مرحبا أستاذنا الجميل مصري ثائر (أو مصري حائر كما أسميك
حائر ومحيّرني معاه)، أسعد الله مساءك أستاذنا الحبيب ولعلك بكل خير وصحة وفي أفضل حال دائما. 
إجابة هذا السؤال تجدها في آية واحدة، أو حتى نصف آية: «بدون سفك دم لا تحصل مغفرة». (عب 22:9)
وهذا بالطبع سيقود العقل ـ المسلم خاصة ـ لسؤال آخر: لماذا يجب سفك الدم كي تحصل المغفرة؟ ما هذا الإله الدموي الذي يطلب الدم عن كل خطيئة؟
الإجابة أيضا من الكتاب: «لأن أجرة الخطية هي موت» (رو 23:6). هذا من الجديد، ومن القديم أيضا نعرف أن «النفس التي تخطئ هي تموت» (حز 4:18). الله بالتالي ليس دمويا يريد الدم حقا أو تسعده الذبائح، حاشا. بل أنت في الحقيقة الذي تقدم الذبيحة "فــداء" لذاتك، عوضا عن "نفسـك" أنت شخصيا!
(راجع مثلا هو 6:6، إش 11:1، أم 3:21، مز 6:40، وغيرها الكثير مما ينفي فكرة "الإله الدموي" تماما. وعن ارتباط "النفس" بـ"الدم" راجع لا 14:17: «لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه، فقلت لبني إسرائيل: لا تأكلوا دم جسد ما، لأن نفس كل جسد هي دمه. كل من أكله يقطع»).
سيتبع ذلك بالطبع سؤال آخر: لماذا تكون أجرة الخطية (أي عائدها ونتيجتها) هي الموت؟ لماذا حتما تموت النفس التي تخطئ؟
السبب ببساطة هو أن الخطيئة تقطعنا عن الله، تفصلنا عن مصدر حياتنا وسر وجودنا. وهذا القطع والفصل هو ما نسميه "الموت الروحي". هناك 3 أنواع من الموت: الموت الروحي، والموت الجسدي، والموت الأبدي. فالموت الروحي هو النتيجة الفورية للخطيئة، لأن روح الله القدوس ـ كليّ القداسة ـ يستحيل أن يتصل بإنسان تنجّس بالخطيئة. ثم يؤدي هذا الموت الروحي نفسه إلى الموت الجسدي أيضا ولو بعد حين، كما حدث مع آدم الذي مات روحيا عندما أخطأ وإن عاش جسديا بعد ذلك لعقود مديدة. نشبّه ذلك بالزهرة حين تقطفها من غصنها: ستبقى لبعض الوقت زاهية عاطرة كأنها حيّة لم تزل، رغم أنها ماتت بالفعل حين انقطعت عن مصدر حياتها، ولأنها ماتت بالفعل فهي تذبل تدريجيا وتتغضّن حتى تجف تماما ويتلاشى كل أثر للحياة فيها.
فهل يمكن أن يعود الوصل؟ هل يمكن أن نرجع مرة أخرى لمصدر الحياة الذي فصلتنا عنه الخطيئة؟ هل يمكن ـ بالتوبة مثلا والبكاء والاستغفار ـ أن نتصل مرة أخرى بالله ونحيا بالتالي روحيا من جديد؟
بكل أسف لم يعد ذلك ممكنا! لماذا؟ لأن طبيعتنا الإنسانية نفسها تغيّرت بعد السقوط. بالطبع لا يمكنك إدراك ذلك تماما قبل أن تعرف أولا أبعاد هذه "الخطيئة الأصلية" وماذا ترتب عليها وكيف تغيرت حقا طبيعتنا. حتى لو أخذنا "قصة آدم" كلها بالمعنى الرمزي، كما يذهب لذلك البعض، سنجد بقليل من الأمانة أن آدم هو بالفعل كل شخص فينا. خلاصة القول هي أننا فقدنا ببساطة قدرتنا على القداسة. لم يعد بمقدورنا أن نصل إلى درجات البر والطهر والنقاء التي نحتاجها ليس فقط لأجل "عودتنا" إلى الله مرة أخرى، بل لأجل "ثباتنا" أيضا فيه سبحانه. الدليل الأكيد على هذا العجز في طبيعتنا هو أننا ـ حتى رغم توبتنا وندمنا ـ نعود فنخطئ مرة أخرى، أو نقع بخطيئة جديدة من نوع آخر!
تقول في هذا السياق: «انا شايف ان تشبيه غفران الذنب بشفاء المرض هو تشبيه مثالى لحد التطابق». أحسنت، هو هكذا بالضبط. ولكن إذا كنا نشفى حقا، فلماذا نخطئ مرة أخرى؟ إذا كانت الخطيئة هي "المرض"، وإذا كانت التوبة هي "الدواء" الذي سيجلب لنا "الشفاء" (الغفران)، فلماذا نعود بعد ذلك فنخطئ ثانية؟ ألا يعني ذلك أن هذا الدواء ـ التوبة ـ ضعيف المفعول، ربما حتى بدون أي جدوى؟ يستخدم القديس يوحنا ذهبي الفم نفس التشبيه فيقول: «إعادة طلب الدواء باستمرار برهان أكيد على ضعف مفعوله، ذلك أن الدواء الممتاز يستخدم مرة واحدة ولا يتكرر. هكذا أيضًا في هذا الأمر.. لو أنهم تحرروا من كل خطاياهم لما كانت الذبائح (أو الكفّارات في الإسلام، مع التوبة بالطبع والاستغفار) ما كانت تتكرر.. تكرارها لا يعني حدوث تحرر من الخطايا، بل هو بالأحرى اتهام وتأكيد لوجودها»!
***