تفسير رسالة رومية - الأصحاح 6 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1- 2:
الآيات (1،2): "فماذا نقول أنبقى في الخطية لكي تكثر النعمة. حاشا نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها."
سبق بولس وقال أنه حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً. وربما أثار هذا القول بعض الناس فتساءلوا أنبقي في الخطية لكي تكثر النعمة والإجابة حاشا= أي لا يجب أن ننطق بهذه الأقوال التي لا ترضي الله. هذا سؤال من لا يعرف الثمن الذي دُفِعَ لتزداد النعمة ألا وهو دم المسيح. وهو سؤال يدل علي عدم فهم لما حدث علي الصليب. فالمسيح لم يمت لأجل خطيته فهو بار بلا خطية، بل هو مات بجسد البشرية كلها، وأنا واحد من هذه البشرية، فهو مات من أجلي. فصار موته موتي= نحن الذين متنا والذي مات هو الإنسان العتيق. ومن يعتمد فهو يموت مع المسيح فتموت خطيته. فالمعمودية أماتت الخطية فينا وأعطتنا أن نكون خليقة جديدة. ولكي تظل الخطية ميتة، علينا أن نستمر في الجهاد بأن نقف أمام الخطية كأموات. المسيح مات بجسد بشريتنا، وأنا أشترك مع المسيح في موته بالمعمودية. وقوة هذا الموت تعمل فينا:
1. بالإيمان.
2. بالمعمودية.
3. بإرادتنا بأن نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية (رو11:6) وبهذا تظهر حياة يسوع فينا (2كو11:4،12).
وبقوة هذا الموت تموت الخطية في أعضائنا بقوة الروح الذي فينا (كو5:3 + رو13:8). هذا ما عناه بولس الرسول حيث قال مع المسيح صلبت (غل20:2). وفي (غل24:5) نري العمل الإرادي للإنسان بوضوح " ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات"… هؤلاء نجد فيهم ثمر الروح (غل22:5،23) ومن ثمر الروح.. النعمة. لذلك يقول بولس الرسول "أقمع جسدي وأستعبده". ولكن من يعود بإرادته ويعيش في الخطية يثور فيه جسد الخطية مرة ثانية وبقوة. وكل إنسان حر في أن يختار، إذا إختار أن يموت مع المسيح ويحسب نفسه مصلوباً عن عالم الخطية سيجد قوة تعمل في داخله هي قوة موت المسيح، ويجد أن الخطية تضمحل في أعضائه وإذا إختار أن يعيش للخطية لن يختبر هذه القوة بل سيشعر أن الخطية تسود عليه بقوة وتقهره.
فالنعمة هي عمل الروح القدس، والروح القدس يملأ من صلب جسده وهناك سلمَّ قانوني سار عليه المسيح وينبغي أن نسير عليه نحن أيضاً فالروح القدس حلَّ على الكنيسة بعد الصعود. والصعود أتي بعد القيامة والقيامة أتت بعد الموت.. والموت أتي بعد الصلب.
وهذا ما هو مطلوب منا.. فلكي نتذوق الحياة السماوية (الصعود) ينبغي أن نقوم مع المسيح، أي يحيا المسيح فيَّ، أي أحيا بحياة المسيح القائم من الأموات (قيامة) وليتم هذا يجب أن أقف كميت أمام الخطية (الموت) وهذا بأن أحكم علي جسدي بالصلب عن أهوائه وشهواته، هذا معني "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2)، والسيد المسيح يقول "من أراد أن يبني برجاً فليحسب حساب النفقة" والبرج هو أن نحيا حياة سماوية. والنفقة هي جسد مائت مصلوب. ونلاحظ أن المسيح عاش علي الأرض مختبراً حياة الموت، ومن أراد أن يكون له تلميذاً فليحمل صليبه ويتبعه في ممارسة الموت الإختياري. ولقد قبل المسيح المعمودية رمزاً لموته قبل أن يموت علي الصليب، وكان هذا علامة لقبوله الموت بإرادته. وهذا هو معني أن تزهر عصا هرون الميتة. وهذا معني "من أحب نفسه يهلكها". والمرأة التي سكبت الطيب (مر3:14-9). قال عنها المسيح أن عملها هذا سيكون كرازة، لأن الكرازة هي أن يسكب الإنسان نفسه حتى الموت لأجل المسيح. العالم يري أن هذا إتلاف، ولكن الله يستحق أن أترك لأجله كل شئ.
ونلاحظ أن الرسول تكلم من قبل عن بنوتنا لإبراهيم، وهنا يرفعنا لدرجة أعلي هي البنوة لله في المعمودية ليعيش الكل كأبناء لله (أمم ويهود) في جدة الحياة أي الحياة الجديدة المقامة مع المسيح. فنحن بالمعمودية نموت مع المسيح (عن الخطية) ثم نقوم بحياة المسيح (المسيح يحيا فيَّ) يعطيني بره، فأحيا لأصنع براً. وتكون أجسادنا آلات بر. وقوة قيامة المسيح تعمل فيَّ لأصنع البر. هذا هو مفهوم الحرية، أي ممارسة الحياة المقدسة بالنعمة الإلهية، بروح البنوة لله.
ولكن هل يوجد إنسان بلا خطية، نقول لا. فكل منا له خطاياه (1يو8:1،10) لكن أولاد الله يسقطون عن ضعف ويقومون سريعاً مقدمين توبة، يقومون سريعاً كمن هم غرباء عن هذا العمل، ولا يطيقون أن يحيوا في الخطية.
العدد 3- 4:
الآيات (3،4): "أم تجهلون أننا كل من إعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة."
إعتمد ليسوع المسيح= هي في أصلها إعتمد في يسوع المسيح إعتمدنا لموته= إعتمدنا في موته. صرنا بالمعمودية مشتركين في صليب موته. (هذه تشبه جنين في بطن أمه، لو ماتت الأم يموت الجنين معها) فبالمعمودية أصير في المسيح. وبطن الأم هنا هي المعمودية التي فيها نموت مع المسيح.
إنساننا العتيق قد صلب ومات كما صلب المسيح علي الصليب ومات. المسيح مات ودفن بالجسد، أما نحن فنموت بالنسبة للخطية. فجوهرنا لا يموت، بل إنسان الخطية أي الشر هو الذي يموت. فأنا مت مع المسيح وفيه بجسد الخطية ثم قمت معه. فلا ينسب للمسيح موت دون قيامة فهو القيامة. بمجد الآب= أي أن بالقيامة ظهر مجد الآب وتحققت كل مواعيد الله ونراها الآن بالإيمان. جدة الحياة= أي الحياة الجديدة. نقوم مع المسيح في حياة جديدة فاضلة ونوجه سلوكنا بما يتفق وهذه الحياة الجديدة. هي حياة بإمكانيات جديدة، هي حياة المسيح القائم من الأموات. جدة الحياة هذه في مقابل حالة الموت التي كنا نحياها كخطاة. وجدة الحياة تعني حياة تتجدد ولا تشيخ. هي حياة لها قوانين جديدة وأهداف جديدة ومبادئ جديدة وأصدقاء جدد. ولاحظ قوله فدفنا معه بالمعمودية فالدفن في المعمودية يشير لأهمية عقيدة التغطيس في المعمودية.
العدد 5:
آية (5): "لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته "
متحدين معه= المعمودية هي فرصة الإتحاد الحقيقي مع المسيح بشبه موته= لأن المسيح مات بالجسد، أما نحن فنموت عن الخطية، الذي يموت فينا هو الإنسان العتيق. إذاً طريق حياتنا صعب فهو طريق موت. لكنه مبهج، فهو أيضاً طريق قيامة. الخطية تموت والبر يعيش ويقوم ونحيا في حياة سماوية (أف6:2) الإنسان القديم ينتهي والجديد السماوي يعيش. إننا نقوم في هذه الحياة الجديدة لنحيا بحياة المسيح القائم من بين الأموات فنحن إتحدنا معه في موته وفي قيامته، فالحياة التي فيَّ هي حياته المقامة من بين الأموات. ومن يسمع صوته الآن ويتوب يقوم من موت الخطية وهذه هي القيامة الأولي، ومن يعيشها تكون له القيامة الثانية أي يقوم من بين الأموات لحياة أبدية في مجد الله في المجيء الثاني (يو24:5-29). إذاً إن كنا قد إتحدنا معه بالمعمودية التي تشبه موته، فإنه كنتيجة طبيعية لذلك سنصبح أيضاً واحداً معه، مع المسيح، متحدين معه بقيامته، علي أساس أن نظل أمواتاً عن الخطايا، فنظل ثابتين فيه. ونلاحظ أن هناك نوعين من الموت:
[1] الموت [2] الإماتة
الموت:- هو عمل المسيح فينا بدفن خطايانا السابقة. وهذا هو هبة منه.
الإماتة:- فلكي نبقي أمواتاً عن الخطية بعد المعمودية يلزمنا الجهاد حتى الدم (عب4:12). ويكون الجهاد موضع إهتمامنا حتى يعيننا الله (كو5:3 + رو11:6). ونلاحظ أنه لم يقل نصير بشبه قيامته. بل نصير أيضاً بقيامته فهو قدم لنا عربون القيامة المقبلة خلال حياتنا الزمنية. هذه هي القيامة الأولي جدة الحياة. إن كان السيد المسيح يهبنا أن نموت معه في المعمودية، إنما ليقدم لنا إمكانية السلوك هكذا، والجهاد كل أيام غربتنا حتى لا نفقد نعمة المعمودية أو ثمرها فينا. فإن المعمودية لا يقف سلطانها عند حد محو خطايانا السالفة، بل تهبنا أماناً من جهة المعاصي اللاحقة، لكن هذا يحتاج لإظهار تغيير النية (إماتة عن الخطايا، وتجديد للذهن) فالمعمودية موت وقيامة بحياة جديدة.
العدد 6:
آية (6): "عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية."
ليبطل جسد الخطية= أي شرور الإنسان. ولا يقصد الجسد لذلك قال كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية = ولم يقل نستعبد للجسد فالجسد ليس عنصر ظلمة يجب الخلاص منه ومقاومته فهو من صنع الله الصالح، إنما نحن أفسدناه بإنحراف الأحاسيس والعواطف. وعندما تنزع هذه الأعمال المسببة للموت يظهر الجسد في أمان. وليس الجسد هو الذي يصلب مع المسيح بل السلوك الأخلاقي، أو الطبيعة الفاسدة التي طرأت عليه وأحاسيس الخطية. ولنلاحظ أن شريكنا في الطريق هو المسيح الذي نموت معه، فيعطينا حياة معه ويهبنا قوة وغلبة ونصرة وفكر جديد وتسبحة جديدة. وإذ يموت جسد الخطية فنتحرر من الخطية التي كانت مالكة علينا. ويقوم إنسان جديد يمجد الله، كبذرة زرعت لتخرج شجرة جميلة.
الإنسان العتيق وجسد الخطية = هو الطبيعة الشريرة التي ولدنا بها من بطون أمهاتنا، قبل الإيمان والمعمودية. ولما مات العتيق ما عاد قادراً أن يستعمل أعضاء الجسد الخارجي كآلات إثم = ولا نعود نستعبد أيضاً للخطية.

العدد 7:
آية (7): "لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية."
هذه تعني
1. بالموت تسقط الخطية عن المتهم.
2. بالموت تمت عقوبة الناموس فينا.
3. مات الإنسان العتيق وما عاد قادراً أن يستعمل الأعضاء كآلات إثم. بل صار الجديد يستعملها كآلات بر.
إذاً بالمعمودية يموت الإنسان مع المسيح وبهذا فهو تقبل حكم الموت عن خطاياه. ويقوم مع المسيح متحصلاً علي حكم البراءة من خطاياه (رو25:4) والذي مات يكف عن أن يخطئ ولا يتعرض لسلطان الخطية. بهذا الموت تنقطع الصلة بين الإنسان والخطية، إلا إذا شاء الإنسان من جديد أن يعود بجسده إلي ما كان عليه أولاً، أي يعود به إلي عبودية الخطية.
العدد 8:
آية (8): "فان كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه."
خاف بولس أن يستثقل المؤمن الطريق لأنه موت مع المسيح، لذلك يوضح أن موتنا عن الخطية ليس حرماناً أو خسارة بل ممارسة لقوة الغلبة والنصرة التي لنا بالمسيح غالب الخطية والموت. هي حياة سنحياها في نصرة مع المسيح. نحن قمنا معه بإستحقاق بره وقداسته. وأخذنا حياة من حياته، بهذه الحياة ننال الفرح هنا وحياة أبدية هناك.

العدد 9:
آية (9): "عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضاً لا يسود عليه الموت بعد."
المسيح هزم الموت وألغي سلطانه وهو الآن في مجد أبيه وقد أعطانا حياته نحيا بها بالإيمان، ومعني كلام الرسول أنه لو أردنا أن نحيا للمسيح ولا نعود للخطية فهذا ممكن، ولا يكون للخطية سلطان علينا ما دمنا معه. ومع أن الخطية عنيفة جداً إلا أن المسيح هدم سلطانها، فلا نخاف أن نسير معه في الطريق. والآية تعني أنه مادام المسيح لن يعود للموت بعد أن قام، هكذا لا يصح أن نعود للخطية بعد أن قمنا معه وصرنا نحيا بحياة المسيح، فلماذا نحكم علي إنساننا الداخلي الجديد بالموت مع أنه يحيا بحياة المسيح. والآية تعني أن الحياة التي حصلنا عليها بالمعمودية هي حياة أبدية، فحياة المسيح هي حياة أبدية، فهو لن يموت ثانية. ونحن حتى وإن متنا بالجسد فسنعود ونقوم بهذه الحياة الأبدية التي أخذناها وهذا معنى "من آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو25:11).

العدد 10:
آية (10): "لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله "
ماته للخطية= لم يمت المسيح عن ضعف خاص به إنما بسبب خطايانا، لكي يحطم خطايانا ويبدد قوتها ويحل سلطان الخطية فلا يعود لها علينا سلطان ما دمنا في إتحاد معه. وهو مات مرة واحدة ولم يسد عليه الموت بعد. والحياة التي يحياها فيحياها لله = بعد أن قام صار يحيا حياته لكي يمجد الله بأن يهب نفوس البشر حياة مقدسة، يعطينا حياته وبره وبهما نمجد الله. يهبنا الموت عن الخطية والحياة للآب كأبناء له. والرسول يريد أن يقول… إن كنا قد حصلنا علي حكم براءة أبدية فبأي منطق نعود للخطية ثانية، هذا يكون كمن يعود للقبر بعد أن قام حياً.
العدد 10:
آية (10): "لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله "
ماته للخطية= لم يمت المسيح عن ضعف خاص به إنما بسبب خطايانا، لكي يحطم خطايانا ويبدد قوتها ويحل سلطان الخطية فلا يعود لها علينا سلطان ما دمنا في إتحاد معه. وهو مات مرة واحدة ولم يسد عليه الموت بعد. والحياة التي يحياها فيحياها لله = بعد أن قام صار يحيا حياته لكي يمجد الله بأن يهب نفوس البشر حياة مقدسة، يعطينا حياته وبره وبهما نمجد الله. يهبنا الموت عن الخطية والحياة للآب كأبناء له. والرسول يريد أن يقول… إن كنا قد حصلنا علي حكم براءة أبدية فبأي منطق نعود للخطية ثانية، هذا يكون كمن يعود للقبر بعد أن قام حياً.
العدد 11- 14:
الآيات (11-14): "كذلك أنتم أيضاً أحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا. إذاً لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته. ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله. فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة."
نري فيها مفهوم التكريس الحقيقي. فيها يشرح الرسول أننا يجب أن نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية وأحياء لله في المسيح. إن كان المسيح مات عنا ليبطل لنا سلطان الخطية فإنه لا يليق بنا إلاّ أن نُسَلِّم القلب عرشاً له. إذاً لنمت عن الخطية فلا تملك علينا بعد ولنحيا لله بالمسيح يسوع الذي يملك فينا ويقيم مملكة داخل قلوبنا، مقدمين كل أعضاء جسدنا وكل طاقاتنا لحساب ملكوته كآلات بر بعد أن كانت خاضعة للشهوات كآلات إثم للخطية.
آية 11: أمواتاً عن الخطية= المعني أن تحكم علي نفسك بأنك إنسان ميت أمام الخطية وبلا خوف فلم يعد لها سلطان علينا، بل لقد تبرأنا منها، تبرأنا بما تبنا وإعترفنا عنه. وبعد ذلك نقطع كل صلة لنا بها. وأحياء لله= كما أن المسيح يحيا لله (آية10) هكذا يجب عليكم أن تعيشوا متحدين بالمسيح، بحياة جديدة. بالمسيح يسوع ربنا= فبدونه لا نقدر أن نعمل شيئاً (يو5:15) فلا يمكن أن نحيا لله بدون المسيح، وفيه نتراءى أمام الله ونعيش أمام الله.
آية 12: وعلي ذلك فلا يجب أن تتسلط الخطية وتملك علي جسدكم الذي مات عن الخطية. أي لا يجب أن نطيعها منجذبين ومندفعين بشهوات هذا الجسد. ومن يفعل ويقرر أن لا يندفع وراء شهواته سيجد أن النعمة تعينه فالروح القدس يجعل الشهوات تهدأ والجسد يكون كميت أمامها. ولكن لو عاد الإنسان وتهاون وبدأ يداعب الخطية تستيقظ حالاً شهواته، فالإنسان كان وسيظل حراً. إذاً خذوا قراركم وإستعملوا القوة والسلطان الذي يعطيه الروح القدس، ولو سقطتم سارعوا بالتوبة. ولاحظ أنه قال لا تملكن الخطية= ولم يقل لا تدعها توجد هناك، فهي موجودة بالفعل، مادمنا نحمل جسداً قابلاً للموت فستحاربنا الخطية. ولكن ليتك لا تملكها. هي فقدت قدرتها علي أن تملك، فلا تُمَلكِّهْا أنت فلو بدأت تطيعها ستملك. كأن عبداً قد تحرر بثمن باهظ فنقول له لا تعود تستعبد لأحد ثانية فهو الآن حر لا سيد له. ومن الذي تملك عليه الخطية؟ هو من يجري وراء شهوات العالم فيحيي الإنسان العتيق فتملك عليه الخطية. كثعبان متجمد من الثلج، لو أدفأته في جيبي، فأول ما سيستيقظ يلذعني فأتسمم وأموت. هذا الثعبان المتجمد هو الخطية التي قتلتها النعمة.
آية 13: أعضاءكم: هي الرجل واليد والعين.. والفهم والذكاء والإرادة بل وكل الملكات الجسدية والنفسية والروحية. فلا تقدموها كآلات ووسائل للإثم، حتى لا تحاربكم الخطية وتنتصر عليكم بواسطة هذه الأعضاء. فلنحذر أن نخضع أي حاسة من حواسنا الجسدانية للخطية… مثال:-
لو غضبت لا تحرك لسانك بالشتيمة ولا يدك للضرب، فحينما لا يكون هناك آلات للخطية ستتلاشي الخطية يوماً فيوم.
والرسول لا يكتفي بمجرد التحذير من الوقوع في الخطية، ولكنه يضيف ناحية إيجابية في حياتنا الروحية. فعلي المؤمنين ليس فقط أن ينقطعوا عن الشر بل يقدموا ذواتهم أي كيانهم كله كتقدمة مكرسة لله. وهو قبل أن يطلب تقديم أعضاءنا آلات بر لله يطالبنا بتقديم ذواتنا كأحياء من الأموات. قد حصلنا علي حياة جديدة مقدسة. بمعني أنه لن تتقدس أعضاءنا الجسدية ما لم يتقدس كياننا ككل، ونقبل أن نكون كالمسيح أحياء لله آية10 أي نحيا لمجد الله. ثم نكرس كل عضو من أعضاء جسدنا لله لكي تكون آلات فضيلة، تستخدم في إظهار مجد الله. وذلك بممارسة الأعمال الفاضلة. وهذا معني أن الروح يبكت علي خطية (تموت أعضائنا عن الخطية) ثم علي بر (نصنع براً). والرسول هنا يؤكد أن الدعوة للموت مع المسيح ليست هي دعوة لتحطيم كيان الجسد بل تقديسه [اليد عوضاً أن أستعملها في الضرب والسرقة (آلات إثم) تموت عن الخطية فلا تمارس هذه الأعمال ثم أستخدمها (كآلات بر) في الصلاة ومساعدة المحتاج، وخدمة الله] فالإنسان العتيق هو الذي يُصْلَب لا أعضاء الجسد. والدعوة للموت مع المسيح ليست دعوة سلبية للخسارة والتبديد، إنما هي دعوة إيجابية للربح. فالموت هنا هو ربح إذ فيه تمتع بالمعية مع المسيح المصلوب القائم من الأموات القادر أن يقيم أعضائنا كآلات بر واهباً إياها تقديساً من عندياته. نحن قد تسلمنا من آدم جسداً إنفتحت حواسه وأعضاؤه وملكاته (فكره وإرادته…) علي الشيطان (ولكنها غير مجبرة علي الخضوع له). أما المسيح فجاء ليميت فينا هذه الطبيعة المجروحة المفتوحة علي الشيطان. وأمات الخطية في الجسد ففقدت الخطية تسلطها علي أعضاء الإنسان، وحرر المسيح أعضائنا وجعلها مفتوحة علي الله لتسمعه وتراه.
آية 14: وأنتم تستطيعون أن تبلغوا هذه الدرجة من الحياة الروحية لأن الخطية لا سلطان لها عليكم= لن تسودكم (لن تتملك عليكم) لأن النعمة سوف تدينها (رو3:8). لأنكم لستم بعد تحت سلطان الناموس. الذي كان عمله أن يفصل بين الخير والشر دون أن يهب القوة علي بلوغ حياة البر. لكنكم الآن أعضاء في مملكة البر، غُفِرَتْ لكم خطاياكم السابقة وأصبحتم بواسطة هذه النعمة قادرين علي السير بأمان في طريق القداسة والفضيلة، وهذا يؤكد علي الإمكانيات الجديدة التي صارت لنا خلال النعمة التي تعمل فينا في مياه المعمودية كما في جهادنا اليومي. الإمكانيات الواهبة للغلبة.
تحت النعمة: النعمة هي قوة عاملة فينا تميت فينا محبة الخطية. وهي من عناية الله ورعايته وتدبيره ليقود الإنسان لميراثه الأبدي. ولو خضع الإنسان لتيار النعمة لا تعود الخطية تسود عليه. فالنعمة هنا هي قوة الله السرية الخفية التي تسكن أعضاء الإنسان العائش تحت خضوع النعمة والذي يضبط شهواته ويميت أعضاءه عن الشهوات الخاطئة (رو1:12). والروح القدس يعطي لمن يريد قوة وإقناع (أر7:20) لترك الخطية والحياة في بر (إقناع أولاً ثم قوة للعمل ثانياً (رو26:8).

العدد 15:
آية (15): "فماذا إذا أنخطئ لأننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة حاشا."
أيكون بعد كل ما قيل أن نفهم الحرية في المسيح أنها عودة للخطية. إذا أخطأ إنسان وقال أنا حر فهو بالحقيقة مستعبد للخطية، الحرية الحقيقية هي عبودية لله وفيها يجد الإنسان أن قوة تسانده ليفعل البر، هي عبودية الحب الإختياري وليس عبودية العنف الإلزامي. ولنلاحظ أن النعمة والخطية لا يجتمعان، فلا يقدر أحد أن يخدم سيدين (مت24:6 + يو34:8،36). هناك من أساء فهم ناموس النعمة والحرية وقال نخطئ لأننا أحراراً، ولكن هذا كمن يستغل كرم صديقه بالخيانة والإساءة إليه، فداء المسيح حررني، وعليَّ أن لا أستعبد للخطية ثانية (يو36:8).
العدد 16:
آية (16): "ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة انتم عبيد للذي تطيعونه إما للخطية للموت أو للطاعة للبر."
من نوجه حياتنا وذواتنا له نكون عبيداً له ونلتزم بطاعته فلا يوجد سوي سيد واحد. والله كسيد يبرر ويعطي حياة لو أطعنا. أمّا الخطية كسيد فتقود للموت. وبحسب ما رأيناه في مقدمة الإصحاح فالإنسان الداخلي هو الذي يقود الأعضاء الخارجية. ونحن أحرار في أن نجعل أحدهما ينمو والآخر يضمحل أو العكس. ومن هو فيهما القوي سيقود الأعضاء الخارجية. فلو جعلت الإنسان الجديد ينمو، هذا الذي حصلت عليه في المعمودية، فهو سيقود الإنسان الخارجي لطاعة الله وليتبرر. ولو قاد الإنسان العتيق الإنسان الخارجي لقاده للخطية والموت. ولنلاحظ أن هناك من يستعبد لشهواته الخاطئة، وهناك من يستعبد للبر مثال خادم صحته منهكة ولكن مُصِـّرْ علي الخدمة، ولا يستطيع ترك خدمته، أو مريض مُصِـّرْ علي الصيام، ويجد لذته فيه.
العدد 17:
آية (17): "فشكرا لله أنكم كنتم عبيدا للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها."
أطعتم من القلب= الحرية التي نمارسها ليس عن قوة أو إضطرار إنما تمارس خلال الحب بكمال إرادتنا. صورة = كلمة تفيد طبعة أصيلة للتعليم.
العدد 18:
آية (18): "وإذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيداً للبر."
إذ تحرروا من الخطية إرتبطوا بالبر، لا يستطيعون إلا أن يعملوا البر كأنهم عبيد للبر، ويجدوا لذتهم في ذلك. فالحرية في المسيح هي عبودية للبر.
العدد 19:
آية (19): "أتكلم إنسانياً من أجل ضعف جسدكم لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيدا للنجاسة والإثم للاثم هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيداً للبر للقداسة"
أتكلم إنسانياً= أكلمكم بحسب ضعف طبيعتكم التي لازالت جسدية لدرجة أنكم تتكلمون وتعتقدون أن عمل الفضيلة كما لو كان فيه عبودية عِلماً بأن عبودية البر هي في حقيقتها حرية للجسد والروح. فلأنكم لم تنموا بعد في النعمة قد تتصورون أن المسيح أو الكنيسة تريد أن تستعبدكم. وهذا يحدث مع المبتدئين روحياً، فلو قلنا لشاب أن هناك يوم روحي نقضيه في الصلوات والاجتماعات فسيعترض من كثرتها ولكن نقول له بلغته، ليكن، أنت تتصور أن هذه الصلوات والاجتماعات فيها عبودية، ولكنها عبودية للبر، وإذا مارس هذه مرة بعد مرة سيكتشف لذة طريق الله وأنها ليست عبودية بل هي تنمي الإنسان الداخلي فيحيا في السماويات. وهناك من يعترض ويقول أن الكنيسة تستعبدنا بكثرة صلواتها وأصوامها. فنرد عليهم قائلين "موافقين… ولكن أيهما أفضل أن تستعبدك الكنيسة بأصوامها وصلواتها، أم تُستَعبد للخطية بفضائحها، لكن عليك أن تعلم أنك لو إستعبدت نفسك للبر بحريتك فسيقودك هذا للحرية الحقيقية، كما يحدث الآن ويأتي شخص تذوق لذة الصيامات طالباً أن يصوم ويعمل مطانيات في الخمسين المقدسة.
عبيداً للنجاسة= أي لخدمة الخطية التي تنجس الإنسان. وليس أقسى من أن يستعبد الجسد للخطية أو أحط من أن يُرسَل الإبن ليرعي مع خنازير قد متم = أي بإختياركم، فالشيطان لا سلطان له علي إجبارنا. وهذا ما يبرر الله في هلاك الخطاة، فهم يبيعون أنفسهم لعمل الشر.
الإثم للإثم= إن خطية واحدة تجعل القلب أكثر ميلاً للأخري. وكل عمل خاطئ يُثبِّت ويُقوِّي العادات الخاطئة. فمن يسلك في طريق الخطية تزداد حياته شراً ويزداد قلبه قساوة. ومن يزرع الريح يحصد الزوبعة (هو7:8) هذا يصير عبداً للنجاسة والإثم لخدمة الإثم.
قدموا أعضاءكم عبيداً للبر والقداسة= عندما تكفّ أعضاؤنا عن خدمة الخطية، يجب أن لا تبقي عاطلة بل لتُستخَدم في خدمة الله. وهذا يبدأ بالتغصب فملكوت الله يغصب (مت12:11) ولكن من يفعل يقوده الروح القدس للقداسة، أي يتخصص الإنسان كله لله، وهذا يلازمه السلام والفرح. ولنلاحظ أن العبودية للفضيلة ليست إلاّ حرية.
العدد 20:
آية (20): "لأنكم لما كنتم عبيد الخطية كنتم أحراراً من البر."

لما كنتم عبيداً للخطية كنتم تحررون أنفسكم من الإلتزام بمطالب البر وكنتم تسمون أنفسكم أحراراً. ولكنكم كنتم في أشد درجات الإنحطاط وفي النهاية هلاك. في الواقع هذه ليست حرية بل هي حرية مسلوبة. إذاً أيهما الأفضل أن تستعبدوا للبر فنهايته حياة والآن فرح، أم تستعبدوا للخطية وتعيشوا الآن في مرارة والنهاية هلاك.
العدد 21:
آية (21): "فأي ثمر كان لكم حينئذ من الأمور التي تستحون بها الآن لأن نهاية تلك الأمور هي الموت."

هنا مقارنة بين العبودية للإثم والعبودية للبر. فالأولي قاسية مخزية نهايتها الموت وتثمر عاراً والثانية تثمر قداسة وحياة أبدية. والسؤال هنا لهم ماذا إنتفعتم من حياة الخطية، بل أنتم تستحون الآن من حياتكم السابقة عندما تتذكرونها، بل كنتم معرضين للموت بسبب خطاياكم.
العدد 22:
آية (22): "وأما الآن إذ أعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية"

أمّا الآن حيث أنكم قد تحررتم من الخطية بالمعمودية وأخضعتم أنفسكم لله فإنكم قد إكتسبتم بكل تأكيد نمواً وتقدماً في حياة القداسة= لكم ثمركم للقداسة = أنتم الذين تستطيعون أن تحكموا علي ثمركم الآن في ظل حياة القداسة، من ثمركم المرّ أيام الخطية. ولاحظ قول بولس أننا بدون قداسة لن نري الله (عب14:12) والنهاية حياة أبدية.

العدد 23:
آية (23): "لأن أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا."

لقد كنتم آنذاك عبيداً يائسين. لأنت أجرة الخطية التي تدفعها (اللذة الوقتية) لمن يتعبدون لها هي الموت. أما العطية هبة الله هي عطية مجانية وليست أجرة، هذه التي يهبها الله لعبيده، وهي حياة أبدية تتحقق لنا بواسطة إتحادنا بالمسيح يسوع ربنا. وكلمة أجرة التي أستخدمها الرسول هنا هي بمعني أجرة زهيدة تعطي لعبد وتأتي بمعني أدام (طعام أو غموس) يعطي للعبد لسد الرمق. وهي كلمة تشير للمتعة الوقتية الزهيدة للخطية ونهايتها الموت. أما هبة الله فهي عطية الله الوفيرة بكل الحب والابتهاج، وهي مجانية.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى