قصص وأقوال القديس أنبا باخوميوس أب الشركة الرهبانية وأقوال تلاميذه

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]المراجع واختصاراتها[FONT=&quot]
[/FONT]​
G 1 = [FONT=&quot]سيرة أنبا باخوميوس الأولى باللغة اليونانية[/FONT]
G 2 = [FONT=&quot]سيرة أنبا باخوميوس الثانية باللغة اليونانية[/FONT]
Paral. = Paralipomena [FONT=&quot]تجميع لبعض قصص أنبا باخوميوس باللغة اليونانية[/FONT]
S 1 = [FONT=&quot]سيرة القديس الأولى باللغة القبطية الصعيدية[/FONT]
S 2 = [FONT=&quot]سيرة القديس الثانية باللغة القبطية الصعيدية[/FONT]
S 10 = [FONT=&quot]أجزاء المخطوطة القبطية الصعيدية العاشرة[/FONT]
SBO = [FONT=&quot]سيرة القديس المنقّحة باللغة القبطية البحيرية والمترجمة إلى الإنجليزية في كتاب Pachomian Koinonia, 3 Volumes.[/FONT]
Draguet = [FONT=&quot] من مخطوطة عن أنبا باخوميوسR. Draguet[FONT=&quot]ما نشره العالم [/FONT][/FONT]
PHF. = The Paradise of the Holy Fathers, Compiled by St. Athanasius the Archbishop of Alexandria, Palladius bishop of Helenopolis and St. Jerome and others, London, 1907.
Laus. = The Lausiac History of Palladius.
[FONT=&quot]باخوم عربي =[FONT=&quot] كتاب "القديس أنبا باخوميوس أب الشركة" المطبوع باللغة العربية – نقحه عن المخطوطات القمص عبد المسيح المسعودي، طبعة سنة 1891م.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]شنودة عربي =[FONT=&quot] سيرة أنبا شنودة رئيس المتوحدين باللغة العربية.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]م 41 =[FONT=&quot] مخطوطة "تعاليم لكثيرين" رقم م 41 بمكتبة دير أنبا مقار.[/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]الفصل الأول
[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]قصص وأقوال[/FONT]
[FONT=&quot]القديس أنبا باخوميوس أب الشركة[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]قال بالليديوس:[/FONT][FONT=&quot] عاش في منطقة "طابنيسي" في صعيد مصر[/FONT][FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot]، إنسان مبارك اسمه "باخوميوس"، وهو من النوع الذي يعيش باستقامة، وقد سلك حياةً نسكية فائقة حتى إنه استحق موهبة النبوة والرؤى الملائكية، وقد كُلِّل بمحبة الله والإنسان. وقد صار ممتلئًا بالرقة وروح الأخوّة (ولكنه كان حازمًا)[/FONT]*[FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]قال الذين كتبوا سيرة أنبا باخوميوس:[/FONT][FONT=&quot] ”لم يكن غرضنا أن نمدحه، لأنه ليس في حاجة إلى مديح الناس، إذ هو الآن في رفقة آبائه حيث المدح الحقيقي. وقد علمنا عنه أنه حين كان في الجسد لم يحسب نفسه أهلاً أن يطلب لأجل نفسه في صلواته الدائمة، بل كان يلجأ إلى القديسين ليكونوا شفعاءه قائلاً: "أنتم يا من صرتم أهلاً لله، اطلبوا من أجلي أنا الخاطئ". فهو لم يكن واحدًا من الأنبياء أو الآباء البطاركة أو الرسل، ولكنه كان ابنًا حقيقيًا لهم مثل جميع الذين هم على مثاله في كل مكان. لأن دم ربنا يسوع المسيح قد طهّر الأرض كلها ولا زال يطهّرها، وعوض الشوك والحسك ملأها بغنى معرفته الإلهية“[/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]نشأة القديس:[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]قيل عن أنبا باخوميوس[/FONT][FONT=&quot] إنه كان ابنًا لأبوين وثنيين من طيبة. وحدث أن الصبي ذهب مرةً مع والديه إلى هيكلٍ للأصنام لكي يقدِّموا ذبيحةً لحيوانات مائية كانت تسكنها أرواحٌ شريرة[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot]، ولما رأت تلك المخلوقات هذا الصبي خافت وهربت. فصاح الكاهن الموكَّل على الذبيحة قائلاً: ”اِبعِدوا عدو الآلهة من هنا لكي يكفّوا عن غضبهم منّا، لأنهم بسببه لا يصعدون“! فوبّخه والداه قائلَيْن: ”لماذا تُغضِب الآلهة منك“؟ فتنهّد الصبي وهو ناظرٌ إلى فوق، وانطلق إلى البيت.[/FONT]
[FONT=&quot]وفي يومٍ آخر أحضروه معهم إلى الهيكل ليقدِّموا ذبيحةً. وبعد أن قدّموها أعطوه من الخمر الذي سكبوه للشياطين فتقيّأه بشدّة. فاغتمّ والداه لأنّ آلهتهما كانت معاديةً له.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما صار راهبًا ذكر للرهبان هذه القصة قائلاً: ”لا تظنوا أنّ الشياطين الذين لا يعرفون الصلاح أبعدوني في ذلك الوقت لسابق علمٍ منهم أنني سأحظى بالرحمة فيما بعد بقبولي للإيمان الحقيقي، لكنهم لما رأوا بغضتي للشرّ منذ صباي - «لأنّ الله صنع الإنسان مستقيمًا» (جا 7: 29) - تيقّنوا في نفوسهم أنني سأُقبِل على عبادة الله، ولذلك حرّكوا خدّامهم أن يُبعِدوني، وذلك مثلما يقول الإنسان عن حقلٍ قد تنقّى: إنّ هذا الحقل الذي تنقّى من كل زوانٍ لا بدّ أنه سيُزرَع ببذارٍ جيدة“[/FONT][FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل[/FONT][FONT=&quot] إنّ والديه أرسلاه مرةً ومعه مرجل به لحم ظبي إلى عمّال في مكان ما. وفي الطريق جمع إبليس حشدًا من الشياطين حوله في هيئة كلابٍ يتحفزون لقتله، فرفع عينيه إلى السماء وبكى، فتفرّقوا في الحال. ثم اتخذ إبليس شكل رجل عجوز وقال له: ”إذا كنتَ هكذا منـزعجًا في الطريق فذلك لأنك غير مطيع لوالديك“. فنفخ الصبي في وجهه فاختفى في الحال.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما وصل إلى المكان الذي أُرسِل إليه سَلَّم مرجل اللحم إلى العمال، وكان لا بدّ أن يبيت هناك، وكان لصاحب المكان ابنتان رائعتا الجمال، فأمسكت إحداهما به قائلةً: ”اِضطجع معي“. ولكنه ارتعب من هذا الأمر لأنه كان يعتبره نجاسةً وخطيةً بشعةً أمام الله والناس. فقال لها: [/FONT]”[FONT=&quot]أنا لا أقترف هذا العمل النجس. هل لي عينا كلب حتى أضطجع مع أختي[/FONT]“[FONT=&quot]؟ وهكذا أنقذه الله من يديها، ثم هرب راكضًا إلى بيته[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]باخوميوس يصبح مسيحيًا:[/FONT]
[FONT=&quot]أمر الإمبراطور قسطنطين[/FONT][FONT=&quot] بحشد عدد كبير للجندية لمحاربة أحد الملوك المتمردين، وأُخِذَ باخوميوس معهم وكان في سنّ العشرين تقريبًا، وركبوا سفينةً في النهر. ثم أرسى العساكر الموكَّلون بهم عند ميناء طيبة (القريب من إسنا)، وهناك وضعوهم في حبس لكي لا يهرب أحد. ولما سمع بهم بعض المسيحيين الرحومين آخر النهار، أحضروا لهم طعامًا وشرابًا واحتياجاتهم الأخرى، فتساءل باخوميوس: ”لماذا يصنعون معنا هذه المحبة العظيمة وهم لا يعرفوننا“؟ فقيل له إنهم مسيحيون، وهم دائمًا يصنعون الرحمة حتى للغرباء لأجل إله السماء. ولما تقصّى عن إيمانهم علم أنهم يؤمنون بالمسيح ابن الله ويصنعون صلاحًا لكل أحدٍ، واضعين رجاءهم في ذاك الذي خلق السماء والأرض وكل ما فيها.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع ذلك عملت النعمة في قلبه والتهب قلبه بالفرح وبمخافة الله، ووضع في قلبه أنه إذا تخلص من تلك الضغطة يصير مسيحيًا. ثم انفرد في حبسه وصلّى قائلاً: ”يا الله خالق السماء والأرض، إذا نظرتَ إلى مذلّتي وخلّصتني من هذه الضيقة سأخدمك حسب مشيئتك كل أيام حياتي وأحب كل الناس وأخدمهم حسب وصيتك“. وقد تضايق من رفقائه كثيرًا في الطريق بسبب مسرّاتهم الدنيوية وانحرافاتهم، وكانوا يطلبون منه أن يشاركهم فيها، ولكنه كان يبتعد عنهم إذ كان قد أحب الطهارة منذ طفولته.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما هزم قسطنطين أعداءه أمر بتسريح الشبان، فذهب باخوميوس إلى قرية "شنيست" (أو "كينوبوسكيون") حيث بدأ يوفي نذره وصار موعوظًا في كنيستها وتعمّد في خميس الفصح المجيد، وفي الليلة التي أُهِّل فيها للأسرار المقدسة رأى في حلمٍ أنّ ندى السماء نازلٌ عليه وتجمّع في يده اليمنى وتحول إلى قرص عسل وبدأ يقطر على الأرض كلها (لعلها نبوة عن انتشار نظامه الرهباني في العالم كله)، وسمع مَنْ يقول له: ”تأمل فيما يحدث لأنه سيتحقق بعد زمان“[/FONT][FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل عنه:[/FONT][FONT=&quot] إنه خدم أهل قرية "شنيست" عندما مات الكثير منهم بسبب الوبأ، ثم شعر بالميل إلى الرهبنة، ثم قال لنفسه: ”إنّ خدمة المرضى في القرى ليست من عمل الراهب، ومن اليوم لن أقوم بها لئلاّ يتشبه بي أحد (من الرهبان) ويعثر بسبـبي“[/FONT][FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]رهبنة باخوميوس بواسطة القديس بلامون:[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل إنه[/FONT][FONT=&quot] بعد أن قضى ثلاث سنوات في ذلك المكان ووجد أنّ كثيرين يحتشدون حوله حتى صاروا ثقلاً كبيرًا عليه، لأنهم ما كانوا يسمحون له بلحظة هدوء، ولأنّ قلبه كان ملتهبًا بمحبة الله؛ حينئذٍ التمس أن يصير راهبًا لكي يسلِّم نفسه لحياة النسك الهادئة.[/FONT]
[FONT=&quot]وبينما كان يفكر في الابتعاد عن ذلك المكان لهذا الغرض، أخبره القسيس الذي عمّده بوجود شيخ ناسك عتيق الأيام اسمه "بلامون" يعيش بالقرب من تلك القرية، وقد صار قدوةً وأبًا لكثيرين. ففي الحال ترك موضعه لشيخ بتول لكي يهتم باحتياجات المساكين، ثم ذهب إلى الشيخ القديس. ولما قرع باب قلاية الشيخ تطلّع إليه من الكوّة قائلاً: ”مَنْ أنت أيها الأخ؟ وماذا تريد“؟ فأجابه قائلاً: ”يا أبي، أريد أن تسمح لي أن أكون راهبًا معكم“. فقال له الأب: ”يا بُنيَّ، هذا الأمر الذي تطلبه ليس بهذه البساطة، فالرهبنة ليست مطلقة للكل ولا يأتي إليها الإنسان كيفما اتفق، وكثيرون جاءوا يطلبونها وهم يجهلون أتعابها، ولما لم يتحمّلوها ويصبروا عليها ارتدّوا خائبين، مع أنّ الكتاب المقدس يوصينا في مواضع عديدة أن نفعل ذلك ناصحًا إيانا أن نتعب في أصوامٍ وأسهار وصلواتٍ متواترةٍ لكي نخلص. فاذهب إلى مسكنك وتمسّك بما عندك وأنت ستكون مكرَّمًا من الله، أو جرِّب نفسك من كل ناحيةٍ لترى مقدار ثباتك ثم عُدْ إلينا، وحينئذٍ سنكون مستعدين - بقدر ما يسمح لنا ضعفنا - أن نتعب معك حتى تحصل على معرفة ذاتك، ونُظهِر لك قدر الحياة الرهبانية“.[/FONT]
[FONT=&quot]فأجابه باخوميوس: ”يا أبي، لا تردّني ولا تصدّ اشتياقي، بل اقبلني وأطل روحك عليَّ وجرِّبني، وبعد ذلك افعل ما بدا لك“. فقال له الشيخ: ”جرِّب نفسك أنت أولاً يا بُنيَّ ثم تعالَ، لأنّ نسك الرهبنة فيه ضيق وخشونة وتقشُّف كثير، لأنّ تدبيرها - حسبما تعلّمنا من الذين سبقونا[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot]- هو هكذا: نحن دائمًا نقضي نصف الليل، وكثيرًا ما نقضي من المساء حتى الصباح، ساهرين في الصلاة وتلاوة كلام الله، كما أننا نعمل بأيدينا في الخيوط أو السعف أو الشعر أو ليف النخل لئلاّ يغلبنا النعاس، ولأجل قوام أجسادنا أيضًا، وكل ما هو أكثر من احتياجنا نعطيه للمساكين تبعًا لكلام الرسول: [/FONT]»[FONT=&quot]أن نذكر الفقراء[/FONT]«[FONT=&quot] (غل2: 10). أمّا الزيت وشرب الخمر والأطعمة المطبوخة فهي أشياء غير معروفة لدينا. إننا دائمًا نصوم حتى المساء في فصل الصيف، وفي الشتاء نصوم يومين أو ثلاثة ونفطر على خبز وملح فقط. أمّا عن الصلوات فهي ستون صلاة في النهار وخمسون بالليل، والصلوات السهمية لا نحصيها. ونحن نفعل ذلك حتى لا نكون مقصِّرين حيث إننا قد أُوصينا أن نصلِّي بلا انقطاع (1تس5: 17)، كما أنه مكتوبٌ: [/FONT]»[FONT=&quot]أَعَلى أحد بينكم مشقّات فليصلِّ[/FONT]«[FONT=&quot] (يع5: 13)، كذلك فقد أوصى ربنا يسوع المسيح تلاميذه قائلاً: [/FONT]»[FONT=&quot]اسهروا وصلُّوا لئلاّ تدخلوا في تجربة[/FONT]«[FONT=&quot] (مت26: 41). فالصلاة هي حقًا أُمّ جميع الفضائل. هذا هو ناموس الحياة الرهبانية، فاذهب الآن وامتحن نفسك من كل جهةٍ، فإن استطعتَ أن تفعل ما أعلمتك به ولا ترتدّ عنه فسنفرح معك“.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع باخوميوس كلام أنبا بلامون ورأى أنه أجاب باتضاع قال له: ”لقد جرّبتُ نفسي في كل شيء لعدّة أيام قبل مجيئي إلى محبتك، وبصلواتكم أستطيع أن أصبر على كل ما قلتَه لي“. حينئذٍ نزل القديس وفتح له الباب وقبّله وقال له: [/FONT]”[FONT=&quot]لا تظن يا بُنيَّ أنّ كل ما قلتُه لك بخصوص النسك والصلاة والأسهار هو من قبيل المجد البشري الباطل، كما لا تظن أننا نخدع الناس أو نُخيفهم، فنحن نعلِّمك كيف تعمل لأجل خلاصك فحسب حتى لا تكون لك حجّة علينا، لأنه مكتوبٌ: [/FONT]»[FONT=&quot]كل ما أُظهِر فهو نور[/FONT]«[FONT=&quot] (أف5: 13). كما أنك بالقسوة على ذاتك تدخل ملكوت السموات، فقد حملنا على عاتقنا صليب مسيحنا، ليس العود الخشبي، بل شقاء الجسم وقمع شهواته وإماتة أهوائنا. ونحن نبعد عنا الملل بذكر الموت، وبالاتضاع نواجه كل تعظُّم وارتفاع ونحرس أفكارنا من الهواجس الرديئة، وبذلك نقدِّم حياتنا ذبيحةً مرضيةً لله، لأننا تأكّدنا أنّ المواهب الروحية توزَّع على قدر الأتعاب الجسدية ذاكرين قول الرب: [/FONT]»[FONT=&quot]ملكوت السموات يُغصَب والغاصبون يختطفونه[/FONT]«[FONT=&quot] (مت11: 12)، وأنه [/FONT]»[FONT=&quot]بضيقاتٍ كثيرةٍ ينبغي أن ندخل ملكوت الله[/FONT]«[FONT=&quot] (أع14: 22)“.[/FONT]
[FONT=&quot]فتأيّد باخوميوس بالروح وتشجّع بالأكثر على تحمُّل الأتعاب وقال له: ”ثقتي بالمسيح إلهنا وصلواتكم أنني أتقوّى على كل ذلك وأصبر معك حتى إلى الموت، وأنّ قلبك سيستريح من جهتي“. فقال الشيخ: ”حسنٌ جدًا“. وفتح له في الحال وقبّله بفرح، وأسكنه معه عدّة أيام لكي يمتحنه بالصلوات والأسهار والأصوام. وبعد ثلاثة شهور كاملة رأى صبره وشجاعته وعزيمته الثابتة، فأخذ زيًّا رهبانيًا ووضعه أمام المذبح، وقضيا الليل كله يصلّيان عليه، وعند شقّ الفجر باكرًا ألبسه إياه، وكان عمره حينئذٍ نحو ثلاث وعشرين سنة[/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل إنّ [/FONT][FONT=&quot]هذين القديسين عاشا كإنسان واحد يمارسان نسكًا صعبًا ومجهِدًا. وبمجرد أن صار باخوميوس راهبًا أراد أنبا بلامون أن يجرِّبه بالأسهار من المساء حتى الصباح في الصلوات وتلاوة كلمة الله والتسابيح وأتعاب جسدية كثيرة لكي يحكم على طاقته في النوم ويرى إن كان يصمد دون أن تعتلّ صحته، فلما جاء المساء تناولا وجبتهما البسيطة وقال الشيخ للشاب باخوميوس: ”ب[/FONT][FONT=&quot]ِ[/FONT][FONT=&quot]لّ لنا بعض القصب (البوص) والليف مما يكفي الليل كله، لأنّ تدبيرنا هو أن نسهر من المساء حتى الصباح في مساء السبت“. ففعل باخوميوس ما أوصاه به أنبا بلامون بطاعةٍ عظيمة.[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد الغروب نهضا للصلاة وواصلا السهر مباركين الله وملازمين لعملهما اليدوي بدون توقُّف. وإذا ثقل عليهما النوم أثناء العمل كانا يستبدلانه بعمل يدوي آخر لكي يتغلّبا على ثقل النوم. وإذا وجدا أنّ النوم لا زال يقاتلهما كانا يذهبان إلى الجبل ويحملان الرمل في مقاطف من مكان إلى آخر لكي يُتعِبا الجسد حتى يظلاّ مستيقظين لكي يصلّيا لله. ولما كان الشيخ يرى أنّ الشاب يترنح من ثقل النوم كان يعزّيه قائلاً: ”كُن مستيقظًا يا باخوميوس لئلاّ يجربك الشيطان، لأنّ كثيرين رقدوا في بؤسهم بسبب ثقل النوم“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ولما رأى الشيخ أنه كان يصمد حتى وقت خدمة الصلاة كان يفرح لطاعته ونموّه ويبتهج لخلاصه[/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وفي يوم عيد القيامة[/FONT][FONT=&quot] قال القديس بلامون لتلميذه: ”طالما أن اليوم عيد، قم وأعِدّ لنا طعامًا فنأكل قليلاً في نصف النهار ومرةً أخرى في المساء“. فصَبَّ زيتًا على الملح وأعدّ أيضًا بعضًا من نبات الأرض بدون خلّ أو زيت، ثم دعاه باخوميوس ليأكل. وبعد أن صلّيا رأى الشيخ الزيت فلطم على وجهه وهو يبكي ويقول: ”الرب قد صُلِبَ من أجلي وأنا آكل زيتًا؟! فلنأكل بعض الخضروات بدون زيت ولا نترك ناموس آبائنا لئلاّ نعطي الجسد قوةً زائدة“! فتوسل إليه باخوميوس بمخافةٍ، وبالجهد قَبِلَ أن يأكل بعد أن أفرغ الزيت من الملح. وهكذا أكلا بينما كانت الدموع تنهمر على خديهما. فقد كان الأب بلامون دائمًا حاملاً الصليب كقول المخلِّص، تابعًا إياه بقلبٍ متضع[/FONT][FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]اِعتاد باخوميوس[/FONT][FONT=&quot] أن يذهب كثيرًا إلى المقابر ويقضي الليل كله في الصلاة حتى يصير الموضع الذي يقف عليه طينًا من كثرة عرقه. وبعد أربع سنوات رأى الرؤية التي رآها من قبل: ندى السماء نازلاً عليه ومالئًا لوجه الأرض كلها، كما رأى أيضًا أنّ بعض المفاتيح قد أُعطيت له سرًّا[/FONT][FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot]. وفي الصباح [/FONT][FONT=&quot]أ[/FONT][FONT=&quot]بلغ الأب بلامون بالرؤية، فتحيّر الشيخ ثم قال: ”هذا الأمر له معنى عميق يا ابني باخوميوس، ولكن فلتكن مشيئة الرب“[/FONT][FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وحدث ذات يوم[/FONT][FONT=&quot]، في عيد الإبيفانيا، أنّ باخوميوس كان عائدًا من غابة الأكاسيا (أي الصمغ)، فرأى الشيخ بلامون يغلي شيئًا في وعاء. فتساءل في نفسه متعجبًا: ”ما الذي يطبخه الشيخ اليوم“؟ وبعد قليل قال الشيخ: ”يا باخوميوس، أحضر الطبق هنا سريعًا“. فلما أحضر الطبق كشف الأب بلامون الوعاء وأفرغه في الطبق، فإذ به بعض التين الجاف فقط! لأنه كان في ذلك المكان شجرة تين ضخمة اِعتادا أن يسقياها بيديهما لحاجة المرضى. ثم قاما وصلّيا وأكلا شاكرين الرب لأنه: [/FONT]»[FONT=&quot]للنفس الجائعة كل مرٍّ حلو[/FONT]«[FONT=&quot] (أم27: 7)[/FONT][FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[/FONT][FONT=&quot] بينما كان باخوميوس مع الأب بلامون ساهريْن، جاء إليهما راهبٌ كان قد استولى عليه الغرور والظن بالذات، وكانت قدامهما نارٌ مشتعلة لأنّ الوقت كان شتاء[/FONT][FONT=&quot]ً[/FONT][FONT=&quot]، فلما رآها الضيف ملأه المجد الباطل وقال لهما: ”مَنْ منكما له إيمان صادق بالله فليقف على هذا الجمر ويقول الصلاة الربانية“. فزجره الشيخ قائلاً: ”ملعونٌ هو الشيطان النجس الذي ألقى هذا الفكر الفارغ في قلبك، فكُفّ عن ذلك لأنه من شيطان العُجب“. فلم يحفل الأخ بكلامه ولكنه قال: ”أنا أنا“. ثم وقف على الجمر كثيرًا وهو يقول الصلاة الربانية مهلاً مهلاً، وخرج من النار دون أن تضرَّه بشيء، فتصلّف قلبه بالأكثر ثم مضى إلى مسكنه بكل كبرياء.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]فقال باخوميوس للشيخ: ”يعلم الله، يا أبي، لقد تعجّبتُ من ذلك الأخ الذي وقف على هذا الجمر ولم تحترق قدماه“. فقال له الشيخ: ”لا تعجب يا بُنيَّ من ذلك، لأنه بلا شك من فعل الشيطان، وبسبب أنه لم يتذلّل بقلبه سمح الرب ألاّ تحترق قدماه كما هو مكتوب: [/FONT]»[FONT=&quot]الله يرسل للمعوجين طرقًا معوجّة[/FONT]«[FONT=&quot] (أم 21: 8 حسب السبعينية)، ولو علمتَ يا بُنيَّ ما سينتهي إليه أمره لكنتَ تبكي على تعاسته“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أيامٍ قليلةٍ لما رأى الشيطان أنه قد صار تحت سطوته وخداعه، تشكّل بصورة امرأة جميلة جدًا متزيّنة بثيابٍ فاخرةٍ، فجاءت وقرعت بابه ففتح لها لوقته، فقالت له: ”اِعلم أيها الأب الخيِّر أنه عليَّ دين لقوم مقتدرين وهم يطلبونه ولا أقدر الآن أن أوفيهم، وأخشى أن يقبضوا عليَّ ويأخذوني عبدةً لهم لأنهم مسافرون، فاعمل جميلاً وآوِني عندك يومًا واحدًا أو يومين حتى يذهبوا“. أمّا هو فبسبب عمى بصيرته لم يميِّز هذا كله وسمح لها بالدخول، ثم [/FONT][FONT=&quot]أ[/FONT][FONT=&quot]صابه الشيطان بسهم الشهوة الشريرة وأماله [/FONT][FONT=&quot]إلى ا[/FONT][FONT=&quot]لخطية، ولما اقترب منها ليكمِّل قصده ألقاه الشيطان على الأرض مصروعًا، وظلّ هكذا كالميت. وبعد أيامٍ قليلةٍ حين عاد إلى رشده قليلاً جاء إلى الأب بلامون باكيًا مرتعدًا وقال: ”أنا السبب في سقطتي، لأنك نصحتني كثيرًا ولم أُنصت إليك. والآن أعنّي في شقائي لأنني في خطر أن يُهلكني الشيطان“.[/FONT]
[FONT=&quot]فوقف الأب بلامون مع تلميذه باخوميوس ليصلّيا لأجله، وبينما هو واقفٌ معهما باغته الروح الشرير فقفز خارجًا وسار مسافةً كبيرةً في الجبل حتى وصل إلى مدينةٍ تُدعى "بانوس"[/FONT][FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot] ، وظلّ هناك تائه العقل حتى ألقى بنفسه في تنّور (أي فرن) متّقد واحترق فيه[/FONT][FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]لما رأى باخوميوس هذه الأمور[/FONT][FONT=&quot] ازداد حرصه على تقدُّمه، وكان يسهر على حراسة قلبه بكل يقظةٍ كقول الكتاب حتى إنّ الشيخ القديس كان يعجب منه ليس من أجل احتماله لجهاد النسك الخارجي الشاق باختياره فحسب، بل ومن أجل غيرته الشديدة على نقاوة ضميره حتى إلى الكمال الذي بحسب ناموس الله ذاكرًا الرجاء العظيم المذّخر في السماء.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما كان يقرأ كلام الله أو يتلوه عن ظهر قلب، ما كان يفعل ذلك كما هي عادة الكثيرين بل كان يجاهد لكي يعي في نفسه ويفهم معنى كل شيء بكل تواضع ووداعة وصدق كقول الرب: [/FONT]»[FONT=&quot]تعلّموا مني لأنّي وديع ومتواضع القلب[/FONT]«[FONT=&quot] (مت11: 29)[/FONT][FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot] كانت طابنيسي بجوار "دندرة" في الجانب الشرقي من نهر النيل شمال طيبة (الأقصر). وقد أخطأت مخطوطة المؤرخ "سوزومين" في اسمها اليوناني مما جعل البعض يظن أنها جزيرة في النيل. وقيل إنه وُلد عام 292م في قرية "أنتينوي" جنوبي بلدة "لاتوبوليس" (إسنا الحالية)، كما قيل في روايةٍ أخرى إنه كان ببلدة "كينوبوسكيون"، وهي الآن "قصر الصياد" بمحافظة قنا، وهي لم تتخذ اسم "كينوبوسكيون" - الذي يعني "مقر الرهبنة المشتركة" - إلاّ بعد أن أنشأ أنبا باخوم رهبنته فيها.[/FONT] [FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot] وقد درس العلامة "دراجيه[/FONT] Draguet[FONT=&quot]" هذا الفصل (32) من التاريخ اللوزياكي بالتفصيل واستنتج أنه أُخِذ بالكامل من وثيقة باللغة القبطية الصعيدية وجدها بالليديوس في نتريا مترجمة إلى اللغة اليونانية. [/FONT]

[FONT=&quot] [/FONT]*Laus., 32:1; PHF., I: p. 144.[FONT=&quot][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT][/FONT] G 1, 98[FONT=&quot][/FONT]

[FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot] كان إلههم على شكل سمكة تُدعَى "لاتوس" التي جاء منها اسم مدينة "لاتوبوليس". [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT][/FONT] G 1, 3; SBO, 4, 6.[FONT=&quot][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT][/FONT] SBO, 5.

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT][/FONT] G 1: 4, 5; SBO: 7, 8; [FONT=&quot]س4 ورقة 20؛ باخوميوس ص6[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT][/FONT] SBO: 9; [FONT=&quot]باخوميوس ص6[/FONT]

[FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot] هذا يدل على أنه كان يوجد حينئذٍ تقليد رهباني معروف. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT][/FONT] SBO, 10; G 1, 6. [FONT=&quot][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT][/FONT] Ibid.

[FONT=&quot][FONT=&quot][11][/FONT][/FONT] G 1, 7; SBO,11.

[FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]توجد صورة أثرية للقديس في هيكل ق. يوحنا المعمدان بكنيسة أنبا مقار بديره ببرية شيهيت ممسكًا بيده مفتاحًا.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT][/FONT] SBO, 12, 13.[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT][/FONT] SBO, 12, 13.

[FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot] هي "بانوبوليس" وتُدعى أيضًا "إشمين" وهي إخميم الحالية، وتبعد حوالي 50 ميلاً عن برية الأب بلامون. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT][/FONT] G 1, 8; SBO, 14; [FONT=&quot]س 4 ورقة 87[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT][/FONT] G 1, 9; SBO, 15a.
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]كانت البرية هناك مليئة بالأشواك،[FONT=&quot] وكان باخوميوس يجمع حطبًا من هناك وهو حافي القدمين، فكانت الأشواك تؤلم قدميه جدًا، وكان يحتمل ذلك مذكِّرًا نفسه بمسامير يدي المخلِّص وقدميه. وكانت عادته أن يقف مصلِّيًا في البرية ويسأل الله أن يخلِّصه ويخلِّص كل إنسان من خداع العدو، ولهذا كان محبوبًا جدًا عند الله[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ظلّ باخوميوس يسير في البرية[FONT=&quot] حتى وصل إلى قريةٍ مهجورةٍ تُدعى "طبانسين [/FONT][FONT=&quot]tabennisin[/FONT][FONT=&quot]"، وهناك قام يصلِّي ومحبة الله تُلهِب قلبه. وبعد أن صلَّى كثيرًا جاءه صوتٌ يقول له: ”اُمكث هنا وابنِ ديرًا فإنّ كثيرين سيأتون إليك ليصيروا رهبانًا“. فميّز القديس الصوت المقدس، وعاد إلى أبيه وأعلمه بذلك، فحزن أبوه جدًا إذ كان يعامله كابنه الخاص. وبعد إقناع كثير بنيا معًا هناك ديرًا صغيرًا. ثم قال له الشيخ القديس: ”لأنّي أومن أنّ هذا صار لك من الله، فلنتعاهد فيما بيننا أن نتبادل الزيارة“. وظلاّ يفعلان ذلك طيلة حياة أنبا بلامون[/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أجهد القديس بلامون نفسه بالنسك،[FONT=&quot] وبعد زمان توجّع بطحاله وامتدّ الهزال إلى بقية جسده، فكثيرًا ما كان لا يشرب بعد أن يأكل، وأحيانًا يشرب ولا يأكل. وبعد أن نصحه أحد الأطباء وبعض الإخوة أن يهتم بنفسه لكي يُشفى اِقتنع أن يأكل الأطعمة الموافقة لمرضه لبضعة أيام. ولكنّ الألم لم يزول، فامتنع عن هذه الأطعمة قائلاً: ”إذا كان شهداء المسيح بإيمانهم بالله صبروا على تقطيع أطرافهم حتى الموت وقُطِعت رؤوسهم وأُحرِقوا، فهل أنزعج أنا من قليل من الألم؟ وهذا الطعام الذي كان يُظَنّ أنه سيساعدني على الشفاء لم يأتِ بفائدةٍ. أمّا جهاد النسك الشاق ففيه راحة من كل شيء، لأنني أمارسه ليس بحسب مشيئة الناس بل بحسب مشيئة الله“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وعاد القديس بشجاعةٍ إلى نسكه السابق، وبعد شهر اشتدّ عليه المرض وجاء باخوميوس من طبانسين ليفتقده وظلّ يعتني به حتى افتقده الله. فدفنه أبونا باخوميوس وعاد إلى موضع جهاده[FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سمع عن باخوميوس أخوه بالجسد[FONT=&quot] الذي كان قد آمن بالمسيح وسُمِّيَ في المعمودية "يوحنا"، كما سمع عن أخبار أخيه الصالحة وذهب [/FONT][FONT=&quot]إ[/FONT][FONT=&quot]ليه في طابنيسي، فقبله باخوميوس وعانقه بفرح، ثم حدّثه بكلمة الله، فعشق يوحنا الحياة الرهبانية وأقام عند أخيه في ديره الذي أنشأه. وكانا كلاهما يدرسان الأسفار الإلهية ويمارسان معًا نسكًا شديدًا حاملين صليب المسيح بحسب قول القديس بولس: [/FONT]»[FONT=&quot]حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي [/FONT][FONT=&quot]تظهر [/FONT][FONT=&quot]حياة يسوع أيضًا في جسدنا[/FONT]«[FONT=&quot] (2كو4: 10و11).[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكانا كلاهما يشتغلان بأيديهما كأمر الرسول ويعطيان ما يكتسبانه للمحتاجين ما عدا احتياجهما الضروري. وكانا يرتديان مع بقية الإخوة لباس الفقراء، لكل واحدٍ ثوب واحد، وابتاع كلٌ منهما لنفسه عباءةً صغيرةً، وعندما كان كل منهما يغسل ثوبه كان يرت[FONT=&quot]د[/FONT][FONT=&quot]ي العباءة ثم يرتدي ثوبه مرةً أخرى. أمّا باخوميوس فكان يتسربل بثوب شعر خشن، وكان غذاؤه هو كما تعلّمه من القديس بلامون معلِّمه. وكانا لا يحتفظان بش[/FONT][FONT=&quot]يء[/FONT][FONT=&quot] سوى رغيفين من الخبز في اليوم وقليلٍ من الملح.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وإذا احتاجا إلى القليل من النوم كانا يجلسان وسط المكان الذي يصلّيان فيه دون أن يسندا ظهريهما على الحائط ... وبذلك كانا يتمّمان قول الإنجيل: »[FONT=&quot]إن أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني[/FONT]«[FONT=&quot] (مت16: 24). ولما سمع كثير من الآباء ذلك أو رأوه، كانوا يجاهدون ليتشبّهوا بمثل تلك الإماتات الجسدية لكي يقتنوا خلاص نفوسهم، وقد جاهدوا كثيرًا لإرضاء الله كلٌّ على قدر إمكانه[/FONT][FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بناء القديس أول دير في العالم:[/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان أنبا باخوميوس في مغارته[FONT=&quot] ظهر له ملاك وقال له: [/FONT][FONT=&quot]’[/FONT][FONT=&quot]بكل ما في وسعك [/FONT][FONT=&quot]ا[/FONT][FONT=&quot]جعل سلوكك في حياتك كاملاً. وحيث إنك أكملتَ تلمذتك، فليس من الضروري أن تمكث هكذا في قلايتك. فاترك الآن هذا المكان واخرج وادع الرهبان الشباب واسكن معهم، ونظِّم حياتهم بحسب المثال الذي أعطيه لك الآن[/FONT][FONT=&quot]‘[/FONT][FONT=&quot]. ثم أعطاه الملاك لوحًا من البرونز محفورًا عليه ما يأتي:[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]+[FONT=&quot] دع كل واحدٍ يأكل ويشرب عندما يرغب وكما يتناسب مع مقدرته، وقسِّم لهم أعمالهم بما يتفق مع قدرات كل منهم، ولا تعوِّق أي واحدٍ عن الصوم أو الأكل. عيِّن أصعب الأعمال للأقوى منهم الذين يأكلون، والأقل صعوبة للضعفاء والأكثر نسكًا. وابنِ قلالي منفصلة في الدير واجعل في كل منها ثلاثة رهبان. وينبغي أن يتناول الجميع وجباتهم في مكان واحد.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]+[FONT=&quot] دعهم ألاّ يضطجعوا بطول الجسم، بل اعمل لهم مقاعد لكي يستريحوا وهم جالسون على أغطيتهم المفروشة على الكراسي، وفي الليل يمكنهم أن يرتدوا رداءهم الرهباني[/FONT][FONT=&quot] "الليبيتوناريا [/FONT]lebit[FONT=&quot]è[/FONT]n[FONT=&quot]" (وهو بدون أكمام)، ولتكن أحقاؤهم ممنطَقة. وليكن لكل واحدٍ قلنسوة للرأس ومعطف من جلد الغنم لا يأكلون بدونه. وفي يومي السبت والأحد ينبغي أن يتناولوا من الشركة المقدسة مرتدين القلنسوة بدون أي وبرة، وكل قلنسوة يكون لها في جهتها الأمامية صليب من الأرجوان. وعند التناول يمكنهم أن يحلّوا مناطقهم ويدخلو[/FONT][FONT=&quot]ا[/FONT][FONT=&quot] بقلنسوة البرنس (غطاء الرأس والعنق معًا) فقط. [/FONT][FONT=&quot]ف[/FONT][FONT=&quot]صنع الأب باخوميوس لهم قلسوات، وهي تشبه غطاء رأس الطفل، كما عمل وسمًا على شكل صليب على القلنسوة بالأرجوان[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]هكذا أُوحيَ لأنبا باخوميوس[FONT=&quot] أن يمكث هناك ويبني ديرًا[/FONT][FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot]، فابتدأ هو وأخوه بتوسيع المكان الذي كانا يعيشان فيه لكي يصير ديرًا صغيرًا. وبموجب الوصية التي أُعطيت له كان عليه أن يقبل أي واحدٍ يأتي إليه لكي يصير راهبًا. وحدث بينما كانا يبنيان سور الدير أن وقع خلافٌ بسيطٌ بينهما، إذ كان في نية باخوميوس أن يجعل الدير متسعًا بينما كان أخوه يرى أن يجعله ضيقًا بحسب فكرته الخاصة عن حياة النسك، فقال لأخيه بغضبٍ: ”كفاك هذا الاتساع والغرور“. فاضطرب قلبه من هذه الكلمة، ولما رأى أنّ قلبه قد تنغّص صار في أسى عميق وقال: ”أنا لستُ بعد مؤمنًا، ولا زلتُ بعيدًا عن الله الذي وعدته أن أتبع إرادته“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ونزل باخوميوس في تلك الليلة إلى موضع تحت الأرض، ووضع قالبًا من الطوب تحت قدميه، وبسط يديه إلى الله صارخًا طوال الليل قائلاً: ”يا رب، أعنّي وانزع مني هذا الفكر الجسداني حتى لا أعود ثانيةً أغضب في قلبي حتى ولو صفعني أحدٌ على وجهي. هل أنا أجلّ قدرًا من ابنك المحبوب ربي الذي صار إنسانًا ليخلّصنا نحن الخطاة؟ لأنه »[FONT=&quot]إذ شُتِم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألّم لم يكن يهدِّد[/FONT]«[FONT=&quot] (1بط2: 23)، فكم بالأكثر أستحق أنا الخاطئ أن أُذلَّل سبعة أضعافه؟ لأنه وهو الله الذي بلا خطية قد تألّم لأجلنا بينما أنا، الطين الذي من صنعة يديه، لماذا لا أحتمل بدون غيظ؟ ويحي لأنّ الأفكار الجسدانية فيَّ، فها أنا أموت حقًا كما هو مكتوب: [/FONT]»[FONT=&quot]اِهتمام الجسد هو موت[/FONT]«[FONT=&quot] (رو8: 6و13)، فارحمني يا رب لئلاّ أهلك، لأنه إذا وجد العدو مكانًا صغيرًا لنفسه في داخلي يتغلّب عليَّ في النهاية لأنه [/FONT]»[FONT=&quot]مَنْ حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدةٍ فقد صار مجرمًا في الكل[/FONT]«[FONT=&quot] (يع2: 10). إنني أومن أنه إذا أعانتني رحمتك الفياضة فسأتعلم كيف أسير في طريق القديسين [/FONT]»[FONT=&quot]وأمتدّ إلى ما هو قدّام[/FONT]«[FONT=&quot] (في3: 13)، لأنهم حقًا قد أخزوا العدو بمعونتك. كيف حقًا سأعلِّم الذين تدعوهم لهذه الحياة معي إن لم أبدأ أنا بالتغلُّب على الأفكار الجسدانية“؟![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وظلّ يصرخ لله بهذه الكلمات طوال الليل حتى إنّ قالب الطوب الذي كان واقفًا عليه تحلّل تحته بسبب العرق الذي كان يتساقط عليه من وجهه، فقد كان الوقت صيفًا والمكان حارًّا جدًا. ولما طلع النهار خرج من ذلك المكان ودعا أخاه وصلّيا معًا، وكان باخوميوس يُميت ذاته حتى نهاية الصلاة، ثم واضع نفسه قائلاً: ”اِغفر لي يا أخي لأنني غضبتُ منك“. ثم ذهب مع أخيه ثانيةً للعمل في المباني[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل إنه[FONT=&quot] بعد أيام قليلة قذفه أخوه أيضًا بملاحظةٍ أخرى، فلما سمعها توجّع قلبه، وإذ رأى اضطراب قلبه فعل كما في المرة الأولى، فقضى الليل كله في الصلاة حتى تحول قالب الطوب (اللبن) إلى طين تحت قدميه. ومن ذلك اليوم فصاعدًا لم تعُد الأفكار الجسدية تُثير غضبه، لأنّ الله وهبه سؤل قلبه كما قال يعقوب الرسول: [/FONT]»[FONT=&quot]كل عطيةٍ صالحةٍ وكل موهبةٍ تامّةٍ هي من فوق نازلةً من عند أبي الأنوار[/FONT]«[FONT=&quot] (يع1: 17)، والرب أيضًا يحث كل مَنْ يحبه بهذه الكلمات: [/FONT]»[FONT=&quot]اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتَح لكم، لأنّ كل مَنْ يس[/FONT][FONT=&quot]أ[/FONT][FONT=&quot]ل يأخذ ومَنْ يطلب يجد، ومَن يقرع يُفتَح له[/FONT]«[FONT=&quot] (مت7: 7و8)، كما يقول ق. يوحنا الرسول: [/FONT]»[FONT=&quot]هذه هي الثقة التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئًا حسب مشيئته يسمع لنا[/FONT]«[FONT=&quot] (1يو5: 14). ولما استجاب الله لطلبه صار مطيعًا لداود النبي القائل: [/FONT]»[FONT=&quot]كُفّ عن الغضب واترك السخط[/FONT]«[FONT=&quot] (مز37: 8)، فإنه بالفعل منذ ذلك اليوم لم يغضب ثانيةً كما يفعل الجسدانيون، ولكنه إذا غضب مرةً كان يغضب مثل القديسين (قارن مز4: 4 [/FONT]»[FONT=&quot]اِغضبوا ولا تخطئوا[/FONT]«[FONT=&quot]). وكان أيضًا يطلب بلجاجةٍ من الرب أن يمنحه القدرة على إتمام وصايا الكتاب الأخرى[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي يوم آخر[FONT=&quot] كانا كلاهما يُلقيان بعض البوص في الماء لكي يبتلّ، وفجأةً ظهر تمساح في ذلك المكان، فخاف يوحنا وهرب إلى الشاطئ وصاح في أخيه: ”أسرع وتعال إلى الشاطئ لئلاّ يمسك بك التمساح ويبتلعك“. فضحك باخوميوس وقال له: ”هل تظن يا يوحنا أنّ الوحوش هي سادة أنفسها؟ كلاّ“. ثم صعد التمساح مرةً أخرى إلى سطح الماء، واقترب منه بجسارةٍ حتى صار على بُعد ثلاثة أذرع، فملأ باخوميوس يده بالماء وقذفه في وجه التمساح قائلاً: ”لينتهرك الرب، ولا تعُد مرةً أخرى إلى هنا“. وفي الحال غطس التمساح.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما صعد باخوميوس من الماء أسرع يوحنا نحوه وقبّل فمه ويديه وقدميه بفرح عظيم وقال: ”الرب يعلم، يا أخي، أنني كنتُ أقول كل يوم إنني أخوك الأكبر بالجسد، ولذلك كنتُ أدعوك "أخي"، ولكن من اليوم سأدعوك "أبي" بسبب إيمانك الثابت بالرب“.[/FONT]
[FONT=&quot]وقد امتلأت حياة يوحنا بعد ذلك بأعمال نسكية عظيمة حتى يوم رقاده[FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]تجارب أنبا باخوميوس وجهاداته:[/FONT]
[FONT=&quot]احتمل باخوميوس تجارب كثيرة[FONT=&quot] من الشياطين، متعلمًا من الكتب الإلهية أنّ [/FONT]»[FONT=&quot]الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص[/FONT]«[FONT=&quot] (مت24: 13). وكما أنّ جهادات القديسين لم يُدوَّن منها غير جزء يسير؛ كذلك الأسفار الإلهية أظهرت طريق الحياة الأبدية بكلامٍ موجز. فالوصية التي صارت لأبينا إبراهيم أُجمِلَتْ في عبارةٍ واحدةٍ: [/FONT]»[FONT=&quot]سر أمامي وكُن كاملاً[/FONT]«[FONT=&quot] (تك17: 1). ولكن لأننا كالأطفال والآباء يكسرون لنا الخبز، صرنا محتاجين - كما هو مكتوب - أن نشرب مياهًا مأمونةً (إش33: 16). ومن ثمّ يجب ألاّ نُخفي عن الجيل الآخر الأمور [/FONT]»[FONT=&quot]التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا أخبرونا[/FONT]«[FONT=&quot] بها (مز78: 3و 4). لأننا نعلم - كما يعلِّمنا هذا المزمور 78 - أنّ العجائب التي افتقد بها الله موسى والذين جاءوا بعده صارت لنا علامات، ومنها عرفنا أنّ آباء زماننا هذا هم أولادهم والمقتفون لآثارهم، لكي يصير معروفًا لدينا ولدى الأجيال التالية حتى نهاية الدهور أنّ [/FONT]»[FONT=&quot]يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد[/FONT]«[FONT=&quot] (عب13: 8)[/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل إن التجارب المتنوعة[FONT=&quot] التي جُرِّب بها القديس بسماح من الله واحتملها كانت لتزكيته ولأجل منفعته هو والآخرين أيضًا. فإنه قبل أن تتأسس الشركة كان معتادًا أن يعتكف ويكرّس وقته ليحفظ نقاوة القلب بالإضافة إلى بقية الوصايا. فكان يجاهد ألاّ يدع الأفكار النجسة تستقر في قلبه إذ [/FONT][FONT=&quot]إ[/FONT][FONT=&quot]نه كان دائمًا يقتني في قلبه مخافة الله متذكرًا المجازاة وعذابات النار الأبدية. فكان قلبه اليقظ كبابٍ من نحاس في مأمن من اللصوص. فلما رأى الرب اهتمامه العظيم باقتناء مخافة الله وهبه طلبة آبائه التي طلبها واحدٌ منهم قائلاً: [/FONT]»[FONT=&quot]ليصر قلبي بلا عيبٍ في فرائضك لكي لا أخزى[/FONT]«[FONT=&quot] (مز119: 80).[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فلما رأى الشياطين ذلك حسدوه وأرادوا أن يُسقِطوه. ولهذا أخذوا في مناصبته جهارًا حتى إنه في بعض الأحيان بينما كان يصلِّي ويهمّ للسجود كانوا يجعلون الموضع أمامه يظهر كهيئة جبٍّ لكي يمتنع عن السجود بسبب الخوف. أما هو فإذ عرف خداع مجرِّبيه كان يسجد بإيمان ويُخزيهم بتمجيده لله[FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بدأ أنبا باخوم مرةً[FONT=&quot] يسير نحو ديره، ولما اقترب من البرية التي تُدعَى "أمنون" اصطفّت أمامه فرق من الشياطين على جانبيه، وكأنهم في استقبال أرخن (أي رئيس) قائلين بعضهم لبعض: ”أفسحوا الطريق لرجل الله“، وذلك لكي يبذروا فيه فكر العظمة. ولكنه عرف خبثهم، فكلما ازدادوا في هتافهم زاد هو من صراخه إلى الله معترفًا بخطاياه. ولكي يُفسِد عليهم خبثهم قال لهم: ”أيها الأشرار، إنكم لا تقدرون أن تدفعوني معكم إلى العظمة والكبرياء، لأنني أعرف سقطاتي التي بسببها ينبغي أن أبكي دائمًا لأنها تستحق عقوبات أبدية. لذلك فإنني لستُ في حاجةٍ إلى كلامكم الغاش وخداعكم الكاذب، لأنّ عملكم هو إهلاك النفس. ولن يغرّني مديحكم لأنني أعرف خبث أفكاركم الدنسة“. ولكنهم تبعوا المغبوط حتى اقترب من ديره، ولأنه ألقى رجاءه على الله فقد سخر منهم حتى اختفوا منه[/FONT][FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حاول الشياطين مرةً أخرى[FONT=&quot] أن يزلزلوا قلاية القديس ويوهموه بأنها ستقع عليه، فبدأ يتلو المزمور: [/FONT]»[FONT=&quot]إلهنا ملجأنا وقوتنا ومعيننا في شدائدنا التي أصابتنا جدًا، لذلك لا نخشى إذا تزعزعت الأرض[/FONT]«[FONT=&quot] (مز46: 1و2). وتارةً أخرى بينما كان جالسًا يعمل جرّبه الشيطان بصورةٍ أخرى، إذ اتخذ شكل ديك وصاح في وجهه، فأغلق عينيه ولم ينظر إليه ولا حرك ساكنًا. ولما تحقق الأشرار أنهم لم يقدروا أن يخدعوه بحثوا عن طريقةٍ أخرى، فجاءوا بورقة شجرة وربطوها بإحكام بحبال غليظة طويلة، وتظاهروا بأنهم ربطوها بحجر كبير لكي يسحبوا ورقة الشجرة وكأنهم يعملون عملاً مجهِدًا، ونادوا بعضهم بعضًا بصوتٍ عالٍ، وقصدهم بذلك أن ينحلّ القديس بقلبه ويضحك وبذلك يستولون على قلبه. ولكنه رفع يديه في الحال وصلّى وتنهّد حتى اختفوا من أمامه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي مراتٍ أخرى عندما كان يجلس ليأكل كانوا يأتون إليه في شكل نساء عاريات فيجلسن ليأكلن معه. ولكن رجل الله كان يغمض عينيه وقلبه حتى يختفي العدو دون أن ينال شيئًا منه، لأنّ الرب كان يحفظه كقوله لكل مَنْ يتّقيه: »[FONT=&quot]لا تخف لأني معك[/FONT]«[FONT=&quot] (تك26: 24)[/FONT][FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قيل إنّ أنبا باخوميوس[FONT=&quot] قضى وقتًا طويلاً يصارع مع الشياطين ببطولةٍ حقيقيةٍ مثل القديس أنطونيوس. ولأن الشياطين كانت تأتي إليه بالليل، فقد طلب من الله أن يبعد عنه النوم ليلاً ونهارًا، فيظل مستيقظًا حتى يتغلّب على العدو الذي يحاربه ويستأصل قوته كما هو مكتوب: [/FONT]»[FONT=&quot]ولا أرجع حتى أفنيهم[/FONT]«[FONT=&quot] (مز18: 37)، لأنّ قوتهم تبيد إزاء الإيمان بالرب. وقد منحه الرب ما طلبه لمدةٍ كافيةٍ قيل إنها كانت أربعين يومًا حتى طردهم وأخزاهم وصاروا يخافون منه. وكان بنقاوة قلبه كمن يرى الله - الذي لا يُرَى - كما في مرآة[/FONT][FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]من سيرة الأب باخوميوس:[FONT=&quot] ظهر له الشيطان يومًا ما بصورة السيد المسيح وقال له: ”اِفرح يا باخوميوس لأنّي جئتُ لافتقادك“. ففكر في نفسه قائلاً: ”من شأن المناظر الإلهية أنها من بهجتها وحلاوتها تَسبي عقل مستحقيها حتى أنه لا يفكر في أي أمر آخر، ولكن أفكاري الآن مشتّتة وغير محصورة في هذا المنظر“. فلما رآه الشيطان مفكِّرًا حاول أن يستأصل أفكاره. ثم قال الأب في نفسه: ”ها هي أفكاري السابقة غير موجودة الآن“. ثم قام ومدّ يده كمن يريد أن يمسكه، فصار في الحال كالدخان وتلاشى[/FONT][FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جُرِّب القديس بأنواع أخرى كثيرة وقاسية، [FONT=&quot]فمثلاً كان الشياطين يضربونه ضربًا محسوسًا فيظل متألمًا بجسده من المساء حتى الصباح. ولم يكن له من عزاء سوى تذكّره أنّ الله هو الذي يدرِّبه، وأنه لأجل ذلك يجعله ينضغط ويتشدّد.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وهنا جاءه راهب قديم يُدعَى "هيراكابوللون" ليفتقده، وبعد أن سلّم عليه أنبا باخوميوس بدأ "هيراكابوللون" يحدِّثه قائلاً: ”تشجّع فإنّ الشيطان يعرف أنه إذا تملّك عليك الإهمال فإنه يتسلّط علينا نحن أيضًا الذين اتخذناك لنا قدوةً، لهذا اصطبر لئلاّ تنغلب فتصير مُطالَبًا بدمائنا“.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع القديس ذلك تشجّع بالأكثر وصلّيا طالبين ألاّ يفترقا البتّة. و بعد مدّةٍ من الزمان أكمل هذا الراهب سعيه حسنًا ورقد وسط الجماعة حسب مشيئة الرب[FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]القديس يتلقى إرشاد الرب له:[/FONT]
[FONT=&quot]قيل إنه[FONT=&quot] قبل أن يقتني ق. باخوميوس من الرب معرفةً كاملةً، كان له إيمان صادق حتى إنه كان يطأ الحيات والعقارب ويعبر مياه النيل وسط الحيوانات المفترسة (كالتماسيح مثلاً) بجرأةٍ وبلا خوفٍ دون أن تُصيبه بأذى، لأنه كان يفعل ذلك باستقامة قلبه، ولم يكن قد أدرك بعد كمال المعرفة، فكان الرب يراقبه قاصدًا أن يعلِّمه فيما بعد ماذا ينبغي أن يفعل.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]إنّ موسى النبي حين رأى عصاته قد تحوّلت إلى حيّةٍ خاف منها، لأنّ الرب لم يكن قد أمره بعد أن يمسك بها، ولما أمسكها تحولت في يده إلى عصا مرةً أخرى. فقبل أن يمنح الله سلطانًا للقديسين تظل المفزعات والمستحيلات لدى الإنسان مستحيلات (اُنظر لو18: 27). لهذا تعرّف باخوميوس على جهله وصار حزينًا على ذلك، وصلّى قائلاً: ”يا رب، أنت مرشد العميان، أشكرك لأنك حتى في هذه الأمور تغاضيتَ عن أخطائي بتنازلك إليَّ في جهلي حتى تعلمني إرادتك الكاملة“[FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان القديس مرةً مع بعض الإخوة[FONT=&quot] في جزيرةٍ يقطعون الحلفاء لعمل السلال، وذلك بالقرب من قرية طابنيسي المتاخمة للبرية، ثم ذهبوا إليها بعد العمل. وفي تلك الليلة بعد أن أكملوا صلواتهم ابتعد القديس قليلاً وجلس وحده. وكان منكسر القلب مترجيًا أن يعرف إرادة الله، فظهر له رجلٌ مضيءٌ ووقف مقابله وقال له: ”لماذا أنت منكسر القلب“؟ فأجابه: ”إنني أطلب معرفة إرادة الله“. فقال له الرجل المضيء: ”أَتريد حقًا أن تعرف إرادة الله“؟ فأجاب: ”نعم“. فقال له: ”إرادة الله أن تخدم البشر وتصالحهم معه“. فردّ القديس عليه: ”أنا أطلب إرادة الله وأنت تقول لي أن أخدم البشر“؟ فكرر الرجل المضيء هذا القول ثلاث مرات ثم اختفى.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حينئذٍ تذكّر القديس العهد الذي قطعه مع الله عندما قُدِّمَتْ له المعونة عندما كان مسجونًا مع زملائه (في الخدمة العسكرية)، فقد وعد الله قائلاً: ”يا الله، إذا أعنتني وخلّصتني من هذه الضيقة التي أنا فيها فسأخدم البشرية لأجل خاطر اسمك“. فاطمأنّ إلى أنّ ما كان قد جاء على قلبه حينئذٍ هو من روح الرب لأنه اتفق مع كلام الرجل المضيء.[/FONT]
[FONT=&quot]وكان أخوه في مكان قريب وسمعه وهو يتكلم، فسأله: ”مع مَنْ كنتَ تتكلم“؟ لأنه لم يرَ الشخص الذي تكلم معه، ولكن باخوميوس أخفى الأمر وأجاب: ”لا أحد“[FONT=&quot][18][/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حياة الشركة الأولى:[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل إنه[FONT=&quot] لما تفكّر في ذلك بدأ يقبل كل الآتين إليه، وبعد أن يمتحنهم ويستفسر عن أهلهم يُلبسهم إسكيم الرهبنة ويقبلهم بفرح وحب الله، ويقودهم في السيرة الروحانية قليلاً قليلاً. فيتحقق أولاً من تركهم للعالم (في قلوبهم) فيما يختص بأهلهم وذواتهم وتبعيتهم للمخلِّص الذي علّم هكذا، لأنّ هذا هو ما يعنيه حمل الصليب (لو14: 26). وبمجرد أن ينضموا إلى مجمع الرهبان كانوا يعطون أنفسهم لممارسات نسكية عظيمة وعديدة. وإذ كانوا يتعلمون منه جيدًا فبحسب الوصايا كانوا يثمرون بما يليق بدعوتهم (أف4: 1). وكانوا يتعجبون منه جدًا عندما يرونه يجاهد ليس في احتمال الأتعاب الجسدية فحسب؛ بل وفي اضطلاعه بنفسه بكل اهتمامات الدير تقريبًا، فكانوا ينتفعون جدًا ويزدادون حرارةً ونسكًا.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فقد كان يعدّ لهم المائدة وقت الطعام، كما كان يزرع الخضروات ويرويها. كما كان يُجيب على كل مَنْ يقرع بابه. وإذا مرض أحدهم كان يهتم به بنفسه ويقوم على خدمته أثناء الليل حتى يتعافى قائلاً في قلبه إنّ الإخوة الجدد لم يكونوا قد بلغوا بعد إلى هذا المقدار من الغيرة على خدمة بعضهم البعض، لذلك جعلهم بلا همٍّ في كل شيء قائلاً: ”أيها الإخوة، جاهدوا لتدركوا غاية دعوتكم بتلاوة المزامير والفصول التي من الكتب الأخرى وبالأخص من الإنجيل. أما أنا فأجد راحتي في خدمة الله وخدمتكم كوصية الله“[FONT=&quot][19][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان من أوائل تلاميذه:[FONT=&quot] بسنتاسيوس وسوروس وبصويص (بشوي). وكان ينفعهم بوعظه بكلام الله ويقودهم إلى الغيرة في الأعمال الصالحة، لأنهم رأوا أنه حتى في صمته لم يكن عمله أقل نفعًا من كلامه، فكانوا يتعجبون ويقولون بعضهم لبعض: ”كنا نظن أنّ جميع القديسين جبلهم الله هكذا من بطون أمّهاتهم قديسين غير قابلين للتغيير وبلا إرادةٍ حرة! وأنّ الخطاة لا يستطيعون أن يحيوا لأنهم جُبِلوا هكذا! والآن ها نحن نرى صلاح الله ظاهرًا في أبينا هذا، فهو رغم أنه وُلِد من أبوين وثنيين إلاّ أنه بلغ إلى تقوى عظيمة متسربلاً بوصايا الله. ولهذا ففي استطاعتنا نحن أيضًا أن نتبعه مع الآخرين جميعًا للأسباب عينها التي من أجلها استطاع هو أن يتبع (طريق) القديسين. وهذا هو، إذن، معنى الآية: [/FONT]»[FONT=&quot]تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم[/FONT]«[FONT=&quot] (مت11: 28). فلنعِش ونَمُتْ جميعًا مع هذا الرجل لأنه يقودنا باستقامةٍ نحو الله“[/FONT][FONT=&quot][20][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قال تلاميذ أنبا باخوميوس له:[FONT=&quot] ”لماذا تتعب وحدك يا أبانا في كل أعمال الدير“؟ فأجابهم: ”مَنْ يوثق بهيمةً في شادوف ويتغاضى عنها حتى تسقط وتموت؟ إنّ الله الرحوم إذا رأى أنني مجهَدٌ فسيرسل لنا آخرين يمكنهم أن يساعدونا في الاهتمام بالدير“. لأنّ (ديرهم) كان كينوبيون (شركة). وقد قنّن لهم القديس أنظمةً لا عيب فيها وتقاليد نافعة للنفوس بحسب الكتب الإلهية، ورتب أن تكون ملابسهم باعتدال وطعامهم بالتساوي ونومهم بحسن نظام ولياقة[/FONT][FONT=&quot][21][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أول تنظيم للجماعة:[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قال بالليديوس:[FONT=&quot] قال الملاك الذي ظهر لأنبا باخوميوس (انظر ص 11): ”اجعل للرهبان أربعة وعشرين رتبة، وأعطِ لكل رتبة حرفًا من الأبجدية اليونانية“. ففعل أنبا باخوميوس كما أوصاه الملاك. وعندما كان يريد أن يسأل رئيسهم عنهم كان يقول له: ”كيف حال جماعة "ألفا"؟ وماذا تعمل جماعة "زيتا"“؟ أو ”تحياتي لجماعة "رو"“. وكانوا يتبعون المعنى الذي أُعطيَ ليخص كل حرف. فقد أُوصيَ أن يعين حرف "يوتا" لأكثرهم بساطة وأقلهم في الميول الدنيوية، ولكن الذين أكثرهم صعوبةً وعنادًا أن يعيّن لهم حرف "تشي". وهكذا جعل الحروف تناسب كل جماعة بحسب حياتهم وأمزجتهم. ولكن الذين كانوا يعرفون معنى كل رمز هم أكثرهم روحانية.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان محفورًا على اللوح أيضًا: [FONT=&quot]’[/FONT][FONT=&quot]الراهب الغريب من دير آخر[/FONT][FONT=&quot][22][/FONT][FONT=&quot]يجب ألاّ يأكل أو يشرب أو يمكث معهم إلاّ إذا كان مسافرًا بالفعل (في مهمةٍ). والذي يأتي للإقامة لا يقبلونه في الهيكل[/FONT][FONT=&quot][23][/FONT][FONT=&quot]لمدة ثلاث سنوات. فعندما يكون قد تمّم الأعمال الأكثر تعبًا يُقبَل، ولكن فقط بعد ثلاث سنوات[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]... وعندما يأكلون اجعلهم يغطون وجوههم بقلسواتهم حتى لا ينظر الأخ جاره وهو يأكل، ولا ينبغي أن يتكلم أحد أثناء الأكل أو يحوّل عينيه عن صحفته أو مائدته[/FONT][FONT=&quot]‘[/FONT][FONT=&quot][24][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد أوصى القديس الرهبان أن يصلّوا اثنتي عشرة صلاة كل يوم في النهار واثنتي عشرة أخرى عند إضاءة المصباح، وفي السهر طوال الليل اثنتي عشرة صلاة، وثلاث صلوات في الساعة التاسعة. كما أوصاهم عندما يأكلون أن يرتلوا مزمورًا بالإضافة إلى كل صلاة.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما اعترض الأب باخوم على الملاك بأنّ الصلوات قليلة جدًا، قال له الملاك: ”إنني رتبتُ ذلك حتى يمكن للصغار (والضعفاء) أن يحفظوا هذا النظام بدون أن يتضايقوا. أما الكاملون فلا يحتاجون إلى نظام لحياتهم، لأنهم قدّموا ذواتهم بكليتها للتأمل في الله في قلاليهم. إنني وضعتُ نظامًا لمثل الذين ليست لديهم المعرفة الحقيقية[FONT=&quot][25][/FONT][FONT=&quot]، وذلك لكيما يتمموا الواجبات التي تتفق مع حالتهم مثل خدّام البيت، وهكذا يتمتعون بحياة الحرية الكاملة[/FONT][FONT=&quot][26][/FONT][FONT=&quot] “.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد سلكت بعض الأديرة بهذا النظام وبلغ عدد رهبانها سبعة آلاف. وأولهم الدير الكبير الذي عاش فيه أنبا باخوم نفسه. وكان هذا الدير بمثابة الأُمّ لجميع الأديرة الأخرى إذ كان فيه 1300 راهب[FONT=&quot][27][/FONT][FONT=&quot]كان بينهم الأب "أفثونيوس" الصالح الذي كان صديقًا معروفًا لي جيدًا، والآن هو الراهب (أو المسئول) الثاني في الدير. وقد اعتادوا أن يرسلوه إلى الإسكندرية ليبيع إنتاج الدير ويشتري الضروريات، حيث إنه كان أقل عرضةً للانحراف.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كما كانت هناك أيضًا أديرة أخرى يضم كل منها مائتين إلى ثلاثمائة راهب. وقد زرتُ واحدًا منها عندما ذهبتُ إلى بانوبوليس (إخميم الحالية)، حيث كان يوجد ثلاثمائة راهب. وقد رأيتُ في هذا الدير خمسة عشر خيّاطًا (ترزيًا) وسبعة يعملون في المعادن وأربعة نجارين واثني عشر جمّالاً، وخمسة عشر قصّارًا (أي الذين يبيِّضون الأقمشة). إنهم يعملون في كل نوع من الحرف، ومن فائض أرباحهم يساعدون أديرة النساء ونزلاء السجون.[/FONT]
[FONT=&quot]كما أنهم يحتفظون بخنازير، ولما اعترضتُ على ذلك أجابوا: [FONT=&quot]’’[/FONT][FONT=&quot]هذه عادة قديمة أن الخنازير تتغذّى على النفايات وبواقي الخضروات. وتُذبَح الخنازير ويُباع لحمها، وتُعطَى أرجلها للمرضى والمسنين، إذ إنّ هذه المنطقة فقيرة ولكنها مزدحمة بالسكان، لأنّ قبيلة إثيوبية أيضًا كانت تعيش بالقرب منها“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]والرهبان الذين يُعيّنون لخدمة اليوم ينهضون مبكرين ويذهبون إلى المطبخ أو إلى المائدة، ويعملون حتى ميعاد الوجبة المشتركة في إعداد وتجهيز الموائد، فيضعون على كل مائدة الخبز والخردل والزيتون المحفوظ والجبن المصنوع من لبن البقر والخضروات. والبعض يدخلون ويأكلون في الساعة السادسة (12 ظهرًا) وآخرون في السابعة وغيرهم في الثامنة وآخرون في التاسعة أو في الحادية عشرة أو في المساء المتأخر، والبعض يأكل مرة كل يومين، وكل مجموعة منهم تعرف ميعادها. وكان البعض يأكل مرة واحدة في اليوم، والبعض يأكل مرة واحدة في الأسبوع، وكما كان يعرف كل واحد الحرف من الأبجدية الذي يتبعه، هكذا أيضًا يعرف عمله.[/FONT]
[FONT=&quot]وهكذا أيضًا فيما يخص أعمالهم. فالواحد يعمل كفلاّح في الأرض، وآخر يعمل كبستاني، وآخر يعمل حدّادًا، وغيره يعمل نجارًا، وواحد خبّاز[FONT=&quot]ًا[/FONT][FONT=&quot] وغيره قصّار[/FONT][FONT=&quot]ًا[/FONT][FONT=&quot] (للملابس)، وآخر يضفر سلالاً كبيرة أو حصرًا، وغيره إسكافي أو ناسخ أو يضفر القصب الرقيق، وآخر يعمل شباكًا للصيد. وهم جميعًا يحفظون الأسفار المقدسة عن ظهر قلب[/FONT][FONT=&quot][28][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] G 1, 11; SBO, 15b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] G 1, 12; SBO, 17. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] G 1, 13; SBO, 16, 18; QRT, 22. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] G 1, 14; SBO, 19; W. & W., I: 109: [FONT=&quot]باخوم (سيرة أنبا باخوميوس باللغة العربية)[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] Laus., 32: 1-3; PHF., I: p. 144. [FONT=&quot]وهذا يدل على وجود قداسين: السبت والأحد[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][6]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref6[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولذلك اشتهر بلقب "أب الشركة"، أي مؤسس حياة الشركة الرهبانية، لأنه كان أول من جمع الرهبان تلاميذه في دير واحد يعيشون حياة مشتركة في الصلاة وعمل اليدين والأكل معًا في "مائدة الأغابي"، ووضع لهم نظم وقوانين رهبانية، وهو النظام الذي انتشر في العالم كله ولا زال باقيًا حتى اليوم. [/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] G 1, 15; SBO, 19; S 1: 7, 8.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] S 1: 9; G 1, 16.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] SBO, 20.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] G 1, 17. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][11][/FONT] G 1, 18; SBO, 21.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][12][/FONT] Paral., 14; G 1, 18; SBO, 21.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT] G 1, 19; SBO, 21.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] G 1, 22; SBO, 21; W.& W., I: 108.[/FONT]

[FONT=&quot][15]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref15[FONT=&quot] س 4 ص 115. [/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT] G 1, 20.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT] G 1, 21.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][18][/FONT] S 1: 6; G 1, 23; SBO, 22. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][19][/FONT] S 1: 10; G 1, 24; SBO, 23.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][20][/FONT] S 1: 12; G 1, 25; SBO, 23.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][21][/FONT] S 1: 12; G 1, 25; SBO, 23.[/FONT]

[FONT=&quot][22]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref22[FONT=&quot] المقصود هنا هو الراهب الطواف من دير إلى آخر بدون هدف روحي. [/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][23]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref23[FONT=&quot] المقصود بذلك: لا يقبلونه في الرهبنة. وقد ذُكِر عن ق. برفيريوس أنه ”ذهب إلى الأسقيط، وبعد أيام قليلة حُسِب مستحقًا للزي المكرَّم“.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][24]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref24[FONT=&quot] وقد ذُكِر هذا النظام أيضًا في كتاب [/FONT]Monach., 3[FONT=&quot] وأيضًا في كتاب كاسيان: [/FONT]Inst. 4, 17[FONT=&quot]. [/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][25]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref25[FONT=&quot] [/FONT]»[FONT=&quot]أشهد أنّ لهم غيرة لله، ولكن ليس حسب المعرفة[/FONT]«[FONT=&quot] (رو10: 2). [/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][26]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref26[FONT=&quot] الرهبان الذين لهم نظام معين هم أكثر أمانًا وسعادةً مما لو تُركوا لميولهم الخاصة، أما الراهب المتقدم في القداسة فلا يحتاج إلى ذلك. [/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][27]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref27[FONT=&quot] يبدو أن عددهم زاد بعد ذلك لأن بعض المصادر تقول [/FONT][FONT=&quot]إ[/FONT][FONT=&quot]نهم كانوا 5000 راهب. [/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][28][/FONT] Laus., ch. 32.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]القديس يؤسِّس ديرًا للراهبات:[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]لما سمعت أخت أبينا الكبير باخوميوس،[FONT=&quot] واسمها مريم، أخباره جاءت لتراه، فأرسل إليها مع الأخ الموكل بباب الدير يقول لها: ”ها قد علمتِ أنني حي، فلا تحزني لأنكِ لم تنظريني، ولكن إن شئتِ أنتِ أيضًا أن تشاركي في هذه السيرة المقدسة لكي نجد رحمة الله، ففكري في الأمر، والإخوة يصلحون لكِ مسكنًا تقيمين فيه بهدوء، لعل الرب يدعو نساءً أخريات يُقمن معكِ. لأن الإنسان ليس له رجاء في هذا العالم ما لم يفعل الصلاح لنفسه ولقريبه قبل أن يرحل من جسده إلى الموضع الذي يُحاسَب فيه وينال حسب أعماله“. فلما سمعَتْ هذا الكلام بكت وانسحق قلبها وتحول إلى طلب الخلاص.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وهكذا أُقيمت لها قلاية صغيرة، ولما كثر عدد الأخوات صار الموضع ديرًا كبيرًا، وذلك في القرية على مسافة من دير الإخوة. وقد عاشت الأخت مع الأخريات بغيرة، ثم صارت لهن أُمًّا. ثم رتب أبونا باخوميوس لهن أخًا تقيًّا جدًا ومتقدمًا في السن يُدعَى "بطرس" ليفتقدهن. وكان كلامه مصلَحًا بملح، هادئًا في فكره ونظرته. وكثيرًا ما كان يقف ويعظهن بكلام الخلاص من الكتب المقدسة. وكتب لهن الأب باخوميوس قوانين دير الإخوة وأرسله للأخوات على يد الشيخ بطرس لكي يدبِّرن نفوسهن بموجبها.[/FONT]
[FONT=&quot]وكان إذا اشتاق أحد الإخوة - من الذين لم يصلوا بعد إلى الكمال - أن يزور إحدى قريباته، يرسله بواسطة مدبِّر البيت إلى الشيخ بطرس، وذلك عملاً بالقول: [FONT=&quot]«صرتُ للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء، صرتُ للكل كل شيء لأخلِّص على كل حال قومًا» (1كو9: 22). وبعد مشاورة أُمّ الدير كانت تتم الزيارة في حضرة أخت أخرى تقية بلياقة وتحفُّظ شديدين مع إغفال قرابة الجسد، وكانوا يقومون للصلاة قبل أن يفترقوا، ولم يكن يُحضِر لها شيئًا لأنه لا يملك شيئًا، كما أنه لا يأخذ منها شيئًا، إذ إن كفايتهم هي رجاء وتذكار الخيرات الأبدية العتيدة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ومتى كانت هناك حاجة إلى البناء أو إلى أي عمل ضروري، كان يختار رجلاً حكيمًا تقيًا مع آخرين مثله ويرسلهم للعمل هناك، وعند موعد الطعام كانوا يعودون إلى الدير. وإذا انتقلت إحدى الأخوات كانت الأمهات المتقدمات في السن يكفنّ الجسد، ثم يجتمع الإخوة المعيّنون ويقفون في هدوء تحت الرواق في مكان الصلاة وهم يرتلون المزامير باحتشام، بينما تقف الأخوات بعيدًا عنهم على الجانب الآخر إلى أن يحين وقت الدفن فيمضون إلى الجبل وهم يرتلون المزامير بوقار شديد، بينما ترتل الأخوات وراء العربة. وكان الأب بطرس لا يتركهن حتى يرجعن إلى الدير تملأهن مخافة الله. وبعد انتقال الأب بطرس تعيّن لهن الأب "تيتوي"[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot] [/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقال بالليديوس: [FONT=&quot]كان هناك أيضًا دير لنحو أربعمائة امرأة[/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot]. وكانت لهن طريقة الحياة نفسها ما عدا الزي الرهباني. وكانت النساء يعشن على جانب النهر المقابل لدير الرجال. وعندما كانت إحدى الراهبات تنتقل من العالم كانت الأخريات يحملنها إلى شاطئ النهر، ويعبر الرهبان النهر في قارب وهم يحملون سعف النخل وأغصان الزيتون والشموع، ويحملون الجسد وهم يرتلون المزامير لدفنه في المدفن المشترك. ولم يكن أحد من الرجال يذهب إلى دير الراهبات عدا الكاهن والشماس لإقامة القداس يوم الأحد فقط[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]روى القديس باسيليوس الأسقف القصة الآتية[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot]:[/FONT][FONT=&quot] كان في دير النساء هذا أخت ادّعت الجنون وأنّ شيطانًا يسكنها. وقد ازدرت بها الأخوات حتى أنهن كن لا يأكلن معها إطلاقًا مما جعلها تُسَرّ جدًا. وكانت تؤدّي في المطبخ كل عمل حقير[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot]، وكما يقول المثل، فقد كانت هي "ممسحة الدير" (أو مكنسة المجمع)، محقِّقةً بذلك قول الكتاب: [/FONT]«[FONT=&quot]إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا[/FONT]» [FONT=&quot](1كو3: 18). وكانت ترتدي خرقة حول رأسها بينما كانت الباقيات محلوقات الشعر ويرتدين قلسوات. وهكذا اعتادت هذه الأخت أن تخدم.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولم ترها واحدة من الأربعمائة راهبة تمضغ الطعام كل أيام حياتها، كما أنها لم تجلس على مائدة قط ولا شاركت في فتات من الخبز، ولكنها كانت تجمع الفتات من المائدة وتكتفي بما تجمعه. ولم تغضب من أي واحدة ولا تذمرت أو تحدثت قليلاً أو كثيرًا، وذلك رغم أنهن أسأن معاملتها وأهنّها واشمأززن منها.[/FONT]
[FONT=&quot]وظهر ملاك للقديس "بيتيروم" (ربما "بيتيريون") - وهو المتوحد الشهير الذي عاش في جبل "بورفيريتس" الذي يقع بين نهر النيل والبحر الأحمر - وقال له: ”لماذا تفكر كثيرًا في نفسك أنك تقي وتقيم في مكان مثل هذا؟ أتريد أن ترى امرأةً أكثر منك في التقوى؟ اذهب إلى دير النساء في طابنيسي وهناك تجد واحدة بعصابة على رأسها، إنها أفضل منك. فبينما كان كثيرون يلطمونها، إلاّ أنها لم تنفصل بقلبها عن الله قط. ولكنك أنت تسكن هنا وتجول بذهنك في المدن“.[/FONT]
[FONT=&quot]فذهب القديس - الذي لم يسبق أن غادر مكانه قط - وطلب من المسئولين أن يسمحوا له أن يدخل دير النساء، فسمحوا له حيث أنه كان متقدمًا في العمر وله أيضًا سمعة جيدة. ولما دخل أصرّ أن يرى جميع الأخوات، ولكن تلك الأخت لم تظهر. فقال لهن: ”أحضرن الجميع لأنه تنقصهن واحدة“. فقلن له: ”عندنا واحدة في المطبخ وهي ممسوسة (أي بها شيطان)“. فطلب أن يراها. ولما استدعينها لم تردّ عليهن ربما لأنه كان قد كُشِف لها الأمر. فأمسكنها بقوة وقُلن لها: ”إنّ القديس بيتيروم يريد أن يراكِ“، فقد كان مشهورًا.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما جاءت رأى القديس عصابة الخرق على رأسها، فخرّ أمامها قائلاً: ”باركيني“! وبنفس الطريقة أيضًا خرّت هي عند قدميه قائلةً: ”باركني يا سيدي“. فاندهشن جميعهن من ذلك وقلن: ”أيها الأب، لا تهتم فهي ممسوسة“. حينئذٍ خاطب القديس جميع الأخوات قائلاً: ”أنتن الممسوسات، فهذه المرأة إنما هي أَمَّا (أي أمٌّ روحانية) لكُنّ ولي أنا، وإنني أصلّي أن أكون مستحقًا مثلها في يوم الدينونة“.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمعن ذلك سقطن عند قدميه معترفات بأمور كثيرة: فواحدة سكبت بواقي طبقها عليها، وأخرى ضربتها بقبضة يدها، وأخرى لذعت أنفها. وهكذا اعترفن بشتّى أنواع إهاناتهن لها. وبعد أن صلّى القديس معهن انصرف. وبعد أيام قليلة لم تستطع القديسة أن تحتمل مديح الأخوات وتكريمهن لها، وصارت جميع اعتذاراتهن لها حملاً ثقيلاً عليها حتى إنها تركت الدير. ولكن أين ذهبت أو أين اختفت أوكيف ماتت، لا أحد يعرف[FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]مرض صبي حسن الصورة[FONT=&quot] وذهبوا به إلى مكان المرضى. وكان الأخ الذي يخدم المرضى ناسكًا يسمى "دويدة"، وكان يُحسن فرز أفكاره، ولما رأى أنه نشيطٌ في خدمة الصبي بمحبة وفرح، وأنه يُعدّ له الطعام باهتمام زائد؛ صار يتنهد وهو يُميّز ما في داخله قائلاً: "لماذا هذا الاهتمام الزائد بهذا الأخ؟ هل هو مختارٌ أكثر من جميع الإخوة أو مريضٌ أكثر منهم؟ كلا"! ولما ذهب إلى قلايته ظلّ صائمًا لم يأكل ولم يشرب، وكان الوقت صيفًا. وظلّ يصلّي الليل كله قائلاً: "يا ربي يسوع المسيح، أظهر لي هذا الأمر لكي أفهمه، لأن هذا النشاط الذي صار في قلبي ليس مستقيمًا أمامي مثل تعاليم عبدك أنبا باخوميوس". فلما اقترب الصباح بينما كان "دويدة" مداومًا على الصلاة، رأى روحًا قائمةً أمامه في شكل امرأة حسنة المنظر والملبس، وقالت له: "لماذا أنت مداومٌ على الطلبة حتى أنني كُلِّفتُ بغير هواي أن أظهر لك؟ إنني أنا هو روح الزنى، وأنا التي زرعتُ ذلك الفرح والنشاط في قلبك لكي تخدم هذا الصبي بمحبة واجتهاد، وهذه هي صنعتي وعادتي أن أزرع في قلوب النسّاك العظام أولاً حبًّا في امرأة أو صبي، وإذا قبلوا هذا الفكر ولا يرون أن فيه خطية؛ حينئذ أزرع فيهم اللذّة وأجتذبهم قليلاً قليلاً حتى إذا لم يفلحوا في التيقظ أطرحهم في دنس الشهوة". ولما قالت ذلك اختفت، أما هو فتعجب وبارك الله الرحوم الذي أظهر له فخ الشيطان وخلّصه منه[/FONT][FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل[FONT=&quot] إن الرب دعا بعد ذلك كثيرين آخرين جاءوا ليعيشوا حياة النسك مع[/FONT][FONT=&quot] الأب باخوميوس[/FONT][FONT=&quot] ومنهم: بيكيسيوس وكورنيليوس وبافلوس وباخوميوس آخر ويوحنا، وكانوا جميعًا قد سمعوا بحسن إيمانه القويم. وبعد أيام قليلة جاء "ثيئودورس" (تادرس) وهو صبي في الرابعة عشرة من عمره، وصار له ابنًا حقيقيًا مماثلاً له في كل شيء. كما ذكرت نسخة أخرى خبر مجيء ثمانين من الإخوة من موضع اسمه "إثباكات [/FONT]Qbakat[FONT=&quot]" [/FONT][FONT=&quot]فقبلهم، ولكنه لما رأى الأفكار الجسدانية ثابتة فيهم أخلى سبيلهم من الدير. وقد أسند للأقوياء منهم أعمال الدير الظاهرة. ثم ازداد عدد الإخوة حتى بلغ المائة[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل أيضًا [FONT=&quot]إنّ الأب باخوميوس أخذته الغيرة أن يبني كنيسة في قرية "طبانسين" للرعاة الذين بالمناطق المحيطة بها، وكانوا عاميين، لكي يجتمعوا فيها في السبوت والآحاد لسماع كلمة الله. وقد فعل ذلك ليس من نفسه بل برأي أنبا سيرابيون أسقف دندرة. وكان يذهب مع الإخوة يوم السبت للتناول من الأسرار المقدسة ويقرأ لهم وقت الاجتماع لأنه ما كان يوجد أغنسطس. وكان يقضي وقتًا لحاجاتهم وحاجات الغرباء القادمين، وذلك حتى أُقيم لهم كاهن.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وعندما كان يقرأ لهم كانت له معرفة وتقوى، وكانت نظراته متوافقة مع حسن إلقائه متناغمةً مع معاني الكلمات حتى أنّ هؤلاء العلمانيين كانوا حينما يرون رجل الله هذا بينهم كانوا جميعًا يتجهون بالأكثر لقبول الإيمان ويصيرون مسيحيين، لأنه كان رحومًا للغاية ومحبًا لنفوسهم. وكثيرًا ما كان يبكي أوقاتًا طويلة وحده عندما يرى أناسًا لا يعرفون إلههم وخالقهم، لأنه كان يشتهي إن كان ممكنًا أن يخلُص الجميع[FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]الكهنوت في الرهبنة:[/FONT]
[FONT=&quot]وكان أنبا باخوميوس[FONT=&quot] يستدعي قسيسًا من الكنائس القريبة حينما يحتاجون إلى البروسفورا (أي خدمة القداس)، وكان يصلِّي لهم العيد إذ لم يكن بينهم مَنْ هو في رتبة الكهنوت[/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot]. وكان يحدثهم عن ذلك مرارًا كثيرة قائلاً: [/FONT][FONT=&quot]”ليس من الصالح أن تُطلَب الرئاسة والمجد وخصوصًا في الكينوبيون (الشركة) حتى لا يكون ذلك سببًا في النـزاع والغيرة والحسد بين الرهبان. فكما أن شرارة النار تكون في أوائلها صغيرة جدًا وإذا أُلقيت في بيدر ولم تُطفَأ سريعًا فهي تُهلِك أتعاب السنة كلها؛ هكذا درجة الكهنوت فهي فاتحة شهوة محبة الرئاسة. فالأفضل أن نخضع لكنيسة الله بوداعة، فمتى وجدنا كاهنًا أقامه آباؤنا الأساقفة فلندعه يقوم لنا بخدمات الكهنوت، لأنه حتى في القديم لم يكن جميع الشعب لاويين.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أما إذا أُقيم راهب من موضع آخر كاهنًا فلا يجب علينا، معاذ الله، أن ننظر إليه باحتقار كمن قد اشتهى الرئاسة، وخصوصًا إن لم يكن راغبًا في ذلك، بل نعتبره كأب مطيع متشبه بالقديسين، هذا إذا أكمل الخدمة بلا عيب. كذلك إذا ارتكب شخص أمرًا يعيبه لكونه بشرًا فلا ندينه، لأنّ الله وحده هو الديان. وعلى أي حال فقد رتب خلفاء الرسل قضاةً يحكمون بالروح حكمًا عادلاً. أما نحن عامة الشعب فخليقٌ بنا أن نكون عطوفين رحومين نحو بعضنا البعض“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان القديس إذا جاء إليه أحد الإكليروس ليصير راهبًا كان يخضع للطقس المرتب بحسب ناموس الله. وكان يسلك كالباقين بطيب قلب حسب القوانين المرتبة للإخوة[FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان القديس [FONT=&quot]متى رأى شيوخًا أو أناسًا مرضى بالجسد أو صبيانًا، كانت تأخذه الشفقة عليهم ويهتم بخلاص نفوسهم، فيحضهم على الشكر والصبر ومداومة الصلاة والهذيذ بذكر الله وتمجيده والتماس رضاه. وكان يفرح ويُسرّ بمن يتقدم في الفضيلة ويزداد في الإيمان، لأنهم كانوا يجدّون في عمل كل ما هو صالح بغيرة عظيمة. كما أنه عين البعض ليساعدوه في العناية بالنفوس. ومن بين هؤلاء عين مدبِّرًا [/FONT][FONT=&quot]o„konÒmoj[/FONT] [FONT=&quot]يهتم بكل الاحتياجات الجسدية في الدير، وآخر يكون ثانيًا له ليساعده في العمل. كما عين لكل موضع مدبرين ومساعدين لهم. وكان الموضع الأول هو للمدبرين المساعدين الذين يرتبون المائدة ويعدّون الأطعمة للإخوة كلٍّ حسب حاجته. لأنه كانت هناك أحوال متباينة بين العدد الكبير من الإخوة، وكان كل مَنْ أراد أن يتنسك تُترَك له الحرية في ذلك بلا أي مانع. ثم عين بيتًا للمرضى ومدبرين عهد إليهم الاهتمام براحة جميع الإخوة المرضى بكل عناية صادقة حسب القوانين، وأَلحق به مسئولاً ومساعدًا له للغرض عينه.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد أوكل البوابة لإخوة أتقياء ورعين محبين للغرباء ليستقبلوا الذين يقصدون الدير، وكان بيت الضيافة مجاورًا للبوابة في مكان منفرد. وكان هؤلاء يستقبلون الراغبين في الرهبنة في بيت آخر مخصص لطالبي الرهبنة يقضون فيه ثلاث سنوات تحت رعاية أحد الشيوخ الذي ينصحهم بما هولخلاصهم حتى يلبسوا الإسكيم. كما أنه عين بعض المؤمنين العلمانيين الأتقياء لكي يساعدوا في عمل الإخوة في البيع وشراء الاحتياجات.[/FONT]
[FONT=&quot]وبالإضافة إلى الخدمة التي يقوم بها مدبرو المواضع (البيوت)، كان يُعهَد لكل مدبِّر بتغيير المعيّنين لخدمة الإخوة كل ثلاثة أسابيع لسببين، الأول: لكي يستفيد الخادم الجديد من أتعاب الخدمة وثمارها الروحية، والثاني: لكي يستريح الخادم الأول ويرجع إلى سكونه من قلق العمل لبعض الوقت. ثم يحيلهم إلى خدمات أخرى حتى يقوموا بالعمل اليدوي الذي يكلّفهم به مدبِّر الموضع حسبما يرى المدبِّر الكبير أي أب الدير. وقد ترتبت بيوتٌ أخرى بمدبِّريها ومساعديهم لتعمل في الصنائع ومنها الحصر مع التمسك بصلوات السواعي، على أن يكون الجميع مذعنين وطائعين في كل شيء، وليست لهم في قلوبهم شهوة خاصة لكي يكونوا مثمرين في عملهم لله، وهو ما قاله القديس: [إن حفظتم أقوالي تُعطون ثمارًا مرضيةً لله].[/FONT]
[FONT=&quot]وإذا غاب أب الدير أخذ مساعده مكانه بسلطة كاملة حتى يعود، وذلك بدون عُجب أو تفاخر بل بكل اتضاع ووداعة لأجل بنيان الإخوة. وهذا الترتيب كان يُطبَّق أيضًا على مدبِّري البيوت ومساعديهم. وكان مدبِّر الدير مسئولاً عن التعليم ثلاث مرات أسبوعيًا، مرة يوم السبت ومرتين يوم الأحد. وكان مدبرو البيوت يفعلون ذلك أيضًا في الأصوام.[/FONT]
[FONT=&quot]ولم يكن الصوم والأكل حسب فرض معين، بل إن ذلك كان حسب اختيارهم، فقد كان الإخوة الذين يتولّون خدمة المائدة ينضّدونها ثماني ساعات في اليوم، ويضعون عليها الخبز وأنواع البقول والزيتون. وفي الأيام المناسبة (مثل الأعياد) كانوا يقدمون الجبن والبيض والمسلوق والمطبوخ من الحبوب. وكانوا بعد صلاة الساعة التاسعة يحضرون المائدة للطعام وسماع القراءة. ولم يكن الجميع يأكلون معًا، لأنّ بعضًا كانوا يأكلون في الساعة التاسعة، وآخرون الساعة العاشرة أو الحادية عشرة، وغيرهم في المساء عند طلوع النجوم، وآخرون كانوا يأكلون مرة واحدة كل يومين.[/FONT]
[FONT=&quot]وكانوا يربّون الخنازير على ما يخرج من غربلة الحنطة وفضلات الطعام. وكانوا يبيعون لحومها لصرف أثمانها في مصالح الدير، ويطعمون أطرافها للشيوخ والمرضى دون غيرهم.[/FONT]
[FONT=&quot]ولقد اتسع الدير جدًا حتى بلغ عدد الإخوة ألفين وخمسمائة راهب يعيشون معيشةً مشتركة. وكانت فيه جماعة تعمل الصنائع بأيديها للجميع: فكان منهم خمسة عشر خياطًا وسبعة حدّادين، وأربعة نجارين، وخمسة عشر صبّاغًا، وعشرون دبّاغًا، وخمسة عشر إسكافيًا، وعشرون بستانيًا، وعشرة نسّاخ، واثنا عشر جمّالاً، وعمّال الزنابيل الكبيرة، وعشرون عامل مراجين (الذين يرعون الغنم في المروج)، وعشرون نفرًا من الحرّاس، وعشرة حرّاثين لخمسين فدانًا[FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أراد رئيس أساقفة الإسكندرية الطوباوي أثناسيوس[FONT=&quot] أن يمضي إلى الصعيد الأعلى - إذ كان حينئذٍ قد تقلّد رئاسة الأسقفية - حتى إلى "سينّيس" (أسوان) ليثبِّت كنائس الله. ولما عبر على طبانسين خرج الأب باخوميوس والإخوة ليستقبلوه مسبحين ومرتلين بالمزامير، وكان يتقدمه العديد من الأساقفة وحوله جمع غفير من الناس ممجدين الله لحضوره. وكان أسقف دندرة [/FONT][FONT=&quot]tentÝrwn[/FONT] [FONT=&quot]قد تقدّم إلى البابا[/FONT][FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot]أثناسيوس يقول له: [/FONT][FONT=&quot]”إن بين رهبان منطقتي يوجد أب، هو رجل الله، وأريد أن ترسمه أبًا وقسًّا على كل رهبان المنطقة، لأنه لم يسمع لي في هذا الأمر“. فلما سمع الأب باخوميوس ذلك اختفى من البابا وسط الإخوة حتى رحل.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما جلس البابا مع ذلك الجمع العظيم قال لأنبا سيرابيون: ”بالحقيقة إنّ الرجل الذي قلتَ لي عنه، أي أنبا باخوميوس، قد سمعتُ خبر إيمانه وأنا في الصعيد قبل أن يضعوا عليَّ اليد“. ثم قام وصلّى وقال لأولاده: ”سلّموا على أبيكم وقولوا له: وإن كنتَ قد اختفيتَ مني وهربت من الأمور التي بسببها تكون الغيرة والحزن والحسد، واخترت لنفسك السمو الفاضل الدائم إلى الأبد مع المسيح، فالرب يعطيك حسب قلبك، وإن كنتَ قد هربتَ من العظمة الفارغة الوقتية الفانية، فالآن ليس أنت وحدك الذي لا تشاء أن يكون لك هذا الأمر؛ بل وأنا أيضًا أمدّ يدي إلى العالي الأبدي أنني لا أغصبك ولا أكلفك بهذا الأمر، بل إنني بمشيئة الله إذا رجعتُ لعلي أكون مستحقًا أن أرى محبتك“![/FONT]
[FONT=&quot]ثم فارقهم البابا واتجه إلى الجنوب مصحوبًا بعدد من الأساقفة وحشد من الناس بالمصابيح والشموع والمباخر. ولما ابتعد البابا خرج أبونا باخوميوس من مخبئه. ولما تطلّع الأب باخوميوس إلى البابا في المركب عرف فيه خادم الله وإنسانًا قديسًا، وبالأكثر لأنه سمع عن التجارب المتنوعة التي احتملها من أجل الإنجيل والإيمان الصادق الذي من أجله احتمل الآلام أيضًا فيما بعد[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل إن أنبا باخوميوس[FONT=&quot] كان يمقت أوريجانوس لأن رئيس الأساقفة كان قد أقصاه من البيعة قبل آريوس وملاتيوس اللذين جدّفا على المسيح، كما أنه كان قد سمع عما كتبه من المصنفات الرديئة، فكان يعتبره مجدِّفًا وقد مزج كلامه، الذي يبدو مقنعًا، بأقوال الكتب الإلهية لهلاك غير العارفين كمن يمزج السم بالعسل. ولهذا أوصى الإخوة كثيرًا ألاّ يقرأوا كلامه ولا يصغوا لسماعها. وحدث مرةً أنه وجد أحد كتبه فألقاه في الماء وأتلفه قائلاً: ”لو لم يكن اسم الرب في هذا الكتاب لكنتُ قد أحرقته بكلامه الفارغ المملوء تجديفًا“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان القديس يوقر الأساقفة الأرثوذكسيين خلفاء الرسل والمسيح نفسه كمن يعاين الرب مترئسًا على الدوام على عرش الأسقفية في الكنيسة ومعلِّمًا من خلاله. وكان لا يحتمل أن يسمع أحدًا يتكلم ضد أحد الآباء قط، فكان يهرب من مثل هؤلاء كمن يهرب من الحية حتى ولو كانت سيرتهم حسنة. وكان يوبِّخ ويزجر مَنْ يحاول ذلك بتذكيرهم بمريم أخت موسى التي تكلمت ضده قائلاً: ”الرجل الصالح لا ينطق بكلمة رديئة بأي حال وبالأخص ضد الآباء القديسين“. وهكذا صار نافعًا لكل مَنْ يقابله حتى إنّ كل مَنْ رآه ما كان يريد أن يخرج من حضرته[FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بدأ الناس يأتون إلى الأب باخوميوس[FONT=&quot] وبنوا لأنفسهم مساكن في الموضع الذي كان قد أوى هو إليه، وكوّنوا هناك مجموعة صغيرة ليعيشوا حياة التوحد. ثم وضع لهم قاعدةً هي: ’كل واحد عليه أن يعتمد على نفسه ويدبّر شئونه الخاصة، ولكنهم ينبغي أن يتعاونوا في كل الاحتياجات المادية بالنسبة للطعام وإضافة الغرباء الذين يأتون إليهم‘، لأنهم كانوا يأكلون معًا. فأحضر كل واحد ما أمكنه أن يشارك به، وكان هو يقسّمها بينهم، وقد فعلوا ذلك بمحض إرادتهم وحريتهم لكيما يقوم هو بتدبير احتياجاتهم، لأنهم وضعوا فيه ثقتهم واعتبروه أبًا لهم بعد الله.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان هذا التنظيم متناسبًا مع ضعفهم تطبيقًا لقول الرسول: «صرتُ للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء» (1كو9: 22)، وما قاله للكورنثيين أيضًا: «سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون» (1كو3: 2). وقد سلك هكذا لأنه كان يراهم غير مستعدين أن يرتبطوا معًا في شركة حقيقية مثل التي كانت بين المؤمنين الأوائل الذين «كان لجمهور الذين آمنوا قلبٌ واحدٌ ونفسٌ واحدةٌ، ولم يكن أحدٌ يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركًا» (أع4: 32)، وكما قال الرسول أيضًا: «لا تنسوا فعل الخير والتوزيع (الشركة)، لأنه بذبائح مثل هذه يُسرّ الله» (عب13: 16)[FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان أبونا باخوميوس[FONT=&quot] يغذيهم بأقصى ما في استطاعته، فكل ما يحصل عليه منهم كان يوزعه متوافقًا مع ترتيباتهم، فإذا جاءوا بسمك أو بأي نوع آخر، كان يُعدّه لهم ثم يأكل هو بعض الملح مع الخبز، وذلك إن كان قد صام في اليوم السابق. وهكذا كان يجعل من نفسه خادمًا لهم حسب العهد الذي كان قد قطعه أمام الله كما يقول الرسول: «فإني إذ كنتُ حرًّا من الجميع استعبدتُ نفسي للجميع لأربح الأكثرين» (1كو9: 19).[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولكنهم لما رأوا تواضعه وكرمه عاملوه بازدراء شديد بسبب عدم استقامة قلوبهم، فإذا قال لهم أن يهتموا ببعض الحاجات التي لديهم كانوا يعارضونه جهرًا ويشتمونه قائلين: ’لن نطيعك‘. أما هو فلم يكن يعاقبهم بل كان يحتملهم بصبر عظيم قائلاً إنهم سيشعرون بمذلتي ويرجعون إلى الله ويخافونه ويُصلحون أنفسهم، وذلك كما قال الرسول: «عبد الرب لا يجب أن يخاصم، بل يكون مترفقًا بالجميع، صالحًا للتعليم صبورًا على المشقات، مؤدِّبًا بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبةً لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته» (2تي2: 24-26)[FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ذهبوا جميعًا وقت الحصاد[FONT=&quot] ليستأجروا أنفسهم كحصّادين، فذهب الأب باخوميوس بجحش ليُحضر لهم طعامًا وقت الغداء، ثم أعدّ لهم مائدةً. وبعد انتهاء العمل في المساء امتطى بعضهم الجحش كنوع من المزاح بينما ساقه الآخرون وهم يضحكون قائلين: ”يا باخوميوس خادمنا، اجمع الأدوات واحملها على ظهرك وعُدْ بها إلى الدير“! ففعل باخوميوس ذلك وهو حزين يتنهّد، وكان حزنه ليس بسبب إهانتهم له، ولكن لأنهم لا زالوا مداومين على استهتارهم وعدم خشيتهم.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد ظل محتملاً منهم أحزانًا وسخريةً من هذا النوع لمدة أربع أو خمس سنوات. ولما رأى أنهم لم يرجعوا إلى الله رغم صبره واحتماله لهم؛ ذهب ذات ليلة وحده إلى مكان ما ووقف مصليًا طوال الليل، وكان قلبه منكسرًا لأنهم لم يخافوا الله بينما كان يخدمهم بكل صبر. وفي صلاته خاطب الله قائلاً:[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أيها الرب الإله ضابط الكل الآب المبارك، الكائن في الابن المبارك، والابن المبارك الكائن في الآب المبارك، وفي الروح القدس المبارك. أنت الذي تملأ كل مكان بقوة لاهوتك، الذي ليس شيء مستورًا عنك، لأن المسكونة صُنعت بكلمة من فمك وخُلقت بنسمة من شفتيك. قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملوءتان من مجدك.[/FONT]
[FONT=&quot]أنت الكائن في السماء والجالس على الشيروبيم والسيرافيم، والذي عيناك تنظران إلى الأعماق. أنت الذي لا يستطيع إنسان أن يباركك أو يسبحك أو يمجدك كما يليق بك وكما يحق لطبيعة كينونتك، حيث إنك غير مرئي وغير خاضع لشيء، كلّي البركة. أيها الرب الإله المبارك، الذي لا يقدر إنسان أن يعبِّر عن قوة لاهوتك، لأننا ترابٌ ورمادٌ، وقد جبلتنا من العدم إلى الوجود. أنت الواحد مع ابنك الحبيب والروح القدس كما هو مكتوب: «مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح» (أف4: 3).[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]يا الله القدوس المتعالي، الحي الطويل الروح، الشفوق الصالح، الكثير الرحمة، أيها الرب الإله الأمين والبار، الصادق والحاكم العزيز. أيها الرب الإله القوي بين الأقوياء، المرهوب، الذي نتكل عليه، الصانع ملائكته أرواحًا وخدامه نارًا تلتهب (مز104: 4). أيها الرب، الله المبارك خالق كل ما يُرى وما لا يُرى، رؤساء الملائكة والرئاسات والقوات والأرباب والسلطات والكراسي والأمجاد. أيها الرب الإله المبارك، يا من خلقتَ السماء والأرض وكل ما فيها: النور والظلمة، الشمس والقمر والنجوم، البحار والأنهار وكل ما فيها.[/FONT]
[FONT=&quot]أيها الرب الإله المبارك، يا من أعطيتَ الإنسان الذي خلقته المجد والجمال، يا من أخذتَ ترابًا من الأرض وصنعته بيديك إنسانًا على صورتك ومثالك، ذكرًا وأنثى خلقتهما، ونفختَ في وجهه نسمة الحياة فصار الإنسان نفسًا حية، وأعطيته النطق على الأرض وأعطيته أن يسمع صوتك ويطيع وصاياك ويتمم مشيئتك ويباركك كل أيام حياته. يا من جعلتَ الإنسان سيدًا على نفسه لكي يستطيع أن يختار حسب إرادته وضميره وتمييزه بين الخير والشر. يا من أعطيتَ الإنسان الذي أبدعته الحكمة والفهم والمعرفة والمهارة. يا من خلقتَ كل أجناس البشر من إنسان واحد لكي يملأوا وجه الأرض.[/FONT]
[FONT=&quot]أيها الرب الإله المبارك، يا من وضعتَ خوف الإنسان الذي خلقته ورهبته في كل المخلوقات: طيور السماء ووحوش الأرض والأسماك والزحافات، وأقمته سيدًا على كل مخلوقات الأرض. يا من خلقتَ الخصب والعقم كما علمتنا في الكتب المقدسة. يا من صورتنا ونحن في الأحشاء وأخرجتنا من البطن. يا من هو أصل كل نمو، وتعولنا من الطفولة إلى الشيخوخة. يا من بإرادتك تزوّدنا بخبز لنأكل وماء لنشرب ولباس لنكتسي. يا من تهبنا خيرات عديدة لا حصر لها: بذارًا للأرض وأشجارًا مثمرة، وما نحصل عليه من البهائم والطيور ومن البحر والأنهار وندى السماء. يا من تساعد كل من يحبك ويطلبك ويحفظ وصاياك في كل شيء والممتلئين من ثمار البر بروحك القدوس حسب اشتياق قلوبهم.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] G 1, 32; SBO, 27.[/FONT]

[FONT=&quot][2]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref2[FONT=&quot] كانت هناك ثلاثة أديرة للنساء في طابنيسي: هذا المذكور هنا أسسه أنبا باخوم نفسه ووضع له نظامه، والثاني أسسته مريم أخت أنبا باخوم، والثالث أسسه أنبا تادرس تلميذ القديس.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] Laus., ch., 32, 33; PHF., p. 145.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][4]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref4[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]هذا يؤيد الرأي القائل إنّ القديس باسيليوس زار أديرة أنبا باخوم واقتبس من نظامها في بلاده.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][5]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref5[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولهذا السبب دُعيت ”سندريلاّ الطبانسينية“ أي التي لأديرة طابنيسي.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] Laus., 34; Apoph., PJ, 18, 19.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][7]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref7[FONT=&quot] س 4 ص 147.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] G 1, 26; SBO, 24.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] G 1, 29; SBO, 25.[/FONT]

[FONT=&quot][10]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref10[FONT=&quot] تذكر مخطوطة أخرى أن عدم رسامة كهنة بأديرة الأب باخوميوس استمر نحو مائة سنة، وهذا يعطينا فكرة عن تاريخ كتابة هذه السيرة. وتذكر مخطوطة أخرى أن الإخوة كانوا يذهبون أولاً إلى كنيسة القرية المجاورة للصلاة والقداس، ثم لما كثر عددهم بنوا كنيسةً داخل الدير.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][11][/FONT] G 1, 27; SBO, 25.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][12][/FONT] G 1, 28; SBO, 26.[/FONT]

[FONT=&quot][13]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref13[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]يُعتبر استخدام النص اليوناني لكلمة "البابا" كلقب لرئيس أساقفة الإسكندرية دليلاً قويًا على مدى قدم استخدام هذا اللقب عندنا، إذ يُرجع العالِم [/FONT]D. Chitty[FONT=&quot] تاريخ هذه السيرة إلى سنة 390م.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] G 1, 30; SBO, 28.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][15][/FONT] G 1, 31.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT] S 1: 10, 11.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT] S 1: 12,13.[/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]يا من أرسلتَ لنا كلمتك القدوس في العالم: الحق والحياة والنور الحقيقي غير المرئي الذي هو رسم صورتك في كل شيء، ربنا ابنك الحبيب يسوع المسيح الذي مات من أجلنا وقام لكي يقيمنا من خطايانا وآثامنا التي متنا بها، وأنعم علينا بالحياة الأبدية التي لا تضمحل كما وعدنا. أيها الرب الإله ... [FONT=&quot][1]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftn1[FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]’... وهذا ما قلته لكم سابقًا: إنه يلزم أن تتوبوا وترجعوا إلى الرب حيث إنكم لم تعرفوه بعد! فالآن إذا دُعيتم لاجتماع الصلاة فعليكم أن تحضروا جميعًا ولا تعاملوني فيما بعد كما كنتم تفعلون. وكذلك إذا دُعيتم للأكل فعليكم أن تأتوا جميعًا ولا تتصرفوا كما كنتم تفعلون. وإذا احتجتم إلى عمل شيء ضروري لحاجتنا فيجب أن تذهبوا كلكم، ولن أسمح بأن تكونوا فيما بعد مهملين ... فإذا كنتم تريدون أن تطيعوا التنظيمات التي أعطيتها لكم، فأنتم أحرار لأن للرب الأرض وملأها. أما إذا أردتم أن تمضوا إلى موضع آخر فافعلوا كما ترغبون، لأنني لن أسمح من الآن فصاعدًا أن تتصرفوا إلاّ طبقًا لجميع التنظيمات التي أعطيتها لكم‘.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما انتهى من كلامه نظروا بعضهم لبعض بسخرية وضحكوا قائلين: ”ما هو الأمر مع باخوميوس اليوم، إننا لن نطيعه إذا كلمنا بشدّة هكذا“! ثم تركوه دون أن يعيروه أي انتباه معتمدين على قوتهم الجسدية لأنهم كانوا أشدّاء. وبينما كانوا يذهبون قبل ذلك إلى اجتماع الصلاة لم يحضر أحد بعد ذلك، فقد اتفقوا فيما بينهم قائلين: ”دعونا نتصرف بهذه الطريقة لنرى ما الذي سيفعله“! فلما رأى أنهم بعنادهم وكبريائهم لا يخافون الله وقد قرروا ألاّ يسمعوا له تشدّد هو بنعمة الروح القدس الذي بداخله، وبثقة تامة في الصوت الذي كلّمه، قام بدون عصا ولا سلاح ممسكًا بمزلاج الباب بيده وطردهم من الدير الواحد تلو الآخر في اسم الله، فمضوا وكأن جيشًا أو نارًا تتعقبهم وتطاردهم. وفي الحقيقة إن خروجهم من ذلك المكان لم يكن من عمل إنسان بل كان من الرب الذي عاملهم كما قال داود النبي: «ليقم الله وليتبدّد جميع أعدائه» (مز68: 1)، فإنهم لم يتبدّدوا فحسب؛ بل جعلوا أنفسهم كالعبيد الذين يُضرَبون كما قال داود النبي: «ضربتَ كل من يُعاديني باطلاً» (مز3: 7 سبعينية).[/FONT]
[FONT=&quot]ثم أسرعوا بعمى قلوبهم إلى أسقف الإيبارشية، وكان اسمه "سيرابيون"، واشتكوا له من باخوميوس أنه طردهم، فرأى الأسقف أنهم أشدّاء فقال لهم: ”إنكم رجال أشدّاء، لذلك وضع عليكم تداريب نسكية لكي يليِّن لبّكم. أما إذا كان قد طردكم من ديره، فليس هو الذي فعل ذلك بل الله، وهو بالتأكيد فعل ذلك بسبب أعمال شريرة فعلتموها ...“[FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]رأى أنبا باخوميوس[FONT=&quot] أن ابن أخته يعمل أعمالاً شريرةً، فإن هذا الفتى كان قد جاء أيضًا إليه وعاش حياة توحدية في الكينونيا. ولما وجده هكذا تذكر كلمة الإنجيل: «إن كانت يدك اليمنى تُعثرك فاقطعها وألقها عنك» (مت5: 30)، ولذلك فقد طرده. واستمر يتصرف على هذا الأساس كل أيام حياته طبقًا للاستعلان الذي كشفه له الله بأنه يجب على المسئول أن يطرد من بيت الله كل المعاثر والمخازي[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أثناء صوم الأربعين المقدسة[FONT=&quot] سأل أبّا تادرس [/FONT][FONT=&quot](الذي كان قد ترهب حديثًا) [/FONT][FONT=&quot]الأب باخوميوس قائلاً: ”حيث إن أسبوع الفصح (الآلام) ستة أيام تم فيها فداؤنا وخلاصنا، أَلا يجب علينا أن نصوم الأربعة أيام الأولى بالإضافة إلى اليومين الآخرين“؟ فأجابه: ”قانون الكنيسة هو أننا فقط نواصل صوم هذين اليومين معًا لكي تبقى فينا قوة لتكميل ما أُوصينا أن نفعله دون أن نخور: أي الصلاة المتواصلة والأسهار وتلاوة كلام الله وعملنا اليدوي الذي أوصانا به الكتاب المقدس الذي يسمح لنا أن نمد أيدينا للمساكين. فالذين يتممون مثل هذه كلها والذين يعتزلون في الوحدة، إنما هم أحرار من الأثقال البشرية التي تزعجهم. ولكننا كثيرًا ما نرى أنهم يُخدَمون من آخرين أسوأ منهم حالاً، ونرى أنهم متكبرون أو خائرو القوى أو يبحثون عن المجد البشري الباطل“[/FONT][FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سأل أبّا تادرس مرةً الأب باخوميوس[FONT=&quot] بخصوص ألم في رأسه، فأجابه قائلاً: ”أَتظن أن ألمًا أو أي شيء آخر يأتي علينا بدون سماح من الله؟ فاحتمل إذًا، ومتى أراد فهو يشفيك. وإن كان يختبرك بعض الوقت فاشكره كما فعل أيوب الرجل الكامل الذي صبر على كل ما أتى عليه وبارك الرب قائلاً: «ليكن اسم الرب مباركًا». حقًا إن كان أحد وهو يحمل الصليب لا يتألم من شيء، فالصليب وجهاد النسك يكفيه، ولكن الذي يرقد مريضًا يمكنه أن يجاهد أكثر كثيرًا ممن في صحة جيدة بثبات النفس والصبر. فمثل هذا الإنسان له إكليل مضاعف. وجيدٌ لمن يتألم أن يحتمل المرض عشر سنوات قبل أن يبوح به“. فتشدّد تادرس بهذا الكلام[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان الإخوة يعملون[FONT=&quot] في الحصاد وأبّا تادرس يعمل معهم وهو صائم، ضربه الحرّ في رأسه. وبعد الانتهاء من العمل جلس يستظل، فاجتاز أمامه الأب باخوميوس وقال له بوجع قلب: ”أتستظل يا تادرس“؟ فقام مسرعًا. وفي المساء قال له: ”يا أبي، إن رأسي بها وجع شديد“. فقال له الأب: ”يا تادرس، الراهب الذي يسلك طريق الكمال، إذا لازمه مرض عشرين سنة فلا يجب أن يُخبِر به أحدًا، ما عدا الأمراض التي لا يمكنه أن يُخفيها، وهذه أيضًا يحتملها بقدر قوته، ولا يريح نفسه إلاّ في أمر يفوق طاقته، لأنه مكتوبٌ «أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف» (مت26: 41). هل تظن أن تقطيع الأعضاء وحرقها فقط هي التي تُعتبر استشهادًا؟ كلا، بل أيضًا حتى تعب النسك وضربات الشياطين والأمراض تُعتبر استشهادًا لمن يحتملها بشكر، وإلاّ فما هي الحاجة لأن يقول الرسول بولس: «إني أموت كل يوم» (1كو15: 31)؟ لأنه ما كان يموت في الظاهر كل يوم؛ بل كان بصبر يحتمل ما يأتي عليه. كذلك أيضًا اليوم فإن رجال الله إن كانت لديهم أمراض ويُخفونها من الناس فهم شهداء“[/FONT][FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد مدة جاء بفنوتيوس[FONT=&quot] أخو تادرس ليصير راهبًا (حسب بعض النسخ)، وكان تادرس قد أُرسل في خدمة. فقال أخوه للإخوة: ”إن لم أجتمع بتادرس فلن أترهب“. ولما جاء أبّا تادرس أخبره الإخوة بذلك، فلم يشأ أن يلتقي به. فطيّب أبونا باخوميوس قلبه لكي يتكلم معه. فذهب إليه، وبعد أن سلّم عليه قال له: ”إن كنتَ من أجلي جئتَ إلى هنا فارجع من حيث أتيت، وإن كنتَ من أجل الله جئتَ فلماذا لم ترضَ أن تترهب قبل أن أجيء إليك“؟ ثم أراد أن يرجع ويتركه فأمسكه قائلاً: ”كم من الوقت أنتظر مجيئك؟ ولما جئت كلمتني هكذا بكلام جاف“! فقال له: ”إن كنتَ من أجلي تترهب اليوم، فإذا تخلّيتُ أنا عن الرهبنة تتخلّى أنت أيضًا عنها. وإن كنتَ من أجل مخافة الله تصنع ذلك فسواء صبرتُ أنا أو لم أصبر فستداوم أنت على البقاء“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد ذلك لما دخل الإخوة به سأل عن قلاية أبّا تادرس، فلما عرفها دخل وجلس فيها. فلما جاء أبّا تادرس ورآه قال: ”الموضع الذي جلستَ فيه ابق فيه، أما أنا فلا أريد أن أمكث في هذا الموضع لئلاّ تكون علاقتنا جسدانية. فاتركني عنك (أي لا تلتصق بي) مثل جميع الإخوة، لأن هذا المسكن ليس فيه فرق بيننا، بل إننا جميعًا عبيد الرب وأبناء لأبينا“. فلما سمع ذلك ذهب إلى الأب باخوميوس باكيًا قائلاً: ”أرسلني إلى بيتي فلا أريد أن أترهب، لأنّ تادرس كلمني في المرة الأولى عند الباب بكلام جاف كمن هو غريب عني، واليوم لما كلمني لم يحتمل قلبي كلامه البتة“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فدعا أبونا باخوميوس تادرس وقال له في خلوة: ”لماذا تكلّمه بجفاء؟ أما تعلم أنه غرسٌ جديد؟ فكما أنه جيدٌ للشجرة المغروسة جديدًا أن تُروى ويُعتَنى بها؛ هكذا فالملاطفة لمثل هؤلاء نافعة في البداية إلى أن يتأسسوا في الإيمان. أتظن أن الكل يأتي ليترهب بخشية الروح القدس؟ فقوم يأتون من أجل خلاص نفوسهم، وآخرون يأتون لأسباب أخرى. فليصبر المؤمنون على كل نوع منهم حتى يعرفوا طريق الله، وحينئذ يتركون فكرهم الجسداني، لأنه هكذا فعل القديسون حتى كانوا سببًا في خلاص من يشاء من جنس البشر. وأنت أيضًا سُسه ودبِّره حتى يبلغ إلى المعرفة الحقيقية“. فأذعن تادرس لوصية الأب وعمل بموجبها[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قبل أن تستلم الجماعة نظام حياة الشركة،[FONT=&quot] كان تحت تدبير أبينا باخوميوس بعض الرهبان ممن لهم أفكار وميول جسدانية، فلم يختَر الجميع مخافة الله. لذلك نصحهم بطرق كثيرة ولكنهم لم يطيعوا ولم يتبعوا الطريق القويم، بل سبّبوا له حزنًا. فمضى بعيدًا عنهم وخرّ على وجهه وصلّى قائلاً: ”أنت يا الله تأمرنا أن نحب أقاربنا كنفوسنا، فتطلّع إلى هذه النفوس وارحمهم واملأهم خشيةً لكيما يخافوك ويعرفوا ما هي الحياة الرهبانية حتى يضعوا رجاءهم فيك كبقية الإخوة“. وبعد هذه الصلاة، لما رأى أنهم لا يرغبون أن يسلكوا معه باتفاق، بل استمروا في مخالفتهم، فرض عليهم القوانين الأساسية والأنظمة الأخرى اللازمة والضرورية. ولما تيقنوا أنه لن يسمح لهم أن يسلكوا حسب رغباتهم انتابهم الخوف ورحلوا. وقيل إنهم كانوا ثمانين راهبًا من موضع يُدعَى "إثباكات [/FONT]Qbakat[FONT=&quot]" في الصعيد، وأنه لما رأى فيهم الفكر الجسداني طردهم من الدير. أما الباقون فقد صاروا مثل الحنطة بعد أن يُستَأصل منها الزوان[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولأنهم كانوا يعطون كل ما لهم صدقة،[FONT=&quot] فقد حدث ذات مرة أن أعوزهم الخبز. وفيما كان القديس باخوميوس يفكر أن يبيع بساطَيْن كان قد أحضرهما أحد الذين اعتزلوا حياة العالم، لكي يشتري بثمنهما قمحًا؛ إذ بشخص يقرع الباب. ولما دخل سأله الأب عما يريد، فأجاب قائلاً: ”حينما كنتُ في المناجم نذرتُ قمحًا للعاملين في المناجم من أجل خلاصي، ثم علمتُ في نومي أنه ينبغي أن أحضره إليكم لحاجتكم لأنكم رجال الله“. فأجابه باخوميوس: ”نحن فعلاً محتاجون للقمح، ولكن أعطنا مهلةً من الوقت لكي نردّه إليك“. ولما نقلوا القمح من المركب تعجب الإخوة كيف أعان الله خادمه هكذا سريعًا[/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]نمـو حياة الشركة:[/FONT]
[FONT=&quot]بعد زمان الشهداء،[FONT=&quot] كان أحد المعترفين اسمه "ديونيسيوس" وكان كاهنًا تقيًا ومدبِّرًا لكنيسة تانتيرا ("دندرة" الآن شرق النيل شمال الأقصر)، وكان صديقًا للأب باخوميوس. ولما سمع أن الأب باخوميوس لا يسمح للرهبان الزائرين أن يقيموا داخل الدير مع الإخوة بل يجعلهم يقيمون وحدهم في مكان قريب من الباب، حزن لذلك لأنه كان صديقًا. فجاء إلى الأب باخوميوس في طبانسين وبدأ يلومه بخصوص ذلك. فأجابه القديس بطول أناة قائلاً: ”الله يعرف قصدي، ومحبتك الأبوية لا تجهل أنني ما أردتُ قط أن أُسيء لأي نفس، فكيف أجرؤ أن أُحزن الرب الذي قال: «كل ما فعلتموه بأحد هؤلاء المؤمنين بي فبي فعلتم» (مت25: 40)؟ كيف يمكنني أن أعزل إخوتي بدون سبب كما لو كنتُ أعاملهم باحتقار؟ هذا لا يكون أبدًا، ولكنني كنتُ أرى دائمًا أن ديرنا به غروس جدد كثيرون لم يعرفوا بعد ما هو الراهب، وأبناء لا يعرفون يمينهم من شمالهم. ففكرتُ أنه من الأصلح - وبالأكثر لأجل كرامة الآباء والإخوة الزائرين - أن نجعلهم يجتمعون معنا وقت الصلاة الجماعية، وبعد الصلاة نجعلهم يأكلون ويستريحون في مكان هادئ لائق بهم. بينما أقوم أنا على خدمتهم كما كان إبراهيم يقوم وحده بخدمة الرب تحت البلوطة“. فلما سمع ديونيسيوس الشيخ هذا الكلام اقتنع متحققًا أن باخوميوس يفعل ذلك بحسب إرادة الله[/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان هناك دير[FONT=&quot] يبعد عن طبانسين بمقدار ميلين، وكان أب هذا الدير يزور أنبا باخوميوس كثيرًا لأنه كان صديقه ويحبه جدًا. وعندما يسمع منه كلام الله كان يخبر به رهبانه لكي يهابوا وصايا الله. وحدث مرةً أن التمس أحد الإخوة في الدير أن يوليه الأب رتبة المدبِّر. ولأنه كان يرى عدم استحقاقه لما طلب، ولأنه لم يقدر أن يُقنعه أجابه بسياسة قائلاً: ’’إن أبانا باخوميوس أمر ألاّ يكون لك ذلك الآن، لأنه يعلم جيدًا أنك لم تؤهَّل لهذا الأمر بعد‘‘.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع الأخ ذلك جذب الأب بغضب قائلاً: ’’فلنذهب إليه هناك لنرى كيف سيحقق ما قاله عني من ادّعاءات‘‘! فتبعه الأب صاغرًا بحزن وخوف، وهو يفكر فيما سيؤول إليه الحال. ولما وصلا وجدا الأب باخوميوس مع الإخوة يبنون حائطًا للدير. فاقترب الأخ من القديس وخاطبه بغضب شديد قائلاً: ’’انزل يا كاذب وحاسبني على خطيتي‘‘! وإذ ظل الأب باخوميوس صامتًا قال له الأخ أيضًا: ’’هل استدّ فمك لأنه ليس لك عذر؟ ما الذي يجبرك أن تكذب حتى تقول إنك تُبصر وأنت أعمى‘‘؟! ولما قال ذلك والكبير لا يعلم عما يتحدث عنه أجابه قائلاً: ’’هذه خطيتي فاغفر لي، أَلم تخطئ أنت قط‘‘؟ فلما سمع ذلك هدأ غضبه.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم نزل الشيخ من على الحائط وسأل عن أب ذلك الدير فوجده يبكي بقلب منكسر، فسأله: ’’ما هو موضوع هذا الأخ‘‘؟ فأجابه الأب: ’’هذا الإنسان التمس مني أن يخدم في رتبة أعلى من استحقاقه، وإذ علمتُ أنه ليس بمقدوري أن أجعله يتخلى عن طلبه لأنه لم يستمع لي؛ تكلمتُ باسمك لكي يهدأ، لأننا نعلم حقًا أن الرب أعطاك موهبة اكتشاف الضلالة بسرعة. والآن هوذا قد أضاف هذا الجاهل إلى أخطائه الأخرى بما اقترفه بإهانته لإنسان بار‘‘. فقال له الأب باخوميوس: ’’أما كان ينبغي أن تأتي إليَّ حتى يمكنني أن أقرر مشيئة الله؟ والآن امتثل لما أقول: أعطه طلبته لكي بهذه الوسيلة نستطيع أن ننتزع نفسه من يد العدو، لأنه قد يحدث أن الإنسان الشرير يعود إلى رشده بعد الإحسان إليه فيدرك ما هو خير له. وهذه هي محبة الله أن نعطف على بعضنا البعض‘‘.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما حصل ذلك الإنسان على طلبه أخذته يقظة عظيمة وتغير قلبه فجأةً وذهب وسجد عند قدمي الأب باخوميوس وعانقه واعترف له قائلاً: ’’يا رجل الله، لقد ارتفعتَ أكثر مما سمعنا، ورأينا حقًا نصرتك في الخير، إذ قد أنقذتَ إنسانًا جاهلاً وخاطئًا مثلي، فلو لم تكن قد أطلت أناتك عليَّ حقًا، بل قلتَ شيئًا ضدّي، لكنتُ قد تركتُ الرهبنة وصرتُ عدوًا لله، فمباركٌ أنت لأنني الآن بواسطتك أحيا‘‘[FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][1]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref1[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]توجد هنا صفحتان مشوهتان في هذا الموضع ولم يمكن قراءتهما، مع أن ما حدث مع الأب باخوميوس هنا في تصرفه مع تلاميذه غير الجديرين به وتوجيه الله له بخصوصهم كان من أهم مراحل حياته. وواضحٌ من حديثه الذي سيوجهه لهم أنه أخذ قوةً خاصةً من الله لمواجهتهم ووضع حدّ لهذه المهزلة[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] S 1: 14 – 19.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] S 1: 24.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] SBO, 35.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] G 1, 90; SBO, 36.[/FONT]

[FONT=&quot][6]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref6[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]س 4 ورقة 24.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] G 1, 65; SBO, 38.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] G 1, 38; SBO, 24.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] G 1, 39; SBO, 39.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] G 1, 40; SBO, 40.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][11][/FONT] G 1, 42; SBO, 42.[/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]القديس يؤسس أديرة أخرى بأمر إلهي:[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]لما رأى الأب باخوميوس تزايد عدد الإخوة،[FONT=&quot] وأن الدير صار صغيرًا جدًا عليهم؛ سأل الرب فأعلمه في رؤية أن يذهب إلى قرية خربة تُدعَى "بافو" ويبني هناك ديرًا، فنقل بعض الإخوة إلى هناك حيث بنى معهم ديرًا يتسع للكثيرين الذين كان يرى أن الرب قد دعاهم. وعيّن له مدبِّرًا ومساعدين للاهتمام بالإخوة حسب نظام دير طبانسين. وجعلهم يكتبون الأنظمة والقوانين لكي يتأكد من حفظهم لها لكي يسلك كل واحد بموجبها دون أن يؤذي رفيقه، لأن النظام جيد، والإنسان الكامل هو وحده الذي لا يجد صعوبات حتى ولو وُجِد في مكان انعدم فيه النظام، كما هو مكتوب: «في أيام الجوع يشبعون» (مز37: 19).[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان يواظب على افتقاد الديرين ليلاً ونهارًا كخادم أمين للراعي الصالح. وبعد زمان قليل ازدحم دير بافو أيضًا بالإخوة، وحينذاك جاء إلى باخوميوس شيخ ناسك يُدعَى "أبو نيخوس"، [FONT=&quot]وكان أبًا لدير آخر به إخوة كبار، وقال له: ”أسألك أن تُدخل ديري في نظام الشركة الذي أنعم به الرب عليك وترسم لنا القوانين التي أُعطيتَ إياها من السماء“. وكان ذلك الدير يُدعَى "شينوبوسكيا" (وفي ا[/FONT][FONT=&quot]لترجم[/FONT][FONT=&quot]ة القبطية: شينيسيت). فأخذ الأب باخوميوس معه إخوة كثيرين إلى ذلك الدير، حيث صلّى وسلّمهم إلى عناية الله ليسكنوا مع سكان الدير الأصليين ويتبعوا نفس القوانين. وعيّن لهم أيضًا مدبِّرًا ومساعدين.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد ذلك تقدّم إليه رهبان دير رابع اسمه "منخوسين" (وبالقبطية "إثمونشونس") يطلبون منه نفس الشيء، فأتى بإخوة إلى هناك بحسب نظام الشركة وسلّم لهم القوانين. وكان في هذا الدير راهب شيخ قديس وناسك كامل يُدعَى "يوحنا"، وكان يلاحظ الإخوة بغيرة عظيمة. وأخذ باخوميوس أيضًا إخوة أقوياء بالروح ورتبهم في كل دير ليدبِّروا الإخوة كما لو كان هو نفسه حاضرًا إلى أن يأتي هو بنفسه[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قيل لأنبا باخوميوس في رؤية:[FONT=&quot] ”يجب أن ترتب أيضًا مجمع شركة في "تكاسمين" لكي تجمع شعبًا لي هناك“. فنهض في الحال وأخذ الإخوة إلى هناك، وبنى معهم الدير والقلالي. ثم عيّن مدبريهم ومساعدين لهم وكل سلطاتهم واحتياجاتهم، وذلك مثل نظام الأديرة الأخرى، وجعل لهم أبًا عظيمًا وكفئًا لتوجيههم هو أبّا "بيسّو"، وقد دُعيَ هذا الدير "تسي". وقد اعتاد الأب باخوميوس أن يزورهم كثيرًا، وكان مهتمًا بأن يغذيهم بكلمة الله وبما يحتاجونه[/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سمع أحد الرؤساء الأتقياء[FONT=&quot] عن الأب باخوميوس، وكان يسكن في مدينة "قوص" بالصعيد، فجاء بمركب له وحمّلها بالقمح وأرسلها إليه وكتب له يقول: ’إذ سمعتُ عن شهرة تقواكم، وأنكم تتنقلون شمالاً وجنوبًا لزيارة أبنائكم الروحيين في الأديرة الأخرى يا سيدي الأب، فأنا أرسل هذه المركب الصغيرة لتقواكم لتستلموا حمولتها وتستعملوها لأجل الإخوة. ولتكن المركب تحت تصرفكم على الدوام لكي تصلّوا من أجلي لكي يشفق ملك السماء عليَّ، ولستُ أنا الذي أعطيها لكم؛ بل إنه ذاك الذي أنتم ومجمعكم المشهور خدّام له‘[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أسقف مدينة "بانوس[FONT=&quot] [/FONT]pano[FONT=&quot]j[/FONT][FONT=&quot]"، واسمه "أريوس"، رجلاً أرثوذكسي المعتقد، ناسكًا وخادمًا حقيقيًا للمسيح. وكان قد تنسّم شذا رائحة جماعة الإخوة، فطلب من الأب باخوميوس أن يقوم، من أجل الله، ببناء أديرة حول مدينته. وقبل أن يشرعوا في بناء الدير جاء الأب باخوميوس مع الإخوة وأعطاهم أريوس أرضًا. وهكذا بدأوا ببناء السور. إلاّ أن بعض الناس الذين لا يعرفون تدبير الله، تحركوا بالحسد والحقد، فكانوا يهدمون في الليل ما يبنونه. وكان أبونا القديس يصبر على ذلك حتى أصلحهم الرب حيث وقف ملاك الرب بالقرب منهم كما لو كان قد أحاط السور بنار بأصبعه.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد ذلك ظلت روحه تذهب من قوة إلى قوة، وظل يعمل مع الإخوة حتى أكمل دير "إشمين" تمامًا مع حفظ نظامه وقوانينه مع بقية الأديرة. [FONT=&quot]وأقام له مدبرًا اسمه صموئيل، رجلاً متعففًا ضابطًا لهواه [/FONT][FONT=&quot]وكان يعيش بروح الله[/FONT][FONT=&quot] متهللاً بالروح. وعيّن معه رجالاً آخرين أكفاء لكونهم كانوا قرب المدينة. وأقام عندهم زمانًا حتى تثبّتوا وصاروا راسخين .[/FONT][FONT=&quot]. ثم سلّمهم للرب وانصرف، وظل يزورهم مرات عديدة لأنه كان حافظًا للقطيع التابع للمسيح الراعي الصالح العظيم،[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]فكان يربّي الضعفاء في مراعي البر ويقيِّد المنحلين بقيود الإنجيل ويرد الضالين إلى الحظيرة، والسمين والحديث الولادة كان يُقدمه للرب على مذبحه لكي يشتم رائحة الرضا، مقتفيًا مثال نوح الذي أصعد على المذبح من كل الحيوانات والطيور الطاهرة فاشتم الله رائحة الرضا. وكما قال الرسول بولس: «لأننا رائحة المسيح الزكية لله» (2كو2: 15).[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد جاهد أنبا باخوميوس بكل وسيلة لكي يتحاشى أسباب التوبيخ الذي وجهه حزقيال النبي للرعاة (حز34). فقد كان حقًا يرعى الخراف التي جمعها الرب حوله كوصية الرسول: «انذروا الذين بلا ترتيب، شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنّوا على الجميع» (1تس5: 14). فقد كان الرسول بالحق يحث قطيع الرب أن يأكلوا طعامًا جيدًا لكي يكونوا رائحةً زكيةً للرب، وذلك عندما قال: «أطلب إليكم أيها الإخوة أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله» (رو12: 1)، رائحة زكية نابعة من طهارة أجسادهم وقلوبهم كما يقول داود النبي: «الذبيحة لله روحٌ منسحق» (مز51: 17). كما أنه توسل إليهم أن يكونوا ذبائح حمد وتسبيح بأفواههم.[/FONT]
[FONT=&quot]لقد كرّس نفسه لجميع الذين جمعهم الرب تحت يديه في كل بركة وعمل صالح. كما أنه شكّل كل نفس على حدة بأقصى استطاعته، وجاهد بكل قوته مع كل واحد، حتى إنه إذا تركه أحد وابتعد عنه فما كان يجد من هو أفضل منه ليردّه ثانيةً إلى عمل الله. وقد كان يفعل ذلك لئلاّ يفقد واحدًا لم يستطع هو أن يخلِّصه بينما استطاع غيره أن يخلّصه، ولئلاّ يجلب على نفسه بسبب ذلك في الدهر الآتي هذا التوبيخ: ’بعد أن رذلتني كمن لا منفعة منه، أعطاني آخر غيرك الحياة‘. ولذلك كان يعتني جدًا ببناء النفوس. فكان يوبّخ البعض ويصلّي من أجل الآخر ويؤدّب البعض الآخر ليس فقط بالكلام؛ بل أيضًا كما كان يفعل بولس الرسول بقوله: «أبعصا آتي إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة» (1كو4: 21)؟. كما أنه كان يُنذر البعض على إهمالهم الذي يعيشون فيه وينصحهم «عسى أن يعطيهم الله توبةً لمعرفة الحق فيستفيقوا من فخ إبليس» (2تي2: 25و26). فإن كل أنواع البشر السالكين في الخطية كان يحاول ساعيًا في مخافة الرب ...[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما زار أحد الفلاسفة أنبا باخوميوس ليمتحنه [FONT=&quot]سمع كلامًا حكيمًا من تلميذه أبّا تادرس (انظر أقوال أبّا تادرس)، [/FONT][FONT=&quot]فاضطرب جدًا في داخله وقال لأبّا تادرس: ”قل لأبيك: إنك أنت يا من بنيتَ بيتك على الصخرة التي لا تتزعزع وغير القابلة للكسر قط التي هي في السماء، فلتكن مباركًا أنت وأبناؤك الروحيون الذين أنجبتهم. لقد مُنحتَ ذهنًا نيِّرًا مساويًا للقوة الكونية الخلاّقة (حسب أفكاره الفلسفية)، ولن يعوِّق مولود امرأة عملك الذي سوف يسود ويزداد قوة وينتشر إلى أقاصي الأرض كلها“! ولما قال ذلك انحنى لأبّا تادرس ورجع إلى بيته مع رفقائه وهو ممتلئ تعجُّبًا من نعمة الله التي تكلمت بواسطة أبّا تادرس. ولما سمع ذلك الأب باخوميوس تعجب وصاح قائلاً: ”مباركٌ أنت أيها الرب إلهي لأنك أخزيت جليات وكل الذين يبغضون صهيون“[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]لم يكن أحدٌ يعمل شيئًا[FONT=&quot] في مسكنه بدون رأي المسئولين عن الاهتمام به، وما كانوا يدخلون قلاية أخ ليزوروه (بلا ضرورة). وما كانوا يقتنون نقودًا أو ذهبًا أو فضةً بصفة خاصة، حتى إنّ بعضهم انتقلوا من العالم وهم لا يعلمون ما هي النقود باستثناء الذين كانوا يقومون بخدمة الدير، وحتى هؤلاء فكانوا عند رجوعهم إلى الدير لا يُبقون شيئًا معهم يومًا واحدًا، بل يسلّمونه للمدبّر ليحفظه حتى وقت خروجهم للعمل مرةً أخرى. وكانت كل هذه القوانين مدوّنة في كتاب (أي كتاب قوانين أنبا باخوميوس) لكل مدبّر فيما يخصه (من مسئوليات).[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان الأب باخوميوس يوجِّه الإخوة القليلي المعرفة إذا تكلّموا كلامًا ليس فيه منفعة، فقد كان يعلِّم كل واحد منهم في خلوة بأناة وطول روح قائلاً: ”يجب على المؤمن أن يميز الكلمة التي يقولها إن كانت فيها منفعة لنفسه ولمن يسمعه أم لا كما هو مكتوب إنّ الحكيم يعلم ما يخرج من فمه“. وإذا أبصر واحدًا ليس قليل المعرفة بل يتكلم بتهور وقلة مخافة كان يوبّخه أمام الكل لكي يكون عند الباقين خوف[FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما غادروا دير "ثموسنـز"[FONT=&quot] انطلقوا نحو "ثبيو"، وهناك زار الأب الإخوة ثم عاد مسرعًا إلى دير "بافو"، وهناك عيّن أبّا بفنوتيوس، أخا أبّا تادرس، مساعدًا له لكي يهتم بخدمة الأديرة لأنه كان رجلاً له كلمة وعمل وكان كاملاً في جميع الفضائل[/FONT][FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان في أحد الأديرة بئر[FONT=&quot] تحتاج إلى تطهير، فأخذ الأب باخوميوس الإخوة ونزلوا في البئر لتطهيرها. وكان هناك شيخ قضى معظم حياته في العالم ثم صار راهبًا. هذا لما رآه ينزل مع الإخوة في البئر ولم يكن بعد قد عرف شجاعة الذين آمنوا بالكمال، بدأ يتذمر قائلاً: ”هذا الإنسان عديم الرحمة، فقد أخذ أولاد الناس وأنزلهم في البئر ليموتوا“! وفي تلك الليلة رأى نفسه في الحلم قائمًا على قمة البئر، وشاهد بين الذين يعملون في قاعه إنسانًا بهيًا يقول لهم: ”خذوا روح الطاعة والقوة“. ثم اتجه نحوه قائلاً: ”أما أنت فتستحق أن تأخذ روح عدم الإيمان“! ففزع من هذا الحلم وجاء بين الإخوة أثناء خدمة صلاة السحر وسقط على وجهه أمامهم واعترف لهم بكل ما حدث[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي مرة أخرى[FONT=&quot] بينما كان يحدِّث الإخوة بتعاليم نافعة، حدث بغتةً أن روحه توقفت عن متابعة الكلام، وتحقق في نفسه، بقوة الروح الحال فيه، من سبب ذلك. فاستدعى مدبِّر الدير وقال له في هدوء: ”امضِ إلى القلاية الفلانية وانظر مَنْ هذا الذي يُسيء إلى نفسه، وكن شاهدًا عليه، كيف أنه يؤذي نفسه أولاً بعدم مجيئه لسماع كلمة الله لكي يتقوّى مقابل الروح الشرير الذي يحاصره ويجتذبه إليه، وثانيًا لنومه بدلاً من أن يصلّي إن كان لا يريد أن يأتي ليستمع إليَّ. ولستُ أظن أن هذا الإنسان يمكنه أن يصير راهبًا“ ... وهكذا لم يشأ هذا الرجل أن يحمل الصليب حسب مقدرته، بل رحل من الدير ورجع إلى والديه[/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أرسل أحد الأساقفة[FONT=&quot] إلى أنبا باخوميوس إنسانًا بعلّة خطية للمرة الثانية ليحاكمه. وكان هذا الإنسان راهبًا ملتحفًا بثوب من الشعر. وعندما جاء إلى الدير رآه أحد الإخوة يُدعَى "مافوس"، وهو شيخ طيب بسيط القلب للغاية، وكان واحدًا من مدبّري البيوت القدامى، ولكنه كان في ذلك الوقت مريضًا ومغمومًا، فلم يخرج مع الإخوة لجمع البردي. وكان حزنه وتذمّره مع بعض الإخوة الآخرين هو بسبب تعاليم الأب باخوميوس التي سمعها في الليلة السابقة والتي تضمنت تحذيرات كثيرة لأجل الخلاص والتحذير من حروب النجاسة، حتى إنه كان ساخطًا على كلام أنبا باخوميوس غير عالم بخبث العدو واحتياله على النفوس، ظانًّا أنه في أمان، وقائلاً في نفسه: ”لماذا ينصحنا الشيخ بتحذيرات كثيرة كهذه؟ هل نحن معرَّضون هكذا للسقوط كل وقت“؟ ولهذا كان متوجعًا وراقدًا في إحدى القلالي. إلاّ أنه لما رأى ذلك الإنسان (الذي أرسله الأسقف) قادمًا قال للأب تادرس باعتباره المدبِّر: ”اعتن بالرجل حتى يأتي أبونا، لأنني أرى أنه إنسان تقي وعظيم“. فقال له الأب تادرس: ”الناس ينظرون إلى الوجه، أمّا الله فينظر إلى القلوب“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما جاء الأب باخوميوس مع الإخوة، جاء الرجل مع الذين معه لمقابلته. وبعد أن اعترف الرجل بخطيته وبّخه عليها، فتضرّع إليه باكيًا معترفًا بزلته بانسحاق قلب شديد. فأصلح الأب باخوميوس حاله بإفرازه الروحاني ذاكرًا له من الكتاب: «إننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا» (يع3: 2). ثم قال له: ”ولكن فلنصلِّ لله الرحيم وهو يشفينا، ولنراقب أنفسنا بخصوص المستقبل“. ولما سمع مافوس الشيخ هذا الكلام تعجب من إفراز الأب باخوميوس واقتنع بما قاله في الليلة السابقة ومجّد الله. كما جاء الإخوة الذين تذمّروا من كلامه في اجتماع المساء وسجدوا معترفين بخطئهم. ثم قال أنبا باخوميوس لمافوس: ”أتظن يا مافوس، أنه كما أنك أنت ثابتٌ على الصخرة غير المتزعزعة هكذا أيضًا كل إنسان قد وجد الطريق؟ فلنصلِّ للرب الرؤوف الرحيم لكي يخلِّصنا من حيل المنافق الشرير“. فأجابه الشيخ مافوس: ”اغفر لي يا سيدي الأب رجل الله لأنني تجاسرتُ وازدريتُ بالروح القدس الساكن فيك بجهالتي“[FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]خرج من تحت الأب الكبير رهبان أفاضل[FONT=&quot] وقديسون كثيرون مثل بترونيوس وأورسيزيوس وكورنيليوس وبسنتاثيوس وسوروس وبسويوس وبيكيسيوس وباخوميوس آخر وبولس ويوحنا وبفنوتيوس وآخرون كثيرون. هؤلاء كانوا أقوياء بالروح ومجاهدي المسيح الحقيقيين. وكان الأب باخوميوس يراقب سيرة كل منهم، وقد عين معظمهم مسئولين في الأديرة. وكان بعدهم في الرتبة ممن أحبوا الله أبّا "تيثويس" الذي صار أبًا لدير العذارى، وكان فاضلاً قديسًا مملوءًا من رأفات الله كما من شحم ودسم. وبعض الآباء لم يكونوا نسّاكًا عاديين، فقد عاشوا في الرهبنة سبعين سنة دون أن يذوقوا الخمر ولا حتى في مرضهم. وآخرون في مرضهم لم يستجيبوا لرجاء الذين أرادوا أن يضعوهم على أسرّة لكي يمكن دفنهم بعد انتقالهم كما يجب، وقال أحدهم: ”الأوفق لنفسي أن يجدني الموت ملقىً على الأرض شقيًا من أن يجدني على سرير مستريحًا“! ولكنهم مكثوا كما هم وماتوا وأجسامهم منحنية فوق مراقدهم القصيرة[/FONT][FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]استلم أنبا باخوميوس أديرةً أخرى[FONT=&quot] تحت عنايته. فاستلم أولاً دير "تاسي" ثم دير "تيباو" في بانوبوليس وآخر يُدعَى "تسميني". وبعد زمان استلم ديرًا آخر يُدعَى "بخنوم" بالقرب من "لاتوبوليس" (إسنا). وأسكن الطوباوي فيها كلها إخوةً وعيّن لهم آباء واحتياجاتهم الجسدية. وكان دير "بافو" هو الدير الكبير الذي كان مدبّره يهتم باحتياجات الرهبان، فكان يقوم بالعمل ويرتب أمورهم بتدبير إلهي كلما دعت الظروف.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكانوا يأتون إلى الدير الكبير مرتين في كل عام، فكان الآباء المدبّرون يجتمعون في أسبوع الفصح عند أبينا باخوميوس ويحتفلون بعيد الفصح معًا بالمحبة وبكلام الله. كما كانوا يجتمعون أيضًا في شهر مسرى ليقدّموا تقارير مكتوبة عن أعمالهم للأقنوم الكبير الذي كان يعيّن مدبّري البيوت والوظائف الأخرى. وكان رجل الله يهتم بزيارة الأديرة بنفسه ليشدِّد المضطربين بأنواع التجارب، ويعلِّمهم أن يقاوموها بتذكار الله، وكان يأمر لهم بكل ما هو نافع لنفوسهم[FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان يوجد مجاهد آخر[FONT=&quot] حارب حتى الدم ضد الخطية ويُدعَى اسمه "تيتوي". وكان مشرفًا على الإخوة المعينين لخدمة المرضى في "بافو". وذات يوم، بينما كان يُعدّ الطعام، حدث أن جاء إليه روح شرير ليجربه ويغويه بالخطية لكي يأكل أولاً من الطعام المعدّ للمرضى - وقيل إن التجربة كانت بشهوة الزنى متخفيةً خلف الاهتمام الزائد بصبي مريض جميل المنظر - إذ إن المؤمنين يُمتَحنون بالأكثر في الجهاد لأجل مجد الله. ولذلك لم يذهب تيتوي إلى المائدة ليأكل في ذلك المساء. وإذ عزم أن يمدّ صومه إلى اليوم التالي، فقد وقف يصلّي بدموع قائلاً: ”إنني مستعد، يا رب، أن أصوم ليس لأن أقتني حبك فحسب؛ بل إنني بالحق لن أتخلّى عن التعفف الذي هو فخر القديسين حتى ولو سُلِّمتُ للاستشهاد والحرق. فأتضرع إليك أن تكمل حياتي في مخافتك“. وهكذا أكمل حياته راهبًا مخلصًا نقيًا[/FONT][FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سمع راهب متوحد عن الأب باخوميوس،[FONT=&quot] فترك وحدته وتتلمذ له. وبعد أن أقام وقتًا قصيرًا مع الإخوة اعترته شهوة جامحة أن يصير شهيدًا عندما كان العالم في سلام والكنيسة في نمو ونجاح بنعمة الله أيام الإمبراطور قسطنطين. وظلّ يتوسل للأب الطوباوي أن يصلّي لأجله لكي يصير شهيدًا. وكان الأب يزجره قائلاً: ”لا تدع هذا الفكر يدخل إلى قلبك وانتبه إلى خداع العدو“. وكان يعظه قائلاً: ”اصبر يا أخي على جهاد الرهبنة بشهامة موجِّهًا حياتك فيما يُرضي الرب، وستكون لك في السماء شركة مع الشهداء“. ولكنه أصرّ أن يصلّي الأب من أجله لكي ينال شهوته. فقال له الأب الكبير لكي يتخلّص من إلحاحه: ”ليكن كذلك، سأصلّي من أجلك، ولكن احرص لئلاّ عندما تأتيك الفرصة توجد للمسيح جاحدًا لا شهيدًا. لأنك حقًا قد ألقيتَ نفسك في التجربة برغبتك“! ثم وعظه أن يسهر على نفسه ولا يفكر في هذا الأمر ثانيةً.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد قليل أرسله الأب لافتقاد الإخوة الذين كانوا يقومون بقطع البردي في قرية خربة مجاورة للجبل الذي يسكنه البربر. ولما اقترب من البربر في البرية، اتفق أنهم جاءوا ليستقوا ماءً فأسروه عندهم واستهزأوا به قائلين: ”أيها الراهب، تعالَ واعبد آلهتنا“. وإذ قدّموا ذبائح وخمرًا لأصنامهم كلّفوه بأن يقدّمها معهم فامتنع، ثم جرّدوا سيوفهم وهددوه بالقتل، فارتعب وقدّم من الضحايا والخمر للأصنام! وهكذا ذبح نفسه خوفًا من موت الجسد. ثم أطلقوا سراحه.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم رجع إلى نفسه وعرف إثمه فمزّق ثيابه وأخذ يلطم وجهه. وعاد إلى ديره، وكان الأب باخوميوس قد علم بالروح بما حدث فخرج للقائه بحزن شديد. فخرّ الأخ على وجهه باكيًا قائلاً: ”أخطأتُ أيها الأب إلى الله وقدامك، لأني خالفتُ مشورتك الصالحة“! فقال له الأب: ”قم أيها الشقي، لقد حجزتَ عن نفسك تلك الخيرات. حقًا إنك بائسٌ، فقد كان الإكليل على وشك أن يوضع على رأسك ولكنك طرحته عنك، لقد أشرفتَ أن تُحصَى مع الشهداء ولكنك أبعدتَ ذاتك عن مشاركتهم. السيد المسيح أراد أن يعطيك إكليل الغلبة، ولكنك أنكرته وجحدته خوفًا من ألم الموت. أين أقوالك وشهوتك الملحّة؟ فلماذا لم تتقدم للموت بشجاعة من أجل ذاك الذي مات من أجلنا؟ لقد تكبّدتَ خسارة عظيمة“.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم قال له: ”ولكن الرب صالحٌ ولا يغضب إلى الأبد، و«كبُعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا» (مز103: 12)، لأنه «لا يُسرّ بموت الشرير بل بأن يرجع عن طريقه ويحيا» (حز33: 11). فلا تيأس من نفسك، لأنه يوجد رجاءٌ في الخلاص. فإذا سمعتَ لي فيما أقوله لك تنال المغفرة من الرب لكي يتم فيك أيضًا كلام الكتاب: «انظر إلى ذلّي وتعبي واغفر لي جميع خطاياي» (مز25: 18)“. فأجاب الأخ بدموع: ”سأخضع من الآن في كل شيء أيها الأب“. فأمره الأب أن يعتزل في مكان هادئ حيث يُغلق على نفسه ولا يتحدث مع أحد حتى يوم الممات، ولا يأكل سوى الخبز والملح يومًا بعد يوم، ولا يشرب إلاّ الماء، وأن ينسج في النهار حصيرتين ويسهر ويصلّي بقدر طاقته، ولا يكفّ عن البكاء. وهكذا فعل ولم يتحدث مع أحد سوى الأب الكبير وأبّا تادرس، وداوم على ذلك عشر سنوات ثم رقد بنعمة الرب فرحًا في الرجاء وبشهادة حسنة“[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما زار أنبا باخوميوس طابنيسي[FONT=&quot] قال للإخوة: ”سبب مجيئي إليكم اليوم هو أن ما كنا نبحث عنه وجدناه في قدر خزفي“. وكان يقصد من ذلك مخالفةً روحيةً لأحد الإخوة. فقد كان هناك أخٌ اسمه "إيليا" بسيط القلب، وكان حاضرًا كلام الأب باخوميوس. وكان قد جنى مبكرًا خمس ثمرات من التين وأخفاها في قدر خزفي ليأكلها بعد الصوم. فلما سمع عن القدر ذهب في الحال وأحضر القدر وسط الجماعة وقال للأب: ”أؤكِّد لك يا أبّا أنني لم آخذ سوى هذه فقط“. فتعجّب باخوميوس مع الإخوة لأنه لم يكن يتكلم عن هذا الشخص. وحينئذ قال لهم: ”ينبغي أن تتحققوا من أنه ليس عندما نشاء نرى الخفيات لأجل خلاصنا، بل متى شاءت عناية الله. أما بالنسبة لهذا الأمر الصغير، فإنني أؤكّد لكم أنني لم أعرف شيئًا ولا سمعتُ عنه من أي إنسان. ولكن الرب الذي شاء أن لا يصير هذا الأخ فيما بعد عبدًا للطعام، فقد أظهر لنا كيف نصلحه“. وإذ كان متعجلاً للعودة إلى بافو، نهض وصلّى مع الإخوة ومضى دون أن يذوق طعامًا[/FONT][FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بعد أن وضع أنبا باخوميوس توجيهاته[FONT=&quot] بخصوص قيام حياة الشركة، حدث في المخبز في طابنيسي أن تكلم بعض الإخوة الذين يعجنون ويشتغلون، بينما كان ينبغي ألاّ يتكلموا بل ينصتوا لما يُتلَى عليهم بحسب التوجيهات الملزمة. ومع أنه كان بعيدًا عنهم، فقد تحقق بروحه أنهم خالفوا وصيته. فدعا تادرس الذي كان أبًا للدير وقال له: ”اذهب وتحرّى بتدقيق عما إذا كان بعض الإخوة تكلموا في المخبز في المساء خلافًا للوصية“. فتحرّى تادرس ووجد أن كثيرين تكلموا وأبلغه بذلك. فقال الأب باخوميوس: ”إنهم يعتبرون هذه أمورًا بشرية، ولكن حتى لو كانت الوصية تخص أمرًا تافهًا للغاية فهي مهمة. فإن الجمع العظيم الذي أحاط بأريحا أطاعوا الوصية وحفظوا الصمت سبعة أيام، وحين تلقّوا الأمر بأن يهتفوا تمموا أيضًا إرادة الله مطيعين الرجل الذي بواسطته أخذوا الوصية. وعلى هذا المثال فليحرص هؤلاء الإخوة في المستقبل فيُصفَح لهم عما حدث. فلو كانت هذه الوصية غير نافعة لنفوسهم لما كنتُ قد أوصيتُهم بها“[/FONT][FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان الأب باخوميوس ذات يوم[FONT=&quot] مع الإخوة في طابنيسي لكي يخبزوا الأرغفة الصغيرة التي يحتاجونها لمدة سنة في دير "فباو" حيث لم يوجد هناك خبّاز. وكان قد أوصاهم ألاّ يتكلم أحد في المخبز، ولكن ينبغي أن يتلو الجميع كلمة الله معًا، وإذا احتاج الذين يعجنون إلى ماء يقرعون على جرن العجين بأيديهم. وفي مرة بينما كانوا يعجنون كلّم أحد الإخوة أحد الخدّام قائلاً: ”أعطني قليل ماء“. وكان الأب باخوميوس واقفًا على بُعد، ولكن ملاكًا من الرب أشار إليه بينما كان الآخرون لا زالوا يتكلمون بعضهم مع بعض قائلاً: ”انظر كيف يسلك هؤلاء الرجال، فقد خالفوا وصيتك لهم. فإذا جاء إليك الآن أبّا تادرس ورفع يديه لك فهل تلتمس له عذرًا“؟ فأجاب: ”لا“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي الصباح، استدعى الأب باخوميوس أبّا تادرس - الذي كان أبًا لدير طابنيسي ومسئولاً عن المخبز والخبّازين - وقال له: ”اذهب وفتش عن الذين خالفوا الوصية في المخبز مساء أمس“. فبحث الأمر بدقة ووجد أن 18 أخًا قد تورطوا في هذا العصيان. فدخل إلى أبينا باخوميوس بخجل ورفع له يده، فلما رآه الأب يرفع يده له تذكر كلام الملاك له، فابتسم في وجهه بغضب عظيم. ولما رأى تادرس طبيعة ابتسامته ازداد حزنه. وسأل بعض الحاضرين أبّا تادرس: ”لماذا تبكي؟ ما الذي قاله لك“؟ فقال لهم أنبا باخوميوس: ”دعوه يبكي بسبب تقصيره الذي ارتكبه أمام الله“.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم نقل الأب تادرس وصية المخبز إلى أخ آخر، ثم اعتزل منفردًا حسب رغبة الأب باخوميوس. وظل يصوم يومين يومين بتنهدات وأنّات، وكان يصلّي بدموع ليلاً ونهارًا من أجل ما فعله الإخوة. وبعد أن مارس هذا النسك العظيم مدة ثلاثة أسابيع قال له الأب باخوميوس: ”كُفّ، هذا يكفي، ولكن احترس من الآن فصاعدًا ألاّ تكون مقصِّرًا وألاّ يحدث تعدٍّ بين الإخوة لئلاّ توجد أنت مخطئًا أمام الرب يسوع المسيح“[FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان في دير بافو[FONT=&quot] عشرة إخوة قدامى، ورغم أنهم كانوا أعفّاء في أجسادهم إلاّ أنهم كانوا غالبًا يتبرمون من أقوال رجل الله ولا يصغون له بإيمان. أما هو، فإذ كان طويل الروح ومحبًا للنفوس، لاسيما الذين تعب في نصحهم ووعظهم زمانًا، لم يشأ أن يهملهم. فناح من أجلهم أمام الرب، مذلِّلاً نفسه بالصوم وبالامتناع عن الأكل ستة أيام في الأسبوع[/FONT][FONT=&quot][18][/FONT][FONT=&quot]، وأربعين ليلة بلا نوم، فانحلّ جسمه وضعفت قوّته للغاية. حينئذ استجاب الرب له، فأعطى يقظةً لكل واحد منهم لكي يسعى بأقصى استطاعته لأن يُشفَى من خطيئته. وعلى هذه الصفة رقدوا[/FONT][FONT=&quot][19][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أخٌ[FONT=&quot] (قيل إنه كان يُدعَى "بولس") قويًّا بالروح متمثلاً بصبر أنبا باخوميوس. وبينما كان يصلّي ذات يوم لدغته عقرب في قدمه. فوضع قدمه الملدوغة على العقرب وصلّى قائلاً: ”إن لم يشفني الله فمَنْ الذي يشفيني“؟ وفي البداية، إذ كان يختبر نفسه ليرى إن كان يستطيع الاحتمال، كاد الألم الذي سبّبه السمّ أن يمزّق قلبه، وقارب أن يسلّم الروح. ولكنه إذ غصب نفسه على الاحتمال غلب شدّة الألم إلى أن حان وقت الصلاة الجماعية، فهدأ الألم وذهب لحضور الصلاة[/FONT][FONT=&quot][20][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]توفيَ أحد الإخوة في الدير.[FONT=&quot] وبعد أن كفنوا جسده لم يسمح الأب باخوميوس أن يرتلوا أمامه وهم يحملونه إلى الجبل كما هي العادة، ولا حتى أن يقدّموا القربان من أجله. وكان معهم أيضًا والدا وأقرباء المتوفي. كما جمع ملابسه في وسط الدير وأحرقها، مثيرًا الخوف في الجميع حتى لا يتهاون أحد بحياته مثله. ولا نعرف كيف احتمل الأب ذلك الأخ حتى مات. ولكننا نعلم أن رجال الله لا يعملون شيئًا ضارًا على الإطلاق، فصرامتهم ورأفاتهم هي بحسب قياس معرفة الله التي فيهم.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد ألقى أفراد أسرة المتوفي بأنفسهم عند قدمي الأب متوسلين إليه أن يسمح لهم بترتيل المزامير على المتوفي، ولكنه لم يقبل. فحزنوا ووبخوه على هذه المعاملة القاسية، ولكنه قال لهم: ”حقًا أيها الإخوة، إنني أشفق على هذا الراقد أكثر من جميعكم مهتمًا به كأب لما أمرتُ بذلك. فأنتم تهتمون بالجسد المنظور، أما أنا فأجاهد من أجل نفسه. فلو رتلتم له المزامير سينال عذابًا أكثر معطيًا حسابًا عن تلك المزامير، لأنه مضى بدون قوة المزامير. فإذا رتلتم له تضيفون إلى محنته المؤبّدة. فأنا أهتم بما هو نافعٌ لنفسه. لذلك أرجوكم أن تدفنوه بلا مزامير حتى يخف عذابه. لأن إلهنا الصالح يعرف كيف يهبه راحةً من أجل هذه الإهانة التي حلّت به وأن يدعوه ثانيةً للحياة. فلو كان قد سمع لي في المرات العديدة التي وبخته فيها ما كان قد وصل إلى هذه الحالة“. ولما قال الأب ذلك دفنوه بدون مزامير[FONT=&quot][21][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سمع بسيرة الأب باخوميوس رهبان هراطقة،[FONT=&quot] فأرسلوا إليه جماعةً يلبسون شعرًا، وقالوا للإخوة: ”قد أرسلَنا كبيرنا إلى أبيكم قائلاً: إن كنتَ رجل الله حقًا وما بلغني عنك صحيحًا، وإن كانت لك ثقة في الله أنه يسمع لك، فهلم بنا نعبر النهر معًا ماشيين بأرجلنا على سطح الماء فنعرف مَنْ منّا له دالة أكثر عند الله“! فأبلغه الإخوة بذلك، فقال لهم: ”ولماذا أجزتم لأنفسكم أن تسمعوا هذا الكلام؟ أما تعلمون أن هذه الأمور غريبة عن الله ولا تقبلها سيرتنا؟ فهي لا تتماشى حتى مع العلمانيين ذوي الفكر السليم. ثم إنه أي ناموس من نواميس الله يدفعنا إلى ذلك؟ ولا يوجد ما هو أكثر حماقة من أن أهمل النوح على خطاياي لكي أخلص من العذاب الأبدي وأميل بذهن طفولي إلى هذه الخرافات“! فقال الإخوة: ”كيف إذن تجاسر هذا الهرطوقي الغريب عن الله أن يستدعيك لمثل ذلك“؟ فأجابهم: ”قد يستطيع هرطوقي أن يعبر النهر ماشيًا كما على اليابسة بمعونة الشيطان له وبسماح من الله بسبب كفره، فيغرس إيمانه الفاسد في الذين يضلّهم. فقولوا لهم: هكذا قال عبد الله باخوميوس: إن حرصي هو ليس أن أعبر النهر ماشيًا، بل أن أعبر دينونة الله الرهيبة، وأن أعبر نهر النار الذي يجري قدام مجيء السيد المسيح، وأن أهرب بقوة الله من هذه الخدع الشيطانية“. ولما قال ذلك أقنع الإخوة بألاّ يفتخروا بأعمالهم ولا يشتهوا إجراء معجزة أو يتوقوا إلى المناظر والرؤى، ولا يجربوا الله البتة حسب المكتوب: «لا تجرب الرب إلهك» (مت4: 7)[/FONT][FONT=&quot][22][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] G 1, 54; SBO, 49 - 51.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] SBO, 52.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] SBO, 53.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] G 1, 81; SBO, 54, 58 b, 55; S 1: 25. [FONT=&quot] والقول ناقص في المخطوطة[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] SBO, 55b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] G 1, 59; cf., SBO, 104.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] SBO, 60.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] G 1, 70; SBO, 65.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] G 1, 74.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] G 1, 76; SBO, 68.[/FONT]

[FONT=&quot][11]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref11[FONT=&quot] يبدو أن مراقد الرهبان كانت قصيرة لا تسمح بتمدُّدهم عليها بطولهم، فكانت تسبِّب مشكلة عند دفنهم وهم غير ممدَّدين! وقد جاء في سيرة الطوباوي "يونان" في النسخة الخطية (ص 171ك) أنه: [انصرف إلى ربه والحبال مضفورة بيده. ولما أردنا أن ندفنه لم نقدر أن نمدّ ساقيه ونبسطه لأنهما كانتا مضمومتين كخشب يابس. وكذلك يديه لم نقدر أن نضمهما إلى جسده ولا أن نخلع عن جسده الثوب الجلد الذي كان يلبسه ونُلبسه الثوب الصوف السابق ذكره. وبسبب تلك الموانع كفنّاه بثوب من شعر كأنه شيء من الجماد ووضعناه في مغارة]. [/FONT]G 1, 79[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][12][/FONT] G 1, 83; SBO, 57, 58.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT] G 1, 84; SBO, 99b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] G 1, 85; Paral., 8 - 11.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][15][/FONT] G 1, 97; SBO, 72c.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT] G 1, 89; SBO, 74a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT] SBO, 77. [/FONT]

[FONT=&quot][18]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref18[FONT=&quot] من الأرجح أنه كان يصوم ستة أيام من كل أسبوع.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][19][/FONT] G 1, 100; SBO, 92.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][20][/FONT] G 1, 101; SBO, 99a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][21][/FONT] G 1, 103; SBO, 93; Paral., 5,6.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][22][/FONT] Paral., 33;[FONT=&quot] س4 ورقة 118[/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]قصة الراهب سلوانس:
[FONT=&quot]كان هناك فتى اسمه سلوانس[FONT=&quot]، كان أبونا باخوميوس قد أعطاه وصايا قبل أن يقبله في الدير. وكان أصلاً ممثِّلاً، وفي بداية حياة تجرّده كان ساهرًا جدًا على نفسه يقضي كل وقته في الصوم والصلوات المتواترة بكل اتضاع. ولكنه بعد ذلك صار مهملاً ممتِّعًا نفسه بحياة رخوة، وكثير المزاح والضحك. فدعاه الأب باخوميوس وقال له: ”ما هي الوصايا التي أوصيتك بها؟ ألا تعلم أنه أمرٌ عظيمٌ أن تصير راهبًا؟ لقد أوضحتُ لك عند الباب أن تتبصر لنفسك لعلك لا تقدر أن تصير راهبًا، وقد وعدتَ أمام الله أن تكون كذلك. والآن، إن كنتَ ترغب حقًا في الحياة الأبدية، فلماذا لم تهتم بنفسك بدلاً من أن تطلق العنان لقلبك؟ ولكن إن كنتَ لا تريد أن تبقى في مخافة الله فقُم واذهب إلى والديك ولا تمكث ههنا بعد الآن“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم أمره الأب في حضور الإخوة أن يخلع زيّه الرهباني ويُعطَى ملابس علمانيين ويُطرَد من الدير. فلما سمع ذلك انطرح عند قدمي الأب وبكى بكاءً مرًّا، لأنه لم يشأ أن يعود إلى الحياة العلمانية، وتعهد بتوسل كثير أن يصير راهبًا حقيقيًا قائلاً: ”إذا سامحتني يا أبي هذه المرة ولم تطردني فستجعلني أصنع توبةً عما تهاونتُ فيه لكي تفرح بتجديد حياتي“. فقال له الأب: ”أنت تعلم كم احتملتُك وحذّرتُك، بل وكنتُ أضربك في حين أنني لا أريد أن أمدّ يدي على أحد، ولما كنتُ أضطر أن أفعل ذلك كنتُ أُعاني في نفسي من التأثُّر أكثر مما كنتَ أنت تعانيه من الضرب. وقد ظننتُ أنني بذلك يمكنني أن أُصلح خطأك. وأنت إلى الآن لم تتغير، فكيف أسامحك“؟[/FONT]
[FONT=&quot]فضاعف سلوانس من توسلاته ووعد بتغيير سلوكه. فرقّ له الأب باخوميوس، ودعا راهبًا فاضلاً يُدعَى "بسينامون"، وقال له في غياب الفتى: ”نحن نعلم أن لك زمانًا طويلاً في جهاد النسك، أما الآن فمن أجل الله خذ هذا الفتى واشترك معه في التعب والجهاد في كل شيء حتى يخلص، فأنت تعرف كم أنا منشغلٌ بأمور كثيرة بخصوص الإخوة“.[/FONT]
[FONT=&quot]وهكذا ظل بسينامون مع سلوانس يعملان الحصر معًا ويتممان صومهما وصلواتهما كما ينبغي. وكان الفتى يطيع بسينامون في كل شيء كما أخذ وصيةً بذلك، حتى إنه لم يكن يأكل ورقة خضروات دون أن يسأله. وهكذا صار متواضعًا متقدمًا في الفضيلة ووديعًا، ضابطًا لفمه، وما كان يتعجّل في رفع عينيه نحو أحد، وكان صارمًا في نسكه. وكان يقف منتصبًا سرًّا في صلوات السهر حتى أنه إذا تعب من الصلاة كان يجلس ويضفر طوال الليل، وفي هذا الوضع كان يأخذ حاجته من النوم. وباختصار فقد صار رجلاً تائبًا حيًّا بالروح، وصار مثالاً لكل فضيلة أمام جميع الإخوة![/FONT]
[FONT=&quot]وقد حقق سلوانس فضائل أهمها الاتضاع المتناهي والدموع التي كانت تنهمر من عينيه بلا توقف. وكان عندما يأكل مع الإخوة لا يستطيع أن يضبط دموعه التي كانت تختلط بطعامه. ولما كانوا يطلبون منه أن يكفّ عن ذلك أمام الغرباء كان يؤكِّد لهم بشدّة أنه حاول كثيرًا ولم يستطع. فقالوا له: ”نودّ أن نعرف ما هو الفكر الذي يجعلك مبلَّلاً بالدموع بلا توقّف حتى أن كثيرين حينما يرونك هكذا يتوقفون عن الأكل“. فأجابهم: ”ألا تريدونني أن أبكي وأنوح على نفسي أنا الآتي من المسرح عندما أرى أناسًا قديسين يخدمونني على المائدة وأنا لا أستحق تراب أرجلهم؟ إنني أبكي يا إخوتي خوفًا من أن اُبتَلَع مثل قورح وداثان وأبيرام (عد16: 27-32)، ولا سيما لأنني لما جئتُ من الجهالة إلى المعرفة لم أهتم بخلاص نفسي حتى تعرّضتُ لخطر طردي من الدير. لهذا السبب فأنا لا أخجل من هذا البكاء، فأنا أعرف خطيتي التي بسببها إن بذلتُ نفسي فليس لي فضل“![/FONT]
[FONT=&quot]وفي أحد الأيام، بينما كان الإخوة جالسين بدأ الأب باخوميوس يخاطبهم قائلاً: ”يوجد بيننا إنسان لم أرَ مثله قط منذ أن صرتُ راهبًا. فكما يُصبَغ الصوف الأبيض بالبرفير الكريم الذي لا يبهت لونه أبدًا؛ هكذا اصطبغت نفس ذلك الإنسان بالروح القدس. وهو إذا سمع شهادتي هذه وتحقق أننا نتكلم عنه فلن يُسرّ بذلك، كما أنه إذا وُجِّه إليه اللوم فلن يحزن، بل يظل كما هو بغير اضطراب“.[/FONT]
[FONT=&quot]فظن البعض أنه أبّا تادرس وآخرون أنه بترونيوس أو أورسيزيوس. ولما ألحّ الإخوة الكبار متوسلين إليه أن يُعرِّفهم مَنْ هو قال الأب: ”لو علمتُ أنه سيتملك عليه الغرور من مدحي له لما أثنيتُ عليه، بل إنه إذا مُدح سيتضع ويزدري بنفسه بالأكثر، لذلك فسأدعوه أمام الكل مباركًا حتى تقتدوا به. إنه أعظم منك أنت يا تادرس والذين يجاهدون مثلك! فمن جهة السنّ والنسك والمعرفة أنتم آباء له؛ إلاّ أنه باتضاعه العميق ونقاوة ضميره هو أعظم. أنتم قيّدتم الوحش الذي يثير الحرب عليكم وطرحتموه تحت أقدامكم، وإن تهاونتم فإنه ينفك ثانيةً ويقوم ضدّكم. أما سلوانس الذي تعرض للطرد بسبب استهتاره فقد أخضع إبليس تمامًا وذبحه، حتى أن إبليس لن يستطيع بعد أن يقترب منه لأنه قد هزمه تمامًا بتواضعه العظيم“![/FONT]
[FONT=&quot]”فأنتم حينما تتضعون تفعلون ذلك مثل أناس لهم أعمال برٍّ ويعملون على ازدياد فضيلتهم معتمدين على ما عملتموه قبلاً. أما هذا الرجل فإنه كلما جاهد أكثر كلما اعتبر نفسه لا شيء من كل قلبه، وأنه جديرٌ بالازدراء. وهذا في الحقيقة هو سبب انسكاب دموعه الدائم. إنكم تتفوّقون عليه في معرفتكم واحتمالكم وقتالكم ضد الشيطان بلا قياس، أما هو فقد تفوق عليكم في الاتضاع. ولا شيء يُبطل قوة الشيطان مثل التواضع الذي ينبعث بقوة من داخل النفس“![/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أن جاهد سلوانس على تلك الحال ثماني سنوات انتقل من العالم وفرح به أبّا باخوميوس فرحًا شديدًا. وقد شهد لرحيله بأنه رأى حشدًا من الملائكة يأخذون نفسه بفرح عظيم وتسابيح، وأنهم أحضروها لله كذبيحة مختارة وتقدمة بخور فائقة.[/FONT]
[FONT=&quot]وبقدر ما كان الإخوة يتبارون في مآثر بعضهم البعض، بقدر ما كانوا يتقدمون، وبالأكثر لأنهم كانوا يشاهدون أمامهم إنسانًا قويًا في الروح يسكن فيه المسيح (أي أنبا باخوميوس)[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان في دير "بافو" عشرة إخوة[FONT=&quot] يعيشون بالتواني. وكانت قلوبهم مليئة بأفكار رديئة كان الشيطان يضعها فيهم في كل وقت. وكنتيجة للأفكار النجسة التي امتلأوا بها لم يكن لهم إيمان بتعاليم الأب باخوميوس التي يوجِّه بها الإخوة، وكانوا يقاومونه علانيةً في أمور كثيرة. وكان الأب باخوميوس حزينًا عليهم وقد اعتاد أن يصلّي من أجلهم نهارًا وليلاً لكي تخلص نفوسهم. وقد تذكّر التكديرات التي أزعجته منهم منذ شبابهم، فضلاً عن أنه علم أنهم نجّسوا أجسادهم بأفعال أثيمة.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي حين أن القديس كان يصلّي من أجل خلاصهم، فقد سمح الله بأن غضبًا انتقاميًا يحيط بجميع الإخوة بسبب هؤلاء العشرة. لأن الأب باخوميوس كان يصلّي من أجل أولئك العشرة الذين استخفوا بتعاليمه التي كان يُلقيها عليهم لأجل خلاصهم! وقد كلّم أحد القدماء الأب باخوميوس قائلاً: ”لماذا أنت منـزعجٌ بهذا المقدار لأجل هؤلاء الرجال؟ إنك مزمعٌ أن تُعاقَب بسببهم. لقد كان أجدر بك أن تطردهم من وسطنا بدلاً من أن ترى أن الله غاضبٌ منك من أجلهم لأنك متأنٍّ عليهم في حين أنهم لا يتوبون لكي يصرفوا هذا الغضب الإلهي“. فأجابه الأب باخوميوس: ”أيها البائس ذو العقل الضيق! ماذا يعني كلامك هذا أن أطردهم؟ ألم تسمع بما فعله موسى النبي في الأيام الغابرة؟ لأن القديسين إنما هم أمثلةٌ لنا. كيف أنه فرّط في نفسه من أجل الشعب الذي أخطأ وقال: «والآن إن غفرتَ خطيتهم، وإلاّ فامحني من كتابك الذي كتبت» (خر32: 32)“. هذه هي الطريقة التي كافح الأب باخوميوس من أجلهم لكيما يندموا ويتوبوا ويعملوا على خلاص نفوسهم![/FONT]
[FONT=&quot]ثم حدث مرةً أن الأب باخوميوس قابل أحد أولئك الإخوة العشرة وقال له بوجه باش: ”كيف حالك الآن يا بُنيَّ؟ وكيف حال إخوتك“؟ فأجاب الأخ: ”بفضل الرب وصلواتك المقدسة فإن قلبي الآن يشعر بارتياح“. ثم قال له رجل الله أيضًا: ”في الأيام التي اعتقدتَ فيها أنك تقاسي بسببنا، كان الشياطين يحاربونك لأنهم لم يجدوا فيك مكانًا مريحًا لهم. إن هذا لَيشبه جنديًا يريد أن يدخل بيتًا ويجعله مأوىً له، فهو يسبب اضطرابات عديدة لذلك البيت عندما لا يتمكن من دخوله لأن الباب موصدٌ جيدًا. ولكن إذا خاف منه الذين في الداخل وفتحوا له، فبمجرد أن يدخل لا يعود يسبب اضطرابًا، بل يستريح هناك مطمئنًا. وهكذا الحال معك، فالروح النجس كان سابقًا يزعجك لأنك لم تكن تتمم عمله، أمّا الآن فقد فتحتَ له بابك، فهو ساكنٌ فيك وقد امتلأتَ به «من أسفل قدمك إلى قمة رأسك» (تث28: 35)، وهكذا فإنه ما زال قادرًا أن يضايقك بسبب ممارساتك النسكية“![/FONT]
[FONT=&quot]فقال له الأخ مرةً أخرى: ”أما زال ممكنًا للشيطان أن يفارقني لكيما أصنع مشيئة الله وأفلت من العقوبات المذّخرة لخاطئ مثلي“؟ فأجابه الأب باخوميوس: ”أقول لك، إنك حتى لو صمتَ يومين يومين وصلّيتَ من المساء حتى الصباح، فإن هذا الشيطان لن يفارقك طالما بقيَ فيك عدم الإيمان هذا. ولكن إذا آمنتَ أن الكلام الذي أقوله لك حقيقي وأنه آتٍ من عند الله، فأؤكِّد لك أنه في ظهيرة هذا اليوم سيفارقك هذا الشيطان وتكون في سلام“. فلما سمع الأخ ذلك انصرف وذهب بعيدًا. ثم صام يومين يومين، ولكنه لم يتخلَّ عن نقص إيمانه في رجل الله باخوميوس حتى يوم مماته[FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ذهب الإخوة مرةً إلى الإسكندرية[FONT=&quot] ومعهم بعض الحصر لكي يبيعوها ويشتروا الضروريات التي يحتاج إليها المرضى. وحدث بينما كانوا على وشك أن يسافروا نحو الجنوب، أن ثلاثة أشخاص رغبوا أن يصيروا رهبانًا فاستقلّوا المركب وذهبوا معهم إلى دير بافو. ولما عانق الأب باخوميوس جميع الإخوة، استفسر منهم عن سلامة كنيسة المسيح الجامعة. ثم سأل مدبِّر هؤلاء الإخوة: ”لماذا أحضرتم معكم هذا الزوان، هل لكي نصيِّره راهبًا“؟ فأجابه باتضاع شديد: ”يا أبي القديس، هل تظن أنني أمتلك الموهبة التي أعطاها الرب لك أن أعرف الصالحين من الأردياء“؟ فقال له الأب: ”هذا الرجل كان زوانًا منذ طفولته بسبب أعماله ونجاساته التي ارتكبها أمام الله. فمن الصعب حقًا على مثل هذا النوع من الناس أن يعيشوا إن لم يكافحوا بعناء شديد، بأصوام عديدة وصلوات طويلة ونسكيات عديدة وثقيلة وأسهار كثيرة. ولكن طالما أنك أحضرته، فسندعه يدخل مع الاثنين الآخرين، لئلاّ إذا صرفناه نثبّط همة الاثنين الآخرين فينصرفا. أما بخصوصه هو فسنراقبه ونوضِّح له الطريق الذي يمكنه به أن يخلص، لئلاّ يعيش أيضًا في وسطنا بالشرور التي اعتاد أن انغمس فيها قبل مجيئه. فإذا تغيّر وتاب سنقبله بترحاب ونجعل له مكانًا في وسطنا. ولكنه إن لم يتُب عن خطاياه فسنُعيده إلى المكان الذي أحضرته منه. أما إذا قررنا الآن أن نطرده فسيحزن الآخران ويتراجعان، وستتأذّى نفساهما من ذلك ويؤنّبنا الرب على ذلك“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”فما هي حاجتنا إلى أن نجعل معنا أشرارًا لم يعزموا في قلوبهم أن يتوبوا أمام الله؟ إن الذين أبعدناهم عنا هذا العام بلغ عددهم نحو المائة“. وكان عدد إخوة مجمع الشركة في ذلك الوقت يكاد يبلغ ثلاثمائة وستين. فقال الأخ للأب باخوميوس: ”لو لم تكن قد أبعدتَ عنا أولئك الذين ذكرتهم لكان قد ازداد عدد الإخوة وكان مجمع الشركة قد نما بوفرة وبسلام“. فقال له الأب باخوميوس: ”كلاّ بالعكس، فلو كنتُ قد سمحتُ لهم أن يمكثوا لكان عدد الإخوة قد نقص، لأنه عندما يزداد عدد الأشرار جنبًا إلى جنب مع الصالحين، فإن غضب الله يحلّ على الصالحين أيضًا، ويخضع الجميع للعنة كما هو مكتوب أن الخطية جعلت الشعب ينقص تحت لعنة الرب، ولكنهم عندما يطردون الأشرار من وسط شعب الرب، فإن بركة الرب تحلّ على جميع الشعب الذي يتضاعف جدًا ويُثمر لله“.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم قال له الأخ أيضًا: ”أريد أن تعلِّمني المعنى الكامل للكلمة التي قلتَها إن هذا الرجل "زوان". فهل يعني ذلك أن طبيعتهم شريرة منذ ولادتهم كما يقول الناس؟ وإذا كانت هذه هي الطبيعة التي وُلد بها هذا الإنسان فما الذي يمكنه أن يفعله“؟ فقال له الأب باخوميوس: ”كل إنسان خلقه الله من نسل آدم يمتلك القدرة على أن يختار بين الخير والشر. وحتى إن وُجد إنسان ذو طبيعة شريرة منذ حداثته، فبلا شك أنه ورث ذلك من طبيعة والديه الشريرة. ولكن لا يمكن أن يُلام الرب على ذلك، لأن مثل هذا الإنسان حُرٌّ في أن يتغلّب على نفسه ضدّ الهوى الذي يُزعجه. فإذا وُجد جمهور من النساء اللائي انتصرن على طبيعتهن بأن سلّمن ذواتهن للنسك في البتولية حتى نهاية حياتهن، رغم أن طبيعتهن ليست رجولية، فبالتأكيد كم يكون بالأكثر الرجل الذي خلقه الله على صورته ومثاله بإعطائه طبيعة رجولية؟ وحتى لو أزعجه هذا النوع من الهوى كما يقول الناس، فيمكنه أن يتصرف بإرادته ويُحكِّم عقله في السيطرة على الهوى الذي يزعجه ويطرده بعيدًا عنه“.[/FONT]
[FONT=&quot]”يعلِّمنا الكتاب المقدس «أن الله خلق الإنسان مستقيمًا» (جا7: 29)، ولكنه بإرادته حوّل قلبه إلى الأفكار الشريرة وأغضب الله الذي خلقه (انظر تث32: 18و19). إنه بمشيئته قد حوّل قلبه نحو الإثم والأفكار النجسة والشهوات البغيضة والأحاديث المخجلة والهزء والسخرية كما يقول سليمان الحكيم في الآية السابقة. وحتى إن كان الإنسان نسلاً رديئًا من والديه، فهو يمكنه أن يُغيِّر طبيعته بإرادته مهما كانت“.[/FONT]
[FONT=&quot]”وحزقيال النبي يزوِّدنا بتأكيد لهذا المعنى عندما يقول: «فإن ولد (الإنسان) ابنًا معتنفًا سفّاك دم .. ورأى (الابن) جميع خطايا أبيه التي فعلها، فرآها ولم يفعل مثلها .. بل أجرى أحكامي وسلك في فرائضي، فإنه لا يموت بإثم أبيه، حياةً يحيا» (حز18: 10و14و17). وفي المقابل، فإن الإنسان الذي يكون بدون هوى على الإطلاق ويرغب أن يزرع في نفسه طبيعة الرجولة التي خلقه الله بها؛ فهو لن يرتكب أيّة آثام بغيضة. ولكنه إذا سلك بمخافة الرب وبإخلاص، وعاش في طهارة الزيجة، فهو لن يسلّم نفسه للزنى، بل بالعكس يكون قانعًا بزوجته الواحدة. وإن كان أيضًا غيورًا إلى الكمال حسب كلام الرسول بولس الذي قال: «جدُّوا للمواهب الحسنى» (1كو12: 31)، فسيعيش في طهارة الملائكة. وحينئذ يسكن فيه الروح القدس ويقدِّسه، ويمكنه أن يصير راهبًا ويخدم الرب بكل طهارة واستقامة“.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما قال الأب باخوميوس هذا الكلام قال له الأخ: ”يا سيدي وأبي، إنك الآن قد أقنعتني من الكتاب المقدس بخصوص ما سألتك عنه. والآن أريد أن تخبرني لماذا أرجعتَ كثيرين من ذلك العدد الكبير من الذين جاءوا إلينا قاصدين أن يترهبوا ورفضتَ قبولهم للرهبنة. فما الذي دفعك إلى عدم قبولهم وقلتَ عنهم إنه ليس لهم توبة؟ ولماذا أيضًا قلتَ عنهم إنهم لم يأتوا ليصيروا رهبانًا بكل قلوبهم“؟ فقال له أنبا باخوميوس: ”هل تظن أنني أحتقر صورة الله؟ كلاّ، حاشا لي أن يُعوزني بأي حال تقدير الناس! ولكن جميع أولئك الذين لا أقبلهم إنما هم زوان مثل ذاك الذي أخبرتك عنه، لأن الذين من هذا النوع يصعب أن يخلصوا في مجمع الشركة بسبب الأهواء التي تسيطر عليهم. لأنه يصعب على أي واحد أن يصحِّح حياتهم - إلاّ إذا كان الرب يسكن في أي واحد منهم - بطريقة ما بينما هم خائفون من الخطايا والبذاءات التي ارتكبوها. وأؤكِّد لك أنني إذا كشفت أعمالهم للإخوة لكي يصلّوا من أجلهم، فإنهم لن يُظهروا فقط عدم الرغبة في الصلاة لأجلهم؛ بل إنهم سيزدرون بهم ويرفضون أن يأكلوا ويشربوا معهم. لذلك نحن لا نقبلهم لئلاّ يسقط أحد الإخوة في أعمالهم الشريرة، أو يتقسّى قلبه بواسطة أحد منهم، وبذلك يقع في فخاخ الشيطان“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ومن ناحيتي، فإنني أحيانًا أقبل واحدًا أو اثنين من هذا النوع وأكافح معهم بشدّة حتى أنقذهم من قبضة الشيطان. فيجب عليَّ أن أفتقدهم كثيرًا نهارًا وليلاً حتى يصيروا في أمان أو حتى يفتقدهم الرب فيجدوا راحتهم فيه. وذلك لكي أتمم كلام الرسول: «بطول أناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة» (أف4: 2)، حتى يمكنهم أن يخلصوا“.[/FONT]
[FONT=&quot]”أما بخصوص الذين لا أقبلهم، فإنني أكون خائفًا عندما أفعل ذلك مثل الفلاح الذي يريد أن ينظِّف أرضه المحروثة أو المليئة بالشوك، في حين أنه يترك أرضه الجيدة خالية من الزرع لأنه لا يستطيع أن يعمل في كليهما. هكذا هي طريقتي، فإنني أقول في نفسي إنه لا يجب أن أشغل نفسي مع الأشخاص النجسين بينما ربما يجعلني ذلك أتهاون في افتقاد الإخوة الأنقياء حتى لا يخضعوا للنجاسة. بل بالعكس، فإنني بنعمة الله أدرِّب النفوس الطاهرة في وصايا الحياة الأبدية. والذين سأنجح في تجديد حياتهم، أُسرع في التحوُّل من سلوكهم الرديء إلى خدمتهم للرب“.[/FONT]
[FONT=&quot]”أما بخصوص الذين أطردهم، فإنني أقول لهم: ’حيث إنكم ارتكبتم تلك الخطايا بسبب عمى قلوبكم وجهالتكم، فتوجد لكم توبة، ولكنكم لا يمكن أن تخلصوا في مجمع الشركة. فاذهبوا إلى أي مكان، واسلكوا حياة التوحد مع ممارسات نسكية بالصوم والصلاة أمام الرب نهارًا وليلاً مع دموع غزيرة بسبب الخطايا التي ارتكبتموها حتى يغفر لكم. وراقبوا أنفسكم باهتمام لئلاّ تجدوا أنفسكم في تلك النجاسات مرةً أخرى، ولا تستسلموا للأفكار الرديئة التي يزرعها الشيطان في قلوبكم‘. هذا هو الكلام الذي أقوله لكل إنسان من هذا النوع حتى أكون بريئًا من دمائهم أمام الله في يوم دينونته العظيم، وحتى لا يقولوا: ’إنك لم تُعطنا فرصةً لتقديم التوبة للرب‘“.[/FONT]
[FONT=&quot]أمّا الشخص الذي جاء من الإسكندرية الذي قال عنه إنه زوان، فبعد أن أدخله وسط الإخوة أخذه على انفراد ووضع عليه نسكيات طويلة لكيما بإتمامها يفلت من عذابات الجحيم. وأوصاه مشدِّدًا أن يصوم كل يوم حتى المساء ولا يأكل شيئًا مطبوخًا. وقال له: ”إذا حدث أنك مرضتَ فلا تظن أنك مريض إن لم تنبِّهني أولاً وبعد أن أفحص الأمر لأرى إن كان ذلك بسماح من الله أم أنه فخ من الشياطين الذين يريدون أن يسيطروا عليك بالأمور التي سقطتَ فيها قبل ذلك في العالم. فإذا وجدتُ أنه مرض من الله سأُوصي الأخ الذي يعتني بالمرضى أن يهتم بك حتى تُشفَى. فقط احفظ نفسك وجسدك نقيين تمامًا من الآن فصاعدًا ولا تستسلم للأفكار النجسة التي يزرعها الشيطان في قلبك. بل أسرع بأن تتيقّظ لنفسك مصلِّيًا لله ساكبًا الدموع بكل قوتك حتى يفارقك الروح الشرير الذي كنتَ مسكنًا له. كن متواضع القلب وقُل: ’عندما أنتهي من مراعاة كل ما أُوصيتُ به، فإنني بالكاد أستحق أن أحيا وأفلت من عقاب النار التي لا يمكن أن تُطفَأ والدود الذي لا يموت‘“.[/FONT]
[FONT=&quot]”وإذا رأى بعض الإخوة نسكياتك ومدحوك لأجلها دون أن يعلموا بالآثام التي ارتكبتها فقُل لنفسك في الحال بدموع: ’يا ربي يسوع، لو علموا بأعمالي النجسة التي ارتكبتُها نهارًا وليلاً أمامك بالإضافة إلى النجاسة والبذاءة التي أنا مذنبٌ بها حتى الآن؛ فإنهم ليس فقط لن يمدحوني، بل إنهم أيضًا لن يرغبوا أن ينظروا وجهي بسبب نتانة الخطايا التي ارتكبتها أمام الرب‘! تيقّظ لنفسك وراقبها، ولا تدع أي كبرياء أو فكر باطل يدخل في قلبك لئلاّ تضيف خطايا أخرى إلى خطاياك وتُلقَى في عذابات لا نهاية لها. وإذا شتمك أحد أو سبّب لك أذى، فاحتمل ذلك بامتنان وقُل لنفسك: ’لقد أغضبتُ الله عدة مرات بأعمالي النجسة‘“.[/FONT]
[FONT=&quot]”كذلك، كُن خاضعًا ومطيعًا مع الإخوة بكل اتضاع ووداعة، وكُن بلا تذمُّر بخصوص القوانين الموضوعة علينا في مجمع الشركة، وذلك حتى يرى الله اتضاعك وأتعابك ويغفر لك خطاياك والآثام والبذاءات التي ارتكبتها في حضرته نهارًا وليلاً، وحتى لا يُلقي بك في العقوبات البشعة غير المحتملة إلى الأبد. وكل ما تعمله فليكن بمخافة الرب. ولا تعمل شيئًا لأجل مجد بشري خوفًا من أن تؤول أتعابك إلى لا شيء، ويسيطر عليك الشيطان وتصير خادمًا له مرةً أخرى“.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع هذا الرجل كل ذلك من الأب باخوميوس، سلّم نفسه لنسكيات شديدة حتى تعجب جميع الإخوة من نسكه وجهاداته. لأنه لم يعلم أحد من الإخوة أنه مارس تلك النسكيات بناءً على توصية الأب باخوميوس، بل ظنوا أنه كان يفعل ذلك من نفسه. ولا علم أي واحد منهم ما كان عليه حاله من النجاسات التي ارتكبها قبل رهبنته سوى الأب باخوميوس والأخ الذي جاء به من الإسكندرية. فقد منع الأب البار باخوميوس ذلك الأخ أن يُخبر أي أخ عن خطايا ذاك الأخ التي ارتكبها في الإسكندرية. وكان هذا الأخ الإسكندراني شابًا وقوي البنية، وقد قضى تسع سنوات في نسكيات شديدة، ولكن ليس في مخافة الرب أو في توبة، فقد كان لا يزال منهمكًا في أعمال أهوائه الشريرة ومسراته النجسة![/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أن مارس النسك بثبات لمدة تسع سنوات، حدث أنه بميله إلى النجاسة وضع فخًا لنفسه لكي يخرِّبها. وإذ علم الأب باخوميوس بذلك بالروح القدس الساكن فيه، رأى الشيطان في هذا الإنسان الذي قبل أفكاره الأثيمة، والذي بدأ حينئذ أن يتمم إثمًا بغيضًا جدًا حسب مشورة أبيه الشيطان. وحينئذ استدعاه الأب باخوميوس في وسط الإخوة جميعًا وبدأ يستفسر منه بخصوص الفكر الذي عزم في قلبه أن يتممه بدون مخافة الله. فاضطرب الرجل بسبب مخافة الله التي رآها على وجه الأب باخوميوس، واعترف في الحال بالخطية التي عزم على ارتكابها. وفي الحال طرده الأب من وسط الإخوة، ولما علم الإخوة بهذا الأمر امتلأوا جميعًا بخوف عظيم بسبب نعمة الله التي سكنت في الأب باخوميوس، ومجّدوا الله[FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث مرةً أن أنبا باخوميوس[FONT=&quot] ذهب جنوبًا مع بعض الإخوة لكي يجمعوا حلفاء (السّمار الذي يُستعمل لصنع السلال والحصر). ولما وصلوا إلى مجمع أراد أن يفتقد الإخوة هناك. فدخل مع الإخوة وهم يتلون (في كلام الله). وبعد أن قبّلوا جميع الإخوة رأى الأب أن أحد الإخوة قد أُصيب بخطية شيطانية. فصلّى في الليلة التالية بخصوص ذلك قائلاً: ”أيها الرب إلهي القدير أبو ربنا يسوع المسيح، أيها المبارك يا مَنْ جمعتَ إخوة هذا المكان المقدس، أي هذه الشركة المقدسة، التي أسسها منذ البدء آباؤنا الرسل القديسون الذين اخترتهم وأحببتهم، والذين بعد ذلك أسستَ عليهم مجمعنا هذا لكيما نعيش بكل طهارة، حتى نمجِّد ونبارك اسمك القدوس إلى أجيال لانهائية، آمين. نتوسل إلى صلاحك ومحبتك، يا الله، من أجل هذا البائس الذي في وسطنا. لقد أظهر جحودًا لصلاحك وجودك. فقد اختار بنفسه أن يكون آنيةً للشيطان بدلاً من أن يكون آنيةً مختارةً (أو «إناءً للكرامة» رو9: 21و22) ومسكناً للروح القدس الذي يخلِّص كل إنسان. لقد ارتكب جريمةً في بيتك المقدس بقبوله لتلك الأفكار الأثيمة التي أغوى الشيطان المحتال بها قلبه فأصبح ابنًا له. ومع ذلك فهو لا يجهل الكتاب المقدس لدرجة أنني أُصلّي لك من أجله، حيث إنه على دراية بمعرفتك الحقيقية، وهو نفسه يعلِّم آخرين أن يسلكوا في سُبُل مشيئتك المقدسة. إن الخطايا والنجاسات التي يعلِّم آخرين أن يتحاشوها هي ذاتها التي يعيش فيها ويرتكبها. ولذلك فإنه يستحق الموت. ولكنني لا يمكنني أن أُسبِّب له أي أذى إن لم تكن هذه هي مشيئتك. لذلك، أيها الرب إله جميع القديسين، كما كشفتَ لي آثامه البذيئة، أخبرني أيضًا ماذا أفعل معه“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبينما كان القديس يصلّي، ظهر له ملاكٌ من الرب مخيفٌ جدًا ومعه في يده سيفٌ ناري مسلولٌ، وقال لأبينا باخوميوس: ”كما أن الله محا اسمه من سفر الحياة؛ هكذا أيضًا اُطرده أنت من وسط الإخوة لأنه ليس جاهلاً. وحتى بالنسبة للجهلاء، فإن مثل هذه النجاسات تبدو بغيضةً أمام الله“. وفي الصباح جعله يرتدي ملابس دنيوية وقال له: ”اذهب واعمل ما يناسب تلك الملابس التي جعلتها تصرفاتك ملائمةً لك“. ثم طرده من وسط الإخوة. وقد تحققت بخصوصه كلمات النبي: «من أجل سوء أفعالهم أطردهم من بيتي، لا أعود أحبهم» (هو9: 15).[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد ذلك جلس وحدّث الإخوة بكلمة الله، وبثّ فيهم الخوف بواسطة أولئك الذين طردهم، بينما كان يذرف دموعًا غزيرةً جدًا بسبب النصيب التعس الذي أصابهم بسبب ما ارتكبوه ليلاً ونهارًا أمام الله. ثم نهض وصلّى معهم جميعًا، ثم رجع كل واحد إلى مسكنه بسكون وهم يتلون في كلمة الله. أما أبونا باخوميوس، فقد انصرف هو أيضًا مع الإخوة الذين جاءوا معه لكي يجمعوا السّمار. وكانوا يتلون في كلمة الله حتى وصلوا إلى دير بافو شمالاً[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جاء رجلٌ إلى الدير لكي يصير راهبًا،[FONT=&quot] وكان به شيطان يُزعجه كثيرًا، ولكنه كان رجلاً شريفًا ومتواضعًا جدًا. فلما نظر إليه أبونا باخوميوس وجهًا لوجه رأى الشيطان الذي فيه. فأخذه في الحال جانبًا وصلّى طالبًا أن يشفيه الرب من هذا الشيطان. فأجاب الروح النجس قائلاً: ”ماذا تريد أن تفعل بي أنت يا باخوميوس؟ هل تسعى إلى أن تطردني من هذا الرجل؟ هل أنا أعوِّقه بأيّة صورة عن إتمام كل مشيئة الله؟ لقد أعطاني الرب هذا المكان لأسكن فيه حتى نهاية حياة هذا الرجل، ولكن إن كنتَ سترصدني حتى تطردني منه فاعلم أنني لن أخالفك، ولكنني سأقتله عندما أخرج منه، لأنه قد أُعطيَ لي السلطان أن أتعامل معه هكذا“. ولما سمع أبونا باخوميوس ذلك استمر في الصلاة من أجله لكي يشفيه الرب. وبينما كان يصلّي ويطلب من الرب أن يتراءف عليه ويطرد منه الروح الشرير، ظهر له ملاك الرب وقال له: ”كُفّ عن الصلاة من أجل هذا الرجل يا باخوميوس، لقد سمح الرب له بهذا المرض لأجل خلاصه، لأنه إذا شُفيَ منه فسيندم على ذلك كثيرًا“. وبعد الصلاة، أخذ الأب الأخ جانبًا وقال له: ”لا تحزن بسبب هذا الضيق، لأن الرب أرسله لك لخلاص نفسك. والآن اشكر الرب قائلاً: مباركٌ إله خلاصي“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ومنذ ذلك اليوم، عندما كان الناس يأتونه بهذا النوع من المرضى، وكان يعرف أن صاحبه لن ينتفع من شفائه، كان يقول له: ”هذا الأمر هو لخلاصك، فاشكر الرب لكي تحيا“[FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان في دير بافو أخٌ[FONT=&quot] يعتريه المرض كل ثلاثة أيام. هذا جاء إلى أبينا باخوميوس وتوسّل إليه بدموع قائلاً: ”إنك تشفي كثيرين في العالم، ولكنك لم تصلِّ من أجلي لكي أُشفَى من هذا المرض الصعب“. فأجابه: ”أولئك الناس يُشفون في أجسادهم حسب إيمانهم، ولكنهم يرجعون إلى الشر ثانيةً بسبب الراحة التي ينالونها من مرضهم. أمّا خدّام الله فسينالون راحةً دائمةً في الدهر الآتي لا مرض فيها ولا تعب. إنهم يسيرون بشجاعة في طريق الصليب كما يقول الإنجيل: «مَنْ يحب نفسه يُهلكها، ومَنْ يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية» (يو12: 25)“. فلما سمع الأخ المريض ذلك من رجل الله تعزّى كثيرًا جدًا.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد زمان، لما وجد أن مرضه مستمرٌ، ذهب إلى الأب باخوميوس ومعه بعض الإخوة الكبار بالدير لكي يترجوه أن يصلّي من أجله حتى يعطيه الرب راحةً. فلما رأى رجل الله أنهم قد ألزموه أراد أن يُرضيهم. فأخذ أحد الرهبان الكبار المحبين لله من الذين كانوا يترجونه، وذهبا ليصلِّيا من أجل المريض. وعندما بدأا يصلِّيان، جاء صوتٌ من السماء قائلاً: ”لا تسألا من أجل راحة هذا الإنسان، فقد أرسل الله له هذه التجربة لكي يخلِّصه من فخاخ الشهوات الشبابية التي ينصبها له إبليس، وذلك من أجل خلاصه“. فتوقفا في الحال عن الصلاة وخرج الجميع مع الأخ.[/FONT]
[FONT=&quot]وقد ظن الأب باخوميوس أن الذين كانوا في الخارج سمعوا الصوت الذي جاء إليه من السماء، فلما خرج قال له الإخوة: ”لماذا خرجتما هكذا سريعًا، ألم تصلّوا من أجل المريض“؟ فأجابهم الأب: ”ألم تسمعوا الصوت الذي جاء من فوق“؟ فقالوا: ”لا“. وكذلك الأخ الذي كان يصلّي معه قال أيضًا: ”ولا أنا سمعتُ شيئًا“. فأخبرهم جميعًا بالصوت الذي سمعه. فلما سمع الإخوة ذلك تعجبوا قائلين: ”عظيمةٌ هي أعمال الرب لأنه صالح ويعتني بالذين يطلبونه، وبدونه لا يحيا أحد“[FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جاء إلى الدير رجلٌ يريد أن يصير راهبًا،[FONT=&quot] فقابله الأب باخوميوس وسأله: ”أتريد أن تصير راهبًا“؟ فأجاب: ”هذه رغبتي منذ زمان، ولكن إهمالي جعلني أنجرف في أعمال هذا العالم الباطل. واليوم بينما أنا سائرٌ في الطريق سمعتُ صوتًا من فوق يناديني باسمي، فأجبتُه: ’ماذا تريد يا رب‘؟ فخاطبني الصوت ثانيةً: ’إلى متى تكون مهملاً وترفض أن تتوب عن خطاياك؟ فالآن، اذهب لتصير راهبًا تحت تدبير الأب باخوميوس الذي في طبانسين، وابذل قصارى جهدك أن تهتم بخلاص نفسك قبل أن تموت وتُطرَح في العذاب بسبب خطاياك‘، وها أنا الآن قد جئتُ يا سيدي الأب طالبًا الرهبنة“. فقال له الأب باخوميوس: ”إننا نفرح معك لأنك تريد أن تخلص مستجيبًا للصوت الذي سمعتَه من الرب. والآن، حينما نراك سالكًا في الطريق الذي سأُشير به عليك، حينئذ ستجدني في خدمتك كأب يعتني بك في كل شيء يلزم لخلاصك. فقط لا تجعل لك اهتمامًا آخر في هذه الدنيا سوى أن تحفظ في قلبك فكر الله ومخافته وحده، وأن تعمل فقط من أجل خلاص نفسك“. فقال له الرجل: ”عندما تجرّبني أعتقد أن الله سوف يُريح قلبك من جهتي بفضل صلواتك المقدسة يا سيدي الأب“. فرهبنه الأب باخوميوس بكل رضى.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وما إن دخل هذا الأخ وسط الجماعة حتى أبصر حماس الإخوة وتواضعهم التقوي، وحبّهم لله. فأعطى نفسه هو أيضًا لنسكيات شديدة وجهادات مستمرة، وكان يقضي أغلب الليالي في الأسهار مع أصوام كثيرة، مذلِّلاً نفسه مثل طفل بسيط بريء. وإذا عنّفه أحدٌ بشدّة في وجهه أو ضربه أو شتمه، فما كان يحزن أو يغضب البتّة. بل كان يقول لنفسه: ”الأيام التي كنتُ أغيظ فيها الرب جدًا بالأعمال الشريرة التي كنتُ أقترفها، ما كان يثأر مني بل عمل معي بدلاً من ذلك خيرًا وردّني إلى طريق الحياة، والآن ألا يليق بي أن أحتمل ضيقة بسيطة أو انتهارًا يوجّهه إليَّ؟ ألا أستطيع أن أحتمل ما يفعله أخي معي“؟ وكان عندما يرى بعض الإخوة يتشاجرون أو يتناقشون باحتداد، كان يذهب إليهم ويقول لهم باتضاع: ”سامحوني يا إخوتي، أنا هو المخطئ“. فكان الذين يتشاجرون يضحكون على الفور ويُنهون مشاجرتهم. وسلك هذا الطريق في حياته لمدة أربعة شهور ثم انتقل[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وُجد بين الجماعة أخٌ كان متوحدًا[FONT=&quot] ثم جاء ليعيش بين الإخوة. وكان معتادًا أن يصوم يومين يومين. وكان يرتدي ثوبًا من المسوح كل أيام حياته ولا يأكل شيئًا سوى الخبز والملح. إلاّ أنه إذا أساء إليه أخٌ كان يكرهه ويكنّ له الضغينة لكي يجازيه عن شرٍّ بشرّ. وحدث بعد انتهاء حياة هؤلاء أن أُخذ الأب باخوميوس بالروح إلى العالم الآخر كما روينا سابقًا، فرأى ذلك الراهب البسيط البريء الذي قضى أربعة شهور في حياة نسكية بملء الفرح والبهجة. فلما لمح الراهب أنبا باخوميوس وتعرّف عليه وهو يمشي مع الملاك الذي كان يعرِّفه بعظمة الدهر الآتي، اندفع نحوه وجذبه بشدّة قائلاً: ”تعالَ يا أبي القديس، وانظر الميراث الذي أعطانيه الرب بفضل التعاليم الفاضلة التي علّمتها لي لكي أسلك فيها“. وأراه حدائقه السماوية وثمرها الذي لا يفسد، وأراه مكان سكناه كله والمنـزل الفخم المبني فيه. وكان جمالها لا يُنطَق به، وهي كلها مملوءة من مجد الرب. فلما أراه كل مكان سكناه امتلأ رجل الله بفرح عظيم من أجله.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] G 1, 104, 105; SBO, 93 a, b; Paral, 2 – 4.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] SBO, 102.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] SBO, 107.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] SBO, 108.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] SBO, 111.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] SBO, 112.[FONT=&quot] [/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] SBO, 115.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]وبعد ذلك، لما خرجوا وساروا مسافةً قليلةً خارج فردوس النعيم، أبصروا الشيخ الناسك في مكان شديد القيظ (أي الحرارة)، مربوطًا مثل كلب في شجرة محمّلة بالثمار. وكان يعيش من ثمرها ولكنه لم يكن في إمكانه أن يتحرك بعيدًا عن تلك الشجرة. فلما رآهم أحنى رأسه في خجل إلى أن عبروا. ولما رأوه تفرّسوا فيه بمنتهى الحزن، وقال الأخ البسيط لأبينا باخوميوس: ”هل رأيتَ الشيخ الناسك الذي تعبتَ في توجيهه؟ إنه لم يُطع كلامك ولم يسلك باتضاع. انظر الآن كيف عاقبه الرب بسبب عصيانه الرديء“[FONT=&quot][1]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftn1[FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث مرةً[FONT=&quot] أنه بينما كان الأب باخوميوس يتناقش مع الإخوة عن أمور نافعة لنفوسهم، جاء البواب وقال له: ”جاء بعض المتوحدين الكبار وهم يطلبون مقابلتك“. فقال له: ”ادعهم إلى هنا“. فدخلوا الدير وسلّموا عليه هو والإخوة، ثم أرادوا أن يتحدثوا معه على انفراد. ولما جلسوا في قلاية منعزلة اشتم الأب رائحة نتانة شديدة منبعثة منهم ولم يعرف سببها، لأنه كان يتحدث معهم وجهًا لوجه ولم يستطع أن يستخبر عن السبب بالتوسل إلى الله. وإذ رأى فصاحتهم ودرايتهم بالكتب المقدسة لم يقدر أن يفهم سر نتانتهم المقزّزة للنفس. وبعد أن تحدث معهم طويلاً عن الكتب المقدسة حان وقت الساعة التاسعة، فنهضوا ملتمسين الانصراف إلى موضعهم. فترجاهم القديس أن يأكلوا ولكنهم لم يقبلوا لأنهم كانوا متعجلين لكي يصلوا إلى موضعهم قبل غروب الشمس. وهكذا صلّوا وودّعوه وانصرفوا.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أما الأب، فلكي يعرف سبب رائحتهم الكريهة دخل قلايته وصلّى لكي تُستعلَن له من الله. فجاء ملاك الرب وقال له: ”إنها بعض العقائد الفاسدة لأوريجانوس، وقد أضمروها في نفوسهم، هي التي أفاحت منهم هذه النتانة. لكن أرسل عاجلاً واستدعهم لكي يرجعوا وحذِّرهم من أن يُفتَنوا ثانيةً بمثل هذه الآراء الضارة الهدّامة لأنها تقود إلى الهلاك“. وفي الحال أرسل واحدًا من الإخوة خلفهم، ولما عادوا قال لهم: ”أريد أن أسألكم سؤالاً“. فقالوا: ”تكلّم“. فقال لهم: ”هل تقرأون كتابات المدعو "أوريجانوس"“؟ فأنكروا قائلين: ”لا“. فقال لهم القديس: ”أنظروا، إنني أناشدكم أمام الله وأنذركم بأن من يقرأ لأوريجانوس ويقبل كتاباته فهو عتيدٌ أن ينحدر إلى قاع الجحيم، وسيكون نصيبه الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان. والآن ها أنا قد شهدتُ لكم بما أُعلن لي من الله، وبذلك أكون بريئًا أمامه في هذا الأمر، فأبصروا أنتم. فها قد سمعتم الحق، فإن أنتم صدقتموني وشئتم بالحقيقة أن ترضوا الله؛ فاطرحوا جميع كتب أوريجانوس في النهر، ولا تعودوا تطلبون قراءتها قط، وبالأخص الكتب المملوءة بالتجاديف“. وبعد أن قال لهم ذلك صرفهم[FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان الإخوة مرةً يأكلون في أيام الخماسين،[FONT=&quot] وكان المشرف على المائدة قد أعطاهم جبنًا. ولما فرغ أبّا تادرس من الأكل أعطاه المشرف بعض الجبن الإضافي، ولكنه لم يرغب وقال له: ”لا أريد“. ولما ألحّ عليه ثانيةً أن يأخذ قال له: ”لن آخذ“. فقال له أنبا باخوميوس: ”ما هذه الكلمة التي قلتَها "لن آخذ"، معطيًا بذلك مكانًا في قلبك لشيطان العصيان؟ حتى لو كنتَ لا ترغب أن تأخذ بعضًا منه فقُل: ’لا أريد شيئًا الآن‘، بل خذ قليلاً وضعه أمامك“. فلما سمع أبّا تادرس ذلك حزن جدًا، ولم يعُد يقول هذا القول قط فيما بعد. وهكذا كان الأب باخوميوس يهذّب أبّا تادرس وكل الإخوة في مخافة الله وفي كل قصد صالح[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان البربر منتصرين[FONT=&quot] وجدوا راهبًا متوحدًا فأخذوه أسيرًا. ومرةً أرادوا أن يشربوا خمرًا فقالوا له: ”منطق نفسك وصُبّ لنا خمرًا“. ثم قالوا له: ”قدّم سكيبًا للآلهة قبل أن تعطينا لنشرب“. ولكنه امتنع. فأخذوا رمحًا وقالوا له: ”اسكب سكيبًا وإلاّ قتلناك“. وإذ خاف أن يقتلوه قدّم سكيبًا للآلهة، ثم أعطاهم ليشربوا حتى سكروا وناموا، فقام الراهب وهرب.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد ذلك وخزه قلبه جدًا حتى إنه لم يستطع أن يبسط يديه للصلاة، وقال لنفسه: ”كيف يمكنني أن أصلّي لمن أنكرته؟ لأنه مكتوبٌ: «من ينكرني ... أنكره أنا أيضًا» (مت10: 33)“. ثم فكّر في نفسه: ”لقد سمعتُ عن رجل الله أب الشركة الأب باخوميوس، فلأذهب إليه وأخبره بما فعلته، فإذا أعطاني توبةً فإنني أومن أن الرب سيمنحني إياها أيضًا“. فلما قابله أمره القديس أن يصوم كل يوم ويمتنع عن الأطعمة المطبوخة عدا في حالة المرض، ثم قال له: ”إذا فعلتَ ذلك فإن القديسين سيكونون ضامنين لخلاصك أمام الله، وأنا أيضًا معهم، في تلك الساعة التي يشتكي عليك فيها العدو“[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]تشاجر اثنان من الإخوة[FONT=&quot] بعد أن أكملا الخدمة الأسبوعية، فضرب أحدهما الآخر في شدّة غضبه، ولم يحتمل الآخر فصفعه هو أيضًا. وقُدِّم تقرير عما حدث للأب باخوميوس، فاستدعاهما أمام كل الجماعة وسألهما فاعترفا بخطئهما. فطرد الأخ الذي تهور وضرب أولاً، وأفرز الآخر لمدة أسبوع (أي منعه من التناول) قائلاً: ”لماذا لم تضبط نفسك عندما تقبّلتَ الصفعة، بل أجبتَ بنفس أسلوب الشر الذي عاملك به“؟[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان هناك راهبٌ شيخٌ اسمه "غنوسيثيوس"، وكان عارفًا بالله كما يعني اسمه، وكان في الثمانين من عمره، فلما حُكم على الأول بالطرد هتف في وسط الإخوة قائلاً: ”أنا خاطئ أيها الإخوة وأنا خارجٌ معه، ومن هو بلا خطية فليبق هنا“. وبالإجماع تبع مجمع الإخوة جميعهم الشيخ قائلين: ”ونحن أيضًا خطاة وسنمضي معك“! فلما رأى المغبوط باخوميوس ذلك أسرع أمامهم وألقى بنفسه على وجهه أمام الباب وغطّى رأسه بالتراب وسأل من كل واحد منهم المغفرة. فتوسلوا إليه أن ينهض وذهبوا جميعًا إلى الكنيسة حيث صلّوا والتمسوا من أبيهم فسامح الأخوين اللذين أخطئا.[/FONT]
[FONT=&quot]أما المغبوط باخوميوس، فلما اختلى بنفسه خرج بهذا الانطباع: إذا كان القتلة والسحرة والزناة والآخرون الذين ارتكبوا كل أنواع الشرور، يهربون إلى الدير لكي يخلصوا بالتوبة؛ فمَنْ أكون أنا حتى أطرد راهبًا من الدير؟ وبالأكثر ما دام مخلّصنا المسيح يقول في الأناجيل: «كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (مت18: 18). وعندما سأل الطوباوي بطرس المخلّص: «كم مرة يخطئ إليَّ أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟ قال له يسوع (الذي له السلطان أن يغفر الخطايا): لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات» (مت18: 21و22). كما أن الرب علم رسله أن يصلّوا قائلين: «اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا»، وأيضًا: «اغفروا يُغفَر لكم» (لو6: 37).[/FONT]
[FONT=&quot]فلما استرجع هذه الوصايا، أدان نفسه وحكم عليها بعدم الاستحقاق لأسرار المسيح، وقرر ألاّ يتقرّب منها لمدة ثلاثة أسابيع، وألاّ يذوق شيئًا على الإطلاق! ووضع لديره هذه القاعدة[FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot]: "مهما كانت الخطية التي ارتكبها أخ، فيجب عدم طرده من الدير، بل يجب تقويمه بحسب نوع خطيته، حتى ولو بالتأديب الجسماني إذا استدعى الأمر ذلك. وبذلك فلا يُسلَّم لأيدي الشياطين، وحتى لا يُلام الأب على فقده نفسًا[/FONT][FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قال أبّا زانوس:[FONT=&quot] كثيرون من الرهبان يتركون أسرهم وأقاربهم وأصدقاءهم وممتلكاتهم من أجل خلاص نفوسهم، ويُعتبر تعهُّدهم الأول ودخولهم الدير جديرًا بالإعجاب؛ ولكنهم ينتهون إلى ما يوجب اللوم والتوبيخ. إنهم يمجدون الله وينفعون الناس ببدايتهم، ولكنهم يُحزنون الله ويُعثرون الناس ويُبهجون الشياطين بنهايتهم. ذلك لأنهم لم يسلّموا ذواتهم بالطاعة الخالصة والتجرُّد الذي بلا حدود. إنهم لم يسلِّموا أنفسهم بصدق للمسيح، ولم يقطعوا أنفسهم بحزم من الشيطان. فهم بحسب الظاهر في أعين الناس قد هجروا العالم، أما روحيًا فهم شركاء في برص جيحزي (2مل5: 27) وفي نصيب حنانيا وسفيرة (أع5: 1-11). وفي الحقيقة إن الفكر الرديء لا يأتي بسهولة لمن لا يكون ميالاً له.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد تعلّمتُ (أنا زانوس) كل ذلك من واقع معاناتي وتجاربي، لأن الشيطان صوّب الأفكار إلى داخل روحي وأعمى قلبي، ولم يكفّ عن مهاجمتي بشدّة وإزعاجي والتحايل عليَّ حتى استطاع أن يُخرجني من دير الطبانسيين. لأنه أوقعني في فخ الرغبات الدنيوية ونخسني بالإغراءات حتى ألقاني فريسةً للشهوة وأغرقني في هوة الزنا. فبعد أن تركتُ أهلي في مدينة "ممفيس" وصرتُ راهبًا، بدأت الأفكار تهاجمني بعنف للعودة إلى أهلي بحجة أن أخلّصهم وأصيِّرهم رهبانًا وأحوِّل بيت أبي إلى دير. ومنذ ذلك الحين صرتُ أقوم بخدمات الدير كأنها حملٌ ثقيلٌ، وصرتُ أتماحك قائلاً إنه لا خلاص في هذا المكان.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم حدث أن أُرسل أبّا تادرس لمهمة في ممفيس، فتفتّق ذهني الشرير عن كتابة رسالة وأعطيتها لأحد الإخوة وحرّضته أن يقول لي إن أبي مريض وقد أرسل لك هذه الرسالة طالبًا منك أن تحضر بأقصى سرعة لكي تودّعه! ثم أخذتُ الرسالة وأطلعتُ عليها أبّا تادرس وتوسلتُ إليه أن يسمح لي بالذهاب لأيام قليلة. ولكن أبّا تادرس قال لي: ”يا بُنيَّ كن متذرّعًا بالصبر من الله، فإنه لا يناسبك أن تذهب إلى أبيك“! ولكنني امتعضتُ من كلامه وتفوّهتُ بكلام لا يُقال وتركته. ثم وجدتُ أخًا طائشًا مثلي وقد شاركني في أفكاري الحمقاء، فغادرنا الدير وأخذنا قاربًا سافرنا به طوال اليوم، إلاّ أن ذلك الأخ تركني وعاد إلى الدير.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما لم أجد أحدًا معي، سافرتُ وحدي. وفجأةً نظرتُ خلفي فرأيتُ راهبةً، وكانت امرأة جميلة وحسنة المنظر جدًا، وقالت لي: ”مرحبًا يا أبّا“! فقلتُ لها: ”سلامٌ لكِ يا أَمّا، إلى أين تذهبين“؟ فأجابت: ”إنني عذراء من دير الطبانسيين، وأنا ماضية إلى أهلي“! فبدأ فكر الزنا يحاصرني ويُزعجني، ولم أعُد قادرًا على مقاومة اشتعاله، فحاولتُ أن أكمل شهوتي معها، فصفعتني بلطمة، ثم صار المكان كله ملتهبًا كما بنار. ثم نهضتُ وإذ بي قد قُذفتُ، أما هي فقد اختفت. وفي الحال سمعتُ في الهواء صوت ضحك وتصفيق كأنه من حشد كبير جدًا. واعترتني للتوّ حمّى ورعشة وظللتُ راقدًا هناك من الساعة الثالثة حتى التاسعة![/FONT]
[FONT=&quot]ثم جاءت قافلة لبائعي القمح، وحملوني إلى البهنسا، حيث ظللتُ أُعاني من آلام شديدة جدًا، كما أن عينيَّ قد تحولتا نحو الخلف، وكانت الحمّى والرعشة والصداع لا تتوقف حتى إن الطبيب المسئول في المستشفى قال إنه لا أمل في شفائي! وهكذا قضيتُ أحد عشر شهرًا على هذه الحال من الضعف. ثم حدث بتدبير من الله محب البشر أن جاء الأسقف سيرابيون (ربما يكون هو أسقف "نيتنتوري" التابع لها دير طابنيسي) إلى مدينة البهنسا في مهمة ما. فأحضره القائم على المستشفى إليَّ. ولما رآني على هذه الحال من المعاناة سألني عن هويتي وما حدث لي، فأجلسني ثلاثة من الإخوة، إذ جلس أحدهم خلفي وأمسك الثاني بيديَّ واعتنى الثالث بمسح ما كان يسيل من أُذنيَّ وأنفي. ثم قلتُ له: ”ياسيدي ارحمني، فأنا من دير أنبا باخوميوس، وقد خدعتني الشياطين حتى بلغتُ إلى هذه الحال“.[/FONT]
[FONT=&quot]فدعا لي أسقف الموضع، وصلّى ومسحني بالزيت المقدس وقال لي: ”هوذا بصلوات القديسين يشفيك الرب، فارجع إلى الدير الذي ترهّبتَ فيه، لأن الشجرة تحمل ثمرًا في الموضع الذي زُرعت فيه. ولا تكن كغيمة بلا ماء أو كقصبة في الصحراء، لأن كليهما يسوقهما النوء. بل كن كشجرة زيتون مثمرة في بيت الرب، أي في ديرك. واحترس يا بُنيَّ من أن تدع الأفكار النجسة تُبطئ في أرض قلبك لئلاّ تحصد حزمًا من الأوجاع والعذاب مائة ضعف. عُد بالحمد والشكر مثل عدّاء رشيق إلى الموضع الذي خرجتَ منه بالخزي، لئلاّ تدهمك تجربة أشرّ، ولا يكون حينذاك شفاءٌ لك منها فيما بعد“![/FONT]
[FONT=&quot]ظللتُ سبعة أيام أبحث بلا جدوى عن رفيق لي في السفر، وفي اليوم الثامن رأيتُ الشيطان في النوم في زي تلك الراهبة، وقال لي: ”لقد صرتَ زوجي! حتى ولو فصلك عني ذاك الشّره العجوز سيرابيون، فتقبّل مني هذا الفتق كتذكار لأُلفتنا معًا كل أيام حياتك“. ثم إنه رفسني أسفل السُرة. وظللتُ حتى الآن أتألم بشدّة، ولكنني أشكر الله أيضًا الذي بواسطة هذا الألم العابر قد حرّرني من هذا الشيطان النجس الشرير القاسي[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قال روفينوس:[FONT=&quot] زُرنا رجلاً في الصعيد اسمه "أمون"، وهو أب لثلاثة آلاف راهب يُدعون "طبانسيين". وهم يعيشون حياةً صارمةً جدًا، ويلبسون عباءات من جلد الغنم، ويحجبون وجوههم عندما يأكلون ويحنون رؤوسهم حتى لا يرى الواحد جاره. وهم يحتفظون بصمت عميق حتى إنك تظن أنك في البرية القفرة. وكل واحد منهم يمارس نسكه الخاص به في الخفاء، وجلوسهم معًا على المائدة إنما هو فقط لكي يبدو عليهم أنهم يأكلون، وهم حينئذ يحاولون أن يتجنبوا ملاحظة بعضهم بعضًا. والبعض منهم بعد أن يأكلوا شيئًا من على المائدة يرفعون أيديهم إلى أفواههم مرةً أو مرتين فقط، وعندما يذوقون مرةً واحدة من كل طبق يكتفون بهذا الطعام. وآخرون يمضغون خبزهم ببطء ويزهدون في المأكولات الأخرى دون أن يحاولوا المراءاة، إذ يمارسون الاحتمال بهذه الطريقة. وآخرون كان طعامهم قاصرًا على ثلاث ملاعق من الشوربة دون أي طعام آخر. وقد اندهشتُ من كل ذلك ولم أتجاهل المنفعة التي يعطيها لنا هذا النظام من الحياة[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]زيارة القديس مكاريوس الإسكندراني لدير طابنيسي:[/FONT]
[FONT=&quot]كان القديس مكاريوس الإسكندراني من بين نسكياته أنه إذا سمع عن أي نسك يمارسه إلى درجة الكمال. وقد سمع أن الرهبان الطبانسيين كانوا يأكلون طعامًا غير مطبوخ طوال صوم الأربعين المقدسة، لذلك فقد وضع في قلبه ألاّ يأكل طعامًا كانت له صلة بالنار. وقد ظلّ سبع سنوات لا يأكل سوى خضروات نيئة، إن وُجدت، مع بقول مبلولة. كما أنه عندما سمع أن الطبانسيين لهم طريقة حياة عظيمة، غيَّر ملابسه واتخذ شكل عامل، ثم سافر لمدة خمسة عشر يومًا إلى الصعيد عن طريق الصحراء. ولما وصل إلى دير طابنيسي طلب الأب باخوميوس، الرجل الفاضل الذي كانت له موهبة النبوة. ولكنه لم يعرف القديس مكاريوس الذي لما قابله قال له: ”أرجوك أن تقبلني في ديركم لكي أصير راهبًا“. فقال له أنبا باخوميوس: ”إنك كبير السن ولا يمكنك أن تمارس الحياة النسكية. والإخوة هنا نسّاك ولا يمكنك أن تحتمل أتعابهم، بل إنك سترتبك وترحل وتشتمهم“. ولم يقبله في اليوم الأول ولا في الثاني بل في سابع يوم. وبعد أن ثبت في النسك بمثابرة وفي الصوم قال له: ”اقبلني أيها الأب، وإن لم أصُم وأعمل معهم مُرْ بطردي“. فحث الإخوة أن يقبلوه، وكان الدير حينذاك يحوي ألف وأربعمائة راهب[FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بعد دخول أنبا مكاريوس هذا الدير بقليل[FONT=&quot] بدأ صوم الأربعين المقدسة، ورأى أن كل واحد يمارس نوعًا مختلفًا من النسك، فواحد كان يأكل عند المساء فقط، وآخر يأكل كل يومين، وغيره يأكل كل خمسة أيام وكان يظل واقفًا طوال الليل ثم يجلس في النهار. فبلّ أنبا مكاريوس كمية كبيرة من السعف ووقف في ركن حتى انتهت الأربعين المقدسة وجاء عيد القيامة. ولم يأكل خبزًا ولم يشرب ماءً، ولم يثن ركبتيه ولم يضطجع. ولم يأكل شيئًا سوى القليل من ورق الكرنب يوم الأحد وذلك لكي يظهر أنه يأكل.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وعندما كان يخرج لقضاء الحاجة كان يعود سريعًا ويقف في مكانه دون أن يتكلم مع أحد أو يفتح فمه، بل يقف صامتًا، وما كان يعمل شيئًا ما عدا صلاته في قلبه والسعف في يديه. فرأى الجميع ذلك واحتجوا لدى الأب الكبير قائلين: ”من أين جئت بهذا الرجل الذي بلا جسد لكي يُديننا؟ فإما أن تطرده أو فلتعلم أننا جميعًا سنرحل“! ولما رأى الأب باخوميوس طريقة حياة أنبا مكاريوس صلّى لكي يكشف الله له من يكون هذا الرجل فكشف له. فأخذ أنبا مكاريوس من يده إلى مجمع الصلاة حيث يوجد المذبح وقال له: ”تعال أيها المبجّل، إنك أنت مكاريوس، وقد أخفيتَ ذلك عني. وكنتُ أشتاق منذ عدة سنوات أن أقابلك، وأنا أعترف بفضلك لأنك جعلت أولادي يجاهدون بتصميم حتى لا يتعجرفون بسبب ممارساتهم النسكية. والآن، اذهب إلى مكانك لأنك مكثتَ معنا مدةً كافية، وصلِّ لأجلنا أيضًا“. وهكذا فارقهم حسب طلبهم[FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]اتفقت أقوال الآباء[FONT=&quot] بسنتاسيوس وسوروس وبسويوس على أنه: ”كلما أصغينا لكلام أبينا الأب باخوميوس نُعضَّد جدًا وتنخسنا الغيرة لأجل الأعمال الصالحة. فقد رأينا أنه علّمنا بتصرفاته حتى عندما يكون صامتًا. لقد اندهشنا منه وكنا نقول بعضنا لبعض: ’كنا نظن أن جميع القديسين قد خلقهم الله قديسين وأنهم لم يتغيروا من بطون أمهاتهم، بخلاف بقية الناس. وكنا نظن أن الخطاة لا يمكنهم أن يعيشوا بالتقوى لأنهم خُلقوا هكذا. ولكننا الآن نرى صلاح الله ظاهرًا في أبينا، لأنه كان من أصل وثني وصار تقيًا، وقد التزم بجميع وصايا الله. وحتى نحن أيضًا يمكننا أن نتبعه ونصير مساوين للقديسين الذين تبعهم هو نفسه. حقًا إنه مكتوبٌ: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم» (مت11: 28). إذًا، فلنمُت ونحيا معه لأنه جاء بنا إلى الله في الطريق الصحيح“[/FONT][FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]مرض أحد الإخوة جدًا في أيام البصخة المقدسة،[FONT=&quot] وكان ناسكًا فلم يشأ أن يأكل شيئًا مطبوخًا قائلاً إنه جيدٌ له أن يموت أفضل من أن يأكل ويشرب في تلك الأيام. فذهب إليه أبونا باخوميوس وقال له: ”الأيام كلها لله، لأن الذي أمر أن يُقيم الناس البصخة هو الذي أمر بالمرض عليك، فالآن لا تخف ولا تحسب أنها خطية إذا أكلتَ لحاجة المرض، لأنه مكتوب: متى لم يلحق أحد أن يحمل قربانه للرب ويعمل الفصح في الشهر الأول؛ فليعمل فصح الرب في الشهر الثاني (حسب النص). والآن إذا لم تقدر أن تعمل البصخة (أي تشترك في صومها وصلواتها) بسبب المرض؛ فيمكنك أن تعملها بعد أن تستريح إذا شاء الرب حيث تذلّل نفسك نحو عدد أيام البصخة“[/FONT][FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]خرج الإخوة من الدير لاستقبال أنبا باخوميوس[FONT=&quot]، وخرج معهم فتى للترحيب بالقديس وترجّاه قائلاً: ”أيها الأب، منذ زيارتك السابقة للإخوة حتى اليوم لم يطبخوا لنا شيئًا من الخضروات أو سليقًا“. فقال له القديس برقّة: ”لا تحزن يا بُنيَّ، فإنني من الآن سوف أجعل هذه الأشياء تُطبَخ لكم باستمرار“. وبعد أن جال في الدير جاء إلى المطبخ، ولما وجد الطباخ يضفر حصيرًا سأله: ”كم لك من الزمن لم تطبخ للإخوة خضارًا“؟ فأجابه: ”نحو شهرين“. فقال له الكبير: ”ولماذا فعلتَ ذلك بينما تأمر قوانين الآباء القديسين بطبخ الخضر للإخوة أيام السبوت والآحاد“؟ فأجاب الطباخ: ”الحق أيها الأب، إن رغبتي هي أن أطبخ لهم كل يوم، ولكنني رأيتُ أنهم لا يأكلون طبيخًا، لأن غالبية الإخوة يمارسون النسك ويمتنعون عن أكل الطعام المطبوخ، لذلك توقّفتُ عن طبخه لكي لا يضيع هباءً ما نصرفه عليه إذ يُطرَح كله خارجًا، علاوةً على الجهد الكبير الذي يحتاجه. لقد كنا نستعمل أربعين كيل زيت في الشهر للطبيخ العادي للإخوة، وظننتُ أنه ليس من الصواب أن نخسر هذه المصاريف كلها. ولكي لا أظل بطّالاً فإنني أشتغل في عمل الحصر مع الإخوة، لأنني رأيتُ أن شخصًا واحدًا في المطبخ يكفي لإعداد الوجبات الصغيرة للإخوة“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع القديس ذلك، قال له: ”كم حصيرة عملتم منذ أن تركتم المطبخ وتفرغتم لهذا العمل“؟ فقال: ”خمسمائة“. فقال له: ”أحضرها لي لكي أُقدِّرها“. فما جاءوا بالحصر أمر بطرحها في النار. ولما احترقت قال للطباخين: ”كما أنكم بفكر شيطاني تجاوزتم القانون المسلَّم لكم للعناية بالإخوة؛ هكذا أنا أيضًا أحرقتُ عمل أيديكم بدون شفقة، لكي تعلموا عاقبة إهمالكم لأنظمة اختطّها الآباء لأجل خلاص النفوس. ما أعظم المنفعة التي سلبتم الإخوة منها بعدم طبخكم لما يحتاجونه؟! أما تعلمون أنه إذا كان لدى الإنسان فرصةٌ أن يرى شيئًا ويمتنع عنه من أجل الله، فإنه ينال أجرًا عظيمًا من الله، ولكنه إن لم تكن له القوة على ذلك واضطر بالضرورة أن يمتنع عن شيء لأنه لم يتوفر له، فباطلاً يطلب أجرًا عن ذلك“؟[/FONT]
[FONT=&quot]”أما تعلمون أنه إذا قُدِّم على المائدة شيء وامتنع الإخوة عن مذاقه طوعًا من أجل الله فإنهم ينالون أجرًا عظيمًا؟ ولكن إذا لم يُقدَّم لهم طعام مطبوخ فمن أي جهة يُحسَب لهم النسك وهم لم يروا شيئًا؟ لقد ضيعتم حصاد فضائل عظيمة هذا مقدارها من أجل ثمانين كيلاً من الزيت! فلتهلك ثروة العالم كلها ولا تضيع على النفس فضيلة واحدة صغيرة. إنني أريد حقًا أن يُقدَّم للإخوة كل يوم طعام مطبوخ بوفرة لكيما بممارستهم ضبط النفس يوميًا وامتناعهم عن أشياء مقدَّمة لهم يزدادون في الفضيلة كل يوم. أما إذا أراد أحد المرضى، من الذين لا يرغبون في الذهاب إلى العيادة، أن يجيء إلى المائدة ليتناول بعض الخضروات من التي تُقدَّم للإخوة حسب العادة، ولم يجد شيئًا فماذا يكون حاله؟ ألا يتعثر لأنه لم يجد حاجته على المائدة المشتركة؟ أم أنكم لا تعلمون أيضًا أن الصغار بوجه خاص لا يقدرون على الاستمرار في الفضيلة إذا لم يُتَح لهم بعض التفريط أو القليل من الراحة“[FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot]؟[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدثت مجاعة[FONT=&quot] في أيام أبينا الطوباوي باخوميوس، ولم يكن للإخوة قمح، ولا في أرض مصر كلها تقريبًا. فأرسل القديس أحد الإخوة ليجول في المدن والقرى بحثًا عن قمح يشتريه، وأعطاه مائة عملة (تُدعَى "صوليدي") ليشتري بها القمح. وبعد أن طاف الأخ بمواضع كثيرة جاء إلى مدينة تُدعَى "إرموتيم" (أرمنت حاليًا). وبتدبير إلهي وجد هناك إنسانًا من كبار القوم عظيم التقوى وخائف الله، وكان قد سمع عن سيرة القديس باخوميوس والإخوة. وكان هذا الرجل في عهدته القمح الخاص بعامة الشعب. فترجاه الأخ أن يبيع له قمحًا بقيمة المائة عملة. فأجابه: ”صدقني أيها الأخ، لو كان هذا القمح يخصني لمنعته عن أطفالي وأعطيته لكم، لأنني سمعتُ عن سيرتكم التقوية الفاضلة. ولكن اسمعني، فإن عندي بعض الحنطة الخاصة بعامة الشعب في المخزن، وحتى الآن لم يطلبها الوالي، ويمكنني أن أعطيها لك بدون ما يخص الشعب، إذا أردتَ ذلك، إلى أن يحين أوان البيدر، فتردّ لي آنذاك عوض ما أخذته من القمح، فإذا كنتَ تعلم أن ذلك في استطاعتك فخُذْ ما تشاء“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فأجاب الأخ: ”إنني لا أشاء ذلك، ولكن إن شئتَ أن تعطيني قمحًا بمائة عملة بالسعر الذي تريده فإنك تفعل حسنًا“. فقال الرجل: ”نعم أستطيع ذلك، وليس فقط بمائة عملة؛ بل إذا أردتَ أن تأخذ قمحًا بمائة عملة أخرى، فإنك تعمل معي معروفًا إذ إنني أرغب في صلواتكم“. فقال الأخ: ”ليس لدينا سوى هذا المبلغ“. فأجاب الرجل: ”لا تعُل همّ ذلك، خُذ القمح وعندما يتوفر المال أحضره لي“. وعلى هذا الأساس وسق الأخ المركب بالقمح بسعر ثلاثة عشر أردب بعملة واحدة، بينما لم يكن ممكنًا للمرء أن يجد قمحًا في مصر كلها بسعر خمسة أرادب بعملة واحدة، ثم أبحر عائدًا إلى الدير وهو في غاية الفرح.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع الأب الكبير أن المركب قد رستْ محمّلةً بالقمح، وعلم بالكيفية التي تحصّل بها الأخ على القمح، أرسل على الفور قائلاً: ”لا تُحضروا حبّةً واحدةً من هذا القمح إلى الدير، ولا تدَعوا ذاك الذي قام بالصفقة أن يأتي إلى حضرتي حتى يُعيد القمح إلى موضعه، لأن ما فعله مخالفٌ للوصايا. وليس ذلك فحسب؛ بل إنه أيضًا أخذ قمحًا بمائة عملة أخرى، وهذا ما لم آمره به. فإذ أطاع مشيئته الخاصة أحبّ الزيادة واستعبدنا جميعًا إذ جعلنا مديونين بسبب اشتعاله بشهوة الربح الكثير، واستغلّ إحسان المعطي وجعله سبيلاً إلى الشره، وجلب لنا ما يفضل عن حاجتنا من القمح. وقد استدان بوحي من خاطره الخاص ما لا قدرة لنا على ردِّه. وعلاوةً على ذلك، فلو حدث لأي طارئ أن غرقت المركب في طريقها إلينا فماذا كنا نفعل؟ أما كنا سنصير عبيدًا إلى الأبد؟ لذلك دعوه يبيع القمح الذي أحضره كله لأهل هذه المنطقة من العلمانيين بالسعر الذي ابتاعه به من الرجل الذي وثق فيه، أي ثلاثة عشر أردب للعملة، ثم يذهب بالنقود إلى الرجل الذي استأمنه، وبالمائة عملة الخاصة بنا يشتري منه قمحًا بالسعر الساري في كل مكان ويُحضره إلى هنا“. ففعل الأخ كما قال الكبير، وأحضر القمح بسعر خمسة أرادب ونصف للعملة، ثم أقام آخر مكانه ولم يدعه يخرج من الدير في خدمة الإخوة[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ومرةً أخرى[FONT=&quot] استلم الأخ، الذي أُقيم بدلاً من الذي اشترى القمح، من إسكافي الدير أحذية وصنادل وأشياء أخرى (مثل مداسات) لبيعها فأخذ عنها ثمنًا أعلى من الذي حدّده إسكافي الدير وجاء بالثمن إليه. فلما وجد الإسكافي أن ما حصل عليه يساوي ثلاثة أضعاف القيمة ذهب إلى الأب الكبير وقال له: ”الحق يا أبي، إنك ما أصبتَ في تعيين هذا الأخ لخدمة تلك المهام، لأن الفكر العالمي ما زال فيه. فقد أعطيته تلك الأشياء ليبيعها وقلتُ له عن الثمن فباعها بسعر أعلى وجاءني بثلاثة أضعاف ما حدّدته له“. فدعا الأب الكبير الأخ وسأله: ”لماذا فعلتَ هذا الأمر“؟ فأجاب: ”الثمن الذي قاله لي الأخ، يا أبي، هو ما ذكرته للمشترين، فقالوا لي: ’أيها الأخ، إن لم تكن هذه الأشياء مسروقة فهي تساوي أكثر مما ذكرت‘. ففي ارتباكي قلتُ لهم: ’ليست هذه مسروقات، ولكن هذا هو الثمن الذي أُمرتُ أن أبيعها به، ولكن أعطوني أنتم ما شئتم‘. فأعطوني ما أرضاهم، وأنا لم أعدّ ما أخذته منهم من نقود“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمع الكبير ذلك قال له: ”لقد أخطأتَ جدًا إذ أحببتَ أن تحصل على الأكثر، ولكن اذهب بسرعة وردّ الزيادة عن الثمن المحدَّد للذين أعطوك إياه. ثم تعالَ وتُب عن ذنبك والزم الدير ممارسًا عمل يديك، لأنه لا يوافقك أن تقوم بهذه الخدمة بعد ذلك“. ثم أقام الكبير الطوباوي "زكاؤس" لخدمة احتياجات الدير كلها، إذ إنه كان رجلاً صالحًا فاق على كل مديح بشري في تأدية الأعمال الصالحة[FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث مرةً[FONT=&quot] أنه بينما كان الأب باخوميوس وأبّا تادرس المحبوب يسيران في الدير، أنه تراءى لهما فجأةً من على بُعد خيالٌ عظيمٌ ("فانتازيا" باللغة اليونانية التي تناسب الخيالات الشيطانية) مملوء من كل خدعة. وكان الظاهر لهما شكل امرأة ذات حُسن يفوق الوصف. فلما رأى أبّا تادرس هذا الخيال اعتراه قلقٌ شديدٌ وتغيّر وجهه، فعرف الطوباوي أنه مضطربٌ وخائفٌ، فقال له: ”تشجع بالرب يا تادرس ولا تضطرب“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم أخذ القديس يصلّي معه لكيما يتبدّد هذا الخيال المخيف من أمامهما. ولكن المرأة ظلت تقترب منهما بلا حياء، وصارت تدنو أكثر فأكثر ومعها حشدٌ من الشياطين يهرولون أمامها، ولم تطردها الصلاة بعيدًا. ولما جاءت إليهما قالت: ”إنكم تجاهدون باطلاً، وأنتما حاليًا لا تقدران أن تفعلا شيئًا ضدّي، إذ قد أخذتُ من الله ضابط الكل سلطانًا لتجربة مَنْ أريد. والحق إنني أمضيتُ زمانًا طويلاً أطلب منه هذا الأمر“. فسألها القديس: ”وأنتِ من أين أتيتِ ومَنْ تكونين، ولمن جئت لتجرِّبي“؟ فأجابت: ”أنا ابنة الشيطان وأُسمّى "كل قوته"، وكل طغمات الجن تتعبّد لي. أنا مَنْ أهبطتُ إلى الأرض كواكب القديسين. أنا التي سلبتُ يهوذا من منـزلته الرسولية. والآن، أخذتُ سلطانًا عليك يا باخوميوس لمحاربتك. إنني لا أحتمل تعيير الشياطين لي، فلا أحد قد استضعفني مثلك. فقد أنقصتَ من شأني حتى جعلتني وطئًا لأقدام الفتيان والشيوخ والشباب. وقد جمعتَ ضدّي حشدًا هذا مقداره، محوِّطًا حولهم بخوف الله مثل سور لا ينهدم، حتى إن خدّامنا لم يعودوا قادرين على الدنوّ من أي واحد منكم بثقة. وقد حلّ هذا كله الآن بي بسبب كلمة الله الذي صار إنسانًا، فإنه هو الذي أعطاكم السلطان أن تطأوا تحت أقدامكم كل قوتنا وتسخروا بنا“![/FONT]
[FONT=&quot]فسألها أنبا باخوميوس: ”هل جئت لتجربيني وحدي أم آخرين أيضًا“؟ فقالت: ”أنتما وكل من ماثلكما“. فقال لها: ”إذن تادرس أيضًا“؟ فأجابت: ”لقد أخذتُ سلطانًا عليك وعلى تادرس، ولكنني لا أستطيع الدنوّ منكما قط“. فقال لها: ”ولماذا“؟ فأجابت: ”إذا أقمتُ حربًا ضدكما أعطيكما فرصةً للمنفعة بدلاً من الأذى لأنكما صرتما أهلاً لرؤية مجد الله. ولكنكما لن تعيشا إلى الأبد لأجل الذين صرتما لهم في الوقت الحاضر سورًا بصلواتكما ومؤازرتكما. ولكن سيأتي وقت بعد موتكما فيه سأرقص وسط هؤلاء الذين تحصّنونهم الآن ضدّي، لأنكم جعلتموني مداسةً تحت أقدام مثل هذا الجمع الكبير من الرهبان“! فقال لها الكبير: ”وكيف تعرفين أن الذين سيأتون بعدنا لن يكونوا رجالاً لله أكثر أصالةً منا، قادرين على تثبيت مخافة الله في الذين سنخلفهم بعدنا“؟ فقالت: ”أنا لا أعلم ذلك يقينًا“. فقال لها الكبير: ”أنتِ تكذبين أيتها الكافرة، لأنه ليس لكِ معرفة بما هو آتٍ، فإن الله وحده هو العالم بالمستقبل“. فقالت: ”بالفعل أنا لا أعرف شيئًا عن المستقبل كما تقول، فهذه صفة خاصة بالله وحده، أما إذا قلتُ لك إنني أعرف فإنما ذلك بالحدس (أي التخمين)“. فقال لها الطوباوي: ”وكيف تحدسين“؟ أجابت: ”مما حدث قبلاً أحدس عما لم يحدث بعد“. فقال: ”كيف“؟ فأجابت: ”أعلم أن فاتحة كل أمر نجد مؤازرتها في الرغبة الجادّة نحو الأمور التي يُرجَى الحصول عليها بشوق شديد، لا سيما الزرع الإلهي والدعوة السماوية، تلك التي تكون معزَّزةً بالإرادة الإلهية والمعجزات والآيات وسائر القوات، وتعطي تأمينًا لمن يتبعونها. ولكن كلما شاخت البداية وعتقت تتوقف عن النمو، ومنى توقف نموها فإما تفسد بمرور الزمان أو تذبل بالمرض أو تنطمس بالتهاون والإهمال“![/FONT]
[FONT=&quot]فسألها القديس: ”لماذا، إذن، تقولين إنكِ جئتِ لتجربة الكبار وليس الإخوة جميعًا؟ لأنك تقولين إن عملك الخاص هو هلاك النفوس، وإنكِ تتفوّقين على جميع الشياطين في الشر، وإن لديك القوة الكافية لمناوئة هؤلاء الرجال العظام“. فأجابت: ”قلتُ لك إنه منذ أن ظهرت قوة الله مخلصكم على الأرض، ضعفت قوانا وصرنا مثل عصفور يلعب به الذين يريدون أن يتعبدوا للرب، وصرنا أُضحوكةً عند هؤلاء الرجال العظام حاملي الروح. لكن رغم أننا قد صرنا ضعفاء، فنحن لا نكفّ عن العمل بكل قوتنا، ولا نهدأ قط من مناوئتكم زارعين شرّنا في نفس مَنْ يجاهد. فإذا رأينا أنه تقبّله فقد أجاز لنا مهاجمته، حينئذ نُلهبه بالملذّات الضارية. ولكنه إذا رفض قبول بذارنا بإيمانه في الله، فإننا نصير له بمثابة دخان يضمحل في الهواء. هذا هو السبب في أنه لم يُتَح لنا إقامة الحرب ضد الجميع، لأن الكمال ليس للكل. لأنه إذا صُرِّح لنا بأن نُقيم حربنا ضد الجميع لكنتُ قد خدعتُ كثيرين من المحتمين بك“![/FONT]
[FONT=&quot]فقال لها الطوباوي: ”آه من شرِّكِ الذي لا ينعس! إنكِ لن تكفِّي عن هياجك ضد الجنس البشري حتى تأتي نعمة الله وتمحقكِ“! ثم أمرها أن تمضي إلى حيث أُمرت، وحذّرها من الاقتراب ثانيةً من أديرته بالمرة.[/FONT]
[FONT=&quot]وفي الصباح، دعا جميع الإخوة الكبار وقصّ عليهم كل ما رآه وسمعه من الشيطان الملعون. وبعث أيضًا رسائل إلى الكبار في الأديرة الأخرى لتثبيتهم في مخافة الله، ولكي يُعرِّفهم بموضوع هذا الخيال الشيطاني[FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما كان الأب الطوباوي يفتقد الإخوة[FONT=&quot] في قلاليهم مقوِّمًا أفكار كل واحد، جاء إلى أخ رومي (يوناني) ينحدر من أسرة عريقة وقد أتقن اللغة اليونانية. ولما أراد الأب أن ينصحه لمنفعته ويعرف ميول قلبه، خاطبه باللغة القبطية (الصعيدية التي لم يعرف غيرها). فلم يفهم الأخ منه شيئًا ولا فهم الكبير كلام الرومي. فاضطر الكبير أن يستدعي أحد الإخوة من القادرين على ترجمة كلام كلٍّ منهما. ولكن لما جاء المترجم لم يشأ الأخ الرومي أن يُخبر الأب بخطايا قلبه بواسطة شخص آخر، فقال: ”إنني أريدك أنت وحدك بعد الله، وليس آخر سواك، أن يعرف شرور قلبي“. فلما سمع الكبير ذلك أمر المترجم بالانصراف، ثم أومأ للأخ الرومي بإشارة من يده أن ينتظر حتى يعود إليه.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ذهب الطوباوي ليصلّي على انفراد، فتضرع إلى الله قائلاً: ”أيها الرب الضابط الكل، إن كنتُ لا أقدر أن أنفع الناس الذين ترسلهم إليَّ من أقاصي الأرض لجهلي بألسنة البشر، فما الحاجة لمجيئهم إلى هنا؟ أما إن كنتَ تشاء أن تخلّصهم هنا بواسطتي، فهبني أيها السيد أن أفهم لغاتهم لكيما أُصلح نفوسهم“. وظل متوسلاً بلجاجة لمدة ثلاث ساعات لأجل هذا الأمر، وبغتةً انحدر من السماء شبه رسالة مكتوبة على قطعة من البردي واستقرت في يده اليمنى. ولما قرأها فللوقت تلقّن الكلام بسائر اللغات. حينئذ مجّد الله الآب والابن والروح القدس، وعاد إلى ذلك الأخ بفرح عظيم، وفاتحه بالحديث بقول صحيح باللغة اليونانية. فلما سمع الأخ كلامه قال إن الكبير قد فاق الكل في هذه اللغة! وبعد أن تلقى اعتراف الأخ وقوّم أفكاره حسب حاجته وحدّد له التوبة اللائقة بأخطائه، استودعه للرب وانصرف[FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]توجّه مرةً الأب الطوباوي[FONT=&quot] لافتقاد الأديرة الأخرى. ولما دخل دير "منخوسين" رأى في وسط الدير شجرة جميز شامخة، وقد جرت عادة أحد الفتيان أن يتسلقها سرًّا ليقطف الجميز ويأكله مع رفقائه. فلما اقترب الكبير من تلك الشجرة عاين روحًا نجسًا جالسًا في وسطها، وعرف في الحال أنه شيطان الحنجرة والنهم الذي يخدع الفتيان. لذلك فقد استدعى البستاني وقال له: ”اقطع هذه الجميزة لأنها معثرة لغير الثابتين في قصدهم، كما أنه سمجٌ هو وضعها هكذا في وسط الدير“. فلما سمع البستاني ذلك حزن جدًا وقال: ”لا يا أبي، فلقد اعتدنا أن نجني ثمرًا وافرًا لأجل الإخوة من هذه الشجرة“. فلما رأى الكبير أنه حزن لذلك لم يشأ أن يُغضبه لئلاّ يزداد حزنه، فقد كان يعلم يقينًا أن سيرة هذا الرجل عظيمة وأنها موضع إعجاب الجميع من الصغير إلى الكبير. وفي اليوم التالي، وُجدت تلك الشجرة يابسة تمامًا ولم يبقَ فيها ورقة أو ثمرة لم تذبل. فلما رأى الطوباوي يونان ذلك حزن جدًا، ليس من أجل الشجرة، ولكن من أجل عدم طاعته، إذ إنه لم يقطع الشجرة حالما قال له الكبير ذلك[/FONT][FONT=&quot][18][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان اسم البستاني "يونان"،[FONT=&quot] وقد أقام في هذا الدير خمسة وثمانين سنة[/FONT][FONT=&quot][19][/FONT][FONT=&quot]سالكًا بالنسك المبجّل للغاية. وكان هو وحده الذي يعتني بجميع الثمار، وهو وحده الذي غرس جميع الأشجار المثمرة في ذلك الدير. ومع ذلك فلم يذُق أيًّا من هذه الثمار قط حتى يوم انتقاله، بينما كان جميع الإخوة والغرباء والساكنين بجوار الدير يشبعون من تلك الثمار في مواسم الإثمار. وكان لباسه عبارة عن ثلاثة جلود ماعز موصولة معًا لستر جسده كله. ولم يستعمل أي غطاء آخر في الشتاء أو في الصيف. ولم يكن يعرف شيئًا من راحة الجسد من العمل المتواصل لأنه كان يعمل دائمًا بغيرة وحماس. ولم يأكل طبيخًا قط ولا عدسًا ولا أي طعام آخر سوى الخل مع خضروات خفيفة نيئة! وقد اعتاد الإخوة أن يؤكّدوا أيضًا أنه ما كان يعرف مكان عيادة المرضى ولا ما يأكله المرضى![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وعلاوةً على ذلك فقد علمنا أن هذا الطوباوي لم يستلقِ نائمًا على ظهره قط حتى يوم مماته. وكان يعمل طول نهاره في البستان ويتناول غذاءه عند غروب الشمس، ثم يدخل قلايته ويجلس في وسطها على مقعد بدون ظهر ويفتل الحبال إلى أن يحين وقت اجتماع صلاة الليل. وإذا أرغمته الضرورة فكان يختطف اليسير من النوم وهو جالسٌ ممسكًا بيديه الحبال التي يضفرها. وكان يضفر الحبال في الظلام وهو يلهج في أقوال الله التي كان يحفظها عن ظهر قلب. وكان عنده ثوبٌ واحدٌ يلبسه عندما يذهب للتناول من الأسرار المقدسة ثم يخلعه في الحال ليحتفظ به نظيفًا، وظل هذا الثوب عنده طيلة تلك الخمس والثمانين سنة! وقد مارس هذا الطوباوي أعمالاً كثيرة أخرى جديرة بالثناء.[/FONT]
[FONT=&quot]ويقول كاتب هذه السيرة إنه رأى هذا الرجل. وقد رقد بصورة غير عادية، إذ إنه سلّم روحه بينما كان جالسًا على مقعده يضفر الحبال كعادته. وهو لم يمُت بغتةً لئلاّ يقلل ذلك من بطولة هذا القديس؛ ولكنه مرض ورفض أن يذهب إلى عيادة المرضى لأنه لم يُرِد أن يخدمه أحد مثل باقي المرضى أو أن يُلزموه بأكل شيء مما يأكله المرضى. كما أنه لم يرضَ بأن يستلقي على ظهره حتى أثناء مرضه، ولم يسمح بأن توضع تحته وسادة أو أي شيء مريح[FONT=&quot][20][/FONT][FONT=&quot]. ولم يوجد أحد بجواره حينما رقد. بل إنه بكل بساطة مضى إلى راحته وهو ممسكٌ بعمله في الحبال. ومن العجيب أنه عند دفنه لم يكن ممكنًا مدّ رجليه لأنها كانت قد تصلّبت كالخشب، وكذلك يداه لم يكن ممكنًا وضعهما على امتداد جسده، ولا كان ممكنًا أن نخلع منه ثوبه الجلدي، لذلك فقد اضطررنا أن ندفنه كما هو مثل حزمة من الأخشاب[/FONT][FONT=&quot][21][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قام الطوباوي باخوميوس ببناء دار للصلاة،[FONT=&quot] وأقام لها أروقةً بأعمدة من الطوب وأثثها جيدًا، وشعر أنه راضٍ عن العمل لأنه بناه حسنًا. ثم فكر أن إعجابه بجمال البيت هو من فعل إبليس. لذلك جاء بحبال وربطها في أعمدة المبنى ورفع قلبه بالصلاة، وأمر الإخوة أن يشدّوا الحبال ويحنوا كل الأعمدة لكي تظل هكذا منحنية. ثم قال للإخوة: ”أرجوكم أيها الإخوة، ألاّ تبذلوا جهدًا كبيرًا في تزيين عمل أيديكم، بل مهما جعلتم عملكم متقنًا بنعمة المسيح وبفضل مواهبكم، فاحرصوا جدًا لئلاّ يتعثر فكركم من مديح الآخرين لفنّكم وتصيرون غنيمةً للشيطان“[/FONT][FONT=&quot][22][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث ذات مرة،[FONT=&quot] بينما كان الأب الكبير جالسًا في الدير مع بعض الإخوة، أن أحد الإخوة، وكانت قلايته في مواجهة المكان الذي جلسوا فيه، كان قد عمل حصيرتين في ذلك اليوم، فوضعهما أمام قلايته مدفوعًا بفكر المجد الباطل، ظنًّا منه أن الأب الكبير سيمدحه على هذا الحماس، حيث إنه تجاوز المفروض على كل أخ أن يعمل حصيرة واحدة في اليوم. فلما رأى الكبير ما فعله الأخ للاستعراض وعرف الفكر الذي حركه لذلك، تأوّه بعمق وقال للإخوة الجالسين معه: ”انظروا هذا الأخ، فإنه منذ الصباح وحتى الآن أعطى كل تعبه للشيطان، ولم يترك شيئًا من عمله لراحة نفسه لأنه «أحب مجد الناس أكثر من مجد الله» (يو12: 43). ورغم أنه أضنك جسده بالتعب إلاّ أنه ترك نفسه خاويةً من ثمر أعماله“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم دعا الأخ ووبّخه وأمره أن يقف خلف الإخوة في وقت الصلاة ممسكًا بالحصيرتين بيديه وهو يقول: ”أيها الإخوة، أتوسل إليكم أن تصلّوا من أجل نفسي المسكينة لكي يغفر لي إله كل الرأفات ويصنع معي رحمةً، لأنني فضّلتُ هاتين الحصيرتين على ملكوته“! وأن يفعل نفس الشيء وسط الإخوة على المائدة وقت الغداء حتى يقوموا عن المائدة. ثم أمره بعد ذلك أن يلزم قلايته لمدة خمسة شهور يعمل فيها حصيرتين كل يوم، ولا يأكل خلالها سوى الخبز والملح، ولا يزوره أحدٌ من الإخوة[FONT=&quot][23][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سلك أحد الإخوة[FONT=&quot] حياة الفضيلة حتى بلغ ذروتها، فلنصف يسيرًا من وقائع سيرته للمنفعة والتهذيب. كان هذا الأخ ذو الذكرى المطوّبة مصابًا بالجذام في جسده، لذلك كانت قلايته منعزلة عن قلالي الإخوة، وكان أكله في حياته كلها من الخبز والملح. وكان يعمل كل يوم حصيرةً واحدةً. وكان أثناء ضفره للحبال التي تدخل في صناعة الحصر كثيرًا ما تتمزق يداه من البردي فتُدميان، حتى إن الحصر التي كان يصنعها تصير مصبوغة بالدم. ورغم مرضه هذا لم يتخلّف قط عن اجتماعات الصلاة. ولم ينم في النهار البتة حتى يوم انتقاله. وكانت عادته أن يتلو عن ظهر قلب بعض الفصول من الكتب المقدسة كل ليلة قبل النوم، ثم يرقد حتى تُعطَى الإشارة لصلاة الليل الجماعية.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان الأب يعجب من صبره على ألم المرض ومواظبته على العمل بحلاوة نفس، وكان يفرح به جدًا متحققًا أنه عمّال في الفضيلة، ولذلك فقد كان يرسله كثيرًا برسائل ومهمات قاصدًا بذلك منفعة الإخوة برؤيتهم إياه لأنه كان مثالاً صالحًا، لأنه أي نفس قاسية ترى إنسانًا قد استحالت صورته وتغيّرت هيئته واضمحلت محاسن خلقته وقد تهرّأ لحمه وصار دمه سائلاً جاريًا، وهو بطيبة نفس يخدم ويعمل ويشكر الله؛ ولا ترتدع تلك النفس ولا تلين قساوتها ويتوفر نشاطها وتقدم لله شكرًا على عافيتها؟![/FONT]
[FONT=&quot]دخل عليه مرةً أحد الإخوة، ولما أبصر يديه مخضّبتين بالدم من ضفر الحصر قال له: ”لماذا أيها الأخ تجاهد وتتعب هكذا في العمل بينما أنت مبتَلَى بهذا المرض؟ أتظن أنك إذا تركت العمل ستُعتبر بطّالاً أمام الله؟ الله يعلم أنك مريض ولم يحدث قط أن إنسانًا به هذا المرض وباشر عملاً، ولا سيما أن أحدًا لم يضطرك للعمل. وها نحن نعول غرباء ومعوزين، أفما يجدر بنا أن نخدمك من كل قلوبنا وبأكثر سعادة، وأنت واحد منا ورجل قديس أيضًا“؟ فأجابه قائلاً: ”من المستحيل عليَّ ألاّ أعمل لأن ق. بولس يقول: «إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا» (2تس3: 10). وإذا كان الرب نفسه يقول: «اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية» (يو6: 27)، فإننا نأمل في رحمة الله أن تكون أعمالنا كلنا ليست من الأعمال الفانية بل الباقية“! فقال له الأخ: ”إن كان ذلك يُسعدك، إذن، فأرجوك على الأقل أن تدهن يديك بزيت كل مساء حتى لا تؤلمك“. فسمع من الأخ ودهن يديه بالزيت، فتأذّت يداه بالأكثر لأنها لانت ونعمت، فصار البردي يمزقها أكثر من السابق.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم جاء إليه الأب الكبير مفتقدًا وقال له: ”أتظن يا أثينودوروس، أن الزيت ينفعك؟ من الذي يضطرك إلى العمل حتى إنك بحجة العمل وضعت أملك في الزيت للشفاء بدلاً من الله؟ أليس الله قادرًا أن يشفيك؟ ولكنه لمنفعة نفسك سمح لك بهذا المرض“. فقال له: ”لقد أخطأتُ يا أبي، وأقرّ بخطيتي، ولكنني ألتمس منك أن تصلّي لأجلي لكي يغفر الله لي هذه الخطية“. وقد تحقق الآباء أنه قضى سنة كاملة نادبًا نفسه على هذه الجريرة، ولا يأكل إلاّ مرة كل يومين[FONT=&quot][24][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] SBO, 116.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] Paral., 7.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] S 10: 3.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] S 10: 7[/FONT]

[FONT=&quot][5]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref5[FONT=&quot] مما يدل على أن هذه القصة حدثت في أوائل تأسيسه لرهبنة الشركة عندما كان قد أسس ديرًا واحدًا فقط[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] Draguet, 1: 1-6.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وهكذا تعلَّم الأب باخوميوس وتلاميذه بالخبرة ألاَّ يطردوا أي راهب إلاَّ إذا وجدوا بعد طول أناتهم عليه وتحذيرهم المستمر له أنه قد رفض بإصرار كل تقويم وصار خطراً على الجماعة، وبعد أخذ مشورة وإعلان واضح من الله.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] Draguet, 2: 1-10[FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] The Historia Monachorum in Aegypto, ch. III[FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] Laus., 18: 1, 12, 13.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] Laus., 18: 14 - 16.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][11][/FONT] Apoph., Psenthaisios, 1.[/FONT]

[FONT=&quot][12]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref12[FONT=&quot] باخوم عربي.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT] Paral., 15, 16.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] Paral., 21, 22.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][15][/FONT] Paral., 23.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT] Paral., 24 – 26.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT] Paral., 27.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][18][/FONT] Paral., 28, 31.[/FONT]

[FONT=&quot][19]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref19[FONT=&quot] هذا يدل على أنه كان موجودًا قبل أنبا باخوميوس أي أنه تتلمذ على أنبا بلامون.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][20]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref20[FONT=&quot] ذُكر أن الرهبان الباخوميين كانوا ينامون على كرسي بظهر مائل (انظر قوانين أنبا باخوميوس: 87).[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][21][/FONT] Paral., 29, 30.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][22]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref22[FONT=&quot] ويقول العالم الإنجليزي [/FONT]Chity .D. J [FONT=&quot]في كتابه [/FONT]The Desert a City[FONT=&quot] ص 119 إنه من المحتمل أن تكون هذه القصة محاولة لشرح سبب الانحناءات الفعلية في كنيسة قديمة رآها في تلك الأماكن، والتي يرى هو أن سببها في الواقع هو الأساسات غير المتينة أو المادة البنائية الضعيفة أو عدم الخبرة في البناء، وكانت المادة الوحيدة المستخدمة في البناء حينذاك هي الطوب النيئ المجفف في الشمس. ولكننا نحن نقول إن القصة إنما تدل على مستوى عالٍ جدًا في خبرة البناء، إذ لم يسقط البناء كله رغم شَدّ أعمدته بالحبال حتى انحنت، ورغم أنه كان مبنيًا بالطوب النيئ. ومعروفٌ أن المصريين القدماء كانوا أساتذة في فن البناء. [/FONT]Paral., 32[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][23][/FONT] Paral., 34.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][24][/FONT] Paral., 35, 36; QRT, 31; [FONT=&quot]باخوم[/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]مرض أحد الشيوخ[FONT=&quot] وكان ربّيتة أحد البيوت، فاعترى أبانا باخوميوس توجُّعًا عليه ورفع من أجله صلوات مستمرة، فكلّمه ملاكٌ قائلاً: ”إلى متى تظل متأسفًا على هذا الأخ وتصلّي من أجله؟ ألعله إذا مات لن تجد غيره“؟ ثم رأى أنبا باخوميوس ثلاثة رجال مضيئين ممجَّدين ذوي شيبة جاءوا لأخذ نفس المريض. وبينما كان مذهولاً قال له الملاك: ”هؤلاء هم الآباء البطاركة إبراهيم وإسحق ويعقوب“. وفي الحال أخذوا روح الأخ المريض وانطلقوا بها إلى السماء بمجد عظيم[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سمع أبّا تادرس مرةً الأب باخوميوس[FONT=&quot] وهو يعلِّم الإخوة قائلاً: ”إذا اقتنى الإنسان المعرفة الحقيقية فلن يخطئ سواء إلى الله أو إلى قريبه“. فلما سمع ذلك حزن وصلّى قائلاً: ”يا الله الذي إليك التجأتُ، لقد ظننتُ أنني قد وجدتُك، ولكن ها أنت بعيدٌ جدًا وأنا لم أعرفك بعد، لأنني لم أجد معرفتك لنفسي، كما أنك وعدتَ كل من يحبك أن تعمل ما يسرّه ...“! ولما علم أبونا باخوميوس أن أبّا تادرس يبكي كثيرًا بسبب هذا الأمر صلّى من أجله. وفي كل مرة كان يقابله كان يقول له: ”جاهد يا بُنيَّ واحصل لنفسك على المعرفة الحقيقية“. ثم حدث مرةً أنه بينما كان القمر مضيئًا بنوره، دعاه وقال له: ”ارفع عينيك يا بُنيَّ وانظر إلى هذا النور الذي يُضيء على الأرض كلها مع أنه ليس إلاّ أحد مخلوقات الله. أما الواحد الذي خلقه مع الشمس وسائر المخلوقات جميعًا فإنه غير منظور. وها أنت ترى بهاءه ومجده، فكن خائفًا منه كل أيام حياتك، واعلم أنه هو الذي خلقنا مع المخلوقات كلها وأننا جميعًا في يده. فعندما تخافه وتؤمن أنه يراك في كل لحظة وتكون يقظًا ألاّ تُخطئ إليه؛ فإنك ستنال منه المعرفة الحقيقية. وهكذا تباركه في كل وقت كل أيام حياتك“. ولما قال ذلك بكيا معًا بحرارةٍ وصلّيا[/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فضائل القديس باخوميوس:[/FONT]
[FONT=&quot]حدث مرةً[FONT=&quot] بينما كان الإخوة في إحدى الجزائر يحصدون الحلفاء وكان تادرس معهم ليهتم بالموائد، أن الأب باخوميوس عاد من العمل في المساء وهو مريض. وإذ رقد وهو يرتجف ألقى عليه تادرس غطاءً من الصوف، فلم يشأ الأب ذلك وقال له: ”خذ هذا وضع عليَّ حصيرة من الحلفاء كما كنتَ ستفعل مع باقي الإخوة“. ثم قدم له تادرس ملء قصبة تمرًا، ولكنه لم يأخذ وقال له: ”هل لأن لنا السلطان على تدبير الإخوة وحاجاتهم نستعمل ذلك لإراحة نفوسنا؟ فأين مخافة الله؟ أتُرى افتقدتَ قلالي جميع الإخوة في هذه الساعة لتتأكد أنه لا يوجد بينهم مريض؟ لأن الله سيُديننا أيضًا حتى على هذه الأمور“. وقد ظل مريضًا لمدة يومين حيث كان يقوم ليصلِّي بحرارة قلبه ومحبته لله[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان في قلاية قريبة أخ مرض إلى حدّ الموت[FONT=&quot]، والتمس من الإخوة أن يطعموه قليل لحم، لأنه بسبب طول المرض لم يبق في جسمه غير الجلد والعظام. ولما لم يعطوه قال لأحد الإخوة: ”اسندني وخذني إلى أبينا باخوميوس“. ولما اقترب منه خرّ على وجهه وأخبره بعلّته. فتحقق الأب من أن الأخ يستحق ما يطلبه وتنهّد. وفي وقت الطعام رفض الأب باخوميوس أن يأكل وقال لهم: ”أنتم تحابون بالوجوه، فماذا عن المكتوب: «تحب قريبك كنفسك»؟ ألا ترون أن الأخ صار كالميت؟ لماذا لم تقدِّموا له العناية الكافية قبل أن يطلب؟ ستقولون إن هذا النوع من الطعام ليست لنا عادة أن نقدِّمه؟ ولكن ألا يختلف الحال بالنسبة للمرض؟ أَليست كل الأشياء طاهرة للأطهار؟ وإن لم تروا أن ذلك صالحٌ بدون مشورتي فلماذا لم تخبروني“؟ وقد ملأت الدموع عينيه وهو يتكلم، وهي علامة على مشاعره الرقيقة. ولو لم تأتِ الدموع في موقف كهذا يكون له البكاء الداخلي عوضًا عنها.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فتاب إليه أقنوم الدير واستغفر منه، واشتروا لحمًا ليطعموا الأخ، وصاروا يغذّونه باللحم حتى تماثل للشفاء، فعاد القديس إلى أكل المسلوق والحبوب أُسوةً بالإخوة[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث مرةً[FONT=&quot] أنه بينما كان الأب باخوميوس ذاهبًا في مركب إلى "منخوسين" مع اثنين من الإخوة، أنهم عند المساء أعدّوا مائدةً. ورأى الأب تنوُّع الأطعمة بكثرة على المائدة، فأكل خبزًا فقط، أمّا الأخوان فصارا يأكلان من كل شيء بلا إفراز، ولاحظ أحدهما أن عيني الأب تدمعان. فبعد الأكل سألاه عن ذلك، فقال: ”لا شيء“. ولما ألحّا عليه مرةً أخرى قال: ”كان حزني لأنكما لستما متعففين في الأكل، فإن مَنْ كان عقله في السماء يجب أن يكون زاهدًا بحق ولا تستولي عليه شهوة الأكل. فالأكل ليس خطية وخصوصًا إذا كان باعتدال، ولكن الأفضل، كما يقول الرسول، ألاّ نُستعبَد لشيء. وأمّا أنا فلأنني إنسان خاطئ، فقد وجدتُ في الخبز كفايتي وصرتُ قانعًا به، ومرات كثيرة آكل ما يعطيني الله إياه“. فلما سمعا هذا الكلام اقتنيا غيرةً وزهدًا في الأطعمة[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان الأب باخوميوس[FONT=&quot] مقلعًا في مركب إلى الأديرة الأخرى ومعه اثنان من الإخوة صار المساء، فقال لهما: ”أتُؤثران أن تسهرا هذه الليلة“؟ فلما أجابا: ”نعم“، قال لهما: ”إنّ أبانا القديس بلامون علّمني ثلاثة رسوم للصلاة: فإمّا أن نصلّي حتى نصف الليل ثم نرقد حتى الصباح، أو أن نرقد حتى نصف الليل ونصلّي حتى الصباح، أو أن ننام مباشرةً قليلاً ثم نقوم ونصلّي ثم ننام حتى الصباح“. فاختارا النظام الأخير. وظلّ الأب ساهرًا ورتب ساعات النوم والصلاة بالتساوي، لأنه كان خبيرًا في ترتيب صلوات السهر. وضجر أحدهم وذهب لينام وظلّ الآخر حتى الصباح. وعند الفجر (السحر) أنهض الأول ليؤدّي الخدمة الإلهية، وبعد ذلك ذهب الثاني إلى خُنّ المركب لينام. أمّا الأب باخوميوس فظلّ يجذِّف مع الأخ الذي كان قد نام وقتًا طويلاً من الليل، حتى وصلوا إلى دير "منخوسين" (على بُعد 6 ساعات سفر في النهر من دير "بافو"[/FONT][FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان الأب كورنيليوس مدبِّرًا[FONT=&quot] لذلك الدير (منخوسين)، ولما سمع بوصول الأب باخوميوس جمع الإخوة وخرجوا لاستقباله، ولما رأوه عانقوه مع الإخوة الذين معه. وفيما كان أحدهم داخلاً سأله كورنيليوس: ”كيف حال أبينا هذه الأيام“؟ فأجابه: ”إنه ظلّ يعلّمنا طوال هذه الليلة“. ولما أخبره بكل ما ح[/FONT][FONT=&quot]ـ[/FONT][FONT=&quot]دث قال له كورنيليوس: ”يا للضعف! أتجعلان شيخًا ضعيفًا يغلبكما وأنتما شابّان“؟ فسمعه الأب باخوميوس ولكنه سكت وكأنه لم يسمع. وفي المساء عند إيقاد الأنوار قال الأب باخوميوس لكورنيليوس: ”أتشاء أن نصلّي“؟ فأجابه: ”كما تريد“. ولما نهضوا للصلاة أخذ أنبا باخوميوس يتأنّى في صلواته. وبينما كان يُطيل الصلاة ليختبر كورنيليوس تحقق رفقاؤه مما كان سيفعله بسبب خبرتهما معه في المركب، فانصرفا إلى مكان آخر حيث رقدا، أما كورنيليوس فصبر معه. ولما كان الأب باخوميوس واقفًا يصلّي وامتدت الصلاة طويلاً جدًا، كان كورنيليوس يهذّ في الفصول الكتابية التي كان يحفظها عن ظهر قلب. ولما دقّ الناقوس معلنًا وقت خدمة الصباح، ختم الأب باخوميوس الصلاة، وقال له الأب كورنيليوس: ”ما الذي فعلته لك يا أبي؟ إنني لم أذق حتى الماء منذ عشاء الأمس“! فأجابه الأب الكبير: ”يا كورنيليوس، أتجعل شيخًا يغلبك في الصلاة“؟ فعلم كورنيليوس أن أباه كان قد سمعه يقول ذلك لأحد الإخوة، فقال له: ”أخطأتُ فاغفر لي يا أبي، لأنني لم أتكلم باستقامة. إن الروح الذي فيك قدوسٌ وهو قوة الله“[/FONT][FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما كان الأب باخوميوس مريضًا،[FONT=&quot] قدّموا له بعضًا من مرق السمك بالزيت. فلما رآه تذكّر الملح والرماد في الأيام السابقة وقال للذي أحضره: ”أحضر لي جرّة الماء“. ثم صبّ الماء على الطعام لكي يطفو الزيت فوقه فيفرِّغه. ثم أعطى الجرّة لتادرس وقال له: ”صُبّ ماءً لكي أغسل يديَّ“. وبينما كان يغسل يديه صبّ ماءً على قدمي تادرس لكي يغسلهما أيضًا، فسأله تادرس: ”لماذا، يا أبي، فعلتَ ذلك لي ولطعامك“؟ فأجاب: ”فعلتُ ذلك بالطعام حتى لا أجد لذّةً في الأكل، ففي كل زمانك احفظ نفسك من المجرِّب فيما تفعله حتى لا تخسر نفسك، لأن الأخ الذي أعدّ لي الطعام أعدّه جيدًا بنشاط، والنشاط لا يُلازم الإنسان دائمًا، فقلتُ لئلاّ آكل الطيّب هذه المرة ويأتي الغد بمرض آخر فأنتظر أيضًا الطعام الجيد مما يجعل قلبي يضطرب. لذلك أفسدتُ ما أعدّه لي جيدًا حتى إذا لم يُعدّ مثله في الغد لا يهمّني، لأننا لسنا نجهل أن المؤمن يجرّبه المجرِّب. ولما غسلتُ يديَّ صببتُ ماءً على قدميك كما لو كنتُ أغسلهما لكي لا أُدان من ضميري أنك تخدمني بدلاً من أن أخدم أنا الآخرين جميعًا حسب قول الرب: «لم آتِ لأُخدَم بل لأخدِم»“[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[FONT=&quot] بينما كان الأب باخوميوس ينسج حصيرًا، جاء ولد لحضور الخدمة الأسبوعية بالدير، فلما رآه ينسج قال له: ”ليس هكذا أيها الأب، لا تلفّ الخيط بهذه الطريقة، فقد علّمنا الأب تادرس طريقةً أخرى“! فقال له الأب في الحال: ”نعم، علِّمني الطريقة“. وبعد أن علّمه الولد إياها جلس يعمل وهو مسرور، إذ إنه طرح عنه روح الافتخار في هذا الأمر أيضًا، لأنه لو كان اهتمامه حسب الجسد لما التفت إلى الولد، بل بالحري كان يزجره لخروجه عن حدّه في الكلام[/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان الأب باخوميوس[FONT=&quot] يرسل أبّا تادرس كثيرًا ليطوف بالأديرة ويفتقدها. وبينما كان يتكلم مرةً بين الإخوة قال لهم: ”تادرس وأنا نكمِّل معًا خدمة واحدة لله، وله سلطان أيضًا أن يأمر كأب“. وكان تادرس إذا جاء إلى أي دير تبتهج نفوس الإخوة برؤيته، لأنه كانت عليه نعمة عظيمة من الرب. أما أبونا باخوميوس فكان كاملاً في كل شيء، إلاّ أنه كان مهوبًا ودائم النوح متذكرًا النفوس التي في العذاب، كما رأينا (في الإنجيل) الرجل الغني. وكان كثيرًا، عندما يشتد عطشه من الحرّ اللافح، يأخذ جرة الماء ليشرب، ولكنه ما كان يشرب ما يكفي لإرواء عطشه[/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أنبا باخوميوس[FONT=&quot] يخضع لمدبِّر البيت، إذ كان أكثر اتضاعًا من الجميع كما هو مكتوب: «مثل أرض جبلية قفرة»[/FONT][FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot]. وفي ساعة الوعظ كان يقف منصتًا مع بقية الإخوة. وكانت ثيابه في قلاية تحت عهدة مدبِّر البيت. وببساطة لم يكن له سلطان أن يأخذ شيئًا لحاجة جسده من المدبِّر، لأنه كان يخشى أن يصير متغرِّبًا عن الاتضاع وعن حلاوة ابن الله ربنا يسوع المسيح أكثر من خوفه من العذاب الأبدي. وكما كان الإخوة يقيمون في مساكن منفصلة وكان لكل مسكن شخص مسئول عنهم مثل أب؛ كان هو أيضًا منتسبًا لأحد المنازل. فلم يكن مختلفًا عن الإخوة في أي شيء قط. ولم يكن له سلطان أن يمضي من نفسه ليأخذ ثوبًا من رئيس الجماعة، فقد كان المشرف على المسكن الذي ينتسب إليه هو الذي يأخذ له، وذلك تبعًا للترتيبات التي وضعها للإخوة من الله[/FONT][FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]شاع صيت أنبا باخوميوس بعيدًا[FONT=&quot]، وتحدث الناس عنه، بعضهم بما يطابق فضيلته والآخر بمغالاة. و لكن حدثت مناقشة عما إن كان قادرًا على تمييز الأرواح. فدعوه ليُجيب بنفسه عن ذلك في كنيسة لاتوبوليس (إسنا) في حضور الرهبان والأساقفة (وقيل إنه حدث خلاف بين الأب باخوميوس والأساقفة بسبب الحسد!)، فذهب إلى هناك ومعه بعض الإخوة القدامى، ولما رأى الذين يجادلون ضدّه لزم الصمت. ولما سأله الأسقفان "فيلونوس" أسقف طيبة و"أموي" أسقف إسنا لكي يتكلم عن نفسه قال لهم: ”ألم تكونا راهبين معي في الدير قبل أن تصيرا أسقفين؟ وألا تعلمان أنني بنعمة الله أحب الله مثلكما وأهتم بالإخوة؟ وحينما كان "موسى" الذي من "مجدولون"، كما يُدعَى، ممسَكًا من الشياطين واختطفوه إلى الأماكن المظلمة (أي الكهوف) ليقتلوه، أما عرفتما كيف أعانته نعمة الله بواسطتي؟ وألا يكفي هذا المثال عن ذكر الباقي“؟[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فأجابوه قائلين: ”نحن نشهد أنك رجل الله ونعلم أنك كنتَ ترى الشياطين وتقاومهم لتطردهم من النفوس. أما عن الكشف وتمييز الأرواح فلكونه أمرًا عظيمًا، فأجب عن ذلك لكي يمكننا أن نقنع المتذمرين“. فقال لهم: ”أما سمعتموني مرارًا كثيرة أقول إنني كنتُ ابنًا لوالدين وثنيين لا يعرفان مَنْ هو الله؟ فمن هو إذن الذي أنعم عليَّ أن أصير مسيحيًا؟ أليس هو إلهنا محب البشر؟ وبعد ذلك لم يوجد سوى رهبان قليلين حتى إن الجماعات التي وُجدت من اثنين أو خمسة أو عشرة رهبان على الأكثر كانوا قلّة نادرة، وبجهد كثير كانوا يدبّرون أنفسهم ويضبطون بعضهم البعض في مخافة الله. أما الآن، فإننا جمعٌ غفير - تسعة أديرة - نجاهد بكل حرارة الليل والنهار لكي نحفظ أنفسنا بلا عيب بنعمة الله. وأنتم أيضًا تشهدون بأن لنا معرفة فيما يخص الأرواح النجسة. فالرب قد أعطانا أيضًا أن نعرف، متى شاء، مَنْ هو الراهب الذي يسلك باستقامة ومَنْ هو الذي له مظهر الراهب فحسب“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ولكن فلندع موهبة الله جانبًا، فالحكماء والفهماء بحسب هذا العالم إذا قضوا أيامًا قليلة بين الناس أَمَا يصلون إلى تمييز ومعرفة حال كل واحد منهم؟ أَكثير، إذن، على ذاك الذي سفك دمه لأجلنا، الذي هو حكمة الآب، إذ يرى إنسانًا يرتعد بكل قلبه من أجل خسارة قريبه - وبالأخص إذا كانوا كثيرين - أن يمنح ذلك الإنسان الوسيلة التي بها يخلِّصهم بلا عيب، سواء بإفراز الروح القدس أو بالإعلان إذا سمح الرب؟ إنني لا أرى الحقائق التي تخص خلاصنا حينما أريد بل حينما أحظى باستحقاق ذلك من عند مدبّر الكل. فالإنسان في ذاته أشبه بنفخة، ولكنه إذا أخضع نفسه تمامًا لله فلا يكون بعد نفخة بل هيكلاً لله، كما يقول الله نفسه: «وأنا أسكن فيهم» (يو14: 23). وهو لا يقول ذلك عن جميع الناس بل عن القديسين وحدهم، فهو يسكن فيكم وفي الجميع وفي باخوميوس أيضًا إن كان يصنع مشيئته“.[/FONT]
[FONT=&quot]فلما سمعوا كل ذلك تعجبوا من ثقته وتواضعه. وعندما انتهى من الكلام، إذ بإنسان مُمسَك من العدو جاء نحوه ومعه سيف ليقتله، ولكن الرب أنقذه بواسطة الإخوة الذين كانوا معه، وذلك رغم الشغب الكثير الذي حدث في الكنيسة. وإذ كان البعض يقولون شيئًا والآخرون شيئًا آخر هرب الإخوة وجاءوا إلى ديرهم الأخير، الذي يُدعَى "بخنوم" (وهو آخر دير أسسه أنبا باخوميوس، وهو أبعد الأديرة جنوبًا)، الذي كان يقع في حدود مدينة "لاتوبوليس" نفسها[FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما رجعت المركب من الإسكندرية[FONT=&quot] - علمًا بأنه لم يكن للكينونيون كله سوى مركبين: إحداهما لبيع الحصير للحصول على الحاجات الضرورية، والثانية لملابسهم - جاء الأبوان زكاؤس وتادرس إلى الأب باخوميوس، فسألهما عن حال الإسكندرية لأنه كان حزينًا عليها لأن الأريوسيين المجدّفين مع البطريرك الدخيل غريغوريوس كانوا قد قاموا عليها بعنف كاللصوص. وكان يصلّي من أجل هذا الأمر. وكان متوجع القلب جدًا بسبب الظلم الواقع على شعب الله الذي حُرم من رئيس أساقفته ق. أثناسيوس الحامل للمسيح الذي كان في المنفى. وأكّد قائلاً: ”نحن نؤمن أن الرب سمح بأن يحدث هذا لامتحان المؤمنين، ولكن الانتقام سيأتي سريعًا وبدون تأخير“![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم حدّثهم بعد ذلك عن الشدّة التي جاءت عليه في "لاتوبوليس" وهو يشكر الرب قائلاً: ”سبيلنا أن نصبر على كل تجربة لأنها لن تضرّنا. أما الذين يفحصون أمورنا فهم آباء وإخوة أرثوذكسيون، فرغم أن العدو قد فعل بنا الشر بواسطة أناس منا؛ إلاّ أنهم كانوا خارج السور - أعني به القانون - وذلك إلى حين، إلاّ أن الرب نجّانا وإياهم. أما بخصوص البابا الكلي القداسة أثناسيوس، الذي ظلّ أعداؤه يحاربونه زمانًا طويلاً، فإنه مغبوطٌ حقًا. وهم بلا قوة مقابله، لأن الله معه يعضد إيمانه. وسوف يتحقق فيه المكتوب: «كل لسان يقوم عليكِ في القضاء تحكمين عليه» (إش54: 17)“. وهذا هو ما حدث: إذ عاد ق. أثناسيوس إلى الكنيسة بكرامة ووقار[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما كان الإخوة يجدون الأب باخوميوس[FONT=&quot] جالسًا على الأرض أو في مكان غير مريح، كانوا يأتون له بشيء ليجلس عليه، ولكنه لم يكن يرضى بذلك وكان يقول لهم: ”حينما يكون جسدي بلا مرض لا أفعل ذلك، لأنني أخاف من أن أكون عبدًا في الدهر الآتي في حضرة كل الذين يرونني لكوني طلبتُ الراحة لجسدي. لأنه هكذا كُتب في الإنجيل: «مَنْ أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا» (مت20: 26)، وأيضًا: «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين» (مت20: 28). لذلك، فعلينا أن نكون خدامًا بعضنا لبعض ولا نجعل آخرين يقومون على خدمتنا“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان قد علّم الإخوة ألاّ يفقدوا الثقة في الرب إذا حدث لهم شيء من حيّات أو عقارب أو أيّ وحوش أخرى قائلاً: ”إنني أعلم كل ما فعلتُ قبل أن تُكشف لي المعرفة“. وبعد ذلك اليوم إذا لدغته عقرب أثناء عمله مع الإخوة وآلمته، ما كان يوقف العمل، بل كان يعتبر أن هذا الألم كأحد الآلام التي يقبلها من أجل المسيح. وإذا لُدغ نحو المساء كان يظل واقفًا ويصلّي حتى يُشفَى قائلاً إنه لا يوجد علاج فعّال أكثر من اسم الرب.[/FONT]
[FONT=&quot]وفي أحد الأيام، بينما كان واقفًا في مجمع الصلاة في ساعة الصباح وهو يخاطب الإخوة، نظر نحو المدخل وأدرك أن روحًا مظلمًا كان واقفًا هناك. وكان يوجد فوقه منفذٌ مغطّى بحصيرة وُضعت عليها طوبتان. ولما سحب أحد الإخوة الحبل المتصل بالحصيرة لكي يفتح المنفذ حتى يدخل النور إلى المكان، سقطت الطوبتان على الأب باخوميوس. فانزعج الإخوة وصرخوا ظانين أن رأسه لا بدّ أنها انكسرت. فلما أدرك الأب أن شيئًا كان سيحدث له بواسطة الأسود الذي رآه واقفًا بجوار الباب، غطّى رأسه سريعًا بيديه وتحمّل خبطة الطوبتين بشكر. وأشار في الحال للإخوة أن يسكتوا. ولما سأله الإخوة بعد ذلك: ”ألم تنكسر رأسك“؟ فأجابهم: ”قبل أن يحدث ذلك كانت رأسي تؤلمني، والآن قد فارقني الألم بسلام“! وحينئذ كان يذكر كلام الرسول: «اشكروا في كل شيء» (1تس5: 18)، وفي نفس الوقت كان يعلم أنه لا يحدث له شيء بدون سماح من الله.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما كان يعمل مع الإخوة في الحصاد وحلّ المساء حدّث الإخوة بكلمة الله. وبينما كان يتكلم جاءت حيّتان والتفّتا حول قدميه ولكنه لم يلتفت إليهما ولا حرّك قدميه من حيث كان واقفًا. ولما انتهى من حديثه صلّوا حتى يرجع كل واحد إلى مسكنه، ثم طلب مصباحًا ورأى الوحشين ملتفّين حول قدميه، فقتلهما في الحال ومجّد الله «الذي ينقذ المتكلين عليه» (مز17: 7)[FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[FONT=&quot] خرج الإخوة لأجل خدمة ما. وقد أخبروا الأب باخوميوس أن مجاعةً عظيمةً ومرضًا مُعديًا قد تفشّيا في العالم لدرجة أن الدنيا كانت مهدَّدة بالهلاك. ولما علم بذلك، كان هذا هو اليوم الثاني الذي لم يأكل فيه، ثم ظل يومًا ثالثًا بدون طعام قائلاً: ”لن آكل في حين أن إخوتي جياع ولا يجدون خبزًا يأكلونه“. وطالما كانت المجاعة قائمة كان ينوح ويُميت ذاته أكثر بالأصوام والصلوات المضاعفة متممًا كلام الرسول: «إن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه» (1كو12: 26). وكان يتوسل إلى الله بلجاجة لكي يجعل مستوى مياه النهر يرتفع إلى درجة جيدة لكي ترتوي الأرض ويجد الناس خبزًا لطعامهم ويباركوا الرب ويصنعوا مشيئته[/FONT][FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كلما كان أنبا باخوميوس يصلّي[FONT=&quot] كان يتذكر وصية الرسول: «أن تُقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس: لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار» (1تي2: 2). ولذلك فقد كان يصلّي من أجل العالم كله. وكان يذكر أولاً الرهبان والعذارى لكي يمنحهم الرب وسائل تحقيق ما تعهدوا به بقلب ثابت. فكان يقول: ”أيها الرب إلهنا القدير، الله المبارك، امنحنا أن نتمم هذه الخدمة لأجل شركاء طريقنا حتى نكون مستحقين لك، ولكيما تسكن في أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا، وحتى نكون دائمًا كاملين في محبتك سالكين أمامك حسب مسرتك الصالحة. ولعلنا لا نخطئ إليك أو نجرّب روحك القدوس الذي خُتمنا باسمه (أف4: 30). بل بالعكس نكون أنقياء وبلا شائبة أمامك كل أيام حياتنا في هذا العالم. لكيما نستحق برحمتك خيرات ملكوتك السماوي الأبدي، يا حبيب البشر“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كما أنه كان يصلّي لكي يحفظ المتزوجون وصايا الله التي في الإنجيل المقدس حتى ينالوا حياةً أبدية. وهكذا أيضًا كان يصلّي من أجل ثلاثة أنواع من الناس: أولاً لأجل الذين بدأوا يعملون الصلاح، ولكنهم بعد ذلك لم يستطيعوا أن يكمّلوه بسبب اهتمامات هذا العالم الباطلة التي منعتهم من العمل الصالح، وذلك لكي يمنحهم وسائل عمل الصلاح بتحريرهم من كل اهتمام بهذا العالم الباطل، ماعدا فقط احتياجات الجسد الضرورية، وإذ يتممون مشيئة الله يفلتون من العذابات ويرثون الملكوت الأبدي. كما كان يصلّي من أجل الذين يتعلقون بأعمال الشيطان، ولأجل جميع الوثنيين والذين ينخدعون بالهرطقات بجهالة، أي الذين يضللهم آخرون، وذلك حتى يمنحهم الله فهمًا وإدراكًا و«يصنعون أثمارًا تليق بالتوبة» (مت3: 8)، إذ يذكرون، فوق كل شيء، الصلاح الذي يعمله الله دائمًا لأجلهم.[/FONT]
[FONT=&quot]فهو الذي يجعل الشمس تشرق لهم على الأرض في النهار فتنير لهم أثناء أعمالهم حتى يتزودّوا بضروريات حياتهم. والقمر والنجوم لأجلنا في الليل، «يُعطينا من السماء أمطارًا وأزمنةً مثمرةً» (أع14: 17)، والندى والرياح التي تؤدّي إلى نمو المحاصيل التي زُرعت في الحقول، وقد خلق الله كل ما هو ضروري للناس ولكل المخلوقات التي أوجدها الله لاحتياجات البشر، كما يقول المرتل: «والنهار أيضًا ثابتٌ، لأن كل الأشياء متعبِّدة لك» (مز119: 91 الترجمة القبطية).[/FONT]
[FONT=&quot]وكان القديس يصلّي أيضًا من أجل الملوك وأصحاب المناصب متممًا كلام سليمان الحكيم: «بي تملك الملوك» (أم8: 15)، وذلك حتى يجعلهم الله برحمته ثابتين في محبة الله والناس، ولكي يُجروا «حكمًا للمظلومين» (مز146: 7). كما كان يصلّي لكي يظهروا هم أيضًا وسط جميع القديسين الذين أرضوا الله، وحتى يقولوا مع إشعياء النبي: «إن الرب قاضينا، الرب شارعنا، الرب ملكنا هو يخلصنا» (إش33: 22). كما أنه كان يصلّي أن يزدروا بالمناصب الملكية التي لا تدوم إلاّ زمانًا قصيرًا، وذلك لكي يصيروا وارثين للملكوت السماوي الذي يدوم إلى الأبد، ولكي يتشبّهوا بالملوك العادلين مثل داود النبي وحزقيا ويوشيا والذين سلكوا مثلهم بالبر.[/FONT]
[FONT=&quot]كذلك كان القديس يصلّي من أجل إكليروس الكنيسة الجامعة قائلاً: ”رغم أنهم آبائي، إلاّ أنه من واجبي أن أذكرهم وأصلّي لأجلهم لأن الرسول يدعونا أن نفعل ذلك قائلاً: «مصلّين لأجلنا نحن أيضًا ليفتح الرب لنا بابًا للكلام» (كو4: 3)“. وهذه هي الطريقة التي كان يصلّي بها من أجل الكل[FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أبّا تادرس يخدم الأب باخوميوس[FONT=&quot] عندما كان مريضًا. فقد رقد أربعين يومًا في المشفَى المخصص للعناية بالمرضى، وكان يتلقى نفس العناية مثل بقية الإخوة في كل شيء، ولم يوجد أي اختلاف قط بينه وبينهم، وذلك حسب توجيهاته لهم. ورغم أنه صار ضعيفًا جدًا بسبب طول فترة المرض؛ إلاّ أن قلبه وعينيه كانتا مثل ضوء ملتهب. وقال لأبّا تادرس: ”من فضلك أحضر لي غطاءً باليًا خفيفًا وافرشه عليَّ، لأن هذا الغطاء ثقيلٌ جدًا ولا يمكنني أن أحتمله حيث إنني ظللتُ مريضًا منذ أربعين يومًا، ولكنني أشكر الرب“. فأحضر أبّا تادرس في الحال من الوكيل غطاءً جيدًا وخفيفًا وفرشه عليه. ولما رأى الأب اختلاف هذا الغطاء عن أغطية الإخوة غضب من أبّا تادرس وقال له: ”أي ظلم عظيم فعلته يا تادرس! أتريدني أن أُعثر الإخوة؟ وعندما يقولون فيما بعد إن الأب باخوميوس كانت له حياة ميسّرةً أكثر من الإخوة، فأكون عرضةً للدينونة أمام الرب. فخذه مني، وأنا سأتدبر بطريقة ما حتى أذهب إلى الرب“! فأخذه أبّا تادرس منه وجاء بغطاء آخر بالٍ أكثر وأردأ من أغطية الإخوة المرضى الآخرين ووضعه عليه.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]مرض أنبا باخوميوس ذات يوم[FONT=&quot]، ولكنه لم يُبلِّغ أحدًا من الإخوة بذلك، ولا حتى اعتقد في نفسه، كعادته، أنه مريض، بل بقوة عزيمته قام وذهب معهم إلى الحصاد. وكان الإخوة يحصدون القمح بالمنجل. وبينما كان يحصد سقط على وجهه في وسطهم. فأسرع الإخوة ورفعوه واكتشفوا أن جسده محموم جدًا بسبب المرض. فأحضروه إلى الدير حيث رقد على الأرض بمنطقته. وتوسّلوا إليه أن يحلّ منطقته بسبب الحمّى ويرقد على سرير مثل الإخوة المرضى، ولكنه لم يُطِعهم وبقيَ راقدًا على الأرض. وجلس أحدهم بجواره يروِّح له بقلنسوة. وكان كثيرون من الإخوة قد استسلموا للمرض لأنه كان شديدًا ووبائيًا مُعديًا. وقال أحد الإخوة للذي كان يروِّح له بقلنسوته: ”ألا يمكنك أن تجد مروحة لكي تبرِّد بها جسده“؟ وسمع الأب ذلك ولكنه لم يقدر أن يجاوبه بسبب مرضه الشديد، ولكنه أشار بإصبعه قائلاً: ”أليس كل هؤلاء مرضى؟ هل يمكنكم أن تجدوا مروحةً لكل واحد حتى تكون لي واحدة مثلهم“[/FONT][FONT=&quot][18][/FONT][FONT=&quot]؟![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قيل عن الأب باخوميوس[FONT=&quot] إنه كان دائم الصلاة بنسك زائد وسهر، ولم يُرضِ نفسه في أكل أو شرب، وإذا أراد أن يرقد لم يكن يرقد ممتدًا ولا على مصطبة؛ بل كان يجلس مستندًا على الحائط ويرقد هكذا. وإذا احتاج أن يبني مصطبة ما كان يبنيها جيدة؛ ولكن إذا بناها لآخر كان يجعلهم يبنونها جيدة، وبعد بنائها يمسحونها، لأنه كان في كل شيء يهتم برفيقه أكثر من نفسه حتى في أحقر الأمور. وكان إذا ذهب إلى موضع خارج الدير مع الإخوة واحتاجوا أن يبيتوا هناك؛ كان يأمرهم أن يحفر كل واحد لنفسه حفرةً في الأرض مثل مراقدهم في الدير قائلاً إنه يجب على الراهب أن يُتعب نفسه في مرقده لكون روح الزنى يقفز على الرجل ليجربه بشدة إذا رقد ممتدًا براحة[/FONT][FONT=&quot][19][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقيل عنه أيضًا[FONT=&quot] إنه كان له ثوبٌ خاط أجزاءه مع بعضها مثل المئزرة، وكان يلبسه مساء كل يوم بسبب الشتاء والبرد، ولم يكن يتغطى. وكان إذا جاء إليه كاهن أو زائر يقابله بهذا الثوب. فلما رأى أحد الإخوة الأتقياء ممن كان يعمل في السفينة (أي المركب الخاصة بالدير) واسمه "تناسيه" (أي أثناسيوس)، وكان قديمًا في الإخوة، ما كان يفعله الأب باخوميوس قال للأب تادرس: ”ليس حسنًا أن يقابل أبونا الآتين إليه بهذا اللباس الحقير، فأعطني إياه لكي أذهب به إلى المجمع فلا يجده إذا طلبه، وأنا أعطيه آخر بدلاً منه“. فأعجب الأب تادرس هذا الكلام، وأعطاه إياه ووضع ثوبًا آخر بدلاً منه. وفي المساء طلب الأب باخوميوس الثوب فلم يجده، وقال لأبّا تادرس: ”أين ثوبي“؟ فقال له أبّا تادرس: ”خذ هذا الموضوع مكانه“. فقال له: ”يا ساذج، أعطني ثوبي“. فأجاب: ”خذ هذا الموضوع مكانه“. ولما سأله مرةً ثالثةً توجع قلب تادرس وندم على ما فعله ولا سيما أنه علم بحاجته إليه لأن الوقت كان شتاء، ومن وجع قلبه سالت دموعه على خدّيه وقال له: ”إنك لا تجده في هذا الوقت“. وبعد ذلك ظل الأب باخوميوس سبع سنوات يذكر هذا الأمر أمام الرب قائلاً: ”اغفر لي يا رب مخالفتي له، إذ كان يجب أن أطيعه لأنني أعلِّم الإخوة عن الطاعة وألاّ يلاججوا، وصرتُ أنا عاصيًا“[/FONT][FONT=&quot][20][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قيل عن القديس باخوميوس[FONT=&quot] إنه ذهب مرةً مع الإخوة في شغل، وقد احتاجوا أن يحمل كل واحد بعض الخبز. فقال له أحد الرهبان الشبان: ”لا تحمل شيئًا يا أبانا، فقد حملتُ ما يكفيني ويكفيك“. فأجابه: ”لا يكون الأمر هكذا، فإن كان مكتوبًا عن الرب أنه يليق به أن يتشبّه بإخوته في كل شيء، فهل أميِّز نفسي أنا الحقير عن إخوتي ولا أحمل حاجتي مثلهم؟ بسبب ذلك فإن رهبان الأديرة الأخرى يعيشون بانحلال لأن صغارهم يُستعبَدون لكبارهم، فليس من الواجب أن يُفعَل هكذا لأنه مكتوبٌ: «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين» (مت20: 28)، والرسول يقول: «حاجاتي وحاجات الذين معي خدَمَتها هاتان اليدان» (أع20: 34)“[/FONT][FONT=&quot][21][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]مواهب أنبا باخوميوس:[/FONT]
[FONT=&quot]كان الأب باخوميوس[FONT=&quot] - بإفرازه الروحي - يختبر طبيعة الأحوال الصحية المختلفة، فيفرِّق بين المرض الناتج من علّة الجسد، والذي يلزم ألاّ نعاند فيه الجسد ونزيده آلامًا؛ وبين المرض الناتج من حروب الشياطين والذي يحتاج إلى إفراز وشجاعة بمعونة الله. إذ إن الشياطين تحاول بكل الطرق أن تقف في طريق المؤمنين. فقد حدث مرةً وهو في الدير أن أصابته حمّى ولازم الفراش بدون طعام لمدة يومين كاملين. وفي اليوم الثالث - حيث لم يكن قد أكل بعد - وقف قليلاً ليصلّي لأنه كان تائقًا إلى الحديث مع الله، فشعر بالشفاء من مرضه. ولما قرع المدبِّر الباب وقت الطعام كالعادة منطق حقويه ليذهب إلى المائدة ويأكل مع الإخوة الأصحاء، وشعر أن المرض لم يكن جسمانيًا وشكر الله الذي منحه الصحة. وكان إذا رأى إنسانًا مريضًا يهتم به حتى يُشفى لئلاّ يهزأ به العدو. وقد مرض مرةً أخرى، لأن جسده كان ضعيفًا. ومع أنه كان قديسًا؛ إلاّ أن الله يمتحن خدامه بطرق متنوعة[/FONT][FONT=&quot][22][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث أن زوجة أحد الرؤساء[FONT=&quot] في تلك الناحية كان بها نزف دم. فلما سمعت عن الأب باخوميوس طلبت من الأب ديونيسيوس الذي ذكرناه أن يدعوه، لكونه صديقًا له، لكي يتحدث معه في أمر ضروري. ولما استدعاه جلس القديس في الكنيسة يتحدث معه. وكانت المرأة تؤمن بالله المتأنس الذي قال لتلاميذه: «مَن يقبلكم يقبلني»، فاقتربت منه ولمست "الكوكوليون" الذي على رأسه فشُفيت في الحال. ويقول مرجع آخر إن المرأة طلبت من الأب ديونيسيوس أن يأخذها معه إلى الأب باخوميوس. فأخذها معه في المركب، وعند الباب تركها ودخل حيث تكلم مع الأب بخصوص الإخوة الذين طردهم، ثم طلب منه أن يأتي معه ليكمّلا الحديث عند الباب. ولما جلسا جاءت المرأة ولمست ثيابه فشُفيت. وقد توجّع قلب أنبا باخوميوس بسبب ذلك حتى يوم انتقاله، لأنه كان دائمًا يهرب من مجد الناس[/FONT][FONT=&quot][23][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جاء إلى الدير[FONT=&quot] إنسان يطلب من الكبير أن يشفي ابنة له بها شيطان. فلما سمع ذلك، ولم يكن معتادًا أن يتصل بالنساء، أرسل مع البواب هذه الرسالة: ’أرسل لي ثوبًا مغسولاً من ثيابها‘‘. فلما أحضره إليه نظر إليه وقال: ’’هذا الثوب لا يخصها‘‘. وبعد أن أكّدوا لها أنه ثوبها أرسل يقول: ’’هو لها ولكنها ليست عذراء ولا تحفظ طهارتها. لذلك لما رأيتُه تحققتُ أنها ليست طاهرة، ولهذا قلتُ إنه ليس ثوبها. فلتعترف وتعزم أن تحفظ منذ الآن عفتها أمام الله وهو يشفق عليها فتُشفَى‘‘.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فلما سألها أبوها عن ذلك بحزن وغضب، اعترفت وتعهّدت ألاّ تعود تخطئ أبدًا. حينئذ أرسل القديس إلى أبيها زيت الصلاة فدهنها بإيمان فشُفيت[FONT=&quot][24][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وإنسان آخر أحضر إليه ابنه،[FONT=&quot] وكان به شيطان مارد. فأرسل الأب باخوميوس البواب قائلاً: ’’خذ واحدة من خبز الإخوة واعطها لوالد المريض، وقل له: أعط ابنك من هذا الخبز بعد أن تكسره قطعًا صغيرة، وآمن أن الرب يشفيه‘‘. فلما أخذه والد المريض سجد ثلاث مرات. ولما جاع الولد أحضر له أبوه الخبز فلم يمسّه بل أكل أشياء أخرى. ومرةً أخرى أخفى أبوه قطعًا صغيرة من الخبز داخل بعض البلح والجبن الطازج لكي يأكلها دون أن يدري. فلما بدأ الولد يأكل فتح البلح والجبن وأخرج منها قطع الخبز ولم يأكلها. ثم تركه أبوه بلا طعام مدة يومين حتى ضعف، ثم أرسل إلى الأب باخوميوس قليل زيت فصلّى عليه، وعمل عصيدة للولد خلط فيها الخبز، فأكل وارتاح ونام، فدهنه باسم الرب يسوع فللوقت تعافى. فعاد الأب إلى بيته وهو يمجد الله مخبرًا بشفاء ابنه[/FONT][FONT=&quot][25][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]صنع الرب[FONT=&quot] - الذي بواسطة قديسيه يدبّر خلاص النفوس - على يدي القديس أشفية كثيرة بين العلمانيين والإخوة. وكان إذا التمس الشفاء لأحدهم ولم تُستجَب طلبته من الرب العارف بقصد قديسيه؛ ما كان يستغرب أو يحزن لأن صلاته لم تُقبَل، بل كان هو نفسه دائمًا يقول في الصلاة: ’’لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك‘‘، كما علّمنا بالحق - ذاك الذي هو واحدٌ مع الآب - أنّ هذا هو ما ينبغي أن يكون في كل شيء.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فإن قرأ أحد في أي وقت كلمات صلواته قد يقول: من أين جاءت معرفة هذه الأمور لنا نحن الذين نكتب هذا؟ فليتذكر أولاً ما سبق أن قلناه أننا سمعنا هذه الأمور من الآباء وأننا فحصناها بتدقيق، لأن الأب القديس كان يجلس أحيانًا ويشرح هذه الأمور لكي من خلال معرفته يبيّن لهم كيف يصلّون من أجل كل طلبة. وكان يداوم تعليمه للجميع بكثرة أن يضعوا إيمانهم ورجاءهم في الرب وأن يحبوا أقاربهم بالحق[FONT=&quot][26][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جاء بعض الناس في اليوم التالي[FONT=&quot] عند باب الدير ومعهم رجل فيه شيطان يعذِّبه بشدّة. ولما أخبروا أنبا باخوميوس بأولئك الذين توسّلوا إليه عن طريق الأخ المسئول عن بوابة الدير، أقبل إليهم بسرعة ومعه اثنان من الإخوة. ولما جاء سأل عن اسم المريض، فأجاب المريض: ”اسمي مائة (لجئون)“. فقال له أنبا باخوميوس: ”أنت لا تصلح لشيء، فمن أين تعلّمتَ ما يساوي مائة“؟ فطأطأ المريض وجهه إلى الأرض وقال: ”لقد أربكتني بقولك هذا“. فقال له الأب: ”أيها الروح النجس، قُل لي الحقيقة، من أين تشرب أنت شخصيًا“؟ فأجاب بخضوع: ”أشرب من قاع البحر“. فسأله أيضًا: ”قُل لي، مَنْ الذي أعطاك السلطان أن تدخل في هذا الإنسان لتعذِّبه“؟ فقال له الروح النجس: ”المصلوب هو الذي أعطاني السلطان على هذا الرجل“. فقال له الأب: ”أيها الروح الشرير، بما أن ذاك هو الذي أعطاك هذا السلطان أن تسكن فيه، فأرني المسامير التي سُمِّر بها على الصليب“. فصرّ الشيطان بأسنانه وقال: ”بهذا أيضًا قد هزمتني وأربكتني“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حينئذ بسط أبونا البار يديه ودعا الرب بصلوات ودموع غزيرة قائلاً: ”أسألك يا ربي يسوع المسيح من أجل عبدك هذا، يا محب البشر، لكي برأفتك وكثرة رحمتك تنظر إليه، لأنه هو صورتك وشبهك، فتشفيه من هذا الشيطان الشرير، لأنك أنت وحدك المستحق المجد والإكرام والقوة مع أبيك الصالح والروح القدس إلى الأبد آمين“. ثم رشمه باسم الثالوث القدوس، ثم انتهر الروح النجس الذي خرج منه في الحال وتعافى الرجل بقوة المسيح وبصلوات أبينا باخوميوس. ولما رأى الذين معه ذلك الذي حدث بسرعة أعطوا المجد لله والشكر للأب باخوميوس[FONT=&quot][27][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أحضروا للأب باخوميوس أخًا[FONT=&quot] من أحد الأديرة مجرَّبًا من الشيطان. ولما تكلّم معه الأب أجاب حسنًا وكأنه لم يُجرَّب من الشياطين قط. فقال للإخوة الذين أحضروه إليه: ”أُؤكِّد لكم أن الشيطان مختفٍ فيه ولن يتكلم معي بصوت هذا الرجل. ولكنني سأفحص جسده كله لأعرف في أي عضو من أعضائه اختبأ“. وبينما كان يفحص جسده كله جاء إلى أصابع يديه وقال للإخوة: ”هذه هي الطريقة التي يدخل بها الشيطان، فقد وجدته في أصابع يديه“. ولما جاء إلى عنقه، حيث الموضع الذي كان فيه الشيطان، صرخ الشيطان بصوت عظيم وارتعش الرجل رعشةً عنيفةً حتى إن أربعة من الرجال استطاعوا بصعوبة أن يمسكوه. فأمسك أبونا باخوميوس الموضع الذي اختبأ فيه الشيطان وصلّى طالبًا من المسيح أن يشفيه. وبينما كان يصلّي خرج منه الشيطان وارتدّت إليه عافيته في الحال بصلوات أبينا القديس. وجميع الإخوة الذين رأوا ما حدث أعطوا المجد لله من أجل أعماله العظيمة التي يُظهرها في قديسيه[/FONT][FONT=&quot][28][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أحضروا إلى الأب باخوميوس[FONT=&quot] رجلاً متألمًا للغاية من لدغة حيّة، وكان راقدًا في عربة. وطلبوا من القديس أن يصعد إلى العربة ويدهنه بالزيت لأنه كان فاقد الحركة. وبينما كان صاعدًا فوق عجلة العربة مقتربًا نحو المريض، إذ بالأخير يقفز قائمًا وهو يقول: ”لا تُتعب نفسك يا أبي فقد شُفيتُ في اللحظة التي اقتربتَ فيها من العربة“[/FONT][FONT=&quot][29][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث في نفس اليوم،[FONT=&quot] بينما كان راجعًا إلى الدير أنه وجد رجلاً مريضًا بالاستسقاء جالسًا على قارعة الطريق، لأنه لم يعُد بعد قادرًا على المشي والعودة إلى بيته. فما إن باركه باخوميوس حتى طردت أحشاؤه شوائب المرض التي كانت فيه. فجاء الرجل إلى القديس وسجد عند قدميه شاكرًا له ما عمله له. فقال له: ”بارك الرب الذي شفاك واحرص ألاّ تخطئ إليه كل أيام حياتك“. وكانت هذه هي نصيحته لجميع الذين كان يهبهم الشفاء على يديه: ”ليكن لك رجاءٌ في الله الذي شفاك. ومن الآن فصاعدًا لا تخطئ إليه لكي مثلما شفاك من أمراضك يعطيك أيضًا شجاعةً حتى يوم مماتك“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان في كل مرة يخاطب الله بخصوص الأشفية، يعبِّر عن مشاعره هكذا: ”أيها الرب الإله المبارك، يا من خلقتَ ما يُرى وما لا يُرى في المسكونة، إن كانت هذه هي مشيئتك فامنح الشفاء لهذا المريض لكيما يتمجّد أولاً اسمك المبارك، ولكي يربح هذا المريض مما سيصير له، ولا يعود يخطئ إليك بعد ... لتكن مشيئتك“. فإذا شُفي المريض بينما كان يستخدم له دواءً، فما كان يغترّ بنفسه عالمًا أن القوة لم تكن منه، ولكن من الله الساكن فيه. أما إذا استخدم دواءً لأحد ولم يُشفَ، فما كان يحزن أو يشعر بأنه قد خُذل، بل كان يبارك الرب قائلاً: ”لا شك أن منفعة ...“[FONT=&quot][30][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]رؤى القديس باخوميوس:[/FONT]
[FONT=&quot]بعد أن رأى أبّا تادرس رؤية تخص الثالوث الأقدس[FONT=&quot] (انظر أقوال أبّا تادرس)، سمع أنبا باخوميوس عنها منه وقال له: ”إن ما استُعلن لك وما سمعتَه إنما يتناسب مع مقدرتك على الرؤيا والسماع. وأنا أيضًا عندما اخترتُ الحياة الرهبانية حرّضني في وقت ما أولئك المنتسبون لميليتس أسقف ليكوبوليس (أسيوط)، وكذلك التابعون لماركيون، أن أشاركهم في رأيهم. ولعلمي بأن هناك أيضًا هرطقات أخرى، وكلٌ منها تدّعي أن الحق معها، لذلك اضطربت. فصلّيتُ بدموع غزيرة لكي يكشف لي الله عمّن هو الذي يمتلك الحق، لأنني كنتُ مرتبكًا للغاية“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”وبينما كنتُ ملازمًا الصلاة وقعتُ في دهش ورأيتُ كل ما تحت السماء وقد صار كالليل، وسمعتُ أصواتًا تنبعث من نواحي مختلفة قائلةً: "هنا الحق". ورأيتُ لكل صوت كثيرين يتبعونه في الظلام ويقودون بعضهم بعضًا. ورأيتُ ناحية الشرق فقط مصباحًا مرفوعًا عاليًا وهو يشع نورًا كنجم الصباح. ومن هناك سمعتُ صوتًا يقول لي: "لا تنخدع بأولئك الذين يجذبونك إلى الظلام، ولكن اتبع هذا النور لأن الحقيقة موجودة فيه". وللوقت جاءني صوتٌ يقول لي: "هذا المصباح المضيء كنجم الصباح سوف يُنير لك يومًا ما بلمعان أكثر من الشمس، إنه الكرازة بإنجيل المسيح الذي يُكرَز به في الكنيسة المقدسة التي تعمّدتَ فيها. والذي يُنادي فيها هو المسيح في شخص ألكسندروس أسقف كنيسة الإسكندريين (أي بابا الإسكندرية الـ19). أما الأصوات الأخرى التي في الظلام فهي أصوات الهرطقات حيث يتكلم الشيطان ويقود الكثيرين إلى الضلال بواسطة قادة كل واحدة منها"“![/FONT]
[FONT=&quot]”ثم رأيتُ كثيرين يُسرعون نحو المصباح بملابس مضيئة، فباركتُ الله. وهكذا نبذتُ الذين أرادوا أن يخدعوني وذهبتُ لأعيش مع رجل الله بلامون الذي كان متمثلاً بالقديسين، إلى أن جاءني ملاك الرب ليقول لي: "هبْ الدفء للآتين إليك بالنار التي أشعلها الله فيك". وبعد ذلك أنشأتُ هذه الأديرة بإرشاد الله ومعونته. ولكن اعلم أن أثناسيوس أسقف كنيسة الإسكندريين هو أيضًا ممتلئ من الروح القدس“[FONT=&quot][31][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot](بخصوص مستقبل الشركة) حدث مرةً[FONT=&quot] بينما كان الإخوة يقطعون البردي وينقلونه بالمركب - وكان الأب يتناول منهم الأحمال من داخل المركب، وكانوا جميعًا يهذّون في الأقوال المقدسة - أن الأب باخوميوس أُخذ في دَهَش ورأى منظرًا مرهوبًا جدًا، ورآه الإخوة ينطرح على الأرض ساجدًا وباكيًا لوقت طويل، فبكى الإخوة أيضًا معه. فقد رأى في رؤية بعض الإخوة تُحدق بهم النار من كل ناحية وألسنة اللهيب تحوطهم وهم غير قادرين أن يقفزوا فوقها. وشاهد آخرين قائمين حفاةً فوق عيدان خشب مملوءةً أشواكًا وقد انغرست في أقدامهم ولم يمكنهم أن يخرجوا إلى موضع آخر. وآخرين رآهم واقفين وسط جرف شديد الانحدار وهم غير قادرين على الصعود منه أو النزول إلى البحر حيث كانت التماسيح تراقبهم وتقفز إلى فوق نحوهم.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما رجع إلى نفسه بعد وقت طويل بسط يديه وظل يصيح بصوت عظيم وهو يسأل الله أن يكون لهم عونًا من عنده، وأقام هكذا حتى المساء. ثم أمر الإخوة أن يتناولوا الطعام لأن الوقت كان متأخرًا. وبعد ذلك دعاهم أن يجتمعوا حوله، ولما أخبرهم برؤياه بكوا جميعًا بخوف. ولما سألوه عن معنى الرؤية قال: ”على ما أظن أن ذلك سيحدث للإخوة بعد وفاتي، إذ إنهم لن يجدوا من يقدر أن يمنحهم باسم الرب العزاء الضروري في أوقات التجارب“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولم يأكل الأب باخوميوس مع الإخوة. ولم يعلم تادرس بما حدث لأنه كان قد أرسله في شغل مع أحد الإخوة. ولما جاء أعلموه بما حدث وأن الأب لم يأكل لكونه حزينًا بسبب ما أُعلن له في الرؤية. فلما سمع أنه لم يأكل هيّأ للوقت خبزًا مما يأكله الإخوة وأرسل إليه أخًا قائلاً إن تادرس يدعوك. فلما سمع جاء إليه في الحال وابتدأ يكلِّمه بوجع قلب حتى إنه من عتابه توجّع قلبه وخرج من عنده وهو يبكي، لأنه قال له: ”امض أنت وابك قدام الله كما بكيتُ أنا“. وسمعه أحد الإخوة وهو يكلّمه فقال لأبينا باخوميوس: ”تادرس لم يأكل هو أيضًا اليوم شيئًا“. فقال: ”وما شأنكم أنتم؟ دعوه لا يأكل ويبكي أيضًا“. وجلس وهو يأكل بوجع قلب كثير[FONT=&quot][32][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]لما كان الإخوة مجتمعين للصلاة[FONT=&quot] انضم أنبا باخوميوس إليهم وختم الصلاة معهم. ولما ذهبوا إلى المائدة بقي هو وحده حيث اعتادوا أن يُقيموا الصلوات الجماعية ([/FONT]Synaxis[FONT=&quot]). وأغلق الباب وانتصب مصلّيًا لكي يكشف الله له عما سيكون عليه حال الإخوة بعده. وأطال الصلاة من الساعة العاشرة (الرابعة بعد الظهر) حتى صلاة نصف الليل. وحينئذ ظهرت له فجأةً رؤيا من السماء وعرّفته أن الإخوة سيعيشون في نفس الطريق بالتقوى في المسيح، وأن الأديرة ستزداد. ولكنه رأى أيضًا عددًا لا يُحصَى من الإخوة سائرين في واد قفر سحيق، وكثيرون منهم كانوا يريدون أن يصعدوا من هذا الوادي بلا طائل. وكثيرون كانوا يصطدمون بعضهم ببعض بسبب الظلام الدامس الذي كان يكتنفهم، ولكنهم لم يميّزوا بعضهم بعضًا. وكثيرون سقطوا من الإعياء، وآخرون كانوا يُطلقون صرخات تدعو للرثاء. وقليلون منهم استطاعوا بالكاد بعد طول عناء أن يجدوا طريقهم خارج ذلك الوادي، وما إن صعدوا حتى واجهوا النور فقدموا لله تمجيدًا من أعماق قلوبهم.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وهكذا عرف الطوباوي ما سيؤول إليه حال الإخوة في آخر الزمان، وأي تهاون سيكون في تلك الأيام، والإثم وفشل الرعاة الذي سيؤدّي بهم إلى الشدّة العظيمة. فالذين هم أكثر تهاونًا هم الذين سيتسلطون على الصالحين ويغلبونهم بكثرة عددهم. هذه الأمور - التي نعاني من بداياتها نحن الذين نسجل هذا الكلام - هي إحدى الأمثلة، لأن الأشرار سيحكمون الإخوة والذين بلا معرفة سيتحكمون في الأديرة ويكافحون من أجل الألقاب. وسوف يضطهد الأشرارُ الأخيارَ، ولن يجد الصالحون طمأنينة في سُكنى الأديرة، بل إن ما هو إلهي سيتحول إلى بشري![/FONT]
[FONT=&quot]ولما عرف الطوباوي ذلك صرخ إلى الله بدموع قائلاً: ”أيها الرب الضابط الكل، إن ذلك عتيدٌ أن يكون فلماذا سمحتَ بوجود هذه الأديرة الجماعية؟ وإن كان الذين سيرأسون الإخوة في تلك الأيام أشرارًا، فماذا يكون حال الذين يرعونهم؟ لأن «أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة» (مت15: 14). هل ضاع تعبي باطلاً؟ اذكر يا رب أتعابي وأتعاب كل الإخوة الذين يمارسون النسك اليوم بكل قلوبهم. اذكر عهدك لي بأن زرعك الروحاني سيبقى إلى انقضاء الدهر (انظر القول الخاص بتأسيس دير بافو). أنت تعلم أيها السيد أنني منذ أن لبستُ الزي الرهباني لم أمتلئ من شيء مما على الأرض ولا حتى من الماء“![/FONT]
[FONT=&quot]ولما قال ذلك جاءه صوتٌ قائلاً له: ”أتتفاخر يا باخوميوس؟ ألا تعلم أنك بشرٌ؟ التمس لنفسك الرحمة، لأن جميع الأشياء قائمة برحمتي“! فلما سمع الطوباوي هذا الكلام خرّ في الحال على الأرض ساجدًا وطلب من الله الرحمة قائلاً: ”أيها الرب الضابط الكل، أرسل رحمتك عليَّ ولا تنـزعها مني أبدًا، لأنني موقنٌ تمامًا أنه بدون رحمتك لن يثبت شيء من الكائنات“. ولما قال ذلك إذ بملاكين ظهرا أمامه ومعهما شابٌ له وجه يفوق الوصف، وهيئته لا يمكن أن يُعبَّر عنها، وعلى رأسه إكليل من شوك. وقال له الملاكان: ”بما أنك طلبتَ رحمة الله، فهوذا رحمته: رب المجد يسوع المسيح ابنه الوحيد الجنس الذي أرسله إلى العالم، ولكنكم صلبتموه ووضعتم إكليلاً من شوك على رأسه“![/FONT]
[FONT=&quot]فقال أنبا باخوميوس للشاب: ”إنني أتوسل إلى طبيعتك القدوسة أيها السيد، فإنني ما صلبتك“. فأجابه الشاب بابتسامة: ”أنا أعلم أنك ما صلبتني بل آباؤك، فتشجع لأن أصول زرعك لن تفنى إلى الأبد، وسوف يُحفَظ زرعك على الأرض إلى انقضاء الدهر. والقليلون الذين سينجون من الظلمة المدلهمة في تلك الأيام سوف يوجدون أعلى من الذين يمارسون حينئذ نسكًا عظيمًا، ذلك لأنهم اتخذوك أنت لهم مصباحًا أمام عيونهم، وهم يمارسون النسك معتمدين على نورك. أما الآتون بعدهم الذين سيعيشون في موضع قفر ليس فيه إلاّ الظلمة في برية قاحلة، فإذا تبعوا البرّ بعقل راجح من تلقاء أنفسهم دون أن يرشدهم أحدٌ إلى الحق، فالحق أقول لك إنهم سيكونون مع الذين يمارسون الآن نسكًا شديدًا بلا لوم، متمتعين بنفس القدر من الخلاص“. وبعد أن قال ذلك ارتفع إلى السماء[FONT=&quot][33][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أنبا باخوميوس مرةً[FONT=&quot] يضفر حصيرًا، فظهر له الشيطان متجليًا ومدّعيًا أنه هو المسيح. ومعروفٌ أنه بغير سماح من الله ليست للشياطين قدرة أن تظهر لأي إنسان ولا أن تعرض عليه أي فكر شرير. ولما كانت للقديس موهبة إفراز الأرواح للتمييز بين الشريرة والمقدسة كما هو مكتوب: «فإنه لواحد يُعطَى بالروح كلام حكمة ... ولآخر تمييز الأرواح» (1كو12: 8-10)، ففي الحال فكر في نفسه قائلاً: ”عندما تكون الرؤية لأرواح مقدسة، فهي تجعل أفكار الذي يعاينها تبطل تمامًا، فلا تعود تنشغل بشيء سوى قدسية المنظر. والآن هوذا أنا أعاين المنظر بينما أفكر وأتروّى، فمن الواضح أنه يخدعني، فهو ليس من الأرواح المقدسة“. فلما وجده الشيطان متفكرًا هكذا بدأ يبدّد عنه أفكاره. فنهض القديس بإيمان المسيح وبسط يده كمن يريد أن يمسك بالشيطان ونفخ في وجهه فاختفى. ولكي يتيقن من أن الذي يظهر له روح نجس، فإن جسده يمتلئ بالرعب، في حين أنه إن كان ملاكًا نورانيًا، فإن أعضاء جسده تؤلمه ألمًا خفيفًا وتتلاشى كل الأفكار من قلبه، فكان بنعمة الله يميز الأرواح بعضها من بعض. وكان ينتهر الأرواح الشريرة، أما الملائكة فيتقبل كلامهم. وكان يفحص كلامهم إن كان مطابقًا للكتب المقدسة، وبذلك كان يقبل الإلهام الذي أعطاه له الملاك[/FONT][FONT=&quot][34][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كانت للأب تادرس عادة[FONT=&quot] أن يذهب إلى "بافو" كل مساء بعد فراغه من عمله في "طابنيسي" لكي يستمع إلى قراءات الأب باخوميوس من الكتب المقدسة، ثم يعود ويخبر بها الإخوة قبل نومهم. وقد اعتاد أن يفعل ذلك لزمن طويل. وحدث ذات مرة أنه ذهب ولم يجده، فصعد إلى سطح موضع الاجتماع لكي يهذّ في الفصول الإلهية التي كان يحفظها عن ظهر قلب. وبينما كان يهذّ فيها تزلزل المكان. وبينما كان متعجبًا من ذلك نزل إلى موضع الاجتماع لكي يصلّي، فلما دخل لم يستطِع أن يمكث بسبب الخوف الذي ملأ المكان، وارتجف جسمه. وبسبب الرعب الذي اعتراه طفر خارج الباب وهو لا يدري بما حدث.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي اليوم التالي بعد الاجتماع وجد الأب باخوميوس مع الشيوخ على انفراد يروي لهم ما حدث قائلاً: ”كادت نفسي تفارقني هذه الليلة، إذ بينما كنتُ أصلّي في موضع الاجتماع شاهدتُ بعض المناظر المرعبة، ومن شدّة الفزع صرتُ كأنني لم أعد موجودًا بعد. وطلبتُ من الرب أن يثبِّت فيَّ هذا الخوف وفي الإخوة إلى النهاية، متذكرًا الآباء الذين كانوا مع موسى النبي أسفل جبل سيناء حيث كانت النار والأمور الأخرى المخيفة. وبينما كنتُ في هذه الشدّة دخل رجلٌ جريء، ولكنه برحمة الله خرج مسرعًا“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فقال الأب تادرس: ”أنا هو الرجل، فإنني لما لم أجدك في المساء صعدتُ إلى السطح لأهذّ، ولكن لما بدأت الزلزلة نزلتُ لكي أصلّي. ولما لم أقدر أن أفعل ذلك هربتُ خارجًا“. فتعجب الذين سمعوه، وبالأكثر لأنه لم يكن معتادًا أن يكشف لهم عن الأمور المخفية التي كان يراها بإرادة الله، إلاّ ما كان نافعًا لبنيان الإيمان. فالقديسون بالتأكيد يكونون بأفكارهم دائمًا كأنهم في السماء[FONT=&quot][35][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جرّب الشيطان أحد الإخوة[FONT=&quot] في مجمع دير طابنيسي، فأركبه أبّا تادرس على جحش وجاء به إلى الأب باخوميوس في بافو لكي يصلّي عليه. فرآه القديس من بعيد بينما كان يُلقي كلمة الله على الإخوة لأجل خلاصهم. وللحال ترك الإخوة وخرج لملاقاة أبّا تادرس. فغضب بعضهم قائلين: ”نحن شيوخ وقد تركنا لكي يقابل أبّا تادرس الشاب حالما رآه“! وهؤلاء هم الذين تذمروا سابقًا عندما عيّن الأب أبّا تادرس ليوجّه الإخوة لأجل خلاصهم.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]احتضن الأب أبّا تادرس وقال له: ”قبل أن تصل اليوم إلى هنا بلغتني كلمة عنك بأمر من الرب. فاذهب بهذا الأخ المريض الذي جئتَ به إلى شخص آخر ورافقني سريعًا إلى صالة الاجتماع“. ثم صلّى الأب باخوميوس لأجل الإخوة وصرفهم، وعاد كل منهم إلى قلايته.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما رجع أبّا تادرس اصطحبه الأب باخوميوس إلى صالة الاجتماع، وظلاّ واقفين وهما يصلّيان من الساعة الثانية حتى التاسعة من النهار (أي من الثامنة صباحًا حتى الثالثة بعد الظهر). وبينما كانا يصليان نظرا فوقهما على ارتفاع برج (أو منارة) عرشًا عظيمًا كان الرب جالسًا عليه بهيئة اختارها لكي ينظراه. وبعد حين ارتفع العرش لدرجة أنهم لم يعودا ينظرانه، وبعد حين آخر هبط منخفضًا حتى استطاعا أن يلمساه بيديهما، واستمرت عملية الصعود والهبوط لمدة نحو ثلاث ساعات.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما هبط العرش وضع الأب باخوميوس يده على أبّا تادرس وكأنه كان يحمله على يديه ويُحضره لذاك الذي كان جالسًا على العرش قائلاً: ”يا رب، اقبل هذه العطية مني“. وظل يفعل ذلك عدة مرات وهو يكرر هذه الكلمات حتى سمع صوتًا يقول: ”لقد استُجيبت طلبتك، فتشجّع وتقوّ“. وبعد ذلك صرف أبّا تادرس الذي جاء بالأخ المريض، وصلّيا معًا عليه، فشفاه الرب من مرضه ورجع مع أبّا تادرس جنوبًا إلى طابنيسي وكأنه لم يمرض قط[FONT=&quot][36][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] S 1: 28.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] S 10: 1.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] G 1, 51; SBO, 47a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] G 1, 53; SBO, 48.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] G 1, 55; SBO, 59.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] G 1, 61; SBO, 59b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] G 1, 61; SBO, 59c.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] G 1, 64; SBO, 61; S 1: 4.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] G 1, 86; SBO, 72b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] G 1, 91; SBO, 74b.[/FONT]

[FONT=&quot][11]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref11[FONT=&quot] «أرض جبال وبقاع، من مطر السماء تشرب ماءً» (تث 11: 11)، أي أنها لا تُعطي ثمرًا إلاّ بواسطة المطر.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][12][/FONT] G 1, 110; S 1: 5.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT] G 1, 112.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] G 1, 113; SBO, 96b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][15][/FONT] SBO, 98; cf. G 1, 21; [FONT=&quot]س 4 ص 21و64[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT] SBO, 100.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT] SBO, 101.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][18][/FONT] SBO, 117.[/FONT]

[FONT=&quot][19]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref19[FONT=&quot] باخوم عربي؛ س 4 ورقة 24.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][20]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref20[FONT=&quot] باخوم عربي؛ س 4 ورقة 24.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][21]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref21[FONT=&quot] باخوم عربي[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][22][/FONT] G 1, 52; SBO, 47b.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][23][/FONT] G 1, 41; SBO, 41.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][24][/FONT] G 1, 43; SBO, 43.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][25][/FONT] G 1, 44; SBO, 44[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][26][/FONT] G 1, 45, 46; SBO, 45.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][27][/FONT] SBO, 109.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][28][/FONT] SBO, 110.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][29][/FONT] S 2: 10.[/FONT]

[FONT=&quot][30]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref30[FONT=&quot] واضح من مضمون الكلام أن الجزء المفقود ينطوي على أنه إذا شُفي المريض من الدواء، فذلك بسبب استجابة الله للصلاة، وإن لم يُشفَ فهو لا يحزن لأن ذلك يعني أن المريض لن ينتفع روحيًا من شفائه. [/FONT]S 2: 11 – 13[/FONT]

[FONT=&quot][31]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref31[FONT=&quot] من رسالة الأسقف آمون إلى البابا ثيئوفيلس الـ23 عن الرهبنة الباخومية بناءً على طلبه، رقم 11و12.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][32][/FONT] G 1, 71; SBO, 66.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][33][/FONT] Paral., 17, 18.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][34][/FONT] G 1, 87; SBO, 113; S 2: 3,4.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][35][/FONT] G 1, 88; SBO, 73.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][36][/FONT] SBO, 76.[/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]في أحد الأيام،[FONT=&quot] في الساعة السابعة من النهار (أي الواحدة بعد الظهر)، عندما كانت الحرارة شديدة في الخارج، دعا أبونا باخوميوس أبّا تادرس وقال له: ”دعنا نذهب ونأكل قليلاً من الخبز لأننا سنذهب سريعًا إلى دير "تموسنـز" لأجل أخ موعوظ على وشك الموت“. فقال أبّا تادرس: ”كما تشاء“. ثم ذهبا للحال إلى المائدة، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أحد ماعدا هما الاثنين وحدهما. ولما وضعا الخبز في الماء قال لأبّا تادرس: ”دعنا نصلّي أثناء انتظارنا حتى يلين الخبز“. ولما بدأا يصليان وقع عليهما خوف عظيم، ونظرا رجلاً واقفًا أمامهما وهو يشعّ نورًا ويمدّ يده إليهما قائلاً: ”أعطياني صلواتكما ذات الرائحة الحلوة لكيما أحضرها أمام الرب“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وللحال سجدا على الأرض وصاحا للرب قائلَيْن بتوسلات كثيرة ودموع: ”أيها الرب إلهنا، لتكن رحمتك علينا“. ثم ظلاّ يصلّيان حتى المساء. وقدّم أبونا باخوميوس توسلات كثيرة بخصوص الأخ الموعوظ لكيما يتركه الرب في الجسد حتى يمكنهما أن ينظراه قبل موته. وفي المساء جلسا وأكلا ثم أسرعا وسارا في الطريق، وقضيا نصف الليل في الطريق قبل أن يصلا إلى دير "تموسنـز".[/FONT]
[FONT=&quot]وحالما وصلا إلى هناك دخلا عند الأخ المريض، وقال الأب المسئول لأبينا باخوميوس: ”لقد ظل مريضًا لمدة يومين، وكنا خائفين أن نأخذه إلى الجنوب لكي يتعمّد لئلاّ يموت بين أيدينا في الطريق“. وكان من عادتهم أن يُحضروا جميع موعوظي الأديرة إلى دير بافو أثناء صوم الأربعين المقدسة لكي يعمّدوهم. فقال له أبونا باخوميوس: ”طالما أنكم رأيتم أن حالته تزداد سوءًا، فلماذا لم تعمّدوه هنا“؟ فأجاب المسئول: ”لا يوجد هنا كاهن لكي يعمّده“. وبينما كانوا يتحدثون، وقبل أن يسلِّم الأخ روحه انفتحت عينا كلٍّ من الأب باخوميوس وأبّا تادرس وشاهدا الملائكة الذين جاءوا لكي يأخذوه وهم يعمّدونه سرًّا قبل أن يفارق الجسد[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]مرةً سمع أبّا تادرس[FONT=&quot] في الهواء أصوات مرتلين بأنغام عذبة جدًا وشجية، فسأل الأب باخوميوس: ”هل تسمع يا أبي“؟ فأجابه: ”نعم“. فسأله أبّا تادرس: ”وما هو هذا“؟ فأجابه: ”نفس فاضلة في طريقها إلى السماء مرّت من فوقنا، وقد أُنعم علينا للحظات أن نسمع صوت الذين يرتلون ممجدين الله في حضرته“. وفيما هما يتحدثان تطلّعا فرأيا تلك النفس وعرفا مَنْ هي، لأنه في أحيان كثيرة كان يفتح الله عينيهما ويُبصران ملاك الله داخل الهيكل عند المذبح يعطي الأسرار للمستحقين من الناس على يد الكاهن الذي يناولهم، وإذا جاء إنسان غير مستحق أو نجس كان الملاك يسحب يده فيعطيه الكاهن وحده.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ومرةً أخرى كانا جالسين حول أخ ينازع سكرات الموت، فكشف لهما الرب كيفية خروج النفس من الجسد، ولم يشاءا أن يُطلعا أحدًا على مثل تلك الأمور طوال حياتهما لكونها أسرارًا. إلاّ أن الإخوة الكبار الذين كانوا معهما لاحظوهما يتطلّعان في سكون ودهش نحو بعض النفوس القديسة التي كانت حاضرة ساعة تسليم ذلك المريض روحه. وأحيانًا كانا يذكران أيضًا جانبًا مما أبصراه بحسب إرادة الرب من أجل المنفعة. وكان الأب باخوميوس يُعلِّم أنه لا ينبغي أبدًا قبول الفكر الذي يشتهي أن يرى شيئًا من الأمور غير المرئية، لأنها مملوءةٌ دهشًا وتُخيف كل مَنْ يفحصها ويسمعها[FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]رؤية عن مصير النفوس بعد الموت:[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]هذه هي الطريقة[FONT=&quot] التي يفتقد بها ملائكة النور الإخوة الصالحين كما كشفها الرب مرات عديدة لأبينا باخوميوس: إذا كان الرجل الذي في نزاع الموت إنسانًا صالحًا، فإنه يأتي لأخذه ثلاثة ملائكة تتناسب رتبتهم مع مستوى سلوك المشرف على الموت. فإذا كان ذا مرتبة عالية بأعماله، يُبعَث له بملائكة رفيعي الشأن ليقودوه إلى الله. أما إذا كان صغيرًا في فضائله فيُبعَث له بملائكة أقل مرتبة. ويتدبر الله هكذا: يقوم الملائكة المقبلون لافتقاد الإنسان برفع نفسه من جسده بصبر لائق، لئلاّ إذا أُرسلت رتب عالية لأخذ مَنْ هو أقل مرتبة في أعماله، يعاملونه كما هو متّبع عند السلطات الأرضية التي تسلك بالمحاباة متأثرةً بالغنى والمجد الفارغ، وتعامل المحتقرين والفقراء بحسب حالة بؤسهم وفقرهم. ولكن القوات السمائية تتصرف في كل شيء بحسب عدالة القضاء وطبقًا لأمر الرب ووفقًا لاستحقاق الأعمال.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]والملائكة الثلاثة المرسلون لإحضار النفس يكونون متدرجين في رتبهم، فيطيع ذو المرتبة الأقل دائمًا مَنْ هو أعلى منه مقامًا. وعند اللحظة التي يكون فيها الإنسان مشرفًا على لفظ أنفاسه الأخيرة، يقف أحد الملائكة عند رأسه والآخر عند قدميه، بنفس وضع البشر (أي الكهنة) الذين يرشمونه بالزيت بأيديهم إلى أن تفارق النفس الجسد. أما الملاك الثالث فإنه يفرش ملاءة روحية كبيرة لكي يستقبل عليها النفس باحترام ووقار. وتبدو نفس الإنسان القديس جميلةً لمن يراها وبيضاء كالثلج. وبعد خروج النفس من الجسد واستقبالها على الملاءة، يمسك أحد الملائكة بطرفي الملاءة العلويين والآخر بطرفيها السفليين، بنفس النمط الذي يرفع به الناس جسد إنسان من على الأرض. ويرتل الملاك الثالث أمام النفس بلغة لا يعرفها أحد، ولا حتى الذين أُعطيت لهم هذه الرؤيا، أعني الأب باخوميوس وأبّا تادرس، فهما لم يفهما ترتيله، ولكنهم سمعوا فقط صوت الملاك يدوِّي بكلمة "هلليلويا".[/FONT]
[FONT=&quot]ويواصل الملائكة انطلاقهم في الجو نحو الشرق بالنفس، وهم لا يسيرون على أقدامهم مثل البشر، بل يتقدمون بحركة انزلاقية مثل الماء المتدفق، لأنهم أرواح. وهم ينطلقون مرتفعين بالنفس حتى يمكنها أن ترى أطراف المسكونة من أقصاها إلى أقصاها، وحتى ترى الخليقة كلها وتمجّد الله الذي خلقها. وبعد ذلك يعرّفونه بموضع راحته حسب أمر الرب، حتى إذا ما دخل الموضع الذي استحقه بأعماله الصالحة يمكنه أن يدرك مقدار العذابات التي نجا منها، فيبارك الرب بالأكثر الذي أنقذه منها بصلاح ربنا يسوع المسيح. وعندئذ يأتون به عند قدمي رجل الله الذي علّمه مخافة الرب وغذّاه بشريعته، فيحمله هو بالتالي مثل هدية عند أقدام الرب. وحينئذ يسبّح الرب علانيةً بقوله: ’’أسبحك يا ربي مع جميع قديسيك‘‘ (مز150: 1).[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد ذلك يقودونه إلى موضع راحته الذي عيّنه له الرب حسب قياس أعماله التي أكملها، وفي اللحظة التي تكون فيها النفس على وشك أن تُقدَّم للرب، فإنه يُخوَّل لها أن تقترب أو أن تبقى على بُعد، حسب استحقاق أعمالها الصالحة التي حققتها على الأرض. لأن أيَّ مَنْ استحق الحياة الأبدية لا شك أنه يرنم أيضًا ويسبح الرب قبل أن يدخل موضع الراحة الذي أعدّه له الرب. وهناك البعض ممن يرون الله ويسبحونه بفضل نقاوة قلوبهم قائلين: ’’طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله‘‘ (مت5: 8)، لأن كل مَنْ كان مهملاً في أعماله لا يستحق أن يرى الله في مجد ألوهيته، لأن نقاوة قلبه ليست كاملة. ومع ذلك، فإن كان لا يستحق مجرد الحياة فإنه يرى جسد ابن الله، أي بشريته، التي هي واحد مع لاهوته الكائن فيها بغير انفصال.[/FONT]
[FONT=&quot]وحسب استحقاق كل ميت منتقل، يأتي القديسون نحو الذين عملوا مسرّة الله الصالحة ليقابلوهم بتوقير وتكريم حسب أمر الرب. فيأتون إلى البعض منهم حتى باب الحياة ويعانقونهم، بينما يأتون للآخرين إلى مسافة تتناسب مع استحقاقهم. وآخرون يَدَعونهم يقتربون منهم قبل أن يقوموا ويعانقوهم. وآخرون أيضًا ليس لهم حتى الجدارة الكافية لأن يعانقهم القديسون، فإنهم يرثون الحياة وحسب بقدر قياس قامتهم. ويلبس الصدّيقون، وهم آتون لاستقبالهم، أكاليل أكثر لمعانًا من التي حصل عليها الشخص في معارك الأرض التي حارب فيها ضد الشرير، باستثناء إكليل البر الذي سيناله في يوم القيامة من الله الديان العادل كما يقول الرسول بولس (2تي4: 8). وعندما تدنو نفس الصدّيق من باب الحياة، فإن الرب يضع في فمه كلمات داود النبي لكي يردّدها قائلاً: «افتحوا لي أبواب البر لكي أدخل فيها وأمجد الرب» (مز118: 19). فيجيب الملاك الذي يحرس باب الحياة قائلاً: «هذا هو باب الرب، والأبرار يدخلون فيه» (مز118: 20). فإذا كانت هذه النفوس لأناس كانوا تلاميذ لرجال كاملين، فإن الملائكة المصاحبين لهم يهتفون لدى وصولهم عند الباب كما جاء في إشعياء النبي: «افتحوا الأبواب ليدخل الشعب الذي حفظ البر والأمانة والسلام، لأنهم عليك توكلوا أيها الرب» (إش26: 2و3 حسب النص).[/FONT]
[FONT=&quot]رأى أبونا باخوميوس هذه الرؤيا العظيمة في دير منخوسين قبل موت أخ موعوظ عُمِّد سرًا (بواسطة الملائكة). وبعد أن رأى كيف يترك البار الجسد، طلب أيضًا أن يعرف كيف تخرج نفس الخاطئ من الجسد، فقال له الملاك: ”سيعطيك الرب كل رغبتك: إذا كانت نفسًا قد سلكت حياة شريرة، فإن ملاكين عديمي الرحمة يأتيان لإحضارها في وقت افتقادها. وعند لحظة الموت، عندما يفقد الإنسان الوعي بكل أحد، يقف أحد الملائكة القساة عند رأسه والآخر عند قدميه، ثم يبدأون في جَلده إلى أن تصبح نفسه التعسة على وشك الانطلاق. ثم يدفعون في فمه صنّارة مثل صنّارة السمك، وينتزعون تلك النفس التعسة من جسدها انتزاعًا. وهي تكون مظلمة قاتمة. ثم يربطونها في ذيل حصان روحي، لأن النفس أيضًا روحية، وهكذا يأخذونها خارجًا ويطرحونها في العذاب أو في أسفل الجحيم حسب استحقاق أعمالها“.[/FONT]
[FONT=&quot]”وفي الحقيقة، يوجد أيضًا رجال صالحون كثيرون جازوا في هذه المعاناة خلال مرضهم الأخير وفي اللحظة التي كانوا يلفظون فيها النفس الأخير. والسبب في ذلك هو أنهم يشبهون اللحم الذي يحتاج إلى أن يُطبَخ لفترة أطول قليلاً قبل أن يؤكل. فهو نفس الوضع مع المؤمنين الذين يُجرَّبون بشدة في آخر أيامهم قبل موتهم لكي يصيروا أنقياء من كل شائبة أمام الرب. ونحن نعرف بالمثل أن بعض الرجال القديسين قد وُضع عليهم أن يتألموا في وقت موتهم مثل القديس اسطفانوس وجميع الشهداء وأيوب الصديق وداود النبي وكثيرين آخرين من الرجال القديسين، تحمّلوا آلامًا شديدة ومحنًا في مجرى حياتهم، وبعضهم عندما كان على فراش الموت. وفي الحقيقة إن الكثير من الخطاة ماتوا في هدوء دون أن يجتازوا آلامًا في هذا العالم بسبب المحن والعذابات التي تنتظرهم، كما هو مكتوب: «الشرير أيضًا (حُفظ) ليوم الشر» (أم16: 4). هذا هو سبب قول الجامعة عندما رأى هذا النوع من الناس: «حادثة واحدة للصديق وللشرير للطاهر وللنجس للصالح وللطالح» (جا2: 9 حسب النص). وقد رأينا مخلصنا رب الكل معلَّقًا على الصليب بين لصين، واحد عن يمينه والآخر عن يساره والرب في الوسط“.[/FONT]
[FONT=&quot]هذه الأمور كلها لُقِّنت لأبينا باخوميوس وهو في دير "منخوسين"، وكان سعيدًا جدًا لكون الأخ الموعوظ قد دخل موضع الراحة مع رجال الرب القديسين. ولما حُمل ذلك الأخ إلى الجبل لكي يُدفَن بجانب الإخوة، ذهب أبونا باخوميوس مسرعًا نحو الجنوب إلى بافو مع أبّا تادرس، شاكرًا الرب على ما رآه[FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان الأب باخوميوس يصلّي[FONT=&quot] يومًا ما بمفرده حلّ عليه دهَش، وكان جميع الإخوة في المجمع، وكان الرب جالسًا على عرش مرتفع ويتكلم معهم عن أمثال الإنجيل المقدس. وفي الرؤية التي عاينها في ذلك اليوم أمكنه أن يسمع الكلمات التي قالها الرب وتفسيرها بينما كان الرب ينطقها بفمه. ومنذ ذلك اليوم، عندما كان الأب باخوميوس يريد أن يخاطب الإخوة بكلمة الله كان يخلي المكان الذي رأى فيه الرب جالسًا وهو يخاطب الإخوة. وإذا كرر الكلام مع تفسيره الذي سمعه من فم الرب، كانت تخرج أنوار عظيمة تلمع متوهجة، وكان جميع الإخوة يشعرون بالخوف والفزع بسبب كلام أبينا باخوميوس التي كانت تشبه أضواءً متوهجة خارجةً من فمه[/FONT][FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]رؤية لعقوبات الخطاة بعد الموت:[/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[FONT=&quot] حُمل الأب باخوميوس بأمر من الرب لكي يتأمل في العقوبات والعذابات التي يخضع لها أبناء البشر. وهل حُمل وهو في الجسد أم خارج الجسد؟ الله يعلم. وهناك رأى أنهارًا وقنوات وخنادق مليئة بالنار كانت نفوس الخطاة تتعذّب فيها. وبينما كان سائرًا مع الملاك يتأمل في العذابات رأى الذين كان يسير فوقهم وهم يتألمون أكثر من الذين رآهم في البداية. لقد سُلِّموا لمعذِّبين منظرهم مخيف جدًا ويحملون سياطًا نارية في أيديهم. وإذا رفع بعض من المعذَّبين رؤوسهم فوق النار كانوا يجلدونهم بقسوة ويدفعونهم إلى أعماق النار. وكانوا يتنهدون بيأس وهم غير قادرين على الصراخ بسبب إرهاقهم وبسبب الطريقة التي يتألمون بها من العذابات العديدة الشديدة التي تحلّ بهم. والنفوس التي تُعذَّب كانت كثيرة جدًا بل إن عددها لا يُحصَى![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كما أنه رأى آبارًا وينابيع ممتلئةً بالنار تشتعل وتحرق بعنف أكثر. وتطلّع فرأى في كل ينبوع نفسًا واحدةً فقط. وتلك النفس التي لها منظر الجسد الذي كانت ترتديه في العالم كانت كلتا قدميها موضوعتين على أحد جانبي الينبوع. وكانت النار تلتهم الأعضاء التي لطّخت نفسها في العالم عضوًا بعد الآخر. ولما تطلّع بانتباه في إحدى الينابيع تعرّف على الشخص الذي كان يتعذّب فيها، فقد كان هو أحد الذين كان معروفًا في العالم، والذي يسميه الكتاب المقدس "متخنثًا".[/FONT]
[FONT=&quot]كما أنه رأى رهبانًا يخضعون للعقاب في ذلك المكان، وسأل الملاك الذي كان يمشي معه: ”ما هو الشر الذي صنعه هؤلاء لكي يأتوا إلى هنا“؟ فأجاب الملاك: ”هؤلاء الذين تراهم أنقياء حسب الجسد، ولكنهم كانوا متراخين يطوفون في أماكن يعيش فيها إخوة نسّاك، ويتكلمون بالشر عن إخوة آخرين يعيشون بالقرب ممن يزورونهم، حيث يعلمون أنهم ليسوا على علاقة جيدة مع النسّاك، ويظنون أنهم يجدون منهم استحسانًا بسبب افتراءاتهم، وبذلك يحصلون منهم على طعام وشراب. وعندما يذهبون إلى أماكن أخرى يتكلمون بالشر عن الذين كانوا يتملقونهم في مسامع الذين افتروا عليهم، وذلك أيضًا لكي يُحسن هؤلاء استقبالهم. وبسبب افتراءاتهم أُلقيَ بهم في تلك العذابات القاسية التي لن تتوقف“![/FONT]
[FONT=&quot]وكان المعذِّبون ممتلئين فرحًا كما يفرح الوكيل برؤية ثروة سيده تزداد، لأن قلوبهم خالية من الشفقة فلا يشعرون بالأسى على الأشرار الذين يعذبونهم. وإذا توسل هؤلاء إليهم أن يشفقوا عليهم يمتلئون بالغضب عليهم ويعذِّبونهم أكثر بعذابات أشدّ! وعندما تأتي إليهم نفوس جديدة يفرحون كمن حصل على ربح عظيم، ويشعرون بالسعادة لسقوط الأشرار![/FONT]
[FONT=&quot]وبينما كان الأب باخوميوس يتطلّع إلى العقوبات مع الملاك المرافق له قال له: ”تعالَ يا باخوميوس لأُريك تلك العذابات الشديدة الأخرى“. فاندهش من طبيعة هؤلاء المعذِّبين العديمي الشفقة وهم فرحون بمثل تلك العذابات الشريرة. أما هو فقد كان حزينًا جدًا من منظر الآلام التي كانت النفوس التعيسة تقاسيها في تلك العذابات.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما تقدّم قليلاً رأى حشدًا من النفوس التي لا حصر لها من جميع الأعمار يستحثهم المعذِِّبون العديمو الشفقة. فسأل مرةً أخرى الملاك المرافق له عن هوية تلك النفوس، فقال له: ”هذه هي نفوس الخطاة الذين ماتوا اليوم في أنحاء العالم، وقد أُفرزوا للعقاب حسبما يستحقون“. ولما تقدّم مرةً أخرى نحو الغرب مع الملاك المرافق له، نظر إلى أسفل فرأى فتحةً في بوابة جهنم. ورأى أن جهنم عميقةً جدًا ومظلمةً وتنبعث منها حرارة مثل الأتون، وهذا المكان هو السجن الذي عندما يُؤتى بالناس إليه يُلقون فيه بعنف ويصرخ كلٌّ منهم بصوت عالٍ قائلاً: «الويل لي لعدم معرفتي لله الذي خلقني حتى أخلص»! وبعد ذلك لا يستطيعون الكلام البتة بسبب الحرارة وغشاوة الضباب الكثيف. ولا يعودون يتعرّفون بعضهم على الآخر فيما بعد بسبب الظلمة والمحن التي تستحوذ عليهم.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما تقدّم القديس نحو الجنوب الغربي رأى هناك عقوبات بشعة أخرى من نفس النوع الذي رآه سابقًا ناحية الشمال والتي تُعاقَب بها النفوس. كما أنه رأى بيتًا كبيرًا من الحجر شاهق الطول والعرض والارتفاع، وكان مليئًا بالنار. وقد أُلقي فيه جميع الشباب الذين لطّخوا أجسادهم في هذا العالم بالنجاسة بدون معرفة والديهم، ولذلك فإنهم يُقاسون تلك العذابات العنيفة بسبب شرهم ونجاساتهم الآثمة أمام الله والناس.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما انتهى الملاك من أن يُظهر للأب باخوميوس جميع العقوبات والعذابات التي أمر بها الرب، أشار عليه بطريقة ملحّة قائلاً: ”اشهد يا باخوميوس للإخوة بكل ما رأيت لكيما يصارعوا حتى لا يسقطوا في مثل تلك العقوبات البشعة. لقد أرسلني الله إليك لكي أُظهر لك كل هذه، فاشهد بها أنت بدورك للإخوة وللعالم كله حتى يتوبوا ويخلصوا“. ومن ذلك اليوم فصاعدًا، عندما كان أبونا باخوميوس يجمع الإخوة لتوجيههم؛ كان يكلمهم أولاً من الأسفار المقدسة لأنها هي الشيء الرئيسي وأنفاس الله، ثم يخبرهم عن جميع العقوبات التي رآها والعذابات التي رُسمت للخطاة والتي وجّهه إليها الملاك من قبل الرب، وذلك لكي تكون عندهم مخافة الله ويتجنبوا الخطية والسقوط في مثل تلك العقوبات والعذابات[FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ذات يوم أخبر الأب باخوميوس الإخوة[FONT=&quot] بأمر هو نوع من الرؤى قائلاً: ”رأيتُ مرةً موضعًا كبيرًا به أعمدة كثيرة. وكان في الموضع أناس كثيرون لا يقدرون أن يروا طريقهم، والبعض منهم كانوا يدورون حول الأعمدة ظانين أنهم قطعوا مسافة طويلة نحو النور. وكان صوتٌ من ناحية: "انظروا هوذا النور ههنا"! فكانوا يرجعون لعلهم يجدون النور. وإذ يسمعون الصوت ثانيةً يعودون مرةً أخرى من حيث بدأوا. وهكذا كان شقاؤهم شديدًا. ثم رأيتُ مصباحًا يتقدّم ورجالاً كثيرين يتبعون. وكان أربعة رجال منهم فقط هم الذين ينظرون المصباح، أما الباقون فكانوا يتبعونهم ممسكين كل واحد بكتف قريبه لئلاّ يتوهوا في الظلام. وكان إذا ترك أي واحد منهم الذي قدّامه يفلت من يده يضلّ طريقه هو والذين يتبعونه. وإذ لاحظتُ اثنين منهم قد تخلّوا عن الذي يتقدمهم، صحتُ فيهم قائلاً: ’تمسّكوا بهم لئلاّ تهلكوا أنتم والآخرين‘. أما الذين تبعوا المصباح مسترشدين به، فقد صعدوا من نافذة إلى هذا النور“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقد أخبر القديس بعض الإخوة بهذه الأمور على انفراد. وبعد زمان طويل سمعناها منهم أن الذي أظهر له هذه الرؤية أخبره بتفسيرها وهو كالآتي: هذا العالم هو الموضع المظلم بسبب الخطية والاهتمامات الباطلة التي تظلمه، والذين هناك هم النفوس التي بلا معرفة، والأصوات التي تصيح قائلةً: ”النور هنا بجوارنا“ هم الهراطقة والذين يسببون الانقسامات، وكل واحد منهم يقول إن رأينا هو الصحيح. والأعمدة التي يدورون حولها هي أصحاب الآراء الخاطئة الذين يثق فيهم البسطاء لأنهم يقولون إنهم هم الذين ينقذون من المضلِّلين. والإخوة الذين يوضحون الطريق هم جميع الذين يحبون الرب ويسلكون بالإيمان الصحيح حيث إنهم جميعًا واحدٌ في المسيح (غل3: 28).[/FONT]
[FONT=&quot]كما علم القديس أيضًا أن الإخوة الذين يصرفون نظرهم عن تمسُّكهم بالأساقفة ذوي الإيمان الصحيح بالمسيح، ولكنهم يعيشون في شركة مع الهراطقة ويُضلّون كثيرين من الذين يعلّمونهم ولا سيما الذين لا يعرفون أي خبث، فإنهم يتجاهلون الذين يسلكون حسنًا ويسببون عثرةً لكثيرين كما هو مكتوب: «ويلٌ لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة» (مت18: 7). أما المصباح الذي يقود الإخوة فهو الإنجيل والإيمان بالحق الإلهي. حقًا إن الذي يُخدَع من ذاته ومن أهوائه فهو ليس بنقي كما هو مكتوب: «الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلاّ تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله» (2كو4: 4)، ولذلك أيضًا فإن هذا الضوء قليل، لأنه مكتوبٌ عن ملكوت السماء أنه «يُشبه حبّة خردل ... وهي أصغر جميع البذور» (مت13: 31و32). أما فيض النور الآتي من الأعالي، فهو كما قال الرسول: «إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف4: 13).[/FONT]
[FONT=&quot]ولما رأى أبونا باخوميوس ذلك، استدعى الإخوة الذين رآهم في رؤيته يصرفون نظرهم عن ثباتهم، ونصحهم أن يجاهدوا بمخافة الرب لأجل حياتهم. ولما انصرفوا من عنده لم يهتموا بالتخلُّص من تهاونهم وازدرائهم، بل بالعكس فقد استمروا في موقفهم السابق حتى صاروا غرباء عن إخوتهم وعن حياة الرب يسوع الأبدية[FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان أنبا باخوميوس يصلّي[FONT=&quot] في أحد الأيام كُشف له في رؤية بخصوص الذين انحرفوا عن ثباتهم وصاروا زوانًا كما هو مكتوب: «الزوان هو بنو الشرير» (مت13: 38)، أي الذين ينجسون صورة الله. فلم يتوانَ القديس عن فصل مثل هؤلاء عن الحنطة الجيدة، لأنه علم أن قمعهم يمهِّد السبيل إلى تقدُّم الذين يسلكون باستقامة. وعندما وجد أن الأخ الذي خدعه ابن الشيطان كان صغير السن، أراد أن يعمل على شفاء تلك النفس. كما أنه عندما وجد أن واحدًا كان قد سقط في خطية، وأنه أراد أن يتوب، أراد القديس أن يُسرع برحمته لإنقاذه من قبضة الشيطان وهو يذكر وصية الرسول: «أيها الإخوة، إن انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلاّ تُجرَّب أنت أيضًا» (غل6: 1).[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وأراد القديس أن يجرِّد الذين علم أنهم صاروا أبناءً للشيطان من الزي الرهباني، ويُلبسهم ملابس دنيوية ويفصلهم من وسط الإخوة. وبفضل روح الله الذي سكن فيه، فإنه قبل أن يحقق هؤلاء رغبات قلوبهم التي كانوا يشتهونها، كثيرًا ما علم هو بذلك، وأراد أن يسألهم بإسهاب حتى يعترفوا بأفواههم بما كانوا يضمرون في قلوبهم أن يفعلوه، وحينئذ كان يفصلهم من وسط الإخوة[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بعض رحلات للأب باخوميوس إلى السماء:[/FONT]
[FONT=&quot]مرض أنبا باخوميوس مرةً[FONT=&quot] وتألّم كثيرًا جدًا حتى إن الذين أُرسلوا ليجيئوا به أخذوا روحه ومات وأُخذ إلى الدهر الآخر. ولكنه بينما كان يقترب من باب الحياة صدر أمرٌ من الله بإعادته إلى جسده مرةً أخرى. فحزن لما علم بذلك لأنه لم يرغب أن يعود. حقًا إنه رأى أن نور ذلك المجال رائع وله جمال لا يوصَف بسبب بهائه. وبينما كان حزينًا جاء واحدٌ كان واقفًا عند الباب يحرسه، فالتفت نحوه وتأمله، فكان وجهه يلمع كصورة عظيمة في بهائها، وكانت هيئة جسده كلها نور. فقال له ذاك الإنسان: ”اذهب يا بُنيَّ، عُدْ إلى جسدك لأنه ما زال أمامك أن تحتمل قليلاً من الاستشهاد في العالم“. فلما سمع ذلك فرح جدًا لأنه كان يشتهي جدًا أن يصير شهيدًا لأجل الرب. وقد عرّفه الملائكة الذين فرحوا معه أن هذا الإنسان الذي تكلم معه هو ق. بولس الرسول.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما جاءوا به إلى جسده المسجّى تعرّفت النفس على جسدها الميت. ولما اقتربت النفس من الجسد انفتحت لها كل الأعضاء سرًّا، فاتخذت النفس وضعها من جديد وعاش الجسد. وحينما أُخذت نفس القديس كان الأخ الذي معه نائمًا.[/FONT]
[FONT=&quot]وقد أُخذ الأب باخوميوس بعد ذلك إلى الفردوس مرات عديدة أخرى، وكيف حدث ذلك؟ الله يعلم كما يقول الرسول: «أفي الجسد لستُ أعلم، أم خارج الجسد لستُ أعلم، الله يعلم ... وسمع كلمات لا يُنطَق بها ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها» (2كو12: 2و4). وقد رأى الأب باخوميوس مدن القديسين التي لا يمكن وصف بنائها ومعالمها، والأشياء الصالحة التي أعدّها الرب للذين يحبونه. وقد ذكّرته تلك المدن بقول الرب في الإنجيل مخاطبًا العبيد الذين ربحت وزناتهم عشر وزنات وخمس وزنات أُخر: «ادخل إلى فرح سيدك» (مت25: 21)، كما قال للذي ربح عشرة أمناء: «فليكن لك سلطان على عشر مدن»، وقال للذي ربح خمسة أمناء: «وكُن أنت على خمس مدن» (لو19: 16-19).[/FONT]
[FONT=&quot]والمناخ في ذلك الدهر مستقرٌ تمامًا، وسطحه ليس له حدود. وأشجار الفاكهة والكروم هناك تُعطي طعامًا روحيًا لا يفسد، حتى إن ثمار أشجار دهرنا هذا تبدو بلا قيمة وجديرة بالازدراء إذا قورنت بها. ولا تخلو أي شجرة أو نبات في الفردوس من الثمار الوفيرة ذات الرائحة النفّاذة. ولا يمكن لإنسان أن يحتمل هذه الرائحة العبقة دون أن يُغشِى عليه إن لم يعطِه الرب نعمةً! وذلك الدهر هو فوق هذه الأرض وخارج حدود الجلد. وتلك الأرض بعيدة جدًا فوق الجبال. والأنوار التي تُضيء الأرض في الجلد ليست هي التي تُضيء ذلك الدهر، بل الرب هو نورها كما يقول إشعياء النبي: «لا تكون لك بعد الشمس نورًا في النهار ولا القمر يُنير لك مضيئًا، بل الرب يكون لك نورًا أبديًا» (إش60: 19). فليس في ذلك الدهر نهار وليل، ولكنه يُضيء بنور وافر لا ينقطع. وحدوده عظيمة جدًا حتى إن هذا العالم لا يساوي شيئًا إذا قورن به.[/FONT]
[FONT=&quot]وخارج الفردوس بمسافة قصيرة توجد أشجار مثمرة وكروم كثيرة تشبه تمامًا أشجار هذا العالم. فلما رآها الأب باخوميوس فكّر في نفسه قائلاً: ”ربما أخذ نوح بعضًا منها وزرع الأرض ثانيةً بعد الطوفان“. فقد كان يفكر في المكتوب في سفر التكوين أنه بعد أن خرج نوح وبنوه من الفلك: «ابتدأ نوح يكون فلاّحًا وغرس كرمًا» (تك9: 20). وذلك الدهر أيضًا محاطٌ بظلمة كثيفة وعظيمة مليئة بالحشرات الدقيقة جدًا حتى إنه لا يمكن لأحد أن يجتاز إلى هناك إن لم يقُده ملاك الله[FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]تذكّر أنبا باخوميوس[FONT=&quot] ما كان قد أبصره في الرؤيا التي تقبّلها من الرب يوم أن وُجِّه بأن يصير مسيحيًا، وكيف أنه رأى في ذلك الاستعلان ندى السماء هابطًا عليه متكثّفًا في يده حتى صار قرصًا من العسل ثم تساقط على الأرض (انظر القول [/FONT]G 1, 5[FONT=&quot]). وقيل له في الرؤيا: "انتبه لذلك لأنه سوف يتم فيك بعد وقت". وبعد ذلك أعلمه الروح أن "قرص العسل الذي تكثّف في يدك ثم تساقط على الأرض، إنما يمثل جميع المواهب التي حلّت عليك من الرب، وستحل أيضًا على إخوتك الذين تمثلهم الأرض عندما يولَدون ثانيةً ويغتسلون من كل كبرياء وغرور. فحقًا إن كل من ينقّي قلبه تمامًا من كل فكر شرير ينال الإفراز بين الخير والشر"[/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث لما غلب البربر الروم[FONT=&quot] في الحرب أن سكان البلاد البحرية هربوا من قدامهم. وكان أبونا باخوميوس يطلب من الرب من أجل رباط الشركة واجتماع الإخوة لئلاّ يحدث لهم تشتيت. فلم يكشف له الرب شيئًا عن هذا الأمر. فلما رأى ذلك فعل بحسب ما لديه من معرفة، إذ أرسل معظم الإخوة إلى مواضع الشركة البحرية التابعة للشركة الكبيرة، وأقام هو في المجامع التي هم فيها ومعه الإخوة ذوو القدرة. وكان دائمًا يطلب من الرب أن يرشده فيما يفعله. ثم دعا تادرس وأعطاه الكتب التي يقرأ فيها الإخوة لكي يذهب بها إلى موضع إخوة الشركة البحرية حيث ذهب الإخوة.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وسأل أبّا تادرس معلمه: ”أما علمتَ من الرب بخصوص هذا الأمر حتى لا نكون في عناء“؟ فقال له: ”هل نحن أفضل من داود النبي، الذي شهد الكتاب المقدس أن الرب كان معه في كل ما كان يفعل، أرسل "حوشاي" قائلاً: «اذهب إلى أبشالوم لكي تُبطل مشورة أخيتوفل» (انظر 2صم15: 34). وأيّة مشورة أرسلها على يد يوناثان وزميله ابني الكهنة؟ وأيضًا كان يقول: «حمِّق يا رب مشورة أخيتوفل» (2صم15: 31). أترى لم يجد الرب ملاكًا لكي يُرسله إليه لكي يعرِّفه كمال الشيء حتى يُرسل حوشاي ليُبطل رأيه؟ قلتُ لك ذلك لكي تعرف كيفية عمل الرب مع عبيده في كل حين، أنه كثيرًا ما يكشف لهم في الحال ما يسألون عنه، وكثيرًا ما يُخفي عنهم ولا يُخبرهم“.[/FONT]
[FONT=&quot]ثم صلّى الأب باخوميوس، وإذ بملاك الرب ظهر له قائلاً: ”ماذا تنذر أن تعطي كعمل رحمة إذا هدّأ الرب الغضب ورد البربر على أعقابهم“؟ فقال: ”إني أرسل إلى كنيسة المدينة التي خرّبها البربر مائة أردب قمح وكتبًا وأشياء أخرى مما يحتاجون إليه“. ولما سمع ذلك من الملاك أخبر الإخوة بما استُعلن له قبل أن يحدث، وهكذا في الغد هُزم البربر واندحروا ورجعوا إلى خلف كما قال له الملاك[FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] SBO, 81.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] G 1, 93; SBO, 82, 83.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] G 1, 93b; SBO, 82.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] SBO, 86.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] SBO, 88.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] G 1, 102; SBO, 103.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] SBO, 106.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] SBO, 114.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] S 10: 5.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] S 10: 6;[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]باخوم عربي[/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]قال أنبا باخوم[FONT=&quot] إنه التقى يومًا ما في الطريق ميتًا كانوا سائرين به، وإنه رأى ملاكين كانا يسيران خلف المحفّة. وإذ كان محتارًا في أمرهما صلّى طالبًا من الله أن يكشف له ذلك. ثم جاء إليه الملاكان فقال لهما: ”لماذا أيها الملاكان تتبعان الميت“؟ فقالا له: ”واحدٌ منا هو ملاك يوم الأربعاء والآخر هو ملاك يوم الجمعة، فإن هذا الإنسان لم يكفّ حتى نهاية أيامه عن الصوم يومي الأربعاء والجمعة، ولهذا السبب نحن نرافق جثمانه. لقد كان يُراعي الصوم حتى موته، ولذلك فإننا نكرمه لأجل المشقة التي كرّس نفسه لها في الرب“[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]الأب تادرس الإسكندري:[/FONT]
[FONT=&quot]وصلت شهرة أبينا باخوميوس ومحبته[FONT=&quot] إلى خارج مصر وبين الرومان، وجاء بعض منهم ليصيروا رهبانًا معه. وعاملهم معاملةً حسنة «كما تربي المرضعة أولادها» (1تس2: 7). وكان في الإسكندرية شابٌ يُدعَى "تادرس"، كان وثنيًا واعتنى والداه بتنشئته، ثم حركه روح الله ليصير مسيحيًا. ثم عزم في قلبه قائلاً: ”إذا قادني الرب لأصير مسيحيًا سأصبح راهبًا وأحفظ جسدي بلا دنس إلى أن يفتقدني الرب“. ثم عمّده البابا أثناسيوس وعيّنه قارئًا ورتّب له مسكنًا في كنيسة الإسكندرية حيث أخضع نفسه للنسك، وامتنع عن مقابلة النساء. وكان يجاهد ألاّ يدع عينيه تجولان بين الناس تنفيذًا لكلام الإنجيل: «كل مَنْ ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه» (مت5: 28). فقد سلك طريقًا عظيمًا إذ كان بالقرب من ينبوع الماء الحي أي القديس أثناسيوس.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أن قضى بعض الوقت قارئًا في كنيسة الإسكندرية، لم يجد راحة مع بعض الذين كانوا حوله، فتوسل بدموع لله قائلاً: ”يا رب، أرني إنسانًا يسلك حياةً تتفق مع إرادتك المقدسة لكي أذهب إليه وأعرفك جيدًا بواسطته“. ثم سمع بعض الرهبان يرتلون تسابيح "الكينونيا" التي أسسها الله بواسطة أبينا باخوميوس. فتوسل إلى الله أن يجعله مستحقًا لرؤية خادمه القديس هذا والحياة معه. ولما أرسل الأب باخوميوس بعض الإخوة إلى الإسكندرية رآهم تادرس وهم يتكلمون مع البابا الذي كان يسألهم عن الأب باخوميوس ففرح جدًا وقال لهم: ”إنني أرغب أن أذهب معكم إلى رجل الله وأنال بركته“. ثم أخذ تصريحًا من رئيس الأساقفة أن يأخذوه معهم. وقد كان تقيًا ومطيعًا كأحد خراف الرب. فلما ذهب قبله الأب باخوميوس وعانقه، وبالأخص لأن البابا كتب له بخصوصه. ثم رتب سُكناه مع أخ شيخ يعرف اللغة اليونانية لكي يشجعه، وحتى يتمكن أيضًا من فهم لغة الصعيد. وقد أظهر تقدُّمًا عظيمًا في جهاد النسك ونموًا في كل عمل صالح.[/FONT]
[FONT=&quot]أما عن أرثوذكسيته فكانت ظاهرة، لأنه كان يرتوي من ينبوع الحياة الأبدية لكي يأتي بالثمار، ولقربه من الجزيل القداسة أثناسيوس، فإن الذي يجلس على ذلك الكرسي لا يكون فيه وحده، بل ذاك الذي قال إنه إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه فهناك يكون في وسطهم، أي المسيح ابن الله الحي أساس الكنيسة ومؤسسها.[/FONT]
[FONT=&quot]وذات يوم سأله أبونا باخوميوس، بمساعدة المترجم، عن إيمان الذين يعيشون في الإسكندرية كمتوحدين وعن نسكهم، فأجاب: ”إنهم، بفضل صلواتكم، ثابتون في الإيمان الأرثوذكسي لكنيسة المسيح الجامعة ولا يقدر أحد أن يزعزعهم فيه. أما عن طعامهم فهو متوفر ويسلكون حسب المكتوب أنها: «أطعمة قد خلقها الله لتُتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق» (1تي4: 3)“. فقال أنبا باخوميوس: ”هل يمكنهم أن يأكلوا ويشربوا بلا حساب ويحفظوا طهارتهم“؟ فأجاب أبّا تادرس: ”طهارتهم عظيمة ومعرفتهم متكافئة مع كل واحد. فضرب أنبا باخوميوس الأرض بعصاته قائلاً: إذا رُويت هذه الأرض وسُبِّخت ألا تُعطي نباتًا؟ هكذا الجسد، إذا رفّهناه بكثرة الطعام والشراب لا يمكن أن يحتفظ بطهارته لأنه مكتوب: «الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات» (غل5: 24)“. فارتبك تادرس لما سمع ذلك.[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد وقت لما ذهب الإخوة إلى الإسكندرية كعادتهم ورجعوا سألهم أبّا تادرس الإسكندري عن إخوة معينين يعيشون كمتوحدين هناك، فأبلغوه أن بعضهم قد أُمسكوا متلبسين بنجاسات، وآخرين لهم سمعة رديئة بسبب سلوكهم الرديء. فلما سمع أبّا تادرس ذلك اندهش مما سمعه من الأب باخوميوس. فانحنى إلى الأرض وقبّل قدميه من شدةّ إعجابه بالمعرفة الإلهية التي فيه، ومن الطريقة التي تنبّأ بها، بمثال الأرض التي تُروَى وتُسبَّخ، عن استحالة الطهارة مع الإسراف في الأكل والشرب[FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أحب الأب باخوميوس تادرس هذا[FONT=&quot] لحُسن تحمُّله للحياة، وبنعمة الله عمل كل ما في وسعه ليتعلّم اللغة اليونانية لكي يقدِّم له العزاء على الدوام، ولكي يعظ الإخوة الغرباء من الكتب المقدسة. ولما رأى أبونا باخوميوس أن أبّا تادرس الإسكندري قد أحرز تقدُّمًا في المعرفة الإلهية عيّنه مشرفًا على الغرباء الذين كانوا يجيئون إلى الرهبنة (ويُرجَّح أن ذلك كان سنة 333م) وكان يلقّن أبّا تادرس هذا طريقة تدبير الإخوة الإسكندريين الذين أقامه مدبِّرًا لهم تحت مسئوليته والإخوة الأجانب الذين جاءوا بعده. فكان بيته ممتلئًا من التقوى.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وكان الأب باخوميوس يشترك معه في أعمال كثيرة لكي يدرِّبه على قيادة الناس. وكان يقول له: ”إنه لشيء عظيم! فإذا رأيتَ أخًا من بيتك مهملاً لخلاصه، عظه بطول أناة على انفراد، فإذا غضب اتركه إلى أن يحركه الله للتوبة. وذلك كما إذا أراد إنسان أن يُخرج شوكةً من قدم إنسان آخر، فإنه يحفر حولها، فإذا نزفت وآلمته فإنه من الأفضل أن يتركها ويضع فوقها مرهمًا مرطبًا أو ما أشبه، وهكذا بعد أيام قليلة تخرج هي من ذاتها بسهولة. فالإنسان الذي يغضب حتى ممن يراجعه، فسيحصل فيما بعد على فائدة أعظم من (مثابرة) الذي يعلّمه بحسب الناموس“.[/FONT]
[FONT=&quot]”أما إذا كان الخطأ كبيرًا فأَبلغنا به ونحن نتصرف بحسب مشيئة الرب الرحيم. واهتم أيضًا بالمرضى كما بنفسك. وكُن متعففًا واحمل الصليب أكثر منهم بما أنك في مرتبة الأب. وكُن أنت أول مَنْ يحفظ قوانين الإخوة لكيما يحفظوها هم أيضًا. وبعد ذلك إذا صادفك أمر بخلاف ذلك يحتاج منك إلى قرار ولا تعرف ماذا تفعل فاخبرني به، وبنعمة الله سنحاول معًا أن نجد الحل السليم لكل مشكلة“.[/FONT]
[FONT=&quot]وكان كلما أعطى باخوميوس تعاليم للإخوة يقوم أبّا تادرس بترجمتها للذين لا يعرفون اللغة القبطية. وخدم كمدبِّر لأحد البيوت مدة ثلاث عشرة سنة قبل نياحة أنبا باخوميوس، وكان باكورة الثمار الروحية لهذا البيت من الإسكندريين هم: أوسونيوس الكبير وأوسونيوس آخر وصبي يُدعَى "نيون". وبين الروميين كان هناك حاملو الإله "فيرموس" و"روميللوس" و"دمنينوس" و"أرمينوس" وقديسون آخرون. وبعضهم عرف الأب الكبير وهو في الجسد وبعضهم لم يعرفه[FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[FONT=&quot] عند خروج الإخوة من مائدة الطعام، وبينما كانوا يأخذون ما يسمونه "جذور اللوتس" عند الباب كما هي عادتهم، جاء الأب باخوميوس ليأخذ نصيبه. وفيما هو منصرفٌ إلى مسكنه تبعه أبّا تادرس الإسكندراني بعد أن أخذ نصيبه هو أيضًا. ولما جاءا إلى المسكن وجلسا سأله أبّا تادرس قائلاً: ”سمعتُ عن الأب كرنيليوس أنه ضابطٌ لنفسه جدًا، وأنه أثناء صلوات المجمع لا يدع عقله يطوف متشتِّتًا. وفي نفس الوقت حاولتُ أنا أيضًا باهتمام شديد أن أحفظ عقلي بلا تشتُّت، وبالكاد استطعتُ أن أتلو ثلاث صلوات وأنا ضابطٌ لأفكاري. فكيف يمكنني أن أنصت لكلام الله وأصلّي بدون تشتُّت“؟[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فقال له الأب باخوميوس: ”إذا رأى عبدٌ بحسب الجسد إنسانًا حرًّا ولو كان فقيرًا فإنه يتمنى الحرية. وإذا رأى مسكينٌ رئيسًا فإنه يريد أن يكون رئيسًا. والرئيس إذا رأى ملكًا فإنه يودّ جدًا أن يصير ملكًا. أما عن كرنيليوس فقد جاهد كثيرًا وبنعمة الله وُهب له ذلك. فاعمل أنت مثله واقتدِ بإيمانه فتأخذ بحسب استحقاقك“[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أحاديث وإرشادات لأنبا باخوميوس:[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أنبا باخوم يعلّم أولاده[FONT=&quot] أنه إلى جانب الأشفية الجسدية الظاهرة توجد أشفية روحية. فإن كان إنسان أعمى البصيرة، وبسبب عبادته للأصنام لا يرى نور الله، ثم يُقتاد إلى الإيمان بالرب ليرى الإله الحقيقي وحده مرةً أخرى ويعرفه، ألا يكون هذا شفاءً وخلاصًا؟ وإن كان إنسان ثقيل اللسان بسبب الكذب وعدم النطق بالحق، ثم يقنعه رجال الله أن يتكلم بالحق، أما يكون قد نال شفاءً روحيًا؟ وإذا أُظهرت الرحمة لإنسان يبست يداه لكونه لا يعمل بوصايا الله فنهض من تكاسله وبدأ يعمل من أجل الصلاح، ألا يكون ذلك أيضًا شفاء؟ وأخيرًا إذا تاب إنسان فاسق أو متكبر وعاد إلى مخافة الله بمساعدة واحد من خدّامه ألا تكون هذه معجزة[/FONT][FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot]؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقال أيضًا:[FONT=&quot] ’’سألني أحد الإخوة: ’أخبرنا عن منظر مما تراه‘. فقلتُ له: ”مَنْ كان مثلي خاطئًا لا يرى مناظر، لأنه بدون مشيئة الله تصير المناظر مضلِّلة. ولكن إن كانت بحسب مشيئة الله لا يتأذّى خادم الله بسببها من الكبرياء والتفاخر ولا من أي شيء يحصل له حتى ولو كان سيُقيم ميتًا. ومَنْ لا تكون له مناظر لا يقدر أن يرى العناية الإلهية تضبط كل شيء. فاسمع الآن عن منظر عظيم: إن رأيتَ إنسانًا نقيًا متضعًا فهو منظر عظيم حقًا، لأنه أي منظر أعظم من أن ترى الله - الذي لا يُرى - في الإنسان المرئي الذي هو هيكله“؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”على هذا المثال ينبغي أن نفهم المناظر والاستعلانات التي يرى بها القديسون ما يجول بنفوس الآخرين كما في مثال إليشع النبي مع جيحزي. فهذا الاستعلان يكون للقديسين عندما يمنحهم إياه الرب الساكن فيهم والفاحص لكل الأشياء. أما خلاف ذلك فهم مثل بقية البشر، إلاّ أنهم يكونون دائمًا ذوي بصيرة نيّرة لأنهم يرون الله. فهوذا واحد منهم يفسّر لنا ذلك قائلاً: «رأيتُ الرب أمامي في كل حين» (مز15: 8 سبعينية). ولكن لا يُدان أحد قط لأنه لا يرى الخفيات، وإنما يُدان الذين يُدينهم الروح في المزمور لأنهم «لم يجعلوا الله أمامهم» (مز54: 3)“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”وإنه لَمن السهل على الأولاد أن يدركوا هذه الدرجة من النقاوة. فهم حين يسمعون عنها في سن مبكرة يمتدون إلى قدام بحماس بالغ إلى أن يدركوا حدّ الكمال، كما فعل صموئيل في الهيكل. لأن الأرض التي تنقّت تصير مستعدة لقبول غروس الكرمة (الإلهية). أما إذا كانت الأرض جافة بائرة، فإن رجالاً كثيرين معًا يجدون صعوبة في تنقيتها حتى يمكن أن تُزرَع فيها البذور الجيدة. ونحن نعلم - كما في الكتاب - أنه حتى الأرض النقية المزروعة إذا أهملناها تصير عاقرًا («عبرتُ بحقل الكسلان وبكرم الرجل الناقص الفهم، فإذ هو قد علاه كله القريص وقد غطّى العوسج وجهه» أم24: 31)، حتى ولو كانت البذور المزروعة بها جيدة. وهكذا الأرض الجافة غير المزروعة يمكن تنقيتها وزراعتها بالاجتهاد اللائق والغيرة. لهذا ينبغي أن نعتني بالأولاد كإرادة الله، لكي يحفظ نفوسنا مثل حدقة العين ذاك الذي قال عنه الكتاب: «حافظ الأطفال هو الرب» (مز116: 6)“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”ويجب ألاّ يجرؤ أحد أن يؤذي نفسًا ولو في فكره، لئلاّ يكون كمن ينقر حدقة العين التي تتطلّع إلى الله الديان العادل. ولا يحتاج الأمر إلى كلام كثير بخصوص كيفية حفظهم، فعبارة واحدة تكفي: إنسان ينقّي ضميره بالتمام بواسطة الحق ومخافة الله يستطيع بمعونة الرب أن يحفظ الأطفال - إذ إنه يشعر دائمًا باحتياجه إلى الرب‘‘[FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أنبا باخوميوس يعظ الإخوة[FONT=&quot] دائمًا ويعلّمهم كيف يكونون بلا عيب ولا يجهلون قوة العدو، وكيف يقاومونها بقوة الرب لأنه مكتوب: «بالله نصنع القوة» (مز59: 14). وكان يفسِّر لهم كلام الكتب الإلهية ولا سيما تلك العميقة والصعبة التفسير. أما عن تأنُّس الرب وصلبه وقيامته، فكان يقول لهم: ”أما عن الكلمة الإلهي الذي صار إنسانًا، فيكفي أن نعرف من الكثير الذي جاء في العهد القديم قول إشعياء النبي: «يولد لنا ولد ونُعطَى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويُدعَى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام» (إش9: 6). وفي الإنجيل يقول: «الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا» (يو1: 14). وبخصوص الصليب فلنذكر الكبش المشدود بقرنيه في شجرة، وكانت ترمز لخشبة الصليب، هذا الكبش الذي قُدِّم ذبيحة محرقة عوضًا عن إسحق. وإبراهيم قال عن ذلك بإحكام: «الرب رُئِي على الجبل» (تك22: 13)، وكان بذلك يعني صليب ابن الله الوحيد. وفي الإنجيل تشهد الخليقة بواسطة قواتها للصليب (عندما أظلمت الشمس) شاهدةً أن يسوع المسيح المصلوب هو رب الكل“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”كما كلّمهم عن قيامة الرب .. وذكّرهم أن جسد الرب المصلوب مشابهٌ لنا، فكما قام هكذا سنقوم نحن. وبالحقيقة إنه بقيامته قمنا نحن أيضًا لأنه أقامنا معه، وهذا هو ما سمعناه منه حينما قال: «تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته .. والسامعون يحيون» (يو5: 28، 25)، والقديس بولس يقول: «إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام» (1كو15: 16)“.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”أيها الإخوة، إن كنا قد آمنا بالقيامة العتيدة فينبغي أن نعرف القيامة الروحية، فالرب نفسه قال: «أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا» (يو11: 25). فكل خاطئ يؤمن بالرب ويطيع وصاياه سيحيا، كما قال داود النبي: «تحيا نفسي وتسبحك» (مز119: 175). ولنفهم كيف يأمرنا الرب ألاّ نشتم أحدًا، لأنه لما شتموه قائلين: ’بك شيطان‘ لم يردّ الإساءة. ولما قال للكتبة والفريسيين: ’ويلٌ لكم‘ وسمّاهم "عميانًا" و"قبورًا مبيّضة" كان كمن رأى حفرةً فأمسك بالعميان لئلاّ يقعوا فيها. هكذا الرب أيضًا كشف عن شر أعمالهم للمؤمنين حتى لا يتشبّهوا بهم فيهلكوا معهم. وكما أنه لم يرد الشتيمة بشتيمة علّمنا أن نفعل ذلك، كما علمنا أيضًا فضيلة الصبر. ولما قال لبطرس ’اذهب عني يا شيطان‘ لم يكن يقصد بطرس بل الشيطان الذي يحضّ البشر أن يهتموا ويتكلموا فيما للناس“.[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أن انتهى أبونا باخوميوس من كلامه قام وصلّى مع الإخوة طالبًا أن يتذكروا دائمًا كلام الله لأجل خلاصهم. وانصرف كل واحد إلى مسكنه. وبعد أن تمموا صلواتهم جلسوا يتحدثون ويتذكرون ما قيل. ولم يكن أحد ينطق كلمة واحدة بطّالة من أقوال هذا العالم إلاّ تلك الفصول التي كانوا يحفظونها عن ظهر قلب[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot]، أو تفسير قول من الأقوال الروحية أو الحديث عن أعمال الله ومشيئته[/FONT][FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان القديس سائرًا ذات مرة[FONT=&quot] بجوار بعض المقابر، فسمع بعض الناس يبكون، فقال لتادرس الذي كان معه: ”إنهم يبكون من أجل ميت لا يمكنهم أن يستردوه، فلنبكِ نحن بالأولى من أجل نفوسنا المائتة بزلاّتها والتي ترجو برحمة إلهنا أن يُقيمها ويُحييها، ثم من أجل الآخرين لعلنا إذ نضم بكاءنا إلى بكائهم يقيمهم الرب حسب قوله: «استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح» (أف5: 14). وكلما نسمعهم لا ينبغي أن نندهش لأن جميع القديسين هم في وادي الدموع. فقد بكى يوسف لأجل خلاص إخوته أكثر من مرة، وإرميا لأجل السبي (سفر المراثي)، وهكذا هم يبكون لأنهم أولادهم“[/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أنبا باخوميوس يعلِّم الإخوة[FONT=&quot] ألاّ ينتبهوا إلى حُسن هذا العالم وجماله سواء كان طعامًا لذيذًا أو ملابس أو قلاية أو كتابًا مزيَّنًا. وكان يقول: ”إنّ حُسن المؤمن وبهاءه هما في وصايا الله كقول المزمور: «يا رب بمسرتك أعطيت جمالي قوةً» (مز29: 8 سبعينية). ومع أنّ يوسف كان جميل المنظر جدًا وصار ملكًا على مصر؛ إلاّ أنه لم يلتفت إلى تلك الأمور الزائلة، لأن الطهارة كانت هي جماله والعفة مملكته. أما الآخرون الذين وجدوا مسرتهم في أمور هذا العالم فقد هلكوا بموت شرير كما حدث مع أمنون وأبشالوم“[/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كلّم ملاك الرب الأب باخوميوس[FONT=&quot] عن أخ ناسك ولكن ليس بحسب الله، فقد كان له نسكٌ زائدٌ وتعبٌ عظيم، إلاّ أنه لم يكن يعمل ذلك من أجل الله بل من أجل المجد الباطل، وذلك لكي يرشده إلى خلاصه. وقد لاحظ الأب ذلك مرات عديدة، فأخذه على انفراد وقال له: ”أيها الأخ، إن كان الرب يقول: «نزلتُ من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني» (يو6: 38)، فاسمع لذاك الذي يكلمك بواسطتي، لأني أرى العدو يحسدك بخبث زائد ويريد أن يُهلك كل أتعابك. لذلك فحينما يدق الناقوس داعيًا الإخوة للأكل أثناء النهار فلا تتأخر، بل اذهب وكُل من الخبز قدر خمس قطع وتذوّق الطعام المطبوخ الذي يُقدَّم لهم. وبما أنك قوي البنية فلا تأكل حتى تمتلئ لكي تكون سيدًا لجسدك. وإن لم يقم الإخوة في خدمة الصلاة فلا تصلِّ أكثر منهم حتى تغلب شيطان الغرور الذي يتآمر عليك“. فلما سمع الأخ ذلك اقتنع إلى حين، ثم عاد وانقاد للضلال متفكرًا في نفسه: ”أين كُتب أنه ينبغي ألاّ أصوم أو أصلّي“؟! هذا هو ما أوحى به روح السبح الباطل لهذا الأخ، وقد ذكّره الأب باخوميوس مرات عديدة بكلامه السابق ولكنه لم يُذعن له.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولما ثبت الأخ في عصيانه وكان على وشك أن يتملّك عليه الشيطان استدعى الأب تلميذه تادرس وقال له: ”إنّ حزني لَشديدٌ على هذا الأخ لأنه لا يسمع لي، فاذهب أنت وافتقده وانظر ما الذي يفعله“. فذهب تادرس ووجده يصلّي بدون انقطاع، فعاد وأخبر الأب، فقال له: ”اذهب وامنعه من الصلاة، وسترى حين تمنعه أن الشيطان الذي فيه سيُظهر نفسه للوقت، فإذا رأيت ذلك راقبه حتى آتي“. فلما منعه تادرس من الصلاة صرخ في وجهه بفعل الشيطان الساكن فيه قائلاً: ”يا منافق، أتمنعني من الصلاة“؟ ولما جلس تادرس مداومًا على مراقبته أخذ الأخ حجرًا ليضربه به على رأسه، فاحتمى منه تادرس وزجره باسم الرب فكفّ الأخ ونطق بلسان الشيطان قائلاً: ”أتريد أن تعرف أن كل الذين يتلذذون بالتلحين يفعلون ذلك بتحريك مني؟ فانصت إلى ذلك الأخ الذي يلحّن الآن وكيف أنه يكرر تلحين الكلمة عينها تسع مرات“! وهو يشير بذلك إلى أخ آخر يلحّن بداية تسبحة موسى النبي: «فلنسبح الرب لأنه بالمجد قد تمجد». فلما تحقق تادرس من ذلك وسمعه ذُهل وصار خائفًا ومتفكرًا في مقدار اليقظة التي يحتاج إليها الإنسان لكي ينجو من فخاخ الشياطين المتنوعة.[/FONT]
[FONT=&quot]وظل تادرس يحرسه حتى جاء الأب باخوميوس ووقف يصلّي معه من أجل ذلك المريض حتى تحنن الرب الرحوم عليه بالشفاء، وهكذا صار صحيحًا وحفظ نفسه منذ ذلك الحين[FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot]![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]جاء أحد الإخوة المتوحدين[FONT=&quot] ليرى أنبا باخوميوس، وجلسا يتحدثان في الأمور المناسبة. ثم قال الأب لتادرس: ”أعدّ طعامًا للأخ“. إلاّ أن تادرس خرج وجلس خارجًا ظنًّا منه أنه قال له: اُخرج خارجًا حتى أتكلم مع الأخ! ولما لم يُعدّ تادرس الطعام، كلّف باخوميوس بذلك أحد المدبّرين الذي كان مارًّا بهم. أما هو فمضى أيضًا دون أن يعلم ما الذي قاله له! فتيقّظ باخوميوس بروحه وعلم بكثرة إفرازه أن ما حدث هو تجربة وامتحان فلم يقلق. ثم قام وأعدّ بنفسه الطعام للأخ وأكل معه ثم تركه ينصرف.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم دعا تادرس وقال له: ”لو قال لك أبوك الجسداني أمرًا فهل تتجاهله؟ لماذا لم تُعدّ طعامًا للأخ“؟ فأجابه تادرس: ”ظننتُ يا أبي أنك تقول لي أن أخرج حتى يمكنك أن تتحدث مع الرجل على انفراد“. ولما دعا باخوميوس المدبِّر الآخر قال له نفس الشيء! فتنهد باخوميوس وقال: ”عندما كلمتُ الأخ رأيتُ روحًا مظلمًا قائمًا عند الباب، فقلتُ في نفسي إن هذا الشيطان لن يفعل خيرًا. فالروح الشرير هو الذي أعاقكما حتى يسبِّب لنا حزنًا. ولكن تبارك الرب الذي يهب الصبر والفهم، فأنتما أيضًا ينبغي أن تتعلّما مما حدث أن تكونا صابريْن“. ثم أضاف الأب قائلاً لتادرس بصفة خاصة: ”قد رأيتَ اليوم ما حدث، لذلك فاجتهد أنت أيضًا إذا دعوت إنسانًا وحقّرك هكذا ولم يستجب لك فلا تغضب عليه، بل قُل في قلبك بحق: إنه لم يعلم بما قلته له. وإذا قلتَ لآخر أيضًا أن يعمل شيئًا ولم يعمل فاضمر في قلبك أيضًا هكذا حتى يخزى العدو في كل شيء“[FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقال الأب باخوميوس:[FONT=&quot] ”كثيرًا ما سمعتُ الأرواح الخبيثة تخبر بأفعالها المتنوعة ضد الناس، وتتحدث فيما بينها عن أنواع الشرور. فسمعتُ واحدًا منهم يقول: ’إنّ الذي أذهب إليه إنسان غير مطيع لي، فحين أعرض له فكرًا يقف في الحال ويصلّي فأحترق وأنصرف من هناك‘. كما سمعتُ شيطانًا آخر يقول: ’أما صاحبي فهو مطيع إذا نصحته بشيء يستمع لي ويفعله، ولهذا فأنا أحبه كثيرًا‘! فالشياطين يعرضون بضاعتهم بكل مكر وبلا كلل، فهناك مَنْ يقبل بضاعتهم ومَنْ يرفضها، ولكنهم لا يكفّون عن ذلك مهما خزوا. لذلك ينبغي أن تحفظوا نفوسكم وترشموا علامة الصليب باسم المسيح على ذواتكم. ولأن مقاتلينا أرواح لا تُرى، فيجب علينا أن نستعين بقوة إلهنا الذي لا يُرى، حينئذ يولولون من هذا الاسم ويهربون ولا يمكنهم أن يؤذونا البتّة. لأنكم إذا قاومتم الأرواح الشريرة فلن تقوى عليكم. فما دمنا نحفظ مدينتنا إذ نحرس سورها ونغلق أبوابها ولا ننام ونغفل عنها، فلا يمكنهم أن يأخذوها“[/FONT][FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم ضرب لهم مثلاً قائلاً:[FONT=&quot] ”إن كان لواحد بيت به مائة حجرة، واشترى منه إنسان حجرة، هل يمنعه صاحب البيت من دخولها حتى ولو كانت حجرة داخلية في البيت؟ هكذا أيضًا الإنسان المؤمن حتى ولو امتلك كل ثمار الروح، ثم بإهماله وخضوعه لمكيدة العدو تغرّب عن واحدة منها، فلن تكون له قوة تلك الثمرة مقابل العدو. وإذا لم يتيقظ فإن العدو يهزمه في أمور أخرى، وهكذا يتسلّط على الإنسان بكليته ويتركه خاليًا من كل شيء صالح“.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”أمّا إذا استجمع هذا الإنسان كل قواه، فهو يعود ليس ليمتلك الثمر الروحي الذي تغرّب عنه فحسب؛ بل ويُحرز تقدُّمًا عظيمًا. فليس للعبادة مقياسٌ واحدٌ بل عدّة مقاييس، فالبعض يكونون أراخنة أغنياء روحيًا، وآخرون قادة لعشرة أو لخمسين أو لمائة أو لألف، وآخرون ملوكًا كاملين مثل إبراهيم الذي دُعيَ من قبل الله ملكًا («أنت رئيس من الله بيننا» تك23: 6)، ليس لأنه هو نفسه كان ملكًا بل لأن ملك الملوك كان متربعًا على عرش قلبه. وهذه المقاييس ليست بحسب طول الزمان الذي ثبتوا فيه على حفظ وصايا الرب، بل بحسب صدق النيّة وشدّة التمسُّك بالرب إلى المنتهى“[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]توجّه أبونا باخوميوس مرةً[FONT=&quot] إلى طابنيسي لمهمة عاجلة تختص بخلاص نفس. وبعد أن قبّل الإخوة جلس ليعلّمهم، كعادته، عن جميع أنواع حراسة النفس ضد كل ما يتعارض مع خلاصها. وظل يحدثهم عن طهارة الجسد والأفكار المتنوعة وشهوة الرئاسة والكسل وكراهية الأخ ومحبة المال، فقال:[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot][كما أن النار تنقّي من كل شائبة وتُجلي الأشياء؛ هكذا أيضًا مخافة الله تُبيد من الإنسان كل أنواع الرذائل وتُعدّه إناءً للكرامة، مقدسًا ومرضيًا لله ومستعدًا لكل عمل صالح. أما بالنسبة لتجربة التجديف التي يوحي بها الأعداء، فهي تحل بالإنسان المتغافل حتى ولو كان محبًا لله، فإذا لم يداوم السهر كما ينبغي ولم يأخذ مشورة مَنْ له خبرة في كيفية التغلُّب على هذا الفكر المخادع فإنه يهلك. فكثيرون قتلوا أنفسهم بإلقاء أنفسهم من على جرف شاهق وهم في غير وعيهم، وآخرون شقّوا جوفهم بالسيف أو بطرق أخرى. إنه لَخطأ عظيم ألاّ يعترف الإنسان سريعًا بوجعه لمن كان خبيرًا قبل أن يصير الوجع مزمنًا.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وها هوذا العلاج بإفراز الأرواح كما علّمنا الرب: ’إذا أحزنتُ قريبي بكلمة فإن قلبي يندم إذا تبكّت بكلمة الله، فإذا لم أسرع بإرضائه سريعًا فلن أجد راحةً‘. أما أفكار التجديف فنقول لها: ”أيتها الأبالسة الأنجاس، كيف أوافقكم أيها المنافقون على أفكار تجديفكم ضد إلهي خالقي؟ لن أستسلم للهزيمة ببث تجاديفكم لي حتى ولو قطعتموني إربًا، فهذه التجاديف ليست مني بل هي منكم أنتم الذين ستُعاقَبون إلى الأبد بنار لا تُطفَأ. أما من جهتي فلن أكفّ عن التمجيد مسبِّحًا وشاكرًا الذي خلقني من العدم، ولاعنًا إياكم لأنكم ملعونون بالحقيقة من الرب“. فإن قلتم ذلك بإيمان يختفي الشيطان كالدخان][FONT=&quot][15][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[FONT=&quot] قابل أبّا تادرس أحد الإخوة وهو عائدٌ من مكان ما ملقيًا رداءه فوق كتفه، وكان المسئول عن هذا المجمع قد أرسله في خدمة، وقال له: ”من أين أنت قادمٌ“؟ وكان الأب باخوميوس يسمعه من على بُعد وهو يسأل الأخ. وبعد أن ابتعد الأخ، دعا أبّا تادرس وقال له: ”أسرع يا تادرس لتكون سيدًا على قلبك بكل اعتدال حتى لا تكوِّن لنفسك عادات، ولكي تتجنّب أن تسأل أي واحد: ’أين أنت ذاهب‘ بل أن تسأله فقط عن خلاص نفسه“. ولما سمع أبّا تادرس ذلك وضعه في قلبه كل أيام حياته قائلاً: ”سواء كان ذلك أمرًا صغيرًا أم كبيرًا، فلن أفعله مرةً أخرى“[/FONT][FONT=&quot][16][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]حدث مرةً بينما كان أنبا باخوميوس[FONT=&quot] يمرّ وسط المجمع أنه سمع واحدًا كانت أفكاره جسدانية يقول لآخرين: ”هذا هو موسم العنب“. فلما سمعه رجل الله غضب ووبّخه قائلاً: ”أيها البائس، ألا تعلم أن الأنبياء الكذبة قد ماتوا ولكن أرواحهم لا زالت تطوف بين الناس محاولةً أن تجد مكانًا فيهم، أي في هؤلاء مثلاً؟ فلماذا إذن أعطيتَ مكانًا لمثل هذا الشيطان ليُقيم فيك ويتكلم على فمك بهذه الطريقة، حتى يسمعك بعض الجهلاء الآن عندما ذكرتَ هذه الفاكهة فيُجرَّبون باشتهائها، وأنك تصير غريبًا عن الله عندما تُعثر نفوسهم كما هو مكتوب: «نفسًا بنفس» (خر21: 23)؟ ألم تسمع الرسول يقول: «لا تخرج كلمة رديئة من أفواهكم، بل كل ما كان صالحًا للبنيان حسب الحاجة كي يُعطي نعمةً للسامعين» (أف4: 29)، وللذين ينطقونها أيضًا؟ ألا تعلم أن تلك الكلمة التي تفوهتَ بها الآن لن تكون وسيلةً لفائدة إخوتك، بل بالحري للخراب والهلاك؟ فلماذا قلتها؟ لذلك فإنني أحذّرك أن كل كلمة رديئة من هذا النوع أو ملحوظة غير لائقة أو قول أحمق، إنما هو تنجيس للنفس البشرية أمام الله“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”وسأُريك بمثال كيف يحل غضب الله على الإنسان الذي يستعمل كلامًا مخجلاً أو بذيئًا في وسط الإخوة. إن ذلك يشبه إنسانًا غنيًا دعا آخرين إلى وليمته لكي يأكلوا ويشربوا ويمرحوا. وبمجرد أن اجتمعوا على المائدة قاموا بتهور وألقوا بالأواني في بيته. فغضب منهم وانتهرهم قائلاً: ’أيها البائسون والناكرو الجميل، لقد دعوتكم إلى بيتي لتأكلوا وتشربوا جيدًا، فلماذا إذن بتهوركم ألقيتم بالأطباق التي في بيتي وأكلتم بعدم عرفان بالجميل‘؟ هذه هي حال الذين يعيشون تحت نير الحياة الرهبانية ويتكلمون بأمور بذيئة. إن الرب يسكب غضبه عليهم ويقول لهم: ’إنكم قد دُعيتم إلى هذه الدعوة المقدسة، وتريدون أن تُهلكوا نفوسكم ونفوس الذين جئتُ بهم معًا لأجل خلاصهم. هل تجلبون عليهم الهلاك بكلامكم البذيء‘“؟[/FONT]
[FONT=&quot]”وسأُريك أيضًا أن كرامة ومجد رجال حياة الشركة (الكينونيا) الذين يعيشون حياةً صالحةً مع الجهادات التي يضعونها على أنفسهم، يتفوقون على الذين يعيشون حياة توحدية. وسأُريك أيضًا أن خراب وسقطات وخسارة الذين لا يسلكون بالاستقامة في حياة الشركة يجلبون عثرةً أعظم مما يحدث بين الذين يعيشون في الوحدة. إن ذلك يشبه تاجرًا يسافر في البحر والأنهار في ظل جوٍّ من جميع الأنواع. وإذا أفلت من خطر البحر فسيصبح غنيًا جدًا، ولكن إذا غرقت سفينته، فإنه لن يخسر ثروته فحسب؛ بل حياته أيضًا كما تموت ذكراه إلى الأبد. وفي نفس الوقت اسمعوا تفسير ذلك: إن الذي يتقدّم في حياة الشركة بطهارة وطاعة واتضاع وخضوع ولا يضع أيّة عثرة أمام غيره بكلامه أو تصرفاته، فإنه يزداد غنىً بلا حدود. أما إذا تهاون وعثرت أي نفس بواسطته وهلكت، فالويل لهذا الإنسان، فهو لا يفقد نفسه ويجلب عليها الاضطرابات فحسب؛ بل إن عليه أيضًا أن يُعطي حسابًا لله عن النفس التي أعثرها“![/FONT]
[FONT=&quot]”أما بخصوص الذين يعيشون في الوحدة، فاسمعوا ما سأخبركم به: إنهم يشبهون تاجرًا يبيع خبزًا أو خضروات أو شيئًا مثل ذلك في السوق. إنه لن يصير غنيًا بمثل تلك المكاسب اليومية، إلاّ أنه لن يكون معوزًا لأي شيء من ماديات هذا العالم. هكذا هو حال الناسك في الوحدة، فهو لا يحمل مسئولية نسّاك آخرين، ولا هو يرى الذين يجاهدون مما يدفعه إلى أن يتشبّه بأفعالهم وجهاداتهم الممتازة. ومثل هذا الإنسان لن تكون منزلته عظيمة في ملكوت السماء، ولكنه لن يُحرَم من الحياة الأبدية، وذلك بسبب نقاوة أتعابه النسكية. وهو سينال من المسيح مكافآت مضاعفة عن أصوامه وصلواته وأتعابه التي تممها باسم المسيح ومن أجل المحبة ومخافة الله في الدهر الآتي في ملكوته“.[/FONT]
[FONT=&quot]”كما أنني سأوجِّهكم بمثَل بخصوص الإخوة الذين هم أقل شأنًا في هذه الشركة، والذين لا يُعطون أنفسهم لممارسات نسكية شديدة، بل يسلكون ببساطة بخصوص طهارة أجسادهم وحسب القوانين الموضوعة بطاعة والتزام. ويرى المتوحدون أن طريقة حياة هؤلاء الإخوة تبدو غير كاملة، وأنهم يُعتبرون أقل شأنًا. هذا الأمر يشبه خدامًا وخصيانًا للملك لهم حظوة عنده، ولهم حرية في الحركة داخل القصر أكثر من ذوي السلطان الخاضعين لأوامر الملك ولا يمكنهم أن يدخلوا عند الملك إنْ لم يعلم عنهم بواسطة الخصيان. هكذا هو الحال مع الذين يُعتَبَرون أقل شأنًا في مجمع الشركة، فإنهم سيوجَدون كاملين في ناموس المسيح بسبب ثباتهم. إنهم يمارسون أتعاب النسك بكل خضوع بحسب الله. إنهم أيضًا يتفوّقون على المتوحدين لأنهم يسلكون بالالتزام الذي سلك به الرسول كما هو مكتوب: «بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا ... بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة ... وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض» (غل5: 13؛ أف4: 2و32)“[FONT=&quot][17][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان القديس باخوميوس[FONT=&quot] يعظ الإخوة دائمًا ويعلِّم كل واحد مخافة الله، وكيف يجب أن نجاهد ضد الشيطان، وأنه يمكننا بقوة البصيرة أن ندرك حيله وخداعاته، وبقوة الرب نُبطل مكايده ضدنا[/FONT][FONT=&quot][18][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]سأل أخٌ مرةً أنبا باخوميوس:[FONT=&quot] ”لماذا قبل أن يأتي الشيطان ليضايقنا يكون إدراكنا الذهني في حالة جيدة، ونتفلسف بالحديث عن ضبط النفس والاتضاع والفضائل الأخرى، ولكن متى جاء وقت الممارسة الفعلية لما كنا نتفلسف به، مثل الاحتمال في وقت الغضب، وعدم الانتفاخ عندما نُمدَح وأمور أخرى كثيرة مشابهة، فإننا غالبًا ما نُهزَم“؟[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فأجاب الكبير قائلاً: ”لأننا لا نسعى في العمل سعيًا دقيقًا كاملاً، وهذا هو سبب عدم فهمنا لكل أفكار الشياطين وتحايلهم بالدرجة الكافية التي تجعلنا، عندما يُظهر المجرِّب حضوره، قادرين بسرعة على طرد تخبُّط هذه الأفكار التي تحيط بنا بقوة تأمل النفس. لذلك فلنسكب مخافة الله مثل الزيت على الجانب التأملي للنفس في كل وقت. تلك المخافة التي ننجز بها الأعمال والتي هي مصباحٌ للتأمل فيما يخصنا من الأمور، تجعل عقولنا لا تهتز ولا تندفع وراء الغضب والحقد والضغينة ولا أيٍّ من الأوجاع الأخرى التي تقودنا إلى الشر. فإنها تجعل أفكارنا تأملية وترفعها إلى المجالات غير المادية، وتدفعها إلى التمسُّك بالازدراء بالأمور التي يزينها لنا الشياطين، وتُعدُّنا لأن ندوس تحت أقدامنا «الحيات والعقارب وكل قوة العدو» (لو10: 19)“[FONT=&quot][19][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]بينما كان أنبا باخوميوس مندهشًا[FONT=&quot] مما رآه وسمعه في الرؤية عن مستقبل حياة الشركة، دقّ ناقوس صلاة نصف الليل. ولما حان وقت صلاة السحر (التي تنتهي عند شروق الشمس)؛ اجتمع الإخوة في الكنيسة، ثم جاء هو واختتم الصلاة، ثم جلسوا جميعًا ليستمعوا إلى تعاليمه، فقال:[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”أيها الإخوة، ما دام يوجد نفس في أجسادنا، فلنسع جاهدين من أجل خلاصنا قبل أن تأتي الساعة التي نبكي فيها على أنفسنا. دعونا نمارس الفضيلة بكل نشاط وحرص، لأنني أقول لكم إنكم لو علمتم بالخيرات المعدّة في السموات والمواعيد الموضوعة للقديسين، وعقوبة الذين ابتعدوا عن الله، والعذابات المعدّة للمتوانين، ولا سيما الذين عرفوا الحق ولم تكن لهم حياة تليق به، لكيما يرثوا البركات المحفوظة للقديسين، وينجوا من عقوبة هذه العذابات – لو علمتم ذلك لكنتم تحتملون كل ألم لكي تصيروا كاملين في الفضيلة التي بحسب المسيح“.[/FONT]
[FONT=&quot]”اذهبوا إلى المقابر وتأملوا كيف أن اعتداد البشر بأنفسهم إنما باطلٌ هو. لماذا يتعجرف الإنسان إذن وهو تراب؟ لماذا يزهو بنفسه وهو كله نتانة؟ فلنبكِ، إذن، على أنفسنا كلما تكون لنا فرصة، لئلاّ تأتي ساعة رحيلنا ونتمنى لو أُعطينا من الله فسحةً من الوقت للتوبة. بالحقيقة تعيسة هي ومثلثة الشقاء تلك النفس التي تركت العالم وكرّست نفسها لله، ولكنها لم تعِش حياةً تليق بدعوتها وما وعدت به. إذًا، أيها الإخوة، لا نسمحن لهذا العمر القصير والحقير والذي يعبر كالظل، أن يسلب منا تلك الغبطة والحياة الأبدية العديمة الفناء“.[/FONT]
[FONT=&quot]”بالحقيقة إنني لخائفٌ من أن آباءنا بالجسد العائشين في العالم والمنصبّين على اهتماماته وارتباكاته، الذين يظنون أننا مكرَّسون لله وقد امتلكنا عربون الدخول للحياة الأبدية، ومؤملين أن يحصلوا منا على معونة في الدهر الآتي؛ أن يوجدوا ديّانين لنا مقتبسين كلمات الكتاب: «كيف صرتم بؤساء وخزيتم جدًا» (إر9: 18سبعينية)؟ ما أعظم حزنكم، نارٌ قد أوقدت عليكم، وأغصانكم صارت لا تصلح لشيء. لذلك فقد صارت غنيمةً. زمجرت عليها الأشبال وأطلقت صوتها ضدها. لذلك صار المحبوبون مثل الممقوتين، ونُزع التاج من على رؤوسكم! لماذا أُغلقتِ يا مدن الجنوب وليس من يفتح؟ (إر13: 18و19سبعينية). حقًا فليُنـزَع الشرير ولا يرى جلال الرب (إش26: 10سبعينية)“.[/FONT]
[FONT=&quot]”لذلك فلنجاهد أيها الإخوة بكل قلوبنا، واضعين الموت أمام عيوننا في كل وقت، متصورين العقاب المخيف، وبذلك يأتي العقل إلى التبصُّر، وتنحني النفس بالبكاء، بل وتصبح أيضًا متمعّنةً في أحوالها ومهيَّأةً للرجوع إلى الله دون أن تشدّها الأمور الأرضية. وليس ذلك فحسب؛ بل إن هذه كلها تولِّد فينا الاتضاع الذي يقنع النفس بأن تكون رحيمة خالية من المجد الباطل، منسحقة وغريبة من كل فكر عالمي“.[/FONT]
[FONT=&quot]”إذن أيها الإخوة، فلندع النفس تلقِّن الحكمة لهذا الجسد الثقيل كل يوم عندما نأوي إلى فراشنا في المساء، مخاطبةً كل عضو في الجسد: "أيتها الأقدام، طالما أن فيك قوة للوقوف والحركة، هيّا قفي بغيرة أمام ربك قبل أن تُحمَلي خارجًا وتصيري بلا حراك". وقائلةً للأيدي: "ستأتي الساعة التي تصيرين فيها منحلّةً عاجزةً مقيَّدةً الواحدة مع الأخرى ولا تستطيعين الحركة قط. فلا تفتُري عن بسط نفسك أمام الرب قبل أن تأتي هذه الساعة". ولتقُل النفس للجسد كله: "أيها الجسد، قبل أن نفترق وننفصل عن بعضنا البعض، وقبل أن أوخَذ إلى الهاوية لكي أُقيَّد بقيود أبدية تحت الظلام (يه: 6)، وتتحلّل أنت إلى العناصر الأولية وتذوب في الأرض، وتتحول إلى نتانة وفساد، قف بشجاعة واعبُد الرب. اجعل اعترافي واضحًا بالدموع وبيِّن حسن خدمتك للسيد. احملني كي أعترف لله بكل اجتهاد قبل أن يحملك الآخرون، ولا تحكم عليَّ بالعذاب الأبدي من أجل رغبتك في النوم والراحة. لأنه سيأتي وقت يطغى عليك فيه ذلك النوم الثقيل جدًا. وإذا أذعنتَ لي فسوف نتمتع سويًا بالميراث المبارك، أما إذا لم تُصغِ لي فالويل لي لأنني ارتبطتُ بك، ويا لتعاستي لأنني سأُدان أيضًا بسببك“![/FONT]
[FONT=&quot]”إذا دربتم أنفسكم كل يوم على هذا النحو تصيرون بالحق هيكلاً حقيقيًا لله. وإذا سكن فيكم الله فأي حيلة شيطانية يمكن أن تخدعكم؟ لأنه بدلاً من أن يكون لكم عشرة آلاف معلِّم، يكون كلمة الله ساكنًا فيكم، وهو يعلمكم بالأكثر ويجعلكم أكثر حكمةً بمعرفته الخاصة. وما لا يقدر أن يعبِّر به الكلام البشري يعلّمه لكم الروح الكلي القداسة. لأنه قيل: «لأننا لسنا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي، ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا يُنطَق بها» (رو8: 26) ... هناك أمور كثيرة نافعة لأقولها لكم بنعمة الله، ولكن لئلاّ نطيل الكلام في موضوع واحد، دعونا نوجّه حديثنا إلى موضوع آخر ...“[FONT=&quot][20][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]في أحد الأيام[FONT=&quot] جمع الأب باخوميوس الإخوة وقال لهم: أريد الآن أن أقول لكم وصايا لكي تحفظوها كلكم لخلاص وثبات نفوسكم، حتى إن الذين لم يتقووا بعد في الإيمان والأعمال لا يقعون في فخ إبليس، بل احذروا من أن يشك أحد في كلامي لكم. اذكروا الكلمة المكتوبة: إنكم إذ لا تؤمنون لا تفهمون. وهذا هو الكلام الذي أريد لكم أن تحفظوه: لا يختلِ أحدٌ منكم مع رفيقه في موضع واحد بغير ضرورة عمل. لا يمسك أحدٌ منكم يد رفيقه أو يلمس شيئًا من جسده بدون أمر ضروري، إلاّ إذا كان مريضًا أو سقط فيساعده حتى يقوم، ويحتاج بالضرورة إلى أن يمسكه ويلمسه، ويكون ذلك أيضًا بحرص واحتراس. لا يجلس أحدٌ منكم في متّكأ مع رفيقه في عزلة ليتكلم معه، بل تكونون بعيدين بعضكم من بعض قليلاً أثناء حديثكم. لا يرقد أحدٌ منكم على مرقد ليس هو له. لا يدخل أحدٌ منكم إلى موضع رفيقه بغير رسالة أو حاجة حتى لا يجد العدو موضعًا له فينا البتة[/FONT][FONT=&quot][21][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]تحدّث أنبا باخوميوس مرةً مفنِّدًا الوثنية،[FONT=&quot] فقال: ”الوثنية هي الكفر والإلحاد. ولكن بعض الوثنيين يقولون: "إنني لا أعبد الشياطين بل أعبد الله. عندي بالفعل أصنام، ولكنني من خلالها أدعو قوى الله باعتبارها آلهة، ومن خلال هذه الآلهة أدعو الله. والإله الأكبر لا يحزن من ذلك، بل إنه يكون بذلك سهل المنال لأنه تكون له آلهة أخرى تحت إمرته". وكان يلزمنا أن نصمت عن هذه الأمور إلى أن ينخس الله الوثنيين ويحولهم إلى الحق الذي تقبّلته أنا بالنعمة. ولكن حيث إن الرب أوصانا أن نعطي مجانًا ما نلناه مجانًا، لذلك فلنتكلم باختصار“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”فمنذ أن تعدّى آدم فإن البشر يضلون وهم غير راغبين في طاعة ناموس ضميرهم أو التعرُّف على الله خالق كل الأشياء بواسطة المعجزة والرهبة وتنوع المخلوقات. لذلك فقد صنعوا لأنفسهم آلهة إذ إنّ مشورة العدو الشريرة كان قد بدأها عندما كان الإنسان في الفردوس بقوله: «تكونان كالله (أو مثل آلهة)» (تك3: 5). ولكونه حسودًا فهو ما كان يريد لهم أن يكونوا هكذا، بل إنه هو الذي كان يريد أن يكون هكذا. لأنهم إذ لا يخضعون لسيادة كلمة الله، فإنه هو عدو الكلمة يكون بالضرورة سيدًا عليهم. فحيث تكون الحياة غائبة يوجد الموت بالتأكيد. ومن هنا جاءت الشهوة للنساء، وقبل ذلك كان قتل الأخ لأخيه وحماقة الجبابرة كما في أيام نمرود (تك4: 8؛ 6: 4؛ 10: 8)، وأيضًا الرجاء في الأرضيات وحدها، وذلك رغم ما أظهره الله الصالح حينذاك من أعمال خارقة، والرجاء في السماويات وحتى في القيامة بواسطة نقل القديس العظيم أخنوخ ومن بعده إيليا“.[/FONT]
[FONT=&quot]”لذلك حلّ سخط الطوفان الذي لم يُبقِ إلاّ على رجل بار حُفظ كخميرة للحق. وبعد كل هذه الشرور التي حلّت، جاء القاضي الطويل الأناة بمعين آخر للإنسان ذي الإرادة الحرّة، وهي لم تكن حرّة لفعل الشر فقط بل أيضًا لفعل الخير، لأن كل الأشياء تحلّ ولكن ليس كل الأشياء توافق (1كو6: 12). هذا المعين الآخر هو الناموس الذي أعطاه الله بواسطة موسى النبي. ولم يكن هذا الناموس في كلمة واحدة كما كان في الفردوس: «أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها» (تك2: 17)، بل إنه كان ناموسًا مفصلاً يتناول أمورًا مثل قيادة الأعمى من يده، بل وحتى كيف تفكر وكيف تتكلم، وكيف تحترس في كلامك وقت الحرب، وكيف تقدِّم الشكر عند ولادة الأطفال والبهائم ومن أجل ثمار الحقل والكروم ومن أجل الميراث. وغرس فيهم الخوف بواسطة هلاك الذين كانوا يسكنون بجوارهم، وأيضًا في مصر بعجائبه العديدة، وبالأكثر عند البحر الأحمر، وذلك حتى إذا تذكّروا ذلك كله يخافون الله، خصوصًا منذ أن كُتب الناموس بأصبع الله“.[/FONT]
[FONT=&quot]”كم من أمور مخيفة رافقت هذا الناموس؟ جبل مضطرم ونار تصل إلى عنان السماء (تث4: 11)، وأصوات أبواق عالية (خر19: 19)، وغير ذلك. وكان يدلّلهم كأب مظلّلاً عليهم بعمود سحاب نهارًا ومضيئًا لهم بعمود نار ليلاً (خر13: 21)، مطعمًا إياهم بخبز من السماء بلا همٍّ، وبذلك كان يُعينهم على ألاّ يشتهوا طعامًا، ومن ثم وُجدت قبور الشهوة للذين كانوا نهمين (عد11: 34). وعندما كانوا لا يجدون ما يشربونه كان يعلّمهم دائمًا أن يتقدموا (أو ينموا) مثل الأبناء خلف موسى النبي (عد20: 8-11)، لأنه هو أيضًا كان متشبهًا بآبائه إبراهيم وإسحق ويعقوب، ويوسف الصديق الذي كان أيضًا بالحقيقة صورةً للآباء“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ولكن قد يقول قائل: "لماذا لم يُظهر الله مثل هذا الاهتمام بنا منذ البداية"؟ الله دائمًا يهتم بنا لأنه يحب مخلوقاته الخاصة وصورته في القداسة والحق. فهوذا أيضًا العدد الهائل من شهود العهد القديم، وخاصةً اليهود الذين يدركون ويقرّون بحقه حتى الآن. لأنه يقول: «إني أنا هو المتكلم، هأنذا» (إش52: 6). كما أن أسفار موسى النبي هي حق لأنها أخذت بدايتها ونهايتها من الله، فأنتم إذن، الذين من سبط يهوذا (أي اليهود)، قد وافقتم على أن الناموس الأول هو من الله الضابط الكل. وبعد ذلك إذ اقترب منكم لأجل مجدكم ابن الله وهو من خاصتكم ومن نفس سبطكم. فتمسّكوا بالله إن لم يكن بسبب ثقتكم فيَّ، فليكن بسبب ثقتكم في جميع القديسين وفي كلام باروخ وحده: «لا تُعطِ مجدك لآخرين» (با4: 3). لا ترغبوا في أن يكون الله لأنفسكم وحدكم، إذ تذكرون الوصية: «تحب قريبك كنفسك» (لا19: 18؛ مت19: 19). إنكم بالفعل تقولون معنا وأنتم تحثون الوثني غير المؤمن: «الرب هو الإله. ليس آخر سواه» (تث4: 35)، وهو لا يريد أن الشياطين تكون آلهة لأولاده أو خدامه، لأنه كتب أنه في غضبه سيُهلك كل إسرائيل مدينتنا ويحرق البشر والأواني التي توجد هناك (انظر تث13: 16)، لأنهم وضعوا في قلوبهم جميعًا أن تكون لهم آلهة مزيفة، بل وحتى رئيس كهنتنا هرون، لولا موسى النبي، لهلك هو أيضًا“.[/FONT]
[FONT=&quot]”إذن، فليقتنع الوثنيون لدى سماعهم ذلك من اليهود ويؤمنوا بالإله الواحد. فمن المستحيل أن توجد آلهة أخرى طالما أن الإله الواحد موجود. وهكذا فإنه في حالة آدم لم تنتفع الشياطين بشيء، حيث أن الرب عاقبها من أجله، ليس فقط بأن تزحف على بطونها وصدورها، وأن الرب البار نفسه الذي يأتي بعد ذلك من نسل داود «يسحق (أو يرصد) رأسها» (تك3: 15)، و«يقطع أعناق الخطاة» (مز129: 4سبعينية)؛ بل وأيضًا فإن الواحد الذي نصحه الشيطان أن يكون إلهًا (وهو كان إنسانًا حيًّا) قد طُرد من الفردوس. وأنتم أيضًا اهربوا من الغضب الآتي (لو3: 7) قبل كل شيء بأن تنبذوا الآلهة الغريبة وتعبدوا الواحد المحسن لكم ولنا ولكل البشر متحققين أنه هو الله. لأنه «عن كل واحد منا ليس بعيدًا، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد» (أع17: 27و28) كما قال الرسول بولس لأهل أثينا. وحيث إننا نرى أن لكم من آبائكم أصنامًا بلا حسٍّ، وأنكم تعتقدون أنكم تعبدون الله من خلالها، فاعبدوا بدلاً من ذلك الواحد المولود من الله سيدنا الإله الحقيقي الذي صار إنسانًا لأجلنا، يسوع المسيح، الذي يحيط به جميع القديسين والشهداء والبطاركة والأنبياء والرسل ومعظم صنعة يديه. وكما أن اللؤلؤة لا تحتاج إلى شاهدين أو ثلاثة شهود ليتحققوا من طبيعتها، حيث رغم أنها صامتة فهي موضع إعجاب؛ هكذا أيضًا أنت أيها الإنسان الذي يقودك إنسان له نفس المشاعر ونفس الأصل، يأتي بك بسهولة إلى الله وإلى الحياة الأبدية“.[/FONT]
[FONT=&quot]”أما بخصوص الشهادة عنه، فيجدها الإنسان ذو الفهم الراجح في كثير من كتابات القديسين، ليس عن مجيئه وظهوره فحسب؛ بل أيضًا عنكم أيها الوثنيون. لأن الله، بسابق علمه أن الأمم سوف تطيعه دون اليهود المخالفين، قد أعدّ ميراثه لكم، فلا ترفضوا، إذن، بعدم إيمانكم رب الكل الوحيد. ومع أنه من أجلنا قد صار مثلنا؛ إلاّ أنه يظل هو الله بالطبيعة، كما هو مستعلَنٌ أيضًا من خلال أعماله المنظورة. ولكنكم ستقولون: إن كان هذا هو إيمان المسيحيين ومجدهم، فلماذا يندر أن نجد بينهم مؤمنًا بهذا المقدار؟ ذلك لأن الإنسان له إرادة حرّة، فإن لم يكن إيمانه مغروسًا بثبات في صدره، وإن لم يحاضر في الجهاد الموضوع أمامه بحسب وصايا الله؛ فإنه سريعًا ما تستهويه شهوات الجسد أو يرتدّ بجبن. والمجاهد الشريف لا تقع عينه على الشخص المنهزم بين المسيحيين، ولكنه يُجاري المنتصرين لكي يقتدي بهم في طريق صالح يستحق من أجله نفس الإكليل، باستعداد الموت أيضًا من أجله. فافحص وتقصَّ بكل طاقتك، وإنما بإيمان، فيتكشّف لك لطف الله بكل تفصيل“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ونحن نؤمن أن اليهود أنفسهم سوف يعودون إلى إيمان إبراهيم وإسحق ويعقوب إن هم أرادوا ذلك. وإن ذاك الذي لم يتعرفوا عليه مرةً بأنه الله، ابن الله الوحيد، الذي صار إنسانًا من أجل جنس البشر خليقته، سوف يجدونه حاضرًا ومتكلمًا إن هم فتشوا الكتب المقدسة القديمة والجديدة، التي كانت عندهم قبلنا، لأنه جاء إلى خاصته. أما إذا لم يشاءوا فسوف يقول لهم: «وُجدتُ من الذين لم يطلبوني» (إش65: 1؛ رو10: 20)، لكنهم كانوا قد زاغوا بعيدًا وراء الوثنية والجهل، «وصرتُ ظاهرًا من الذين لم يسألوا عني» (رو10: 20)“.[/FONT]
[FONT=&quot]”وإذا قال قائل: "إنني لا أصدقك إذ تدعو إنسانًا إلهًا مهما كان عمل هذا الإنسان"، فليس في هذا القول غرابة، فإن موسى نبيهم العظيم أيضًا الذي لم يقدروا أن ينظروا إلى وجهه بسبب لمعانه بالمجد (انظر 2كو3: 7)، لم يؤمن الجاحدون أنه نبي الله وأرادوا أن يرجموه (خر17: 4). ولكن يشوع بن نون - الذي اتخذ لنفسه اسم ورمز ذاك الذي قال عن نفسه: «جئتُ لأجمع كل الأمم» (إش66: 18سبعينية) – لم يؤمن أنه رجل الله فحسب؛ بل إنه كان يدعوه أيضًا ’سيدي‘ قائلاً: «يا سيدي موسى اردعهما» (عد11: 28). لذلك فقد صار خليفته. وكذلك كالب أيضًا وكثيرون آخرون أرضوا الله بواسطته“.[/FONT]
[FONT=&quot]”وحتى الإنسان الذي يُدعَى مسيحيًا، إن لم يحوِّل نظره ثانيةً نحو إنسانه الداخلي، ولا يكون مثل حواء التي حوّلت نظرها من الحقائق الداخلية إلى الخارجية فاشتهت الأشياء المنظورة، وإن لم يداوم على التطلُّع بخوف ورعدة إلى قوة ومجد المسيح الساكن فيه، ألا يصير هو أيضًا مثل اليهود صالبًا للمسيح ولو بطريقة أخرى؟ لأن كل شرٍّ يرتكبه الإنسان، وخاصةً إذا نبذ الوصية الثانية، فإنه بالتالي يرفض الوصية الأولى كما قيل: «بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم» (مت25: 40)“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ولكن لعل كل اليهود والوثنيين والمسيحيين بل والبرابرة أيضًا يخلصون بواسطة ربنا وإلهنا يسوع المسيح، لأن «يمينه وذراع قدسه قد خلّصت لنفسه» (مز98: 1) لخزي العدو، إذ نوجد جميعًا في ملكوت السموات مرتلين مع جميع القديسين لله تعالى منذ الدهور كلها حتى الدهور اللانهائية“.[/FONT]
[FONT=&quot]وبعد أن تحدث أبونا باخوميوس بكل هذه الأمور للإخوة، نهض وهو سعيدٌ لأنه لم يُخفِ وزنته. ثم صلّى وصرف الإخوة الذين كانوا متهللين بصلاح الله بسبب ما سمعوه، آمين[FONT=&quot][22][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][1][/FONT] Apoph., systematique grecque, XVIII 25.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] G 1, 94; SBO, 89a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][3][/FONT] G 1, 95; SBO, 89b, 90, 91b.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] G 1, 111; SBO, 91a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] G 1, 47; SBO, 46.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][6][/FONT] G 1, 48, 49.[/FONT]

[FONT=&quot][7]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref7[FONT=&quot] كانوا يقضون معظم وقتهم في الهذيذ في الكتب المقدسة حتى إنهم كانوا يحفظون أجزاءً كبيرة منها عن ظهر قلب، وكانوا في عملهم أو قيامهم أو سيرهم يردِّدون هذه الأقوال بصوت خافت أو في قلوبهم.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] G 1, 56 – 58; SBO, 104.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][9][/FONT] G 1, 62.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][10][/FONT] G 1, 63.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][11][/FONT] G 1, 69; SBO, 64.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][12][/FONT] G 1, 72; SBO, 67a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT] G 1, 73; SBO, 67b; W. & W., I: 359.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] G 1, 75; SBO, 67c.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][15][/FONT] G 1, 96; SBO, 72a.[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][16][/FONT] SBO, 80. [/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][17][/FONT] SBO, 105;[FONT=&quot] س 4 ورقة[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][18][/FONT] Paral., 6a.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][19]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref19[FONT=&quot] جاء في الترجمة اليونانية أن أنبا باخوميوس نال القدرة على أن يطأ الحيات والعقارب مبكرًا جدًا في حياته. وقد اعترفت الشياطين نفسها بذلك. وفي الترجمة القبطية يعلّم القديس الإخوة ألاّ يفقدوا الثقة في سحق الحيات والعقارب أو أي وحش آخر. وفي تعاليم القديس (1: 42) يوبخ المسيح راهبًا مهملاً بقوله: ”أما أعطيتك السلطان أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو“؟ [/FONT]Paral., 12[/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][20][/FONT] Paral., 19, 20.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][21]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref21[FONT=&quot] س 4 ورقة 23.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][22][/FONT] Paral., 37 – 41. [FONT=&quot][/FONT][/FONT]
[/FONT]
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف سابق
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,036
مستوى التفاعل
845
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
[FONT=&quot]بخصوص تنشئة الرهبان الصغار قال أنبا باخوميوس:[FONT=&quot] ... رأى رب المسكونة، ابن الله الذي تجسّد لأجل خلاصنا. وفوق كل شيء فقد قال: «لا تمنعوا ...»[FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]، وأقام ولدًا وسط تلاميذه وقال: «من قبل ولدًا واحدًا مثل هذا باسمي فقد قبلني» (مت18: 5). ولكن بالنسبة للصغار الذين تعرّضوا للانحراف في صغرهم ... (ينقص نحو 12 سطرًا) ... كما يقول الكتاب: «من يعيش بخلاعة منذ صغره يصير عبدًا» (أم29: 21 حسب النص). لذلك يا إخوتي، فكل ولد صغير وأيضًا الأكبر منه، الذين يأتي بهم الرب إلينا لأجل تجديدهم، فلنحرص ... (ينقص نحو 20 سطرًا) ... فلنعلّمهم مرات كثيرة أن الله هو الذي خلقهم. وكذلك عن السماء والأرض والشمس والقمر ... (ينقص نحو 27 سطرًا).[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]علّموهم في كل وقت أن يباركوا بلا انقطاع ذاك الذي خلق كل هذه الأشياء، سواء كان بأفواههم أو بقلوبهم قائلين: ’مباركٌ أنت يا رب‘، حتى يصيروا هم أيضًا أولادًا لداود النبي الذي قال: «أبارك الرب في كل وقت، وفي كل حين تسبحته دائمًا في فمي» (مز34: 1). وبعد ذلك ينبغي أيضًا أن تُعطَى لهم المزامير ليحفظوها عن ظهر قلب، بالإضافة إلى ما يلزم أن يحفظوه من الكتب المقدسة. وبعد ذلك يجب تعليم الأولاد ما يُرضي الله وما هي إرادته كما جاءت في الناموس والوصايا التي اقتبستُ منها لكم، حتى يحبوا الرب إلهنا من كل قلوبهم ومن كل نفوسهم ومن كل قدرتهم، ويحبوا قريبهم كأنفسهم، وحتى يعرفوا بكل يقين أن كل ما كُتب هو بالروح القدس، لكيما إذا حفظوا أجسادهم طاهرة منذ صغرهم فصاعدًا، يصيرون هياكل للرب، ويسكن فيهم الروح القدس[FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان أنبا باخوميوس يؤكِّد في وصيته للإخوة قائلاً:[FONT=&quot] إنني أريد لكم ألاّ تبذلوا ما في وسعكم في حرصكم على تنميق قلاليكم وزخرفتها وتحسين عمارتها، لأن في ذلك مضرةً لأنفسكم، لأن العقل ينجذب إلى ما هو حسن من الأمور والأعمال وينسرق بنظره إليها تيهًا وعجبًا، ويصير للشياطين صيدًا وقنصًا، وذلك لأنه غريبٌ عنا وخارج عن مذهبنا أن نصغي إلى جمال العالم وبهائه، ونُشغَف بحسن أعماله، بل إنه يليق بنا أن نكبح جماح أنفسنا ونردّ ألحاظنا عن النظر إلى أيٍّ من الأمور المحكمة، ونصمّ آذاننا عن الأخبار المطربة، وأنوفنا عن استنشاق الروائح المعطّرة، وأن نكبح المذاق عن سائر الملذات، وأن نربط أيدينا عن افتعال أي شيء من المنكر، ونقيِّد أرجلنا عن السعي في سبل السيئات، وأفكارنا عن المرح في مروج الشهوات، وأن نكلِّف أنفسنا ونقودها قسرًا إلى الامتناع عن الطعام اللذيذ الشهي، وعن اللباس الصقيل البهي، وألاّ نقتني من سائر الأشياء إلاّ الضروريات. وبالاختصار، فإن جميع ما هو عند أهل العالم مستحسَنٌ كريمٌ فليكن عندنا نحن الرهبان مطروحًا مهانًا، متحققين أن شرف العالم باطلٌ، وجماله عاطلٌ، وإنما شرف المؤمن وجماله هو نقاء لُبّه (أي قلبه) واجتهاده في حفظ وصايا ربه[/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]مرض القديس الأخير:[/FONT]
[FONT=&quot]بعد عيد الفصح[FONT=&quot] أطلق الله مرضًا على الإخوة، فرقد منهم في جميع الأديرة ما يقرب من مائة أخ أو أكثر في وقت واحد. وكان هو مرض الطاعون الذي أصاب أنبا باخوميوس نفسه، هذا المرض الذي متى أصاب إنسانًا يتغير لونه وتحمرُّ عيناه وتصيران كالدم، ثم ينتابه الإحساس بالاختناق إلى أن يموت. وهكذا رقد كلٌ من الآباء "سوروس" رئيس دير "بخنوم" و"كورنيليوس" الذي على دير "منخوسين" و"بفنوتيوس" الذي كان مدبِّرًا لجميع الأديرة وهو أخو أبّا تادرس وكان مقيمًا في دير بافو، وغيرهم كثيرون من الإخوة الكبار.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وخصّص الأب تادرس ذاته لخدمة الأب باخوميوس الذي انحلّ جسده وهزل جدًا من شدّة المرض الذي لازمه طويلاً. وكان قلبه وعيناه كنار متّقدة. وقد رقد عدد كبير من الإخوة بسبب هذا الوباء حتى إنه كان يرقد كل يوم تقريبًا واحدٌ أو أكثر حتى بلغ عدد الذين رقدوا نحو مائة وثلاثين راهبًا. فتذكّر الأب باخوميوس ما قاله له الملاك إن الرب سيأخذ تقدمةً عظيمة منكم في يوم الفصح. وقبل انتقاله بيومين استدعى بقية آباء ومدبّري الأديرة وقال لهم: ”ها أنتم ترون أن الرب يفتقدني، فاختاروا لأنفسكم من يستطيع أن يدبّركم في الرب“.[/FONT]
[FONT=&quot]واستدعى القديس أحد آباء دير "شينوبوسكيا" يُدعَى "أورسيزيوس"، رجلاً قويًا في الإيمان متواضعًا وصالحًا، وقال له: ”اصنع جولةً واستفسر من الرهبان عمّن يختارونه“. ففعل كذلك، أمّا هم فقالوا له وهم باكون: ”بما أن الرب قد سلّمنا ليديك فنحن لا نعرف آخر سواك“. فأجابهم أنبا باخوميوس: ”صدقوني، إنني على يقين أن "بترونيوس"، إذا عاش، فهو يقدر أن يهتم بكم، وقد كشف لي الرب أنه يمكنه أن يعمل على بنيان نفوسكم بمخافة الرب“. فقد كان هو أيضًا مريضًا في ديره المسمّى "تسمين" في منطقة "بانوبوليس".[/FONT]
[FONT=&quot]وقد ظلّ الأب باخوميوس مريضًا في أيام الخماسين المقدسة، وظل راقدًا مع جميع المرضى ويتلقّى نفس العناية مثلهم بدون تفرقة، وذلك حسب توجيهه السابق لهم. ورغم أن جسده صار ضعيفًا جدًا بسبب طول مدة المرض؛ إلاّ أن عينيه وقلبه كانا مثل نور مشتعل. وقال لأبّا تادرس: ”من فضلك أحضر لي غطاءً مستهلَكًا خفيفًا لأن هذا الغطاء ثقيل عليَّ ولم أعُد أحتمله حيث إنني مكثتُ مريضًا لمدة أربعين يومًا حتى الآن، ولكنني أشكر الرب“. فأحضر الأب تادرس غطاءً جيدًا خفيفًا وغطّاه به. ولما رأى الأب باخوميوس نوع الغطاء غضب من أبّا تادرس وقال له: ”أي ظلم فعلتَه يا تادرس؟ أَتريد أن تُعثر الإخوة؟ فعندما يقولون إن الأب باخوميوس كانت حياته ميسّرة أكثر من الإخوة، أكون معرَّضًا لدينونة الله. فارفع هذا الغطاء عني، فإنني سأدبّر نفسي حتى أذهب إلى الرب“. فأخذ أبّا تادرس الغطاء وأحضر له غيره مستَهلَكًا أكثر وأردأ من كل أغطية الإخوة![/FONT]
[FONT=&quot]وكان جميع الإخوة قد تجمّعوا في مكان الصلاة وقضوا ثلاثة أيام يصلّون ويبكون أمام الرب لكي يترك لهم أباهم مدّة أطول على الأرض. ثم أرسل الأب باخوميوس أبّا تادرس إليهم قائلاً: ”كُفّوا عن البكاء لأن الأمر قد صدر من الرب بخصوص ذهابي في طريق جميع آبائي“. فعاد الجميع إلى حيث كان يرقد وظلّوا يبكون بحزن عميق[FONT=&quot][4][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]استطال مرض القديس،[FONT=&quot] وكان ذلك خلال صوم الأربعين المقدسة. وفي الأسبوع الأخير، الذي هو فصح الرب (أسبوع الآلام)، لما تجمّع الإخوة كلهم في دير بافو للاحتفال بالبصخة معًا، جاء إليه ملاك الرب قائلاً: ”استعد يا باخوميوس، لأن الرب سوف يأخذ تقدمةً عظيمةً من بيتك في يوم العيد“. ففكّر في نفسه قائلاً: ”ربما سيفتقدني الرب يوم السبت ليلة عيد الرب“. فقضى أربعة أيام البصخة بدون طعام مع تنهُّد ونوح في نفسه من أجل وحدة الكينونيا لكي لا تتبدّد.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وفي مساء الجمعة، وهو ثالث يوم لم يأكل فيه شيئًا، جمع الإخوة كلهم وكلّمهم كما تكلّم صموئيل النبي مع الشعب في أيامه مخبرًا إياهم بكل الفرائض. فقال لهم: ”أظن يا إخوتي وأبنائي، أنه قد حان الوقت لكي أذهب في طريق الأرض كلها (1مل2: 2) مثل جميع آبائي. وأنتم جميعًا على دراية بكل حياتي، وكيف سلكتُ في وسطكم بكل تواضع وإنكار للذات. وتعلمون أنني لم أسعَ قط إلى معيشة ميسّرة أكثر من أي واحد منكم بأي حال، بل بالعكس، فقد كنا جميعًا مثل إنسان واحد في معيشتنا، ولم أكن مستترًا عنكم في أي شيء في هذا المكان المقدس. لأن الرب شاهدٌ على ضميري بأنني لم أقُل ذلك عن غرور أو كبرياء. وفي الواقع إنني لستُ مزمعًا أن أكلّمكم عن الأمور التي كنت أفعلها، والتي هي ظاهرة لكم، لكي أقنعكم بها، ولكنني بخلاف ذلك سأكلّمكم عن الأمور التي لم أكن قد أوضحتُها لكي تطمئن قلوبكم“.[/FONT]
[FONT=&quot]”إنني، أمام الله والناس، لم أسبِّب عثرةً لأي واحد منكم. والرب يعلم كذلك أنه إذا لم تُراعوا كل القوانين التي وضعتها لكم وتطبقوها عمليًا، فلن تجدوا أيّة راحة لنفوسكم. وأنا أقول ذلك لأنني لا أعرف ما هو مزمعٌ أن يحدث لنا، لأن الرب يأمرنا في الإنجيل قائلاً: «فاسهروا إذن لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان» (مت25: 13)“.[/FONT]
[FONT=&quot]”إنكم تعلمون قصدي وغايتي، ولم أوبّخ أحدًا منكم قط كمن له سلطان إلاّ من أجل خلاص نفسه، ولم أنقل أحدًا من مكان لآخر أو من وظيفة إلى أخرى إلاّ لعلمي بأن هذا لخيره ومنفعته حسب مشيئة الله. ولم أُجازِ قط أي واحد منكم عن شرٍّ بشرّ، ولا لعنتُ أحدًا شتمني في ثورة غضب أو ضيق صدر، بل كنتُ بالعكس أعلِّمه بطول أناة حتى لا يُخطئ إلى الله قائلاً له: ’والآن، حتى وإن كنتَ قد أخطأتَ فيَّ فاحرص لنفسك كإنسان لئلاّ تخطئ إلى الله الذي خلقك‘. ولم أغضب قط إذا وبخني أحدٌ بحقٍّ، حتى ولو كان الذي وبّخني صغيرًا. ولكنني كنتُ أتقبّل توبيخه من أجل الله كما لو كان الرب هو الذي يوبّخني“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ولما كنتُ أذهب إلى موضع أو جماعة (مجمع آخر) لم أطلب قط كمن له سلطان: ’أعطِني جحشًا لأمتطيه‘، بل كنتُ معتادًا أن أذهب ماشيًا بشكر واتضاع. أمّا إذا لاحقني أحدٌ منكم بالجحش لكي يجعلني أركبه بعد أن مشيتُ على رجليَّ، فإذا لحقني على الطريق ورأيتُ أن جسدي مريضٌ ويحتاج إلى راحة من التعب، فكنتُ أقبل منه ذلك. أمّا إذا لم أكن مريضًا فما كنتُ أقبل ذلك. أمّا بخصوص الأكل والشرب والدهن بالزيت وسائر الأمور الخاصة براحة الجسد، فأنتم لستم تجهلون بما اعتدتُ عليه بخصوصها كما قلتُ لكم سابقًا“.[/FONT]
[FONT=&quot]وبينما كان القديس يقول ذلك كان الأب تادرس جالسًا على مسافة قصيرة وهو يبكي ووجهه بين ركبتيه. وكان كثيرون من الإخوة يبكون أيضًا، عارفين بخدمته التي لا تفتر لكل واحد، وتواضعه الشديد حينما كان يعمل كخادم لكل واحد منهم بمخافة الرب كما يقول الرسول بولس: «كنّا مترفِّقين في وسطكم كما تُربِّي المرضعة أولادها، هكذا إذ كنّا حانّين إليكم كنّا نرضَى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضًا لأنكم صرتم محبوبين إلينا» (1تس2: 7و8). ولكن القديس كان يُصرِّح بكل ذلك وهو راقدٌ مريضًا، وكان هذا هو اليوم الثالث لصومه، وكانوا جميعًا يبكون بسبب الكارثة التي ستحلّ بهم إذا افتقده الرب مثل غنم يُؤخذ منهم راعيهم[FONT=&quot][5][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أوصى الأب باخوميوس أبّا تادرس قائلاً:[FONT=&quot] ”إذا افتقدني الرب فلا تترك جسدي في المكان الذي سيُدفَن فيه“. فأجابه أبّا تادرس بحزن عميق: ”سأعمل بما تقوله لي“. ثم أمسك بلحيته وضربه على صدره وقال له: ”انتبه“، وكرر تلك الوصية مرةً أخرى، فقال له أبّا تادرس أيضًا: ”يا سيدي وأبي، سأعمل بكل رضى بكل ما تأمرني به“. وقد ظن أبّا تادرس أنه قال ذلك بإصرار خوفًا من أن يسرق البعض جسده ويُقيموا عليه موضع شهادة كما يفعلون مع الشهداء القديسين. لأنه سمعه عدة مرات ينتقد الذين يفعلون ذلك قائلاً إن القديسين لا يُسرّون بالذين يفعلون ذلك، لأنهم يُتاجرون بأجساد القديسين.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم أمسك بلحية أبّا تادرس مرةً أخرى وقال له مرةً ثالثةً: ”يا تادرس، احرص أن تعمل سريعًا بما قلته لك. وكذلك إذا صار الإخوة متهاونين، فعليك أن تنذرهم بناموس الله“. ففكر أبّا تادرس في نفسه قائلاً: ”ماذا يقصد بهذا القول؟ هل يعني أنني بعد حين سأكون مسئولاً عن الإخوة؟ لستُ أدري“. وبينما كان يفكر في ذلك قال له الأب باخوميوس: ”لا تكن متردِّدًا ولا تتذبذب، فإنني أشير ليس فقط إلى ما أقوله لك، بل أيضًا إلى ما تفكر فيه في قلبك“. فقال أبّا تادرس وهو يبكي: ”حسنًا“.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما قال الأب باخوميوس ذلك، فَقَدَ وعيه لفترة قصيرة، ولم يقل لأحد شيئًا آخر. ثم رشم علامة الصليب بيده ثلاث مرات، وفجأةً فتح فمه وسلّم روحه للرب[FONT=&quot][6][/FONT][FONT=&quot]، فحلّت عليهم مخافة عظيمة حتى إن المكان تزعزع ثلاث مرات. وقد رأى كثير من الشيوخ الذين كانت لهم رؤى عديدة قالوا: ”رأينا حشدًا من الملائكة في صفوف فوق بعضها وهم يتأملون فيه، وكانوا يتقدّمونه وهم يسبِّحون بكل فرح حتى استُقبل في مكان راحته“. وقد خرجت من مكان راحته رائحة عطرية لأيام كثيرة. ووضع أبّا تادرس يديه على عيني أبيه القديس وأغلقهما كما فعل يوسف الصدّيق مع أبيه، والذي قال عنه الرب ليعقوب أبيه: «لا تخف من النـزول إلى مصر لأني أجعلك أُمّةً عظيمةً هناك، أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أُصعدك أيضًا، ويضع يوسف يده على عينيك» (تك46: 3و4). وبكى جميع الإخوة واندفعوا إليه وقبّلوا فمه وكل جسده المقدس.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]وقضى الجميع بقية ذلك النهار والليل كله حوله أمام المذبح وهم يقرأون فصولاً من الكتاب المقدس. ولما انتهوا من صلوات الصباح أعدّوا جثمانه للدفن كما فعلوا مع بقية الإخوة وقدّموا ذبيحة الإفخارستيا (القدّاس) لأجله. ثم تقدّموه وهم يرتلون المزامير إلى الجبل حيث دفنوه. وقد قال الإخوة بعد ذلك: ”لقد صرنا اليوم بالحق يتامى“. وبعد عودتهم أخذ أبّا تادرس في تلك الليلة ثلاثة إخوة معه ونقلوا جثمانه ووضعوه مع الأب بفنوتيوس أخي أبّا تادرس ومدبِّر الكينونيا، ولا أحد يعلم أين يرقد جسده حتى اليوم (أي يوم تدوين هذه السير والأقوال).[/FONT]
[FONT=&quot]وقد كانت كل سني حياته ستين سنة، فقد ترهب في سن الحادية والعشرين، وقضى التسع والثلاثين سنة التالية في الرهبنة. ولما رأى الرب أنه صلب ذاته في كل شيء لكي يصنع مشيئته أراد أن يُعطيه راحةً، فأخذه عنده ولم يسمح أن يبلغ سنًّا كبيرًا حتى لا يُعاني أكثر من ضعف الجسد[FONT=&quot][7][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]كان الأب باخوميوس[FONT=&quot] يتحدث مع أولاده كثيرًا بكلام الله. وبعض الذين أحبوه بشدّة دوّنوا الكثير من تفاسيره للكتب المقدسة التي سمعوها منه. وكان إذا رأى منظرًا أو رؤية يخبر به الإخوة القدامى لكي ينتفع إيمانهم، فالرب دائمًا يمجد خدّامه كما قال لموسى: «فيؤمنوا بك أيضًا إلى الأبد» (خر19: 9). ولكننا تعلّمنا في حينه أنه لم يُعطَ للجميع أن يؤمنوا وبالأخص الراهب رغم أنه يسير في طريق القديسين، ولكن الطريق مفتوح أمام الجميع. لذلك جمعنا هذه الأمور ودوّنّاها لكي لا نخسر شيئًا من ثمار ما قيل.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ولنعلم يقينًا أن الرب لا زال يقول حتى الآن: «أكرم الذين يكرمونني» (1صم2: 30). ونحن نعلم أن مزمورًا واحدًا يكفينا، لا سيما أن الرب يقول: «أنا أريحكم» (مت11: 28)، إلاّ أنه توجد الآن في كنيسة الله رتبٌ كثيرة بين الآباء: الأساقفة ثم القسوس ثم الشمامسة ثم الآخرون في الترتيب ومنهم الرهبان، «وطوبى لكل من يتقي الرب» (مز128: 1). وإن كان الناس لم يكتبوا سيرة كل إنسان كامل؛ إلاّ أنها كُتبت عند الرب.[/FONT]
[FONT=&quot]ونحن لم ندوّن كل ما كتبناه إلاّ من أجل التذكار، وذلك كما كتب الآباء رسائلهم للمنفعة، ومثل سيرة الطوباوي أنطونيوس للرهبان والإخوة في الأرجاء الأجنبية الذين طلبوها من الكلي القداسة البابا أثناسيوس. وحتمًا إنه كتب بتدقيق، أما نحن الخطاة فلا نقارن أنفسنا بهذا الرجل العظيم، ولكننا كتبنا كأولاد قد أخذتنا الغيرة أن نحفظ تذكار الاباء الذين أرشدونا.[/FONT]
[FONT=&quot]وكان الأب باخوميوس نفسه، وهو بعد حيًا، يُملي أحاديثه وتوجيهاته ليس لتهذيب جماعته وحدهم؛ بل بعث أيضًا برسائل كثيرة لآباء الأديرة. وكان يستخدم فيها الحروف من الألفا إلى الأوميجا ليعبِّر بها، بلغة روحية سريّة، عن أمور تختص بتدبيرهم للنفوس. وكان يفعل ذلك عندما لا يسمح له الوقت بزيارتهم. وإذ كانوا رجالاً روحيين، فقد كانوا يجاوبونه بنفس الأسلوب. وقد فهموا جيدًا أنه يقودهم بذلك إلى الكمال، مرشدًا إياهم بكل تفصيل بالرموز وبلغة خاصة حتى إنهم طلبوا منه أن يجمع هذه الكتابات الروحية في كتاب [FONT=&quot][8][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]قيل عن أبينا القديس أنطونيوس[FONT=&quot] عندما أتى إليه أولاد القديس باخوميوس يسألون عنه [/FONT][FONT=&quot]إن [/FONT][FONT=&quot]أب[/FONT][FONT=&quot]ا[/FONT][FONT=&quot]نا أنطونيوس [/FONT][FONT=&quot]كان [/FONT][FONT=&quot]قد مرِضَ في الجبل الخارجي، وكان أولاد أبينا باخوميوس قد جاءوا من ديرهم طالبين مدينة الإسكندرية، فلما سمعوا أن القديس أنطونيوس مريضٌ في الجبل الخارجي[/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][9][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot]، فأرسوا مركبهم على البرّ وذهبوا لكي يجتمعوا به ويسألوا عنه ويتباركوا منه. فلما سمع أنبا أنطونيوس أنّ إخوة دوناسة قد جاءوا لكي يسألوا عنه ويأخذوا بركته، غصب نفسه وقام وترك قومًا من الإخوة كانوا يزورونه، وأمسكوا يده وأقاموه بسبب أن رقاده أبطأ زمنًا طويلاً ولأنه كان شيخًا هرمًا[/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][10][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot]، وخرج ليسلّم عليهم. فتعجّب الإخوة المجتمعون حوله جدًا. ولما أخرجوه وهم ممسكون بيده إلى الباب الخارجي قبَّلهم بقبلةٍ روحانيةٍ مقدسةٍ، ثم أمسك أنبا تادرس (تلميذ أنبا باخوميوس) بيده اليمنى وأنبا "زكّاوس" بيده اليسرى وساروا معه والإخوة جميعًا يتبعونه إلى موضع مرقده، ثم صلُّوا وجلسوا.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]ثم سألهم: ”كيف حال أبّا باخوميوس“؟ أما هم فبكوا، فعلم أنه قد انتقل. وقد رأى الإخوة المحيطون به وجهه ممتلئًا فرحًا وهو ينير مثل وجه ملاك الله، وابتدأ يتكلم معهم قائلاً: ”لا تتوجع قلوبكم، يا أولادي، من أجل رجل الله الصدِّيق المزيَّن بكل الفضائل أبينا باخوميوس لأنه رقد، لأنكم قد صرتم معه جسدًا واحدًا وشركاء في الأعضاء (أي العضوية)، وقد امتلأتم من نعمة روح الله القدوس التي كانت تُنير داخله. لا تبكوا، فقد صرتم جميعكم مثل أبّا باخوميوس. وأقول لكم إنه استلم خدمةً عظيمةً بجمعه هذا العدد الوافر من الإخوة وسلك منهج الرسل. وفي الحقيقة إنني كنتُ أشتهي أن أنظره في الجسد، وبحقٍ إنني لم أستحقه، ولكن على أي حال سننظر بعضنا بعضًا بنعمة الله في ملكوت السماء وأيضًا جميع الآباء القديسين وبالأخص ربنا وإلهنا يسوع المسيح. ولا سيما أن النفوس التي جمعها حوله هي مقدسةٌ لرب الصباؤوت، وأولئك سوف يُظهِرون الأمر أنهم مرتفعون أكثر منا ويسيرون في طريق رسل المسيح التي هي الشركة المقدسة. أما أنتم فتشجعوا وكونوا كاملين“.[/FONT]
[FONT=&quot]فقال أنبا تادرس لأبينا أنطونيوس: ”اغفر لنا يا أبانا القديس لأنك أنت أكرم منا وأنت هو الباقي من أنبياء الله“. وقال له أنبا زكّاوس: ”بل إنك أنت أيها الأب نور لكل العالم، وقد بلغ صيتك إلى الأباطرة، وبسببك يمجدون الله“. ثم قال له بسذاجةٍ: ”إن كان هذا هو الطريق السامي الذي للرسل، أعني الشركة التي أسسها أبونا، فلماذا لم تكن أنت في شركةٍ مثلها وتُربِّي نفوسًا كثيرة أيضًا كما قلتَ حتى يعلم الجميع أنك صدِّيقٌ للمسيح يسوع وكاملٌ في الفضائل الحسنة التي للروح القدس؟ الرب يعلم أنّ أبانا باخوم لم يفتر عن الكلام معنا في كل حين ليملأنا بالغيرة من سيرتك“![/FONT]
[FONT=&quot]فأجاب أنبا أنطونيوس وقال له: ”اسمع مني لكي أُطيِّب قلبك وأقنعك أيها الصغير زكّاوس لأنك مستحقٌ أن أُطيِّب قلبك، لأن زكّاوس (أي زكا) كان قصير القامة: إنه في الزمان الذي صرتُ أنا فيه راهبًا لم تكن على وجه الأرض حياة شركة لكي أصير أنا أيضًا فيها، بل إنه بعد الاضطهاد كان كل واحدٍ يسكن خارج بلده ويتوحد، ولذلك صرتُ أنا أيضًا في الوحدة، ثم ظهر طريق الرسل على الأرض في هذا الزمان، والأمر الذي ابتدأ به أبونا القديس باخوميوس كان خلاصًا لكل مَنْ هو مضيَّقٌ عليه من قِبَل الشيطان الشرير. والآن لو أردتُ أن أجمع حياة شركة لا أستطيع لأنني لم آتِ من الأول بأمر كهذا لكي أصنع ما يجب أن أصنعه مع كل واحدٍ في الشركة. كما أنني إذا أردتُ أن أعيش مع إخوةٍ مجتمعين في سيرةٍ كهذه وأخضع لهم مثل واحدٍ من الصغار لا أقدر لأنني قد كبرت في هذه الشيخوخة، ولذلك فقد اخترتُ أن أبقى وحدي هكذا كما أنا الآن“.[/FONT]
[FONT=&quot]”لقد كان تدبيري هو أن أخرج من الجبل لكي أفتقد الإخوة، وكنتُ أتكلم مع كل واحدٍ من الإخوة وأُثبِّته في كلام الرب لكي يكون لي أجرٌ من الرب يسوع المسيح. وأقول لكم إنّ هذا الأمر هو موضع اهتمامي أمام الرب في كل حين: أن تخلص نفسٌ واحدةٌ بواسطتي في الرب لكي يخلِّص الرب نفسي، ولكنهم لا يتركونني أصنع إرادتي، بل عندما يسمعون أنني خرجتُ من الجبل الخارجي فإن كثيرين من المتخاصمين والذين بينهم مشاكل يُسرعون إليَّ ويُكلِّفونني أن أكتب إلى السلاطين والرؤساء من أجل ظلمهم (أي شكاواهم). ولكنني لما كنتُ أرى أن هذا ليس فيه ربحٌ لمن هو في شكلنا كنتُ أمضي بسرعةٍ إلى الجبل وأنفرد في الوحدة“.[/FONT]
[FONT=&quot]ولما قال الطوباوي أنبا أنطونيوس ذلك من أجل الإخوة والسيرة المقدسة التي للشركة وكثرة فضائلها، وكانت عنده جموعٌ كثيرةٌ في ذلك الوقت وكهنة وعظماء جاءوا إليه لكي يسألوه ويتباركوا منه[FONT=&quot]؛[/FONT][FONT=&quot] علم أنهم تقمقموا (أي تذمّروا) في قلوبهم بسبب تمجيده للإخوة الذين للشركة الذين هم تحت الخضوع. فقال لهم: ”هل غضبتم بالحق في قلوبكم لأنني أكرمتُ صبر الإخوة وعبادتهم لله“؟ فقالوا: ”لم يكن ضيقنا بالباطل، ولكن ضيقنا في قلوبنا هو لأنه منذ زمانٍٍ كثير منذ أن ضعفتَ بالجسد، فإنّ كل مَنْ يأتي إليك ويسأل عنك من أسقف أو كاهن أو جندي أو مقدَّم أو أي رئيس لا تقف وتقبِّل أحدًا منهم بسبب ثقل مرضك، بل إنهم هم ينبسطون عليك ويقبِّلون رأسك وفمك وصدرك بشكر. ولما أخبروك عن الإخوة الذين من دوناسة في تلك الساعة قمتَ وتركتنا جالسين ومشيتَ أمامهم بفرحٍ عظيمٍ وقبّلتهم بفرحٍ وتهلّل قلبك من أجلهم“![/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فقال لهم الطوباوي أنبا أنطونيوس: ”أنا أطيِّب قلوبكم بخصوص هذا الأمر وأخبركم بكل ما صار إليَّ من الله بالحق. فالرب يعلم أنني لستُ من أجل الإخوة قمتُ وخرجتُ أمامهم وقبَّلتهم لأنهم مكرَّمون عندي أكثر منكم، كلاّ الرب يعلم، بل إنّ ملاك الرب سبق أن دخل إليَّ قدامكم وقال لي: ’هوذا أولاد أنبا باخوم الذي من دوناسة قد جاءوا إليك، فقُم الآن واخرج أمامهم‘. وفيما كان الملاك يتكلم معي جاء إليَّ خبر مجيئهم، وحينئذٍ حلَّت عليَّ قوة الرب، فقمتُ وخرجتُ وقبلتهم إليَّ بفرحٍ كما أمرني ملاك الرب. نعم طوباهم إذا ما صنعوا وأكملوا كل الوصايا والقوانين التي وضعها رجل الله الصدِّيق أنبا باخوم“.[/FONT]
[FONT=&quot]فأجابه الإخوة الجالسون عنده قائلين: ”إن كان هؤلاء الإخوة الذين لتلك الشركة مستحقين للكرامة والمجد الذي مجّدتَهم به فكيف أنه عندما نجتاز بأديرتهم يُتعبوننا إذ يستقصون منا إن كنا من أتباع "ماني" (الهرطوقي) في إيماننا، ونتعب في كلامنا معهم بأننا من أصحاب الأب أنطونيوس ولا يصدِّقوننا بل يقولون: ’إنّ كثيرين يجيئون إلى هنا ويقولون ذلك فنقبلهم إلينا كوصية الإنجيل، وبعد أن يرحلوا نتقصَّى عنهم فنجدهم مانيين (أي من أتباع ماني)‘“؟[/FONT]
[FONT=&quot]فأجاب أنبا أنطونيوس قائلاً: ”أيها السُذَّج الذين ليس عندهم تمييز الكتب وتقبلون إليكم كل واحدٍ بدون اختبار، هل تريدون أنّ إخوة الشركة المقدسة يكونون بلا فحصٍ للذين لا يعرفونهم في إيمانهم؟ أمّا هم فلأنهم متحفِّظون في كل شيء لأنهم يذكرون الكلمة المكتوبة في الإنجيل المقدس التي قالها لنا الرب: [FONT=&quot]»[/FONT][FONT=&quot]اِحذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم[/FONT][FONT=&quot]«[/FONT][FONT=&quot] (مت7: 15و16)، وأيضًا: [/FONT][FONT=&quot]»[/FONT][FONT=&quot]امتحنوا كل شيء، تمسّكوا بالحسن[/FONT][FONT=&quot]«[/FONT][FONT=&quot] (1تس5: 21). قد توجد محبة ترون أنها جيدةٌ ولكن آخرتها تبلغ إلى عمق الجحيم“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فطابت قلوب الإخوة والكهنة جميعًا من التعليم الذي قاله لهم القديس أنطونيوس عن إخوة الشركة التي لأبينا القديس أنبا باخوم. ثم سأل أنبا أنطونيوس إخوة دوناسة قائلاً: ”قولوا لي، من الذي عيّنه أبوكم ليكون خلفًا له“؟ فأجابوه: ”أبّا بترونيوس، وعند نياحته عيّن أبّا أورسيزيوس“. فقال لهم: ”لا تدعوه "أورسيزيوس" بل "الإسرائيلي". وعندما تذهبون إلى الأسقف أثناسيوس، الذي هو أهلٌ بالحقيقة للأسقفية، فقولوا له إن أنطونيوس يقول: ’اعتنِ بأولاد الإسرائيلي‘“. ثم قام وصلَّى عليهم وباركهم وخرجوا من عنده إلى مركبهم بسلام، وحمّلهم رسالةً إلى البابا أثناسيوس. صلاتهم تكون معنا جميعًا آمين[FONT=&quot][11][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]أخبر الأب تادرس الإخوة عن حياة أبينا باخوميوس[FONT=&quot] منذ طفولته وعن جميع الأتعاب التي تكبّدها منذ البداية، وعندما أسس الكينونيا المقدسة. فقد حدّثهم عن تجارب الشياطين وكيف طردهم من النفوس التي أعطاه الله إياها، وعن الرؤى التي أعلنها له الرب، وعن كل شيء سمعه من فم القديس. وكذلك أيضًا الأمور التي رآها بعينيه. وكان حديثه معهم هكذا: ”أصغوا إليَّ، يا إخوتي، وافهموا جيدًا الأمور التي أقولها لكم. لأن الإنسان الذي نمدحه هو حقًا أبونا كلنا بعد الله. فإن الله قد أسّس معه عهدًا ليخلِّص نفوسًا كثيرةً جدًا بواسطته. ونحن أيضًا قد خلّصنا الرب بصلواته المقدسة. لأنه هو أيضًا واحدٌ من رجال الله القديسين، فقد كان يتمّم إرادة الله دائمًا وفي كل مكان. إنني أخاف أن ننسى أتعابه ونصير بالفعل غير مكترثين بذاك الذي جعل هذا الحشد الكبير روحًا واحدًا وجسدًا واحدًا. لقد تحقق ذلك بواسطته وبواسطة آبائنا القديسين الآخرين الذين ساعدوه في تأسيس هذا الصرح المقدس. تأملوا كيف بارك الرب بيت يوناداب ابن ركاب بلسان إرميا قائلاً: «من أجل أنكم سمعتم لوصية يوناداب أبيكم وحفظتم كل وصاياه وعملتم حسب كل ما أوصاكم به، لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: لا ينقطع ليوناداب بن ركاب إنسانٌ يقف أمامي كل الأيام» (إر35: 18و19). ونحن نؤمن أيضًا أن بركة أبينا سوف تبقى معنا ومع كل الذين يأتون بعدنا أمام الله إلى الأبد“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]والآن، فلنحرص إذن ألاّ نكون مهملين وننسى أحكامه ووصاياه التي أعطانا إياها عندما كان معنا في الجسد. وما هو الذي نتميز به عن باقي الناس؟ هل نتميز بأن لنا زيًّا خاصًا؟ أو أننا مجتمعون معًا في شركة كينونيا واحدة؟ إنه يوجد في الواقع كثيرون مجتمعون معًا في أماكن كثيرة ويلبسون نفس زيّنا أيضًا، لأن مجد الرب إلهنا ونعمته قد ملأت العالم كله[FONT=&quot][12][/FONT][FONT=&quot]؛ ولكن الميزة التي أعطانا إياها الرب حقًا هي ما أعطانا إياه أبونا البار، فقد انتهج فيما أعطانا طريق حياة الأنبياء وطريقة الخدمة التي سلكها ربنا حسب الإنجيل. لقد كان بلا لوم أمام الجميع كما تشهدون أنتم أنفسكم. كما أنكم لستم غير مدركين كيف كان كثيرًا ما يعلّمنا بدموع كما قال ق. بولس للذين كان يعلّمهم: «اسهروا متذكرين أني ثلاث سنين ليلاً ونهارًا لم أفتُر عن أن أُنذر بدموع كل واحد» (أع20: 31)، وكيف كان يجمعنا كل يوم ويحدِّثنا عن الوصايا المقدسة حتى نحفظ كل وصية للمسيح في الكتب المقدسة، وكيف كان يعمل بها قبل أن يوصينا بها. فإنه بصلتنا بمثل هذا الإنسان البار تعلّمنا إرادة الله حتى في أدقّ التفاصيل مثل بسط أيدينا إلى فوق للرب وكيفية الصلاة. والذي علّمنا ذلك (أي أنبا باخوميوس) ألا نباركه بعد الرب الذي خلقنا؟ حقًا، ألم يقُل الله لإبراهيم الذي عمل إرادته: «أبارك مباركيك ولاعنك ألعنه» (تك12: 3)؟ والآن إذًا، يا إخوتي، فلنقل كلنا: ”مباركٌ ألله وأبونا البار باخوميوس الذي بجهاد صلواته صار لنا مرشدًا للحياة الأبدية“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]فأجاب جميع الإخوة بصوت واحد وفم واحد: ”مباركٌ أبونا القديس البار أنبا باخوميوس في كل شيء وفي كل أعماله“. ولما أعلنوا ذلك كلهم بفرح وثقة عظيمة فيه أضاف الأب تادرس قائلاً: ”ربما يفكر بعضكم أنهم يعطون المجد للجسد، كلاّ بتاتًا. أو أننا من ناحية أخرى نضع رجاءنا في إنسان، كلاّ إطلاقًا، بل إننا نمجد ونبارك روح الله الذي فيه. وإننا في الواقع إذا باركنا الجسد أيضًا فإنه مستحقٌ لذلك حقًا لأنه صار هيكلاً للرب. ومن المناسب ليس أن نفعل ذلك فحسب؛ بل إننا نعلم كذلك ونؤمن أن اسمه مكتوبٌ في سفر الحياة مع جميع القديسين“.[/FONT]
[FONT=&quot]”والآن إذًا، يا إخوتي، أقول لكم إنه ضروريٌ وحقٌ علينا أن نكتب عن كل أعماله منذ البداية وعن الكمال الذي حققه في حياته، وعن كل الجهادات النسكية التي قام بها حتى تظل ذكراه على الأرض كما هي باقية في السماء إلى الأبد كما قال أيوب الطوباوي: «ليت كلماتي الآن تُكتَب، يا ليتها رُسمت في سفر ونُقرت إلى الأبد في الصخر» (أي19: 23و24). ولكن لا يقل أحدٌ بجهله: «ملعونٌ الرجل الذي يتكل على الإنسان» (إر17: 5)، لأنه قيل لكم كثيرًا إنّ من يلتصق بالرب فهو روحٌ واحدٌ معه (1كو6: 17)، وقيل أيضًا: «أما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح» (رو8: 9). إذًا، فالإنسان الذي يلتصق بالرب ويخدمه لم يعُد إنسانًا بسبب فكر الروح القدس الذي فيه، تمامًا مثل وضع السيف في غمده. فإنه لا يُقال: "السيف وغمده" كما لو كانا منفصلين بعضهما عن بعض، فيُطلَق لهما اسمان؛ ولكن يُقال ببساطة: "السيف". وأيضًا مثل الخمر في زقٍّ عندما يُخلَط بالماء، فإنه لا يُدعَى "خمرًا وماءً"؛ ولكن الذين يشربونه يدعونه ببساطة: "خمرًا". وهكذا أيضًا مع الإنسان الذي يصير هيكلاً لله بتطهير نفسه وجسده وروحه“.[/FONT]
[FONT=&quot]”دعونا نتأمل في القديسين الذين ذُكروا في الكتب المقدسة، وكيف كان كل واحد منهم يمدح مَن سبقه الذي قاده إلى الحياة إذ عرّفه بالله. وقد فعلوا ذلك بناءً على وصية الرب ووفقًا لإرادته. لذلك يليق بنا أيضًا، بلا أي تردُّد، أن نبارك أبانا البار الذي قادنا إلى معرفة الله. عندما كلّم الله إسحق أب الآباء باركه وقال له: «لا تنـزل إلى مصر، اسكن في الأرض التي أقول لك، تغرّب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك ... وأكثّر نسلك كنجوم السماء، وأعطي نسلك جميع هذه البلاد وتتبارك في نسلك جميع أُمم الأرض من أجل أن إبراهيم (أباك) سمع لقولي وحفظ ما يُحفظ لي: أوامري وفرائضي وشرائعي» (تك26: 2-5). فلو لم يكن إسحق قد أرضى الرب لما كان قد خاطبه بهذا الأسلوب، وما كان قد دعاه: "ابن إبراهيم" عندما قال له: «أباركك من أجل إبراهيم أبيك». وبذلك فقد علّم خادمه وأظهر له تعضيده الكامل في أن يمتدح ذاك الذي ولده بالجسد وبالروح أيضًا. وأيضًا لوط البار، فقد سلك بكرم الضيافة والبر الذي تعلّمه من إبراهيم لما كان معه قبل أن يفترقا. ولما سكن في سدوم داوم على ممارستها، وكان يعمل الخير دائمًا لكل من يأتي إليه (تك19: 1-11). وقد كُتب عنه أيضًا: «الله ذكر إبراهيم وأنقذ لوطًا من الهلاك» (تك19: 29 حسب النص). وقد صار موضع إعجاب وبورك في مواضع عديدة في الكتب المقدسة لأنه أطاع تعاليم إبراهيم“.[/FONT]
[FONT=&quot]”وهكذا يعقوب أيضًا عندما كان يبارك ابني يوسف، نجده يمدح آباءه بقوله: «الله الذي كان أبواي إبراهيم وإسحق مرضيين في عينيه ... يبارك هذين الغلامين، وليُدعَ عليهما اسمي واسم أبويَّ إبراهيم وإسحق» (تك48: 15و16 سبعينية). ويوسف أيضًا، عندما كان على وشك أن يموت قال لإخوته: «الله سيفتقدكم ويُصعدكم من هذه الأرض إلى الأرض التي حلف بخصوصها لإبراهيم وإسحق ويعقوب» ولنسلهم (تك50: 24)“.[/FONT]
[FONT=&quot]”ها أنتم ترون أننا قد سردنا لكم من كل هؤلاء الشهود من الكتب المقدسة كيف كان كل هؤلاء القديسين يمدحون ويمجدون آباءهم الذين سبقوهم. أفلا يحق لنا نحن أيضًا أن نمدح ونكرِّم رجلاً بارًا ونبيًا أعطانا إياه الرب لكي بواسطة قداسته نُقبل إلى معرفته“[FONT=&quot][13][/FONT][FONT=&quot]؟[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]عندما وصل خطاب من الأب أنطونيوس[FONT=&quot] إلى أبّا تادرس وأبّا زكاؤس والإخوة الذين كانوا معهم في الإسكندرية لتشجيعهم، ابتهجوا جدًا ولا سيما بالأكثر لأنه كتب لرئيس الأساقفة (أثناسيوس) أبي الإيمان موصيًا إياه عليهم كأبناء للإسرائيلي (أورسيزيوس) لكيما يعاملهم بكل لطف. وقال الإخوة للأب تادرس: ”إننا حقًا محظوظون لكوننا صرنا مستحقين أن يهتم بنا هؤلاء الكواكب المنيرون، إنهم يهتمون بنفوسنا بسبب إخلاصهم الشديد لأبينا (باخوميوس)“. فقال لهم أبّا تادرس: ”هذا بسبب أتعاب أبينا ودموعه، وأيضًا أتعاب أبّا بترونيوس التي تشفع فينا في كل مكان. فضلاً عن أن أبانا أورسيزيوس أيضًا سيكون ينبوع حياة لنفوسنا في كل عمل صالح“.[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]”إنني أخبركم، يا إخوتي، أنني سمعتُ أبانا باخوميوس يومًا ما - كما أن الآباء القدامى سمعوه حينئذ - يقول: [إنني أرى في مصر في جيلنا هذا ثلاثة رؤوس ناضرة ولها حظوة لدى الله والناس: الأول هو القديس أنبا أثناسيوس رئيس أساقفة الإسكندرية الذي يصارع لأجل الإيمان حتى الموت، والثاني هو أبونا القديس أنطونيوس النموذج الكامل لحياة التوحد، والثالث هو هذه الشركة النموذج لكل من يريد أن يجمع النفوس بحسب الله لكي تعينهم على تحقيق حياة الكمال“[FONT=&quot][14][/FONT][FONT=&quot].[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][1]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref1[FONT=&quot] يقصد في الغالب الآية: «دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم» (مت19: 14)، وينقص هنا في المخطوطة حوالي 12 سطرًا. [/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT] S 10:2. [FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][3]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref3[FONT=&quot] باخوم عربي.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][4][/FONT] SBO, 118.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][5][/FONT] G 1, 114, 115; SBO, 118 – 121.[/FONT]

[FONT=&quot][6]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref6[FONT=&quot] وذلك في 14 بشنس (9مايو عام 346م) الساعة العاشرة نهارًا.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][7][/FONT] G 1, 116; SBO, 122, 123.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][8][/FONT] G1,99,SBO,189. [/FONT]

[FONT=&quot][9]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref9[FONT=&quot] أي القريب من النهر، أما الجبل الداخلي فهو عند البحر الأحمر.[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][10]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref10[FONT=&quot] يُرجّح أن هذه الرحلة تمت بعد 21 أكتوبر سنة 346م، أي بعد عودة البابا أثناسيوس من منفاه، وكان عمر أنبا أنطونيوس حينئذ 95 سنة، وقد تنيح بعد ذلك بعشر سنوات سنة 356م بعد أن أدرك من العمر 105 سنة.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][11]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref11[FONT=&quot] م 23 ورقة 170؛ [/FONT]SBO, 126-129; G 1, 120[FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][12]http://www.arabchurch.com/forums/#_ftnref12[FONT=&quot] يتضح من ذلك أن الرهبنة في ذلك الوقت كانت قد انتشرت في أنحاء مصر بل وفي أنحاء العالم أيضًا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][13][/FONT] SBO, 194.[FONT=&quot][/FONT][/FONT]

[FONT=&quot][FONT=&quot][14][/FONT] G 1, 136; SBO, 134.[/FONT]
[/FONT]
 

+SwEetY KoKeY+

خلينى ارنم !
مشرف سابق
إنضم
1 سبتمبر 2008
المشاركات
28,051
مستوى التفاعل
395
النقاط
0
ثانكس مولكا لمجهودك
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,326
مستوى التفاعل
3,201
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
فى منتهى الروعه
الرب يبارك مجهودكم
شكرااا جداا​
 
أعلى