تفسير سفر إرميا - الأصحاح 1 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1- 3:
الأيات 1-3:- كلام ارميا بن حلقيا من الكهنة الذين في عناثوث في ارض بنيامين.

الذي كانت كلمة الرب اليه في ايام يوشيا بن امون ملك يهوذا في السنة الثالثة عشرة من ملكه.

و كانت في ايام يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا الى تمام السنة الحادية عشرة لصدقيا بن يوشيا ملك يهوذا الى سبي اورشليم في الشهر الخامس.

فيها تقديم السفر وزمن النبوة وخدمة إرمياء. وقد بدأ خدمته أيام يوشيا وكان قصد الله أن يساعد يوشيا فى إزالة العبادة الوثنية. وكانت كلمة الرب إليه= وهذا تفويض لهُ بالنبوة ورؤيا بالأشياء التى سوف يتنبأ عنها. وكان من المفروض حين يوجد ملك مثل يوشيا قديس ونبى مثل أرمياء النبى العظيم أن يقدم هذا الشعب توبة ولكن للأسف فهم إستمروا فى وثنيتهم ولذلك كانت نهايتهم الخراب. ولنلاحظ فترة خدمة النبى أنها حوالى 40 عاماً قبل السبى وهذا هو الإثم الذى حمله حزقيال على جانبه الأيمن لمدة 40 يوما (حز4) فمما ضاعف من خطية يهوذا وجود ملك ونبى عظماء مثل هؤلاء. ومع أن النبى إستمر فى نبواته بعد التاريخ المدون هنا إلا أنه حدد هذا التاريخ لأن نبوته كانت تختص بالسبى وبالسبى تحقق ما تنبأ عنه.
العدد 4- 5:
الأيات 4-5:- فكانت كلمة الرب الي قائلا. قبلما صورتك في البطن عرفتك و قبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيا للشعوب.

الله هو الذى يختار الراعى لشعبه. وهو الذى يعلم من البطن من يصلح لهذا العمل فيختاره. والله هنا يشجعه بهذه الكلمات أنه هو الذى إختارهُ وعينه نبياً للشعوب = من هم الشعوب الذين أرسله الله إليهم:

1. لأنه مُرْسَلْ أساساً لليهود فكأن الله إعتبرهم مثل الشعوب الباقية لوثنيتهم فأسماهم شعوب.

2. ولأن أرمياء تنبأ أيضاً ضد الشعوب أى الأمم.

3. ولأن نبوة أرمياء موجهة للأن لكل شعب فى كل العالم.

وكما إختار الله أرمياء من بطن أمه هكذا إختار بولس (غل 15:1) فالله الخالق العظيم يعرف كيف يستفيد من كل واحد من خليقته وبما أعطاه لهم من مواهب... قدستك = خصصتك.
العدد 6:
أية 6:- فقلت اه يا سيد الرب اني لا اعرف ان اتكلم لاني ولد.

هنا إعتذار متواضع من أرمياء. فهو يشعر أنه صغير. وهو ليس تواضع مصطنع.
العدد 7:
أية 7:- فقال الرب لي لا تقل اني ولد لانك الى كل من ارسلك اليه تذهب و تتكلم بكل ما امرك به.

الله هنا يشجعه أنه وراءه ويسنده فعليه أن لا يخاف. فإحساسنا بعدم إستحقاقنا للخدمة لا يجب أن يجعلنا ننسحب منها حين يدعونا الله. ويحسب لأرمياء أنه بعد تشجيع الله ووعده لم يُصَر على الإعتذار مثل موسى الذى غضب الله منه بسبب إصراره على الإعتذار. والله سبق وإختار صموئيل وهو صغير. فالله يعطى معرفة للعقل وكلمة عند إفتتاح الفم (1كو13:2، حز3).
العدد 8:


أية 8:- لا تخف من وجوههم لاني انا معك لانقذك يقول الرب.

وعد الله هنا ليس أن يزيل المشقات والمتاعب من أمامه، فالله لا يعفى خدامه من الضيقات بل يسندهم فيها ويحميهم وهذا ما يشجع خدام الله (أع10،9:18)، (حز9:3).
العدد 9:
أية 9:- و مد الرب يده و لمس فمي و قال الرب لي ها قد جعلت كلامي في فم.

جمرة إشعياء كان فيها تطهير أما لمس الرب لفم إرمياء تشير للتأهيل والإعداد. فعليه أن لا يعترض بأنه لا يعرف أن يتكلم فالله هو الذى يسمعه ويعلمه ما يتكلم به (مت19:10)


العدد 10:
أية 10:- انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب و على الممالك لتقلع و تهدم و تهلك و تنقض و تبني و تغرس.

هنا الله يعطيه سلطاناً فهو كمن يحكم ليس بالسيف ولكن بالكلمة. وكلتك = إذن هو وكيل لله وفى مقابل الكرامة هناك المسئولية. لتقلع وتهدم = نبواته بالدينونة والخراب هى إنذار بأن الخاطىء سيقلع، وتبنى وتغرس = نبواته بالرجوع من السبى هى وعد بأن التائب سيزرع من جديد ويبنى من جديد فى أرضه. ولكى يبنى من جديد يلزم أن ينقض القديم حتى الأساس. والله أراد أورشليم جديدة فنقض القديمة. والمعمودية هى موت ثم قيامة (رو6).

وهكذا الله يحوَل الولد الصغير بنعمته لجبار فالله هو الذى يعمل
العدد 11- 12:
الأيات 12،11 :- ثم صارت كلمة الرب الي قائلا ماذا انت راء يا ارميا فقلت انا راء قضيب لوز. فقال الرب لي احسنت الرؤية لاني انا ساهر على كلمتي لاجريها.

الله فى بدء تعامله مع أرمياء أراه رؤى تشير لخراب أورشليم حتى تنطبع فى قلبه طوال فترة خدمته. ونرى هذا فى هذه الرؤيا، قضيب اللوز والتى تليها، القدر. فالله يعلن أن الشعب نما للخراب وأن الخراب يُسْرِعْ حثيثاً تجاههم. وشجرة اللوز تزهر فى يناير مبكراً جداً قبل كل الأشجار وتعطى ثمارها فى مارس لذلك يسميها العبرانيون HASTY TREE أى الشجرة المتعجلة. وهنا تلاعب بالألفاظ فأيضاً الله متعجل = ساهر على كلمته ليجريها، أى قراره بخراب أورشليم. فكلمة قضيب اللوز(شاقد) بالعبرية هى نفسها كلمة ساهر تقريباً (شوقد). والقضيب هو قضيب التأديب ضد أورشليم. ولأن الخطية ملأت أورشليم فالله يتعجل خرابها. وقال الله لأرمياء أحسنت لأنه عرف أنها شجرة لوز وهى لم تثمر بعد وهذا لا يعرفه إلا خبير. وكان أيضاً خراب أورشليم لم يظهر أى دليل لهُ ولكن أى خبير روحى يستطيع أن يراه فإذا زادت الخطية وتفشت فمن المؤكد أن وراء هذا خراب قريب.


العدد 13- 16:
الأيات 13-16:- ثم صارت كلمة الرب الي ثانية قائلا ماذا انت راء فقلت اني راء قدرا منفوخة و وجهها من جهة الشمال. فقال الرب لي من الشمال ينفتح الشر على كل سكان الارض. لاني هانذا داع كل عشائر ممالك الشمال يقول الرب فياتون و يضعون كل واحد كرسيه في مدخل ابواب اورشليم و على كل اسوارها حواليها و على كل مدن يهوذا. و اقيم دعواي على كل شرهم لانهم تركوني و بخروا لالهة اخرى و سجدوا لاعمال ايديهم.

تشير رؤيا القدر، لقدر موضوع على فرن مشتعل يتم تغذيته بالوقود والنار من ناحية الشمال. والقدر تشير لأورشليم التى ستغلى حالاً حين يشتعل الفرن وإشتعال الفرن يشير لهجوم بابل الذى سيأتى من جهة الشمال. وبابل جيشها كان مكوناً من العشائر والشعوب التى وحَدها نبوخذ نصر تحت قيادته = هأنذا داعٍ كل عشائر. ويشير هذا لجيش بابل. وجيش بابل يستخدمه الله هنا كوسيلة تأديب. وهذا إنذار لهم لعلهم يتوبون عن وثنيتهم. والعقوبة تشير لإستيلاء الجيش البابلى على أسوار وأبواب أورشليم والمعنى أن من يستسلم للشيطان وإغراءاته سيسيطر الشيطان عليه ويحيطه ويستعبده.

قدر منفوخة = تترجم قدراً تغلى فى إضطراب. ووجهها جهة الشمال = أى مكان دخول النار.


العدد 17- 19:
الأيات 17-19 :- اما انت فنطق حقويك و قم و كلمهم بكل ما امرك به لا ترتع من وجوههم لئلا اريعك امامهم. هانذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة و عمود حديد و اسوار نحاس على كل الارض لملوك يهوذا و لرؤسائها و لكهنتها و لشعب الارض. فيحاربونك و لا يقدرون عليك لاني انا معك يقول الرب لانقذك.

نطق حقويك = إستعد لهذه الخدمة وآمن بأن الله سيسندك ولا تهتم بشىء أخر، أى إنزع عنك كل إهتمام وإنشغال دنيوى وإنشغل بهذه الخدمة. وعليك أن تبلغ الكلام الذى أضعه فى فمك كما هو = كلمهم بكل ما آمرك مهما كان من شدته ضد الشعب ولا ترتاع من وجوههم = فكلمة الله يجب أن تصل بامانة لهذا الشعب، وعليه أن لا يخاف منهم، فهم لن يقبلوا كلمة الله وسيخيفونه ولكن عليه أن يؤمن بأن الله يسنده، وإذا آمن بهذا يكون لهُ سلام وسيشعر بهذا السلام يملأ قلبه، أما لو خاف منهم وإرتعد فهذا معناه عدم ثقة فى الله فينزع الله سلامه منه = لئلا أريعك أمامهم = فالله هو الذى يعطى السلام ويعطى أيضاً الجسارة والقوة فماذا يحدث لو أن النبى بعد أن تكلم بكلمة الله خاف من نتائجها وشكَ فى حماية الله له؟ُ سيحرم من السلام والقوة فيرتاع بالأكثر. إذاً الإيمان هو أفضل حماية للإنسان ضد شر الأشرار ومكائدهم. وأنظر لوعد الله لهُ فى أية (19) فهو سيجعله محصناً ضد شرور الجميع، فقط عليه أن يؤمن. ولكن هذا لا يعنى أنه لن يكون هناك حروب ضده (20) فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى معك.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى