just4jesus
New member
مقدمة
تتصل هذه الحقبة بعصر الرسل مباشرة، وسميّت كذلك لارتباط أعلامها بالرسل بشكل مباشر أو بواسطة تلاميذهم. وتتصف بالخصائص التاليّة:1. تعاليم رعويّة موّجهة لمناسبة معيّنة، كالتبشير وصعوباته، والالتزام المسيحي وتحدياته.
2. التصدي للاضطهاد الوثني واليهودي، الفكري والدموي.
3. الردّ على بعض الهرطقات كـ"التهوُّديّة" و"الشكلانيّة"، الناتجة عن تفاعل المسيحيّة الناشئة مع الثقافات والأديان الأخرى.
4. بداية تنظيم الإدارة الكنسية بظهور الرتب الكهنوتيّة والرسوليّة وتثبيتها كالأسقف والكاهن والشمّاس والمعلّم والرسول والنبي وعدم التمييز بين بعضها أحياناً.
5. بداية تنظيم الرتب الطقسيّة كالمعموديّة والإفخارستيّا.
6. سيطرة الطابع الإسخاتولوجي (الأُخرويّ)، حيث الشعور بأن نهاية العالم قريبة الـ Parousia.
7. عدم التنسيق للعقائد بسبب انتظار المجيء الثاني للمسيح الوشيك.
8. التركيز على التعاليم الأخلاقيّة الملتزمة، والصارمة أحياناً.
9. تنوّع الفنون والأنواع الأدبيّة.
10. ظهور قوانين إيمان موجزة.
11. نشأة الأدب الأبوكريفي (المنحول).
سوف ندرس أحد "آباء" هذه الحقبة، التي سبق وعرّفنا بأهم مؤلفاتها، هو القديس أغناطيوس الأنطاكي كأنموذجٍ لأدب الرسائل، وندرس أيضاً كتاب "الراعي" لهرماس كأنموذجٍ للأدب الرؤيوي، وكتاب "ذيذاخيه" كأنموذجٍ لأدب الإرشادات. كما سنتعرّف على نوعين أدبيين عُرفا في هذه الحقبة: "المجموعات القانونيّة"، والأدب "الأبوكريفي".
القديس أغناطيوس الأنطاكي
1 - حياته :لا نعرف الكثير عن حياة القديس أغناطيوس الأنطاكي لعدم توفّر المصادر التاريخية. وجلّ ما نعرف عنه مأخوذ من رسائله، فقد كتب سبع رسائل وجهها إلى الكنائس التي مرّ بها في أثناء رحلته إلى الاستشهاد.
أغناطيوس هو الأسقف الثالث على مدينة أنطاكية بعد القدّيس بطرس وبعد أيفوديس. تألّق نجمه في عهد الإمبراطور ترايانوس بين سنة 98 وسنة 117. ثم سيق مقيّداً بالسلاسل من أنطاكية سوريا إلى روما لاعترافه الجريء بإيمانه المسيحي، يحيط به الجند بأمرٍ من حاكم مدينة أنطاكية، وفي طريقه عرّج على مدينة فيلادلفيا في ليديا، فمكث فيها بضعة أيام، ثمّ انتقل إلى مدينة إزمير حيث كان في استقباله الجماعة المسيحية القاطنة هناك يتقدّمها أسقفها القدّيس بوليكاربوس، وهو تلميذ القديس يوحنا الرسول. استقبل، في أثناء إقامته في إزمير، بعثات كثيرة من الكنائس المجاورة، من أفسس ومغنيزية وتراليان، فحثّهم بإرشاداته ونصائحه على تجنّب البدع والهرطقات التي بدأت تمزّق جسم الكنيسة الضعيف، وعلى اتّباع تعاليم الرسل وتقاليدهم. ولم يكتف بذلك بل راح يكتب إلى تلك الكنائس الرسالة تلو الأخرى، مزوّداً إيّاها بتوصياته الأخيرة قبل مغادرة آسيا الصغرى. ومن إزمير انتقل القديس إلى ترواس، فكتب من هناك إلى المدن التي استقبلته خلال مروره بها، كما بعث برسالة إلى بوليكاربوس أسقف إزمير يحثّه فيها على متابعة مسيرته في خدمة الكنيسة والمسيح. وأخيراً وصل أغناطيوس إلى روما حيث قض شهيداً بين أنياب الوحوش سنة 107 على ما يروي اوسابيوس المؤرّخ (1) .
يلقّب القدّيس أغناطيوس نفسه في بعض رسائله بـ "حامل المسيح" (2) وعند استشهاده يسمّي نفسه "حامل المسيح على صدره" أي المكّرس له نفسه.
ويروي التقليد على لسان بعض المؤرّخين أنه سمّي بـ "الحامل المسيح على صدره" لأنّه كان هو الولد الذي حمله المسيح في حضنه (3) يوم قال للرسل: "الحقّ الحقّ أقول لكم، إن لم ترجعوا فتصيروا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 18: 3).
2 - كتاباته :
كتب أغناطيوس، كما ذكرنا أعلاه، سبع رسائل وهي موجّهة تباعاً لكلّ من: أهل افسس ومغنيزية وتراليان وروما وفيلادلفيا وإزمير ورسالة خاصة إلى بوليكاربوس زميله في الأسقفيّة.
لا يُشكّ في أمر انتساب هذه الرسائل له للسببين التاليّين:
آ - تأكيد القدّيس بوليكاربوس (4) صحّة الرسائل التي كتبها القدّيس أغناطيوس في رسالته إلى أهل فيليبي، إذ يقول: "إنّ رسالة أغناطيوس التي بعث بها إلينا، وكلّ الرسائل التي حصلنا عليها منه، نرسلها إليكم بناءً على طلبكم. فقد ضمّت إلى هذه الرسالة (الفيليبيين)، ويمكنكم الاستفادة منها كثيراً. إنّ مثل هذه الرسائل لمفعمة بالإيمان والصبر والمشاعر التي توصل إلى سيّدنا" (5) .
ب - ذكر أوسابيوس المؤرّخ، في القرن الرابع، أسماء الرسائل التي كتبها القدّيس أغناطيوس، عندما يقول: "وبينما كان (أغناطيوس) في إزمير، حيث يقيم بوليكاربوس، كتب رسالة إلى كنيسة تراليان... أضف إلى ذلك رسالة إلى الرومانيين ... هذا ما كتبه من المدينة التي تحدّثنا عنها إلى الكنائس المشار إليها. وبعد أن غادر إزمير بعث ببضع رسائل من ترواس إلى الذين في فيلادلفيا وإلى كنيسة إزمير، ورسالة باسم رئيسها بوليكاربوس " (6) .
3 - تعاليمه :
يعالج القدّيس أغناطيوس في رسائله مواضيع شتّى تتعلّق بحياة الكنيسة إبّان انطلاقتها الأولى. وإذا أردنا تلخيص تعاليمه بكلمة واحدة لما وجدنا أفضل من لفظة "وحدة". حيث ترد هذه اللفظة أكثر من عشرين مرّة في رسائله، ولا عجب في ذلك، فأغناطيوس يقول عن نفسه بأنه "إنسان جعل للوحدة" (7) . يمكننا تلخيص تعاليمه تحت العناوين التالية:
1 - وحدانيّة الله
يشدّد القدّيس أغناطيوس في رسالته إلى كنيسة مغنيزية على وحدانية الله متحاشياً بذلك الثنائية الغنوصية (8) التي كانت تؤمن بوجود إلهين، إله للنور وإله للظلمة. في هذا الصدد يقول: "لا تخدعنّكم التعاليم الغريبة ولا تلك الأساطير القديمة التي لا فائدة منها. إذا كنّا نحيا حتى الآن حسب الناموس اليهودي، فإننا نعترف ونقرّ بأننا لم نأخذ النعمة بعد. عاش الأنبياء الإلهيون حسب يسوع المسيح، لذلك اضطهدوا. وقد أوحى إليهم بنعمته ليطلعوا الكفرة أنّ الله واحد" (9) .
وفي رسالة أخرى يعلن أسقف أنطاكية أنّ معرفة الله الواحد قد حصلت بيسوع المسيح: "لماذا لا نحظى بمعرفة الله، أي بيسوع المسيح، فنصبح كلّنا حكماء؟" (10) . "إنّ إله المسيحيين غير مرئي ويستحيل إدراكه، بيد أنّه أضحى الآن مرئياً ومدركاً بيسوع المسيح" (11) .
2 - وحدة الله والمسيح
إنّ وحدة الله والمسيح تظهر جلياً في رسائل القدّيس أغناطيوس ولا مجال للشكّ في ذلك. فقد ظهر متأنّساً "ليحقّق النظام الجديد أي الحياة الخالدة" (12) . ويقول أيضاً: "تسارعوا إلى هيكل الله الواحد، إلى المذبح الأوحد، إلى يسوع المسيح الذي خرج من الآب الواحد وبقي متّحداً به والذي إليه يعود" (13) . فالله الآب والمسيح هما إذاً متّحدان اتّحاداً "كاملاً"، يعملان معاً من خلال تدبيرهما الخلاصي الواحد من أجل بناء الملكوت. وفي ختام الرسالة إلى كنيسة أفسس يضيف القدّيس: "تشدّدوا بالله الآب وبيسوع المسيح رجائنا المشترك" (14) .
إنّ الحياة المسيحية هي جهاد متواصل للبلوغ إلى هدف واحد، الاتحاد بالله وبيسوع المسيح، وقد سرّ القدّيس إبّان تجواله في كنيسة مغنيزية بنموّها الروحي فعبرّ عن ذلك قائلاً: "لقد خصّني الله بشرف اسم عظيم. أني أطوف في الكنائس مقيّداً بالحديد. ويسرّني أن أراها في وحدة مع جسد وروح المسيح يسوع، حياتنا الأزلية، يسرني أن أراها في وحدة مع يسوع والآب وهي الوحدة الأهم" (15) .
3 - وحدة المسيح
أكّد القدّيس أغناطيوس على وحدة المسيح أمام خطر الانقسام الذي بدأ يهدد الكنيسة الفتيّة وذلك بظهور بدعتين هما "التهوّديّة" و"المظهريّة". فإنّ وجدنا أسلوبه في حديثه عن "وحدانيّة الله" ووحدة "الله والمسيح" عذب ورقيق. نجد أنّ الكلام عن وحدة شخص المسيح يختلف كليّاً، كيف لا والكنيسة بأجمعها أمام خطر حقيقي يهدد بالاضمحلال والاندثار! يقول مهاجماً البدع: "هناك أناس يتلفّظون باسم الله رياءً وخداعاً ويقومون بأعمال لا ترضيه. يجب أن تبتعدوا عن هؤلاء كابتعادكم عن الوحوش المفترسة. إنهم كلاب استكلبت تعضّ غدراً تجنّبوهم لأنّ الشفاء من عضّهم عسير" (16) . ويضيف في موضع آخر: "ما أكثر الذئاب التي تحاول أن تأسر باللذة الشرّيرة أولئك الذين يجتازون طريق الرب. لا مجال لمثل هؤلاء في وحدتكم" (17) .
إنّ البدعة التي حاربت الكنيسة في النصف الثاني من القرن الأول وبعده، والتي أسهمت إلى حد كبير في شلّ عملها التبشيري، هي بدعة "المتهوّدين". يرجع أصل تلك البدعة إلى عهد الرسل، وبالتحديد إلى عهد القديس يعقوب. فالخلاف نشب أوّلاً بين المسيحيين الذين من أصل يهودي والمسيحيين من أًصل وثني حول كيفية الخلاص. فبينما يصر المسيحيّون من أصل يهوديّ على أنّ الخلاص لا يحصل إلا بإتمام الفرائض الموسوية من ختان إلى حفظ لنهار السبت، يؤكّد المسيحيون الذين من الأمم أنّ الخلاص قد حصل بيسوع المسيح وحده فلا مجال للعودة إلى شريعة العهد القديم. في هذا "الجو المشحون بالأفكار المتناقضة كتب أغناطيوس إلى الكنائس محذّراً من مغبّة الوضع وخطر تلك البدعة على الديانة المسيحية. ففي رسالته إلى كنيسة مغنيزية يعلن صراحةً أنّ النعمة لا يحصل عليها من عمل الشريعة: "إذا كنّا نحيا حتى الآن حسب الناموس اليهودي فإنّنا نعترف بأنّنا لم نأخذ النعمة بعد"، "وإنّ أولئك الذين عاشوا وفقاً للنّظام القديم واحتضنوا الرجاء الجديد لا يحفظون السبت بل الأحد الذي أشرقت فيه شمس حياتنا بواسطة المخلّص وموته" (18) .
البدعة الأخرى التي لا تقلّ خطورة عن الأولى، يدعى أصحابها بـ "المتشبّهين" أو "الظاهريين"، ويعلّمون أنّ الإنسانية في المسيح ليست إلا مظهراً خارجياً، وبالتالي ضرباً من الوهم. ويردّ القدّيس أغناطيوس بعنف على هؤلاء بلغة وجوديّة قد تخلو من الإقناع فيقول: "إذا كان المسيح قد تألّم ظاهرياً، كما يقول البعض من الملحدين، وما هو إلاّ مظهر، فما معنى القيود التي أحملها؟ لماذا تتأكّلني رغبة الصراع ضد الوحوش؟ في مثل هذه الحالة يكون موتي عبثاً وما أقواله عن المخلّص خرافة" (19) ، ثمّ يردف في مكان آخر معلناً إيمانه بألوهية يسوع وتأنسه بالجسد: "لا يوجد غير طبيب واحد جسدي وروحي، مولود وغير مولود، إله متجسد، وفي الموت حياة حقيقة. ولد من العذراء ومن الله، قابلاً للآلام قبلاً وغير متألّم الآن، يسوع المسيح ربنا" (20) .
4 - التشبّه بالمسيح
إنّ التشبّه بحياة المسيح، برأي القدّيس أغناطيوس، لا يعرف المساومة. لكي نحيا بحسب الله وليس بحسب الإنسان علينا أن نقتدي بالمسيح: "إقتدوا بيسوع المسيح كإقتدائه بالله" (21) . وممّا لا ريب فيه أنّ حياته أضحت مثالاً يحتذي به المسيحيّون. فأغناطيوس "الحامل المسيح" لا يرضى من الآن فصاعداً أن ينفصل ولو لحظة عن المسيح، فهو كل شيء بالنسبة إليه، وكم من مرّة صلّى إلى الله كي يمنحه الاستشهاد، ليتحد بكليّته بالمسيح وإلى الأبد: "إنّي أفضّل أن أموت مع المسيح من أن أملك أطراف المسكونة. إني أطلب المسيح الذي مات من أجلنا وقام أيضاً من أجلنا. قربت الساعة التي سأولد فيها. اغفروا لي يا إخوتي، دعوني أحيا. اتركوني أموت، إنّي أريد أن أكون لله ... اتركوني أقتدي بألم ربي. إذا كان الله في قلب واحد منكم فليفهم ما أريده وليرث لحالي لأنّه يعرف ما ينتابني (22) .
بيد أنّ أغناطيوس لا يدعو الجميع إلى الاستشهاد هرباً من المسؤولية ومن العالم، لذلك نراه في كل رسالة من رسائله يحرّض المسيحيين على ممارسة الفضائل المسيحية تشبّهاً بالمسيح: "صلّوا بلا انقطاع من أجل الآخرين لأنكم تقودونهم إلى الرب على رجاء التوبة. أفسحوا لهم المجال ليتثقّفوا في مدارس أعمالكم. واجهوا غضبهم بالوداعة، وتبجحهم بالدعة، وشتائهم بالصلاة، وضلالهم برسوخ الإيمان، وفظاظة أخلاقهم بدماثة الطبع. ولا تردّوا لهم شرهم بشر. كونوا لهم إخوة بالرحمة، ولنحاول أن نتشبّه بالسيّد، ولنتبارى في حمل الظلم والمهانة والاحتقار حتى لا يكون للشيطان في قلوبكم مكان ينبت فيه عشبه. أثبتوا في النقاوة الكاملة والتعقل جسدياً وروحياً في المسيح يسوع" (23) .
5 - " الأسقفيّة " مسؤولية وحدة الكنيسة وعلامتها
يلخص القديس أغناطيوس مفهومه عن الأسقف بجملته الشهيرة: "حيث يكون الأسقف، هنالك تكون الكنيسة" فأغناطيوس لكونه "الأسقف" يفقه تماماً أهمّيته ودوره في وحدة الكنيسة التي يرئسها. إنّ الأسقف هو رأس الجماعة المؤمنة كما أنّ المسيح هو رأس الكنيسة كلّها. إنّ الأسقف هو المعلّم والواعظ والموزّع لسرّي المعمودية والافخارستيا.
يدعو أغناطيوس إلى الانسجام التام مع شخص الأسقف مهما كانت صفاته. "من امتنع عن الحضور إلى الكنيسة فهو متكّبر ويقطع ذاته من الشركة، ولقد كتب "إنّ الله يقاوم المتكبرين، فلنحترس إذاً من مقاومة الأسقف إذا كنّا نريد أن نحافظ على طاعتنا لله" (24) . ثمّ يردف في رسالته إلى كنيسة مغنيزية فيقول: "يجب أن تكون طاعتنا خالية من كل شائبة لأنّ احترامنا هو لله الذي أحبّنا. فإذا خدعنا الأسقف، فإنّنا نكذب على الأسقف غير المنظور، وفي هذه الحالة ليس عملنا مع الجسد بل مع الله الذي يعرف كل الأشياء الخفيّة" (25) .
ولكن، هل يقوم الأسقف بخدمة كنيسته بمفرده؟ بالطبع لا، فأغناطيوس يذكّرنا بأنّه كان محاطاً بفريق من الشمامسة والكهنة، من أجل تأمين حاجات الجميع، من وعظ وأسرار وتبشير. إنّ هذه الإشارة إلى الدرجات الكهنوتية الثلاث، بعد عهد الرسل، لدليل عافية وتنظيم متينين في الكنيسة، ممّا يجعلنا نزداد اقتناعاً بأهمية هذا السرّ في حياة الكنيسة: "على الجميع أن يحترموا الشمامسة كالمسيح يسوع والأسقف كصورة للآب والكهنة كمجلس الله ومصفّ الرسل، بدون هؤلاء لا توجد كنيسة، إني واثق أنكم تدينون بهذا الشعور" (26) .
6 - الإفخارستيا سر الوحدة
لأول مرّة تظهر لفظة "إفخارستيا" في تقليد الكنيسة في رسائل القدّيس أغناطيوس، وترد أربع مرّات، يتغير مضمونها حسب سياق النص. ففي الرسالة إلى أفسس ترجمت كلمة "إفخارستيا" إلى "فعل شكر لله": "حاولوا أن تكثّفوا اجتماعاتكم لتقدّموا شكركم (الافخارستيّا) وتمجيدكم لله" (27) . لكنّ القدّيس يعود ليعلن في موضع آخر أنّ الافخارستيا هي عامل أساي يميز المسيحيين في اجتماعاتهم الليترجية، من اجل تمجيد الله. فهي تذكّرهم بالعشاء السري يوم كسر المسيح الخبز وحوّله إلى جسده، وشرب من الخمرة وحوّلها إلى دمه: "إذا كنتم جميعكم تجتمعون كواحد متشددين بنعمته ... تكسرون الخبزة الواحدة التي هي دواء للخلود، تقدمة معدّة لتحفظنا من الموت وتؤمّن لنا الحياة الدائمة في المسيح" (28) .
إلاّ أنّ الإفخارستيا ليست فقط عشاء يجمع المسيحيين لتسبيح الله وشكره، ولكنّها تجعلهم كذلك متحدين بجسد يسوع المسيح ربنا ودمه: "إيّاكم والاشتراك بغير سرّ الشكر الواحد لأنه لا يوجد غير جسد واحد لربنا يسوع المسيح وكأس واحدة توحّدنا بدمه ومذبح واحد" (29) .
بيد أنّ الافخارستيا تفقد طابعها المغذّي إذا لم تتحلَّ بروح الإيمان والمحبة، فبدون هذين العاملين يكون اجتماعنا باطلاً: "إنّ جسد المسيح الحقيقي هو إيمان المسيحيين، ودمه هو محبتهم"، "تسلّحوا بعذوبة الصبر واجعلوا من نفوسكم مخلوقات جديدة بالإيمان الذي هو مخلّصنا وبالمحبة التي هي دم يسوع المسيح".
7 - الزواج المقدّس
أكّد أغناطيوس على أهميّة تقديس عقد الزواج ببركة الأسقف ممهّداً للاهوت وقانونيّة هذا "السرّ"، فيقول: "على الرجال والنساء الذين يتزوّجون أن يكون اتحادهم على يد الأسقف، حتى يكون زواجهم بحسب مشيئة الربّ لا حسب الرغبة فقط".
خاتمة :
تسعة عشر قرناً مضت على كتابات القدّيس أغناطيوس الأنطاكي، فهل طواها الزمن في خزانة المخطوطات للذكرى والتاريخ، أم ما زالت تحمل رسالة للكنيسة؟
إنّ كتابات القدّيس أغناطيوس، على الرغم من تقادمها وغرابة بعض تعابيرها التي ربما لا تصلح لعصرنا، تبقى رائدة ومنارة وهدياً لكل مسيحي يرغب في التعمّق بجذور إيمانه وتطوّره. ففضلاً عن التعاليم الأخلاقية والمسلكية والعقائدية والروحية التي يحث المسيحيين على ممارستها والتي يستقيها من الإنجيل، هناك فكرة جوهرية قلّ أن نجدها عند غيره من الكتاب المسيحيين القدامى، إلا وهي فكرة الوحدة، فأغناطيوس لا ينفكّ في رسائله يتكلّم عن الوحدة مع الله ومع المسيح، وعن الوحدة بين الكنائس، فهو يؤمن بتعددية الكنائس (راجع مطلع كل رسالة من رسائله)، ولكن شرط أن تكون متحدة بعضها مع بعض تحت كنف المسيح رأس كل الكنائس.
كتاب " الراعي" لهرماس
1- من هو هرماس :
هل هو الذي ذكره بولس الرسول في رسالته إلى الرومانيين (16: 14) كما يرجّح العلاّمة أوريجانوس (القرن الثالث)؟.. أم أنه أخو البابا بيوس الأوّل أسقف روما (140 – 155) على ما ورد في القانون الموراتوري (30) ، الذي يصرّ على أنّ زمن وضع الكتاب قد تمّ في ولاية البابا بيوس الأوّل ؟... (31) ، أم هو شخص ثالث. إذ لا دلالة صريحة لدينا من الكتاب نفسه حول شخصيّة الكاتب؟..
جلّ ما نعرفه عن كتاب "الراعي" من الكتاب نفسه أن الكاتب هو "هرماس"، وأنه يرجع إلى عهد البابا اكليمنضس أسقف روما، حيث يقول في الرؤيا الثانية: "لذلك تكتب نسختين من الكتاب الصغير ترسل إحداها إلى اكليمنضس والثانية إلى "غرابنيه"، فيبلّغها اكليمنضس المدن الأخرى لأّنها هذه مهمّة" (32) ..
عزا بعض النقّاد هذا التباين في وجهات النظر إلى بنية الكتاب المعقّدة. كما إزاء هذا التناقض البائن عندما أوسع النقّاد الذين هذا كتاب درساً وتمحيصاً. ولكنهم أجمعوا على أنّه كتب على عدّة مراحل ثمّ وضعت اللمسات الأخيرة في عهد البابا بيوس الأوّل.
2- قصة الكتاب :
يروي لنا هرماس في مطلع كتابه بأسلوب رؤيويّ يجذب القارئ، أنّه كان عبداً باعه معلّمه إلى سيدة ثريّة تدعى "رودة " أقام معها في روما. ولم يمضِ وقت يسير حتى كلف بها، مع العلم أنّه كان متزوّجاً وله عدّة أولاد. فلقد كانت معلّمته في أحد الأيّام تستحمّ على ضفاف نهر التيبر، فمدّ لها يده ليخرجها من الماء، فبان له سحر جمالها الفتّان، فتدفّقت عواطفه ومشاعره وشرع يردّد في قلبه قائلاً: لو كان لي امرأة بهذا الجمال وبهذا الخلق لكنت أسعد إنسان على الأرض (33) .
وتصرّمت الأيّام وهرماس لم يبرح لحظة منزل معلّمته يخدمها بصدق وأمانة إلى أن ظهرت له يوماً، وهو في غمرة صلاته، وراحت تقرّعه على تفكيره السيّئ فيها، فاستحوذ عليه الخوف وشعر في داخله بعاصفة من الأفكار المقلقة، وانتصبت أمامه صورة الخطيئة وما ينجم عنها من حرمان وموت... في هذا الجوّ المتناقض استهلّ المؤلّف كتابه يسرد الرؤيا تلو الرؤيا، مظهراً مفهومه للتوبة والخلاص.
3- فحوى الكتاب :
اعتمد هرماس في أسلوبه، كما ذكرنا، الفنّ الرؤيوي، شأن الكثيرين من أترابه في القرون المسيحية الأولى، نظراً لما كان لهذا الفنّ من وقع عند المسيحيين آنذاك. وقد جعل كتابه قريباً للمنال في صوره وتعابيره.
يقسم الكتاب على نحو ما رتّبه المؤلّف إلى ثلاثة أجزاء، يضمّ الجزء الأوّل خمس رؤى، والجزء الثاني اثنتي عشرة وصية، ويحتوي الجزء الأخير على عشرة أمثال.
تشتمل الرؤيا الأولى، فصلاً عن حوار هرماس مع سيّدته، على مشهد ثان حيث تظهر له الكنيسة بهيئة امرأة مسنّة. وفي الرؤيا الثانية تعود المرأة فتظهر من جديد لتذكّر هرماس بالحالة التي يتخبّط بها أبناؤه. وأمّا في الرؤية الثالثة فقد تخيّل الكاتب الكنيسة بشكل برج كبير ما زال في طور البنيان، فالحجارة التي لا تصلح للبناء يعاد نحتها من جديد كي تصبح صالحة، أمّا الحجارة الجيّدة فتأخذ مكانها المحدّد لها في البرج، وقد كنى بهذه الحجارة عن الخطأة والمؤمنين على السواء. ثمّ تأتي الرؤية الرابعة مرعبة للغاية، فقد تخيّل الكاتب صورة تنّين يهجم عليه ليفترسه، ثمّ ما لبث أن ظهرت له فتاة جميلة، هي الكنيسة النقية، لتخفّف من روعه وتحرّضه على الثبات. وفي الرؤيا الخامسة يظهر ملاك التوبة في ثوب راعٍ يسوس أمور التوبة ويضمن نتائجها معلّماً الوصايا الواجب حفظها.
ويتضمّن الجزء الثاني مختصراً للأخلاق المسيحية، فيورد هرماس الوصايا التي ينبغي أن يطبّقها التائب، وهي الإيمان، وخوف الله، وطول الأناة، والبساطة، والبراءة، والصدق، والطهارة، والسلوك الحسن في حالتي الزواج والترمّل، والصبر، والسيطرة على الذات، وما يجب رفضه، ومن نخشى ومن لا نخشى، والإشارة إلى الله والشرّير، وما نفعل وما نتجنّب، والشك، والحزن، والتشاؤم، والأنبياء الكذبة، واستئصال الشرّ من القلب واستبداله بالصلاح والفرح (34) .
ويعالج هرماس في الجزء الثالث المواضيع التي سبق فطرحها في مستهلّ كتابه، وقد صنّفها في عشرة أمثال:
جاء في المثل الأوّل: "أنتم تعلمون يا خدّام الله أنّكم تسكنون أرض غربة، وأنّ مدينتكم بعيدة عنها، فإذا كنتم تعرفون مدينتكم، تلك التي ستسكنون فيها يوماً ما، فلماذا تقتنون هكذا حقولاً ومنشآت كثيرة الكلفة، ومباني ومساكن لا حاجة لها؟ فبدلاً من الحقول افتدوا إذن نفوساً ممتحنة على قدر إمكانياتكم: زوروا الأرامل واليتامى ولا تحتقروهم. اصرفوا أموالكم ومنشآتكم على حقول ومنازل من هذا النوع إذ إنّكم تسلّمتموها من الله (35) .
وفي المثل الثاني يشدّد الكاتب على موضع التعاون الذي ينبغي على الإنسان أن يتحلّى به، مستنداً إلى صورة التعاون القائم بين شجرة الدردار والكرمة، ثمّ يوصي الأغنياء بضرورة مساعدة الفقراء.
وفي المثل الثالث صورة واضحة عن حياة الأبرار والخطأة في هذا العالم. يقول: "في الشتاء تبدو جميع الأشجار متشابهة لفقد أوراقها ولا يمكن التمييز بين الحيّة والميّتة منها. كذلك في هذا العالم لا يتميّز الأبرار عن الخطأة لأنّهم متشابهون جميعاً" (36) .
ويأتي المثل الخامس شرحاً مستفيضاً عن الصوم ومفهومه، فيعلن هرماس أنّ الصوم هو إصلاح داخلي وتطبيق لكلام الله وصدقة وتصدّق ...
أمّا المثل السادس فهو حوار بين ملاك الشرّ والخداع وملاك القصاص والعقاب.
ويتابع هرماس حواره في المثل السابع مع ملاك القصاص والعقوبة مستنجداً به ليقيه العذاب الأبدي، فيحثّه على التحلّي بالصبر وطول الأناة.
ويشبّه هرماس الكنيسة في المثل الثامن بشجرة صفصاف ضخمة، فحتى لو قطعنا بعض أغصانها ورمينا بها بعيداً، فإنّ في مقدور هذه الأغصان أن تبرعم وتزهر من جديد إن وضعناها في الماء. وهذا هو حال الخطأة الذين ينفصلون عن الكنيسة إلى حين، فإنّهم بالتوبة الصادقة يعودون على غرار الأغصان إلى الحياة.
ويعود هرماس في المثل التاسع إلى صورة البرج الذي يبنى بالحجارة الصالحة، أي بالمؤمنين الصالحين، فيرجئ عمل التشييد كي يتسنّى للخطأة أن يتوبوا توبة صادقة.
وفي المثال العاشر يظهر ملاك القصاص من جديد ليحرّض هرماس على تغيير مسلكه، داعياً إيّاه إلى عائلته.
4- تعاليم الكتاب :
يعتبر كتاب هرماس "الراعي" أوّل بحث لاهوتي عن التوبة في تاريخ الكنيسة، فقد شغلته فكرة التوبة عن سائر المعضلات الإيمانية الأخرى، فكّرس لها القسم الأكبر من مجهوده وتفكيره، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه من التطرّق إلى بعض المواضيع الإيمانية الأخرى، كالمسيح والكنيسة والمعمودية وغيرها ...
أ - التوبة :
ساد الكنيسة جوّ من القلق والحيرة عن مصير الخطأة الذين يسقطون بعد المعمودية في مطلع القرن الثاني. فقد اعتبر بعض المفكّرين أنّ المعمودية تمحو جميع الخطايا السابقة بفعل الماء والروح القدس، بيد أنّهم فرضوا على المؤمنين بالمقابل سيرة لائقة وحياة شبه كاملة، وإذا صدف أن وقع أحدهم في الخطيئة فعليه أن ينتظر حكم الله ورحمته في الأبدية، إذ لا مجال للتوبة لمن تنقّى وحصل على نعمة الاستنارة.
إنّ هذا الرأي السائد آنذاك خلق بلبلةً واضطراباً بين صفوف المسيحيين، ممّا حمل الكثيرين منهم على تأجيل المعمودية حتى غروب حياتهم كي لا يتعرَّضوا إلى السقوط في ما بعد (37) . فراح هرماس يحضّ المؤمنين على التوبة ويعيد إلي قلوبهم الثقة والإيمان. ومع أنّه أتى بنظرية جديدة أكثر تسامحاً، فهو أقرب إلى التشدّد منه إلى التسامح الذي عهدناه في جوهر المسيحية وفي حياة المسيح بالذات. يقول: "يا سيّدي، سأضيف سؤالاً آخر، فقال: سمعت بعض الملّمين يقولون: ليس هناك توبة غير التي نلناها يوم نزلنا في الماء وحصلنا على مغفرة الخطايا السابقة. فقال لي: ما سمعته صحيح. وهذا هو الواقع. فالذي نال مغفرة الخطايا ينبغي عليه ألاَّ يخطأ أبداً كي يبقى في القداسة. ولكن بما أنّك ترغب في معرفة جميع الإيضاحات سوف أبيَّن لك هذا أيضاً من دون أن أعطي حجّة للخطيئة للذين سيؤمنون أو للذين آمنوا بالرب، لأنّهم ليس لهم أن يتوبوا عن خطاياهم السابقة إذ أنّهم بالعماد قد نالوا المغفرة عنها. وعليه فقد وضع الرب التوبة فقط للذين دعوا قبل هذه الأيّام الأخيرة، لأنّ الرب يعرف القلوب، فتعطّف الرب على خليقته بعظيم رحمته ووضع هذه التوبة وكلّفني بتدبيرها. ثمّ استطرد وقال: "ولكنّي أقول لك: إذا ارتكب أحد خطيئة، بإغراء من الشيطان، على إثر هذه الدعوة الخطيرة العظيمة فليس له إلاّ توبة واحدة. ولكن إذا خطئ المرّة تلو المرّة، فالتوبة غير مفيدة لمثل هذه الرجل حتى لو ندم، فهو قد يجد مشقّة في التمتّع بالحياة" (38) .
رغم أنّ هرماس يقبل بإمكانيّة التوبة بعد المعمودية، حتى للجاحدين، يبقى كتابه مليئاً بالتناقضات، فهو يتغاضى أحياناً عن عظائم الأمور، ولا يتهاون، في أحيان أخرى، حتى في أدقّها، فحار المفسرّون في أمره وظهر التباين واضحاً في شرحهم له.
ب - المسيح :
ارتاب المفسرّون من مفهوم هرماس للمسيح ولعقيدة الثالوث الأقدس. ففي المثل التاسع لم يتورّع عن تشبيه المسيح بالروح القدس. يقول: "أريد أن أريك كل ما أراك الروح القدس الذي خاطبك بصورة الكنيسة لأنّ هذا الروح هو ابن الله" (39) . ويردف في موضع آخر: "إنّ الروح القدس الكائن منذ الأزل، الذي خلق كل شيء، قد أسكنه الله في الجسد الذي اختاره هو، وهذا الجسد الذي اتخذه الروح القدس مقرّاً له خدم الروح على أحسن وجه..." (40) .
وممّا يجدر ذكره أنّ آباء الكنيسة في القرون اللاحقة لزموا الصمت حيال هذا المفهوم. ولا عجب، فهرماس كان معلماً للأخلاق قبل أن يكونوا لاهوتياً، وإنّ الكنيسة في تلك الحقبة من تاريخها لم تعر المسائل العقائدية اهتماماً كبيراً شأن التعاليم الأخلاقية.
وخلاصة القول أنّ الثالوث الأقدس في نظر هرماس مؤلّف من الآب والروح القدس الذي هو ابن الله. أمّا المسيح فقد حصل على البنوّة في وقت لاحق على حدّ تعبيره في المثل الخامس، إذ يقول: "ولمّا سمع السيّد بما حدث سرَّ جداً من سلوك العبد ودعا ثانية أصدقاءه وابنه وروى لهم ما فعله العبد بالأطعمة التي تسلّمها، فأيّدوه على تصميمه بجعل هذا العبد شريكاً في الوراثة لابن السيّد" (41)
ج - الكنيسة :
إنّ الكنيسة، في يقين هرماس، هي أوّل المخلوقات وأنّ العالم خلق من اجلها. وقد عبّر في الرؤيا الثانية عن ذلك بأسلوب رمزي جميل جاء آية في الروعة والانسجام. يقول: "أيّها الإخوة، أوحى إليَّ، وأنا نائم، شاب في غاية الجمال، إذ قال: المرأة المسنّة التي حصلت منها على الكتاب الصغير، من هي في رأيك؟ فقلت: هي العرافة. فأجاب: إنّي مخطئ، ليست هي. فقلت: من هي إذن؟ أجاب: هي الكنيسة. فقلت: ولم هي مسنّة إلى هذا الحد؟ قال: لأنّها أولى المخلوقات" (42) .
وقد شبه هرماس الكنيسة أيضاً ببرج عالٍ ما زال في طور البناء، لا يكتمل إلاّ في آخر الأزمنة يوم تتنقّى الكنيسة من كل الشوائب ويتقدّس جميع أعضائها. يقول: "إسمع إذن أمثال البرج، لأنّي سأكشف لك عن كل شيء. ولكن لا تلاحقني بخصوص الإيحاءات لأنّ هذه بلغت حدّها وأصبحت الآن كاملة. ولكنّك لن تكفّ عن مطالبتي بالمزيد لأنّك لا تشبع. إنّ البرج الذي تشاهد بناءه، هو الكنيسة التي ظهرت لك الآن ومن قبل. فاسأل عن كل ما تريد معرفته عن البرج سأكشف لك لكي تفرح مع القدّيسين" (43) . ويتابع في موضع آخر متسائلاً: "وما هي الأحجار التي كانت تلقى؟ هم الذين خطئوا ولم يريدوا أن يتوبوا. فلذلك ألقي بهم بعيداً عن البرج. إنّهم قد يستعملون في البناء لو تابعوا. فالذين يميلون إلى التوبة سيكونون عندما يتوبون ثابتين في الإيمان. على أنّه يجب عليهم أن يرتدّوا من الآن في الوقت الذي يبنى فيه البرج، لأنّه عند انتهاء البناء لن يكون لهم مكان وسيلقون نهائياً، ولن يكون لهم غير امتياز البقاء بجوار البرج" (44) .
د - المعمودية :
للمعمودية منزلة خاصة في كتاب "الراعي" إذ بواسطتها يضحي المعمَّد خلية فعّالة في الكنيسة جسد المسيح السرّي. وقد بيّن هرماس في عدّة نصوص مدى تأثير الماء المقدّس في الإنسان، معتبراً أنّ الإنسان لا يخلص إلاّ بواسطة الماء فقط. يقول: "لماذا البرج مبني على المياه، يا سيدتي؟ فقالت: لقد قلت لك ذلك من قبل، ولكنّك بحّاثة نشط، وأبحاثك تؤدّي بك إلى اكتشاف الحق. فإليك إذن السبب الذي لأجله يبني البرج على الماء: إنّ حياتك أنقذت وستنقذ بالماء" (45) .
يورد هرماس مزايا المعمودية وخصائصها في المثل التاسع: "ماذا تريد أيضاً؟ فقلت: لماذا صعدت الأحجار من عمق الماء لتدخل في بناء البرج، مع أنّها كانت تحمل هذه الأرواح؟ قال: كان لا بدّ لها من أن تصعد من الماء لتنال الحياة، إذا لم يكن في وسعها أن تدخل ملكوت الله ما لم تطرح أوّلاً الموت الذي هو حياتها السالفة. فهؤلاء الأموات نالوا هم أيضاً ختم ابن الله ودخلوا ملكوت الله. فما دام الإنسان لا يحمل اسم ابن الله فهو ميت، ولكنّه عندما ينال الختم يخلع الموت ويلبس الحياة. فالختم هو الماء: إنّهم ينزلون في الماء أمواتاً ويخرجون منه أحياء" (46) .
كان هرماس مقتنعاً تماماً بضرورة المعمودية للحصول على الخلاص، وقد صرّح، إلى حدّ المغالاة أحياناً، أنّ الرسل نزلوا إلى مكان الأموات ليعمّدوا الأبرار الصالحين قبل مجيء المسيح الأخير.
هـ - الأخلاق :
أجمع المفسرّون على أنّ كتاب "الراعي" هو في الدرجة الأولى كتاب أخلاقي وإرشادي قبل أن يكون كتاباً عقائدياً، فكل رؤية أو وصية تفضي بنا إلى أمثولة أخلاقية مفيدة.
لقد بيّن هرماس أنّ التوبة هي محور الحياة المسيحية (47) ، وجوهرها تحوّل داخلي في كيان الإنسان برمّته. ويضيف أنّ التوبة الحقيقية لا تكتسب إلاّ بممارسة الفضائل الإلهية، التي هي وحدها جديرة بأن تفتح عيوننا إلى المعرفة. يقول: "بينما كنت أقول ذلك، رأيته جالساً بقربي، وإذ به يقول لي: لم هذا التردّد بخصوص التعاليم التي أعطيتها لك؟ إنّها جميلة، فلا تتردّد في شيء بل بالعكس البس إيمان الرب فتسلك في طريقها، وأنا أثبّتك فيها. هذه التعاليم مفيدة للذين يسعون إلى التوبة، لأنّهم إن لم يسلكوا في هذه الطريق فتوبتهم باطلة. فأنتم أيّها التائبون اطرحوا عنكم مفاسد هذا العالم التي تغنيكم، والبسوا فضيلة البرّ لتتمكّنوا من حفظ هذه التعاليم، ولكن لا تضيفوا شيئاً إلى خطاياكم" (48) .
وفي الرؤيا الثالثة، يذكر هرماس سبع فضائل رئيسة للحصول على التوبة الحقيقية، وهي الإيمان والعفاف والبساطة والعلم والبراءة والقداسة والمحبة.
ويعلّم هرماس في موضوع "الزنى"، أنه على الزوج أن يتخلّى عن امرأته إذ لبثت في حال الزنى، وفي هذه الحال لا يتزوّج من جديد طالما هي بعد على قيد الحياة. أمّا إذا عادت إلى رشدها وتابت فينبغي عليه أن يعيدها إلى بيته. يقول: "إن كانت المرأة بعد طلاقها تابت وأرادت أن تعود إلى زوجها ألا يجب قبولها؟ فقال: بالتأكيد!... وإذا لم يقبلها الزوج فهن يخطئ خطيئة كبيرة، لأنّه يجب دائماً قبول الخاطئ الذي يتوب، ولكن لا مرّات كثيرة، لأنّه ليس لخادم الرب إلاّ توبة واحد" (49) .
وخلافاً لما كان يردّده بعض المعلّمين الأوّلين فإنّ هرماس يرضى بالزواج مرّة ثانية، فقد جاء في الوصية عينها ما يلي: "إذا توفّيت المرأة أو فارق الرجل الحياة، وتزوّج الشخص الباقي، فزواجه الثاني هل هو خطيئة؟ فقال: كلا. ولكن إذا بقي وحيداً فهو يكتسب لدى الرب شرفاً ومجداً أعظم، على أنّه إذا تزوّج فهو لا يخطئ" (50) .
خاتمة :
كان لكتاب "الراعي" في القرون الأولى مكانة مرموقة بين صفوف المفكّرين والمؤمنين على السواء، فقد صنّفه بعض أصحاب الشهرة الواسعة، أمثال إيريناوس وأوريجانوس وترتليانوس، بين عداد الكتب الملهمة(!!). وقد ذكر هؤلاء أنّ الكتاب كان شائعاً في الشرق أكثر من في الغرب، يقرأ، كما يقول أوريجانوس، في كثير من الكناس الشرقية. وهذا ما يؤكّده القدّيس إيرونيموس في كتابه "مشاهير الرجال"، إذ يقول: إنّ كتاب هرماس كان منسياً تماماً في الغرب إلى حدّ أنّ الكنيسة الغربية حظّرت قراءته علناً (51) . ومهما يكن فإنّ "راعي" هرماس يبقى مرجعاً مهمّاً في الأدب المسيحي لكونه يعطي صورة واضحة عن حياة الكنيسة في تلك الحقبة من الزمن.
كتاب " ذيداخيه " أو " تعليم الرسل الإثني عشر"
1- التعريف بالكتاب :
يعتبر كتاب "ذيذاخيه" أو "تعليم الرسل الاثنى عشر"، أو، كما يُدعى بحسب الترجمة العربيّة: "تعليم السيد بواسطة الرسل الاثنى عشر للأمم"، من أهمّ النصوص الآبائية القديمة التي تركت تأثيراً مهمّاً في الأوساط العلميّة.
اكتشف هذا الكتاب سنة 1873، ونشره فيلوسيوس فرينيوس أسقف نيقوميذيا سنة 1883. وتعود المخطوطة الأصلية التي تدعى "المخطوطة الأورشليمية" إلى سنة 1056.
لا نعرف شيئاً عن هويّة الكاتب، وقد شاء المؤلّف أن يطلق على كتابه هذه التسمية: "تعليم الرسل الاثنى عشر" ليضفي عليه طابعاً مميزاً، ويعطيه قيمة فكرية في الأوساط العلمية. أمّا تاريخ الكتاب فهو غير معروف أيضاً، ويعتقد النقّاد أنّ زمن وضعه قد تم بين عامي 70 و150.
2- مضمون الكتاب :
يحتوي كتاب " ذيذاخيه " على ستة عشر فصلاً يمكن حصرها على الشكل التالي:
من الفصل 1 إلى الفصل 6 تعاليم أخلاقية، ومن الفصل 7 إلى الفصل 10 مبادئ ليترجية،
ومن الفصل 11 إلى الفصل 15 إرشادات كنسية، والفصل 16 عن مجيء المسيح الأخير.
3- تعاليم الكتاب :
أ - التعاليم الأخلاقية:
تدور الفصول الأولى من كتاب "ذيذاخيه" حول موضوع واحد وهو أن الإنسان أمام طريقين: طريق الحياة وطريق الموت. وبذلك يوجز فيهما الكاتب مجمل تعاليمه، التي تشمل كافة جوانب حياة الإنسان ومسلكياته بما في ذلك تربيته لأولاده وأخلاقياته الزوجية والأسرية. ولقد استمّد الكاتب هذه التعاليم من الإنجيل مباشرة حتى أننا نجد بعض التعابير والجمل مطابقة حرفيّاً لنصوص الكتاب المقدّس.
1 - طريق الحياة :
إنّ الفصول الأربعة الأولى هي مجموعة إرشادات ونصائح أخلاقية، وضعت لتذكّر المسيحي بواجباته نحو الله والقريب من جهة، ونحو ذاته والمجتمع من جهة ثانية.
فالوصية الأولى التي يشدّد عليها الكاتب هي محبة الله والقريب: "أحبب الرب الذي خلقك، أحبب قريبك كنفسك، ما لا تريد أن يفعله الناس بك، لا تفعله أنت بالآخرين" (52) . ويردف الكاتب قائلاً: "إنّ المحبة لا تقتصر فقط على الأشخاص الذين نعرفهم، بل على الأعداء أيضاً". وقد جاء الفصل الأوّل نسخة طبق الأصل عن تعاليم الإنجيل والرسائل. يقول: "باركوا لأعينكم، صلّوا من أجل أعدائكم ... من ضربك على خدّك الأيمن فحوّل له الآخر، وكن كاملاً. إذا سخّرك أحد أن تمشي معه ميلاً، فأمش معه ميلين" (53) .
هنالك أيضاً واجبات تتعلق بكل فرد، غايتها حمل المؤمن على مقاطعة الشرّ في كل أشكاله: "لا تقتل، لا تزن، لا تجهض، ولا تحلف، أحذر الكذب ... يا بنيَّ ابتعد عن كلّ شرّ وعن كلّ ما يشبهه. لا تكن غضوباً فالغضب يقود إلى القتل، ولا حسوداً فظّاً، لأنّ هذه الأمور تلد الجرائم. يا بنيّ لا تكن بخيلاً ولا محباً للمجد الفارغ، فهذا يدفعك إلى السرقة" (54) .
أمّا التوجيهات التي تتعلق بالمجتمع فهي متشعبة، وقد أفرد لها الكاتب فصلاً كاملاً يعالج فيه المشاكل التي تنتاب الحياة الاجتماعية عادة. يقول: "لا تُثر الخلافات، وطّد السلام بين المتخاصمين. أحكم بعدل ولا تحاب الوجوه في حكمك... لا تصرف المحتاج واقتسم كلّ شيء مع أخيك... لا تتهاون في تربية ابنك أو ابنتك بل علّمهما منذ نعومة أظفارهما خوف الله..." (55) .
2 - طريق الموت:
أما طريق الموت هو التغافل عن تلك الوصايا كافةً، وهو تجنّب عمل الخير على أنواعه واقتفاء الشرّ. يقول الكاتب في هذا الصدد: "أمّا طريق الموت فهو مليء بمضطهدي الخير وأعداء الحقيقة ومحبّي الكذب الذين لا يعرفون أجراً للعدالة ولا يلتصقون بالصلاح ولا بالرأي العادل. يسهرون لا من أجل الخير بل من أجل الشرّ ويبتعدون عن الوداعة والضمير" (56) . ويعود الكاتب في الفصل السادس من جديد ليشدّد على ضرورة اتّباع طريق الخير لأنّه الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى المسيح: "أحذر أن يضلّك أحد عن طريق. إنّه يخرجك عن تعليم الله. إذا استطعت أن تحمل نير المسيح كاملاً فإنّك تصبح كاملاً..." (57) .
ب- الحياة الليترجية:
يتطرّق كتاب "ذيذاخيه" إلى موضوع آخر لا يقلّ أهميّة عن الأوّل، إلى جانب التعاليم الأخلاقية والمسلكية التي ينصح بها المسيحيين، يطلعنا من خلاله على بعض الحفلات والطقوس الدينية التي كانت تقام آنذاك.
ما يفيدنا في دراسة هذه النصوص التعرّف أولاً على الحياة الطقسيّة في الكنيسة الأولى، ويفتح لنا، ثانياً، سبل الاتفاق حول مسائل يختلف بعض الطوائف المسيحيّة بسببها، فبالعودة إلى الكتاب المقدّس، وإلى تقليد الكنيسة القديم تتبدد بعض هذه الاختلافات.
نذكر، من بين تلك الطقوس: المعمودية، الصوم، الصلاة، الإفخارستيا، والتوبة.
1 - المعمودية :
يمنح سرّ المعمودية بعد الاطّلاع على المبادئ المسيحية وممارستها. وقد أتت صيغة العماد على النحو التالي:
"عمّدوا باسم الآب والابن والروح القدس بماءٍ جارٍ. وإن لم يكن من ماء جار فعمّدوا بغيره. ولم تستطع (بالماء) البارد فبالساخن. وإن لم يكن من هذا ولا ذاك فصبَّ ماءً على الرأس ثلاث مرات" (58) . نجد أولاً في هذا النص الصيغة الثالوثية التي دعا إليها الرب يسوع لمّا طلب من تلاميذه أن يعمّدوا من يؤمن به، ولقد مارس التلاميذ هذا الطقس، كما يروي كتاب أعمال الرسل ولكن ليس بالصيغة الثالوثية (أنظر: رسل2:37 وقارن). كما نجد تأكيد الـ "ذيذاخيه" على أنّ "الماء الجارية ليست إلزامية، إذ يتعذّر على الكثيرين أن يعتمدوا فيها لندرتها، فيجوز استبدالها بماء عادية" (الفصل السابع). كما يؤكد، كما رأينا، على إمكانيّة التعميد بالتغطس أو بـ"سكب الماء على الرأس ثلاثاً" ما اختلف عليّه الكاثوليك والأرثوذكس قروناً طويلة!..
2 - الصوم والصلاة :
يسعى الكاتب، في الفصل الثامن من مؤلَّفه، إلى التملّص من بعض العادات والتقاليد اليهودية التي بقيت ردحاً من الزمن رابضة على أكتاف المسيحيين، فنراه يحثّهم على الصيام نهاري الأربعاء والجمعة بدل الاثنين والخميس. وعوض الإكثار من الصلوات المملّة يحرّضهم على تلاوة "الأبانا" ثلاث مرّات في النهار فقط: "لا تصلّوا كما يصلي المراؤون بل كما أمر السيّد بإنجيله، فصلّوا هكذا: أبانا الذي في السماء.." (59) . مع الملاحظة لبعض الفروقات الطفيفة مع نص هذه الصلاة الموجودة في إنجيل متّى، كتعبير "أبانا الذي في السماوات"، بصيغة الجمع عند متّى، أما في ذيداخيه فبصيغة المفرد "أبانا الذي في السماء"، أو تعبير "اغفر خطيئتنا كما نغفر" في ذيذاخيه و" اغفر خطايانا كما غفرنا" في متّى.
3 - الإفخارستيا :
يتطرق كتاب "ذيذاخيه"، في سياق الحديث عن الممارسات الدينية، إلى سرّ الشكر الذي كان يجمع المسيحيين كلّ نهار أحد (يوم الرب) لتناول جسد الرب. فكتب في هذا الإطار، على خطى بولس الرسول (1كور11: 23–25)، محرّضاً المسيحيين، المعمّدين فقط، على إقامة حفلة الإفخارستيا، لأنّها توثّق عرى الأخوّة والمحبة بين المؤمنين من جهة، وتشدّهم إلى المسيح من جهة ثانية، يقول: "أمّا عن سرّ الشكر فاشكروا هكذا: أوّلاً عن الكأس. نشكرك يا أبانا لكرمة داوود المقدسة التي عرّفتنا بابنك يسوع فلك المجد إلى الأبد.
وحول كسر الخبز، نشكرك يا أبانا للحياة والمعرفة التي وهبتنا بيسوع ابنك فلك المجد إلى الأجيال. وكما أنّ هذا الخبز كان منثوراً فوق الجبال ثم جمع فصار خبزاً واحداً، كذلك اجمع كنيستك من أقاصي المسكونة إلى ملكوتك، لأنّ لك المجد والقدرة بيسوع المسيح. لا يأكلنّ أحد من سرّ شكركم إلاّ المعمّدون باسم السيد" (60) .
ج- الإرشادات الكنسيّة:
نجد أيضاً في كتاب "ذيذاخيه" إرشادات تتعلّق بواجبات الجماعة نحو الرسل والأنبياء (الفصل 11)، وتوصيات بشأن المعلّمين وضيافة الذين يأتون باسم الرب (الفصلان 12 و13). ويتكلّم أيضاً، الفصل الرابع عشر، عن يوم إقامة "سرّ الشكر" وهو "نهار الأحد"، أي "يوم الرب" (كيرياكي) الذي قام فيه من بين الأموات، شريطة أن يتوب المسيحيون عن خطاياهم قبل الإقدام عليها.
كما يعدّد، في الفصل الخامس عشر، الرتب الكنسية في مراحلها الأولى موضحاً دور كل منها، كالرسل والأنبياء والمعلمين والأساقفة والشمامسة. نلاحظ هنا عدم التطرّق لذكر "الكهنة"، ربما لأنه لم يكن بعد قد اتضح التمييز بين الأسقف والكاهن، ونلاحظ أيضاً عدم التمييز بين الرتب نفسها كالدمج بين النبي ورئيس الكهنة.
1 - الرسل والأنبياء والمعلّمون :
على الرسل والأنبياء أن يعلّموا التعليم الذي تسلّموه من الإنجيل، ولذلك يوصي الكاتب المسيحيين بضرورة قبولهم في ما بينهم ما دام تعليمهم مطابقاً لتعليم الإنجيل. ويدعوهم كذلك إلى عدم انتقاد الأنبياء الذين يتكلّمون بالروح، ويحدّد ميزة النبي الحقيقي، فهو الذي "يسلك مسلك الرب... المسلك يميّز بين النبي الحقيقي والنبي الكاذب" (60) .
ولكن ما هو الفرق بين النبي والرسول والمعلّم في كتاب "ذيذاخيه"؟..
كان للنبي في القرن الأوّل مكانة مرموقة بين الجماعات المسيحية، فهو الذي يحرّض ويعلّم ويعزّي، وهو الذي يرئس حفلة الإفخارستيا نهار الأحد، ويسمّيه الكاتب رئيس الكهنة: "فلتكن باكورة عصيرك... للأنبياء لأنّهم رؤساء كهنتهم" (62) .
أمّا الرسول فهو الذي يشهد على قيامة المسيح تماماً كما شهد بطرس وبولس وسائر الرسل. بيد أنّ "تعليم الاثني عشر" لا يذكر الرتبة الكنسية التي كان الرسول يحتلّها، وجلّ ما يقوله هو أنّ مهمته قد اقتصرت على نقل تعليم الكنيسة دون تحريف أو تزور.
وأما المعلّمون فكان شأنهم أقلّ أهمية من الرسل، ومع الوقت تلاشوا كلّياً ليحلّ مكانهم الأساقفة والشمامسة.
2 - الأساقفة والشمامسة :
يذكر كاتب "الذيذاخيه"، إلى جانب الأنبياء والرسل والمعلّمين، وظيفتين مهمّتين عرفتا منذ فجر الكنيسة وهما الأسقف والشماس (أنظر أع 20: 28، تيط 1: 7 – 9)، إلاّ أنّه لا يحدّد بوضوح العمل المنوط بهما. يقول في الفصل الخامس عشر: "أقيموا لكم أساقفة وشمامسة جديرين بالرب، رجالاً ودعاء، غير محبّي المال، حميمين مجربين. إنّهم في مكان الأنبياء والمعلّمين عندكم. لا تحتقروهم لأنّهم رجال مكّرمون مع الأنبياء والمعلّمين" (63) .
د - المجيء الأخير:
يتضمّن الفصل الأخير من كتاب "ذيذاخيه" وصفاً للأيّام الأخيرة التي تسبق مجيء السيد المسيح، فيعلن أنّ كثيرين من المؤمنين سوف يضلّون الطريق لأنّهم يصغون إلى الأنبياء الكذبة، ويبتعدون عن التعليم الصحيح. أمّا الذين يثبتون في الإيمان فلسوف يخلصون، لأنّ الحقيقة ستنجلي، وسيظهر السيّد على سحب السماء. يقول: "وفي الأيّام الأخيرة سيكثر عدد الأنبياء الكذبة والمفسدين وستتحوّل النعاج إلى ذئاب والمحبّة إلى حقد. بازدياد الإثم سيضطهد الناس بعضهم بعضاً، ويطاردون بعضهم بعضاً. عندئذ سيظهر مضلل العالم كابن الله، وسيجترح الآيات والعجائب، وستصبح الأرض بين يديه، وسيرتكب آثاماً لم تقع منذ بدء الأجيال. عندئذ ستدخل الخليقة كلّها في نار الاختبار، وسيشكك الكثيرون وسيهلكون. أمّا الذين يثبتون في الإيمان فسيخلصون" (64) .
خاتمة :
لا بدّ، ختاماً، من أن نسلّط الأضواء على بعض النواحي الإيجابية والمفيدة في كتاب "ذيذاخيه"، التي ما برحت تغذّي جسم الكنيسة في مسيرته الروحية والفكرية. يبقى "تعليم الرسل الإثني عشر"، مرجعاً مهمّاً يحتذى به، على الصعيد الروحي، ولا عجب، فقد استقى الكاتب مجمل تعاليمه من الإنجيل مباشرة، أمّا على الصعيد الأخلاقي، فقد وعى الكاتب بعمق صعوبة المشاكل الاجتماعية التي تحيق بالإنسان، لذا نراه يعالج المسألة بحكمة وانتباه، محرّضاً المسيحيين على عيش إيمانهم كما يليق بأبناء الله، وأمّا على الصعيد الإداري، فهنالك اعتراف يتعلّق بالرتب الكنسية المعروفة آنذاك، لا سيّما الأسقفية والشموسية، ما يدلّ على أنّ الكنيسة وعت منذ البداية أهمية هذه الخدمة ومدى تأثيرها في إحياء الحياة المسيحية.
المجموعات القانونيّة
ظهر في حقبة الآباء الرسوليين عدد من "قوانين الإيمان" كانت بمثابة "علامة تعارف" وشركة بين المسيحيين آنذاك. هذا ما تدلُّ عليه لفظة "قانون" اليونانيّة (65) (SYMBLON) . فقد كان المسيحيون يشعرون من خلالها بأنهم يتميّزون بوحدة إيمانيّة معيّنة. "قانون الإيمان" هو تعبير رسمي يدلّ على الإيمان الرسمي للكنيسة، "هو مجموعة حقائق الإيمان الرئيسيّة وهو من ثمّ المرجع الأول والأساسيّ للكرازة" (66) .
ظهرت مجموعة قوانين إيمان كثيرة قبل اعتماد قانون الإيمان: "نؤمن بإلهٍ واحد..." الذي نتلوه اليوم، الصادر، في قسمه الأول، عن مجمع نقية سنة 325، الذي سميّ باسمه: قانون الإيمان النيقاوي. ولعلّ أشهر هذه القوانين هو "قانون الرسل"، الذي يعرّف بإيجاز عن إيمان الجماعة المسيحيّة الأولى، وهو يشبه إلى حدٍ كبير ما يُتلى، وبالتسمية نفسها، في الطقس اللاتيني.
هناك أيضاً، إضافة لـ"قانون الرسل"، مجموعات أخرى وصفت بـ"القانونيّة"، اكتشف معظمها حديثاً ابتدءاً من القرن التاسع عشر ولكنّها تعود للقرون الثلاثة الأولى، كـ: "التقليد الرسولي" لهيبوليطس، "الذيذاسكاليا" أو "وصايا الرسل"، "دستور الرسل"، "دساتير الرسل"، "قوانين الرسل الخمسة والثمانون"، "وصيّة سيدنا يسوع المسيح".... تتحدّث هذه الوثائق، بالإضافة للتحديدات العقائديّة البسيطة الصياغة والليترجيّة الأسلوب، عن الإرشادات الأولى للاحتفال ببعض الأسرار والممارسات الليترجيّة، كالمعموديّة والافخارستيّة والرسامات الكهنوتيّة والبركات والصوم والتعليم المسيحي وحظر بعض المهن وولائم المحبّة وأوقات الصلاة، وإرشادات أخرى استمرّ بعضها إلى يومنا كرسم إشارة الصليب والمجدلة وزال الآخر بزوال الظرف التي وجدت فيه.
ظهرت أيضاً بعض الرسومات، في حقبة الآباء الرسوليين، لتكون هي الأخرى "علامات تعارف" بين أفراد الجماعة المسيحية الأولى، كرسم "السمكة". فالسمكة في لفظتها اليونانيّة (أخثيس) كلمة يشكل كلّ حرف منها بداية أحرف جملة ما ترجمته: "يسوع المسيح ابن الله المخلّص". "وتمثّل السمكة أيضاً المسيحي الذي اصطاده الرسل بشبكة الكنيسة ونقّوه بماء المعوديّة. ويوحي رمز السمكة، إلى ذلك، بالإفخارستيا التي رمزت إليها معجزة تكثير الخبزات والسمكات" (67) .
لقد استعمل "الآباء" هذه "المجموعات القانونيّة" في كتاباتهم وعظاتهم وطقوسهم، على أنّها "وديعة" يجب الحفاظ عليها لأنهم "تسلّموها" ممن سبقهم (أنظر: 1كور15: 2-4).
"المجموعات القانونيّة" لبّت حاجة الجماعة المسيحية الأولى في تحديد الإيمان بصيغ بسيطة وواضحة ومفهومة لمعاصريها.. لعلّها تدعونا إلى التشبّه بها في ابتكار صيغاً مشابهة المنهج بسيطة وواضحة ومفهومة لمعاصرينا فتبقى هذه "الوديعة" التي "تسلّمناها" دائمة التوهّج والتجدّد.
الأدب الأبوكيفي ( المنحول )
نشأ في حقبة الآباء الرسوليين، وبعدها حتى القرن الرابع، نوع أدبيّ سميّ فيما بعد "الكتابات المنحولة"، أو "الأبوكريفيّة" Apocryphes. واللفظة يونانيّة تعني حرفيّاً الكتب "المخفيّة" أو "المخبّأة" أو "المكتومة". "لم تعترف الكنيسة بقانونيّة وأصالة هذه الكتابات لسببين: الأول هو عدم انسجامها مع الإيمان المستقيم (68) ، برغم قدمها وانتشارها بأعدادٍ كبيرة، حيث لدينا مخطوطات لها في معظم اللغات القديمة كاليونانيّة والسريانيّة والعبريّة واللاتينيّة والأرمنيّة... أما السبب الثاني فهو "انتحالها" تسميات قانونيّة: كـ "الأناجيل" (إنجيل بطرس، إنجيل يعقوب، إنجيل العبرانيين، إنجيل نيقوديمس، إنجيل توما،...)، و"الرسائل" (رسائل القديس بولس إلى أهل اللاذقيّة، وإلى أهل الإسكندريّة، والثالثة إلى أهل كورنثوس)، و"الأعمال والرؤى" (أعمال بطرس ورؤيا بطرس، ورؤيا بولس، ورؤيا توما، ورؤيا اسطفانس،...).
يمكن تصيف هذه الكتابات من حيث هدف نشأتها بنوعين على الأقل، الأول يخصّ بعض الهرطقات، كالغنوصيّة خصوصاً، وقد اعتمدت بشكل أساسي على هذه الكتابات في نشر أفكارها. والثاني فرزته التقوى الشعبيّة فأوجدته لسدّ بعض الفراغات التي لم تتطرّق لها الأناجيل الرسميّة والكتب القانونيّة وقد بالغت بالإعجاز، ما جعل الكنيسة في القرون اللاحقة، رغم عدم الاعتراف برسميّة هذه المؤلفات، تستفيد منها في الكثير من الأعياد والطقوس والقصص الشعبية، وحتى في إعلان بعض العقائد، كتلك المتعلقة بمريم العذراء كالحبل بها ودخولها الهيكل ورقادها، أو نزول المسيح إلى الجحيم في موته وتحريره الثاوين فيها، أو مشاركة بولس وتقلا في العمل الرسولي، أو غير ذلك مما له مكانة في "التقليد" المسيحي الأدبي والليتورجي والفني والعقائدي. وكلّها تنتمي إلى هذا النوع الأدبي، الذي يملئ رغبة الإنسان في معرفة الكثير عن تلاميذ يسوع وعن كيفيّة الحياة بالمسيح، أو لدعم هرطقة ما كالغنوصيّة كما ذكرنا. وللملاحظة، هناك من يعتبر مثلاً كتاب "الراعي" لهرماس أو كتاب "رسالة برنابا" من الأدب الأبوكريفي، وهناك البعض الآخر من يرى فيها كتباً تكاد تصير قانونيّة كالعهد الجديد.
إن الأبوكريفيّات، وإن لم تكن متداولة بشكل رسمي ومن منابر التعليم الكنسي، لم تُمنع رسميّاً قبل المجمع التريدانتيني سنة 1546. أما ما يسمّى "إنجيل برنابا" فهو لا يمت بصلة لهذا النوع الأدبي إذ كتب في القرن السابع عشر لمآرب خدّاعة وكاذبة.
وجد بعض العلماء، منعاً للالتباس، أن لا تُدرّس هذه الكتابات في إطار دراسة الكتاب المقدّس، بل في إطار "علم الآباء" لأنها معاصرة لكتاباتهم، والبعض من هؤلاء "الآباء" لم يجد أية مشكلة في ذكرها والاستشهاد بها كأوريجانوس. وهكذا "عاش المرفوض إلى جانب المقبول على أنهما معاً يؤلفان جزءاً من التراث والتاريخ" (69) .
إن الأبوكريفات الغنوصيّة، خصوصاً تلك التي اكتشفت مؤخراً في "نجع حمّادي" بمصر ابتداءُ من سنة 1945، لا تركّز على رواية أحداث وقصص ومجريات، ولأنها غنوصيّة، أي تعتمد "المعرفة" (gnosis) طريقاً للخلاص، تُكثر من الخطابات والعظات، كإنجيل توما المصري وإنجيل يهوذا الذي أثار ضجّة في اكتشاف نسخة قبطيّة له مؤخراً سنة 2005.
أما الأناجيل الأبوكريفيّة التقويّة "فتتكلّم على مراحل يسوع الأساسيّة في حياته، بسرد ضافٍ من المعجزات والخوارق" (70) ، فتُشبع رغبة الإنسان بمزيدٍ من التعرّف على حياته، خصوصاً تلك التي لم تتكلّم عنها الأناجيل القانونيّة، كطفولته حتى ظهوره، وتستفيض بمبالغة في إعجازه واجتراحه الخوارق، ظانّة بذلك أنها تكشف عن وجهه الإلهي. أشهر هذه الأناجيل: إنجيل بطرس، إنجيل نيقوديمس، إنجيل العبرانيين، إنجيل توما، إنجيل المصريين، وغيرها..
يمكننا تلخيص موضوعات هذا النوع من الأدب الأبوكريفيّ كما يلي : (71)
1. روايات عن ميلاد يسوع وطفولته وموته، كإنجيل يعقوب التمهيدي، وإنجيل الطفولة لمتى المزعوم (غير إنجيل متى الرسمي)، وإنجيل نيقوديمس.
2. أخبار عن اضطهاد الرسل واستشهادهم، مثل: بطرس وبولس وأندراوس وتوما وفيلبوس ومتّى.
3. روايات عن ارتداد بعض القياصرة، أو ارتداد نسائهم، على يد رسول، واعتناق بعضهن حياة التبتّل ما أدى إلى اضطهاد القياصرة لهذا الرسول.
4. تحريضات وعظات ليتورجيّة لكلّ احتفال ديني أو عبادة؛ فنقرأ مثلاً في "أعمال بطرس" وصفاً لطقوس الأحد؛ وفي "أعمال توما" وصفاً للاحتفال العمادي، وفي "أعمال بولس" و"أعمال فيليبوس" نصوصاً لصلوات تُظهر تقوى معيّنة.
5. روايات عن خوارق ومعجزات عدّة: فهناك قيامة لموتى كثيرين؛ وشفاءات لأمراضٍ متنوّعة، على يد شخص وسيط، وهناك ظهورات لملائكة في شكل أحلام ورؤى تلعب دوراً في حياة الأشخاص والجماعات.
6. أمثال وتشابيه وصور.. هي الأسلوب المألوف في إظهار تعليم ما أو التركيز على عقيدة.
7. حوارات بين المسيح والرسل ليشجعهم ويوجههم، وليؤنّبهم أيضاً.
8. إيحاءات وإلهامات وتنبؤات مستقبليّة، مع ما فيها من معرفة أحوال السماء ومصير الأموات وعلامات الكون.
إن الأدب الأبوكريفي، رغم انه ممتع ومسلٍّ، يكشف عن فضوليّة الجماعة المسيحيّة في الاستزادة حول معرفة المسيح وتلاميذه، كما يعرّفنا على جوانب عديدة ظهرت في مخيلة هذه الجماعة، حيث اجتهدت الكنيسة، ولا تزال، في تنقيتها وجعلها مطابقة للواقع والإيمان في آن.
خاتمة حقبة الآباء الرسوليين
تُدخلنا دراسة حقبة الآباء الرسوليين، بمختلف فنونها وموضوعاتها، في نضوج الفهم، ليس للكتاب المقدس وحسب، بل للإيمان المسيحي بشكل عام. وتمنحنا بنوع خاص، أن نتعلّم منجهيّة الآباء ونقتبسها، في "الفهم" و"التعبير"، في "التعدديّة" و"الثبات". في الحفاظ على "المعنى" رغم تنوّع "المبنى".
الحواشي
1
CF: CAYRE A.A., Précis de Patrologie, T. I, Paris, Dcsclée et Ciem 1927 pp. 2, 3.
2
يوسف بشارة: الوثائق المجمعية، الجزء الثاني، بيروت، المطبعة الكاثوليكية، 1969، ص 302.
3
CF: IGNACE d' ANTIOCHE, Lettre l, Paris, Cerf, 1958, p. 12.
4
Ibid, p. 67.
5
انظر الياس معوض: الآباء الرسوليون، بيروت، منشورات النور، 1970، ص 103.
6
للقديس بوليكاربوس رسالة واحدة موجّهة إلى أهل فيليبي.
7
IGNACE d' ANTIOCHE, Lettres, p. 13.
8
EUSEBE DE CESAREE, Histoire Ecclésiastique, Paris, Cerf, 1952, pp. 148, 149
9
Lettres, p. 21.
10
الغنوصية حركة فكرية ترجع جذورها إلى عهد الإسكندر. ورثت عن الديانات الشرقية مبدأ الثنائية القائل بوجود إلهين، وتهدف إلى إضفاء صبغة عقلية وفلسفية على الأسرار والتعاليم المسيحية. فالمعرفة ينبغي أن تحلّ مكان الإيمان، وأن تفسرّ كل شيء على ضوء العقل.
11
الياس معوّض: المرجع المذكور، ص 117.
12
المرجع نفسه: ص 113.
13
IGNACE D ' ANTIOCHE, Lettres, pp. 173 - 175.
14
الياس معوّض: المرجع المذكور: ص 114.
15
المرجع نفسه: ص 117.
16
IGNACE D ' ANTIOCHE, Lettres, pp. 92 - 93.
17
الياس معوّض: المرجع المذكور، ص 115.
18
المرجع نفسه: ص 110.
19
المرجع نفسه: ص 110.
20
الياس معوّض: المرجع المذكور، ص 117.
21
المرجع نفسه: ص 122.
22
المرجع نفسه: ص 110.
23
IGNACE D' ANTIOCHE, Lettres, p. 38.
24
الياس معوّض: المرجع المذكور، ص 126 – 127.
25
المرجع نفسه: ص 111.
26
المرجع نفسه: ص 110.
27
المرجع نفسه: ص 116.
28
المرجع نفسه: ص 120.
29
المرجع نفسه: ص 112.
30
هو مخطوط قديم اكتشف في مكتبة ميلانو، نشر لأوّل مرّة باللغة اللاتينية سنة 1774. ويعتقد النقّاد أنّه ترجم عن نص يوناني يرجع إلى أواخر القرن الثاني. يضمّ هذا القانون لائحة بأسماء كتب العهد الجديد التي كانت كنيسة روما تعتبرها ملهمة.
31
QUASTEN (J.), Initiation aux Pères de l' Église, t. I, Trad. Par J. LAPORTE, Cerf, Paris, 1955, p. 107.
32
الأب جورج نصّور، اكليمنضس الروماني، راعي هرماس، الكسليك، 1975، ص 91، 92.
33
المرجع نفسه، ص 81.
34
أسد رستم، آباء الكنيسة الرسوليون والمناضلون، الجزء الأوّل، منشورات النور، 1962، ص 42، 43.
35
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 159 – 161.
36
QUASTEN (J.), op. cit, p. 110.
37
F. CAYRE (A. A.) , Précis de Patrologie, Paris, Desclée et Cie, 1927, pp. 85, 86
38
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 127، 128.
39
المرجع نفسه، ص 202.
40
QUASTEN (J.), op. cit, p. 115.
41
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 170.
42
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 91.
43
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 98.
44
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 101.
45
QUASTEN, (J.), op, cit, p. 116.
46
Ibid, pp. 116, 117.
47
HERMAS, Le Pasteur, op. cit. p. 42.
48
الأب جورج نصّور، المرجع المذكور، ص 177.
49
الأب جورج نصّور، المرجع نفسه، ص 125.
50
الأب جورج نصّور، المرجع نفسه، ص 128، 129.
51
QUASTEN, (J.), op. cit, p. 119.
52
الياس معوّض: الآباء الرسوليون، بيروت، منشورات النور، 1970، ص 61.
53
المرجع نفسه: ص 62.
54
المرجع نفسه: ص 62، 63.
55
المرجع نفسه: ص 63، 64.
56
المرجع نفسه: ص 64.
57
المرجع نفسه: ص 64، 65.
58
المرجع نفسه: ص 65.
59
المرجع نفسه: ص 65.
60
المرجع نفسه: ص 56، 66.
61
المرجع نفسه: ص 67.
62
المرجع نفسه: ص 68.
63
الياس معوّض: المرجع المذكور: ص 68.
64
المرجع نفسه: ص 69.
65
أنظر: المطران كيرلس بسترس، المطران جوزف عبسي، الأب حنا الفاخوري، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، المكتبة البولسيّة 2001، ص11، وما يلي. (هذا الكتاب مرجع هام).
66
كتاب "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة"، المكتبة البولسيّة، 1999، ص83
67
تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، المرجع السابق، ص22
68
الأناجيل المنحولة، ترجمة اسكندر شديد، سلسلة الكنيسة في الشرق، 8، دير سيد النصر، نسبيه-غوسطا، 1999، ص13
أنظر هذا الكتاب مع الكتب الأخرى: الأعمال والرسائل المنحولة، والرؤى المنحولة..
69
المرجع السابق، ص14
70
المرجع السابق، ص11
71
المرجع السابق، ص15-16