للشكل وهو ملون والأخرى فيها نفس الشكل ، ولكن مجرد خطوط بلا ألوان . وهو يأخذ من مواد التلوين ويلون كل جزء بما يناسبه فى الشكل المقابل .
الطفل يمل من الشئ الواحد . إنه يحب التعدد ، وبالتالى يحب التغير . اللعبة الواحدة المتكررة لا تشبعه ، وإنما التغير فى نوع اللعب فى شكلها وفى حركاتها . اللعبة الجامدة لا تلذ له كثيراً ولكن تعجبة المتحركة . وبالأكثر لو كانت حركتها تمثل لوناً من اللعب ... وتلذ له اللعبة المتحركة بالأكثر ، إن كانت تحدث صوتاً فى نفس الوقت . أو يدوس على جزئ منها فيسمع الصوت ... فإن بقيت معه مدة طويلة يسأمها ويهملها ، ويبحث عن شئ آخر .
إنه يتطلع إلى عالم جديد عليه ، يود فيه أن يزيد معارفه بأشياء جديدة
.وهو يتعرف على كل ذلك بحواسه ، ثم يضيف إليها عقله كلما ينضج . من هنا كانت أهمية وسائل الإيضاح بالنسبة إلى أطفال مدارس الأحد . والهيئات التى تستخدم هذه الوسائل السمعية والبصرية ، تستطيع أن تجذب الطفل بالأكثر . ولا يجوز لنا أن نهمل هذه الوسائل التوضيحية ، وهذه المناظر التى تجذب الأطفال ، ثم نلوم إن الطوائف إن استخدمتها ، أو نلوم التلفزيون !!
الطفل فى الحضانة أو الابتدائي يميل إلى المديح . ويرى أنه دليل على المحبة .
فلا تقل : أنا أخشى عليه من الكبرياء والمجد الباطل ! وأريد أن أعمله التواضع ، وأن يقول عن نفسه إنه خاطئ وشرير !!هذا النطق لا يناسب الطفل إطلاقاً .
بل بالمديح يطمئن الطفل على سلامة تصرفاته .
السن الناضجة هي التى يعرف فيها الإنسان الخير والحق من ذاته ، يدرك ذلك عقلياً أو كتابياً أو عن طريق التوعية أو التعليم . أما فى سن الطفولة ، فيعرف أن هذا الأمر خطأ ، حينما يمنعونه عن إتيانه .
بالمديح تكسب الطفل . وبالمديح تشعره بحبك له . وأيضاً بالمديح تشجعه على عمل الخير .
فإن قالت الأم مثلاً " بابا بيجب العيال الحلوين اللى بيعقدوا هاديين وما يتشاقوش " ، تجد الطفل يرد عليها " أنا يا ماما هادى وما ابتشاقاش " . ولإن قالت الأم " ربنا بيحب العيال الحلوين اللى بيجبوا اخواتهم الصغيرين ويلعبوا معاهم" تجد طفلها يرد قائلاً " أنا يا ماما باحب اختى الصغيرة ، وبألعب معاها " .
وهكذا يحمل المديح أحياناً لوناً من الإيحاء لوناً من الإيحاء ، يدفعه إلى عمل الخير .
سواء مدحته هو ، أو مدحت العمل لكى يعمله فيستحق المديح ... والطفل حساس يستطيع أن يميز الأشياء التى تجلب له المديح من التى تجلب له الإهمال أو العقاب ... أما الأخطاء فيكفى أن تتجاهله فيها ، فيعرف أنها لم تلاق اهتماماً أو مديحاً . وإن وبخته عليها ، لا توبخه بكلمة خاطئة يمكن أن يلتقطها ويستخدمها مع غيره .
تأكد أنك أمام جهاز حساس فى السماع والمحاكاة .
فإذا كان التوبيخ شتيمة ، فإنه يسمعها منك ويقولها لغيره . وتكون قد أضيفت إلى قاموسه عبارة رديئة . إن التعامل مع الطفولة يعلمنا نحن الكبار كيف نختار الألفاظ المهذبة ، حتى لا نقول كلمة رديئة يتعلمها أولادنا منا . وهذه بلا شك مسئولية الأبوين ، ومسئولية الأقارب ، وكذلك خدام التربية الكنيسة .
وثق أن الطفل حريص على كرامته .
ولا يجب أن يهاب بسبب أخطائه ، كما أنه لا يود أن يفقد محبة أو مديح الذين يمدحونه أو يشجعونه . يمكن أن تقول له " يا حبيبي . بلاش تعمل كده . دا مش كويس ... " .
واحترس جداً من جهة الفاظ التوبيخ والذم .
نشكر الله أن اللغة القبطية لا توجد فيها شتائم قائمة بذاتها . إنما الرذيلة هي عكس الفضلية أو نقصها . فالألفاظ التى تدل على أخطاء تأتى بطريقة تركيبية Constructive وليس بلفظ خاص . مثال ذلك كلمة ثرثار ليس لها لفظ خاص ، وإنما تأتى مركبة ( كثير الكلام )
يمكن إذن أن تعلم الطفل الخير والفضيلة بأسلوب إيجابي غير سلبى .
لا تقل له باستمرار " ربنا يزعل منك " ... " ربنا مش ها يحبك لو عملت كده " . أصعب من هذا الذى يقول له " لو عملت كده ، ربنا ها يوديك النار " ...
لا تجعل صورة الله مخيفة للطفل .
وإن الله واقف له بالمرصاد ، ليراقبه ويعاقبة !! أو أن الله باستمرار ضد حريته وضد رغباته !! أو لأنه لا يتسامح معه فى شئ ... أو أن الطفل معرض لأن يفقد محبة الله لآى سبب ... أو أن علاقته بالله تمر فى سلسلة طويلة من التهديدات ...
سأحكى لكم قصة واقعية تبين خطورة هذا الأمر ...
أتذكر قبل رهبنتى ، كان لنا جار فى البيت المقابل ، مرض ورقد على فراش الموت . وكان له ابن طفل . فأبعدوا هذا الطفل عند بعض أقاربه ، حتى لا بري أباه فى ساعة موته . ثم مات الأب ، ورجع الطفل إلى البيت بعد حوالى أسبوعين ...
وسأل الطفل عن أبيه ، فقالوا له : أخذه ربنا .. فظل الطفل غضبان من الله مدة طويلة !!
كيف يأخذ أباه منه ، ويحرمه من الأب الذى يحبه ؟!
اهـتمام الطفل
كان عرض الأمر بهذا الأسلوب غير موفق تماماً . كان يمكنهم أن يقولوا له مثلاً : بابا راح السما ...
وقدمت لى أسلوباً أساسياً فى معاملتى للأطفال . وفى الواقع أعطتني درساً عملياً نافعاً . فى أحد الأيام زارتني أسرة ومعها طفلها . وأرادت الأمم أن تقدم لى مهارة الطفل فى الحفظ ، فظللت تحث الطفل وتقول له :
- قل لسيدنا " أبانا الذى " ... قل له " أجيوس .. " . أما الطفل فنظر إلى فى براءة وفرح ، وقال لى :
- - شايف الجزمة الحمرة الجديدة بتاعتى ؟
- كان الطفل سعيدا جداً حذائه الجديد الأحمر ، وأفكاره كلها مركزة فيه ، ويريد أن يشاركه الكل فى سعادته ، بأن يلفت أنظارهم إلى هذا الحذاء الجديد الذى يلبسه ... بينما الأم تريد ا تنقله إلى جو آخر روحى لم يصل إليه بعد ...!
- ومن ذلك الحين ، كنت كلما أرى طفلاً : أمتدح أولاً ملابسه الجميلة ، وما عليها من أشكال ورسوم ، أو أمتدح ألوانها . فإن كانت بنتاً أمتدح الحلق الذى تلبسه ، أو الفيونكا التى فى شعرها ، أو اللعبة التى فى يديها .... أو أمتدح الأطفال عموماً بأنهم " حلوين " و " كتاكيت " ولطفاً ... ولا مانع من بعض الشوكولاته أو الملبس أو الهدايا أياً كانت ...
وبعد إشباعهم بهذا الرضى ، ندخل فى " أبانا الذى " وفى " آجيوس " .
تأتى مراجعة المحفوظات حينئذ فى موضعها ... بعد أن يكون الطفل قد شبع حناناً وحباً ، واطمئن إلى محبة من يكلمه ، واطمئن متجهة رضاه عن نفسه ، ورضى الأخرين عنه ... أما أن نبدأ بسؤاله عن معلوماته ، كأننا فى موقف " المفتش " أو الممتحن ، فهذا تصرف يأتى فى غير وقته . وقد قال الحكيم " تفاحة من ذهب فى مصوغ من فضة ، كلمة مقولة فى وقتها " ( أم25 : 11 ) .