15- إذا تمسكتم بهذه الآراء، فأنتم بذلك تنسبون الخطية إلى خالق الطبيعة, وكأن الله عندما خلق الإنسان الأول خلقه بطبيعة خاطئة.
وإذا صح هذا, فلماذا حُكم على آدم عندما أخطأ؟ وكيف قيل انه لم يعرف الخير من الشر فبل سقوطه؟ ألم يُخلق في البدء كصورة الله في عدم فساد, وجعله الله على صورة أزليته (حك2 : 24), أي خلقه بطبيعة غير خاطئة وبإرادة حرة, ولكن بحسد ابليس دخل الموت إلى العالم بعد أن وجد الوسيلة التي أدت إلى المعصية، وهكذا بسبب عصيان وصية الله صار الإنسان مجالاً بذر فيه العدو الزوان (مت13 : 25) وتسلطت الخطية بواسطة الاهواء على الإنسان, ورغم كل هذا لم يكن الشيطان هو الذي خلق وكون طبيعة ساقطة في الإنسان, حاشا لله أن نعتقد بذلك, لأن الشيطان عاجز عن الخلق، وكفر المانويين الذي نرفضه هو الذي ينسب الخلق للشيطان, ولكن التعليم الصحيح هو أن المعصية أدت إلى فساد الطبيعة الإنسانية, وبسبب ذلك "ملك الموت على كل البشر" (رو5 : 11و14). ولنفس السبب قيل: "جاء ابن الله لكي يبيد أعمال الشيطان" (1يو3 : 8). وما هي أعمال الشيطان التي جاء ابن الله ليبيدها؟ انها غواية الشيطان, لأن الله لم يخلق الإنسان خاطئاً, بل خلقه في عدم خطية, ولكن غواية الشيطان جعلته يعصي وصية الله فأخطأ للموت، ولذلك أخذ كلمة الله هذه الطبيعة وجددها وجعلها في حالة لا تقبل الغواية ولا تُخطيء، وهذا ما يجعل الرب يقول: "رئيس هذا العالم آت وليس له فيه شيء" (يو14 : 30). أن رئيس العالم لم يجد شيئا يخصه في المسيح, لان المسيح لم يتخل عن عمل يديه ولم يتركه لرئيس العالم، ولذلك السبب أيضاً عجز رئيس العالم عن أن يجد فيه شيئا. وهكذا أظهر المسيح التجديد وأسس الكمال وحقق خلاص الإنسان كله، أي النفس العاقلة والجسد لكي تكمل أيضا القيامة.
سفسطة الأريوسيين القائلة بأن المخلص أخذ جسدا فقط باطلة أيضاً، وهم بذلك يكفرون, لأن هذا معناه أنهم ينسبون الآلام إلى اللاهوت غير المتألم. وباطل أيضا رأيكم النابع من مصدر آخر غير الأسفار الالهية والذي يجعلكم تتفقون مع الأريوسيين, لأن ادعائكم هو أن الابن استخدم الصورة الإنسانية التي لبسها، أي انها كانت مجرد "أداة" فقط، لأنه في مكان الإنساني الداخلي الذي فينا، كان في المسيح "عقلا سمائيا". فكيف تألم وحزن وصلى كما هو مكتوب"اضطراب بالروح" (يو14 : 21). هذه افعال لا تمت لجسد بلا عقل، ولا تمت إلى اللاهوت غير المتألم، وإنما إلى نفس عاقلة لها شعور وتتألم وتضطرب وتحزن وتحس بالآلام فكريا.
16- أما اذا قررتم الاستمرار في التفكير بهذا الشكل، صار من المحتم عليكم أن تختاروا بين ثلاثة اعتقادات باطلة وهي: إنكار التجسد, التجديف على اللاهوت, إنكار الخلاص، فأي من هذه الثلاثة تختارون؟ واذا افترضتم أن الآلام والموت كانت مجرد خيالات, فهذا يعني أن ما قيل عن التجسد في الاسفار ليس حقيقياً. وإذا افترضتم أن اللوغوس صار العقل الإنساني للنفس الإنسانية في الرب فهذا يعني أن نفسه لم تكن نفساً بشرية, ولم يكن لها ادراك بشري, لأنها كانت تفكر بواسطة اللوغوس الذي صار عقلا لها. وهذا تجديف لأن من يتصور بأن عديم التغير قد تغير فصار يشعر بالآلام والحزن والثقل فهو كافر. وإذا كانت الأناجيل تقول أن يسوع "اضطراب بالروح" فقد أعلن الرب نفسه بكلمات أخرى أنه يعني عقله الإنساني بقوله: "نفسي قد اضطربت" (يو12 : 27). وإذا كشف الرب بهذا عن عقله الإنساني فقد أعلن بذلك أن فيه ذات العنصر الذي فينا, وهذا ما جعله يترفق بنفوسنا، لأنه في الوقت الذي يتألم والآلام هي آلامه، فاننا نعترف بأنه غير متألم كإله. وكما فدانا بدم جسده، هكذا فدانا بفكره ونفسه فأعلن انتصار نفوسنا قائلاً: "أنا قد غلبت العالم" (يو16 : 33). وكما أن الدم عند المؤمنيين ليس دماً بشرياً وانما هو القوة القادرة على خلاصنا، هكذا نفسه وعقله وليسا بشرياً ضعيفا ينتمي إلى الإنسانية, وانما يعلن طبيعة اللاهوت.
وهكذا يدعى المسيح الإله الكامل والإنسان الكامل، ليس لأن الكمال الإلهي قد تغير إلى كمال إنساني, فهذا كفر محض, ولا يعني هذا أننا نعترف باثنين كاملين كل منهما منفصل عن الآخر، لأن هذا ضد الإيمان القويم. كما أننا لا نقول بأنه تقدم ونما في الفضيلة والبر, حاشا لله. وإنما بالاتحاد الكامل صار الاثنين (اللاهوت والناسوت) واحداً كاملاً في كل شيء، هو نفسه الإله المتأنس. لذلك عينه قال الرب: "الآن نفسي قد أضطربت", أي أنها كانت تتألم, و "الآن" تعني عندما أراد. وهذا يوضح حقيقة تجسده، لأنه لم يكن يتكلم عن أمر لا وجود له، كما لو كان يتكلم عن شيء خيالي، وانما كان يعني أنه تألم فعلا وما حدث له كان حقيقيا.