تفسير إنجيل يوحنا - الأصحاح 1 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 38:
فيما سبق رأينا المعمدان كسابق للمسيح وشاهد له بأنه إبن الله. ورأيناه يحول تلميذين له وهما يوحنا الإنجيلي نفسه وأندراوس للمسيح قائلاً هذا هو حمل الله ورأينا التلميذين يسيران وراء المسيح في خجل دون أن يسألاه شيئاً، ولكنهما في أعماقهما كانا قد إتخذا قراراً بأن يتبعاه. والمسيح الذي يختار تلاميذه بدأ هو وبادرهما بالسؤال ماذا تطلبان= هذه تشبه بالعامية "عاوزين إيه" حتى يسهل مهمتهما فيتكلمان ويعلنا أنهما يريدان أن يكونا تلاميذاً له. هو يشجعهما ليتكلما. والآن السيد يطلب من كل منا أن يحدد موقفه، ماذا نريد منه؟ هل نريد ماديات أو نريده هو لشخصه.

رابي أو ربي= لقب يطلق على أعظم علماء اليهود ومعلميهم. والمعلم هي درجات (راب/ رابي/ رابوني).
العدد 39:
تعاليا وأنظرا= فالمسيح أراد أن يعرف كلاهما أنه إنسان متواضع يقيم في مكان متواضع حتى لا يظنا أنه يقيم في قصر، يعرفاه على حقيقته. إنساناً فقيراً لا يملك شيئاً، وحتى لا يتوهما أنهما سيملكان معه ويكون لهما جاه أرضي. ولكن.. تعاليا وأنظرا= هي دعوة للخبرة الشخصية مع يسوع هذه تشبه قول داود "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" فمن يريد أن يعرف المسيح يأتي لينظر ويتذوق فيفرح ويقرر الإلتصاق به فكلام الحياة الأبدية هو عنده. حقاً هو لم يَعِدْ بالجاه الأرضي بل بالحياة الأبدية والفرح السماوي الذي يملأ القلب هنا على الأرض وفي السماء. وهذه دعوة الروح القدس والكنيسة لكل واحد "تعال" (رؤ17:22). وقد قضى يوحنا وأندراوس اليوم مع المسيح (ما أحلى أن نقضي يوماً مع يسوع) حتى الساعة العاشرة بالتوقيت اليهودي أي الرابعة بعد الظهر، وكانوا منبهرين بتعليمه وكلامه وأقواله، ويوحنا بعد 60سنة مازال يذكر الساعة التي ترك فيها بيت يسوع مساءً والتي قرر فيها أن لا يتركه العمر كله إذ عنده الحياة. الساعة التي أدرك فيها أنه يحب المسيح لأن المسيح أحبه أولاً.
العدد 40- 42:
أندراوس بعد زيارته للمسيح عرف وآمن أنه المسيح فدعا أخوه سمعان قد وجدنا= أي أنا ويوحنا، وقد يعني أن الأمة اليهودية وجدت المسيا، فهم كانوا يفتشون الكتب وينتظرون المسيا. وهذه لابد أن تكون كرازة كل خادم، علينا أن نتذوق حلاوة المسيح، ونقول قد وجدنا مسيا. ولكن من لم يجد المسيح أولاً لن يستطيع أن يأتي بأحد للمسيح. أندراوس أخو سمعان= فسمعان بطرس صار الأشهر. هذا وجد أولاً= هذه تعني واحدة من إثنين:-

1) إن كل من أندراوس ويوحنا ذهب ليدعو أخاه فأندراوس ذهب ليدعو سمعان ويوحنا ذهب ليدعو يعقوب ليتتلمذا على المسيح، وأندراوس وَجَدَ سمعان أولاً وأتى به للمسيح قبل أن يأتي يوحنا بيعقوب للمسيح.

2) ربما ذهب أندراوس ويوحنا ليبحثا عن سمعان أخو أندراوس ووجده أندراوس أولاً قبل أن يجده يوحنا. ولاحظ أن أندراوس لم يحسد أخوه بطرس إذ صار أحد الأعمدة، وأندراوس هو الذي دعاه. ولاحظ أن من يعرف يسوع يسعى لأن يعرفه الآخرون (مز14:45،15+ نش4:1)

صفا= كيفا بالآرامية وتعني حجر. وباليونانية بتروس petros أي بطرس ونلاحظ أن في (مت18:16) المسيح يعيد التأكيد على هذا الإسم بعد أن إعترف بطرس أن المسيح هو إبن الله. ونلاحظ أن المسيح هنا عرف إسم سمعان بن يونا من نفسه ولم يخبره أحد. وأن المسيح غَيرَّ إسم سمعان إلى بطرس كما غَيرَّ إسم إبرام إلى إبراهيم وساراي إلى سارة.. إشارة لبدء حياة جديدة. وغير المسيح إسم يوحنا ويعقوب أخيه فصارا بوانرجس أي إبني الرعد. وهكذا تغير الكنيسة إسم الكاهن بعد سيامته أو الراهب أو الأسقف أو البطريرك إشارة لحياته وخدمته الجديدة تاركاً حياته القديمة.

ونلاحظ أن بعد هذا التعارف عاد التلاميذ إلى حياتهم القديمة ومهنتهم السابقة في صيد السمك، إلى أن دعاهم المسيح ليتركوا مهنتهم القديمة ويتبعوه (مت18:4-22). وما جاء هنا في هذه الآيات من إنجيل يوحنا من التعارف الذي حدث بين المسيح وبين بطرس وأنداروس ويوحنا ويعقوب يفسر ما جاء في (مت18:4-22) من حيث الإستجابة الفورية لدعوة المسيح وتركهم الشباك، إذ هم كانوا قد سبق وأعجبوا بالمسيح وقرروا أن يتتلمذوا له. (وبعد هذا ثبت المسيح إيمانهم بمعجزة صيد السمك الكثير (لو3:5-11). فالمسيح لا يجبر أحداً أن يتبعه، ولا هو عنده عصا سحرية يشير بها لأحد أن يتبعه فيتبعه. بل أقنع هؤلاء التلاميذ فتبعوه (أر7:20). أنت سمعان= إذاً هذا إعلان بأنه يعرف إسمه. تدعى صفا= إعلان بأن المسيح كشف مستقبله ومجاهرته بالإيمان. مسيا الذي تفسيره المسيح= مسيا هي الصيغة اليونانية للكلمة الآرامية مشيحا والعبرية مشيح والعربية مسيح، ولأن يوحنا كان يكتب للأمم فسر كلمة مسيا. والمسيح أي الممسوح بالروح القدس ليقوم بعمل الفداء.
العدد 43- 44:
في الغد= هذه ثالث مرة يقال فيها في الغد. فهنا يوحنا الإنجيلي يتابع أحداث الأسبوع الأول لخدمة المسيح يوماً بيوم. ومن هذه الآية إنتقل المسيح من خدمة اليهودية إلى خدمة الجليل. وفي خلال هذه المدة للمسيح في اليهودية لم يصنع شئ سوى إختيار تلاميذه والتعرف عليهم.

وفيلبس كان قد سمع من بطرس وأندراوس عن يسوع فهو من مدينتهما فتبع يسوع إذ دعاه. ويسوع دعاه هو أيضاً قبل ذهابه إلى الجليل. وكان فيلبس أول من دعاه يسوع.
من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس.

من: هنا تفيد مدينة المعيشة والإقامة من: هنا في اللغة اليونانية تفيد مدينة الميلاد وهي كفرناحوم.
إذن فيلبس كان من بيت صيدا (في الجليل وتعني بيت الصيد فأغلب سكانها صيادي سمك وهؤلاء تحولوا صيادين للناس). وهي مدينة أندراوس وبطرس وكان أول صيد لأندراوس هو بطرس وأول صيد لفيلبس هو نثنائيل، وهو من مواليد كفرناحوم مثل بطرس وأندراوس فكان صديقاً لهما منذ فترة الطفولة. ويقول التقليد أن فيلبس هو الذي إذ دعاه المسيح إعتذر قائلاً أنه يطلب أن يدفن أباه أولاً فقال له المسيح دع الموتى يدفنون موتاهم وإتبعني (مت22:8).


العدد 45:
وجدنا= إذاً كان هناك نفوس كثيرة تدرس وتفتش وتنتظر المسيح بأمانة. وهؤلاء وجدوه. ويبدو أن كل من أتته الدعوة وإستقبلها بفرح تحول إلى كارز. ونثنائيل من قانا الجليل (يو2:21). وغالباً وجد فيلبس نثنائيل في قانا نفسها. ونثنائيل هو برثولماس وندرك هذا من مقارنة (مت3:10 مع مر16:3-19) فكلاهما ألصق إسم برثولماس بفيلبس فمن يذكر نثنائيل لا يذكر برثولماس. وبمقارنة (يو2:21 مع أع13:1) نجد أن يوحنا يضع إسم نثنائيل بعد توما ويضعه لوقا في سفر أعمال الرسل على أنه برثولماس بعد توما أيضاً. كتب عنه موسى= (تث15:18+ يو46:5) إذاً فيلبس كان دارساً للكتاب المقدس. يسوع إبن يوسف= هذا هو الإسم الذي عرف به المسيح في الناصرة التي قضى فيها أغلب فترات حياته على الأرض.
العدد 46:
هم كيهود كانوا يتصورون أن المسيح يكون عظيماً ويخرج من مدينة عظيمة (يو52:7) (أو بحسب النبوات يخرج من بيت لحم). وكان اليهود حتى الجليليين يحتقرون سكان الناصرة ربما لأنها صغيرة وربما لإختلاط أهلها بالوثنيين وتجارتهم معهم. فهل يخرج المسيح من مدينة صغيرة كالناصرة؟! وكان رد فيلبس العملي تعال وأنظر، ليختبر المسيح كما إختبره فيلبس وآمن به.. "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" هذه طريق كل من تذوق الرب.
العدد 47:
لا غش فيه= أي مستقيماً لا يلتوي ولا يكذب ولا يعرف الغش والرياء. يطلب بصدق أن يعرف الله، ويطلب وجه الله كما ينبغي أن يكون الإسرائيلي (رو28:2،29). وإسرائيل هو الإسم الذي أخذه يعقوب لأنه جاهد مع الله والناس وغلب (تك28:32). ولا يقصد جنسيته أو قوميته.


العدد 48:
من أين تعرفني= يبدو أن وصف السيد المسيح عن نثنائيل كان له معنى عند نثنائيل جعله يشعر أن يسوع يعرفه وتفسير وأنت تحت التينة رأيتك= حسب ما جاء في تقليد قديم.. أن جنود هيرودس إذ جاءوا ليقتلوا أطفال بيت لحم، أخفت أم نثنائيل إبنها في سفط وضعته تحت التينة وخبأته فيها فلم يجده جنود هيرودس، وهذه القصة لا يعرفها سوى نثنائيل وأمه فقط، لذلك ذُهِلَ نثنائيل إذ أخبره بها المسيح، إذ شعر أن لا شئ مخفي عن عينيه. تحت= لغوياً تشير لإختفاء شئ تحت شئ. وقد يشير المعنى عموماً لأن التينة لها معنى في حياة نثنائيل كأن يكون له ذكريات روحية وهو يصلي تحتها إذاً بهذا فهم نثنائيل أن المسيح مطلع على المشاعر الروحية أيضاً. إذاً هو فاحص القلوب.
العدد 49:
آمن به إذ رآه قادراً مقتدراً يعرف كل شئ فآمن أنه المسيا المنتظر. واليهود يفهمون أن الله هو ملك إسرائيل الحقيقي. وكان إختيارهم لشاول ملكاً رفضاً لله كملك لهم. وكان نثنائيل هو أول من اعترف من التلاميذ بأن المسيح هو إبن الله (المعمدان قالها قبله).
العدد 50:
المسيح يقصد أنه سوف يرى أعمال ومعجزات عجيبة يفعلها المسيح بسلطان بل هو في المستقبل سيدرك أن المسيح بلاهوته مختفي وراء هذا الجسد المتواضع.
العدد 51:
من بدء تجسد المسيح صار هو الصلة بين السماء والأرض، فالصلح قد تم وصار الإبن هو طريقنا للسماء [لقد صار جسد المسيح طريقاً حياً حديثاً ندخل به للأقداس (عب19:10-20)] وهذه الآية فيها إشارة لرؤيا يعقوب إذ رأى سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها (تك12:28). والسلم هو رمز للمسيح فبه نصعد للسماء وهو الذي نزل ليصعدنا. وبه صار الصلح فصعدت الملائكة ونزلت على البشر، والمسيح بلاهوته يسمو إلى أعلى السموات وبناسوته نزل للأرض ليصعد به وبنا للسماء لنكون في المجد. ولقد رأى إسطفانوس فعلاً السماء مفتوحة، ثم رآها بولس الرسول في الرؤيا في طريقه إلى دمشق، ورآها بعد ذلك يوحنا في رؤياه. ولكن المقصود أن السماء إنفتحت لتنسكب مراحم الله على البشر. والملائكة فعلاً ظهرت في ميلاد المسيح وجاءت ملائكة تخدمه بعد تجربته (مت11:4) وجاء ملاك يقويه في يوم خميس العهد وهو يصلي، وظهرت الملائكة بعد قيامته وكل هذا أعظم من ذكر قصة التينة، فالملائكة هم خدام له. وكما حدث مع المسيح سيحدث مع الكنيسة جسده والملائكة تصعد وتنزل لتخدم العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب14:1) والكنيسة تؤمن أن الملائكة موجودة معنا دائماً وفي شركة معنا. وفي نهاية كل قداس يصرف الكاهن ملاك الذبيحة. لقد وحَّدَ المسيح بصليبه السمائيين والأرضيين وجعلهما واحداً. وهم يفرحون بكل خاطئ يتوب. ونحن وهم نقف أمام عرش الله مسبحين. والمسيح قال يصعدون قبل أن يقول ينزلون. فهو أتى بهم عند تجسده أولاً ثم صاروا يصعدون وينزلون.

ولاحظ أن نثنائيل قال إبن الله، والمسيح يقول عن نفسه أنه إبن الإنسان. فهو إبن الله الذي صار إبن إنسان ليحملنا فيه إلى السماء، فصار السلم الذي به نصعد للسماء. فحلم يعقوب تحقق في تجسد المسيح وصارت السماء مفتوحة للإنسان. هناك كثيرين شهدوا بأن المسيح هو إبن الله، لكن المسيح أطلق على نفسه إبن الإنسان.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى