الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الكتاب المقدس
الكتاب المقدس
البحث في الكتاب المقدس
تفاسير الكتاب المقدس
الرد على الشبهات الوهمية
قواميس الكتاب المقدس
آيات الكتاب المقدس
ما الجديد
المشاركات الجديدة
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مكتبة الترانيم
إسأل
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
المنتديات المسيحية
الرد على الشبهات حول المسيحية
مجادلة الأنبا جرجي مع ثلاثة من فقهاء المسلمين
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
[QUOTE="محامي مسيحي, post: 640507, member: 29402"] [SIZE="4"][COLOR="Blue"] [CENTER]مجادلة الأنبا جرجي الراهب السمعاني مع ثلاثة شيوخ من فقهاء المسلمين بحضرة الأمير مشمر الأيوبي حوالي عام 1216 ميلادية عني بمقابلتها وتحريرها أحد الرهبان المرسلين الكاثوليك في أفريقيا توطئة [/CENTER] من سمات كنيسة المسيح الظاهرة أن تدعو جميع الناس في كل عصر ومصر إلى دين الله بحسب البيان وجميل الإحسان عملا بأمره له المجد بشّروا بالإنجيل في الخليقة كلها. ولا تظن أيها القارئ النجيب أن نور الإنجيل انحجب أو غاب عن الشرق في القرون المتوسطة بظلم أو بظلام. فإن دين المسيح لم يستطع أن يحجبه الإسلام بحجته الكبرى التي هي الجهاد وقتال من لا يدين به. ولم يقطع سيفه كل لسان ولم يكسر أقلام ضعاف الرهبان الذين هم أخص دعاة النصرانية الموصوفون بجند الكنيسة. ومن هؤلاء الشجعان الذين أرهفوا القلم وأحسنوا البيان الأنبا أو الأب جرجي أحد رهبان دير القديس سمعان الذي موقعه في جبل سمعان في ولاية حلب الذي كان من أعظم وأشهر ديارات البطركية الأنطاكية. وقد خرج منه كثيرون من البطاركة والمطارنة والكهنة المشهورين بالعلم والفضل. وقد بحثنا كثيرا عن تاريخ هذا الأب الفاضل العالم فلم نجد له ذكرا في كتب التاريخ إلا ما أخبرنا عنه تلميذه ورفيقه كاتب هذه المجادلة. وكذلك لم نقدر أن نقف على شيء من أحوال مناظريه إلا ما أخبرنا به الكاتب المذكور. وأما الأمير المشمّر الذي جرت بحضرته هذه المجادلة فقد أفادنا كاتبها عنه أمورا لم يذكرها مؤرخي العرب من المسلمين الذين كتبوا تاريخ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وتاريخ أولاده السبعة عشر الذين تقاسموا ملكه بعد موته. وقليل منهم ذكروه باسمه المشمّر مع لقبه الظافر. ويظهر أنه كان من أتباع أخيه الملك الظاهر غياث الذين غازي صاحب مدينة حلب أصغر أولاد صلاح الدين. ومن ثم كلن الأمير المشمّر أقل شأنا من أخيه الملك الظاهر الذي مات في حلب ودفن في قلعتها سنة 617 للهجرة التي توافق سنة 1216 مسيحية عندما جرت هذه المجادلة. ولعلّه كان تابعا لأخيه المذكور. ولا يخفى على من له إلمام بتاريخ الشرق لذلك العهد أن شوكة الإسلام انكسرت وضعفت قوة أصحابه في الحروب الصليبية التي كانت تقع حينئذ في أنحاء شتى من هذه البلاد وإن كان قد استرجع شيئا منها الملك الناصر المعروف بصلاح الدين بانتصاراته العظيمة عليهم إذ جمع قوة الإسلام بوحدة سلطانه بعد أن كانت من قبل متفرقة ومقسّمة. ولكن بعد موته سنة 1198 ضعفت قوة الإسلام بانقسام مملكته بين أخوته وأولاده وأعدائه. ومن ثم عاد إلى الصليبيين عزهم السابق بانتصاراتهم على أعدائهم في أنحاء شتى من هذه البلاد واستعاد النصارى الروم بسبب ذلك شيئا من حريتهم في أمر دينهم دين الصليب والصليبيين. فلا بدع إذا وقعت حينئذ هذه المناظرة الدينيّة بحضرة الملك الظافر ابن صلاح الدين بين أئمة الإسلام وراهب مسكين من دير مار سمعان من المملكة الحلبية. ولا بد أن ما أظهره الأمير المشمّر من الرفق واللطف مع الأنبا جرجي ولا سيما قوله له سرا بأن والدته على دينه نصرانية من الروم جرأه كثيرا على بيان ما أراد مع ناظريه بغير تقصير ولا وجل في هذه المحاورة اللطيفة الشائقة. والغرض من نشر هذه المجادلة الحرص على ما فيها من الفوائد الجمة لإيضاح الإيمان المسيحي وبيان صحته وهداية من يروم الهدى به. وقد اختصت بأربعة أمور خلت منها كتب كثيرة مما كتب في هذا الباب قديما وحديثا: الأول منها مراعاة آداب المناظرة بين المتجادلين وخلوها من المعايرة والمهاترة. والثاني سلامة عقيدة كل فريق من المتناظرين في دينه فإن الراهب جرجي كما يظهر من كلامه واسمه كان من الروم الملكيين كاثوليكي المعتقد وليس في كلامه وصمة فساد أو إلحاد. وبهذا يكون لهذه المناظرة مزية وفضل على كل ما نشر من هذا القبيل في مطبعة النيل بأقلام البروتستنط. وكذلك كان مناظروه من عدول المسلمين وأيمة السنّة في الإسلام. والثالث سلامة لغتها العربية وصحتها فإنها كتبت بلسان عربي مبين خالصة من كل لكنة وهجنة. وليس كلام أئمة الإسلام فيها أنقى ولا أبلغ من كلام الراهب السمعاني وهو ليس دونهم بأحكام القرآن وحفظ آياته بكل ضبط مع ما في كلام المتناظرين من قوة الحجة وحسن البيان. والرابع إيضاح أخصّ وأهمّ عقائد الدين المسيحي الإيضاح الوافي الشافي خاصة سر الفداء والصليب والثالوث والتوحيد بنصوص الوحي والأمثال المناسبة لذلك. وكفى بهذه الأغراض الشريفة غاية للناشر وللقارئ النجيب. ولم ننشرها إلا بعد أن قابلناها على عدة نسخ قديمة وجدناها في مكتبة الأمّة في باريس وغيرها من مكاتب الشرق وهي كثيرة تعدّ بالعشرات، وأقدمها وأصحها كتبت بخط جميل سنة 1539 عن نسخة قديمة لا نعلم تاريخها. فقد حررنا طبعتنا هذه بكل ضبط وتدقيق بحيث لم نثبت في المطبوعة إلا ما كان في كل هذه المخطوطات أو في بعضها بدون أن نكلف نفسنا إثبات الفرق بين هذه النسخ هنا كما اعتاد العلماء أن يفعلوا في طبع الكتب القديمة بيانا للنسخ التي كانت عمدتهم ليراجعها أهل النقد في محلها. لأن جل قصدنا في نشر هذه المحاورة خدمة أخواننا الآباء المرسلين وتلاميذهم الذين يرومون هدايتهم وكشف حجاب أسرار ديانتنا المسيحية بكل بساطة لا لأجل غاية علمية محضة أو جدلية. والله من وراء النيات وهو حسبنا وعليه الاتكال. [CENTER] مقدمة المؤلف باسم الآب والابن والروح القدس إلهٍ واحد آمين.[/CENTER] نبتدي بعونه تعالى نكتب وصف مجادلة جرت بين الراهب السمعاني وبين ثلاثة من فقهاء المسلمين وعدولهم حضرة الأمير الظاهر بالمشمّر وما جرى بينهم من الخطاب في إمارة الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب الصلاحي على أمة الإسلام بمدينة حلب الشاميّة وفي تملك لاون بن اسطفانوس على قبيلة الأرمن في التاريخ العاشر الموافق لسنة 6725 لأبينا آدم عليه السلام (1216 مسيحية). [CENTER]المجادلة[/CENTER] اتفق أن رئيس دير القديس ماري سمعان العجائبي البحري حضر بين يدي الأمير والسلطان صاحب مدينة حلب وأعمالها. حيث كان ينزل جيشه في الفضا الذي بين عُمّ وحارم. وكان حضور الرئيس لدى الأمير لأجل حوائج عرضت له من حوائج ديره ومصالحه. فلما مثل بين يدي السلطان مع من كان قد صحبه من الرهبان قبلهم أحسن قبول. وأمر بقضاء حوائجهم. وما التمسوه. ورسم لهم النزول في خيمة أخيه الملك المشمّر. وكان قد صحب الرئيس من الرهبان الذين بديره شيخٌ في سنّه حكيم في فهمه وعلمه. تزّين بشيبة زاهرة وأخلاق عذبة تتوق الألحاظ إلى معاينته وقد سكن الدير منذ حداثة سنّه واستفاد من المحامد والفضائل التي تناسب الرهبان أجلّها وأشرفها وكان رئيسا على الدير سنين عدّة إلى حين إدراكه الكبر والشيخوخة واسمه أنبا جرجي. فحين حضر بين يدي الملك المشمّر. قبلهم أحسن قبول بغاية الإكرام والإجلال. ولما نظر إلى الشيخ أنبا جرجي استلذّ بالنظر به وأدناه إليه ورسم له الجلوس بقربه. ولما عاد الرئيس إلى عند السلطان ليكمل حوائجه. تمسك الأمير بالشيخ وأخذ يحدّثه ويسأله عن أمور الدين والرهبان وعيشتهم وسيرتهم وتصرفهم. ونذكر من بعض مسائل الأمير شيئا. قال الأمير: يا راهب، أما تأكلون اللحم قال الراهب: لا. ما نأكله بالجملة. قال الأمير: أما تتخذون النساء قال الراهب: لا. بل نهرب منهن قال الأمير: ولمَ ذلك. والله تعالى خلق الإنسان ذكرا وأنثى ولم يحرّم عليهم أكل اللحم. قال الراهب: ولا نحن نحرّم الزيجة ولا أكل اللحم. وإنما نقصد بذلك العيشة اللطيفة غير الهيولية لنتقرّب إلى الله الجوهر اللطيف غير الهيولي بتلطيف الجسم. لأن الحديد بقدر ما يقترب من النار ويخاطها يطرح عنه خبثه ووسخه. وبقدر ما يصفو الماء ويشفّ ينفذ فيه ضوء الشمس. أما ترى الأجساد الشفافة بقدر ما ترقّ وتشفّ يفعل فيها الضو. أو ما ترى أن الشمس تحجبها بخارات تصعد من غلظ الأرض وتحجب نورها. والعقل الناطق المكنون فينا أيها الأمير من الله تعالى يظلم بالعيشة الغليظة الرخية وبقدر ظلمته يبتعد عن معرفة الله. وبقدر بعده عن الله يرتبط بملاذ الجسم ومحبة الحياة الحاضرة. وليس نمتنع من أكل اللحم ومن النساء فقط بل من ساير ملاذّ الجسم مما يُطرب الحواس الخمس ونحن نرجو بذلك الحظوى عند الله تعالى في جِنانه وملكه غير الزائل. لأن السيد المسيح قال لنا: إنكم ما تقدرون أن تنالوا الفرح والسرور في العالم الآتي دون الشقاء والحزن في هذا العالم الفاني. لذلك نشقى ههنا في هذا العالم الزائل غير الثابت لننال الراحة هناك في العالم الثابت غير الزائل. قال الأمير: كلامك يا راهب يدلّ على الصواب والصدق ولكن نحن قد أنعم الله علينا بهذه وتلك. قال الراهب: نعم أنتم نبيكم قد أرخى لكم العنان وفسح لكم في استعمال الملاذّ. وبعد هذا كلّه ضمن استعمال اللذات الجسديّة في الجنّة بقوله لكم في الجنة نهر لبنٍ ونهر عسل وحور العين. وفيما الراهب والأمير على ما هما فيه من السؤال والجواب وإذا بثلاثة من فقهاء المسلمين وعدولهم قد غلّظوا عمائهم وعرّضوا أكمامهم ووسعوا فروجهم وسرّحوا لحاهم حتى كان يفوح المسك من أطواقهم فسلّموا ودعوا فقبلهم الأمير وردّ السلام وأوسع لهم المكان. فلما نظروا إلى الراهب أقبلوا يخاطبون المير ويسائلونه باللغة التركيّة قائلين[1]: من أين هذا الراهب؟ وما سبب حضوره عند الأمير؟ أجابهم الأمير: هذا من دير سمعان وصل إلينا مع مقدّمه لأجل حوائج عرضت لهم عند المولى السلطان أخي أعزّه الله. فما قولكم في شخصه ومنظره. فقال منهم واحد كان اسمه أبو ظاهر البغدادي: جُعِلتُ فداك أيها الأمير كلما عنده حسن وجميل ووجهه صبيح ومليح لولا أنه واسفاه نصراني. قال الأمير: فهل لكم أن تخاطبوه في أمر الدين؟ قال المسلم: كما يأمر المولى. وجعل الواحد منهم ينظر إلى صاحبه. ثم برز واحد منهم يقال له أبو سلامة بن سعد الموصلي وقال يا راهب. قال الراهب: لبيك يا فقيه قال المسلم: نحن يا راهب نكرّم مسيحك ونجلّ قدره ونرفع شأنه على جميع الأنبياء ما خلا نبيّ الله ورسوله المصطفى محمد الذي أنتم النصارى قد أنزلتم من قدره. ولم تخولوه الكرامة الواجبة له وقد أكرمه الله تعالى وشرّفه وأنزل عليه القرآن نورا وهدى ورحمة من رب العالمين وأنتم لا تقولون أنه رسول الله ولا نبيّه فلا بد أن يحاجكم يوم الحشر والدين ويخصمكم. قال الراهب: اعلم يا أبا سلامة أن لكل مقام كلاما ولكل سؤال جوابا. فما حضرنا دياركم لقصد مجادلتكم ومحاورتكم في أمر الدين. وإنما حضرنا بصورة أناس متوسلين. فما لنا حاجة أن نخاطبكم إلا بما يسرُّكم ويلطف بكم وعندكم. لأننا عارفون أن الغضب والقتل عندكم سنّة لا تُعاب وعادة بها تفتخرون وقد قال بعضهم: دارهم ما دمتَ في دارهم وأرضهم ما دمتَ في أرضهم. قال المسلم: يا راهب اتقِّ الله فيما ذكرت. إنما نحن أصحاب شرع وعدل. فما ههنا من يخاطبك إلا بالتي هي أحسن إذا كنت لا تورد مكان الحق كذبا. ثم التفت الأمير وتبسّم. وأدنى فمه من أذن الراهب وقال يا راهب أنا ابن نصرانية لأني ولدت من امرأة رومية. فجاوب بما تريد فلا بأس عليك. ثم نزع خاتمه من يده ووضعه في اصبع الراهب. قال الراهب: يا أبا سلامة نحن لا نورد مكان الصدق كذبا. وإنما نخشى أن تتصوّر لغلظ طباعك الحق كذبا. فأما ما تنكره علينا من أننا لم نوجب محمدا الإكرام ولا نقرّ أنه رسول من الله ولا نبي فنحن نورد البيان والبرهان الواضح لذلك. قال المسلم: هيهات أن تقدر على ذلك ولو اجهدت نفسك في طلب المحال. قال الراهب: سوف ينكشف الحق ويظهر المحال. قل يا أبا سلامة ألا تقرّ أن الله خلق الخلائق كلها؟ قال المسلم: نعم. ما في السموات والأرض خلقه الله تعالى بأمره وكلمته. قال الراهب: فهل يوجد عالمٌ خلقه الله وعالم وخلقه إله آخر؟ قال المسلم: لا. ولكن العالم كلّه خلقه إله واحد وهو الله الذي نعبده ولا إله سواه. قال الراهب: فهل ترى أن الله يشأ خلاص العالم كلّه أم يؤثر خلاص أمّة واحدة من خلقه وهلاك سواها. أو لا تقرّ أنه غني كريم جوّاد. فإن قلتَ أنه تعالى لا يؤثر خلاص العالم كله فقد نسبت الباري تعالى عز وجلّ إلى الفقر أو البخل كإنسان أعدّ طعاما لماية رجل فلما حضره ماية غيرها قال للماية الأخيرة: انصرفوا عني فما يوجد عندي لكم طعام. فيدل هذا على فقر ذلك الإنسان أو بخله. قال المسلم: إن الله يتعالى عمّا وصفت وإنّي أقرّ وأعترف إنه غنيّ كريم جوّاد خالق الخلائق بأسرها ومؤثر خلاصها. قال الراهب: فإذا كان الله يشاء خلاص العالم كلّه فيجب أن يكون رسوله إلى العالم كلّه لا إلى أمّة واحدة. وكذلك يجب على كلّ من نادى على نفسه وقال إنه رسول من الله أن يكون معه قوّة مرسِلِه ودليل يشهد له أنه رسول من الله. قال المسلم: وما القوّة والدليل؟ قال الراهب: التي كانت في رسل المسيح قال المسلم: وما هي؟ قال الراهب: هي ثلاثة خصال: اجتراح المعجزات والتكلم بسائر اللغات والمناداة في الدنيا كلها. وأنتم لكم ثالثة خصال تضاد هذه. قال المسلم: وما هي؟ قال الراهب: التهديد بالسيف والترخيص والإقناع السفسطي أو الخيالي. وهذه ثلاثة الخصال وُجِدَت في محمد والتفت الراهب إلى الأمير وقال له: أعزّك الله أيّها الأمير إن حضر لديك في وقتنا هذا إنسان يقول عن نفسه إنه رسول من الخليفة أرسله إليك في أمر من الأمور ولم يوجد معه كتاب من الخليفة ولا خاتمه ولا علامته ولا ما يدل عليه فهل كنتَ تصدّقه إنه رسول من الخليفة؟ قال الأمير: لا. ويؤخذ عندي والله تحت الذنب والعقوبة. قال المسلم: وما هو الدليل والبرهان على أن رسل المسيح كان فيهم هذه القوات والخصال من افتعال المعجزات والتكلم بسائر اللغات والمناداة في الدنيا كلّها؟ قال الراهب: الدليل حاضر بين يديك والبرهان واضح أمام عينيك. لأنك إن مضيت إلى المشرق وإن ذهبت إلى أقاصي الغرب وإلى آخر الجنوب والشمال فإنك تجد عبادة المسيح في أقاصي الأرض ولا يوجد إقليم من أقاليم الأرض يخلو من عباد المسيح. وهذا الدليل الواضح على أن رسل المسيح طافوا الأرض جميعها من أقصى الأقطار إلى أقصاها. والدلي على أنهم تكلّموا بسائر اللغات أنك لا تجد أمّة ولا لغة ولا لسانا إلا وقد نودي فيها باسم المسيح وعبدوا فيه المسيح. وداود النبي قد تنبأ قبل رسل المسيح بأجيال كثيرة على تكلّم الرسل بسائر اللغات وقال (مز 18، 5) في كل الأرض خرج نطقهم وفي جميع المسكونة انبثّ كلامهم. وهذا دليل واضح على أن الحواريين تكلموا بسائر اللغات. فهل عندك يا أبا سلامة في هذا شكّ؟ قال المسلم: هذا أمر ظاهر لا شكّ فيه. قا الراهب: وقد بقي لي أن أوضح لك إنهم صنعو الآيات والعجائب ليس بقوتهم بل بقوة مرسِلِهم وذلك في خضوع الأمم الوحشية تحت أقدامهم. وأما شكل إنذارهم ومناداتهم فما كان على جهة الترخيص ولا على جهة التهديد وسطوة السيف أو هبة أموال ولا من صنعة منطق وحكمة العالم. لأنهم كانوا رجالا خائبين من حكمة هذا العالم وفخامته وخالين من معرفة الكتب بل كانوا من أهل المهن والصنائع. وأكثرهم صيّادي السمك وخيّاطي الخيم إلا أنّ القوة التي تسلّموها من المسيح مرسِلِهم أغنتهم عن حكمة هذا العالم وقواته. لأنّ المسيح لمّا أرسلهم أن يبشّروا في العالم كلّه حضر عندهم بعد قيامته ودخل إليهم والأبواب مغلقة فأولا أعطاهم السلام لأنهم كانوا خائفين من اليهود. ثمّ نفخ فيهم وقال لهم خذوا الروح القدس (يو 20، 19-23) هذا الروح يكون صونا لكم وبهذا الروح تقيمون الموتى وبه تشفون سائر الأمراض وبه تقهرون الملوك وبه تبكمون الخطباء وبه تقصون الضلالة. وإن غفرتم للناس خطاياهم غُفرت لهم وإن أمسكتم على قوم خطاياهم مُسِكت عليهم. مجانا أخذتم فمجانا أعطوا (متى 1، 8) ثم قال لهم لا تحملوا معكم عصا ولا زادا ولا مزودا ولا ثوبين ولا نعلين ولا نحاسا في مناطقكم (متى 10، 12). قل لي ماذا يكون أشد من هذا الفقر والذلة؟ فإن قلت إن وصاياهم رخوة ليّنة هيّنة فاسمع أوامرهم ما هي وليست هي أوامرهم بل أوامر المسيح: من لطمك على خدّك الأيمن فحوّل له الأيسر. ومن أراد أن يأخذ ثوبك فزده رداءك. ومن سخَّرك ميلا فامضِ معه اثنين. أحبّوا أعداءكم ومبغضيكم وباركوا لاعنيكم واعملوا لخير لمن يسيء إليكم (متى 5، 39-44). قل لي من كان يسمع هذه الأوامر الثقال ويقبل منهم لولا أن العجائب أدهشت العالم وصدّقوهم وآمنوا بأقوالهم؟ وإن كنتَ أيها المسلم لا تصدّق هذه الأخبار ولا يجزيك هذا القول في إقناعك فخذ في القياس وانظر إلى شكل مناداة الرسل وإنذارهم لأنهم نادوا عند الخطباء والعلماء والملوك والعوام يا قوم آمنوا بإله وُلِد من امرأة وأكل وشرب وضُرِبَ وجَلِدَ وهُزِئ به وبُصِقَ عليه ولُطِمَ ووُضِع على رأسه إكليل شوكٍ وصُلِبَ وماتَ ودُفِنَ وقام. فما كان أحد من الناس يصغي إلى قولهم. بل كانوا يهزأون بهم ويكذّبونهم ويضربونهم ويطردونهم إذ كانوا يوردون إلى مسامع الناس أوصافا غريبة ينكرها كلّ من يسمعها. فكان الرسل يقولون يا قوم ستذكرون ما أنذرناكم به فتصدقون الأقوال بالأفعال هاتوا إلينا الزمنى والعميان والموتى والمشيطنين والمخلعين فكان التلاميذ يقولون باسم المسيح الناصري الذي صلبته اليهود على أيام بيلاطس البنطي انهض أيها المائت قائما ولتعد إليك نسمة الحياة. وكذلك الأعمى تنفتح عيناه والزَّمِن ينهض وغيرهم يشفى من سائر الأمراض. فصدَّقت الناس أقوالهم من أعمالهم وآمنوا بإلَههم وصارت أعمالهم شاهدة على لأقوالهم توضح لصدق دينهم. ولعمري إن طائفة من النّاس غمّضوا أعينهم حتى لا يبصروا وصمّوا آذانهم نظير الأفعى التي تصمّ أذنيها لئلا تسمع صوت الراقي فلبثوا في عمايتهم وهم أولئك الذين عندهم أعياد الجن مكرمة مأثورة لما فيها من الزنى والفسق واللذات التي تناسب البطن وشهوات أجسامهم. إلا أن هؤلاء انحلّوا نظير انحلال الدخان بانحلال حياتهم ولم يبقَ لعبادتهم النجسة أثر في الدنيا. فقد شهدت السماء والأرض ولاملائكة والناس والملوك والعوام والجاهل والعاقل أن الحواريين رسل الله تعالى وأنصار دينه الحق الصادق. ونبيك محمّد يشهد لهم ويحقّق قولهم وإنجيلهم بقوله في القرآن إننا أنزلنا القرآن مصدّقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل فإذا كان نبيّك وكتابك قد صدَّق الإنجيل فقد لزمك أنت أيضا أن تصدّقه. وإن كذبته فقد كذّبت نبيّك وكتابك. قال المسلم: أنا مصدّق الإنجيل ولكنّكم حرفتموه بعد نبيّنا وجعلتموه على غرضكم وهواكم. قال الراهب: لا تتحدّث بهذا ولا تورد قضية لا يمكنك القيام بتحقيقها وأخيرا تخجل بباطلك كمن يروم ستر الشمس عن الناس بكفِّه. قل لي يا أبا سلامة: كم من السنين مضت من المسيح إلى محمد؟ قال المسلم: ما أدري قال الراهب: أنا أقيم لك البيّنة. إن من المسيح إلى محمد ستماية سنة ونيّف. قال المسلم: صدقت يا راهب كذلك هو. وكذلك وجدنا في التواريخ. قال الراهب: أفما كان النصارى قد وُجِدوا في الدنيا كلها؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: مثلما في وقتنا هذا قال المسلم: نعم. وما زاد قال الراهب: فهل يمكنك أن تعدَّ الأناجيل التي كُتِبت في أقطار الأرض وفي سائر اللغات والألسن قال المسلم: لا أقدر على ذلك قال الراهب: فاجعل أن طائفة من أهل الغرب حرَّفت أناجيلها فكيف وصلت هذه الأناجيل إلى الذين هم في أواخر الشرق ولهم لغة أخرى ولسان آخر. وكذلك الذين هم في الجنوب والشمال مع تخالف لغاتهم وسجاياهم. فكيف يمكن أن كان إنجيل واحد قد تحرّف كما تقول أمكن أن تحرّف به أناجيل لا تعدّ ولا تحصى في أقطار الأرض كلّها عند شعوب مختلفة لغاتها. فهذا من الممتنع أن يكون الاتفاق عليه. ولو كان ذلك لوجدت بعضها محرّفة عند جماعة من النصارى وبقيت عند غيرهم أناجيل غير محرّفة. ولكنّك إن طفتَ الدنيا كلها الجنوب والشمال والشرق والغرب تجد الأناجيل في سائر اللغات على المثال الذي سلَّمه إلينا الحواريين رسل المسيح لا يخالف الواحد للآخر. وأنا أحضر لك مثال يصدّق ويحقّق قولي: إن قَدِم أحد الناس وأظهر قرآنا يخالف القرآن المعروف الآن عندكم وقال لكم هذا القرآن المنزل على النبي. وليس هو ذاك فهل كنتم تقبلونه؟ فقال الأمير: لا. وعليَّ ما كنّا نقبله بل نحرقه ولمن أتى به. قال الراهب: فإذا كان كتابكم قد كتب في لغةٍ واحدة وبشفة واحدة لا يمكن ولا يجوز أن يحرّف فكيف يمكن لمن يروم تحريف الأناجيل وقد وُزِّعت في المسكونة كلها عند شعوب مختلفة لغاتها. وقد يوجد عندنا حجج واضحة وبراهين بيّنة غير هذه توضّح صدق ما أوردنا الآن لكم من الكتب العتيقة مما قدمت به الأنبيا من قديم الزمان عن المسيح ورسله لكن أوجزنا الكلام خيفة أن يكون عندكم ثقل من إطالة الشرح. قال المسلم: فمحمّد عندكم في منزلة دون المسيح ودون الحواريين قال الراهب: وكيف أستجيز أن أساوي بين العبد بالمولى والمخلوق بالخالق والإنسان بالإله؟ قال المسلم: ألا تعلم يا راهب أن محمّدا نبيّ الله ورسوله لأنه هدى أمّة إسماعيل ونقلها عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله نظير المسيح ورسله. قال الراهب: أنا أعلم أن محمدا املّك على الأعراب أولاد إسماعيل ونقلهم من عبادة الأصنام إلى معرفة الله لكن ليس إلى معرفته الحقيقيّة لأنه قصد التملّك عليهم وإدخالهم تحت الطاعة له أكثر من أن يعرّفهم الخالق المعرفة الحقة. فإن أطلتَ أنّاتك وملكت الصبر في ذاتك وتوادعت في أخلاقك أوردتُ لك الحجة الكافية عنّي وعن أهل ديني في أمر محمد ولماذا لم نوجِّبه ولم ندعه نبيّا ولا رسولا. قال المسلم: إذ كان الأمير أعزه الله قد أرخى لك العنان وخوَّلكَ الأمان وفسح لك الكلام في دين الإسلام فقل ما شئتَ أجاب الأمير وقال: يا أبا سلامة إن الراهب إلى الآن لم ينطق إلا بما يناسب الصدق ويقرب إلى الحق ويليق في قياس العقل. قال المسلم: هاتِ ما عندك في أمر محمّد. قال الراهب: اعلم يا أبا سلامة أن محمدا كان من الأعراب من بني قريش من أمّة إسماعيل من بني هاجر المصريّة عبدة سارة امرأة إبراهيم وكان رجلا أعرابيا سفّارا يتردّد بسفره إلى بيت المقدس فأضاف برجلٍ نصراني نسطوري اسمه بحيرا. فلما استخبره بحيرا عن مذهبه ودينه وجده من الأمة التي لا تعرف الله من بني إسماعيل. وكانوا يعبدون صنما يسمّونه الأكبر. وكانت صلاتهم أمام ذلك الصنم أشعارا تشتمل معانيها على الشوق والعشق وكانوا يكتبونها على الألواح ويعلّقونها فوق ذلك الصنم يصلّون بها ويتقربون بها إليه ويسمّونها المعلّقات السبع. فلما علم بحيرا أنه من تلك القبيلة رقّ له على سبيل الألفة والمروءة وأفاده المعرفة بالله وتلا عليه فصولا من الإنجيل والتوراة والزبور ولما عاد محمد إلى أرضه وأمته قال لهم ويحكم إنكم على ضلالة وعبادة باطلة ضارة غير نافعة. قالوا له: ما الحادث عندك يا محمد قال لهم: قد وجدنا الإله الحق الصادق قالوا: فما هو وما اسمه؟ قال لهم: اسمه الله وهو الذي خلق السما والأرض وما فيهما من الخلائق وقد أرسلني إليكم رحمة منه وإنعاما عليكم قالوا: أفما ترينا أين هو؟ قال: هو في السماء يرى الكل ولا يُرى قالوا: نحن لنا إله نعبده ونكرّمه وقد تقلّدنا عبادته من الأجداد والأسلاف وقد أطلق لنا كلما تحبّه نفوسنا وما تؤثره إرادتنا من جميع ما تملكه يدنا قال لهم محمد: الله الذي أرسلني إليكم قال لي إنه ينعم عليكم بما يفوق ويزيد قدره ويعظم شأنه عما تقولون قالوا: فما هو؟ قال: هي جنّة ينقلكم إليها بعد وفاتكم فيها أكل وشرب ونكاح مباح قالوا: فما شكل الأكل والشرب والنكاح؟ قال لهم: نهر من لبن ونهر من عسل وجوارٍ حور العين لا يطمثن ولا يهرمن قالوا: إذاً أنت رسول الله؟ قال: نعم قالوا: فنخشى من إلهنا الأكبر. قال لهم اعبدوا الله وأكرموا الأكبر. فقال منهم طائفة: آمنا بالله وصدقنا رسوله. ثم اتبع تلك الطائفة طائفة أخرى من بني قريش من قبيلة محمد وانضاف إلى بني قريش طائفة أخرى. وكان الرجل منهم يأخذ ابنته وأخته وأخت أمه وابنة أخيه وكان محمد يكاتب بحيرا بما يتجدّد له وبحيرا أمره بنهيهم عن مثل ذلك فبعد الجهد أبعدهم إلى ابنة العم وابنة الخالة. ولما انضوى إليه جماعة من الأعراب وساداتهم وبقي منهم أيضا جماعة لم تُذعن له خطب لذاته الملك والسلطان وجرّد السيف وأقام التهديد والوعد والوعيد واستعمل السيف والقتل لمن لا يقبل منه ولا يقول بقوله. وقال من أسلم سلم. وقال قد أسلم لله ما في السما وما في الأرض طوعا وكرها. وزعم أن كلّما في السما والأرض قد دخل في الإسلام طائعا أو كارها ثمّ رخّص لقوم ورخَّص لقوم وتهدّد قوما. ووعد بهبات لآخرين. وأقتع طائفة أخرى بالأقوال المبهرجة والألفاظ السفسطية وكان قصده فيهم الطاعة له ليملك عليهم ويسطو بهم ليصل بذلك إلى بغيته من النسا لأن شغفه بهنّ كان زائدا كثيرا. وتحقيق ذلك أنه لم يكفه ما كان عنده من كثرة النسا فهام بامرأة زيد مولاه سابقا لما نظر إليها. وأخذها منه كُرها وزعم أنّ الله قد أزوجه بها دون زيد وخاطب بها صحابته قائلا: ولما قضى زيد منها وطرا أزوجناك بها يا محمد. وزعم أن هذا وحي من الله أُنزل عليه في امرأة زيد. ولما خاطب بذلك صحابته قالوا خذ يا رسول الله ما أنعم به عليك وحلله لك وحرّمه على غيرك. قال المسلم: ويجك يا أقلف فقد سأله زيد وطلب إلى محمد في أخذها وأقرّ على ذاته أنها عليه حرام قال الراهب: نعم. ولو لم يقل ذلك لكان حلّ به به ما حلّ بغيره قال المسلم: ما حلّ بغيره قال الراهب: أما سمعت بخبر الأعرابي الذي وجّه نبيّك محمد فقتله وهو راقد على مضجعه وفراشه؟ وقد حرّم الله قتل الطير إذا كان على مرقده. ولما سألوا محمدا يا رسول الله ما جرم العبد؟ قال سبق السيف العذل.[2] قال المسلم: إن رأيت بنقص رأيك وسوء قياسك أن هذه نقيصة لمحمد تعيبه بها فله الفضيلة الكبيرة والمحمدة العظيمة والدالة الزائدة عند الله تعالى بما هدى على يده من أمّة إسماعيل. قال الراهب: هداكم لعمري على ما شاء هو وأنتم أو بحسب هواكم وهواه لا على ما يشاء الله. لعمري إن محمدا يقول إنه وأنتم على هدى أو ضلال مبين عن الهدى والطريق المستقيم بقوله ما أعلم ما بي وبكم وقال أيضا: إني وإياكم على هدى أم على ضلال مبين (سورة سبأ) وقوله: اتقوا ما استطعتم لعلكم تفلحون ثم رسم لكم في كل صلاة تصلونها أن تسألوا الله الهدى إلى الطريق المستقيم. بقولكم اهدنا السراط المستقيم (الفاتحة) فإن كنتم على هدى فما لكم حاجة لتسألوا الهدى لأن من قد اهتدى دفعة فما باله يسأل الهدى. بل يسأل الله العون للسير في هداه. وخذ المثل في ذلك واجعل أيها الأمير أنني اليوم قد خرجت عن حضرتك طالبا المقرّ والوطن وضللت عن السبيل فلا أزال أسأل الله والناس الهدى حتى أجد السبيل الراشد إلى الوطن فإذا وجدتُ السبيل فما بي حاجة أن أسأل الهدى بل أسأل العون على الوصول إلى الوطن قال المسلم: وهو كما تقول قال الراهب: ولو عرف محمد أنكم على هدى لما سنَّ وشرّع لكم السؤال إلى الله في الرشد والهدى. ثم لعلمه أن صلاته لا تجزيه عند الله تعالى ربطك أيضا وشرّع لكم الصلاة عليه بقوله يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. قال المسلم: أما علمتَ أن الله وملائكته يصلّون على محمد أفما يجب أن أصلي أنا عليه؟ قال الراهب: أفما كان أولى بك أن تصلي على ذاتك وتسأل الله العفو عن زلاتك. ولا تكون كمن أضواه الجوع وهو يسأل الطعام لغيره أو كمن انسقم بذاته ويطلب الطبّ لغيره. فإذا كنتَ أنت والله والملائكة يصلّون على محمّد فمن الإله الذي يقبل الصلاة؟ فإذا كان هذا الرأي فقد ساويت بالصلاة بين الله وملائكته والناس. قال المسلم: إن الصلاة هي رحمة منه على عباده قال الراهب: فمن قدر على نيل رحمة الله وملائكته فما به حاجة إلى صلاتك بل الأولى بك أن تصلي على نفسك قال المسلم: أفما تصلون أنتم النصارى على مسيحكم قال الراهب: لا. ولكنا نصلي إليه لأنه إلهنا وخالقنا وهو يقبل صلاة العباد قال المسلم: يا ذا الكفر المبين والرأي الفاسد الوخيم إنكم تعبدون إنسانا مخلوقا ولد من امرأة وصابه من الهوان ما أنتم به مقرّون وأنت يا راهب لا تنكره على نفسك وأنت تتَّقح وتهجو نبيّنا محمد المصطفى قال الراهب: إنّا لم نأتِ بشيء من عندنا وإنما أوردنا ذلك من كتابك وقرآنك أو ما تقرّ أن محمدا قرشي من الأعراب؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: أو لا تعلم أنه اتخذ عدّة من النساء منهن مهاريات ومنهن سريات بغير ناموس واستعمل السيف والقتل وأخذ حرمة زيد؟ قال المسلم: نعم والله أمره وأوحى إليه بذلك قال الراهب: أفليس تقرّ أنه مات وتلاشت عظامه تحت الثرى في الأرض؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: فنحن لم نذكر من عيوب نبيك إلا ما أنتم به مقرّون فلمَ تنكرون علينا ذلك وتغضبون؟ قال المسلم: ويحك إنما ننكر عليكم أنكم تجعلون لله ابنا وأن المسيح ابن الله وأنه الأزلي خالق الخلائق وتجعلونه مساويا لله في الطبيعة والجوهر والقدرة وهو إنسان ولد من امرأة ومثله مثل آدم قال له الله كن فكان. قال الراهب: هل أنت يا أبا سلامة مصدّق كلما ذكره نبيك في القرآن؟ قال المسلم: نعم أنا مصدّق جميع ما في القرآن لأنه منزل من الله على نبيه المصطفى محمد قال الراهب: أفليس في القرآن أن المسيح روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم؟ قال المسلم: نعم كذلك هو قال الراهب: فإذاً لله روح وكلمة؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: أخبرني عن روح الله وكلمته أزليّة هي أم محدثة؟ قال المسلم: بل أزليّة غير محدثة قال الراهب: فهل كان الله في وقتٍ من الأوقات أصم أخرس خاليا من كلمة وروح؟ قال المسلم: أعوذ بالله من ذلك حيث إن الله لم يخلُ قط من كلمته وروحه قال الراهب: وكلمة الله خالقة أم مخلوقة؟ قال المسلم: ما أشك في أنها خالقة قال الراهب: أفما تعبد أنت الله؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: فهل عبادتك لله مع كلمته وروحه أم لا قال المسلم: أعبد الله وروحه وكلمته قال الراهب: قل الآن أومن بالله وروحه وكلمته قال المسلم: آمنت بالله وروحه وكلمته ولكني لا أجعلهم ثلاثة آلهة بل إله واحد قال الراهب: فهذا الرأي هو رأيي واعتقادي واعتقاد كل نصراني. وإلى هذا كان قصدي بأن أقودك إليه لتعرف الثالوث الآب الذي هة الله والابن الذي هو كلمته وروحهما القدوس. وكان الأمير متكئا فاستولى جالسا ورفع عن حاجبيه شربوشه وصفّق وكبّر وقال ضاحكا: وحق علي يا أبا سلامة لقد نصّرك الراهب وأدخلك في دينه. فظهر من المسلم شكل الغضب والخجل. وبرز منهم الفقيه أبو الفضل الحلبي وقال لرفقائه لو كنتم تركتموني في الأول ابتدي وأخاطب الراهب بالمسائل والكلام لقد كنت كفيتكم صلفه وافتخاره وأريتكم هزيمته ولكنكم لم تروا لي موضعا عندكم ولا مكانا. ثم التفت إلى الأمير وقال أعزك الله أيها الأمير إن أهل الكفر كالنار من دنا منهم على ما اتفق أحرقوه وذلك أن إبليس رأس الخديعة والطغيان ينطق على أفواههم. قال الراهب: ما بالك تنسبنا إلى ما هو راجع إليك وإلى صاحبك وإنما تكلّمنا وأوردنا البرهان والبيان إن المسيح روح الله وكلمته من قرآنك ونبيّك. فإن يكن ما أوردناه من إبليس أم من روح الخديعة والطغيان فقد نسبت ذلك إلى قرآنك وكتابك ونبيّك. قال الأمير: خزاك الله يا أبا الفضل. لقد والله سكوتك أصلح وأفود لنا من كلامك. فيا ليت كان الله أنزل بك الصمم والسكتة وكفانا شرّك. فخجل هذا وانصرف. قال الراهب: وأما قولك يا أبا سلامة أن نبيك قال وما مثل عيسى ابن مريم إلا مثل آدم قال له كن فكان (سورة آل عمران) فقد صدق نبيك في قوله لأن كلمة الله وروحه الخالقة الأزلية غير المحدودة وغير المدركة اتخذت لها من طبيعة آدم جسما من مريم وسكن فيه واحتجب به لاهوت الكلمة لأجل السياسة والتدبير لأن الجوهر اللطيف لا يظهر إلا في جسم. وخذ المثل من جوهر النار فإنه جوهر لطيف لا يُنظر ولا يُرى إلا في مادة من المواد. ثم اعلم أن موسى النبي طلب من الله تعالى أن يبصر الله بجوهر اللاهوت فقال له الله ادخل في باطن الصخرة وأنا أضع يدي في ثقب الصخرة وأنت تبصر ما وراءي. فلما كان منه ذلك أبصر موسى ما كان وراء الجوهر الإلهي فلمع وجه موسى نورٌ لا يستطاع النظر إليه حتى ما كان أحد من الشعب ينظر إلى وجه موسى إلا مات. فاحتاج إلى برقع كان يضعه على وجهه حين كان يخاطب الشعب لئلا يموت كل من ينظر إلى وجه موسى من الشعب. قال المسلم: إذا كان اعتقادك أن روح الله وكلمته حلا في بطن مريم فقد بقي الله بغير روح ولا كلمة بعد حلولها في بطن مريم قال الراهب: توهّمك هذا يا أبا سلامة يليق بصبيان المكاتب وأهل القرى والمضارب لأنك تقايس الإله الجوهر اللطيف الذي لا يُحَدُّ ولا يُدرَ ولا يحصره مكان ولا يحويه زمان وهو غير المتنقل وتتخيله محصورا ومتنقلا. أبعد هذا الوهم من ظنك وهذا الرأي من رأيك ولا تتخيّل روح الله وكلمته محصورة ومتنقلة قال المسلم: فكيف يمكنني أن أحقّق أن كلمة الله وروحه بجملتها في بطن مريم وهي بجملتها على العرش عند الله ولا يخلو منه ولا يفارقه على حسب رأيك؟ قال الراهب: توهّمك هذا يناسب عيشتك الغليظة الرخية ومذهبك وناموسك وشريعتك لأنكم تتصورون وتنسبون الأشياء المعقولة كالأشياء المحسوسة بحسب عقولكم المكدرة من رخاوة العيشة واستعمال اللذات الجسدية ولكني لا أكسل عن أن أوضّح لك البيان عما سألت وآتيك بمثالات توضّح الصدق. فما قولك في الشمس أليس هي في أفق السما؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: أفليس تبعث شعاعها وحرارتها ونورها على الأرض كلها؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: فهل نورها وحرارتها حين تبعثهما إلى الأرض أم لا؟ قال المسلم: لا يفارقها ولا يخلو منها قال الراهب: كذلك كلمة الله وروحه حلت في مريم ولم تخلُ من الله الآب. ونأتيك بمثال آخر فنقول إن مولانا الأمير إذا تكلم كلمة برزت من عقله ومن فيه وصارت الكلمة في كتاب من الرق والمداد وحصلت في جسم ثم نودي بها في العالم وصارت مسموعة عند الكل فهل كلمة الأمير فارقت عقله وبقي فيما بعد بغير كلمة؟! أفليس الكلمة بجملتها في عقل الأمير وهي بجملتها في الكتاب والقرطاس والمداد؟! قال المسلم: نعم. فلم يزالا على مثل ذلك من السؤال والجواب حتى أدرك المساء وحان وقت الانصراف فاستأذنا الأمير وبعد الجهد أطلقهما بعد أن رسم لهما الحضور بين يديه في الغد عند الصباح فانصرف الفقهاء بخجل وقهر وانشغال بالٍ. وبعد هذا قال الأمير: وأنت يا راهب هل تحب الانصراف؟ قال الراهب: لله الأرض بكمالها ونحن عنها راحلون ولا تثبت لنا دار ولا لأحد الناس فيها ثبات ولا قرار قال الأمير: لله درّك يا راهب ما أحلى كلامك وأعذب ألفاظك فإن شئت فما بك حاجة للانصراف فها لنا خارجا خيمتان فارقد أنت ورفاقك في أيهما شئت. ورسم للخدام الاهتمام بالراهب ومن معه من رفاقه. ولما كان غد ذلك اليوم صباحا حضر أبو سلامة وأبو ضاهر وصحبتهما فقيه آخر يقال له الرشيد بن المهدي. معروفا عند أهله ببلاغة الكلام وعلم الخطاب ذو دربة في كل سؤال وجواب عن كل أمر في الدين. فأُخير الأمير بحضورهم فأمر بمثولهم بين يديه فدعوا وسلموا وكان الراهب قد تقدّم بحضوره قبلهم. فلما جلسوا قال أبو سلامة: أعز الله الأمير. قد كنا بالأمس سألنا الراهب عن المسيح وعن روح الله وكلمته وحلولها في بطن مريم فأورد لنا الجواب أمثالا وأشباها فليقل الآن ما عنده من الجواب أمام الرشيد. قال الراهب: دع ما كان من أمس فقد مضى مع أمس ولا تفعل فعل المرء البخيل الذي يغذي ضيفه من فضلات عشائه فإن كنت طبخت اليوم شيئا فقدّمه الآن فما بنا حاجة إلى طعام أمس فقد بات وفات. فإن لم يكن عندك جديد فاعترف ببخلك وفقرك ونحن نقبل لك عذرك. فقال الأمير: صدق الراهب بقوله دع ما كان أمس فقد مضى مع أمس فهات ما عندك جديدا فكل جديد مقبول لذيذ. وأومى نحو الرشيد وقال له: لقد أدهشنا الراهب بحيل المسائل من كتابننا وقرآننا. قال الرشيد: سوف ترى هزيمته وإبطال مقاومته وقال: يا راهب، ألا تقر أن المسيح إله وإنسان؟ قال الراهب: نعم قال المسلم: فأيهما تعبد الإله أم الإنسان أو إلها وإنسانا معا؟ قال الراهب: يا رشيد، اعلم أن للكلام ثلاثة: سامع ومقنع ومقتنع قال المسلم: أنا ممن يسمع ويقنع ويقتنع قال الراهب: لو أنك كما تقول لكفيت السؤال وكفينا التعب في رد الجواب لأنك أنت وكتابك ونبيك تشهدون لي بصحة ديني وقد انتصبت لي اليوم خصما فما أقبح بالشاهد أن يكون خصما قال المسلم: ومن الشاهد لك بصحة دينك قال الراهب: أنت ونبيك وكتابك قال المسلم: فما بيان ذلك؟ قال الراهب: أليس يقول كتابك في سورة آل عمران إن من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله في الليل والنهار ويؤمنون بالله واليوم الأخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم الصالحون بأعمالهم ونورهم يعلو كل نور. ويقول أيضا فيها إنا أنزلنا القرآن نورا وهدى مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل ويقول: آمنا بالذي أنزل عليك وعلينا وإلهنا وإلهكم إله واحد (سورة العنكبوت) ويقول لتجدنّ أقرب الناس إلينا مودة الذين قالوا إننا نصارى وذلك أن فيهم قسيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون وهم أمّة من الصالحين يتلون آيات الله ويهذّون بالحق (سورة آل عمران). ويقول في سورة آل عمران المسيح كلمة الله وروحه ألقاها إلى مريم. ويقول أيضا يا عيسى ابن مرين إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهِّرك من الذين كفروا وجاعل الذين آمنوا بك فوق الذين كفروا بك وإنت ديان العالمين (سورة آل عمران) أليس نبيك وكتابك يشهد أن لنا بهذه الشهادات وأكثر منها. وأن المسيح له في السماء الفضل على سائر الأنبياء وأنت تتقح ولا تصدّق نبيك وكتابك. أفما تعلم أنك إذا لم تصدّق الإنجيل فقد كذّبت نبيّك وكتابك. فما تكون فيما بعد لا مسلما ولا نصرانيا. قال المسلم: أنا مصدّق القرآن لأنه منزل من المسا وأصدّق جميع ما كتب فيه عن عيسى. قال الراهب: لو صدَّقتَ القرآن لصدَّقت الإنجيل قال المسلم: سألناك يا راهب عن شيء أجبتنا عن شء. سألناك عن معنى فأجبتنا عن غيره. قال الراهب: وأنا أعلم بذلك ولكنني اخترت أن أُعرِّفك أولا أن نبيك وكتابك يشهدان لي ويحققان الإنجيل وقد أوردنا الشهادات من القرآن قال المسلم: لا تغالط في الكلام ولا تتأخر عن رد الجواب. هات أجبنا عن مسيحك وعن قولك أنه إله وإنسان. قال الراهب: يا رشيد لقد سألت عن معنى لطيف وشيء دقيق يحتاج من يسمعه إلى عقل وافٍ ولبّ صاف. فأنا أخشى لكدر عقلك أن لا يصل إلى فهمك ما رأته الحكمة الإلهية في السياسة والتدبير من أجل خلاص العالم. قال المسلم: قد أنزلتنا منزلة الأميين الذين لا يعرفون ولا يعلمون قال الراهب: لا. ولكني أعلم أنك من أهل الكتاب والأدب تفهم وتعلم. قال المسلم: قل لي ما عندك يا راهب فإني معدّ لكل سؤال جوابا. وأقر بالحق إذا ظهر واعتررف بالصدق إذا حضر. قال الراهب: إن الله بعظيم رحمته وغزير جوده وصلاحه خلق المخلوقات جميعها بكلمته وروحه حسبما يقول النبي داود بكلمة الله خُلِقَت السماوات والأرض وبروح فيه كل قواتها (مز 32، 6) وما كان لله تعالى حاجة إلى شيء من المخلوقات بل ليشترك بنعمته عدد جزيل من مخلوقاته. ولما نما جنس الناس في تطاول الزمان تركوا عبادة الله وعبدوا شهواتهم وتهوروا إلى كل رذيلة وعبدوا الخليقة دون خالقها فصاروا بهواهم تحت يد إبليس وخديعته وعبدوا الأصنام المهلكة نفوسهم فلم تحتمل رحمة الله وصلاحه أن يرى ما أبدعته يداه تحت يد عدوّه متهورين في خديعته فأدّبهم حينا بأوبئة وميتات وحينا بحروب ومجاعات ووقتا آخر بطوفان المياه وحينا بزلازل ورجفات فلم يعلموا ويعرفوا في وقتٍ من الأوقات من أين عرضت تلك النوائب ولا من أين وردت عليهم هذه النكبات. فمنهم من كان ينسب الحادث إلى روح الخبيث والنفاق وغيرهم إلى الطالع وحركات لنجوم والأفلاك فكان سقمهم وداؤهم أعظم من دوائهم وتلافيهم فوجب عند الله والسياسة الإلهية العظيمة برحمته أن يخاطبهم بذاته. ولما كنا ذوي أجسام وجب عند حكمته أن يخاطبنا بجسم لأن اللاهوت عادم الجسم كما إن جوهر النار لا يُعلَنُ ولا ينتفع الناس منه إن لم يظهر في مادة من المواد. فأرسل الله ابنه وحبيبه الذي هو كلمته وروحه إلى مريم العذراء حسبما يشهد بذلك نبيك وكتابك بقوله ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا (سورة التحريم) ويقول أيضا إن الله اصطفى كلمته وروحه الخاقة الأزلية وحلت في بطن مريم ومع حلولها اتخذت جسما من طبيعة آدم بريئا من الخطية وكونته كما شاءت. واحتجبت الكلمة والروح اللطيف بذلك الجسم واتحدت به ولم يتقدم الجسم قبل حلول الكلمة والروح بل مع حلول كلمة وروح الله الخالقة تكوَّن الجسم. ومثال ذلك يكون الضو مع البرق وظهور الضو مع حضور النار. واتحد اللاهوت بالناسوت المأخوذ من طبيعة آدم اتحادا بلا اختلاط لأن الطبيعة الإلهية لم تنتقل إلى طبيعة الجسم الآدمي ولا طبيعة الجسم الآدمي انتقلت إلى طبيعة اللاهوت بل صار كل منهما مالكا خاصته وطبيعته. مثال ذلك أنك إذا أخذت سيفا أو سكينا وأحميتهما بالنار حميا بليغا صار ذلك السيف أو السكين يفعل فعل الحديد وفعل النار النار يقطع ويحرق ولم تنتقل طبيعة الحديد إلى طبيعة النار. كذلك الجسد المأخوذ من طبيعة آدم صار يفعل فعل اللاهوت باتاده باللاهوت. وبيان ذلك أن المسيح أقام الموتى وشفى البرص والمرضى وفتح عيون العميان بوضع يده. وبتوسط ذلك الجسم المقدس نحن نسجد لإله متأنس. فإن عزلت بوهمٍ ذلك الجسم عن كلمة الله وروحه فإنه غير مسجود ولا معبود.ولكنّا نعتقد أن الواحد إله والآخر تأله بحلول الإله فيه. فإذا أخذت خمس حبّات مسك ثم وضعتها في خزانة وأدخلتها في منديل ألا تحصل رائحة المسك في الخزانة والمنديل؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: فإذا كان المسك الذي هو مادة من المواد المخلوقة يملك هذه القوة والفعل فكم تقدر كلمة الله روحه الخالقة الأزلية إذا اصطفت لها مسكنا وحلّت فيه لأجل قصدٍ اعتمدته من السياسة والتدبير قال المسلم: صدقتَ يا راهب ولكنّك لم توضّح لنا البيان الشافي فيما سألناك عن عبادتكم المسيح وسجودكم للإلهٍ وإنسان. قال الراهب: قد قال السيد المسيح لتلاميذه: لكم أعطي أن تعرفوا وتفهموا أسرار ملكوت الله وأما لأولئك فبأمثال (متى 13، 11) يعني اليهود والأمم. لأن المثل يجعل المعنى أقرب إلى فهم عقولهم الغليظة. فنجعل أحد الناس كان مقدما عند سلطان هذه البلدة في أشرف المراتب والعزّ ثمّ سخط السلطان على ذلك الإنسان لأجل ما ظهر له من غدره بعهده وخلاف أوامره وخروجه عن طلعته ومراسيمه فأبعده السلطان عن القرب منه ونفاه إلى أراض بعيدة وحكم عليه بقضية الموت بعد مقامه في الحبس مدّة من الزمان. فلما مكث ذلك العبد في السجن تحت الغضب زمانا طويلا ذكره السلطان وعرف ما هو فيه من الضرّ ورقّ له وانعطف بالرحمة عليه فرسم أن يكتب له منشورا يقول هكذا: إن فلانا قد حظي عندنا بالرحمة لهُ وقد أقلناه من عثرته وصفحنا عن ذنبه وعفونا عن زلته فليعد الآن إلينا وليكن في أشرف المراتب عندنا وقد أمّناه من كل محذور يناله من جهتنا. ووضع خاتمه وعلامته على ذلك المنشور ووّجه به إلى ذلك العبد المغضوب عليه. فإذا وقف العبد الآيس من ذاته الموقن بهلاكه على ذلك الكتاب فقل لي غي أية منزلة يكون عنده ذلك المنشور. وماذا تشير أنت على ذلك العبد إن يظهر من الإكرام والإجلال لذلك الكتاب والخاتم؟ قال المسلم: يجب أن يكون عنده هذا المنشور شريفا مكرما ويضعه على رأسه وعينيه قال الراهب: ولِمَ ذلك أيها المسلم لأن المداد والكتاب لم يقدرا على إنقاذ ذلك العبد وخلاصه. بل كلمة السلطان الكتوبة فيه. فلمَ تشير على العبد وتأمره بتقديم الإكرام والتشريف لذلك الكتاب والمداد؟ قال المسلم: لأجل كلمة السلطان وإنعامه قال الراهب: فقد قدر إذاً الكتاب والخاتم على نفع العبد وفرج كربته وخلاصه قال المسلم: نعم بحسب كلام السلطان الذي فيه قال الراهب: أمسك لي الآن ما معك. فإذا حضر العبد أمام السلطان ماذا تشير أيضا أن يعمل ذلك العبد؟ قال المسلم: يسجد أتم السجود ويقبّل الأرض وقدمي السلطان ويديه قال الراهب: فها قد أمرت العبد بتقبيل الأرض والسجود على قدمي السلطان ويديه وليس الأرض ولا اليدان والرجلان أنعمت على ذلك العبد. بل الكلمة البارزة من عقل السلطان. فلمَ لا تشير عليه بالسجود لكلمته دون الأرض وأعضاء جسمه؟ قال المسلم: ألا تعلم يا راهب أن إكرام الملوك والسجود لهم واصل إلى أجسامهم ونفوسهم وكلامهم؟ قال الراهب: صدقت يا رشيد. وديباجة الملك يسجد لها إذا كان الملك لابسها وإن عزلتها عنه فلا تجد أحدا من الناس يسجد لها. وكذلك نحن النصارى لاعتقادنا أن المسيح ذو طبيعتين طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية نسجد لهما مع استقرار ونفوذ إحداهما في الأخرى بغير اختلاط ولا انفصال فإن اخترت الاقتناع فاقتنع بما أوردت لك من الشهادات والبراهين من كتابك ونبيك ومن ناموس القياس والعقل. فإن كان عندك سؤال آخر عن اعتقادي وديني فقل ما عندك فإنني معدّ لكل سؤال جوابا. قال المسلم: يا راهب إنما ننكر عليكم إذ تقولون إن الله والدا وتمسّون المسيح ابن الله. وقد قال الله فيما أنزله على نبيه محمد إن الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (سورة الإخلاص). قال الراهب: وقد قال في قرآنك إن الله لو أراد أن يتخذ له ولدا لاصطفاه من ولد آدم (سورة الزمر) أفتنكر أن الله اصطفى كلمته وروحه وسماها ولدا له. وإنما نبيك محمد لما عرف من غلظ فهمك وكثافة عقلك لئلا تتصور في الله ولادة جسمية قال لك قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد. يا مسلم أليس الكلمة البارزة من فم الإنسان مولودة من عقله؟ قال المسلم: نعم قال الراهب: أليس شعاع الشمس والضو مولودين من الشمس وكذلك النار تلد الضو أيضا. فإن قلت لك إن الكلمة مولودة من العقل والضو من الشمس والخمر من الكرمة فهل تنكر ذلك؟ قال المسلم: لا قال الراهب: فلِمَ تنكر علينا قولنا إن كلمة الله وروحه مولودة من الله ونسميها ابن الله. وإذا كان نبيك وقرآنك يشهدان أن المسيح روح الله وكلمته فلِمَ تنكر علينا قولنا إنه ابن الله. فإن ثبتَّ على إنكارك هذا فقد جعلت مبيك وكتابك كاذبين. فسكت الرشيد ولم يُجِب بشيء. فقال الأمير: فما بالك ساكتا يا رشيد. قال الرشيد: لأنه يصيدني بأقواله ويجادلني من قرآني كأنه صياد يحاول الظبي ويأخذ عليه الدروب ومخارج السبل فلا شكّ أن له تابعا من الجنّ. قال الراهب: وأنا لهذا أقصد بك ولهذا تعبت في إطالة الشرح لكي أصيدك وأدنيك مني وأوقفك على ما أنا عليه لتعرف الصدق والحق وتختاره طائعا. قال المسلم: إنما الحق عندي في ديني الذي أنزله الله على محمد نبيه المصطفى قال الراهب: ما معنى افتخارك هذا الباطل يا مسلم وكتابك ونبيك يشهدان لديني بالحق اليقين بقوله: إن الله حقق الحق بكلمته وروحه. وتارة يشهد عليكم نبيكم أنكم على هدى أم ضلال مبين وما أعلم ما بي وبكم. واهدنا السراط المستقيم. فلو كنتم على هدى لما جعلكم تسألون الهدى. ثم برز إلى الراهب أبو ظاهر الغدادي وقال يا راهب: سلام عليك قال الراهب: وعليك بما أتيت يا مسلم قال المسلم: ألا تقرّ أن المسيح إلهك قال الراهب: نعم قال المسلم: أفيجوز أن يكون الإله يولد من امرأة ويأكل ويشرب ثم يُصلب ويُضرب بالسياط ويوضع على رأسه إكليل من الشوك ويُلطَم ويُسقى خلا وصبرا ويموت ويُدفن كما تقولون أنتم النصارى؟ قال الراهب: ما بالك كنتَ مختفيا يا أبا ظاهر ولماذا لم تظهر إلى الآن؟ قال: فها قد ظهرت. قال الراهب: ما بالك أوردت أفعال سياسة المسيح التي تناسب إنسانيته ولم تذكر الأفعال التي تناسب ألوهيته من افتعال المعجبات والمعجزات في مدة مقامه بين عالمه وعند صلبه من الظلمة الحادثة في الشمس وتزلزل الأرض وانشقاق حجاب الهيكل وتشقق الصخور وانفتاح القبور ونشور الأموات وقيامته من القبر وصعوده إلى السماء. قال المسلم: إن كان المسيح كما تقول إلها مقتدرا وخالقا فلمَ اصطبر على هذه المكاره التي وصفناها؟ قال الراهب: إن المسيح يحوي طبيعتين طبيعة إلهية وطبيعة إنسانية فلذلك امتلك فعلين فعلا يناسب طبيعته الإلهية وفعلا يناسب طبيعته الإنسانية التي كوَّنها من طبيعة آدم. وكان قصده في اصطباره على تلك الحوادث المظنونة عندك مكاره ان يفيدنا فوائد كثيرة في اصلاح الأخلاق وإحكام أسرارها وهو لم يكن كارها لها ولا مقهورا عليها لأنه أرانا في ذات طبيعتنا التي اتحد بها نموذجا ومثالا للصبر على ما يرد علينا من النوائب والأحزان لأنّ المسيح لم يعلّم شيئا إلا وقد عمله حتى إذا ما صبرنا على محزنات هذا العالم نرث مفرحات الآخرة. واعتمد أيضا بذلك سرّا آخر عظيما وهو خلاص الخلائق من عبادة الأصنام لكونهم تحت سلطان إبليس اللعين الذي خدعهم وأضلّهم عن عبادة الله خالقهم وإلههم. قال المسلم: أفما كان الله قادرا أن يخلّص خلقه وعالمه دون أن يصابر تلك المكاره وأن يضرب إبليس عدوهم من علو عرشه وسمائه؟ قال الراهب: نعم قد كان قادرا ومالكا القدرة والسلطان على ذلك ولكنّ عدله وإنصافه أوقفه عن ذلك وهذا هو السر الذي أحكمه في حلوله واحتجابه في طبيعتنا واصطباره بحسب ظنك على تلك المكاره. قال المسلم: فهل عدله وإنصافه منعه عن بلوغ إرادته واستعمال سلطانه؟ قال الراهب: نعم. قال المسلم: أورد لنا الجواب بإيضاحٍ وبيان لنعرف ذلك ونفهمه. قال الراهب: فهم ذلك عسرٌ جدا عليك وعلى من كان نظيرك من أهل دينك لأن اعتقاد النصارى أن دينهم موضوع من الله وهو يناسب الطبيعة الإلهية والجوهر اللطيف وأوصافه معقولة غير محسوسة. وإن وجدت فيه شيئا محسوسا فهو يشير به إلى أمور معقولة تُفهم بالعقل الصافي من كدر العيشة الرخية الغليظة. وأما أنتم المسلمين العائشين بهوى الجسم واللذة وإلى غلظ الدم واللحم ولا يوجد عندكم ما يناسب الطبيعة الإلهية والجوهر اللطيف حتى إنكم بعد انحلالكم وموتكم ونقلتكم من هذه الدنيا إلى غيرها لا تتخيلون شيئا لطيفا ولا معقولا. ألا تقولون إنكم تنتقلون إلى جنة فيها أكل وشرب ونكاح؟ ولكن أنا أدنو منك وأتقرب إليك وأنحدر مع غلظ عقلك وكثافة لبّك واستعمل في إقناعك ألفاظا تناسب فهمك بِمَثَلٍ أورده لك أبيّن فيه المعنى عن سؤالك ولا تنكر عليَّ ذلك لأنّ الضرورة تدعوني إليه لأنّ الأخرس الأصم إن خاطبته بنطق اللسان فما تحظى منه بفهم أقوالك ولا يحصل عنده من كلامك منفعة بل يجب عليك أن تصير أخرس مثله وتبطل نطقك وتخاطبه بيديك وأصابعك وبسطها وجمعها وتومي إليه بعينيك وتحريك رأسك ورفع حواجبك. وكذلك الآباء يخاطبون أطفالهم الصغار بلغة تلايم سنّهم. قال المسلم: دع مداهشتك وتمويهاتك وسبّك إيّانا وذمّك لنا وأتنا بالجواب عما سألناك. قال الراهب: سأفعل ذلك إن رسم الأمير مولاي قال الأمير: قل ما عندك يا راهب فلا مُتَّ ولا فنيتَ قال الراهب: زعموا أيّها الأمير أن ملكا من الملوك الأوائل كان معظّما في ملكه ممجدا في شرفه مالكا في ذاته الفضائل جميعها وجملتها ثلاثة وهي العدل والقوة والحكمة. لأنه كان يملك العدل والإنصاف في غايته وكذلك من القوة والقدرة ما لا يمكن قياسه وكان له من الحكمة والمعرفة ما لا يردك قدره. وكان لهذا الملك عبد مُكَرَّم عنده في أعلى المراتب وأجل المنازل. فلما رأى (العبد) ذاته مقدما ومكرّما في الشرف والرتبة تداخله الإعجاب والكبرياء وتعظم برأيه وفكره واختار أن يكون نظير مولاه في الملك والكرامة. فعلم ذلك الملك الحكيم بحكمته ومعرفته بما أضمره ذلك العبد اللئيم من وخيم رأيه وسوء ضميره فطرحه عن مكانه وشرفه ونفاه من قصره ومرتبته بعد أن خلع عنه حلة شرفه. فلما خاب العبد من قصده وفقد أمله وافتكر فيما كان وإلى أين صار آيس من ذاته وتداخله الشر والحسد لبعده من الخير والصلاح وصار ماردا شريرا. وإذ لم يمكنه أن يوصل شره إلى الملك صار يعمل بحيله أن يواصل الإضرار من شره وخبثه بأهل تلك البلدة المختصّة بالملك. وإن سألتَ عما عمله أجبتك أنه وجد فضاءً (فسحة) واسعا في أرض تلك البلدة فاجتازها واحتوى عليها وجعلها له بستانا وغرس فيه أشجارا مثمرة ونُصوبا مطرفة وعمارات مزخرفة وجعل فيها أغاني وملاهي وغير ذلك مما يلذ الحواس وفتح أبواب ذلك البستان ونادى بعابر الطريق معلنا لكل من أراد الفرح والسرور والطرب والحبور فليقبل إلى داري وبستاني فإن عندي ما يلذه ويطربه ويسرّه ويبهجه. فصار كل من يعبر تلك الطريق وينظر ذلك البستان يطرب لحسنه ويميل نحوه ويدخل إليه مخدوعا بما يراه من ملاذ الجسم ونعيمه والعيش الرخي فيه. وكان لذلك العبد المارق رسمٌ وعادة (خطّة) يستعملها في كل من يحتوي عليه ويأتي إليه وهو أن كل إنسان دخل ذلك البستان من تلك البلدة، كان يُلذّه ويُسِرُّه ويُطرِبُه زمنا يسيرا ثم يقبض عليه ويربط يديه ورجليه ويرمي به في هاوية عميقة كانت في جانب ذلك البستان خفية لا يعلم بها أحد غيره وفيها مطامير ودهاليز مظلمة لا يمكن المطروح فيها أن يصعد منها بل يثبت في تلك الهاوية مخلدا ويدوم في هذا الشقا محزونا أبدا. وبقدر ما سُرَّ واستعمل من ملاذ ذلك البستان يكون شقاؤه وعذابه في تلك الهاوية كثيرا. يتبع ... [/COLOR][/SIZE] [/QUOTE]
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
المنتديات المسيحية
الرد على الشبهات حول المسيحية
مجادلة الأنبا جرجي مع ثلاثة من فقهاء المسلمين
أعلى