بعد معمودية يسوع فى الأردن والتجربة فى البرية، ذهب يسوع إلى الجليل وهناك حول الماء إلى خمر (يو 11:2) ثم ذهب ليقيم فى كفر ناحوم (يو 12:2). وبعد هذا عاد يسوع لأورشليم وطهر الهيكل لأول مرة (يو 13:2-22) وتقابل مع نيقوديموس (يو 1:3-21). وفى هذه الآية (مت 12:4) نسمع أن يسوع يغادر اليهودية منصرفاً إلى الجليل وقارن مع (مر 14:1 + يو 1:4-3). العدد 13- 17: آيات (13-17):-
وترك الناصرة واتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم. لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل. ارض زبولون وارض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم. الشعب الجالس في ظلمة ابصر نورا عظيما والجالسون في كوره الموت وظلاله اشرق عليهم نور. من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات.
بعد عودة السيد المسيح إلى الجليل اتى إلى الناصرة، والجليل كان اليهود فيها قليلى العدد من سبطى زبولون ونفتالى وأكثر سكانها من الفينيقيين واليونان والعرب ولهذا سميت جليل الأمم + أش 1:9. وكأن إشعياء كان يتنبأ بما سيحدث لمنطقة الجليل. وكان الوثنيون قد ملأوا الجليل لما كان إسرائيل فى السبى. ولإختلاط اليهود بالوثنيين صار حالهم ردئ لذلك قيل عنهم الشعب الجالس فى الظلمة= ظلمة الخطية والجهل وإنقطاع الأمل فى الخلاص أبصر نوراً عظيماً= هو المسيح الذى أتى نوراً للعالم. طريق البحر = بحر الجليل. عبر الأردن= أى غرب الأردن. من ذلك الزمان= أى بعد القبض على يوحنا، آية (12).
والمسيح ترك الناصرة وذهب إلى كفر ناحوم.
1. لأن الناصرة رفضته.... إذاً لنحذر أن نرفضه وإلاّ سيتركنا.
2. ليختار تلاميذه من بين صياديها لأن كفر ناحوم عند البحر أى ساحلية. وفى آية 17 نجد أن دعوة المسيح هى التوبة، نفس دعوة المعمدان، فالتوبة هى المدخل، والبشارة المفرحة بأن من يتوب يدخل الملكوت. العدد 18- 22: آيات (18-22):-
وإذ كان يسوع ماشيا عند بحر الجليل ابصر أخوين سمعان الذي يقال له بطرس واندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر فانهما كانا صيادين. فقال لهما هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه. ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه.
المسيح لا يستخدم قوى سحرية لجذب الناس، بل أننا نفهم أنه قضى يوماً تقريباً فى إقناع يوحنا وأندراوس بعد أن شهد المعمدان لهما بأن يسوع هو المسيا (يو 35:1-42). ويوحنا وأندراوس أقنعا أخويهما بطرس ويعقوب فأتيا للمسيح فأقنعهم أولاً ( أر 7:20) وبعد هذا دعاهم هنا. والمسيح إختار صيادين بسطاء ليحولهم إلى صيادين للناس، ولم يختار حكماء وفلاسفة، حتى تظهر قوته الإلهية العاملة فيهم (1كو 17:1-31)
بحر الجليل= هو بحيرة عذبة طولها 13 ميلاً، وهى شرق مقاطعة الجليل يصب فيها نهر الأردن الآتى من الشمال. وتسمى بحيرة جنيسارت وأيضاً بحر طبرية، وهذا الإسم أطلقوه عليها إكراماً لطيباروس قيصر.
ملحوظة: إختار الله فى العهد القديم رعاة غنم ليرعوا شعبه كموسى وداود وغيرهم، لاّن فى العهد القديم، كان الشعب اليهودى هو شعب الله والله هو راعيهم الأعظم، وأرسل لهم الله رعاة يرعون شعبه الذى كان داخل حظيرة الإيمان فعلاً، أمّا فى العهد الجديد فإختار الله صيادين ليصطادوا الأمم الذين كانوا غارقين فى بحر هذا العالم والمسيح إختار صيادين بسطاء من الجليل المحتقر ليعمل بهم، فيكون المجد لله لا للبشر.
تركا الشباك. تركا السفينة = تركا مصدر رزقهم وأطاعا. لذلك كانوا رسلاً جبابرة. العدد 23- 25: آيات (23-25):-
وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سورية فاحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم. فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الأردن.
مجامعهم= المجامع هى قاعات فى المدن الإقليمية حيث كان اليهود مجتمعون للصلاة والتسبيح يوم السبت، وللتعليم أيضاً، أما باقى الأيام فكانت تستخدم للقضاء. لكن لا يوجد سوى هيكل واحد فى أورشليم. ونلاحظ أن السيد المسيح صنع معجزات كثيرة ليظهر بها نفسه فتقبله الجموع ويذيع صيته، فيجمتعون حوله، فيبدأ يعلمهم.
العشر المدن= كانوا عشر مدن قريبة من بعضها على الشاطئ الشرقى من بحر الجليل، وإسمها باليونانية ديكابوليس. مر(14:1-20)
وبعدما اسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وأمنوا بالإنجيل. وفيما هو يمشي عند بحر الجليل ابصر سمعان واندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر فانهما كانا صيادين. فقال لهما يسوع هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلا فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه وهما في السفينة يصلحان الشباك. فدعاهما للوقت فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجرى وذهبا وراءه.
نجد هنا نفس قصة دعوة التلاميذ، وتركهم سفنهم ومهنتهم وأنهم تبعوا يسوع فوراً. وتفسير هذه الإستجابة الفورية، هو سابق إقتناعهم بالمسيح كما قلنا سابقاً.
وفى آية 14:- قد كمل الزمان= فالنبوات حددت زمان مجئ المسيح (دا 9).
بحر الجليل = هو بحيرة طبرية وهو بحيرة جنيسارت. لو (1:5-11)
وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله كان واقفا عند بحيرة جنيسارت*.فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة والصيادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك. فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان وسأله أن يبعد قليلا عن البر ثم جلس وصار يعلم الجموع من السفينة. ولما فرغ من الكلام قال لسمعان ابعد إلى العمق والقوا شباككم للصيد. فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا ولكن على كلمتك القي الشبكة. ولما فعلوا ذلك امسكوا سمكا كثيرا جدا فصارت شبكتهم تتخرق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق. فلما رأى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلا اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ. إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه. وكذلك أيضا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان فقال يسوع لسمعان لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس. ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه.
أمّا القديس لوقا فأورد بعض التفصيلات الأخرى عن هذا اللقاء بين السيد المسيح وتلاميذه، إذ دعاهم وهم بجانب سفنهم وشباكهم. وهنا نجد أن المسيح قد أظهر سلطانه أمام تلاميذه فى معجزة صيد السمك الكثير، وبهذا نفهم لماذا تبع التلاميذ يسوع فوراً إذ دعاهم.
1. شهادة يوحنا المعمدان له، والمعمدان كان المعلم الأول لهم قبل المسيح.
2. حوار يسوع معهم لمدة يوم كامل يو 35:1-42.
3. معجزات الشفاء التى أجراها المسيح أمامهم مت 24:4.
4. تعاليم المسيح للجموع من سفينة سمعان لو 3:5.
5. معجزة صيد السمك الكثير لو 6:5،7 جعلتهم يطمئنون لتدبير الله لإحتياجاتهم المادية.
ونلاحظ أن آخر لقاء للمسيح حدثت فيه نفس الفصة، أى معجزة صيد سمك كثير يو 1:21-14.. وبمقارنة المعجزتين نجد الآتى.
1. المعجزة الأولى كانت فى سفينتين والأخيرة كانت فى سفينة واحدة فالمسيح أتى ليجعل الإثنين واحداً (اليهود والأمم أو السمائيين والأرضيين).
2. فى المعجزة الأولى أمرهم بطرح الشباك ولم يحدد الجهة. وفى الأخيرة طلب السيد إلقاء الشباك على الجانب الأيمن. وفى الأولى لم يذكر عدد السمك وفى الثانية ذُِكرَ عدد السمك (153 سمكة) لأن الأولى تشير لكل الداخلين للإيمان وهم كثيرين، أماّ الثانية فتشير للقطيع الصغير أى الذين سيخلصون وهؤلاء معروفين واحداً فواحداً وهم على الجانب الأيمن (الخراف على الجانب الأيمن، أماّ الجداء فهم على الجانب الأيسر): فالدعوة موجهة للجميع لكن قليلين هم الذين يخلصون.
3. فى الأولى صارت الشبكة تتمزق فيهرب منها السمك الصغير (رمز لمن إيمانهم قليل). وفى الثانية لم تتمزق الشبكة وكان السمك من كبار السمك (يو 11:21) رمز لمن إيمانهم ثابت فلا يتركون الكنيسة، فالشبكة رمز للكنيسة، ومن يترك الكنيسة يغرق فى بحر هذا العالم حتى أخذتا فى الغرق = بسبب هؤلاء الذين إيمانهم قليل. ولكن نشكر الله فالكنيسة يحفظها المسيح.
4. فى الثانية طلب السيد المسيح من التلاميذ أن يعطوه السمك الذى إصطادوه، فالمؤمنين هم للمسيح وليس للكارزين أو للخدام. أم السيد فأعطاهم من عنده سمكاً مشوياً وخبز، اى أن المسيح متكفل بإعالة خدامه ليصطادوا هم لهُ المؤمنين، ويكون المؤمنين للمسيح.
تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً= بعد هذا مباشرة نجد يسوع يستخدم هذه السفن كمنبر للتعليم (بركات روحية فلو كانت السفن مملوءة سمكاً ما كان يسوع يستطيع أن يدخلها) ثم بعد هذا إمتلأت السفن سمكاً بوفرة (بركات مادية). إذاً لنثق أنه لو أغلقت أمامنا بعض الأبواب فإن هذا يكون بسماح من الله لنحصل على بركات أكثر، ولو فرغت سفينتنا من السمك (بركات مادية) فهذا ليدخل المسيح لسفينة حياتنا.
إبعد إلى العمق = الصيد يكون ليلاً لذلك قال بطرس تعبنا الليل كله أى تعبنا فى الوقت المناسب للصيد ومع هذا لم نحصل على شئ. أما الآن وبالنهار فالوقت غير مناسب للصيد. والصيد لا يكون بالشباك فى العمق بل على الشاطئ. وهنا فكلام بطرس يعبر عن الخبرة البشرية بما تحمله من فشل ويأس ولكن أروع ما قاله بطرس هو على كلمتك ألقى الشبكة = هنا ينتقل بطرس من خبراته البشرية المحدودة إلى الإيمان العميق بكلمة الله. وكثيراً ما تقودنا خبراتنا البشرية لليأس، ولكن مع الإيمان نرى العجائب.
العمق= طالما بطرس سيصير صياد للناس فليعلم أول درس، هو أن الخادم يجب أن يحيا فى العمق، عمق معرفة المسيح وعمق الحب وعمق الإيمان أمّا من يحيا فى السطحيات بلا خبرات روحية فى مخدعه فهذا لن يصطاد شئ. وهنا نرى الجهاد مع النعمة. فالجهاد يتمثل فى الدخول للعمق وإلقاء الشبكة (حياة الخادم الداخلية = عمق، كلمة الكرازة = إلقاء الشبكة) والنعمة هى عمل الله العجيب بكلمات الخادم لتأتى هذه الكلمات بثمارها.ولنلاحظ أن الدعوة هى للجميع فالمسيح لم يحدد الجهة التى يلقون فيها الشباك. ومسئولية خلاص المؤمن هى مسئوليته الشخصية.
وفى قول بطرس تعبنا الليل كله = إشارة لعمل الأنبياء فى العهد القديم كله، إذ تعبوا ولكن كانت الخطية مسيطرة على قلوب البشر. ويشير هذا القول أيضاً لمن يكرز ويعلم ببلاغة بشرية ولكن من عندياته وليس بعمل المسيح فيه. وربما تشير للخدام الذين يتعبون كثيراً ولكن الوقت، وقت الثمار لم يأت بعد فلقد كانت ليلة التلاميذ فاشلة بمقاييسهم ولكنها كانت بداية نجاح عجيب وتحول عجيب.
ونلاحظ أن المسيح جذب التلاميذ إليه بعد أن خاطبهم بلغتهم، فهو كلمهم بلغة صيد السمك فإنجذبوا إليه، وهكذا كلم المجوس بلغتهم عن طريق نجم، وكلم قسطنطين الملك بلغته.
فأشاروا إلى شركائهم = فالحصاد كثير والفعلة قليلون.
أخرج من سفينتى = بطرس لا يريد من المسيح أن يخرج حقيقة من سفينته لكن هذا مجرد تعبير عن شعوره بعدم إستحقاقه بوجود السيد فى سفينته فحينما واجه بطرس نور المسيح رأى خطاياه وشعر بعدم إستحقاقه، وهذا ما حدث مع إشعياء إذ رأى الله (أش 6). وقد طمأنه المسيح بقوله = لا تخف. عموماً فالمؤمنين ينقسمون إلى فئتين الأولى مثل بطرس حينما يعطيهم الله بركة من عنده يشعرون بأنهم غير مستحقين لشئ، وإذا صادفتهم تجربة ينسبونها لخطاياهم، أما الصنف الثانى فهو شاعر بأن الله لا يعطيه ما هو أهل له، وأن الله قد ظلمه، وإذا صادفته تجربه نسبها لظلم الله له. ولنعلم أن الفئة الأولى هى التى يدخل المسيح قلبها ويملك عليها كما دخل لسفينة بطرس
تركوا كل شئ وتبعوه = من يعرف المسيح حقيقة يترك كل شئ حاسباً إياه نفاية ويكرس القلب بالتمام للمسيح. ولنلاحظ أن بطرس ترك شبكة وصنارة ولنرى ماذا أعطى الله لبطرس حتى الآن من مجد فى السماء وعلى الأرض. شبكتهم تتمزق.. أخذتا فى الغرق = التجارب التى تواجه الكنيسة فيتركها ضعاف الإيمان.