تفسير رسالة رومية - الأصحاح 1 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1:
آية(1): "بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله."
بولس= هي كلمة لاتينية معناها الصغير، فمن عادة العبرانيين تسمية الشخص بإسمين. وبولس كان إسمه أيضا شاول وتعني مطلوب من الله. ويقول أغسطينوس أن بولس كان نحيف الجسم قصير القامة. وهو فضّل استخدام إسم بولس من قبيل التواضع ومشيراً لأنه أصغر الرسل.
عبد ليسوع المسيح= كان معلمي اليهود يتفاخرون بألقاب مثل سيدي أو معلمي واليهود عموماً يتفاخرون بيهوديتهم والأمم بفلسفاتهم، أما بولس فيعلمهم أنه يفتخر بكونه عبداً للمسيح. وإذا كان الكل عبيداً للمسيح فلماذا يتفاخر اليهودي علي الأممي أو الأممي علي اليهودي. وهو عبد للمسيح لأن المسيح إفتداه وإشتراه بدمه وفكه من الأسر وصار ملْكاً لهُ. ونفهم أن العبودية للمسيح تحرر، ولا يمكن أن يكون الإنسان عبداً للمسيح حقيقة ما لم يختبر في الوقت نفسه الحرية الحقيقية. إن عبد المسيح لا يستعبد لأي إنسان آخر ولا حتي لشهوات جسده الخاصة، ولا يستطيع أحد أن يبعده عن تأدية واجبه، ولا تسيطر عليه عادة معينة، ولا يستطيع العالم أن يغريه بمفاتنه أو أن يجذبه إليه. أنه يعيش في الأرض كإنسان سماوي، وبعد أن كان عبداً للخطية صار كاهناً وملكاً. هو يعيش في الجسد ولكن يسلك في الروح ليسوع المسيح. وهذا ما جعل حتى إخوة المسيح بالجسد يفتخرون بأنهم عبيد له، ولم يفتخروا بكونهم أقرباء له بالجسد (يه1 + يع1:1). فبولس بعد أن ظهر له المسيح في الطريق شعر أنه صار مكرساً للمسيح يسوع من كل قلبه ونفسه وجسده. المدعو رسولاً= كأن لا فضل له في إيمانه ولا إرساليته بل هي دعوة من الله. وهو يسمي نفسه رسولاً مثل الإثني عشر. وتظهر أهمية هذه العبارة خصوصاً في الرسائل التي حاول أهلها ان يتنكروا لأحقية بولس الرسول في الخدمة وبهذا يشككوا في تعاليمه. وكان بولس مضطراً لأن يثبت أنه مرسل من الله لإثبات صدق تعاليمه لتثبيت المؤمنين.
المفرز لإنجيل= مفرز تعني بريسي بالآرامية ومنها فريسي (فريزي) أي مختار أو معين. أي أن بولس إنتقل من فريسيته اليهودية إلي فريسية أخري بنعمة الله، هي فريسية الإنجيل، أي أن الله إختاره وأفرزه لكي يبشر بالإنجيل. وكان الفريسيون اليهود مفروزون لدراسة الناموس، وكلمة فريسي تناظر دكتوراه في اللاهوت. وكان بولس أحد هؤلاء الفريسيين. والله بسابق علمه أفرزه وعينه للتبشير بالإنجيل. وكانت تلمذته لغمالائيل نوع من الإعداد، ولكن الله سبق وأفرزه من البطن (غل15:1 + أع2:13 + أر4:1 ،5) لإنجيل الله= إنجيل تعني بشارة مفرحة. وهنا يقول إنجيل الله. وفي مواضع أخري يقول إنجيل يسوع المسيح (رو9:1 إنجيل ابنه). فالله هو مصدر الخلاص بيسوع المسيح، جوهر الإنجيل أو جوهر البشارة المفرحة هي في مجيء الرب يسوع وفدائه للبشرية. الله قد سبق منذ القديم وأعد برنامج الخلاص المفرح للبشر الذي تحقق بمجيء المسيح له المجد.
والقديس إمبروسيوس لاحظ أن اسم المسيح في هذه الآية قد استخدمه الرسول قبل إسم الله في الترتيب، وإستخدم هذا في الرد علي آريوس أن الله والمسيح متساويان. وهذا يتضح أيضاً من كون أن الإنجيل هو إنجيل الله وإنجيل ابنه في نفس الوقت (آية1، آية9).
العدد 2:
آية (2): "الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة."
الكتاب المقدس موحى به من الله. وهذه الكرازة بالخلاص سبق الله فوعد بها في القديم بواسطة الأنبياء، فقبل أن يعمل الله أعمالاً عظيمة يسبق ويهيئ لها زماناً طويلاً، هذا بالإضافة إلي أن نبوات الأنبياء عن الخلاص بالمسيح تشير لأن هذا الخلاص هو خطة أزلية، وأن الله قد أعد خلاص البشر منذ الأزل. وبولس هنا يطمئن سامعيه أن إنجيله الذي يبشر به قد وضعت أساساته منذ البدء. وأن كرازة بولس لا تتعارض مع الكتاب المقدس لليهود بل هي تفسره وتشرحه.
العدد 3:
آية (3): "عن إبنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد."
عن إبنه= عن راجعة للآية السابقة، فوعود الأنبياء كانت عن المسيح ابنه. الذي صار من نسل داود= وقارن مع (رو3:8) لنرى سبق وجود الإبن قبل التجسد. ويلاحظ في كلمة إبنه انها في أصلها اليوناني مسبوقة بأداة تعريف، إشارة إلي بنوة المسيح الوحيدة الفريدة، التي بالطبيعة وليست بالتبني مثلنا. وهذا الإبن الأزلي الذي هو إبن الله صار إبناً للإنسان = من جهة الجسد= فالمسيح له بنوتان، بنوة لله وبنوة للإنسان هو إبن الله وإبن الإنسان. من نسل داود= فالعذراء مريم من نسل داود. وقيل عن المسيح أنه من ذرية داود (رؤ16:22).
صار= أخذ حالة جديدة علي حالته، إتحد لاهوته بناسوته كإتحاد الحديد بالنار، ولكن لاهوته لم يتأثر ولم يتحول إلي ناسوت، وناسوته كان ناسوتاً كاملاً، شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية وحدها. لقد إنتقل من حالة إبن الله غير المنظور (بلاهوته) إلي حالة إبن الله المنظور في الجسد. ولم يظهر للناس سوي أنه إنسان عادي. حينما أخذ جسداً أخفي لاهوته، ولكن لاهوته ظل كاملاً دون أن يزيد أو ينقص، فهو كامل مطلق لأنه الكل. ولكن بقيامته ظهر أنه إبن الله.

العدد 4:
آية (4): "وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات يسوع المسيح ربنا."
تَعَّينَ= أي ظهر ما كان مخفياً. هذه لا تعني أنه صار فيما بعد إبن الله. بل لقد ظهرت لنا بنوته لله بواسطة قوة فائقة للطبيعة ويشهد لهذه البنوة قيامته من الأموات. كلمة تعَّين تعني أتضح انه /ظهر/ شُهِدَ لهُ/ صدق علي أنه/ تبين أنه/ إعترف بأنه/ تحقق بأنه ابن الله.
بقوة= الإعلان عن بنوة المسيح لله وإثبات لاهوته جاء بقوة. فالقيامة كانت بقوة بالقيامة من الأموات= فالقيامة من الأموات والإنتصار علي الموت عمل قوي جداً. من جهة روح القداسة= روح القداسة ليس هو الروح القدس. فالروح القدس لم يكن هو الذي أقام المسيح، لأن المسيح كان لاهوته متحداً بناسوته، والذي أقامه هو لاهوته. ولماذا قال روح القداسة؟ هذا يعني أن سبب قيامة المسيح هو إنتصاره علي الخطية، إذ كان بلا خطية، فالخطية هي التي تأتي بالموت، ولأن المسيح كان بلا خطية "من منكم يبكتني علي خطية" ولأنه إنتصر علي إبليس في حروبه ولأنه قال "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ" لهذا انتصر علي الموت بسبب قداسته. المسيح كان وهو علي الأرض مخفياً لاهوته في ناسوته، ولم يظهر لاهوته إلا في أنتصاره علي الموت وعلي الجحيم الذي فتحه واخرج منه نفوس الأبرار. فقوله روح القداسة هذا يشير لأن الذي أقام المسيح لاهوته، ولكن ذلك راجع لقداسة المسيح بالجسد وكلمة تعيَّن هنا هي في مقابل كلمة صار في الآية السابقة.

العدد 5:
آية (5): "الذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم."لأجل إسمه= أي ما أخذنا فلنعمل به ونتاجر به لأجل مجد اسمه. وماذا أخذ بولس الرسول؟ نعمة ورسالة= نعمة (إرجع للمقدمة) ورسالة= أي إرساليته كرسول للأمم.
نعمة= هنا بولس يشير لعمل النعمة فيه التي حولته من مضطهد للكنيسة إلي مسيحي حصل علي الخلاص، بل وإلي رسول. إن الله دعاه ويداه ملوثتان بالدماء ليغير طبيعته فيصير في المسيح خليقة جديدة (2كو17:5). وعمله كرسول كان من أجل الأمم ليطيعوا الإيمان: لإطاعة الإيمان= نري بولس الذي يشعر بنعمة الله التي غيرته، يري أن الله قادر أن يغير الأمم أيضاً فيؤمنوا ويطيعوا الله. إطاعة الإيمان= تعني أننا يجب أن نتقبل قضايا الإيمان وحقائقه بكل خضوع، فحقائق الإيمان هي أمور موحى بها وليست للمناقشات العقلية، علينا ان نخضع الذهن لإعلانات الله بالصلاة في جميع الأمم= الرسالة هي لكل الأمم بلا إستثناء.

العدد 6:
آية (6):"الذين بينهم أنتم أيضاً مدعوو يسوع المسيح."
ومن بين هؤلاء الأمم فإنكم يا أهل رومية مدعوين لكي تكونوا من خاصة المسيح. ولا فضل لأحد في هذه الدعوة بل هي نعمة الله المجانية التي لو قبلها أحد لآمن بالمسيح. وهذه النعمة هي به ولأجل اسمه (آية 5).
العدد 7:
آية (7): "إلى جميع الموجودين في رومية أحباء الله مدعوين قديسين نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح."
مدعوين قديسين= المسيحية عند بولس هي قداسة، والإيمان بالمسيح هو تقديس، والمؤمنين بالمسيح قديسين، أي مفروزين عن العالم ليلتصقوا بالله، ويكونوا مخصصين له. وقد قبلوا روح الله ليعينهم علي ذلك، وعلي أن يحيوا بالتقوي والطهارة والقلب العابد. والقداسة هي سلم نصعد عليه فليس الكل قد وصل للكمال، بل القداسة درجات. وقوله مدعوين= إذاً هم مثله، فهو أيضاً مدعو (آية1). فهو يفتخر بخدمة أحباء الله المدعوين.
نعمة لكم وسلام= كلمة نعمة هي تحية اليونانيين وكلمة سلام هي تحية اليهود، فهو يكتب للإثنين. ولكن بمعني آخر فالنعمة هي عمل الروح القدس في المؤمن والذي نتيجته السلام، لذلك فالنعمة تسبق السلام رو 1:5 والنعمة هي أعمال رحمة الله عموماً، الفداء وإرسال الروح القدس، وكل الخير الذي أعطاه الله لنا، والخير الأعظم هو إرسال الروح القدس، ومن نعمة الله غفران خطايانا ومنحنا رتبة البنوة. ومن الله أبينا والرب يسوع المسيح= هذه تشير لتساوي الآب والإبن فالنعمة والسلام يصدران عن كليهما.
العدد 8:
آية (8): "أولاً أشكر الهي بيسوع المسيح من جهة جميعكم أن إيمانكم ينادى به في كل العالم."
الرسول يبدأ بالجانب الإيجابي ليشجعهم، فهو هنا يمدح إيمانهم قبل أن يبدأ الهجوم. وبولس لم يراهم، ولكنه فرح بنمو الكنيسة في كل مكان، لذلك علينا ان نصلي لنمو الكنيسة وإنتشار الإنجيل. ولنتعلم من بولس أن نبدأ دائما بالشكر علي ما يعطيه لنا الله، وما يعطيه من خير للآخرين كأنه أعطاه لنا. إلهي= جميل جداً أن يقول إلهي. هذه مثل "أنا لحبيبي وحبيبي لي" هو يشعر بالعلاقة الخاصة التي تربطه بالله، هو إلهي وقد إمتلكني، وأنا عبده الذي يشعر بمحبته فأسلم نفسي له كعبد لثقتي في محبته. والله يرد في المقابل ويقول أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.
بيسوع المسيح= فنحن غير مقبولين أمام الآب إلا بالمسيح موضع سروره. إيمانكم= هم لهم إيمان ولكننا سنري أن بولس يريد أن يصحح مفاهيمهم ويخلصهم من تعاليم الناموس. ولكن واضح أن إيمانهم ذاع وانتشر في كل العالم.
العدد 9:
آية (9): "فان الله الذي أعبده بروحي في إنجيل إبنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم."
أعبده بروحي= وقارن مع عبادتكم العقلية (رو1:12). وطالما نسمع هنا عن عبادة بالروح، فقطعاً توجد عبادة بالجسد. هذه هي عبادة الفروض والواجبات، هي ممارسات بدون قلب. كمن يصوم ويتباهي أمام الناس أو حتى أمام نفسه بأنه صام أكثر من الجميع، وهكذا في مطانياته وصلواته ولكن مثل هذا يُعِّرفْ شماله ما تفعله يمينه. وخطورة هذا النوع من العبادة أنه لو صادفت هذا الإنسان تجربة، سريعاً ما يلوم الله أنه سمح له بهذه التجربة، ولم يذكر له خدمته وعبادته وأصوامه وصلواته.. وهذه جربها بولس الرسول في يهوديته (فهذه طريقة الفريسيين في العبادة) ولم تشبعه ولم تعطه فرحاً وسلاماً.
أمّا العبادة بالروح، فهي عبادة يقودها الروح، هي عبادة في القلب، ولا تظهر أمام الناس، بلا مظاهر ولا إدعاء، بل في إنسحاق للقلب وخضوع لصوت الروح القدس، والروح القدس لا يجبر أحد علي شئ، بل هو يقنع الإنسان المؤمن إقناعاً عقلياً بكل ما سيقوم به في عبادته (لذلك فلقد سميت عبادة عقلية رو1:12) وبهذا تكون العبادة بحرية الإرادة أي بكامل حريتنا، وبإرادتنا، وبإختيارنا، من كل القلب وبكل رغبة وشوق ويضع الإنسان كل طاقاته الروحية والنفسية والجسدية في خدمة الله والروح يقود كل شئ، والإنسان يكرس كل شئ لله.
فمثلاً يفتح الروح عيني المؤمن علي صورة المسيح المصلوب، ويقنع المؤمن قائلاً هل تتمتع بالطعام اللذيذ والمسيح متألم، هنا يقدم الإنسان صوماً لا ليتباهي به بل ليشترك مع المسيح في ألمه، هنا يكون كأم رفضت أن تأكل لمرض إبنها، وذلك عن حب، ليس طمعاً في أجر ستحصله منه لذلك فمن يقدم هذا النوع من العبادة، لن يطالب الله حين وقوعه في تجربة، بأن يرفع عنه التجربة مذكراً الله بأعماله. فمن يعبد بالروح هو يقدم عبادته لله عن حب ليس طمعاً في اجر. ومثل هذا يتلذذ بعبادته وتشبعه عبادته، فالحب مشبع. وهكذا في الصلاة، فالإنسان يبدأ بأن يغصب نفسه (جهاد) تم تبدأ النعمة عملها فيتلذذ الإنسان بصلاته ولكن في مرحلة التغصب، يسمع المؤمن صوت الروح القدس، معلناً له حب المسيح له، لقد بذل المسيح لأجلك، أفلا تقف للصلاة وتفرح قلب الله بك. ولو إستجاب وإقتنع بصوت الروح القدس لوجد لذة في صلاته. فهل لو كان يتلذذ في صلواته سيطالب الله بأجر مع أن الله قد أعطاه هذه اللذة. لاحظ أن بولس الرسول في مسيحيته قد إختبر هذا النوع من العبادة، فإختبر الفرح والسلام الذي يفوق كل عقل. بل أن الروح القدس في هذا النوع من العبادة يعطي للمؤمن أن يشعر بمشاعر وأحاسيس حب الله فيبادله حباً بحب، وربما لا يجد كلمات يعبر بها عن هذا الحب الذي ملأ قلبه فيئن فقط (رو26:8). والعبادة بالروح لا تكون بالضرورة باللسان فقط، بل في شركة عميقة مع الله، هي شركة بلا إنقطاع تنفيذاً لقول الرسول "صلوا بلا إنقطاع" (1تس17:5). هي شركة في الإستيقاظ وهي في النوم "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش2:5) وهي في المنزل وفي الكنيسة، في العمل وفي الطريق.
ولكن من قصة إيليا (امل12:19،13) نسمع أن إيليا إستمع لصوت الله في الهدوء، فكيف نسمع صوت الله وسط ضجيج العالم. لابد لنا من وقفة هادئة في المخدع يومياً، في صلاة وفي تأمل للكتاب حتى نسمع صوت الروح القدس في داخلنا. وكيف نسمع صوت الروح القدس ونحن غارقين في الخطايا التي تغلق حواسنا الروحية، إنما لأنقياء القلب فقط إمكانية رؤية الله وسماع صوته (مت8:5) فلن نسمع صوت الروح في داخلنا ما لم نقدم توبة أولاً. وكيف نسمع صوت الروح القدس إن كنا في صلاتنا نتكلم طوال الوقت، لذلك علينا ان نصمت بعض الوقت لنعطي فرصة للروح القدس أن يتكلم. وحساسية أذاننا تزداد مع الوقت، وتضيع الحساسية إذا عاندنا صوت الروح القدس، وتزداد الحساسية حين نخضع لصوته. وإذا استمعنا لصوته يعطينا الإقناع العقلي. إذاً العبادة بالروح هي عبادة عقلية.
بلا إنقطاع أذكركم= الذي يصلي بالروح لا يهتم بنفسه بل هو مشغول بالآم وخلاص نفوس الآخرين، يشكر علي توبة فلان، ويبكي علي خطية فلان، لأنه سيهلك بسببها، ويصرخ لشفاء فلان، يطلب السلام للعالم المضطرب المتألم. مثل هذا سيتشبه بالله في إهتمامه بالناس.
في إنجيل إبنه= هذه العبادة بالروح تظهر أيضاً في كرازتي وخدمتي وتبشيري بإنجيل المسيح.
العدد 10:
آية (10): "متضرعاً دائماً في صلواتي عسى الآن أن يتيسر لي مرة بمشيئة الله أن آتي إليكم."
هو يشعر بالمسئولية تجاه روما، فهو خائف علي الكنيسة من التهود. ولكن لنتعلم أن ليس كل ما نريده يوافق مخططات الله.
العدد 10:
آية (10): "متضرعاً دائماً في صلواتي عسى الآن أن يتيسر لي مرة بمشيئة الله أن آتي إليكم."
هو يشعر بالمسئولية تجاه روما، فهو خائف علي الكنيسة من التهود. ولكن لنتعلم أن ليس كل ما نريده يوافق مخططات الله.

العدد 11:
آية (11): "لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم."
أمنحكم هبة= سؤال.. هل لو كان بطرس موجوداً في روما منذ 16 سنة وقد أسس كرسيها كما يقول الكاثوليك، هل كان يصح أن يقول بولس هذا وأين بطرس؟ ولماذا لا يمنحهم بطرس هذه الهبة؟. والهبة التي يريد بولس أن يمنحها هي هبة روحية= لأنها من عمل الروح القدس، وهي تثبيتهم في الإيمان الصحيح وإبعادهم عن التهود، وهي أيضاً البركة الرسولية.

العدد 11:
آية (11): "لأني مشتاق أن أراكم لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم."
أمنحكم هبة= سؤال.. هل لو كان بطرس موجوداً في روما منذ 16 سنة وقد أسس كرسيها كما يقول الكاثوليك، هل كان يصح أن يقول بولس هذا وأين بطرس؟ ولماذا لا يمنحهم بطرس هذه الهبة؟. والهبة التي يريد بولس أن يمنحها هي هبة روحية= لأنها من عمل الروح القدس، وهي تثبيتهم في الإيمان الصحيح وإبعادهم عن التهود، وهي أيضاً البركة الرسولية
العدد 12:
آية (12): "أي لنتعزى بينكم بالإيمان الذي فينا جميعا إيمانكم وإيماني."
نلاحظ هنا رقة وإتضاع بولس الرسول، فهو يظهر هنا إحتياجه لهم، وأنه سيتعزي بإيمانهم (فالمروِي هو أيضاً يروَي أم25:11) وهم سيتعزون أي يفرحون بإيمانه. ولكننا نلمح هنا أن الرسول يقول أن إيمانهم مختلف عن إيمانه، فإيمانهم إستلموه من مسيحيين من أصل يهودي ومتأثرين بيهوديتهم. لذلك ففي (15:1) يقول أنه مستعد لتبشيرهم أي تصحيح إيمانهم. فحتي الأمم منهم إستلموا الإيمان علي يد يهود، وهو يريد أن يصحح الإيمان ويلغي ما هو متهود فيه مثل لزوم الختان للخلاص.. الخ.

الرسول لا يريد الخدمة السهلة، بل هو يريد أن يذهب ليصحح لهم إيمانهم. ولنلاحظ أنه كثيراً ما نطلب طلبات جيدة، كما طلب الرسول هنا والله يؤجل الإستجابة لوقت مناسب يراه الله (هذا أسماه ملء الزمان) ثمر= حيثما يزداد الشر يريد الرسول أن يذهب ليكون له ثمر أي مؤمنين إيماناً صحيحاً، وهذا لكي تعلن قوة الإنجيل بالأكثر.

الرسول يشعر أن الله وكّله علي وكالة وأعطاه نعمة لأجل كل الأمم، وهو شعر بأن هذا دين في رقبته يود لو صفي حسابه معهم بأن يجعلهم يؤمنون. وهو شعر بأن هناك ديناً في رقبته:
1. فهو مقدِّر لعظمة ما أخذه من نعم.
2. لمحبته لكل الناس وإشتياقه لخلاصهم.
3. هو يشعر بأن ما أخذه لا يستحقه إذ يشعر ببشاعة ماضيه ومع كل هذا أخذ. لذلك شعر بنوع من الإلتزام نحو الذين لم يتذوقوا حريته التي في المسيح والمجد الذي أخذه. لذلك قال "إذ الضرورة موضوعة عليَّ فويل لي إن كنت لا أبشر" (1كو16:9). البرابرة= كان اليونانيين والرومان يعتقدون انهم هم الحكماء وباقي الناس برابرة.
عموماً فمن يتذوق يشعر بأنه يريد أن الكل يتذوق. بل يشعر بحزن إن حُرِمَ أحد من نعمة الله "من يعثر وأنا لا ألتهب، من يضعف وأنا لا أضعف".

ما هو لي: أي أنني مكلف بهذا، أن أكرز بالإنجيل بين الأمم، ما هو لي أي أن هذا هو عملي الذي خلقني الله لأجله. أنتم الذين في رومية= هو يريد ان يبشر في روما مركز الوثنية والخطية ومستعد لإحتمال أي ألم في سبيل ذلك. أيضاً= هو تعبير يشير لصعوبة التبشير في روما التي تمجد القوة، وهو سيذهب ليبشر بنجار مصلوب وهو موت العبيد الذين إرتكبوا أبشع الجرائم، قال أحد فلاسفة الرومان: "أتمني أن لا تخطر فكرة الصلب علي بال إنسان روماني شريف"
لتبشيركم= إذا فإيمانهم محتاج لمراجعة جذرية، بسبب التقاليد اليهودية التي دخلت لإيمانهم. ولشعوره بالدين نحوهم هو مستعد للذهاب إليهم.
العدد 16:
آية (16): "لأني لست استحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولاً ثم لليوناني."
لأنه قوة الله للخلاص= هو لا يخجل من إنجيل الله لأنه يشعر بقوة هذا الإنجيل. فالإنجيل ليس رسالة نظرية أو فلسفة فكرية تعليمية، إنما هو عمل إلهي جبار، وحركة حب إلهي لا تتوقف لتبلغ بالإنسان إلي شركة الأمجاد الإلهية. هو قوة يشعر بها بولس الرسول وسيشعر بها كل مؤمن. هو قوة مجالها خلاص الإنسان، قوة تعمل في الفكر والإرادة والنفس والشعور والجسد. بعظة واحدة من بطرس آمن 3000 لأن الكلمة لها قوة جبارة غيرت الدولة الرومانية نفسها للمسيحية. فالإنجيل قائم علي عملية تغيير كبري بواسطة المسيح، تعطي الخلاص وتهبه للذين يؤمنون بالمسيح. لليهودي أولاً= زمنياً فقط، فاليهود كانوا أسبق في إرتباطهم بالله. وقد أخذوا المواعيد بالخلاص وأئتمنوا علي ناموس الله أولاً. ولهذا فعليهم واجبات أكثر فلا محاباة، هم عليهم الإيمان بالمسيح أولاً ثم أن يبشروا هم الأمم ثم لليوناني: فالأمم أيضا مدعوين.
فيه معلن بر الله= هذا الإنجيل الذي أبشر به هو قوة الله للخلاص (آية 16) وكيف يخلص؟ بأن يجعل المؤمن باراً. وهل يستطيع كل مؤمن أن يصبح باراً؟ قطعاً فعمل نعمة الله التي تبرر عمل قوي جداً جداً. الله يعطي للمؤمن المعمد والممسوح بزيت الميرون، أن يحل عليه الروح القدس الذي له قوة جبارة في تغيير حياة المؤمن، من حياة الخطية إلي حياة البر، وتغيير شاول الطرسوسي نفسه إلي بولس الرسول خير شاهد لذلك (راجع معني التبرير في المقدمة). ولنفهم أنه علينا أن نغصب أنفسنا كمؤمنين لنفعل البر (جهاد إيجابي) والنعمة تعطينا أن نتلذذ ونتعزي بعمل البر. ولاحظ أننا نصير أبراراً بحياة المسيح فينا. ولاحظ أن بر الناموس كان "إعمل فتحيا" أمّا في المسيحية فالتبرير يبدأ بالإيمان بالمسيح فلا بر خارج عن الإيمان بالمسيح. ثم يأتي دور المعمودية التي فيها نموت ونقوم مع المسيح بحياته. ويأتي بعد ذلك دور حلول الروح القدس الذي يثبتنا في المسيح، وبقدر ما نثبت في المسيح ننمو في البر. ونحن نثبت في المسيح بقدر ما نصلب أنفسنا مع المسيح ونجاهد (جهاد سلبي وجهاد إيجابي) لذلك فمدخل التبرير في المسيحية هو الإيمان معلن بر الله بإيمان. بإيمان لإيمان= الإيمان ينمو ويزداد (2تس3:1+ لو5:17). والله قسم لكل منا قدر من الإيمان (رو3:12) ونحن أمّا ننمي هذا القدر أو ننقصه وكل إيمان نبلغه يعبِّر عن مستوانا الروحي الذي وصلنا إليه، وطوبي للجياع والعطاش إلي البر .. (مت6:5). مثل هؤلاء ينمو باستمرار مستواهم الروحي وبالتالي ينمو إيمانهم من إيمان لإيمان أعمق وأعلي وهذا متوقف علي جهادنا (سلبي وإيجابي) وعلي خضوعنا وتسليمنا الحياة بين يدي الله بشكر وبلا تذمر، بهذا ينمو الإيمان، بل ننمو في المجد، ومن مجد إلي مجد (2كو18:3). وقطعاً فكلما نزداد في درجتنا الإيمانية سنزداد في عمل البر وحياة البر. ولاحظ أن الإيمان هو ثمرة للإمتلاء من الروح القدس (غل22:5، 23) والإمتلاء من الروح يأتي بالجهاد (راجع المقدمة).
تأمل:- في الآية كما قصدها حبقوق وبنفس مفهومه، فمن يقع في تجربة الآن. عليه أن ينظر لله بإيمان بأن الله سيرحمه ويتحنن عليه، ويحول الضيقة لخيره فهو صانع خيرات. وهذا عكس من يخاصم الله وقت التجربة. في هذه الآية نجد أن المؤمن ينمو بإستمرار في بر المسيح، ولكن هذا لا يعني أننا نصير بلا خطية، فطالما نحن في الجسد فنحن معرضون لأن نخطئ ولكن التوبة والإعتراف يغفران الخطية.
العدد 18:
آية (18): "لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم."
لأن: هذه تعني أن هذه الآية متعلقة بما قبلها. والمعني ان خطايا الناس أغضبت الله= غضب الله معلن من السماء= لذلك كان هذا التبرير بالإيمان ضرورياً. هذا الغضب ظهر ضد كل من لا يسلك في صلاح ووقار من نحو الله. وضد من خالف الناموس الطبيعي الأخلاقي ولكل من تنكر للحق وضل وراء العبادة الوثنية وحياتها وممارساتها الفاجرة. وبولس هنا يرسم في الآيات التالية صورة للعالم بدون بر الله أي بدون المسيح، والإنحدار الذي وصلت إليه البشرية مما إستوجب غضب الله. وكانت البشرية بحالها هذا تستحق الإفناء كما حدث في الطوفان، ولكن الله وعد نوح بأنه لا يكرر الطوفان إذ هو يريد حياة العالم. والرسول بدأ بشرور الأمم في هذا الإصحاح قبل أن يذكر شرور اليهود حتى لا يُتهَم بأنه معادي لليهود.

إنهم يحجزون الحقيقة بسبب إنكارهم لله وعبادتهم الفاجرة للأوثان فهل لهم أن يعتذروا بأنه لم يكن لهم ناموس؟ الإجابة لا عذر لهم.
لأن المعرفة الحقيقية عن الله يستطيع العقل البشري أن يتوصل لها. فالله أعد عقول البشر ليهتدوا إليه، الله غرس بذرة الإيمان في كل إنسان. والله أعطي أيضاً لكل إنسان ضمير يعرف به الحق (رو14:2،15). فمجرد التأمل في خلقة الإنسان أو العالم أو الكون يثبت ضرورة وجود هذا الإله. وكثيرون من الفلاسفة شعروا بهذا وقالوا أن الإوثان خرافة وانه لابد أن يكون هناك إله وراء هذه الطبيعة ينبغي أن نعبده. وهذا الشعور بوجود إله ندركه من خلال أعماله هو ما يميز الإنسان عن الحيوان. ولاحظ قبول الأطفال لله ومحبتهم له وتصديقهم للحقائق الإلهية. إذاً إن كان الله قد أعطي لليهود ناموس موسي، فهو أعلن عن نفسه للوثنيين خلال الطبيعة المنظورة (مز1:19) فالله لا يبقي نفسه بلا شاهد.
العدد 20:
آية (20): "لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر."أموره غير المنظورة= invisible nature أي قدراته الإلهية. فالله أظهر قوته في خليقته التي صنعها من أجل محبته لنا. لكن تظل طبيعته الإلهية غير منظورة للإنسان، ولا يمكن بعيوننا الجسدية أن ندرك كماله، ولكن يمكن ان ندركه من خلال أعماله: المصنوعات السرمدية= أزلية أبدية، أي بلا بداية ولا نهاية، والمعني ان الله لم يخلقه أحد، هو واجب الوجود، هو القوة وراء كل المخلوقات والمصنوعات حتي أنهم بلا عذر= هذه عن الوثنيين. وهم بلا عذر لأنه إذا كان يمكن إدراك الله بعقولنا فلا عذر لهم ولا لأي إنسان يُنكر وجود الله. ونلاحظ أن بولس الرسول كرر هذه القول بالنسبة لليهود في الإصحاح الثاني، فلا عذر للوثنيين ولا عذر لليهود. لا عذر للوثنيين الذين عبدوا المخلوق وتركوا الخالق، ولا عذر لليهود الذين أخطأوا في حق الله. وكم وكم نحن بلا عذر نحن المسيحيين ونحن هياكل للروح القدس.
العدد 21:
آية (21): "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وإظلم قلبهم الغبي."
… والآن هناك من يمجد المال والشهوات.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى